عمدة القاري شرح صحيح البخاري

46

- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {يَ اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ الرِّسالة، وعَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البَلاَغُ وعَلْينا التَّسْلِيمُ.)

(25/183)


أَي هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى ... إِلَى آخِره، قَالَ الْكرْمَانِي: الشَّرْط وَالْجَزَاء متحدان، إِذْ معنى إِن لم تفعل إِن لم تبلغ. وَأجَاب بِأَن المُرَاد من الْجَزَاء لَازمه نَحْو: من كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ. قَوْله: رسالاته، أَي: الْإِرْسَال لَا بُد فِي الرسَالَة من ثَلَاثَة أُمُور الْمُرْسل والمرسل إِلَيْهِ وَالرَّسُول، وَلكُل مِنْهُم أَمر: للمرسل الْإِرْسَال، وَلِلرَّسُولِ التَّبْلِيغ وللمرسل إِلَيْهِ الْقبُول وَالتَّسْلِيم.
وَقَالَ: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً} وَقَالَ تَعَالَى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}
وَقَالَ هَكَذَا فِي بعض النّسخ بِدُونِ ذكر فَاعله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَالَ الله: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً}
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عنِ النبيِّ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ هُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، عَن غَزْوَة تَبُوك. قَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مناسبته لهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّفْوِيض والانقياد وَالتَّسْلِيم، وَلَا يستحسن أحد أَن يُزكي أَعماله بالعجلة، بل يُفَوض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى. وَحَدِيث كَعْب فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة مطولا.
وقالَتْ عائِشَةُ: إذَا أعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِىءٍ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أحَدٌ.
أَرَادَت عَائِشَة بذلك أَن أحدا لَا يستحسن عمل غَيره، فَإِذا أعجبه ذَلِك فَلْيقل: اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون قَوْله: وَلَا يستخفيك أحد بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الثَّقِيلَة للتَّأْكِيد، حَاصِل الْمَعْنى: لَا تغتر بِعَمَل أحد فتظن بِهِ الْخَيْر إلاَّ إِن رَأَيْته وَاقِفًا عِنْد حُدُود الشَّرِيعَة. وَهَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد مطولا، وَفِيه إِذا أعْجبك حسن عمل امرىء إِلَى آخِره، وأرادت بِالْعَمَلِ مَا كَانَ من الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَنَحْوهمَا، فَسَمت كل ذَلِك عملا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} هاذَا القُرْآنَ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} بَيانٌ ودِلاَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} هاذَا حُكْمُ الله.
معمر بِفَتْح الميمين قيل: هُوَ أَبُو عُبَيْدَة بِالضَّمِّ اللّغَوِيّ وَقيل: هُوَ معمر بن رَاشد الْبَصْرِيّ ثمَّ التَّيْمِيّ. قَوْله: هَذَا الْقُرْآن، يَعْنِي: ذَلِك، بِمَعْنى: هَذَا، وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور، وَهُوَ أَن ذَلِك للبعيد وَهَذَا للقريب. كَقَوْلِه: {لكم حكم الله} أَي: هَذَا حكم الله وَكَقَوْلِه: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا أَي: هَذِه أَعْلَام الْقُرْآن. قَوْله: {هدى لِلْمُتقين} فسره بقوله: بَيَان وَدلَالَة، بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا ودلولة أَيْضا، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي. قَالَ: الْفَتْح أَعلَى. قَالَ الْكرْمَانِي: تعلقه بالترجمة نوع من التَّبْلِيغ سَوَاء كَانَ بِمَعْنى الْبَيَان أَو الدّلَالَة.
{ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} لَا شَكَّ {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا يَعْنِي هاذِهِ أعْلاَمُ القُرْآنِ.
فسر قَوْله: {لَا ريب فِيهِ} أَي: لَا شكّ. قَوْله: بِكُل آيَات الله أَي: هَذِه آيَات الله، وَاسْتعْمل: تِلْكَ، الَّتِي للبعيد فِي مَوضِع: هَذِه، الَّتِي للقريب.
ومِثْلُهُ: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّو اْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} يَعني: بِكُمْ.
أَي: مثل الْمَذْكُور فِيمَا مضى فِي اسْتِعْمَال الْبعيد وَإِرَادَة الْقَرِيب. قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} يَعْنِي: بكم.
وَقَالَ أنَسٌ: بَعَثَ النبيُّ خالهُ حَرَاماً إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ: أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسالَةَ رسولِ الله فَجَعَل يُحَدِّثُهُمْ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مَوْصُولا من طَرِيق همام عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس، قَالَ: بعث النَّبِي أَقْوَامًا من بني سليم ... الحَدِيث، وَلَفظه فِي الْمَغَازِي: عَن أنس: فَانْطَلق حرَام أَخُو أم سليم فَذكره، وَحرَام ضد حَلَال ابْن

(25/184)


ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الْأنْصَارِيّ البدري الأحدي، بَعثه رَسُول الله إِلَى بني عَامر فَقَالَ لَهُم: أتؤمنوني؟ أَي: تجعلوني آمنا، فآمنوه فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثهُمْ عَن النَّبِي إِذا أومؤوا إِلَى رجل مِنْهُم فطعنه، فَقَالَ: الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة. وَقد مر فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة، فَافْهَم.

7530 - حدّثنا الفَضْلُ بنُ يَعْقُوبَ، حدّثنا عبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدثنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا سَعيدُ بنُ عَبْيدِ الله الثَّقَفِيُّ، حدّثنا بَكْرُ بنُ عَبْدِ الله المُزَنِيُّ وزِيادُ بنُ جُبَيْرٍ بنِ حَيَّةَ، عنْ جُبَيْرِ بنِ حَيَّةَ، قَالَ المُغِيرَةُ: أخبرنَا نَبِيُّنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ رِسالةِ رَبِّنا، أنّهُ: مَنْ قُتِلَ مِنَّا صارَ إِلَى الجَنَةِ
انْظُر الحَدِيث 3159
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْفضل بن يَعْقُوب الرخامي الْبَغْدَادِيّ، وَعبد الله بن جَعْفَر الرقي، وَزِيَاد بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن حَبَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ يروي عَن وَالِده جُبَير بن حَيَّة، والمغيرة هُوَ ابْن شُعْبَة.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي كتاب الْجِزْيَة. وَفِي التَّوْضِيح إِسْنَاد حَدِيث الْمُغيرَة فِيهِ موضعان نبه عَلَيْهِمَا الجياني. أَحدهمَا: كَانَ فِي أصل أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ معمر بن سُلَيْمَان، ثمَّ ألحق تَاء بَين الْعين وَالْمِيم فَصَارَ: مُعْتَمِرًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ ثَانِيهمَا: سعيد بن عبيد الله مُصَغرًا هُوَ الصَّوَاب، وَوَقع فِي نُسْخَة أبي الْحسن مكبراً، وَكَذَا كَانَ فِي نُسْخَة أبي مُحَمَّد عبد الله إلاَّ أَنه أصلحه بِالتَّصْغِيرِ فَزَاد يَاء وَكتب فِي الْحَاشِيَة: هُوَ سعيد بن عبيد الله بن جُبَير بن حَيَّة، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن السكن على الصَّوَاب، وحية بن مَسْعُود بن معتب بن مَالك بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن ثَقِيف، اتفقَا عَلَيْهِ، عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِأَبِيهِ جُبَير، ولاه زِيَاد أصفهان. وَتُوفِّي فِي أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان، وَقد روى عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ صَاحب التَّوْضِيح ورايت بِخَط الدمياطي: معمر بن سُلَيْمَان، قيل: إِنَّه وهم وَالصَّوَاب مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، لِأَن عبد الله بن جَعْفَر لَا يروي عَن معمر، وَهَذَا عكس مَا أسلفناه عَن الجياني.

7531 - حدّثنا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إسْماعِيلَ، عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّداً كتَمَ شَيْئاً
وَقَالَ مُحَمَّدٌ، حَدثنَا أبُو عامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدثنَا شُعْبَةُ، عنْ إسْماعيل بنِ أبي خالِدٍ، عنِ الشّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ النبيَّ كتَمَ شَيَئْاً مِنَ الوَحْيِ فَلاَ تُصَدِّقْهُ إنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {يَ اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
ا
مطابقته للترجمتة ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين أَولهمَا: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ البُخَارِيّ البيكندي عَن سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد واسْمه سعد، على خلاف فِيهِ، عَن عَامر الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد وَهُوَ إِن كَانَ مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي الأول فَهُوَ مَرْفُوع، وَإِن كَانَ غَيره يكون مُعَلّقا. وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي.
قَوْله: يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن مَا أنزل عَام وَالْأَمر للْوُجُوب فَيجب عَلَيْهِ تَبْلِيغ كل مَا أنزل عَلَيْهِ.

7532 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله أيُّ الذَّنْبِ أكْبَرُ عِنْدَ الله تَعَالَى؟ قَالَ: أنْ تَدْعُوَ نِدّاً وهْوَ خَلَقَكَ قَالَ: ثُمَّ أيّ؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أيِّ؟ قَالَ: أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ

(25/185)


جارِكَ فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَها {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهَاءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الآيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن يكون نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة قبل الحَدِيث، وَأَن النَّبِي استنبط مِنْهَا هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَبَلغهَا فَيكون الحَدِيث مِمَّا تضمنته الْآيَة فَيدْخل فِيهَا وَفِي تبليغها.
والْحَدِيث مضى عَن قريب بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

47 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} وَسبب نُزُولهَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: كَانَ إِسْرَائِيل اشْتَكَى عرق النِّسَاء فَكَانَ لَهُ صياح فَقَالَ: إِن أبرأني الله من ذَلِك لَا آكل عرقاً. وَقَالَ عَطاء: لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا. قَالَ الضَّحَّاك: قَالَ الْيَهُود لرَسُول الله، حرم علينا هَذَا فِي التَّوْرَاة، فأكذبهم الله تَعَالَى وَأخْبر أَن إِسْرَائِيل حرم على نَفسه من قبل أَن تنزل التَّوْرَاة ودعاهم إِلَى إحضارها، فَقَالَ: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} الْآيَة ثمَّ إِن غَرَض البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن يبين أَن المُرَاد بالتلاوة الْقِرَاءَة، وَقد فسرت التِّلَاوَة بِالْعَمَلِ، وَالْعَمَل من فعل الْفَاعِل، وسيظهر الْكَلَام وضوحاً مِمَّا يَأْتِي الْآن.
وقَوْلِ النبيِّ أُعْطِيَ أهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَملُوا بِها، وأُعْطِيَ أهْلُ الإنْجِيلِ الإنِجِيلَ فَعَمَلُوا بِهِ، وأُعْطِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ
وَقَول النَّبِي، بِالْجَرِّ عطفا على قَول الله تَعَالَى: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} وَالْمَقْصُود من ذكر هَذَا وَمَا بعده ذكر أَنْوَاع التَّسْلِيم الَّذِي هُوَ الْغَرَض من الْإِرْسَال والإنزال وَهُوَ التِّلَاوَة وَالْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِهِ، وَهَذَا الْمُعَلق يَأْتِي الْآن فِي آخر الْبَاب مَوْصُولا بِلَفْظ: أُوتِيَ وأوتيتم، وَقد مضى فِي اللَّفْظ الْمُعَلق: أعطي وأعطيتم، فِي بَاب الْمَشِيئَة والإرادة فِي أَوَائِل كتاب التَّوْحِيد.
وَقَالَ أبُو رَزِينٍ: يَتْلُونَهُ يَتَّبِعُونَهُ ويَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلَهِ.
أَبُو رزين بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون هُوَ ابْن مَسْعُود مَالك الْأَسدي التَّابِعِيّ الْكَبِير الْكُوفِي. وَفَسرهُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} بقوله: يتبعونه ويعملون بِهِ حق عمله، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: يتلونه يتبعونه ويعملون بِهِ حق عمله، وَوَصله سُفْيَان الثَّوْريّ فِي تَفْسِيره من رِوَايَة أبي حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود عَنهُ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي رزين فَذكره.
يُقالُ: يُتْلاى يُقْرَأُ، حَسَنُ التّلاوَةِ حَسَن القِراءَةِ لِلْقُرآنِ.
أَرَادَ بِهَذَا أَن معنى التِّلَاوَة الْقِرَاءَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه يُقَال: فلَان حسن التِّلَاوَة، وَيُقَال أَيْضا: حسن الْقِرَاءَة. قَوْله: لِلْقُرْآنِ، يَعْنِي لقِرَاءَة الْقُرْآن، وَالْفرق بَينهمَا أَن التِّلَاوَة تَأتي بِمَعْنى الإتباع وَهِي تقع بالجسم تَارَة، وَتارَة بالاقتداء فِي الحكم، وَتارَة بِالْقِرَاءَةِ وتدبر الْمَعْنى. قَالَ الرَّاغِب: التِّلَاوَة فِي عرف الشَّرْع تخْتَص بِاتِّبَاع كتب الله الْمنزلَة: تَارَة بِالْقِرَاءَةِ وَتارَة بامتثال مَا فِيهَا من أَمر وَنهي، وَهِي أَعم من الْقِرَاءَة، فَكل قِرَاءَة تِلَاوَة من غير عكس.
لَا يَمَسُّهُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ ونَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِالقُرْآنِ، وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إلاّ المُوقِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

(25/186)


أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَفسّر قَوْله: لَا يمسهُ بقوله: لَا يجد طعمه ونفعه إلاَّ من آمن بِالْقُرْآنِ. أَي: الْمُطهرُونَ من الْكفْر، وَلَا يحملهُ بِحقِّهِ إِلَّا الموقن بِكَوْنِهِ من عِنْد الله الْمُطهرُونَ من الْجَهْل وَالشَّكّ وَنَحْوه، لَا الغافل كالحمار مثلا الَّذِي يحمل الْأَسْفَار وَلَا يدْرِي مَا هِيَ. قَوْله: إلاَّ الموقن، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: إلاَّ الْمُؤمن.
وسَمَّى النبيُّ الإسْلاَمَ والإيمَانَ والصَّلاَةَ عَمَلاً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النبيُّ لِبِلالٍ أخْبِرْنِي بِأرْجاى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجاى عِنْدِي أنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ إلاّ صَلَّيْتُ، وسُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قَالَ: إيمانٌ بِالله ورَسُولِهِ ثُمَّ الجِهادُ ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ
قيل: لَا فَائِدَة زَائِدَة فِي قَوْله: وسمى النَّبِي، إِلَى آخِره لِأَنَّهُ لم يُنكر أحد كَون هَذِه الْأَشْيَاء أعمالاً لِأَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان من أَعمال الْقلب وَاللِّسَان، وَالصَّلَاة من أَعمال الْجَوَارِح. قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة، قد مضى مَوْصُولا فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب فضل الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَقد وهم بَعضهم حَيْثُ قَالَ: تقدم مَوْصُولا فِي مَنَاقِب بِلَال قَوْله: وَسُئِلَ أَي النَّبِي أَي: الْأَعْمَال أفضل؟ ... إِلَى آخِره قد مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب من قَالَ: إِن الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل، أخرجه من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله سُئِلَ ... إِلَى آخِره، وَمضى كَذَلِك فِي الْحَج فِي: بَاب فضل الْحَج المبرور، وَفِيه: سُئِلَ أَي الْأَعْمَال؟ وَفِي الَّذِي فِي الْإِيمَان. سُئِلَ: أَي الْعَمَل؟ بِالْإِفْرَادِ.

7533 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سالِمٌ، عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنّما بَقاؤُكمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْراةَ فَعَمِلُوا بِها حتَّى انْتَصَف النَّهارُ ثُمَّ عَجَزُوا، فأُعْطُوا قِيراطاً قِيراطاً، ثُمَّ أُوتِيَ أهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حتَّى صُلِّيَت العَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فأُعْطُوا قِيراطاً قِيراطاً، ثُم أُوتِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فأُعْطِيتُمْ قِيراَطَيْنِ قِيراطَيْن. فَقَالَ أهْلُ الكِتابِ: هاؤُلاءِ أقَلُّ مِنَّا عَمَلاً وأكْثَرُ أجْراً؟ قَالَ الله تَعَالَى: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قالُوا: لَا. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيه مَنْ أشاءُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أُوتِيَ أهل التَّوْرَاة التَّوْرَاة
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث مضى أَولا فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر، ثمَّ مضى فِي كتاب التَّوْحِيد فِي: بَاب الْمَشِيئَة والإرادة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مكرراً.

48 - (بابٌ وسَمَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلاَةَ عَمَلاً، وَقَالَ: (لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ))

هَذَا بَاب مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ كالفصل لما قبله، وَلِهَذَا قَالَ: وسمى بِالْوَاو. وَقَوله: لَا صَلَاة ... إِلَى آخِره قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَأخرجه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله، قَالَ: لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا صَلَاة، أَي: لَا صِحَة للصَّلَاة لِأَنَّهَا أقرب إِلَى نفي الْحَقِيقَة بِخِلَاف الْكَمَال وَنَحْوه. قلت: لم لَا تَقول أَيْضا فِي قَوْله، لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاَّ فِي الْمَسْجِد؟ وَالْقَوْل: بِلَا كَمَال للصَّلَاة إلاَّ بِفَاتِحَة الْكتاب مُتَعَيّن لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أجمع أهل التَّفْسِير أَنَّهَا نزلت فِي الصَّلَاة.

(25/187)


7534 - حدّثنا سُلَيْمانُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنِ الوَلِيدِ. وحدّثني عَبَّادُ بنُ يَعْقُوبَ الأسَدِيُّ، أخبرنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عنِ الشَّيْبانِيِّ، عنِ الوَلِيدِ بنِ العَيزارِ، عنْ أبي عَمْرْوٍ الشَّيْبانِيِّ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رَجُلاً سَألَ النبيَّ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ قَالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِها، وبِرُّ الوالِدَيْنِ ثُمَّ الجهادُ فِي سَبِيلِ الله

مطابقته للأحاديث الَّتِي مَضَت فِيمَا قبل ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن الْوَلِيد بِالْفَتْح ابْن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو بن سعد بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالطَّرِيق الثَّانِي: عَن عباد بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن يَعْقُوب الْأَسدي عَن عباد بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا ابْن الْعَوام بتَشْديد الْوَاو عَن الشَّيْبَانِيّ سُلَيْمَان بن فَيْرُوز أبي إِسْحَاق الْكُوفِي عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار ... إِلَى آخِره.
وَعباد هَذَا شيخ البُخَارِيّ مَذْكُور بالرفض وَلكنه مَوْصُوف بِالصّدقِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَسَاقه على لَفظه. قلت: ترك الرِّوَايَة عَن مثل هَذَا هُوَ الأوجب، والرفض إِذا ثَبت فَهُوَ جرح عَظِيم.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة لوَقْتهَا وَفِي الْأَدَب أَيْضا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

49

- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: إِن الْإِنْسَان الخ. غَرَضه من هَذَا الْبَاب إِثْبَات خلق الله تَعَالَى للْإنْسَان بأخلاقه الَّتِي خلقه عَلَيْهَا من الْهَلَع وَالْمَنْع والإعطاء وَالصَّبْر على الشدَّة واحتسابه ذَلِك على ربه تَعَالَى، وَفسّر الهلوع بقوله: ضجوراً. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْهَلَع أفحش الْجُوع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّه والجزع وَاحِد، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: الهلوع فسره الله تَعَالَى بقوله: إِذا مَسّه إِلَى آخِره.

50 - (بابُ ذِكْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورِوايَتِهِ عنْ رَبِّهِ)

أَي هَذَا بَاب فِي ذكر النَّبِي وَرِوَايَته عَن ربه أَي: بِدُونِ وَاسِطَة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَيُسمى بِالْحَدِيثِ الْقُدسِي.

(25/188)


وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح معنى هَذَا الْبَاب أَنه روى عَن ربه السّنة كَمَا روى عَنهُ الْقُرْآن، وَهَذَا مُبين فِي كتاب الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى}

7536 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عبْده الرَّحِيمِ، حَدثنَا أبُو زَيْدٍ سَعيدُ بنُ الرَّبِيعِ الهَرَوِيُّ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ قَالَ: إذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعاً، وإذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وإذَا أَتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الَّذِي يُقَال لَهُ صَاعِقَة، وَسَعِيد بن الرّبيع بياع الثِّيَاب الهروية روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي جَزَاء الصَّيْد بِدُونِ الْوَاسِطَة.
والْحَدِيث يَأْتِي الْآن عَن أنس عَن أبي هُرَيْرَة، فعلى هَذَا الحَدِيث مُرْسل صَحَابِيّ.
والهرولة: الْإِسْرَاع، وَنَوع من الْعَدو وأمثال هَذِه الإطلاقات لَيست إِلَّا على التَّجَوُّز إِذْ الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة قَائِمَة على استحالتها على الله تَعَالَى، فَمَعْنَاه: من تقرب إِلَيّ بِطَاعَة قَليلَة أجزيته بِثَوَاب كثير، وَكلما زَاد فِي الطَّاعَة أَزِيد فِي الثَّوَاب، وَإِن كَانَ كَيْفيَّة إِتْيَانه بِالطَّاعَةِ على التأني تكون كَيْفيَّة إتياني بالثواب على السرعة، وَالْغَرَض أَن الثَّوَاب رَاجِح على الْعَمَل مضاعف عَلَيْهِ كَمَا وكيفاً، وَلَفظ التَّقَرُّب والهرولة إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل المشاكلة أَو طَرِيق الِاسْتِعَارَة أَو على قصد إِرَادَة لوازمها.

7537 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، عنْ يَحْياى عنِ التَّيْمِيِّ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: رُبَّما ذَكَر النبيَّ قَالَ: إذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتَ مِنْهُ ذِراعاً، وإذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً أوْ بُوعاً
وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أبي سَمِعْتُ أنَساً عنِ النبيَّ يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلْ
انْظُر الحَدِيث 7405 وطرفه
هَذَا الحَدِيث مثل الحَدِيث الَّذِي مضى غير أَن أنسا هُنَا يروي عَن أبي هُرَيْرَة وَهُنَاكَ روى عَن النَّبِي، وَهنا أَيْضا قَالَ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان سَمِعت أبي سُلَيْمَان بن طرخان قَالَ سَمِعت أنسا يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان التَّصْرِيح بالرواية فِيهِ عَن الله عز وَجل، وَقد وَصله مُسلم من رِوَايَة مُعْتَمر.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، والتيمي هُوَ سُلَيْمَان بن طرخان.
قَوْله رُبمَا ذكر النَّبِي، أَي: رُبمَا ذكر أَبُو هُرَيْرَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، كَذَا فِي الرِّوَايَات كلهَا، وَلَيْسَ فِيهِ الرِّوَايَة عَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وروى مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن سعيد وَابْن أبي عدي كِلَاهُمَا عَن سُلَيْمَان، فَذكره بِلَفْظ: عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، قَالَ: قَالَ الله عز وَجل فَإِن قلت: قَالَ هُنَا إِذا تقرب العَبْد مني وَفِي الحَدِيث السَّابِق قَالَ: إِذا تقرب العَبْد إِلَيّ قلت: الأَصْل: من، واستعماله بإلى لقصد معنى الِانْتِهَاء، وَالصَّلَاة تخْتَلف بِحَسب الْمَقْصُود. قَوْله: أَو بوعاً قَالَ الْخطابِيّ: البوع مصدر بَاعَ إِذا مد بَاعه وَيحْتَمل أَن يكون جمع بَاعَ مثل سَاق وسوق، وَمعنى الحَدِيث مضاعفة الثَّوَاب حَتَّى يكون مشبهاً بِفعل من أقبل نَحْو صَاحبه قدر شبر فَاسْتَقْبلهُ صَاحبه ذِرَاعا، وَقد يكون معنه التَّوْفِيق لَهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يقرب فِيهِ.

7538 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ زِيادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ يَرْوِيهِ عنْ ربِّكُمْ قَالَ: لِكلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ والصَّوْمُ لِي، وَأَنا أجْزِي بِهِ، ولَخُلُوفُ

(25/189)


فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الصّيام بأتم مِنْهُ فِي: بَاب فضل الصَّوْم من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَمضى أَيْضا فِي التَّوْحِيد فِي بَاب قَوْله الله تَعَالَى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}
قَوْله: لكل عمل أَي: من الْمعاصِي كَفَّارَة أَي: مَا يُوجب سترهَا وغفرانها، قيل: جَمِيع الطَّاعَات لله. وَأجِيب بِأَن الصَّوْم لم يتَقرَّب بِهِ إِلَى معبود غير الله بِخِلَاف غَيره من الطَّاعَات. فَإِن قلت: جَزَاء الْكل من الله تَعَالَى؟ قلت: رُبمَا فوض جَزَاء غير الصّيام إِلَى الْمَلَائِكَة. قَوْله: ولخلوف بِضَم الْخَاء؛ الرَّائِحَة المتغيرة للفم. فَإِن قلت: الله منزه عَن الأطيبية. قلت: هُوَ على سَبِيل الْفَرْض، يَعْنِي: لَو فرض لَكَانَ أطيب مِنْهُ. فَإِن قلت: دم الشَّهِيد كريح الْمسك والخلوف أطيب مِنْهُ فالصائم أفضل من الشَّهِيد؟ قلت: منشأ الأطيبية رُبمَا تكون الطَّهَارَة لِأَنَّهُ طَاهِر، وَالدَّم نجس. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَحْرِيم إِزَالَة الدَّم مَعَ أَن رَائِحَته مُسَاوِيَة لرائحة الْمسك وَعدم تَحْرِيم إِزَالَة الخلوف مَعَ أَنه أطيب مِنْهُ؟ قلت: إِمَّا أَن تَحْصِيل مثل ذَلِك الدَّم محَال بِخِلَاف الخلوف، أَو أَن تَحْرِيمه مُسْتَلْزم للجرح، أَو رُبمَا يُؤَدِّي إِلَى ضَرَر كأدائه إِلَى النَّحْر، أَو أَن الدَّم لكَونه نجسا وَاجِب الْإِزَالَة شرعا.

7539 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ. ح وَقَالَ لي خَلِيفَةُ: حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عنْ سَعيدٍ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أبي العالِيَةِ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتَّى، ونَسَبَهُ إِلَى أبِيهِ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فِيمَا يرويهِ عَن ربه
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة رفيع مُصَغرًا عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: بطرِيق المذاكرة عَن خَليفَة بن خياط عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَسَاقه على لفظ سعيد، وَمضى الحَدِيث فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فِي تَرْجَمَة يُونُس، عَلَيْهِ السَّلَام، عَن حَفْص بن عمر بالسند الْمَذْكُور هُنَا، وَمضى أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام، وَصرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: وَنسبه إِلَى أَبِيه جملَة حَالية مُوضحَة، وَقيل: مَتى اسْم أمه وَالْأول أصح عِنْد الْجُمْهُور، وَإِنَّمَا خصصه من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء لِئَلَّا يتَوَهَّم غَضَاضَة فِي حَقه بِسَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} قَوْله: إِنَّه خير ويروى: أَنا خير، وَهِي الْأَشْهر. قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل لفظ: أَنا، أَن يكون كِنَايَة عَن رَسُول الله، أَو عَن كل مُتَكَلم، وَإِنَّمَا قَالَه مَعَ أَنه سيد ولد آدم قبل علمه بِأَنَّهُ سيدهم وأفضلهم، أَو قَالَه تواضعاً وهضماً لنَفسِهِ.

7540 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ أبي سُرَيْجٍ، أخبرنَا شَبابَةُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ مُعاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ قَالَ: رَأيْتُ رسولَ الله يَوْمَ الفَتْحِ عَلى ناقَةٍ لهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ، أوْ: مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ، قَالَ: فَرَجَّعَ فِيها. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعاوِيَةُ يَحْكِي قراءَةَ ابنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: لوْلا أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النبيَّ فَقُلْتُ لِمُعاوِيَةَ كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ قَالَ:، ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
ا
تعلق هَذَا الحَدِيث بِالْبَابِ من حَيْثُ إِن الرِّوَايَة عَن الرب أَعم من أَن تكون قُرْآنًا أَو غَيره بالواسطة أَو بِدُونِهَا، لَكِن الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن المتداول على الْأَلْسِنَة مَا كَانَ بِغَيْر الْوَاسِطَة. وَقَالَ الْمُهلب: معنى هَذَا الْبَاب لَهُ، روى عَن ربه السّنة كَمَا روى عَنهُ الْقُرْآن، وَدخُول حَدِيث ابْن مُغفل فِيهِ للتّنْبِيه على أَن الْقُرْآن أَيْضا رِوَايَة لَهُ عَن ربه. وَقيل: قَول النَّبِي، قَالَ الله، و: روى عَن ربه، سَوَاء.
وَشَيخ البُخَارِيّ أَحْمد بن أبي سُرَيج

(25/190)


مصغر السرج بِالسِّين الْمُهْملَة وبالراء وبالجيم واسْمه الصَّباح أَبُو جَعْفَر النَّهْشَلِي الرَّازِيّ، وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين ابْن سوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو وبالراء الْفَزارِيّ بِالْفَتْح، وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ، وَعبد الله بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة الْمُزنِيّ ويروى الْمُغَفَّل بِالْألف وَاللَّام.
وَمضى الحَدِيث فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب الترجيع.
قَوْله: فَرجع فِيهَا من الترجيع وَهُوَ ترديد الصَّوْت فِي الْحلق وتكرار الْكَلَام جَهرا بعد إخفائه، وَقَول مُعَاوِيَة يدل على أَن الْقِرَاءَة بالترجيع والألحان أَن تجمع نفوس النَّاس إِلَى الإصغاء والفهم، ويستميلها ذَلِك حَتَّى لَا يكَاد يصير عَن اسْتِمَاع الترجيع المشوب بلذة الْحِكْمَة المفهمة. قَوْله: كَيفَ كَانَ ترجيعه؟ قَالَ: ثَلَاث مَرَّات. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم فِي تَفْسِير سُورَة الْفَتْح عَن شُعْبَة: قَالَ مُعَاوِيَة: لَو شِئْت أَن أحكي لكم قِرَاءَته لفَعَلت، وَهَذَا ظَاهره أَنه لم يرجع. قلت: يحمل الأول على أَنه حكى الْقِرَاءَة دون الترجيع.

51 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِير التَّوْرَاةِ وغَيْرِها مِنْ كُتُبِ الله بِالعَرَبِيَّةِ وغيْرِهالِقَوْلِ الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من تَفْسِير التَّوْرَاة وَغَيرهَا مثل الْإِنْجِيل وَالزَّبُور والصحف الَّتِي نزلت على بعض الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، بِالْعَرَبِيَّةِ أَي: باللغة الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من اللُّغَات. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: تَفْسِير التوارة وَغَيرهَا، وَكتب الله عطف الْخَاص على الْعَام، وَفِي بعض النّسخ لم يُوجد لفظ وَغَيرهَا، فَهُوَ عطف الْعَام على الْخَاص، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بالعبرانية مَوضِع الْعَرَبيَّة. قَوْله: لقَوْل الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} قيل: الْآيَة لَا تدل على التَّفْسِير وَأجِيب بِأَن الْغَرَض أَنهم يتلونها حَتَّى يترجم عَن مَعَانِيهَا، وَالْحَاصِل أَن الَّذِي بِالْعَرَبِيَّةِ مثلا يجوز التَّعْبِير عَنهُ بالعبرانية وَبِالْعَكْسِ، وَهل تَقْيِيد الْجَوَاز لمن لَا يفقه ذَلِك اللِّسَان أَو لَا؟ الأول قَول الْأَكْثَرين، وَقد كَانَ وهب بن مُنَبّه وَغَيره يترجمون كتب الله إلاَّ أَنه لَا يقطع على صِحَّتهَا لقَوْله، لَا تصدقوا أهل الْكتاب فِيمَا يفسرونه من التَّوْرَاة بِالْعَرَبِيَّةِ، لثُبُوت كتمانهم لبَعض الْكتاب وتحريفهم لَهُ.

7541 - وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أَخْبرنِي: أبُو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ أنَّ هِرَقْلَ دَعا تُرْجُمانَهُ، ثُمَّ دَعا بِكتابِ النبيِّ فَقَرأهُ بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورسولِهِ إِلَى هِرَقْلَ: {قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} الْآيَة.
ا
هَذَا قِطْعَة من الحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي مضى مَوْصُولا فِي بَدْء الْوَحْي.
وَأَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي وَالِد مُعَاوِيَة، وهرقل اسْم قَيْصر الرّوم، والترجمان الَّذِي يعبر بلغَة عَن لُغَة.
قَوْله: دَعَا ترجمانه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بترجمانه، وَكَانَ غَرَض النَّبِي، فِي إرْسَاله إِلَيْهِ أَن يترجم عِنْده ليفهم مضمونه، وَاحْتج أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِحَدِيث هِرقل وَأَنه دَعَا ترجمانه وَترْجم لَهُ كتاب رَسُول الله، بِلِسَانِهِ حَتَّى فهمه على أَنه يجوز قِرَاءَته بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ: إِن الصَّلَاة تصح بذلك.

7542 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ، أخبرنَا عَليُّ بنُ المُبَارَكِ، عنْ يَحْياى ابنِ أبي كَثِيرٍ، عَن أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كانَ أهْلُ الكِتابِ يَقرأونَ التَّوْراةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَها بالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإسْلامِ، فَقَالَ رسولُ الله لَا تَصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ {قُولُو اْءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} الآيَةَ
انْظُر الحَدِيث 4485 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى على من يَتَأَمَّلهَا.
وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي تَفْسِير

(25/191)


سُورَة الْبَقَرَة وَفِي الِاعْتِصَام فِي: بَاب لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء وَهَذَا من النَّوَادِر يَقع مكرراً فِي ثَلَاث مَوَاضِع بِسَنَد وَاحِد، وَقَالَ ابْن بطال: اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بِجَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ. قلت: هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة كَمَا ذكرنَا الْآن أَيْضا.

7543 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا إسْماعِيلُ، عنْ أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أُتِيَ النبيُّ بِرَجُلٍ وامْرأةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيا، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: مَا تَصْنَعُونَ بِهِما قالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُما ونُخْزِيهِما. قَالَ: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فجاؤوا فقالُوا لِرَجُلِ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أعْوَرُ اقْرَأْ، فَقَرَأَ حتَّى انْتَهى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْها، فَوَضَعَ يَدَهُ عَليْهِ. قَالَ: ارْفَعْ يَدَكِ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ عَلَيْهِما الرَّجْمَ ولاكِنَّا نُكاتِمُهُ بَيْنَنَا، فأمَرَ بِهِما فَرُجِما، فَرَأيْتُهُ يُجانِىءُ عَلَيْهَا الحِجارَةَ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: إِن عَلَيْهِمَا الرَّجْم ... إِلَى آخِره لِأَن الَّذِي قَرَأَهُ فسره بِالْعَرَبِيَّةِ أَن عَلَيْهِمَا الرَّجْم حَتَّى رجما.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَهُوَ اسْم أمه وَأَبوهُ إِبْرَاهِيم، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر عَلَامَات النُّبُوَّة وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْمُحَاربين فِي: بَاب الرَّجْم فِي البلاط.
قَوْله: نسخم من التسخيم بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ تسويد الْوَجْه. قَوْله: ونخزيهما أَي: نفضحهما بِأَن نركبهما على الْحمار معكوسين وندورهما فِي الْأَسْوَاق. قَوْله: لرجل هُوَ عبد الله بن صوريا مَقْصُورا الْأَعْوَر الْيَهُودِيّ كَانَ حبرًا مِنْهُم. قَوْله: يَا أَعور منادى مَبْنِيّ على الضَّم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني؛ أَعور، بِالْجَرِّ على أَنه صفة رجل. قَوْله: وَوضع يَده عَلَيْهِ هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، أَي: على الْموضع، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْهَا، أَي: على آيَة الرَّجْم. قَوْله: قَالَ: ارْفَعْ يدك أبهم الْقَائِل وَلم يذكرهُ، وَقد تقدم أَنه عبد الله بن سَلام. قَوْله: نكاتمه أَي: الرَّجْم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نكاتمها. أَي: الْآيَة الَّتِي فِيهَا الرَّجْم. قَوْله: يجانىء بِالْجِيم وَكسر النُّون بعد الْألف وبالهمز أَي: يكب عَلَيْهَا، يُقَال جنىء الرجل على الشَّيْء وجانأ عَلَيْهِ وتجانأ عَلَيْهِ إِذا أكب، وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَي: يحني عَلَيْهَا ظَهره، أَي: يغطيها يُقَال: حنوت الْعود عطفته وحنيت لُغَة. قَوْله: عَلَيْهَا الْحِجَارَة فِي أَكثر النّسخ هَكَذَا، وَفِي بَعْضهَا: للحجارة، بِاللَّامِ وَعند عدم اللَّام تَقْدِيره: عَن الْحِجَارَة، أَو مُضَاف مُقَدّر نَحْو: اتقاء الْحِجَارَة، أَو فعل نَحْو يَقِيهَا الجارة.