فتح الباري لابن
رجب استدراك
(*)
فائدةٌ:
قال الحافظ ابن رجب في ((شرح البخاري)) ، لما تكلم على
حديث النزول، قالَ:
أهل الحديث في النزول على ثلاث فرق:
فرقة منهم، تجعل النزول من الأفعال الاختيارية التي يفعلها
الله بمشيئته وقدرته، وهو المروي عن ابن المبارك ونعيم بن
حماد وإسحاق بن راهويه وعثمان الدارمي.
وهو قول طائفة من أصحابنا، ومنهم: من يصرح بلوازم ذلك من
إثبات
الحركة.
وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين من أصحابنا مصنفاً في
إثبات ذلك، ورواه عن الامام أحمد من وجوه كلها ضعيفة، لا
يثبت عنه منها شيء.
وهؤلاء؛ منهم من يقول: ينزل بذاته، كابن حامد من أصحابنا.
وقد كان الحافظ إسماعيل من التميمي الأصبهاني الشافعي يقول
بذلك، وجرى بينه وبين طائفة من أهل الحديث بسببه فتنة
وخصام.
(ج 6 / ص 533)
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الاستدراك من طبعة
الشيخ طارق عوض الله (دار ابن الجوزي - السعودية / الدمام
- 1422هـ) ، وتجد أرقام الصفحات والأجزاء بأسفل كل صفحة
(9/)
قال الحافظ أبو موسى المديني: كان من
اعتقاد الإمام إسماعيل أن نزول الله تعالى بالذات، وهو
مشهور من مذهبه؛ لكنه تكلم في حديث نعيم بن حماد الذي رواه
بإسناده في النزول بالذات. قالَ: وهو إسناد مدخول، وفيه
مقال، وفي بعض رواته مطعن، ولا تقع بمثله الحجة، فلا يجوز
نسبة قوله إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
والفرقة الثانية: تقول: إن النزول إنما هوَ نزول الرحمة.
ومنهم من يقول: هوَ إقبال الله على عباده، وإفاضة الرحمة
والإحسان عليهم.
ولكن؛ يرد ذَلِكَ: تخصيصه بالسماء الدنيا، وهذا نوع من
التأويل لأحاديث الصفات.
وقد مال إليه في حديث النزول خاصة طائفة من أهل الحديث،
منهم: ابن قتيبة والخطابي وابن عبد البر.
وقد تقدم عن مالك، وفي صحته عنه نظر.
وقد ذهب إليه طائفة ممن يميل إلى الكلام من أصحابنا،
وخرجوه عن أحمد من رواية حنبل عنه في قوله تعالى: {وَجَاءَ
رَبُّكَ} [الفجر: 22] ، أن المراد: وجاء أمر ربك.
وقال ابن حماد: رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبد الله في
الإتيان، أنه قال: تأتي قدرته. قال: وهذا على حد الوهم من
قائله، وخطأ في إضافته إليه.
وقد روي فيه حديث موضوع: ((إن نزول الله تعالى إقبال على
الشيء من غير نزول)) .
(ج 6 / ص 534)
(9/)
وذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) .
وهذا الحديث مقابل لحديث نعيم بن حماد الذي رواه في النزول
بالذات.
وكلاهما باطل، ولا يصح.
والفرقة الثالثة: أطلقت النزول كما ورد، ولم تتعد ما ورد،
ونفت الكيفية عنه، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول
المخلوق.
وهذا قول أئمة السلف: حماد بن زيد، وأحمد؛ فإن حماد بن زيد
سئل عن النزول، فقال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء.
إلى أن قال:
وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى السماء
الدنيا؟ قال:
نعم. قلت: نزوله بعلمه، أو بماذا؟ قال لي: اسكت عن هذا،
مالك ولهذا؟ ! أمض الحديث على ما روي، بلا كيف ولا حد؛ إلا
بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب؛ قال الله عزوجل:
{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74] ، ينزل
كيف شاء بعلمه وقدرته وعظمته، أحاط بكل شيء علماً، لا يبلغ
قدره واصف، ولا ينأى عنه هارب. انتهى.
إلى ان قال:
والزيادة على ما ورد في النزول من ذكر الحركة والانتقال
وخلو العرش
وعدمه؛ كله بدعة، والخوض فيه غير محمود.
قال أبو داود الطيالسي: كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن
زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يجسدون، ولا
يشبهون، ولا يمثلون الحديث،
(ج 6 / ص 535)
(9/)
لا يقولون: كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر.
خرجه البيهقي.
(ج 6 / ص 537)
(9/)
|