عمدة القاري شرح صحيح البخاري

94 - (كِتابُ التَّمَنِّي)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان التَّمَنِّي، وَهُوَ تفعل من الأمنية، وَالْجمع أماني، وَالتَّمَنِّي إِرَادَة تتَعَلَّق بالمستقبل فَإِن كَانَ فِي خير من غير أَن يتَعَلَّق بحسد فَهُوَ مَطْلُوب، وإلاَّ فَهُوَ مَذْمُوم، وَالْفرق بَين التَّمَنِّي والترجي أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصاً، فالترجي فِي الْمُمكن، وَالتَّمَنِّي أَعم من ذَلِك.

1 - (بابُ مَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من تمنى الشَّهَادَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّمَنِّي وَمن تمنى الشَّهَادَة، وَكَذَا لِابْنِ بطال، لَكِن بِغَيْر بَسْمَلَة، وأثبتها ابْن التِّين، لَكِن حذف لفظ: بَاب، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد الْبَسْمَلَة: مَا جَاءَ فِي التَّمَنِّي، وَاقْتصر الْإِسْمَاعِيلِيّ على: بَاب مَا جَاءَ فِي تمني الشَّهَادَة.

7226 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ، حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة وسَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ والّذِي نَفْسِي بِيدِهِ لَوْلا أَن رِجالاً يَكْرَهُونَ أنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدي وَلَا أجِدُ مَا أحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ، لَوَدِدْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ أُحْيا، ثُمَّ أُحْيا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيا، ثمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيا، ثُمَّ أقْتَلُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: مَا وَجه ظُهُوره وَمن أَيْن يُسْتَفَاد التَّمَنِّي فِي الحَدِيث؟ قلت: من لفظ وددت إِذْ التَّمَنِّي أَعم من أَن يكون بِحرف: لَيْت، وَغَيرهَا.
وَنصف السَّنَد من الأول بصريون، وَنصف الثَّانِي مدنيون.
وَعبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب تمني الشَّهَادَة.
قَوْله: بِيَدِهِ من المتشابهات، وَالْأَئِمَّة فِي أَمْثَالهَا طَائِفَتَانِ مفوضة ومؤولة. قَوْله: مَا تخلفت أَي عَن سَرِيَّة. قَوْله: لَوَدِدْت من الودادة وَهِي إِرَادَة وُقُوع شَيْء على وَجه مَخْصُوص يُرَاد، وَقَالَ الرَّاغِب: الود محبَّة الشَّيْء وتمني حُصُوله.

حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ، عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والّذِي نَفْسي بِيَدِهِ وَدِدْتُ إنِّي لأُقاتِلُ فِي سَبِيلِ الله فأقْتَلُ

(25/2)


ثُمَّ أُحْيا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أحْيا فكانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثاً: أشْهَدُ بِالله.
ا
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: لأقاتل بلام التَّأْكِيد من بَاب المفاعلة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِدُونِ اللَّام. قَوْله: يقولهن أَي: أقتل، ثَلَاثًا. قَوْله: أشهد بِاللَّه أَنه، قَالَ ذَلِك.
وَفَائِدَته التَّأْكِيد وَظَاهره أَنه من كَلَام الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة، أَي: أشهد بِاللَّه أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول كَلِمَات: أقتل، ثَلَاث مَرَّات.

2 - (بابُ تَمَنِّي الخَيْرِ وَقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ كَانَ لِي أُحدٌ ذَهَباً))

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان تمني الْخَيْر، وَهَذِه التَّرْجَمَة أَعم من التَّرْجَمَة الَّتِي قبلهَا لِأَن تمني الشَّهَادَة فِي سَبِيل الله من جملَة الْخَيْر وَأَشَارَ بِهَذَا الْعُمُوم إِلَى أَن التَّمَنِّي لَا ينْحَصر فِي طلب الشَّهَادَة. قَوْله: وَقَول النَّبِي بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: تمني الْخَيْر. قَوْله: لَو كَانَ لي أحد ذَهَبا جَوَاب، لَو، هُوَ قَوْله: لأحببت، على مَا يَأْتِي الْآن، وَلَكِن فِي حَدِيث الْبَاب: لَو كَانَ عِنْدِي، على مَا تقف عَلَيْهِ، وباللفظ الْمَذْكُور هُنَا مضى فِي الرقَاق مَوْصُولا.

7228 - حدّثنا إسْحاق بنُ نَصْرٍ، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، عنْ مَعَمْرٍ، عنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْ كانَ عِنْدِي أُحُدُ ذَهَباً لأحْبَبْتُ أنْ لاَ يَأْتِي ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينارٌ، لَيْسَ شَيْءٌ أرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَليَّ أجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ
انْظُر الحَدِيث 2389 وطرفه
قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَنَّهُ لَا يشبه التَّمَنِّي، ورد عَلَيْهِ بِأَن فِي قَوْله: لأحببت معنى التَّمَنِّي. وَقيل: إِنَّهَا بِمَعْنى: وددت. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: الحَدِيث لَا يُوَافق التَّرْجَمَة لِأَن: لَو، تدل على امْتنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره لَا لِلتَّمَنِّي، ثمَّ أجَاب بقوله: لَو، بِمَعْنى: أَن، لمُجَرّد الْمُلَازمَة ومحبة كَون غير الْوَاقِع وَاقعا هُوَ نوع من التَّمَنِّي فغايته أَن هَذَا تمن على هَذَا التَّقْدِير. قَالَ السكاكي: الْجُمْلَة الجزائية جملَة خبرية مُقَيّدَة بِالشّرطِ، فعلى هَذَا هُوَ تمن الشَّرْط.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً.
والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق فِي: بَاب قَول النَّبِي، مَا أحب أَن لي مثل أحد ذَهَبا.
قَوْله: ثَلَاث أَي: ثَلَاثَة أَيَّام، وَالْوَاو فِي: وَعِنْدِي، للْحَال. قَوْله: أرصده من الرصد أَو من الإرصاد. قَوْله: من يقبله الضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى الدِّينَار أَو إِلَى الدّين، وَالْجُمْلَة حَال. فَافْهَم.

3 - (بابُ قَوْلِ النبيِّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتدْبَرْتُ))

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت أَي: استدبرته، وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف تَقْدِيره: ماسقت الْهَدْي، على مَا يَأْتِي الْآن فِي حَدِيث الْبَاب.

7229 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهاب، حدّثني عُرْوةُ أنَّ عائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رسولُ الله لوَ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْري مَا اسْتَدْبَرْتُ. مَا سُقْتُ الهَدْي، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاس حِينَ حَلُّوا
ا
التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث. والْحَدِيث مضى فِي الْحَج.
قَوْله: لَو اسْتقْبلت أَي: لَو علمت فِي أول الْحَال مَا علمت آخرا من جَوَاز الْعمرَة فِي أشهر الْحَج مَا سقت معي الْهَدْي، أَي: مَا قارنت أَو مَا أفردت. قَوْله: ولحللت أَي: لتمتعت، لِأَن صَاحب الْهَدْي لَا يُمكن لَهُ الْإِحْلَال حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله.

(25/3)


7230 - حدّثنا الحَسَنُ بنُ عُمَرَ، حدّثنا يَزِيدُ، عنْ حَبِيبٍ، عنْ عَطاءٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رسولِ الله فَلَبَّيْنا بالحَجِّ وقَدِمْنا مَكَةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فأمَرَنا النبيُّ أنْ نَطُوفَ بالْبَيْتِ وبالصَّفا والمرْوَةِ وأنْ نَجْعَلَها عُمْرَةً ولْنَحِلَّ إلاّ مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: ولَمْ يَكُنْ مَعَ أحَدٍ مِنَّا هَدْيٌ غَيْرَ النبيِّ وَطَلْحةَ وجاءَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالَ: أهْلَلْتُ بِما أهَلَّ بِهِ رَسولُ الله فقالُوا: نَنْطَلِق إِلَى مِنًى، وذَكَرُ أحَدِنا يقْطُرُ، قَالَ رسولُ الله إنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أهْدَيْتُ، ولَوْلا أنَّ مَعِي الْهَدْي لَحَلَلْتُ قَالَ: ولَقِيَهُ سُرَاقَةُ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبةِ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ أَلنَا هاذِهِ خاصَّةً؟ قَالَ: لَا بَلْ لِأَبَدٍ قَالَ: وكانَتْ عائِشَةُ قَدِمَتْ مَكَّةَ وَهِيَ حائِضٌ، فأمَرَها النبيُّ أنْ تَنْسُكَ المَناسِكَ كُلَّها، غَيْرَ أنَّها لَا تَطُوفُ وَلَا تُصَلِّي حتَّى تَطْهُرَ، فَلَمَّا نَزَلُوا البَطْحاءَ قالَتْ عَائِشَةُ: يَا رسُولَ الله أتَنْطَلِقُونَ بِحَجْةٍ وعُمْرَةٍ وأنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أمَرَ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَن ينْطِلقَ مَعَها إِلَى التَّنْعِيمِ فاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِي ذِي الحَجَّةِ بَعْدَ أيَّامِ الحَجِّ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا جُزْء مِنْهُ.
وَشَيْخه الْحسن بن عمر بن شَقِيق الْبَصْرِيّ، وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن زُرَيْع الْبَصْرِيّ، وحبِيب ضد الْعَدو وَابْن أبي قريبَة أَبُو مُحَمَّد الْمعلم الْبَصْرِيّ، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب تقضي الْحَائِض الْمَنَاسِك كلهَا، إلاَّ الطّواف بِالْبَيْتِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: فلبينا بِالْحَجِّ أَي: كُنَّا مفردين. قَوْله: وَطَلْحَة هُوَ ابْن عبيد الله أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: فَقَالُوا أَي: الصَّحَابَة المأمورون بالإحلال. قَوْله: يقطر أَي: منياً بِسَبَب قرب عهدنا بِالْجِمَاعِ. قَوْله: وسراقة بِالضَّمِّ هُوَ ابْن مَالك الْكِنَانِي بالنونين.

4 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْتَ كَذَا وكَذَا))

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي الخ وَكلمَة: لَيْت، حرف تمنٍ يتَعَلَّق بالمستحيل غَالِبا وبالممكن قَلِيلا، وَمِنْه حَدِيث الْبَاب فَإِن كلا من الحراسة وَالْمَبِيت بِالْمَكَانِ الَّذِي تمناه قد وجد.

7231 - حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدثنَا سُلَيْمان بنُ بِلاَلٍ، حدّثني يَحْياى بنُ سَعيدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أرقَ النبيُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: لَيْتَ رجلا صالِحاً مِنْ أصْحابي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إذْ سَمِعْنا صَوْتَ السِّلاحِ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قيل، سَعْدٌ يَا رسولَ الله، جِئْتُ أحْرُسُكَ، فَنَامَ النبيُّ حتَّى سَمِعْنا غَطِيطَهُ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله، وقالَتْ عائِشَةُ: قَالَ بِلاَلٌ:
(ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلي إذْخِرٌ وجَليلُ)

فأخْبَرْتُ النبيَّ.
انْظُر الحَدِيث 2885
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة على مَا قُلْنَاهُ الْآن.
وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام البَجلِيّ الْكُوفِي، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن إِسْمَاعِيل بن الْخَلِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أرق أَي: سهر. قَوْله: قَوْله: ذَات لَيْلَة لفظ: ذَات، مقحم. قَوْله: سعد هُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قيل: لم احْتَاجَ إِلَى الحراسة وَالله عز وَجل قَالَ {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} {يَ اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} أُجِيب لَعَلَّه كَانَ قبل نزُول الْآيَة. قَوْله: غَطِيطه بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة صَوت النَّائِم ونفخه.

(25/4)


قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ. قَوْله: قَالَت عَائِشَة هُوَ تَعْلِيق مِنْهُ تقدم مَوْصُولا بِتَمَامِهِ فِي مقدم النَّبِي فِي كتاب الْهِجْرَة. قَوْله: إذخر حشيش طيب الرَّائِحَة، والجليل، بِفَتْح الْجِيم الثمام واحده جليلة، والثمام بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الثمام نبت ضَعِيف قصير لَا يطول.

5 - (بابُ تَمَنِّي القُرْآنِ والعِلْمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تمني قِرَاءَة الْقُرْآن وَتَحْصِيل الْعلم، وأضاف إِلَيْهِ: الْعلم، بطرِيق الْإِلْحَاق بِهِ فِي الحكم وَهَذَا حسن وَكَذَا كل تمن فِي أَبْوَاب الْخَيْر وَلَكِن إِنَّمَا يحوز مِنْهَا مَا كَانَ فِي معنى هَذَا الحَدِيث إِذا خلصت النِّيَّة فِي ذَاك، وخلص ذَلِك من الْبَغي والحسد.

7232 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: لَا تَحاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجُلٌ آتاهُ الله القُرْآن فَهْوَ يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ والنَّهار يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هاذا لَفعلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ الله مَالا يُنْفِقُهُ فِي حقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِي لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعلُ
انْظُر الحَدِيث 5026 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لَو أُوتيت لِأَن فِيهِ التَّمَنِّي.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث يَأْتِي فِي التَّوْحِيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي كتاب الْعلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ أَي: فِي خَصْلَتَيْنِ، ويروى: فِي اثْنَيْنِ، أَي: فِي شَيْئَيْنِ. قَوْله: رجل آتَاهُ الله الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف أَي: خصْلَة رجل. قَوْله: آنَاء اللَّيْل وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: من آنَاء اللَّيْل، بِزِيَادَة: من. قَوْله: يَقُول: لَو أُوتيت أَي: سامعه يَقُول: لَو أُوتيت، أَي: لَو أَعْطَيْت، وَظَاهره أَن الْقَائِل هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْقُرْآن وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ وأوضحه فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَلَفظه: فَسَمعهُ جَار لَهُ فَقَالَ: لَيْتَني أُوتيت ... إِلَى آخِره. قَوْله: لفَعَلت أَي: لقرأت أَولا ولأنفقت ثَانِيًا. قيل: هَذَا غِبْطَة لَا حسد. وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ: لَا حسد إِلَّا فيهمَا، لَكِن هَذَانِ لَا حسد فيهمَا فَلَا حسد كَقَوْلِه تَعَالَى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الاُْولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مر فِي كتاب الْعلم. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الَّذِي مضى فِي كتاب الْعلم من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق، وَرجل آتَاهُ الله الْحِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا.
حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا جَريرٌ بِهَذَا.
أَي: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا جرير بن عبد الحميد بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لَهُ شيخين فِي هَذَا الحَدِيث: أَحدهمَا عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير، وَالْآخر قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير أَيْضا.

6 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التَّمَنِّي، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن التَّمَنِّي الَّذِي فِيهِ الْإِثْم يكره. وَعَن الشَّافِعِي: لَوْلَا أَن نأثم بالتمني لتمنينا أَن يكون كَذَا، وَالتَّمَنِّي الَّذِي فِيهِ الْإِثْم هُوَ الَّذِي يكون دَاعيا إِلَى الْحَسَد والبغضاء.
{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً}
سيقت الْآيَة بكمالها فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِلَى قَوْله {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً} وَقَالَ الْمُهلب: بيّن الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة مَا لَا يجوز تمنيه، وَذَلِكَ مَا كَانَ من عرض الدُّنْيَا وأشباهه، وَقَالَ الطَّبَرِيّ

(25/5)


أَو قيل: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي نسَاء تمنين منَازِل الرِّجَال وَأَن يكون لَهُنَّ مَا لَهُم، فَنهى الله سُبْحَانَهُ عَن الْأَمَانِي الْبَاطِلَة إِذا كَانَت الْأَمَانِي الْبَاطِلَة تورث أَهلهَا الْحَسَد وَالْبَغي بِغَيْر الْحق. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: فِي هَذِه الْآيَة لَا يتمن الرجل بِأَن يَقُول: لَيْت لي مَال فلَان وَأَهله، فَنهى الله عَن ذَلِك وَأمر عباده أَن يسألوه من فَضله.

7233 - حدّثنا الْحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ، حدّثنا أبُو الأحْوَصِ، عنْ عاصِمٍ، عنَ النَّضْرِ بنِ أنَسٍ قَالَ: قَالَ أنَسٌ، رَضِي الله عَنهُ: لَوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ لَا تَتَمَنَّوا المَوْت لَتَمَنَّيْتُ
انْظُر الحَدِيث 5671 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن الرّبيع بن سُلَيْمَان البَجلِيّ الْكُوفِي يعرف بالبوراني، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَأَبُو الْأَحْوَص سلاّم بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْكُوفِي، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن حَامِد بن عمر.
قَوْله: لَا تَتَمَنَّوْا بتاءين فِي أَوله، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِحَذْف التَّاء الأولى للتَّخْفِيف، وَمعنى النَّهْي عَن تمني الْمَوْت هُوَ أَن الله عز وَجل قدر الْآجَال فمتمني الْمَوْت غير راضٍ بِقدر الله وَلَا يسلم لقضائه.

7234 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، حدّثنا عَبْدَةُ عنِ ابنِ أبي خالِد، عنْ قَيْسٍ قَالَ: أتَيْنا خَبَّابَ بنَ الأرَتِّ نَعُودُهُ، وقَدِ اكْتَوَى سَبْعاً، فَقَالَ: لَوْلا أنَّ رسُولَ الله نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَابْن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل. وَاسم أبي خَالِد سعد البَجلِيّ، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن آدم، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد وَفِي الرقَاق عَن أبي مُوسَى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: نعوده جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ وَقد اكتوى قيل: الْمَكِّيّ مَنْهِيّ عَنهُ. أُجِيب بِأَنَّهُ عِنْد عدم الضَّرُورَة أَو عِنْد اعْتِقَاد أَن الشِّفَاء مِنْهُ. قلت: فِي الْجَواب الأول نظر لَا يخفى.

7235 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أزْهَرَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن أبي الْيَمَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن عُثْمَان.
قَوْله: إِمَّا محسناً تَقْدِيره إِمَّا أَن يكون محسناً، وَكَذَا التَّقْدِير فِي قَوْله: وَإِمَّا مسيئاً وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق بِالرَّفْع فيهمَا، وَهَذَا هُوَ الأَصْل، وَيحْتَمل أَن يكون الْحَذف من بعض الروَاة. وَقد بَين رَسُول الله، مَا للمحسن والمسيء فِي أَن لَا يتَمَنَّى الْمَوْت، وَذَلِكَ ازدياد المحسن من الْخَيْر وَرُجُوع الْمُسِيء عَن الشَّرّ، وَذَلِكَ نظر من الله للْعَبد وإحسان مِنْهُ إِلَيْهِ خير لَهُ من تمنيه الْمَوْت. قَوْله: يستعتب أَي: يسترضي الله بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ مُشْتَقّ من الاستعتاب الَّذِي هُوَ طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أَي: يطْلب إِزَالَة العتاب وَهُوَ على غير قِيَاس إِذْ الاستفعال إِنَّمَا يبْنى من الثلاثي لَا من الْمَزِيد فِيهِ.

7 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلاَ الله مَا اهْتَدَيْنا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل: لَوْلَا الله مَا اهتدينا، هَكَذَا التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: بَاب قَول النَّبِي

7236 - حدّثنا عَبْدانُ، أَخْبرنِي أبي، عنْ شُعْبَةَ، حدّثنا أبُو إسْحاقَ، عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: كانَ النبيّ

(25/6)


ُ يَنْقُلُ مَعنا التُّرَابَ يَوْمَ الأحْزَابِ، ولَقَدْ رَأيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَياضَ بَطْنِهِ يَقُولُ:
(لَوْلا أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... نَحْنُ وَلاَ تَصَدَّقْنا ولاَ صَلّيْنا)

(فأنْزِلَن سَكِينَةً عَلَيْنا)

إنَّ الأُولى ورُبَّما قَالَ: أَن الملاِ قَدْ بَغَوْا عَلَيْناإذَا أرادُوا فِتْنَةً أأَيْناأبَيْنا
يُرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ

التَّرْجَمَة جُزْء لما فِي الحَدِيث لِأَن فِيهِ: لَوْلَا الله، أَيْضا فِي رِوَايَة شُعْبَة.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن أَبِيه عُثْمَان بن جبلة بن أبي رواد الْبَصْرِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَقد مضى هَذَا فِي: بَاب حفر الخَنْدَق فِي غَزْوَة الخَنْدَق، من حَدِيث شُعْبَة بأتم سياقاً، وَمضى فِي الْجِهَاد أَيْضا.
قَوْله: وَلَقَد رَأَيْته أَي: رَسُول الله قَوْله: وارى أَي غطى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه وَهِي جملَة حَالية بِحَذْف حرف: قد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} قَوْله: بَطْنه ويروى: إبطَيْهِ. فأنزلن بالنُّون الْخَفِيفَة للتَّأْكِيد. قَوْله: سكينَة هِيَ الْوَقار والطمأنينة. قَوْله: إِن الأولى أَي: إِن الَّذين وَرُبمَا قَالَ: إِن الْمَلأ وَتقدم فِي الْجِهَاد: إِن العدا. قَوْله: بغوا أَي: ظلمُوا قَوْله: أَبينَا من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع وَهُوَ مُكَرر، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة.

8 - (بابُ كَرَاهِيَةِ تَمَنِّى لِقَاءَ العَدُوِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة تمني لِقَاء الْعَدو، وَمضى فِي أَوَاخِر الْجِهَاد: بَاب لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو، فَإِن قلت يجوز تمني الشَّهَادَة لِأَن تمنيها مَحْبُوب فَكيف ينْهَى عَن لِقَاء الْعَدو؟ قلت: حُصُول الشَّهَادَة أخص من اللِّقَاء لِإِمْكَان تَحْصِيل الشَّهَادَة مَعَ نصْرَة الْإِسْلَام ودوام عزه، واللقاء هَذَا يُفْضِي إِلَى عكس ذَلِك، فَنهى عَن تمنيه، وَلَا يُنَافِي فِي ذَلِك تمني الشَّهَادَة. وَقيل: لَعَلَّ الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِمن يَثِق بقوته ويعجب بِنَفسِهِ وَنَحْو ذَلِك.
ورَواهُ الأعْرَجُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيِّ
أَي: وروى الْمَذْكُور من كَرَاهِيَة تمني لِقَاء الْعَدو. عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي وَقد مر هَذَا فِي الْجِهَاد مُعَلّقا من رِوَايَة عبد الْملك الْعَقدي عَن مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج. وَمضى الْكَلَام فِيهِ، فَليُرَاجع إِلَيْهِ هُنَاكَ.

حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا مُعاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ و، حدّثنا أبُو إسْحاقَ، عنْ مُوسَى بنِ عُقْبةَ، عنْ سالِمٍ أبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله، وكانَ كاتِباً لَهُ، قَالَ: كَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الله بنُ أبي أوْفاى فَقَرَأتُهُ، فَإِذا فِيهِ أنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا الله العافِيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ أَصله كُوفِي وَهُوَ أَيْضا أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الْجُمُعَة وروى عَن عبد الله المسندي وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم وَأحمد بن أبي رَجَاء عَنهُ فِي مَوَاضِع، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وبالزاي، ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف الإِمَام فِي الْمَغَازِي، وَسَالم أَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة مولى عمر بن عبيد الله.
قَوْله: وَكَانَ كَاتبا لَهُ أَي وَكَانَ سَالم أَبُو النَّضر كَاتبا لعمر بن عبيد الله الْقرشِي. قَوْله: قَالَ: كتب إِلَيْهِ أَي: قَالَ سَالم: كتب إِلَى عمر بن عبيد الله عبد الله بن أبي أوفى الصَّحَابِيّ، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو.
قَوْله: وسلوا الله الْعَافِيَة

(25/7)


أَي السَّلامَة من المكروهات والبليات فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَفِي الحَدِيث: دلَالَة على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْكِتَابَةِ دون السماع.

9 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز أَن يُقَال: لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا، قَوْله: من اللو، بِسُكُون الْوَاو، ويروى بِالتَّشْدِيدِ وَلما أَرَادوا إعرابها جعلوها اسْما بالتعريف ليَكُون عَلامَة لذَلِك وبالتشديد ليصير مُتَمَكنًا، قَالَ الشَّاعِر:
(ألام على لوَ وَلَو كنت عَالما ... بأذناب لَو م تفتني أَوَائِله)

وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الأَصْل: لَو، سَاكِنة الْوَاو وَهِي حرف من حُرُوف الْمعَانِي يمْتَنع بهَا الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره غَالِبا، فَلَمَّا أَرَادوا إعرابها أَتَوْ فِيهَا بالتعريف ليَكُون عَلامَة لذَلِك، وَمن ثمَّة شدد الْوَاو، وَقد سمع بِالتَّشْدِيدِ منوناً، قَالَ الشَّاعِر: وَذكر الْبَيْت الْمَذْكُور. وَقَالَ ابْن التِّين فِي بعض النّسخ وَتَبعهُ الْكرْمَانِي فِي بَاب مَا يجوز من لَو بِغَيْر ألف وَلَام وَلَا تَشْدِيد على الأَصْل: وَقَالَ بَعضهم: لَعَلَّه من إصْلَاح بعض الروَاة لكَونه لم يعرف وَجهه. قلت: هَذَا هُوَ الصَّوَاب لِأَن مَعْنَاهُ بَاب مَا يجوز من ذكر لَو فِي كَلَامه لَا يحْتَاج إِلَى تكلفات بعيدَة، وَأما الشَّاعِر فَإِنَّهُ شدد: لَو، للضَّرُورَة، وَنسبَة بعض الروَاة إِلَى عدم معرفَة وَجه ذَلِك من سوء الْأَدَب.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}
هَذَا حِكَايَة عَن قَول لوط، عَلَيْهِ السَّلَام وَتَمَامه: {وآوى إِلَى ركن شَدِيد} وَاحْتج بِهِ البُخَارِيّ على جَوَاز اسْتِعْمَال: لَو، فِي الْكَلَام. وَقَالَ عِيَاض: الَّذِي يفهم من تَرْجَمَة البُخَارِيّ وَمِمَّا ذكره فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث أَنه يجوز اسْتِعْمَال: لَو وَلَوْلَا، فِيمَا يكون للاستقبال مِمَّا فعله لوُجُود غَيره، ثمَّ قَالَ: النَّهْي على ظَاهره وعمومه لكنه نهي تَنْزِيه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر أَن النَّهْي عَن إِطْلَاق ذَلِك فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ، وَأما من قَالَه تأسفاً على مَا فَاتَهُ من طَاعَة الله أَو مَا هُوَ مُتَعَذر عَلَيْهِ وَنَحْو هَذَا فَلَا بَأْس بِهِ، وَعَلِيهِ يحمل أَكثر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُودَة فِي الْأَحَادِيث، ثمَّ إِن جَوَاب: لَو، فِي قَوْله: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} مَحْذُوف تَقْدِير: لقاتلتكم وَالْمعْنَى: لَو كَانَ لي قُوَّة أَي مَنْعَة وشيعة تنصرني، وقصته مَشْهُورَة فِي التَّفْسِير.

7238 - حدّثنا عَليُّ بن عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابنُ عَبَّاسٍ المُتلاعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ الله بن شَدَّادٍ: أهِيَ الَّتِي قَالَ رسولُ الله لَوْ كُنْتُ رَاجِماً امْرأةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ قَالَ: لَا، تِلْكَ امْرأةٌ أعْلَنَتْ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: لَو كنت راجماً
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ذكر ابْن عَبَّاس المتلاعنين أَي: قصتهما. قَوْله: فَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال ابْن الْهَاد واسْمه أُسَامَة بن عَمْرو اللَّيْثِيّ الْكُوفِي. قَوْله: أَهِي الَّتِي أَي: أَهِي الْمَرْأَة الَّتِي قَالَ رَسُول الله، إِلَى آخِره، ويوضحه مَا قد مضى فِي اللّعان فِي: بَاب قَول النَّبِي لَو كنت راجماً بِغَيْر بَيِّنَة، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن ابْن عَبَّاس: أَنه ذكر التلاعن عِنْد النَّبِي الحَدِيث وَفِيه: فَأَتَاهُ رجل من قومه يشكو إِلَيْهِ قد وجد مَعَ امْرَأَته رجلا ... إِلَى آخِره، وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي قَالَ عبد الله بن شَدَّاد: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُول الله لَو كنت راجماً امْرَأَة من غير بَيِّنَة وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لرجمتها. قَوْله: قَالَ: لَا أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيست تِلْكَ الْمَرْأَة، وَقَالَ: تِلْكَ امْرَأَة أعلنت أَي: أعلنت السوء فِي الْإِسْلَام.

7239 - حدّثنا عَليٌّ، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرٌ و: حدّثنا عَطاءٌ قَالَ: أعْتَمَ النبيُّ بالعِشاءِ فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رسولَ الله رَقَدَ النِّساءُ والصِّبْيانُ، فَخَرَجَ ورَأسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ:

(25/8)


لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلى أُمَّتي أوْ عَلى النَّاسِ، وَقَالَ سُفيانُ أيْضاً، عَلَى أُمَّتي لأمَرْتُهُمْ بِالصَّلاةِ هاذِهِ السَّاعةَ
وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطاءٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ: أخَّرَ النبيُّ هاذِهِ الصَّلاةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله رَقَدَ النَّساءُ والْوِلْدان، فَخَرَجَ وهْوَ يَمْسَحُ الماءَ عنْ شِقِّهِ يَقُولُ: إنَّه لَلْوَقْتُ لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
وَقَالَ عمْرُو: حدّثنا عَطاءٌ لَيْسَ فِيهِ ابنُ عبَّاسٍ، أمَّا عَمْرٌ وفقال: رَأسْهُ يَقْطُرُ.
وَقَالَ ابنُ جُرَيْج: يَمْسَحُ الماءَ عنْ شِقِّهِ.
وَقَالَ عَمرُو: لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلى أُمَّتي.
وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: إنّهُ لَوَقْتُ، لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلى أُمَّتِي.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بنُ الْمُنْذِرِ: حدّثنا مَعْنٌ حدّثني مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ عَمْرٍ وعنْ عَطاءٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ عَن النبيِّ
انْظُر الحَدِيث 571
قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن التَّرْجَمَة معقودة على: لَو، وَفِي هَذَا الحَدِيث لَوْلَا، وَلَو لِامْتِنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره، لَوْلَا لِامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره، فبينهما بون بعيد. وَأجِيب بِأَن مآل: لَوْلَا، إِلَى: لَو، إِذْ مَعْنَاهُ: لَو لم تكن الْمَشَقَّة لأمرتهم. وَيحْتَمل أَن يُقَال: أَصله: لَو زيد عَلَيْهِ لَا.
قد ذكر فِي هَذَا الْبَاب تِسْعَة أَحَادِيث فِي بَعْضهَا النُّطْق: بلو، وَفِي بَعْضهَا لَوْلَا.
وَشَيخ البُخَارِيّ هُنَا عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
قَوْله: قَالَ أعتم النَّبِي أَي: قَالَ عَطاء: أعتم النَّبِي إِلَى قَوْله، قَالَ ابْن جريج: مُرْسل، وَشرح الْمَتْن فِيهِ مضى فِي الصَّلَاة، ولنذكر بعض شَيْء. قَوْله: أعتم أَي: أَبْطَأَ وَاحْتبسَ أَو دخل فِي ظلمَة اللَّيْل. قَوْله: الصَّلَاة مَنْصُوب على الإغراء، وَيجوز الرّفْع على تَقْدِير هِيَ الصَّلَاة، أَي: وَقتهَا. قَوْله: يقطر أَي: مَاء. قَوْله: لَوْلَا أَن أشق بِضَم الشين أَي: لَوْلَا أَن أثقل عَلَيْهِم وأدخلهم فِي الْمَشَقَّة.
قَوْله: وَقَالَ سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي.
قَوْله: قَالَ ابْن جريج إِلَى قَوْله: وَقَالَ عَمْرو ومسند، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَهُوَ لَيْسَ بتعليق بل هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: والولدان جمع وليد وَهُوَ الصَّبِي. قَوْله: إِنَّه للْوَقْت أَي: إِن هَذَا الْوَقْت وَقت الصَّلَاة، وَاللَّام مَفْتُوحَة أَي: لَوْلَا أَن أشق عَلَيْهِم لحكمت بِأَن هَذِه السَّاعَة هِيَ وَقت صَلَاة الْعشَاء. قَوْله: وَقَالَ عَمْرو أَي: ابْن دِينَار: حَدثنَا عَطاء أَي ابْن أبي رَبَاح لَيْسَ فِيهِ أَي فِي سَنَده عبد الله بن عَبَّاس.
قَوْله: أما عَمْرو إِلَى قَوْله: وَقَالَ إِبْرَاهِيم إِشَارَة إِلَى اخْتِلَاف لفظ عَمْرو، وَلَفظ ابْن جريج فِيمَا روياه: فَقَالَ عَمْرو: رَأسه يقطر، وَقَالَ ابْن جريج: يمسح المَاء عَن شقَّه، وَكَذَا اخْتِلَافهمَا فِيمَا بعد ذَلِك حَيْثُ قَالَ عمر: وَلَوْلَا أَن أشق على أمتِي، وَقَالَ ابْن جريج. . أَنه للْوَقْت.
قَوْله: وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، على وزن اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن عبد الله بن الْمُنْذر أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، وروى عَن مُحَمَّد بن أبي غَالب حَدِيثا فِي الاسْتِئْذَان، وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن معن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن عِيسَى الْقَزاز بِالْقَافِ وَتَشْديد الزَّاي الأولى عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي وَهَذَا مَوْصُول بِذكر ابْن عَبَّاس، وَهُوَ مُخَالف لتصريح سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بِأَن حَدِيثه لَيْسَ فِيهِ ابْن عَبَّاس، قيل: هَذَا يعد من أَوْهَام الطَّائِفِي وَهُوَ مَوْصُوف بِسوء الْحَظ. قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل فيكف رَضِي البُخَارِيّ بِإِخْرَاجِهِ عَنهُ مَوْصُولا؟ .

7240 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، عنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْلاَ أَن أشُقَّ عَلى أُمَتِي لأمَرْتُهُمْ بالسِّوَاك
انْظُر الحَدِيث 887
وَجه الْمُطَابقَة قد ذَكرْنَاهُ. وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
تَابَعَهُ سُلَيْمانُ بنُ المُغَيرةِ عنْ ثابِتٍ عنْ أنسٍ عنِ النبيِّ

(25/9)


قد ذكر هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كثير من النّسخ بعد حَدِيث أنس الَّذِي يَأْتِي، قيل: كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب ثُبُوتهَا بعد حَدِيث أنس، فحينئذٍ معنى: تَابعه، تَابع حميدا عَن ثَابت سلميان بن الْمُغيرَة الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم من طَرِيق أبي النَّضر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة.

7241 - حدّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، حَدثنَا عَبْدُ الأعْلَى، حَدثنَا حُمَيْدٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: واصَلَ النبيُّ آخِرَ الشَّهْر ووَاصَلَ أناسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ النبيَّ فَقالَ لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وصالاً يَدَعُ المُتَعَمِّقُون تَعَمُّقَهُمْ، إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي أظَلُّ يُطْعِمُنِي ربِّي ويَسْقِينِ
انْظُر الحَدِيث 1961
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لَو مد بِي الشَّهْر أَي: لَو كمل بِي الشَّهْر، وَجَوَاب: لَو، هُوَ قَوْله: قَوْله: لواصلت
وَعَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى السَّامِي الْبَصْرِيّ، وَحميد ابْن أبي حميد الطَّوِيل يروي عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك، وَتارَة يروي حميد عَن أنس بِلَا وَاسِطَة فِي الْأَكْثَر. والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم.
قَوْله: أنَاس بِضَم الْهمزَة هُوَ النَّاس، قَالَ الْكرْمَانِي مَا مَعْنَاهُ. قلت: التَّنْوِين فِيهِ للتَّبْعِيض كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءْايَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} أَو للتقليل كَمَا فِي قَوْله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذاَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} قَوْله: يدع أَي: يتْرك، المتعمقون أَي المتكلفون المتشددون. قَوْله: أظل أَي: أَصْبِر حَال كوني يطعمني رَبِّي ويسقين قَالَ الْكرْمَانِي: فِي هَذِه الرِّوَايَة: أظل، فَكيف صَحَّ الصّيام مَعَ الْإِطْعَام بِالنَّهَارِ؟ وَفِي الَّتِي بعْدهَا: أَبيت، فَكيف صَحَّ الْوِصَال؟ قلت: الْغَرَض من الْإِطْعَام لَازمه وَهُوَ التقوية.

7242 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللّيْثُ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ سَعيد بنَ المُسَيَّبِ أخْبَرَهُ، أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رسَولُ الله عنِ الوِصالِ قالُوا: تُوَاصِلِ؟ قَالَ: أيُّكُمْ مِثْلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُني ربِّي ويَسْقِينِ فَلَمَّا أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا واصَلَ بهِمْ يَوْماً، ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأوُا الهِلاَلَ فَقَالَ: لَوْ تَأخرَ لَزِدْتُكُم كالمُنَكِّلِ لَهُمْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَبَقِيَّة الرِّجَال تقدمُوا غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم.
قَوْله: وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد هُوَ ابْن مُسَافر الفهمي أَمِير مصر، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أبي صَالح عَن اللَّيْث. قَوْله: كالمنكل لَهُم بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَكسر الْكَاف الْمُشَدّدَة أَي: كالمعذب لَهُم.

7243 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا أبُو الأحْوَصِ، حدّثنا أشْعَثُ، عنِ الأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ عنْ عَائِشَةَ قالَتْ، سألْتُ النبيَّ عنِ الجَدْرِ أمِنَ البَيْتِ هُوَ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ فَما لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَكَ قَصَّرَتْ بِهِمِ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَما شأنُ بابِهِ مُرْتَفِعاً؟ قَالَ: فَعَلَ ذَاكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شاءُوا، ويَمْنَعُوا مَنْ شاءُوا، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بالجاهليَّةِ فأخافُ أنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي البَيْتِ وأنْ ألْصِقَ بابَهُ فِي الأرْضِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لَوْلَا ووجهها مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم، وَأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة والثاء الْمُثَلَّثَة ابْن أبي الشعْثَاء الْكُوفِي، وَالْأسود بن يزِيد من الزِّيَادَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله:

(25/10)


عَن الْجدر بِفَتْح الْجِيم يَعْنِي: الْحجر بِكَسْر الْحَاء وَيُقَال لَهُ: الْحطيم أَيْضا. قَوْله: فَمَا لَهُم؟ ويروى: مَا بالهم؟ قَوْله: لم يدخلوه بِضَم الْيَاء من الإدخال وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى الْجدر. قَوْله: قصرت بهم النَّفَقَة أَي: آلَات الْعِمَارَة من الْحجر وَغَيره وَلم يُرِيدُوا أَن يضيفوا إِلَيْهَا من خَارج مَا كَانَ فِي زمَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: فعل ذَاك أَي: ارْتِفَاع الْبَاب. قَوْله: ليدخلوا أَي: لِأَن يدخلُوا من الإدخال. قَوْله: من شَاءُوا مَفْعُوله. قَوْله: إِن قَوْمك يَعْنِي: قُريْشًا، ويروى: إِن قومِي. قَوْله: حَدِيث عهد أَي: جَدِيد عهد بِالْإِضَافَة ويروى: حَدِيث عَهدهم، بِرَفْع: عَهدهم بقوله: حَدِيث، بِالتَّنْوِينِ وَجَوَاب: لَوْلَا، مَحْذُوف أَي: لفَعَلت قَوْله: أَن أَدخل بِضَم الْهمزَة وَهُوَ فعل الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع، وَكَذَا قَوْله: أَن ألصق من الإلصاق.

7244 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرأً مِنَ الأنْصارِ، ولَوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وسَلَكَتِ الأنْصارُ وادِياً أَو شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ أوْ شِعْبَ الأنْصارِ.
انْظُر الحَدِيث 3779
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَمضى الحَدِيث فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار.
قَوْله: لَوْلَا الْهِجْرَة قَالَ محيي السّنة: لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الِانْتِقَال عَن النّسَب الولادي لِأَنَّهُ حرَام مَعَ أَن نسبه أفضل الْأَنْسَاب، وَإِنَّمَا أَرَادَ النّسَب البلادي أَي: لَوْلَا أَن الْهِجْرَة أَمر ديني وَعبادَة مَأْمُور بهَا لانتسبت إِلَى داركم، وَالْغَرَض مِنْهُ التَّعْرِيض بِأَن لَا فَضِيلَة أَعلَى من النُّصْرَة بعد الْهِجْرَة، وَبَيَان أَنهم بلغُوا من الْكَرَامَة مبلغا، لَوْلَا أَنه من الْمُهَاجِرين لعد نَفسه من الْأَنْصَار. قَوْله: شعبًا بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة: الطَّرِيق فِي الْجَبَل وَمَا انفرج بَين الجبلين، وَالْأَنْصَار هم الصَّحَابَة المدنيون الَّذين آووا ونصروا أَي: أتابعهم فِي طرائقهم ومقاصدهم فِي الْخيرَات والفضائل.

7245 - حدّثنا مُوسَى، حدّثنا وُهيْبٌ، عنْ عَمْرِو بنِ يَحْياى، عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ زَيْدٍ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرأً مِنَ الأنْصارِ، ولَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً أوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ وشِعْبَها
انْظُر الحَدِيث 433
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ. وَشَيخ البُخَارِيّ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو بن يحيى الْمَازِني الْأنْصَارِيّ، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد، سمع عَمه عبد الله بن زيد الْمدنِي الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَمضى الحَدِيث فِي غَزْوَة الطَّائِف بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ مطولا.
تابَعَهُ أبُو التَّيَّاحِ عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ فِي الشِّعْبِ.
أَي: تَابع عباد بن تَمِيم أَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة يزِيد بن حميد الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وبالعين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ عَن أنس فِي الشّعب يَعْنِي: فِي قَوْله: لَو سلك النَّاس وَاديا أَو شعبًا لَسَلَكْت وَأدِّي الْأَنْصَار أَو شِعْبهمْ