عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 52 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (الماهِرُ بالقُرْآن مَعَ السَفَرَةِ
الكِرامِ البَرَرَةِ وزَيِّنُوا القُرآنَ بِأصْواتِكُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول النَّبِي الماهر إِلَى آخِره.
والماهر الحاذق المُرَاد بِهِ هُنَا جودة التِّلَاوَة مَعَ
حسن الْحِفْظ. قَوْله: مَعَ السفرة الْكِرَام السفرة
الكتبة جمع سَافر مثل كَاتب وزنا وَمعنى، وهم الكتبة
الَّذين يَكْتُبُونَ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: مَعَ سفرة الْكِرَام، من: بَاب إِضَافَة
الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. قَوْله: الْكِرَام أَي:
الْمُكرمين عِنْد الله. قَوْله: البررة أَي: المطيعين
المطهرين من الذُّنُوب، وَفِي التِّرْمِذِيّ: الَّذِي
يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ بِهِ ماهر مَعَ السفرة الْكِرَام
البررة، وَقَالَ: هُوَ حسن صَحِيح. وأصل الحَدِيث مضى
مُسْندًا فِي التَّفْسِير لَكِن بِلَفْظ: مثل الَّذِي
يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ حَافظ لَهُ مَعَ السفرة الْكِرَام
البررة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعَ السفرة الْكِرَام
البررة، أَي: الْمَلَائِكَة. قَوْله: وزينوا الْقُرْآن
بِأَصْوَاتِكُمْ هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي علقها
البُخَارِيّ وَلم يصلها فِي مَوضِع آخر من كِتَابه.
وَأخرجه فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد من رِوَايَة عبد
الرَّحْمَن بن عَوْسَجَة عَن الْبَراء بِهَذَا، وَأخرجه
أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من
هَذَا الْوَجْه، وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَمعنى:
زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ يَعْنِي: بِالْمدِّ
والترتيل، وَلَيْسَ بالتطريف الْفَاحِش الَّذِي يخرج إِلَى
حد الْغناء.
(25/192)
7544 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ،
حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ، عنْ يَزِيدَ، عنْ مُحَمَّدٍ بنِ
إبْراهِيمَ، عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ
سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَا أذِنَ
الله لِشَيءٍ مَا أذِنَ لِنَبِيَ حَسَنِ الصَّوْتِ
بالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي
أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ مَاتَ سنة
ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن أبي
حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه سَلمَة بن دِينَار الْمدنِي،
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن الْهَاد، وَهُوَ ابْن عبد
الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْمدنِي
الْأَعْرَج، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث أَبُو
عبد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، وَأَبُو سَلمَة
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب التَّوْحِيد فِي: بَاب
{وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
قَوْله: مَا أذن الله معنى: أذن هُنَا اسْتمع، وَالْمرَاد
لَازمه وَهُوَ الرِّضَا بِهِ والإرادة لَهُ.
7545 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ،
عنْ يُونُسَ، عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْرِ، وسَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةُ بنُ
وَقَّاصٍ وعُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ
عائِشَةَ حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا،
وكُلٌّ حدّثني طائِفَة مِنَ الحَدِيثِ، قالَتْ:
فاضْطَجعْتُ عَلى فِراشِي وَأَنا حِينَئذٍ أعْلَمُ أنِّي
بَرِيئَةٌ، وأنَّ الله يُبَرئُي، ولاكِنْ وَالله مَا
كُنْتُ أظُنَّ أنَّ الله يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْياً
يُتْلَى ولَشَأنِي فِي نَفْسِي كَانَ أحْقَرَ مِنْ أنْ
يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بِأمْرِ يُتْلَى، وأنْزَلَ الله
عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ
عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ
هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا
اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ
مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} العَشْرَ الآياتِ كُلَّها.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بِأَمْر يُتْلَى أَي:
بالأصوات فِي المحاريب والمحافل.
وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث مطول قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة
النُّور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وكل أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: وكل من هَؤُلَاءِ
الْأَئِمَّة حَدثنِي قِطْعَة من حَدِيث الْإِفْك. قَوْله:
يبرئني أَي برؤيا يَرَاهَا رَسُول الله وَنَحْوهَا.
قَوْله: وَلَكِن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَكِنِّي.
قَوْله: ولشأني اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد.
قَوْله: فِي بتَشْديد الْيَاء.
7547 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا هُشَيْمٌ عنْ
أبي بِشْرٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ،
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النبيُّ مُتَوارِياً
بِمَكَّةَ وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَإِذا سَمِعَ
المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ ومَنْ جاءَ بِهِ، فَقَالَ
الله عَزَّ وجَلَّ لِنَبِيِّهِ {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ
أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ
الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ
تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً}
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ بَيَان اخْتِلَاف الصَّوْت
بالجهر والإسرار.
وهشيم مُصَغرًا ابْن بشير كَذَلِك الوَاسِطِيّ، وَأَبُو
بشر جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ، وَمضى
قَرِيبا أَيْضا فِي: بَاب
(25/193)
قَوْله: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
7548 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ، حدّثني مالِك، عنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ
أبي صَعَصَعَةَ عنْ أبِيهِ، أنَّهُ أخبرهُ أنَّ أَبَا
سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لهُ: إنِّي
أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فَإِذا كُنْتَ فِي
غَنَمِكَ أوْ بادِيَتِكَ فأذَّنْتَ لِلصّلاةِ فارْفَعْ
صَوْتَكَ بِالنِّداءِ فإنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدى صَوْتِ
المُؤْذِّنِ جنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ
لهُ يَوْمَ القِيامَةِ.
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله.
انْظُر الحَدِيث 609 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن رفع الصَّوْت
بِالْقُرْآنِ أَحَق بِالشَّهَادَةِ وَأولى.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب رفع
الصَّوْت بالنداء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله
بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره.
7549 - حدّثنا قَبِيصَةُ، حدّثنا سُفْيانُ، عَن مَنْصُورٍ
عَن أمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ:
كَانَ النبيُّ يَقْرَأُ القُرْآنَ ورَأسُهُ فِي حَجْرِي
وَأَنا حائضٌ.
انْظُر الحَدِيث 297
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: يقْرَأ
الْقُرْآن
وَقبيصَة هُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَمَنْصُور هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ وَأمه
صَفِيَّة بنت شيبَة الحَجبي الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحيض.
قَوْله: حجري بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: وَأَنا
حَائِض جملَة حَالية. فَافْهَم.
53 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ
أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ
وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ
يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ
فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى
وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن
فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ
اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ
الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ
خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ
أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ} )
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {فاقرؤا مَا تيَسّر من
الْقُرْآن} قَالَ الْمُهلب: يُرِيد مَا تيَسّر من حفظه على
اللِّسَان من لُغَة وإعراب. قَوْله: من الْقُرْآن، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: مَا تيَسّر مِنْهُ، وكل من
اللَّفْظَيْنِ فِي السُّورَة، وَقَالَ بَعضهم: وَالْمرَاد
بِالْقِرَاءَةِ الصَّلَاة لِأَن الْقِرَاءَة بعض
أَرْكَانهَا. قلت: هَذَا لم يقل بِهِ أحد، والمفسرون
مجمعون على أَن المُرَاد مِنْهُ الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
وَهُوَ حجَّة على جَمِيع من يرى فَرضِيَّة قِرَاءَة
الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة.
7550 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ،
عَن عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثني عُرْوَةُ أنَّ
المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَبْدٍ
القارِيَّ حَدَّثاهُ أنَّهُما سَمِعا عُمَرَ بنَ
الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشامَ بنَ حَكِيمٍ يَقْرأُ
سُورَةَ الفُرْقانِ فِي حَياةِ رسولِ الله فاسْتَمَعْتُ
لِقِراءَتِهِ فَإذا هُوَ يَقْرَأُ عَلى حُرُوفٍ كَثِيرَة
لَمْ يُقْرِئْنِيها رسولُ الله فَكِدْتُ أُساوِرُهُ فِي
الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ
بِرِدِائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أقْرَأكَ هاذِهِ السُّورَةَ
الّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأنِيها رسولُ
الله فَقُلْتُ كَذَبْتَ أقْرَأنِيها عَلى غَيْرِ مَا
قَرَأْتَ. فانْطَلَقْتُ بِهِ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله
فَقُلْتُ إنِّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ سورَةَ الفرْقانِ
عَلى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيها. فَقَالَ: أرْسِلْهُ
اقْرَأْ يَا هِشامُ فَقَرَأ القِرَاءَةَ الَّتي
سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رسولُ الله كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ
قَالَ رسولُ الله اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأتُ التِي
أقْرَأنِي، فَقَالَ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إنَّ هاذَا
القُرْآنَ أنْزِلَ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فاقْرَأُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنْهُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي آخر الحَدِيث:
فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ
وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، والمسور بِكَسْر الْمِيم
ابْن مخرمَة بِفَتْحِهَا
(25/194)
وَعبد الرَّحْمَن بن عبد بِالتَّنْوِينِ
الْقَارِي مَنْسُوب، إِلَى القارة بِالْقَافِ.
والْحَدِيث مضى فِي الْخُصُومَات وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن
فِي: بَاب أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أساوره أَي: أواثبه. قَوْله: فتصبرت ويروى: تربصت
قَوْله: فلببته من التلبيب بالموحدتين جمع الثِّيَاب عِنْد
الصَّدْر فِي الْخُصُومَة والجر. قَوْله: فَقَالَ: أرْسلهُ
أَي: أطلقهُ. قَوْله: على سَبْعَة أحرف أَي: سبع لُغَات،
وَقيل الْحَرْف الْإِعْرَاب يُقَال: فلَان يقْرَأ حرف
عَاصِم أَي: بِالْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ من
الْإِعْرَاب. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ قصر فِي
السَّبْعَة فَقيل هِيَ فِي صُورَة التِّلَاوَة من إدغام
وَإِظْهَار وَنَحْوهمَا ليقْرَأ كل بِمَا يُوَافق لغته
وَلَا يُكَلف الْقرشِي الْهَمْز وَلَا الْأَسدي فتح حرف
المضارعة. وَقيل: بل السَّبْعَة كلهَا لمضر وَحدهَا.
54 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ
عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّآ
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ
نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى
وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وَلَقَد يسرنَا
الْقُرْآن للذّكر} تيسير الْقُرْآن للذّكر تسهيله على
اللِّسَان ومسارعته إِلَى الْقِرَاءَة حَتَّى إِنَّه
رُبمَا يسْبق اللِّسَان إِلَيْهِ فِي الْقِرَاءَة فيجاوز
الْحَرْف إِلَى مَا بعده، وتحذف الْكَلِمَة حرصاً على مَا
بعْدهَا. قيل: المُرَاد بِالذكر الْأَذْكَار والأتعاظ،
وَقيل: الْحِفْظ. قَوْله: {فَهَل من مدكر} أَصله مفتعل من
الذّكر، قلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال.
وَقَالَ النبيُّ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلقَ لهُ
الْآن يَأْتِي هَذَا مَوْصُولا من حَدِيث عمرَان وَعلي،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
يُقَالُ: مُيَسَّرٌ: مُهَيَّأٌ.
هَذَا تَفْسِير البُخَارِيّ إِذا تيَسّر أَمر من الْأُمُور
يُقَال: تهَيَّأ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: يَسَّرْنا القُرْآنَ بِلِسانِك:
هَوَّنَّا قِراءَتَهُ عَلَيْكَ.
وَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن
للذّكر} قَالَ هوَّنا قِرَاءَته، وَالْمَذْكُور رِوَايَة
أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: هوناه عَلَيْك.
وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَد
يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن
مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} قَالَ: هَلْ مِنْ طالِب عِلْمٍ
فَيُعانَ عَلَيْهِ.
مطر هُوَ ابْن طهْمَان أَبُو رَجَاء الْخُرَاسَانِي
الْوراق، سكن الْبَصْرَة وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف، مَاتَ
سنة تسع عشرَة وَمِائَة، وَوَقع هَذَا التَّعْلِيق عِنْد
أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده، وَثَبت أَيْضا للجرجاني عَن
الْفربرِي، وَوَصله الْفرْيَابِيّ عَن ضَمرَة بن ربيعَة
عَن عبد الله بن سودب عَن مطر.
7551 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عَبْدُ الوارِثِ
قَالَ يَزِيدُ: حدّثني مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ الله، عنْ
عِمْرَانَ قَالَ: قلْتُ: يَا رسولَ الله فِيمَا يَعْمَلُ
العامِلُونَ؟ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ
انْظُر الحَدِيث 6596
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ التَّيْسِير.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو
الْبَصْرِيّ المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَيزِيد من
الزِّيَادَة ابْن أبي يزِيد واسْمه سِنَان القسام،
وَيُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: رشك، بِكَسْر الرَّاء
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة كَانَ يقسم الدّور وَيمْسَح
بِمَكَّة، ومطرف على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التطريف
بِالطَّاءِ الْمُهْملَة ابْن عبد الله العامري يروي عَن
عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا مُخْتَصر من حَدِيث مضى فِي كتاب الْقدر عَن
عمرَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فِيمَا ويروى: فيمَ، بِحَذْف الْألف بِكَلِمَة:
مَا، الاستفهامية، قَالَ ذَلِك حِين قَالَ رَسُول الله،
مَا مِنْكُم إِلَّا كتب مَكَانَهُ فِي الْجنَّة أَو
النَّار كل وَاحِد مِنْهُمَا يسهل عَلَيْهِ مَا كتب من
عملهما.
(25/195)
7552 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ،
حَدثنَا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ
والأعْمَش سَمِعا سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ عنْ أبي عَبْدِ
الرَّحْمانِ عنْ عَليَ، رَضي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ فِي جَنازَةٍ، فأخَذَ
عُوداً فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأرْضِ، فَقَالَ: مَا
مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ إلاّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّار
أوْ مِنَ الجَنَّةِ قالُوا: أَلا نتَّكِلُ؟ قَالَ:
اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى} الآيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الأول.
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون
مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر،
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَسعد بن عُبَيْدَة أَبُو
حَمْزَة بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي السّلمِيّ بِالضَّمِّ
الْكُوفِي ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ واسْمه عبد
الله بن حبيب الْكُوفِي الْقَارِي ولأبيه صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز مطولا فِي: بَاب موعظة
الْمُحدث عِنْد الْقَبْر.
قَوْله: ينكت أَي: يضْرب فِي الأَرْض فيؤثر فِيهَا.
قَوْله: إِلَّا كتب أَي: قدر فِي الْأَزَل أَن يكون من أهل
النَّار أَو من أهل الْجنَّة. فَقَالُوا: أَلا نعتمد على
مَا قدر الله عَليّ نَا ونترك الْعَمَل؟ فَقَالَ: لَا،
اعْمَلُوا فَإِن أهل السَّعَادَة ييسرون لعملهم، وَأهل
الشقاوة لعملهم.
55
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ
الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ
صَفّاً صَفّاً} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ}
قَالَ قتادَةُ: مَكْتُوبٌ، يَسْطُرُونَ: يَخُطُّون فِي
أُمِّ الكِتابِ جُمْلةِ الكِتاب. وأصْلِهِ مَا يَتَكَلَّمُ
مِنْ شَيْءٍ إلاَّ كُتِبَ عَلَيْهِ.)
مجيد أَي كريم على الله، وقرىء: مجيد، بالخفض أَي: قُرْآن
رب مجيد، وَقيل: معنى مجيد أحكمت آيَاته وبينت وفصلت
وَقَرَأَ نَافِع: مَحْفُوظ، بِالرَّفْع على أَنه نعت
لقرآن، وَقَرَأَ غَيره بالخفض على أَنه نعت للوح، وَالطور
قيل: جبل بِالشَّام، وَكتاب مسطور قَالَ قَتَادَة:
مَكْتُوب، وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد
من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن
قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: ة {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ
مُّسْطُورٍ} قَالَ: المسطور الْمَكْتُوب. قَوْله: يسطرون،
أَي: يَكْتُبُونَ، رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان
بن عبد الرَّحْمَن عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ن
وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ.
قَوْله: فِي أم الْكتاب جملَة الْكتاب وَأَصله وَصله أَبُو
دَاوُد فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من طَرِيق معمر عَن
قَتَادَة نَحوه. قَوْله: مَا يلفظ إِلَى آخِره، وَصله ابْن
أبي حَاتِم من طَرِيق شُعَيْب بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة
وَالْحسن، فَذكره.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الخَيْرُ والشَّرُّ.
يَعْنِي فِي قَوْله: {مَا يلفظ من قَول} وَصله الطَّبَرِيّ
وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هِشَام ابْن حسان عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا يلفظ من
قَول} قَالَ: إِنَّمَا يكْتب الْخَيْر وَالشَّر.
يُحَرِّفونَ: يُزِيلُونَ ولَيْسَ أحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ
كِتابٍ مِنْ كُتُبِ الله عَزَّ وجَلَّ، وَلاكِنَّهُمْ
يُحَرِّفُونَهُ يَتَأوَّلُونَهُ عَلى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ
دِرَاسَتُهُمْ: تلاوَتُهُمْ، وَاعِيَةٌ: حافِظَةٌ؛
وتَعِيَها: تحْفَظُها {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ
شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ
وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاُِنذِرَكُمْ بِهِ
وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ
اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا
هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا
تُشْرِكُونَ} يَعْنِي: أهْلَ مَكَّةَ ومَن بَلَغَ هاذَا
القُرْآنُ فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ.
قَوْله: يحرفُونَ. فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا
نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا
قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن
مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ
وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ
قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أَي: يزيلونه من جِهَة
الْمَعْنى ويؤولونه بِغَيْر المُرَاد الْحق قَوْله:
دراستهم، فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن تَقُولُو اْ إِنَّمَآ
أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا
وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} أَي: عَن
تلاوتهم، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: {فَبِمَا نَقْضِهِم
مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ
تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يقلبون ويغيرون. قَوْله: وَاعِيَة
فِي قَوْله تَعَالَى: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً
وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أَي: حافظة، وَصله ابْن أبي
حَاتِم، من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: وأوحي إِلَى آخِره، وَصله ابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
(25/196)
7553 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ بنُ
خَيَّاطٍ: حدّثنا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أبي عنْ قَتادَةَ
عنْ أبي رافِعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ:
لَمَّا قَضاى الله الخَلْقَ كَتَبَ كِتاباً عِنْدَهُ
غَلَبَتْ أوْ قَالَ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، فَهْوَ
عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُشِير بِهِ إِلَى
أَن اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَوق الْعَرْش.
ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان
بن طرخان بِفَتْح الْمُهْملَة هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ
الغساني: هُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، وَأَبُو رَافع اسْمه
نفيع مصغر نفع الصَّائِغ الْبَصْرِيّ، يُقَال: أدْرك
الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ ثمَّ تحول إِلَى
الْبَصْرَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَتَادَة لم يسمع من أبي
رَافع، وَقَالَ غَيره: سمع مِنْهُ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّوْحِيد من حَدِيث الْأَعْرَج عَن
أبي هُرَيْرَة نَحوه فِي: بَاب {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ
أَكْثَرُ الاَْوَّلِينَ}
قَوْله: قضى الله أَي: أتم الله خلقه. قَوْله: كتب كتابا
إِمَّا حَقِيقَة عَن كِتَابَة اللَّوْح الْمَحْفُوظ،
وَمعنى الْكِتَابَة: خلق صورته فِيهِ أَو أَمر
بِالْكِتَابَةِ، وَإِمَّا مجَاز عَن تعلق الحكم بِهِ
والإخبار بِهِ. قَوْله: عِنْده العندية المكانية مستحيلة
فِي حَقه تَعَالَى، فَهِيَ مَحْمُولَة على مَا يَلِيق
بِهِ، أَو مفوضة إِلَيْهِ أَو مَذْكُورَة على سَبِيل
التَّمْثِيل والاستعارة، وَهِي من المتشابهات. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: كَيفَ يتَصَوَّر السَّبق فِي الصِّفَات
الْقَدِيمَة إِذْ معنى الْقَدِيم هُوَ عدم المسبوقية؟
وَأجَاب بِأَنَّهَا من صِفَات الْأَفْعَال أَو المُرَاد:
سبق تعلق الرَّحْمَة، وَذَلِكَ لِأَن إِيصَال الْعقُوبَة
بعد عصيان العَبْد بِخِلَاف إِيصَال الْخَيْر فَإِنَّهُ من
مقتضيات صِفَاته.
56 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالله خَلقكُم
وَمَا تَعْمَلُونَ} قَالَ الْمُهلب: غَرَض البُخَارِيّ من
هَذِه التَّرْجَمَة، إِثْبَات أَن أَفعَال الْعباد
وأقوالهم مخلوقة لله تَعَالَى، وَقيل: وَمَا تَعْمَلُونَ
من الْأَصْنَام من الْخشب وَالْحِجَارَة، وَقَالَ
قَتَادَة: وَمَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ، وَقيل: يجوز
أَن تكون كلمة: مَا، نَافِيَة أَي: وَمَا تَعْمَلُونَ
وَلَكِن الله خالقه، وَيجوز أَن تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة
أَي: وعملكم، وَيجوز أَن تكون استفهاماً بِمَعْنى التوبيخ.
{إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}
الظَّاهِر أَنه سقط مِنْهُ: قَوْله تَعَالَى، قَالَ
الْكرْمَانِي التَّقْدِير خلقنَا كل شَيْء بِقدر فيستفاد
مِنْهُ أَن الله خَالق كل شَيْء.
ويُقالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهُوَ الْمَحْفُوظ
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَيَقُول أَي: بقول الله عز
وَجل، أَو: يَقُول الْملك بأَمْره، وَهَذَا الْأَمر
للتعجيز.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَمَاوَاتِ
وَالاَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاَْمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّن الله الخَلْقَ مِنَ الأمْرِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى
خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ
الْخَلْقُ وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ}
سَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة كلهَا، وَالْمُنَاسِب
مِنْهَا لما تقدم. قَوْله: فيخص بِهِ قَوْله: {قُلْ مَن
رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ
أَفَاتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ
يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ
يَسْتَوِى الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى
الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ
خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ
قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ
الْقَهَّارُ} {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ عَلَى
كُل شَىْءٍ وَكِيلٌ} وَلذَلِك عقبه بقوله: وَقَالَ ابْن
عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بَين الله الْخلق من الْأَمر
بقوله: وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب
الرَّد على الْجَهْمِية من طَرِيق بشار بن مُوسَى. قَالَ:
كُنَّا عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ: {أَلا لَهُ
الْخلق وَالْأَمر} فالخلق هُوَ الْمَخْلُوقَات وَالْأَمر
هُوَ الْكَلَام. وَقَالَ الرَّاغِب: الْأَمر لفظ عَام
للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله عز وَجل:
{وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُ الاَْمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
وَيُقَال للإبداع أَمر نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أَلا لَهُ
الْخلق وَالْأَمر} وَقيل: المُرَاد بالخلق فِي الْآيَة
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وبالأمر الْآخِرَة وَمَا فِيهَا،
فَهُوَ
(25/197)
كَقَوْلِه: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ
تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ}
وسَمَّى النبيُّ الإيمانَ عَمَلاً قَالَ أبُو ذَرَ وأبُو
هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النبيُّ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ قَالَ:
إيمانٌ بِاللَّه وجِهادٌ فِي سَبِيلِهِ، وَقَالَ: {فَلاَ
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَغَيرهَا
وَقَالَ وفْدُ عَبْدِ القَيْسِ لِلنبيِّ مُرْنا بِجُمَلٍ
مِنَ الأمْره إنْ عَمَلْنا بِها دَخَلْنا الجَنَّةَ،
فأمَرهُمْ بِالإيمانِ والشَّهاَدَةِ وإقامِ الصَّلاةِ
وإيتاءِ الزَّكاةِ، فَجعَلَ ذالِكَ كُلَّهُ عَمَلاً.
قد مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب من قَالَ: الْإِيمَان
هُوَ الْعَمَل، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ قَوْله: قَالَ
أَبُو ذَر إِلَى قَوْله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ
أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وغيرهاف تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي:
بَاب قَول الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ
لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ
عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ
قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ} وَهُوَ قبل هَذَا الْبَاب بِثمَانِيَة
أَبْوَاب. قَوْله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ
لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ} ، وَغَيرهَا أَي: من الطَّاعَات. قَالَ
الْكرْمَانِي: أَي من الْإِيمَان وَسَائِر الطَّاعَات،
أَدخل قَوْله: من الْإِيمَان، لأجل مذْهبه على مَا لَا
يخفى. قَوْله: وَفد عبد الْقَيْس إِلَى آخِره يَأْتِي
الْكَلَام فِيهِ بعد حَدِيث وَاحِد.
7555 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حدّثنا
عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدثنَا أيُّوبُ عنْ أبي قِلابَةَ
والقاسِمِ التَّمِيميِّ، عنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ
هاذا الحيِّ مِنْ جَرْمٍ وبَيْنَ الأشْعَرِيِّينَ وُدٌّ
وإخاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أبي مُوساى الأشْعَرِيِّ،
فَقُرِّبَ إلَيْهِ الطّعامُ فِيهِ لَحْمُ دَجاجٍ،
وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْم الله، كأنّهُ مِنَ
المَوالِي، فَدَعاهُ إلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ
يَأْكُلُ شَيْئاً فَقذرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لَا آكلُهُ.
فقالَ: هَلمَّ فلأُحَدِّثْكَ عنْ ذَاكَ: إنِّي أتَيْتُ
النبيَّ فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ
قَالَ: وَالله لَا أحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا
أحْمِلُكُمْ فأُتِيَ النبيُّ بِنَهْبِ إبِلٍ فَسألَ
عَنَّا، فَقَالَ: أيْنَ النَّفَرُ الأشْعْرِيُّونَ فَأمَرَ
لَنا بخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّراى، ثُمَّ انْطَلْقَنا.
قُلْنا: مَا صَنَعْنا؟ حَلَفَ رسولُ الله لَا يَحْمِلُنا
وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنا، ثُمَّ حَمَلَنا.
تَغَفَّلْنا رسولَ الله يَمِينَهُ وَالله لَا نُفْلِحُ
أبدا. فَرَجَعْنا إلَيْهِ فَقُلْنا لهُ. فَقَالَ: لَسْتُ
أَنا أحْمِلُكُمْ ولاكِنَّ الله حَمَلَكُمْ، إنِّي وَالله
لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فأراى غَيْرَها خَيْراً مِنْها
إلاّ أتَيْتُ الذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وتَحَلَّلْتُها
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَلَكِن الله
حملكم حَيْثُ نسب الْحمل إِلَى الله تَعَالَى.
وَشَيْخه عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي أَبُو
مُحَمَّد، وَشَيْخه عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو
قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي،
وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي، وَيُقَال: الْكَلْبِيّ،
وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، زَهْدَم بِفَتْح الزَّاي ابْن مضرب
على وزن اسْم الْفَاعِل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي الْمَغَازِي
عَن أبي نعيم وَفِي النذور والذبائح أَيْضا عَن أبي معمر
وَفِي النذور أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَفِي الذَّبَائِح عَن
يحيى عَن وَكِيع.
قَوْله وَبَين الْأَشْعَرِيين جمع أشعري نِسْبَة إِلَى
أشعر، أَبُو قَبيلَة من الْيمن. قَوْله: يَأْكُل شَيْئا
أَي: من النَّجَاسَة، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني
وَفِي رِوَايَة غَيره: يَأْكُل فَقَط. قَوْله: فقذرته
بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة. أَي: كرهته. قَوْله:
فلأحدثك كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: فلأحدثنك، بنُون التَّأْكِيد. قَوْله:
نستحمله أَي: نطلب مِنْهُ الحملان، أَي: أَن يحملنا.
قَوْله: بِنَهْب أَي: غنيمَة. قَوْله: ذود بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَهِي من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى
الْعشْرَة الذرى بِضَم الذَّال جمع ذرْوَة وَهِي أَعلَى كل
شَيْء أَي: ذرى الأسنمة الْبيض أَي: من سمنهن وَكَثْرَة
شحمهن. قَوْله: ثمَّ حملنَا بِفَتْح اللَّام. قَوْله:
تغفلنا أَي: طلبنا غفلته وَكُنَّا سَبَب ذُهُوله عَن
الْحَال الَّتِي وَقعت. قَوْله: وَلَكِن الله حملكم
يحْتَمل وُجُوهًا: أَن يُرِيد إِزَالَة الْمِنَّة عَنْهُم
وَإِضَافَة النِّعْمَة إِلَى الله
(25/198)
تَعَالَى، أَو أَنه نسي وَفعل النَّاسِي
مُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، كَمَا جَاءَ فِي الصَّائِم
إِذا أكل نَاسِيا فَإِن الله أطْعمهُ، وَأَن الله حِين
سَاق هَذِه الْغَنِيمَة إِلَيْهِم فَهُوَ أَعْطَاهُم. أَو
نظرا إِلَى الْحَقِيقَة فَإِن الله خَالق كل الْأَفْعَال.
قَوْله: وتحللتها من التَّحَلُّل وَهُوَ التفصي من عُهْدَة
الْيَمين وَالْخُرُوج من حرمتهَا إِلَى مَا يحل لَهُ
بِالْكَفَّارَةِ.
7556 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حَدثنَا أبُو عاصِمٍ،
حَدثنَا قُرَّةُ بنُ خالِدٍ، حَدثنَا أبُو جَمْرَةَ
الضُّبعِي قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَدِمَ وفْدُ
عبْدِ القَيْسِ على رَسُول الله فقالُوا: إنَّ بَيْنَنَا
وبَيْنَك المُشْرِكِينِ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ
إلَيْكَ إِلَّا فِي أشْهُرٍ حُرُمٍ، فَمُرْنا بِجُمَلٍ
مِنَ الأمْر إنْ عَمِلْنا بِهِ دَخَلْنا الجَنَّةَ،
ونَدْعُو إلَيْهَا مَنْ وراءَنا. قَالَ: آمُرُكُمْ
بأرْبَعٍ وأنْهاكُمْ عَنْ أرْبَعٍ آمُرُكُمْ بالإيمانِ
بِاللَّه، وهَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمانُ بِاللَّه؟ شهادَةُ
أنْ لَا إلاهَ إِلَّا الله، وإقامُ الصَّلاةِ وإيتاءُ
الزَّكاةِ، وتُعْطُوا مِنْ المَغْنَمِ الخُمْسَ. وأنْهاكْم
عنْ أرْبَعٍ: لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، والنَّقِيرِ
والظُّرُوفِ المُزَفْتَةِ والحَنْتَمَةِ
ا
هَذَا حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس الَّذِي مضى عَن قريب.
وَقَالَ: وَفد عبد الْقَيْس الَّذِي مضى عَن قريب
للنَّبِي،
أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن يحيى الصَّيْرَفِي عَن أبي
عَاصِم الضَّحَّاك. وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ
كثيرا بِلَا وَاسِطَة عَن قُرَّة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد
الرَّاء ابْن السدُوسِي عَن أبي جَمْرَة بِالْجِيم
وَالرَّاء نصر بن عمرَان الضبعِي بِضَم الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة والْحَدِيث قد مضى
فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قلت لِابْنِ عَبَّاس، فَقَالَ: قدم كَذَا فِي
هَذِه الرِّوَايَة، لم يذكر مفعول. قلت: وَالتَّقْدِير:
قلت: حَدثنَا إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا عَن قصَّة عبد
الْقَيْس. قَوْله: من مُضر غير منصرف قَبيلَة كَانُوا بَين
ربيعَة وَالْمَدينَة. قَوْله: فِي أشهر حرم هِيَ: ذُو
الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب، وَذَلِكَ
لأَنهم كَانُوا يمتنعون عَن الْقِتَال فِيهَا. قَوْله:
النقير بِفَتْح النُّون جذع ينقر وَسطه وينبذ فِيهِ.
قَوْله: والحنتمة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَيجمع على:
حنتم، وَهِي جرار خضر يجلب فِيهَا الْخمر.
7557 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا اللّيْثُ،
عنْ نافِعٍ، عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عنْ عائِشَة،
رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ
يَوْمَ القِيامَةِ ويقالُ لَهُمْ أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من زعم أَنه يخلق فعل
نَفسه لَو صحت دَعْوَاهُ لما وَقع الْإِنْكَار على
هَؤُلَاءِ المصورين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أسْند الْخلق
إِلَيْهِم صَرِيحًا، وَهُوَ خلاف التَّرْجَمَة، وَلَكِن
المُرَاد كسبهم فَأطلق لفظ الْخلق عَلَيْهِ استهزاءً، أَو
أطلق بِنَاء عل زعمهم.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن
قُتَيْبَة أَيْضا، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات
عَن مُحَمَّد بن رمح.
قَوْله: أَصْحَاب هَذِه الصُّور أَي: المصورين. قَوْله:
أحيوا أَي: اجعلوه حَيَوَانا ذَا روح، وَهَذَا الْأَمر
أَمر تعجيز.
7558 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي
الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذّبُونَ يَوْم
القِيامَةِ، ويُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ
انْظُر الحَدِيث 5951
الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي حَدِيث عَائِشَة.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي الرّبيع
وَغَيره. وَالنَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة
وَغَيره.
(25/199)
7559 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ،
حدّثنا ابنُ فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ، عنْ أبي زُرْعَةَ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ:
سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ قَالَ
الله عَزَّ وجَلَّ ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ
كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا
حَبَّةً أوْ شَعِيرَةً
انْظُر الحَدِيث 5953
الْكَلَام فِي مُطَابقَة هَذَا مثل مَا مر فِيمَا قبله.
وَابْن فُضَيْل مصغر وَهُوَ مُحَمَّد، وَعمارَة بن
الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة اسْمه هرم بِفَتْح الْهَاء
وَكسر الرَّاء البَجلِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن ابْن نمير وَغَيره.
قَوْله: ذهب من الذّهاب الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْقَصْد
والإقبال إِلَيْهِ. قَوْله: فليخلقوا ذرة بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَهِي النملة الصَّغِيرَة، وَهَذَا استهزاء،
أَو قَول على زعمهم، أَو التَّشْبِيه فِي الصُّورَة
وَحدهَا لَا من سَائِر الْوُجُوه. قَوْله: أَو شعيرَة عطف
الْخَاص على الْعَام، أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي،
وَالْغَرَض تعجيزهم وتعذيبهم تَارَة بِخلق الْحَيَوَان،
وَأُخْرَى بِخلق الجماد، وَفِيه نوع من الترقي فِي الخساسة
وَنَوع من التنزل فِي الْإِلْزَام.
57 - (بابُ قِرَاءَةِ الفاجِرِ والمُنافِقِ وأصْوَاتُهُمْ
وتِلاَوَتُهُمْ لاَ تُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال قِرَاءَة الْفَاجِر.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْفَاجِر الْمُنَافِق بِقَرِينَة
جعله قسيماً لِلْمُؤمنِ فِي الحَدِيث، ومقابلاً لَهُ.
وَعطف الْمُنَافِق عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْعَطف
التفسيري. قَوْله: وتلاوتهم، مُبْتَدأ وَخَبره: لَا
تجَاوز، وَإِمَّا جمع الضَّمِير فَهُوَ حِكَايَة عَن لفظ
الحَدِيث، وَزيد فِي بعض الرِّوَايَات: وأصواتهم، والحناجر
جمع حنجرة وَهِي الْحُلْقُوم، وَهُوَ مجْرى النَّفس كَمَا
أَن المري مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب.
7560 - حدّثنا هُدْبةُ بنُ خالِدٍ، حدّثنا هَمَّامٌ،
حَدثنَا قتادَةُ، حَدثنَا أنسٌ عنْ أبي مُوسَى، رَضِي الله
عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَثَلُ
المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كالأُتْرُجَّةِ،
طَعْمُها طَيِّبٌ ورِيحُها طَيِّبٌ، والّذِي لَا يَقْرَأُ
كالتَّمْرَةِ طَعْمُها طَيِّبٌ، ولاَ رِيحَ لَها، ومَثَلُ
الفاجِرِ الّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ
الرَّيْحانَةِ ريحُها طَيِّبٌ وطَعْمها مُرٌّ، ومَثَلُ
الفاجِرِ الّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ
الحَنْظَلَةِ طَعْمُها مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وهدبة بِضَم الْهَاء ابْن خَالِد الْقَيْسِي بِفَتْح
الْقَاف، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم هُوَ ابْن يحيى
العوذي، وَأنس هُوَ ابْن مَالك، وَأَبُو مُوسَى عبد الله
بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَالرِّجَال كلهم بصريون، وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ
عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُسَدّد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كالأترجة بِضَم الْهمزَة وَيُقَال: الأترنجة
والترنجة وَفِي التَّوْضِيح كالأترجة، كَذَا فِي الْأُصُول
وَلأبي الْحسن: كالأترنجة، بالنُّون وَالصَّوَاب الأول
لِأَن النُّون والهمزة لَا يَجْتَمِعَانِ، وَالْمَعْرُوف:
الأترج. وَحكى أَبُو زيد: ترنجة وترج. وَقَالُوا: الأترجة
أفضل الثِّمَار للخواص الْمَوْجُودَة فِيهَا مثل: كبر
جرمها، وَحسن منظرها، ولين ملمسها، ولونها يسر الناظرين،
ثمَّ أكلهَا يُفِيد بعد الالتذاذ طيب النكهة ودباغ
الْمعدة، وَقُوَّة الهضم، واشتراك الْحَواس الْأَرْبَعَة:
الْبَصَر والذوق والشم واللمس فِي الاحتظاء بهَا، ثمَّ إِن
أجزاءها تَنْقَسِم على طبائع: فقشرها حَار يَابِس، وجرمها
حَار رطب، وحماضها بَارِد يَابِس، وبزرها حَار مجفف.
قَوْله: كَمثل الحنظلة وَهِي شَجَرَة مَشْهُورَة، وَفِي
بعض الْبِلَاد تسمى: بطيخ أبي جهل، فَإِن قلت: قَالَ فِي
آخر فَضَائِل الْقُرْآن: كالحنظلة طعمها مر وريحها مر.
وَهنا قَالَ: وَلَا ريح لَهَا؟ قلت: الْمَقْصُود مِنْهُمَا
وَاحِد، وَذَلِكَ هُوَ بَيَان عدم النَّفْع لَا لَهُ وَلَا
لغيره، وَرُبمَا كَانَ مضراً فَمَعْنَاه: لَا ريح لَهَا
نافعة.
7561 - حدّثنا عَلِيُّ، حَدثنَا هِشامٌ، أخبرنَا مَعْمَرٌ،
عنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحدّثني أحْمَدُ بنُ صالِحٍ
(25/200)
حَدثنَا عَنْبَسَةُ، حَدثنَا يُونُسُ، عنِ
ابنِ شِهابٍ، أَخْبرنِي يَحْياى بنُ عُرْوَةَ بنِ
الزُّبَيْرِ أنّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ
يَقُولُ: قالَتْ عائِشةُ، رَضِي الله عَنْهَا، سألَ أُناسٌ
النبيَّ عنِ الكُهَّانِ فَقَالَ: إنَّهُمْ لَيْسُوا
بِشَيْءٍ فقالُوا: يَا رسولَ الله فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ
بالشّيءِ يَكُونُ حَقاً. قَالَ: فَقَالَ النبيُّ تِلْكَ
الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطُفُها الجِنِّيُّ
فَيُقَرْقِرُها فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، كَقَرْقَرَةِ
الدَّجاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أكْثَرَ مِنْ مِائَةِ
كَذْبَةٍ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مشابهة الكاهن بالمنافق من
حَيْثُ إِنَّه لَا يتنفع بِالْكَلِمَةِ الصادقة لغَلَبَة
الْكَذِب عَلَيْهِ ولفساد حَاله، كَمَا لَا ينْتَفع
الْمُنَافِق بقرَاءَته لفساد عقيدته وانضمام خبثه
إِلَيْهَا.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ
عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ عَن معمر بن رَاشد
عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن
أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة بن
خَالِد بن يزِيد بن أبي النجا ابْن أخي يُونُس بن يزِيد
الْأَيْلِي، سمع عَمه يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب
الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه
عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الطِّبّ فِي: بَاب الكهانة،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: سَأَلَ أنَاس وَفِي رِوَايَة معمر: نَاس،
وَكِلَاهُمَا وَاحِد. قَوْله: عَن الْكُهَّان أَي: عَن
حَالهم، والكهان جمع كَاهِن وَهُوَ الَّذِي يتعاطى
الْخَبَر عَن الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، وَيَدعِي
معرفَة الْأَسْرَار. قَوْله: يَخْطفهَا بِالْفَتْح على
اللُّغَة الفصيحة وبكسرها، والجني مُفْرد الْجِنّ أَي:
يختلسها الجني من أَخْبَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
يحفظها، من الْحِفْظ. قَوْله: فيقرقرها من القرقرة وَهُوَ
الْوَضع فِي الْأذن بالصوت، والقر الْوَضع فِيهَا بِدُونِ
الصَّوْت، وَإِضَافَة القرقرة إِلَى الدَّجَاجَة من
إِضَافَة الْفَاعِل، والدجاجة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا.
وَقَالَ الْخطابِيّ: غَرَضه نفي مَا يتعاطون من علم
الْغَيْب. قَالَ: وَالصَّوَاب كقرقرة الزجاجة ليلائم معنى
القارورة الَّذِي فِي الحَدِيث الآخر، وَتَكون إِضَافَة
القرقرة إِلَى الْمَفْعُول فِيهِ نَحْو مكر اللَّيْل.
7562 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حَدثنَا مَهْدِيُّ بنُ
مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيرين، يُحَدِّثُ عنْ
مَعْبَدِ بنِ سِيرين عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي
الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يَخْرُجُ ناسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ ويَقْرأونَ
القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ
الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ،
ثُمَّ لَا يَعُودونَ فِيهِ حتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى
فُوقِهِ، قِيلَ: مَا سِيْماهُمْ؟ قَالَ: سِيْماهُمُ
التَّحْلِيقُ أوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: يقرأون الْقُرْآن
لَا يُجَاوز تراقيهم
وَأخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل عَن مهْدي
بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن
أَخِيه معبد بن سِيرِين بِفَتْح الْمِيم، وَالْأَرْبَعَة
بصريون.
قَوْله: يخرج نَاس من قبل الْمشرق تقدم فِي الْفِتَن
أَنهم: الْخَوَارِج. قَوْله: تراقيهم جمع ترقوة بِفَتْح
أَوله وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف وَفتح الْوَاو وَهِي
الْعظم الَّذِي بَين نقرة النَّحْر والعاتق. قَوْله:
يَمْرُقُونَ أَي: يخرجُون. قَوْله: من الرَّمية بِكَسْر
الْمِيم الْخَفِيفَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف،
فعيلة بِمَعْنى المرمية أَي: المرمى إِلَيْهَا. قَوْله:
إِلَى فَوْقه بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من
السهْم. قَوْله: مَا سِيمَاهُمْ؟ بِكَسْر الْمُهْملَة
مَقْصُورا وممدوداً: الْعَلامَة. قَوْله: التحليق هُوَ
إِزَالَة الشّعْر. قَوْله: أَو التسبيد بِالْمُهْمَلَةِ
وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ استيصال الشّعْر. فَإِن قلت:
يلْزم من وجود الْعَلامَة وجود ذِي الْعَلامَة، فَكل محلوق
الرَّأْس مِنْهُم لكنه خلاف الْإِجْمَاع. قلت: كَانَ فِي
عهد الصَّحَابَة لَا يحلقون رؤوسهم إلاَّ فِي النّسك أَو
الْحَاجة، وَأما هَؤُلَاءِ فقد جعلُوا الْحلق شعارهم،
وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ حلق الرَّأْس واللحية وَجَمِيع
شُعُورهمْ.
58 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وَنَضَع الموازين
بِالْقِسْطِ} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر أَي: فِي يَوْمهَا،
والموازين جمع ميزَان وَأَصله: موزان، قلبت الْوَاو يَاء
لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، والقسط مصدر يَسْتَوِي فِيهِ
الْمُفْرد الْمثنى وَالْجمع، أَي:
(25/201)
تضع الموازين العادلات. قيل: ثمَّة ميزَان
وَاحِد يُوزن بِهِ الْحَسَنَات. وَأجِيب بِأَنَّهُ جمع
بِاعْتِبَار الْعباد وأنواع الموزونات. وَقَالَ الزّجاج:
أَي نضع الموازين ذَوَات الْقسْط. قَالَ أهل السّنة:
إِنَّه جسم محسوس ذُو لِسَان وكفتين، وَالله تَعَالَى
يَجْعَل الْأَعْمَال والأقوال كالأعيان موزونة أَو توزن
صحفها، وَقيل: ميزَان كميزان الشّعْر، وَفَائِدَته
إِظْهَار الْعدْل وَالْمُبَالغَة فِي الْإِنْصَاف والإلزام
قطعا لأعذار الْعباد.
وأنَّ أعْمالَ بَني آدَمَ وقَوْلَهُمْ يُوزَنُ.
قد ذكرُوا أَن الْأَعْمَال والأقوال تتجسد بِإِذن الله
تَعَالَى فتوزن، أَو توزن الصحائف الَّتِي فِيهَا
الْأَعْمَال.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: القُسْطاطُ: العَدْلُ بالرُّومِيَّةِ.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَابَنِى آدَمَ
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ
عَلَيْكُمْءَايَاتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ، {وَزِنُواْ
بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وَهُوَ بِضَم الْقَاف
وَكسرهَا الْعدْل بلغَة أهل الرّوم، هُوَ من توَافق
اللغتين.
ويُقالُ: القِسْطُ مَصْدَرُ المُقْسِطِ، وهْوَ العادِلُ.
وأمَّا القاسِطُ فَهْوَ الجائِرُ.
اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فِي قَوْله:
الْقسْط مصدر المقسط، ومصدر المقسط الإقساط، يُقَال: أقسط
إِذا عدل، وقسط إِذا جَار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمصدر
الْمَحْذُوف الزَّوَائِد نظرا إِلَى أَصله.
قلت: هَذَا لَيْسَ بكاف فِي الْجَواب.
7563 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إشْكابٍ، حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ
فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ بنِ القَعْقاعِ، عنْ أبي زُرْعَةَ،
عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمتانِ حَبيبَتان
إِلَى الرَّحْمانِ خَفِيفتانِ عَلى اللِّسانِ، ثَقيلَتانِ
فِي المِيزانِ: سبْحان الله وبِحَمْدِهِ، سبْحانَ الله
العَظِيمِ
انْظُر الحَدِيث 6406 وطرفه
ختم البُخَارِيّ كِتَابه بالتسبيح والتحميد كَمَا بَدَأَ
أَوله بِحَدِيث النِّيَّة عملا بِهِ.
وَأَبُو زرْعَة اسْمه: هرم، وَمر رِجَاله عَن قريب.
وَقد مضى الحَدِيث فِي الدَّعْوَات عَن زُهَيْر بن حَرْب
وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن قُتَيْبَة، وَهنا
رَوَاهُ عَن أَحْمد بن إشكاب بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف وبالباء الْمُوَحدَة
غير منصرف، وَقيل: هُوَ منصرف أَبُو عبد الله الصفار
الْكُوفِي سكن مصر وَيُقَال: أَحْمد بن مَيْمُون بن إشكاب،
وَيُقَال: أَحْمد بن عبد الله بن إشكاب، وَيُقَال: اسْم
إشكاب مجمع مَاتَ سنة تسع عشر وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من
أَفْرَاده.
قَوْله: كلمتان أَي: كلامان، وَتطلق الْكَلِمَة عَلَيْهِ
كَمَا يُقَال: كلمة الشَّهَادَة. قَوْله: حبيبتان أَي:
محبوبتان يَعْنِي بِمَعْنى الْمَفْعُول لَا الْفَاعِل،
وَالْمرَاد محبوبية قائلهما، ومحبة الله للْعَبد إِرَادَة
إِيصَال الْخَيْر إِلَيْهِ والتكريم. قيل: مَا وَجه لُحُوق
عَلامَة التَّأْنِيث؟ والفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى
الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. فَأُجِيب:
بِأَن التَّسْوِيَة جَائِزَة لَا وَاجِبَة، ووجوبها فِي
الْمُفْرد لَا فِي الْمثنى، أَو أَن هَذِه التَّاء
للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية. قَوْله: إِلَى
الرَّحْمَن تَخْصِيص لفظ الرَّحْمَن من بَين سَائِر
الْأَسْمَاء الْحسنى لِأَن الْقَصْد من الحَدِيث بَيَان
سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى على عباده، حَيْثُ يجازي على
الْفِعْل الْقَلِيل بالثواب الْكثير، وَلَا يُقَال: إِنَّه
سجع، لِأَن الْمنْهِي سجع الْكُهَّان. قَوْله: سُبْحَانَ
مصدر لَازم النصب بإضمار الْفِعْل، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: سُبْحَانَ علم للتسبيح كعثمان علم للرجل،
قيل: سُبْحَانَ وَاجِب الْإِضَافَة فَكيف الْجمع بَين
الْإِضَافَة والعلمية؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُنكر ثمَّ
يُضَاف، وَمعنى التَّسْبِيح التَّنْزِيه يَعْنِي: أنزه
الله تَنْزِيها عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ. قَوْله:
وَبِحَمْدِهِ الْوَاو للْحَال أَي: أسبحه ملتبساً بحمدي
لَهُ من أجل توفيقه لي للتسبيح وَنَحْوه. أَو لعطف
الْجُمْلَة على الْجُمْلَة أَي: أسبح وألتبس بِحَمْدِهِ،
وَالْحَمْد هُوَ الثَّنَاء بالجميل على وَجه التَّفْضِيل،
وتكرار التَّسْبِيح للإشعار بتنزيهه على الْإِطْلَاق،
وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا
كثيرا دَائِما.
(25/202)
فرغت يَمِين مُؤَلفه ومسطره العَبْد
الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الْغَنِيّ أَبُو مُحَمَّد
محمودبن أَحْمد الْعَيْنِيّ من تأليف هَذَا الْجُزْء
وتسطيره. الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُمْدَة الْقَارِي فِي
شرح البُخَارِيّ الَّذِي بِهِ كمل الشَّرْح بِتَوْفِيق
الله وعونه ولطفه وَكَرمه، فِي آخر الثُّلُث الأول من
لَيْلَة السبت الْخَامِس من شهر جُمَادَى الأولى عَام
سَبْعَة وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة من الْهِجْرَة
النَّبَوِيَّة، فِي دَاره الَّتِي مُقَابلَة مدرسته
البدرية فِي حارة كتامة بِالْقربِ من الْجَامِع
الْأَزْهَر، وَكَانَ ابْتِدَاء شروعي فِي تأليفه فِي آخر
شهر رَجَب الْأَصَم الأصب سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة،
وفرغت من الْجُزْء الأول يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّادِس عشر
من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة،
وفرغت من الْجُزْء الثَّانِي نَهَار الثُّلَاثَاء
السَّابِع من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَعشْرين
وَثَمَانمِائَة، وفرغت من الْجُزْء الثَّالِث يَوْم
الْجُمُعَة الثَّامِن من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاثَة
وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة، بعد أَن مكثت فِيهِ نصف سنة،
وَكَانَ الْخُلُو بَين الثَّانِي وَالثَّالِث مِقْدَار
سِتَّة عشر سنة، وَأكْثر، وفرغت من الرَّابِع يَوْم
الثُّلَاثَاء التَّاسِع من ربيع الآخر سنة تسع
وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة، ثمَّ استمريت فِي
الْكِتَابَة والتأليف إِلَى التَّارِيخ الْمَذْكُور فِي
الْحَادِي وَالْعِشْرين وَكَانَت مُدَّة مكثي فِي
التَّأْلِيف مِقْدَار عشر سِنِين مَعَ تخَلّل أَيَّام
كَثِيرَة فِيهَا، وَالْحَمْد لله تَعَالَى على هَذِه
النِّعْمَة، صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله
وَصَحبه وَسلم.
أحمدك يَا من أوضحت سنَن الْحق لسالكيها بآيَات بَيِّنَات.
وأبنت طرق الْهِدَايَة بعلامات واضحات. وكشفت عَن
الضَّلَالَة حجب الأوهام والخزعبلات. فظهرت وحشية المنظر
منفورة الشكل لَدَى أَرْبَاب البصائر والإدراكات. فَانْدفع
الْبَاطِل وزهق بِمَا للْحَقِيقَة من قُوَّة وصدمات.
فتعالى وانتصر سَبِيل دين الْحق الْمُؤَيد بِأم الْكتاب
الَّتِي هِيَ آيَات محكمات. والمدعم بِسنة خير خلق الله
المعزز بالبراهين والمعجزات. فنشهد أَن لَا إلاه إِلَّا
الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة دائمة فِي الْمحيا
وَالْمَمَات. ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود والمناقب الباهرات. اللَّهُمَّ
صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه مَا دَامَت
أزمنة وأوقات. وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَبَارك عَلَيْهِم
وعَلى من تبع هديهم بتحيات مباركات زاكيات.
(25/203)
|