فيض القدير شرح
الجامع الصغير 182 - (أجرؤكم) من الجرأة وهي الإقدام على
الشيء (على قسم الجد) أي على الإفتاء أو الحكم بتعيين ما
يستحقه من الإرث (أجرؤكم على النار) أي أقدمكم على الوقوع
فيها يوم القيامة تسوقه الزبانية إليها لأن الجد يختلف ما
يأخذه من فرض وتعصيب وثلث وسدس وتتفاوت مراتبه بحسب القرب
والبعد وفي شأنه من الاضطراب ما يحير الألباب فمن تساهل
وأقدم على القضاء أو الإفتاء بقدر ما يستحقه بغير تثبت
وتحقق فقد عرض نفسه للنار ومن ثم نقل عن عمر أنه لما احتضر
قال احفظوا عني لا أقول في الكلالة ولا في الجد شيئا ولا
أستخلف وأخرج يزيد بن هارون عن ابن سيرين عن عبيدة قال:
إني لأحفظ عن عمر في الجد مئة قضية كلها ينقض بعضها بعضا
قال ابن الأثير: وفي حديث علي من سره أن يقتحم جراثيم جهنم
فليقض في الجد أي يرمي بنفسه في معاظم عذابها
(ص عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على الأشهر وتكسر
(مرسلا) هو المخزومي أحد الأعلام رأس علماء التابعين
وفردهم وأفضل فقهائهم حدث عن عمر وغيره وعنه الزهري وخلق
رمز لصحته
(1/158)
183 - (اجرؤكم على الفتيا) بضم الفاء أي
أقدمكم على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر
والإفتاء بيان حكم المسألة. قال في الكشاف: الفتوى الجواب
في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتي في السن
(أجرؤكم على النار) أقدمكم على دخولها لأن المفتي مبين عن
الله خكمه فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في
تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته
على المجازفة في أحكام الجبار {الله أذن لكم أم على الله
تفترون} قال الزمخشري: كفى بهذه الآية زاجرة زجرا بليغا عن
التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط
فيها وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد
إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر
على الله تعالى انتهى. وقال ابن النكدر: المفتي يدخل بين
الله [ص:159] وبين خلقه فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف
والتحرز لعظم الخطر. كان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى
هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس فضعها في عنقه وقال:
يريدون أن يجعلونا جسرا يمرون علينا على جهنم فمن سئل عن
فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها
أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف. وقال ابن مسعود:
الذي يفتي عن كل ما يستفتى عنه مجنون. قال الماوردي: فليس
لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها ولا له حد يقف عنده
ومن كان تكلفه غير محدود فأخلق به أن يضل ويضل وقال
الحكماء: من العلم أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من يعلم
فحسبك خجلا من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم وإذا لم يكن
إلى الإحاطة بالعلم من سبيل فلا عار أن تجهل بعضه وإذا لم
يكن في جهل بعضه عار فلا تستحي أن تقول لا أعلم فيما لا
تعلم وقال ابن أبي ليلى: أدركت مئة وعشرين صحابيا وكانت
المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى
الأول قال حجة الإسلام فانظر كيف انعكس الحال صار المرهوب
منه مطلوبا والمطلوب مرهوبا؟ وبما تقرر علم أنه يحرم على
المفتي التساهل وعليه التثبت في جوابه ولو ظاهرا فلا يطلق
في محل التفصيل فهو خطأ وإذا سئل عن قائل ما يحتمل وجوها
كثيرة فلا يطلق بل يقول إن أراد كذا فكذا وينبغي أن لا
يفتي مع وجود شاغل لفكره كالقضاء
(الدارمي) عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي في سنده
المشهور له بالترجيح المستحق لأن يسمى بالصحيح. قال الحافظ
ابن حجر: مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم
إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير (عن
عبد الله) بالتصغير (ابن أبي جعفر مرسلا) هو أبو بكر
المصري الفقيه أحد الأعلام والأئمة الكبار
(1/158)
184 - (اجعل) بكسر فسكون يا بلال إذ الخطاب
له كما جاء مصرحا به في رواية البيهقي وغيره (بين أذانك
وإقامتك) للصلاة (نفسا) بفتح الفاء أي ساعة قال الزمخشري:
تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة وتنفس الصبح وتنفس
النهار طال (حتى) أي إلى أن (يقضي) أي يتم (المتوضئ) يعني
المتطهر أي الشارع في الطهر (حاجته) ويأتي بالشروط والفروض
والسنن (في مهل) بفتح أوليه بضبط المؤلف يعني بتؤدة وسكينة
إذا اتسع الوقت (و) حتى (يفرغ الآكل) بالمد وكسر الكاف
(من) أكل (طعامه في مهل) بأن يشبع فيندب للمؤذن أن يفصل
عند اتساع الوقت بين الأذان والإقامة بقدر فعل المذكورات
وقدر السنة والاجتماع وهذا الحديث وإن كان واهي الإسناد له
شواهد منها حديث الترمذي عن جابر رفعه اجعل بين أذانك
وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه
والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ومنها حديث أبي هريرة وغيره
قال في الفتح وكلها واهية وقد أشار البخاري إلى أن التقدير
بذلك لا يثبت قال ابن بطال: لاحد لذلك غير تمكن دخول الوقت
واجتماع المصلين
(عم) فيما زاد على المسند من غير أبيه من حديث أبي الجوزاء
(عن أبي) بن كعب قال الهيتمي: وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الأذان)
والإقامة (عن سلمان) الفارسي هو عبد الله أبو عثمان الهندي
مات بالمدائن وعمره قيل ثلاث مئة وخمسين سنة والأكثر على
مائتين وخمسين سنة كما في الكاشف (وعن أبي هريرة) معا قال
الترمذي في إسناده مجهول وقال الحاكم ليس في إسناده مطعون
فيه غير عمرو بن فائد انتهى قال الذهبي عمرو هذا قال
الدارقطني متروك وقال ابن عبد الهادي اتهمه المديني وذكره
النووي في الأحاديث الضعيفة وحصر الحاكم منعه الحافظ
العراقي بأن فيه أيضا عبد المنعم الرياحي منكر الحديث كما
قال البخاري وغيره انتهى وبذلك كله يعلم ما في تحسين
المؤلف له إلا أن يريد أنه حسن لغيره
(1/159)
185 - (اجعلوا) من الجعل كما قال الحراني
وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير (آخر صلاتكم بالليل) يعني
[ص:160] تهجدكم فيه (وترا) بالكسر والفتح وهو الفرد ما لم
يشفع من العدد والمراد صلاة الوتر وذلك لأن أول صلاة الليل
المغرب وهي وتر فناسب كون آخرها وترا والأمر للوجوب عند
أبي حنيفة وللندب عند الشافعي بدليل ذكر صلاة الليل فإنها
غير واجبة اتفاقا فكذا آخرها وخبر من لم يوتر فليس منا
معناه غير عامل بسنتنا وفيه الأمر بجعل صلاة الوتر آخر
الليل فتأخيره إلى آخره أفضل لمن وثق بانتباهه آخر الليل
وتقديمه لغيره أفضل كما يصرح به خبر مسلم " من خاف أن لا
يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره
فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة " أي تشهدها
ملائكة الرحمة وعلى التفصيل تحمل الأحاديث المطلقة كخبر
أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر
(ق د) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيعه أنه
لم يروه من الستة إلا هؤلاء الثلاثة والأمر بخلافه فإن
النسائي رواه معهم
(1/159)
186 - (اجعلوا) ندبا (أئمتكم) أي الذين
يؤمون بكم في الصلاة (خياركم) أي قدموا للإمامة أفضلكم
بالصفات المبينة في كتب الفروع (فإنهم) أي الأئمة وفي لفظ
فإنها (وفدكم) بفتح الواو وسكون الفاء أي متقدموكم
المتوسطون (فيما بينكم وبين ربكم) وكلما علت درجة المتوسط
كان أرجى للقبول وأقرب إلى إفاضة الرحمة وإدرار البر على
المقتدين به والوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم
في لقى العظماء لقضاء المهمات ودفع الملمات وذلك أن الإمام
خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ هو الواسطة الأفخم
والقائد الأعظم والإمام المقدم يوم القيامة فكذا هو إمامهم
في وفادتهم في الدنيا في صلاتهم فالإمامة بعده للأقرب
فالأقرب منه منزلة والأمثل فالأمثل به مرتبة وأجل مراتب
العباد وأعلى منازلهم المعرفة بالله والخلق فيها صنفان
عارف في ذات الله وهو مقام الرسل والأنبياء وواصلي
الأولياء وعارف بصفات الله وهو مقام خيار المؤمنين فهم أحق
بالتقدم بالإمامة فيقدم ندبا في الإمامة العدل على الفاسق
ثم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسبق إسلاما ثم الأسن
ثم النسيب ثم الأحسن ذكرا ثم الأنظف ثوبا ثم الأحسن صوتا
ثم الأحسن صورة ذكره الشافعية
(قط هق) وضعفه كما في الكبير عنه كلاهما من حديث سعيد بن
جبير (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما
قال فقد أعله الدارقطني بأن فيه عمرو بن يزيد قاضي المدائن
وسلام بن سليمان بن سوار بن المنذر قال ابن عدي عامة ما
يرويه لا يتابع عليه انتهى قال الذهبي في المهذب إسناده
ضعيف وفي التنقيح سنده مظلم أه وسبقه لنحوه عبد الحق وابن
القطان وغيرهما
(1/160)
187 - (اجعلوا من صلاتكم) أي بعضها قال
الطيبي: من تبعيضية وهو مفعول أول ل اجعلوا والثاني (في
بيوتكم) أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النفل مؤداة في
بيوتكم فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت إذ من حقها أن
يجعل لها نصيب من الطاعات انتهى وقيل من زائدة كأنه قال
اجعلوا صلاتكم النفل في بيوتكم لتعود بركتها على البيت
وأهله ولتنزل الرحمة فيها والملائكة ويكثر خيرها ويفر منها
الشيطان فالنفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو الحرام
إلا ما سن جماعة وركعتا الطواف والإحرام وسنة الجمعة
القبلية وقيل أراد بالصلاة الفرض ومعناه اجعلوا بعض
فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من
نحو امرأة ومريض والجمهور على الأول لقوله في حديث مسلم
إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد فليجعل لبيته نصيبا من
صلاته (ولا تتخذوها قبورا) أي كالبور مهجورة من الصلاة شبه
البيوت التي لا يصلى فيها بالقبور التي لا يمكن الموتى
التعبد فيها
(حم ق د) وكذا ابن ماجه كلهم في الصلاة (عن ابن عمر) ابن
الخطاب (ع والروياتي) محمد بن هارون الحافظ وليس بالفقيه
الشافعي (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن) أبي
[ص:161] عبد الرحمن (زيد بن خالد) الجهني بضم الجيم وفتح
الهاء وكسر النون صحابي مشهور وكان معه لواء جهينة يوم
الفتح (ومحمد ابن نصر) الفقيه الكبير أحد رفعاء الشافعية
وعظمائهم (في) كتاب (الصلاة) وهو مؤلف مستقل حافل (عن
عائشة) الصديقة رضي الله عنها ومع وجود الحديث في الصحيحين
لا حاجة لعزوه لغيرهما اللهم إلا أن يكن قصده إثبات تواتره
(1/160)
188 - (اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا) أي
وقاية (من الحلال) وهو واحد الستور قال الزمخشري: من
المجاز رجل مستور وهتك الله ستره اطلع على مساويه وفلان لا
يستتر من الله بستر أي لا يتقي الله فإن (من فعل ذلك) أي
جعل بينه وبين الحرام سترا فقد (استبرأ) بالهمز وقد تخفف
طلب البراءة (لعرضه) بصونه عما يشينه ويعيبه وفي المختار
الاستبراء عبارة عن التبصر والتعرف احتياطا (ودينه) عن
الذم الشرعي والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من
الإنسان كما قاله بعض الأعيان قال الزمخشري: تقول اعترض
فلان عرضي إذا وقع فيه وتنقصه ومن زعم كالشهاب ابن حجر
الهيتمي أن المراد هنا الحسب وما يعده الإنسان من مفاخره
ومفاخر آبائه فكأنه نقله من لغة غير ناظر إلى ما يلائم
السياق في هذا المحل بخصوصه ومقصود الحديث أن الحلال إذا
خيف أن يتولد من فعله خور شرعي في نفسه أو أهله أو سلفه
تعين تجنبه ليسلم من الذم والعيب والعذاب ويدخل في زمرة
المتقين (ومن أرتع فيه) أي أكل ما شاء وتبسط في المطاعم
والملابس كيفما أحب يقال رتعت الماشية أكلت ما شاءت قال
الزمخشري: من المجاز رتع القوم أكلوا ما شاءوا في رغد وسعة
(كان كالمرتع) بضم الميم وكسر التاء (إلى جنب الحمى) أي
جانبه من إطلاق المصدر على المفعول أي المحمي وهو الذي لا
يقربه أحد احتراما لمالكه. قال الراغب: وأصل الجنب الجارحة
ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعمال سائر
الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال. وقال الزمخشري: حميت
المكان منعته أن يقرب فإذا امتنع وعز قلت أحميته أي صيرته
حمى فلا يكون حمىإلا بعد الحماية ومن المجاز حميته أن يفعل
كذا إذا منعته (يوشك) بضم المثناة تحت وكسر المعجمة مضارع
أوشك بفتحها وهو من أفعال المقاربة وقد وضع لدنو الخبر مثل
كاد وعسى في الاستعمال فيجوز أوشك زيد يجيء وأوشك أن يجيء
زيد على الأوجه الثلاثة معناه هنا يسرع أو يقرب (أن يقع)
بفتح القاف فيه وفي ماضيه (فيه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب
والوقوع في شيء السقوط فيه وكل سقوط شديد يعبر عنه به فكما
أن الراعي الخائف من عقوبة السلطان يبعد لاستلزام القرب
الوقوع المترتب عليه العقاب فكذا حمى الله أي محارمه التي
حظرها لا ينبغي قرب حماها ليسلم من ورطتها ومن ثم قال الله
تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} فنهى عن المقاربة حذرا
من المواقعة إذ القرب من الشيء يورث داعية وميلا يأخذ
بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى الشرع وقد حرمت أشياء
كثيرة لا مفسدة فيها لكونها تجر إليها (وإن لكل ملك) من
ملوك العرب (حمى) يحميه عن الناس فلا يقربه أحد خوفا من
سطوته كان الواحد من أشرفهم إذا أراد أن يترك لقومه مرعى
استعوى كلبا فما بلغه صوته من كل جهة حظره على غيره (وإن
حمى الله في الأرض) في رواية في أرضه (محارمه) معاصيه كما
في رواية أبي داود من دخل حماه بارتكاب شيء منها استحق
العقوبة ومن قارب يوشك أن يقع فيه فالمحتاط لنفسه ولدينه
لا يقاربه ولا يفعل ما يقربه منه وهذا السياق من المصطفى
صلى الله عليه وسلم إقامة برهان عظيم على تجنب الشبهات
(حم طب عن النعمان بن بشير) لم يرمز المصنف له بشيء وسها
من زعم أنه رمز لحسنه. قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير
شيخ الطبراني المقدام بن داود وقد وثق على ضعف فيه
(1/161)
[ص:162] 189 - (اجعلوا بينكم وبين النار
حجابا) أي سترا وحاجزا فتنكير الحجاب للتعظيم (ولو بشق
تمرة) أي بشطر منها والحجاب جسم حائل بين شيئين وقد استعمل
في المعاني فيقال العجز حجاب بين العبد وقصده والمعصية
حجاب بينه وبين ربه وفيه حث على الصدقة وهي سنة كل يوم ولو
بما قل كبعض تمرة أو الماء ويتأكد لمن يخص وقتا بالصدقة أن
يتحرى الأوقات والأزمان الشريفة والأماكن الفاضلة ويتأكد
أن يكون التصدق بطيب قلب وبشاشة وأن يكون من الحلال الصرف
فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وذلك هو الذي يكون وقاية من
النار
(طب عن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة (ابن عبيد) مصغرا شهد
أحدا والحديبية وولي قضاء دمشق رمز المؤلف لحسنه وليس على
ما ينبغي فقد أعله الهيتمي وغيره بابن لهيعة لكن يعضده ما
رواه أحمد من حديث عائشة قال في الفتح بإسناد حسن يا عائشة
استتري من النار ولو بشق تمرة لأنها تسد من الجائع مسدها
من الشبعان وكان الجامع بينهما في ذلك حلاوتها
(1/162)
190 - (أجلوا) بالجيم وتشديد اللام (الله)
المستوجب لجميع صفات الجلال والكمال أي عظموه باللسان
والجنان والأركان أو اعتقدوا جلالته وعظمته وأظهروا صفاته
الجلالية والجمالية والكمالية وتخلقوا بها بحسب الإمكان
ومن قال معناه قولوا يا ذا الجلال فقد قصر حيث قصر وروي
بحاء مهملة أي أسلموا هكذا في مسند أحمد عن ابن ثوبان يعني
أخرجوا من حظر الشرك إلى حل الإسلام وسعته من قولهم حل
الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل فإنكم إن فعلتم ذلك (يغفر
لكم) ذنوبكم وحذف المفعول إيذانا بالعموم ومن إجلاله أن
يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر كيف وهو يرى ويسمع ومن قام
بقلبه مشهد الإجلال ومن أهل الكمال
(حم ع طب) وكذا في الأوسط والحاكم في الكنى وأبو نعيم (عن
أبي الدرداء) قالالحافظ الهيتمي فيه أبو العذراء مجهول
وبقية رجال أحمد وثقوا وزعم ابن الأثير أنه موقوف
(1/162)
191 - (أجملوا) بهمزة قطع مفتوحة فجيم
ساكنة فميم مكسورة (في طلب الدنيا) أي اطلبوا الرزق طلبا
جميلا بأن ترفقوا أي تحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كد
وتعب ولا تكالب وإشفاق. قال الزمخشري: أجمل في الطلب إذا
لم يحرص والدنيا ما دنا من النفس من منافعها وملاذها
وجاهها عاجلا فلم يحرم الطلب بالكلية لموضع الحاجة بل أمر
بالإجمال فيه وهو كان جميلا في الشرع محمودا في العرف
فيطلب من جهة حله ما أمكن. ومن إجماله اعتماد الجهة التي
هيأها الله ويسرها له ويسره لها فيقنع بها ولا يتعداها
ومنه أن لا يطلب بحرص وقلق وشره ووله حتى لا ينسى ذكر ربه
ولا يتورط في شبهة فيدخل فيمن أثنى الله تعالى عليهم بقوله
تعالى {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} الآية
ثم بين وجه الأمر بذلك بقوله (فإن كلا) أي كل أحد من الخلق
(ميسر) كمعظم أي مهيأ مصروف (لما كتب) قدر (له منها) يعني
الرزق المقدر له سيأتيه ولا بد فإن الله تعالى قسم الرزق
وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد
ولا ينقص بحسب علمه الأزلي وإن كان يقع ذلك بتبديل في
اللوح أو الصحف بحسب تعليق بشرط وقال أجملوا وما قال
اتركوا إشارة إلى أن الإنسان وإن علم أن رزقه المقدر له لا
بد له منه لكن لا يترك السعي رأسا فإن من عوائد الله تعالى
في خلقه تعلق الأحكام بالأسباب وترتيب الحوادث على العلل
وهذه سنته في خلقه مطردة وحكمته في ملكه مستمرة وهو وإن
كان قادرا على إيجاد الأشياء اختراعا وابتداعا لا بتقديم
سبب وسبق علة بأن يشبع الإنسان بلا أكل ويرويه بغير شرب
وينشئ الخلق بدون جماع لكنه أجرى حكمته بأن الشبع والري
والولد يحصل عقب الطعم والشرب والجماع فلذا قال أجملوا
إيذانا بأنه وإن كان هو الرزاق لكنه قدر حصوله بنحو سعي
رفيق وحالة كسب من الطلب جميلة فجمع [ص:163] هذا الخبر
بالنظر إلى السبب والمسبب له وذلك هو الله والرزق والعبد
والسعي وجمع بين المسبب والسبب لئلا يتكل من تلبس بأهل
التوكل وليس منهما فيهلك بتأخر الرزق فربما أوقعه في الكفر
ولئلا ينسب الرزق لسعيه فيقع في الشرك فقرن في الخطاب بين
تعريف اعتلاق الأشياء بالمسبب اعتلاقا أصليا واعتلاقها
بالسبب اعتلاقا شرعيا ليستكمل العبد حالة الصلاح مستمرة
وتثبت له قضية الفلاح مستقرة وقد عرف مما سبق أن من اجتهد
في طلب الدنيا وتهافت عليها شغل نفسه بما لا يجدي وأتعبها
فيما لا يغني ولا يأتيه إلا المقدور فهو فقير وإن ملك
الدنيا بأسرها فالواجب على المتأدب بآداب الله تعالى أن
يكل أمره إلى الله تعالى ويسلم له ولا يتعدى طوره ولا
يتجرأ على ربه ويترك التكلف فإنه ربما كان خذلانا ويترك
التدبير فإنه قد يكون هوانا:
والمرء يرزق لا من حيث حيلته. . . ويصرف الرزق عن ذي
الحيلة الداهي
وقال بزرجمهر: وكل الله تعالى الحرمان بالعقل والرزق
بالجهل ليعلم أنه لو كان الرزق بالحيل لكان العاقل أعلم
بوجوه مطلبه والاحتيال لكسبه. التقى ملكان فتساءلا فقال
أحدهما أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي وقال الآخر أمرت
باهراق زيت اشتهاه فلان العابد
(هـ ك طب هق عن أبي حميد) عبد الرحمن بن المنذر (الساعدي)
بكسر العين المهملة قال ك على شرطهما وأقره الذهبي لكن فيه
هشام بن عمار أورده هنا أعني الذهبي في ذيل الضعفاء وقال
أبو حاتم صدوق تغير فكان كلما لقن تلقن. وقال أبو داود حدث
بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل ابن عياش
أورده في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي وعمارة بن غذية
أورده في الذيل أيضا وقال ثقة ضعفه ابن حزم
(1/162)
192 - (أجوع الناس طالب علم وأشبعهم الذي
لا يبتغيه) أي طالب العلم المتلذذ بفهمه لا يزال يطلب ما
يزيد التذاذه فكلما طلب ازداد لذة فهو يطلب نهاية اللذة
ولا نهاية لها فهو يشارك غيره في الجوع غير أن ذلك الغير
له نهاية وهذا لا نهاية له فلذلك كان أجوع. قال الامام
الرازي: واللذة إدراك الملائم والملائم للقوة الحساسة
إدراك المحسوسات والقوة العقلية إدراك المعقولات التي هي
العلوم والمعارف وإدراك القوى العاقلة أقوى من إدراك القوى
الحساسة وكلما كان الإدراك أقوى والمدرك أشرف كانت اللذة
الحاصلة بذلك الإدراك أشرف وأقوى وكانت النفوس الفاضلة
عليها أحرص وإليها أشوق وأصل الجوع كما قال الحراني غلبة
الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى يترامى لأجله فيما لا
يتأمل عاقبته فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الفرث
وقيل الجوع فراغ الجسم عما به قوامه وقيل الألم الذي ينال
الحيوان من خلو المعدة عن الطعام وكيفما كان فاستعماله في
العلم مجاز. قال الزمخشري: ومن المجاز جاع وشاحها للحصان
وفلان جائع القدر وإني لأجوع إلى أهلي وأعطش وأنك جائع إلى
فلان وإنما كان أشبعهم الذي لا يبتغيه لغلبة الطبع البهيمي
عليه واشتغاله باللذات الحسية التي تشاركه فيها البهائم
وعدم إدراكه اللذات العقلية بالكلية
(أبو نعيم في كتاب العلم فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال في
الكبير وضعف وذلك لأن فيه الجارود عن الحسن بن الفضل وأورد
الذهبي الحسن هذا في الضعفاء وقال مزقوا حديثه وفي الميزان
حرقوا حديثه وفي اللسان قال ابن حزم مجهول وابن البيلماني
ضعفه الدارقطني وغيره
(1/163)
193 - (أجيبوا هذه الدعوة) أي دعوة وليمة
العرس إذ هي المعهودة عندهم فقوله هذه أي التي تعرفونها
وتتبادر الأذهان إليها (إذا دعيتم لها) وتوفرت شروط
الإجابة وهي نحو عشرين منها عموم الدعوة وكون الداعي حرا
رشيدا مكلفا مسلما على الأصح وأن يخص باليوم الأول على
المشهور وأن لا يسبق والأقدم السابق وأن لا يكون ثم من
يتأذى بحضوره من منكر وعدو وغيرهما وأن لا يكون له عذر
وضبطه الماوردي بما يرخص في ترك الجماعة أما الدعوة
[ص:164] لغير وليمة عرس فستجيء وقد نقل النووي كابن عبد
البر الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس عند توفر
الشروط
(ق عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وتتمته كما في
البخاري وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغيره وهو
صائم
(1/163)
194 - (أجيبوا الداعي) الذي يدعوكم إلى
وليمة وجوبا إن كانت لعرس وتوفرت الشروط كما مر وندبا إن
كانت لغيره مما يندب أن يولم له وهذا بناء على جواز
استعمال اللفظ في الإيجاب والندب معا ولا مانع منه عند
الشافعي وحمله غيره على عموم المجاز ذكره الكرماني. قال
ابن حجر: ويحتمل أنه وإن كان عاما فالمراد به خاص وأما ندب
إجابة غير العرس فمن دليل آخر (ولا تردوا) ندبا (الهدية)
فإنها وصلة إلى التحابب نعم يحرم قبولها على القاضي كما في
خبر آخر أي ممن له حكومة ولو متوقعة ولم تعهد منه قبل
ولايته وهو في محل ولايته ويكره لكل أحد قبولها من الأراذل
والأخلاط الذين الباعث لهم عليها طلب الاستكثار كما أشار
إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار وهي لغة ما
أتحف به وشرعا تمليك ما يحمل أي يبعث غالبا بلا عوض (ولا
تضربوا المسلمين) في غير حد أو تأديب بل تلطفوا معهم
بالقول والفعل وقد عاش المصطفى صلى الله عليه وسلم ما عاش
وما ضرب بيده خادما ولا عبدا ولا أمة فالعفو أقرب للتقوى
فضرب المسلم حرام بل كبيرة والتعبير بالمسلم غالبي فمن له
ذمة أو عهد معتبر يحرم ضربه تعديا
(حم خد طب هب عن ابن مسعود) عبد الله قال الحافظ الهيتمي
رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكان حق المؤلف الرمز لصحته
ولا يقتصر على تحسينه
(1/164)
195 - (أجيفوا) بفتح الهمزة وكسر الجيم
ردوا وأغلقوا يقال جفأت الباب غلقته قاله الفراء ونوزع بأن
أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة (أبوابكم) مع ذكر الله
تعالى (وأكفؤا) قال عياض رويناه بقطع الألف المفتوحة وكسر
الفاء رباعي وبوصلها وفتح الفاء وهما فصيحتان (آنيتكم)
اقلبوها ولا تتركوها للعق الشيطان ولحس الهوام قال
الزمخشري: كفأ الإناء قلبه على فمه واستكفأته طلبت منه أن
يكفئ ما في إنائه (وأوكؤا) بكسر الكاف ثم همزة اربطوا
(أسقيتكم) جمع سقاء ككساء ظرف الماء من جلد يعني شدوا فم
القربة بنحو خيط واذكروا اسم الله تعالى (وأطفؤا) بهمزة
وصل أمر من الإطفاء (سرجكم) أي اذهبوا نورها جمع سراج
ككتاب يعني اطفؤا النار من بيوتكم عند النوم وهذا وإن كان
مطلوبا في الأوقات كلها لكنه في الليل آكد لأن النهار عليه
حافظ من العيون بخلاف الليل حتى فتيلة السراج (فإنهم) يعني
الشياطين ولم يذكروا استهجانا لذكرهم ومبالغة في تحقيرهم
وذمهم (لم يؤذن لهم) ببناء يؤذن للمفعول والفاعل الله
(بالتسور) أي التسلق (عليكم) أي لم يجعل الله تعالى لهم
قدرة على ذلك أي إذا ذكر اسم الله تعالى عند كل ما ذكر
لخبر أبي داود واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا
مغلقا قال ابن العربي: وهذا من القدرة التي لا يؤمن بها
إلا الموحد وهو أن الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة ويتولج
في المسام الضيقة فيعجز عن ذلك والأمر للإرشاد على ما قاله
النووي وقال غيره للندب وقال ابن دقيق العبد والخبر يدل
على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل قال واستنبط منه
مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في الأبواب مجازا
(حم) وكذا أبو يعلى (عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي
رجاله ثقات انتهى ورمز المؤلف لحسنه غير حسن بل حقه الرمز
لصحته
(1/164)
196 - (أحب الأعمال إلى الله) أي أكثرها
ثوابا عند الله تعالى (الصلاة لوقتها) اللام لاستقبال
الوقت [ص:165] أو بمعنى في لأن الوقت ظرف لها على وزان
{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي فيه وفي رواية
للبخاري على وقتها وعلى فيها بمعنى ما ذكر أو للاستعلاء
على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه
وفي رواية للحاكم في أول وقتها قال في المجموع وهي ضعيفة
قال في الفتح لكن لها طرق أخرى وأخذ منه ابن بطال كغيره أن
تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل لاشتراطه في كونها أحب
إقامتها أوله وقول ابن دقيق العيد ليس في اللفظ ما يقتضي
أولا ولا آخرا بل القصد التحرز عن إخراجها عن وقتها منع
بأن إخراجها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الندب واعترض
(ثم بر الوالدين) أي الإحسان إليها وامتثال أمرهما الذي لا
يخالف الشرع ومن برهما بر صديقهما ولو بعد موتهما والبر
التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع والوالدين
تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع زواله بظهور صورة
منه بخلق صورة نوعه ذكره الحراني والمراد بهما هنا من له
ولادة من الطرفين وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج
فالأحوج وعقب الصلاة بالبر اقتداء بقوله تعالى {واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا} الآية ولأن الصلاة أعظم الوصل
بين العبد وربه وبر الوالدين أعظم الوصل بين العبد والخلق
فأولى الأعظم للأعظم (ثم الجهاد في سبيل الله) أي قتال
الكفار لإعلاء كلمة الجبار وإظهار شعر دينه والجمع بين هذا
وأخبار إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وأحب الأعمال إلى
الله أدومها وغير ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان
يجيب كلا بما يوافقه ويصلحه أو بحسب الوقت أو الحال وقد
تعارضت النصوص في تفضيل الصلاة على الصدقة والذي عليه
الجمهور أن الصلاة أفضل لكن قد يعرض حال يقتضي مواساة مضطر
فتكون الصدقة أفضل وقس عليه قال في المطامح وأخر الجهاد مع
أن فيه بذل النفس لأن الصبر على أداء الصلاة أول وقتها
وعلى ملازمة برهما أمر متكرر دائم بدوام الأنفاس ولا يصبر
على مراقبة أمر الله تعالى فيه إلا الصديقون أو لأن فضل
الجهاد يكاد يكون بديهيا إذ لا تنتظم العبادات والعادات
إلا به فلما استقل بمنزلته وعرف بدرجته اهتم الشارع ببيان
ما قد يخفى من شأن غيره تحقيقا لمراتب الأعمال والعبادات
وترغيبا في الجد في الطاعات ثم معنى المحبة من الله تعالى
تعلق الإرادة بالثواب ومن غيره غليان دم القلب وثورانه عند
هيجانه إلى لقاء محبوبه أو الميل الدائم بالقلب الهائم أو
إيثار المحبوب على جميع المصحوب أو سكون بلا اضطراب
واضطراب بلا سكون أو ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ
العذل فيه إذا زاد <تنبيه> إن قيل ما الحكمة في تعبيره
بالأعمال دون الأفعال؟ قلنا وجهه أن الفعل عام يقال لما
كان بإجادة وغيرها وما كان بعلم وغيره وبقصد وغيره ومن
الإنسان وغيره كالحيوان والجماد والعمل لا يقال إلا لما
كان بإجادة وتعلم وبقصد من الآدمي كما ذكره الراغب وقال
بعضهم: العمل مقلوب عن العلم فإن العلم فعل القلب والعمل
فعل الجارحة وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب
منه
(حم ق د ن هـ) كلهم (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه
ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره
(1/164)
197 - (أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله
فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم
حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره
ابن مالك وابن هشام (أدومها) أي أكثرها ثوابا أكثرها
تتابعا ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في
أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول.
قال الكرماني: وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع
الأزمنة على التأبيد فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل
التفضيل فما معنى الأدوم؟ قلت: المراد بالدوام العرفي وهو
قابل للكثرة أو القلة (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه جدا
لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن
تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب
ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن
الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب: " ولا تقطع [ص:166] الخدمة
وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفا أن يقيمك في خدمته "
ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك
شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على
العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم
إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن
النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور هذا عصارة
ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون
المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا
تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقا يقال استدمت الأمر
ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به
(ق عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال
إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم
(1/165)
198 - (أحب الأعمال إلى الله أن تموت
ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) يعني أن
تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت ذاكر فإن للذكر فوائد
جليلة وعوائد جزيلة وتأثيرا عجيبا في انشراح الصدر ونعيم
القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضد ذلك. قال الطيبي: ورطوبة
اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده ثم
إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن إدامة الذكر قبل ذلك فكأنه
قيل أحب الأعمال إلى الله تعالى مداومة الذكر فهو من أسلوب
قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} انتهى وقال بعض
الصوفية أراد بالرطب عدم الغفلة فإن القلب إذا غفل يبس
اللسان. قال الزمخشري: ومن المجاز رطب لساني بذكرك وأصل
الرطوبة كما قال ابن سينا كيفية تقتضي سهولة التفرق
والإتصال والتشكل وضدها اليبوسة والبلة الرطوبة الغريبة
الجارية على ظاهر الجسم والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن
يبتل انتهى وفي الحديث حث على الذكر حيث علق به حكم
الأحبية وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة ليفوز بهذه
المحبة فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الاحوال لكن
يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام
ويستثنى من عمومه أيضا المجامع وقاضي الحاجة فيكره لهما
الذكر اللساني أما القلبي فمستحب على كل حال
(حب وابن السني في عمل يوم وليلة طب هب عن معاذ) بن جبل
قال: آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت إلى آخره قال
الهيتمي بعد ماعزاه للطبراني: فيه خالد بن يزيد بن عبد
الرحمن بن أبي مالك ضعفه جمع ووثقه أبو زرعة وبقية رجاله
ثقات والمؤلف رمز لصحته تبعا لابن حبان
(1/166)
199 - (أحب الأعمال) التي يفعلها أحدكم مع
غيره (إلى الله من) أي عمل إنسان (أطعم) محترما (مسكينا)
أي مضطرا إلى الطعام (من جوع) قدمه على ما بعده لأنه سبب
لحفظ حرمة الروح (أو دفع عنه مغرما) أي دينا بأداء أو
ابراء أو إنظار إلى ميسرة والمراد ما استدانه فيما يحل أو
ألزم به ولم يلزم به ولم يلزمه وعطف عليه عطف عام على خاص
قوله (أو كشف عنه كربا) غما أو شدة أي أزاله عنه والكرب
كما في الصحاح الغم الذي يأخذ بالنفس <فائدة> قال الفخر
الرازي: جاءت امرأة إلى بعض أكابر الصوفية بزيت وقالت:
أسرجه في المسجد فقال: أيما أحب إليك نور يصعد إلى السقف
أو نور يصعد إلى العرش؟ قالت: بل إلى العرش قال: إذا صب في
القنديل صعد نوره إلى السقف وإذا صب في طعام فقير جائع صعد
النور إلى العرش ثم أطعمه الفقراء
(طب عن الحكم بن عمير) فيه سليمان بن سلمة الجنائز وهو
ضعيف انتهى ولكن له شواهد
(1/166)
[ص:167] 200 - (أحب الأعمال إلى الله بعد
أداء الفرائض) أي بعد أداء الفرائض العينية من صلاة وزكاة
وصوم وحج (إدخال السرور) أي الفرح (على المسلم) بأن تفعل
ما يسره من تبشيره بحدوث نعمة أو اندفاع نقمة أو كشف غمة
أو إغائة لهفة أو نحو ذلك من أنواع المسرة. قال الزمخشري:
والسرور لذة القلب عند حصول نفع أو توقعه وأما الفرائض
فليس شيء أحب إلى الله من أدائها مع أنها لا تنفعه ولا
تضره وإنما أوجبها علينا لمصلحتنا ولسنا نقول كما قال من
عدل به عن طريق الهدى أنه يجب على الله رعاية مصالح عباده
بل إن هذا عادة الحق وشرعته
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) لم يرمز المصنف له بشيء
قال الهيتمي: فيه إسماعيل بن عمر البجلي وثقه ابن حبان
وضعفه غيره انتهى وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف
(1/167)
201 - (أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان)
أي صيانته عن النطق بما نهى عنه من نحو كذب وغيبة ونميمة
وغيرها واللسان إذا لم يحفظ أفسد القلب وبفساده يفسد البدن
كله ولهذا قيل في صحف إبراهيم على العاقل أن يكون بصيرا
بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله
قل نطقه إلا بما يعنيه. قال الراغب: والحفظ يقال تارة
لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم وتارة لضبط
الشيء في النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة
ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد انتهى
(هب عن أبي جحيفة) بضم الجيم السوائي وهب بن عبد الله
ويقال وهب بن وهب
(1/167)
202 - (أحب الأعمال) وفي رواية أفضل
الأعمال وفي أخرى أفضل الإيمان ولا تعارض لأن الحب من
متعلقات القلب فناسب الإيمان وهو عمل قلبي فناسب التعبير
عنه بالعمل (إلى الله الحب في الله والبغض في الله) أي
لأجله وبسببه لا لغرض آخر كميل أو إحسان ففي بمعنى اللام
المعبر به في رواية. وقال العيني: في أصلها للظرفية لكنها
هنا للسببية أي سبب طاعة الله ومعصيته كما في حديث في
النفس المؤمنة مئة من الإبل ومنه قوله تعالى {فذلكن الذي
لمتنني فيه} وإنما كان أحب الأعمال إلى الله لدلالته على
كمال إيمان فاعله ففي خبر أبي داود عن أبي أمامة مرفوعا من
أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
فدل على أن من لم يحب لله ويبغض لله لم يستكمل الإيمان قال
في الكشاف الحب في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من
أصول الإيمان ومن لازم الحب في الله حب أنبيائه وأصفيائه
ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعة أمرهم قال ابن معاذ:
وعلامة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء
قال القاضي: المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال فيه والعبد
إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وأن كلما يراه
كمالا في نفسه أو غيره فهو من الله وإلى الله وبالله لم
يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته فلذا
فسرت المحبة بإرادة الطاعة واستلزمت اتباع رسوله انتهى.
وقال ابن عطاء الله: الحب في الله يوجب الحب من الله وهنا
مراتب أربع الحب لله والحب في الله والحب بالله والحب من
الله فالحب لله ابتداء والحب من الله انتهاء والحب في الله
وبالله واسطة بينهما والحب لله أن تؤثره ولا تؤثر عليه
سواه والحب في الله أن تحب فيه من ولاه والحب بالله أن تحب
العبد ما أحبه وما أحبه منقطعا عن نفسه وهواه والحب من
الله أن يأخذك من كل شيء فلا تحب إلا إياه وعلامة الحب لله
دوام ذكره والحب في الله أن تحب من لم يحسن إليك بدنيا من
أهل الطاعات والحب بالله أن يكون باعث الحظ بنور الله
مقهورا والحب من الله أن يجذبك إليه فيجعل ما سواه عنك
مستورا
(حم عن أبي ذر) قال ابن الجوزي حديث لا يصح ويزيد بن أبي
زياد أحد رجاله قال ابن المبارك: ارم به وسوار العنبري قال
فيه الثوري ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن تحسين المصنف له
ليس في محله
(1/167)
[ص:168] 203 - (أحب أهلي إلي فاطمة)
الزهراء سميت به لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم عن النار
كما في خبر ضعيف خلافا لمن وهم رواه النسائي والحافظ
الدمشقي وغيرهما. قال في الفردوس: وهذا قاله حين سأله علي
والعباس يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ وحبه إياها كانت
أحبية مطلقة وأما غيرها فعلى معنى من وحبه لها كان جبليا
ودينيا لما لها من حموم المناقب والفضائل
(ت ك عن أسامة) بضم الهمزة مخففا (ابن زيد) الكلبي مولى
النبي صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه حسنه
الترمذي وصححه الحاكم ورواه عنه أيضا الطيالسي والطبراني
والديلمي وغيرهم
(1/168)
204 - (أحب أهل بيتي إلي) قيل هم هنا علي
وفاطمة وابناها أصحاب الكساء وقيل مؤمنو بني هاشم والمطلب
(الحسن والحسين) ومن قال بدخول الزوجات فمراده كما قال
النووي إنهن من أهل بيته الذين يعولهم وأمر باحترامهم
وإكرامهم وأما قرابته فهم من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبد
المطلب. قال الحراني: والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار
المخصوصة من المنزل المختص من البلد
(ت) وكذا أبو يعلى (عن أنس) وحسنه الترمذي وتبعه المصنف
فرمز لحسنه وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة قال في
الميزان قال ابن حبان يروى عن أنس أليس في حديثه لا تحل
الرواية عنه وقال أبو حاتم ضعيف عنده عجائب وساق البخاري
هذا في الضعفاء ثم قال يوسف أبو شيبة عنده عجائب
(1/168)
205 - (أحب الناس إلي) من حلائلي الموجودين
بالمدينة إذ ذاك (عائشة) على وزان خبر إن ابن الزبير أول
مولود في الإسلام يعني بالمدينة والا فمحبة المصطفى صلى
الله عليه وسلم لخديجة أمر معروف شهدت به الأخبار الصحاح
ذكره الزين العراقي وأصله قول الكشاف يقال في الرجل أعلم
الناس وأفضلهم يراد من في وقته وإنما كانت عائشة أحب إليه
من زوجاته الموجودات حالتئذ لاتصافها بالفضل وحسن الشكل
قال القرطبي: فيه جواز ذكر الأحب من النساء والرجال وأنه
لا يعاب على من فعله إذا كان المقول له من أهل الخير
والدين ويقصد بذلك مقاصد الصالحين وليقتدى به في ذلك فيحب
من أحب فإن المرء مع من أحب. وإنما بدأ بذكر محبته عائشة
لأنها محبة جبلية ودينية وغيرها دينية لا جبلية فسبق الأصل
على الطارئ فقيل له ومن الرجال؟ قال (ومن الرجال أبوها)
لسابقته في الإسلام ونصحه لله تعالى ورسوله وللإسلام وأهله
وبذل ماله ونفسه في رضاهما ولا يعارض ذلك خبر الترمذي أحب
أهلي إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد ثم
علي وخبر أحمد وأبو داود والنسائي قال ابن حجر صحيح عن
النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله
عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت
أن عليا أحب إليك من أبي الحديث لما تقرر أن جهات المحبة
مختلفة فكأنه قال كل من هؤلاء أحب إلي من جهة مخصوصة لمعنى
قام به وفضيلة تخصه
(ق ت عن ابن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الأمير المشهور
أسلم سنة ثمان على الأصح وولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم
عمان ثم ولاه عمر مصر ثم أقطعه معاوية وبها مات قال: سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال:
عائشة قلت: إني لست أعني النساء إني أعني الرجال قال: ومن
الرجال أبوها (ت هـ) وكذا ابن حبان (عن أنس) بن مالك قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال:
عائشة قيل له: ليس عن أهلك نسألك فذكره وفي الباب عن عبد
الله بن شقيق وغيره
(1/168)
206 - (أحب الأسماء) وفي رواية لمسلم إن
أحب أسمائكم ومنه يعلم أن المراد أسماء الآدميين (إلى
الله) أي أحب ما يسمى [ص:169] به العبد إليه (عبد الله
وعبد الرحمن) لأنه لم يقع في القرآن عبد إلى اسم من أسمائه
تعالى غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى من حيث المعنى
فكان كل منهما يشتمل على الكل ولأنهما لم يسم الله بهما
أحد غيره وأما:. . . وأنت غيث الورى لا زلت رحمنا. . . فمن
تعنت الكفرة وذكر المصنف أن اسم عبد الله أشرف من عبد
الرحمن فإنه تعالى ذكر الأول في حق الأنبياء والثاني في حق
المؤمنين وأن التسمي بعبد الرحمن في حق الأمة أولى انتهى.
وما ذكره لا يصفو عن كدر فقد قال بعض العلماء الشافعية
التسمي بعبد الله أفضل مطلقا لأن البداءة به هنا فتقديمه
على غيره يؤذن بمزيد الاهتمام وذهب إلى ذلك صاحب المطامح
من المالكية فجزم بأن عبد الله أفضل وعلله بأن اسم الله هو
قطب الأسماء وهو العلم الذي يرجع إليه جميع الأسماء ولا
يرجع هو إلى شيء فلا اشتراك في التسمية به البتة والرحمة
قد يتصف بها الخلق فعبد الله أخص في النسبة من عبد الرحمن
فالتسمي به أفضل وأحب إلى الله مطلقا وزعم بعضهم أن هذه
أحبية مخصوصة لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى
فكأنه قيل لهم أحب الأسماء المضافة إلى العبودية هذان لا
مطلقا لأن أحبها إليه محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه صلى
الله عليه وسلم إلا الأفضل رد بأن المفضول قد يؤثر لحكمة
وهي هنا الإيماء إلى حيازته مقام الحمد وموافقته للحميد من
أسمائه تعالى على أن من أسمائه أيضا عبد الله كما في سورة
الجن وإنما سمى ابنه إبراهيم لبيان جواز التسمي بأسماء
الأنبياء وإحياء لاسم أبيه إبراهيم ومحبة فيه وطلبا
لاستعمال اسمه وتكرره على لسانه وإعلانا لشرف الخليل
وتذكيرا للأمة بمقامه الجليل ولذلك ذهب بعضهم إلى أن أفضل
الأسماء بعد ذينك إبراهيم لكن قال ابن سبع أفضلها بعدهما
محمد وأحمد ثم إبراهيم
(م د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أيضا عن أنس
وغيره
(1/168)
207 - (أحب الأسماء) التي يسمى بها الإنسان
(إلى الله ما تعبد له) بضمتين فتشديد بضبط المصنف لأنه ليس
بين العبد وربه نسبة إلا العبودية فمن تسمى بها فقد عرف
قدره ولم يتعد طوره وقال الأذرعي من أجلاء الشافعية ووقع
في الفتاوى أن إنسانا سمى بعبد النبي فتوقفت فيه ثم ملت
إلى أنه لا يحرم إذا قصد به التشريف بالنسبة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ويعبر بالعبد عن الخادم ويحتمل المنع من
ذلك خوف التشريك من الجهلة أو اعتقاد أو ظن حقيقة العبودية
انتهى. وقال الدميري: التسمي بعبد النبي قيل يجوز إذا قصد
به النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الأكثر
إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية كما لا
تجوز التسمية بعبد الدار وقياسه تحريم عبد الكعبة (وأصدق
الأسماء همام) كشداد من هم عزم (وحارث) كصاحب من الحرث وهو
الكسب وذلك لمطابقة الاسم لمعناه إذ كل عبد متحرك بالإرادة
والهم مبدأ الإرادة ويترتب على إرادته حرثه وكسبه فإذا لا
ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما بخلاف غيرهما. قال في
المطامح: وهذا تنبيه على معنى الاشتقاق ولهذا خص الحريري
في مقاماته هذين الاسمين. وقال الطيبي: ذكر أولا أن أحب
الأسماء ما تعبد له لأن فيه خضوعا واستكانة على ما سبق ثم
نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها
بحقها فلا يصدق عليه هذا الوصف فتنزل إلى قوله همام وحارث
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي
فيه محمد بن محصن العكاشي متروك انتهى. وقال في الفتح: في
إسناده ضعف ولم يرمز المؤلف له هنا بشيء ووهم من زعم أنه
رمز له بالضعف لكنه جزم بضعفه في الدرر
(1/169)
208 - (أحب الأديان) جمع دين وقد سبق معناه
والمراد هنا ملل الأنبياء والشرائع الماضية قبل أن تبدل
وتنسخ وفي رواية للبخاري الدين بالإفراد فإن حمل على الجنس
وافق ما هنا وإلا فالمراد أحب خصال الدين لأن خصالها كلها
[ص:170] محبوبة لكن ما كان منها سمحا أو سهلا فهو أحب إلى
الله كما يشهد له خبر أحمد الآتي " خير دينكم أيسره " (إلى
الله) دين (الحنيفية) المائلة عن الباطل إلى الحق أو
المائلة عن دين اليهود والنصارى فهي المستقيمة والحنيفية
ملة إبراهيم والحنيف لغة من كان على ملته. قال الله تعالى
{وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم}
(السمحة) السهلة القابلة للاستقامة المنقادة إلى الله
المسلمة أمرها إليه لا تتوجه إلى شيء من الكثافة والغلظة
والجمود التي يلزم منها العصيان والسماجة والطغيان وأنث
الخبر مع أن المبتدأ مذكر لأن الحنيفية غلبت عليها الاسمية
فصارت علما وأن أفعل التفضيل المضاف لقصد الزيادة على من
أضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة ذكره الكرماني وقال
بعض الصوفية: معنى الحنيفية التي تميل بالعبد إلى الله
والأحنف الأميل وهو الذي تميل أصابع إحدى رجليه إلى الأخرى
فكأنه قال أحب أوصاف أهله إليه أن يميل العبد بقلبه في
سائر أحواله وبجوارحه إلى عبادته بحيث يعرض عما سواه ويكون
معنى السماحة سهولة الانقياد إلى رب العباد فيما أمر ونهى
فيصبر على مر القضاء وحلوه ويشكر فهذه أحب أوصاف أهل الدين
إليه. وقال الحراني: أصل مادة حنف بكل ترتيب تدور على
الخفة واللطافة ويلزم هذا المعنى الانتشار والضمور والميل
فيلزمه الانقياد والاستقامة انتهى. واستنبط الشافعي من
الحديث قاعدة أن المشقة تجلب التسيير وإذا ضاق الأمر اتسع
(حم خد طب) كلهم عن علقمة وعلقه البخاري في الصحيح من حديث
عكرمة (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عبد الله بن إبراهيم
الغفاري منكر الحديث. قال: قيل يا رسول الله أي الأديان
أحب إلى الله فذكره وقال شيخه العراقي فيه محمد بن إسحاق
رواه بالعنعنة أي وهو يدلس عن الضعفاء فلا يحتاج إلا بما
صرح فيه بالتحديث انتهى. قال العلائي: لكن له طرق لا ينزل
عن درجة الحسن بانضمامها وقال ابن حجر في التخريج له شاهد
مرسل في طبقات ابن سعد قال: وفي الباب عن أبي بن كعب وجابر
بن عبد الله وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم وقال
أعني ابن حجر في الفتح وفي المختصر إسناده حسن انتهى وبه
يعرف أن رمز المؤلف لصحته غير جيد
(1/169)
209 - (أحب البلاد) أي أحب أماكن البلاد
ويمكن أن يراد بالبلد المأوى فلا تقدير (إلى الله مساجدها)
لأنها بيوت الطاعة وأساس التقوى ومحل تنزلات الرحمة. قال
الراغب: والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه
وإقامتهم فيه وتسمى المفازة بلدا لكونها محل الوحشيات
والمقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات (وأبغض البلاد إلى
الله أسواقها) جمع سوق سميت به لأن البضائع تساق إليها
وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع
والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية القاطعة عن
الله تعالى وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بالبلاد
خصوصا تلميح إلى قوله تعالى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن
ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} وذلك لأن زوار المساجد
{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} وقصاد الأسواق
شياطين الجن والإنس من الغفلة والحرص والشره وذلك لا يزيد
إلا بعدا من الله ومن أوليائه ولا يورث إلا دنوا من
الشيطان وأحزابه اللهم إلا من يغد إلى طلب الحلال الذي
يصون به عرضه ودينه {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه} وقال جمع: المراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من
القرب وببغض الأسواق بغض ما يقع فيها من المعاصي مما غلب
على أهلها من استيلاء الغفلة على قلوبهم وشغل حواسهم بما
وضع لهم من التدبير فإليه ينظرون وإليه يطلبون والأسواق
معدن النوال ومظان الأرزاق والأفضال وهي مملكة وضعها الله
لأهل الدنيا يتداولون فيها ملك الأشياء لكن أهل الغفلة إذا
دخلوها تعلقت قلوبهم بهذه الأسباب فاتخذوها دولا فصارت
عليهم فتنة فكانت أبغض البقاع من هذه الجهة وإلا فالسوق
رجمة من الله تعالى جعله معاشا لخلقه يذر عليهم أرزاقهم
فيها من قطر وقطر لتوجد تلك الأشياء عند الحاجة ولو لم يكن
ذلك لاحتاج كل منا إلى تعلم جميع الحرف والترحال إلى
البلاد ليلا ونهارا. فوضع السوق نعمة وأهل الغفلة [ص:171]
صدوا عن هذه الرحمة ودنسوا نفوسهم بتعاطي الخطايا فيه
فصارت عليهم نقمة وأما أهل اليقين فهم وإن دخلوها قلوبهم
متعلقة بتدبير الله فسلموا من فتنها ومن ثم كان المصطفى
صلى الله عليه وسلم يدخل السوق ويشتري ويبيع. قال الطيبي:
وإنما قرن المساجد بالأسواق مع وجود ما هو شر منها من
البقاع ليقابل بين معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر
الديني يدفعه الأمر الدنيوي
(م) في الصلاة (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان
وابن زنجويه (حم ك عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء
وكسر العين المهملتين ولم يخرجه البخاري
(1/170)
210 - (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق) أي
موافق للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب
والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا ذكره الراغب وكلمة حق
تجوز بالإضافة وبغيرها (تقال لإمام) سلطان (جائر) ظالم لأن
من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا
قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك
واستيقنه فهو أفضل والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر هذا فلا حاجة لتقدير من
(حم طب عن أبي أمامة) قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم
رجل عند الجمرة وقد وضع رجله في الغرز فقال: أي الجهاد
أفضل يا رسول الله فسكت ثم ذكره رمز المصنف لحسنه ورواه
النسائي عن جابر بلفظ أفضل وإسناده صحيح
(1/171)
211 - (أحب الحديث إلي) بتشديد الياء بضبط
المؤلف هكذا رأيته بخطه وهي ياء النسبة (أصدقه) أفعل تفضيل
بتقدير من أو بمعنى فاعل والصدق مطابقة الخبر للواقع
والكذب عدمها وفي رواية أحب الحديث إلى الله أصدقه وعليها
ففيه دلالة على أفضلية القرآن على غيره {ومن أصدق من الله
حديثا} وهذا قاله حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد
أموالهم وسبيهم إليهم فقال: معي من ترون وأحب الحديث إلى
الله أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال
وكنت استأنيت بكم أي انتظرت وكان انتظرهم بضع عشرة ليلة
حين قفل من الطائف فاختاروا السبي فأعطاهم إياه
(حم خ عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو
مخففة وراء مهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة
ساكنة ابن نوفل بن أهيب الزهري صحابي صغير فقيه عالم متدين
قتل في فتنة ابن الزبير أصابه حجر المنجنيق وهو قائم يصلي
في الحجر وله عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف (ومروان) بن
الحكم الأموي (معا) ولد سنة اثنين أو يوم أحد أو يوم
الخندق أو غيرها قال في الكاشف ولم يصح له سماع وفي أسد
الغابة أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خرج إلى
الطائف طفلا لا يعقل لما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أباه الحكم بايعه بعض أهل الشام بالخلافة لما مات معاوية
بن يزيد فأقام تسعة أشهر ثم هلك
(1/171)
212 - (أحب الصيام) المتطوع به (إلى الله)
تعالى أي أكثر ما يكون محبوبا إليه والمراد إرادة الخير
بفاعله (صيام) نبي الله (داود) وبين وجه الأحبية بقوله
(كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه
أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوما ومفارقته يوما. قال
الغزالي: وسره أن من صام الدهر صار الصوم له عادة فلا يحس
وقعه في نفسه بالانكسار وفي قلبه بالصفاء وفي شهواته
بالضعف فإن النفس إنما تتأثر بما يرد عليها لا بما تمرنت
عليه. ألا ترى أن الأطباء نهوا عن اعتياد شرب الدواء
وقالوا من تعوده لم ينتفع به إذا مرض لألف مزاجه له فلا
يتأثر به وطب القلوب قريب من طب الأبدان انتهى وهذا أوضح
في البيان وأبلغ في البرهان من قول من قال صوم الدهر قد
يفوت بعض الحقوق وقد لا يشق باعتياده وعليه فالمراد حقيقة
اليوم وقال أبو شامة يصوم وقتا ويفطر وقتا أي لا يديم
الصيام خوف [ص:172] الضعف عن الجهاد قال وقد جمعت الأيام
التي ورد فيها الأخبار أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان
يصومها فقاربت أن تكون شطر الدهر فهو بمثابة صوم داود. قال
ابن المنير: كان داود يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه
فأما الليل فاستقام له ذلك في ليله وأما النهار فيتعذر
تجزئته لعدم تبعيض الصيام فنزل صوم يوم وفطر يوم بمنزلة
التجزئة في شقص اليوم (وأحب الصلاة) من الليل المطلق (إلى
الله صلاة داود كان ينام نصف) وفي رواية كان يرقد شطر
(الليل) إعانة على قيام البقية المشار إليه بآية {جعل لكم
الليل لتسكنوا فيه} (ويقوم ثلثه) من أول النصف الثاني
لكونه وقت التجلي وهو أعظم أوقات العبادة وأفضل ساعات
الليل والنهار (وينام سدسه) الأخير ليريح نفسه ويستقبل
الصبح وأذكار النهار بنشاط ولا يخفى ما في ذلك من الأخذ
بالأرفق على النفس التي يخشى سآمتها المؤدية لترك العبادة
والله يحب أن يوالي فضله ويديم إحسانه وفي رواية ثم مكان
الواو وهي تفيد الترتيب ففيه رد على من زعم حصول السنة
بنوم السدس الأول مثلا وقيام الثلث ونوم النصف الأخير ثم
إنه لا تعارض هذه الأحبية قاعدة أن زيادة العمل تقتضي
زيادة الفضيلة لأن القاعدة أغلبية كما بينته الشافعية ولا
يكره على الأصح عندهم صوم الدهر لمن لا يضره ويكره قيام كل
الليل ولو لمن لا يضره وقول المحب الطبري لا يكره كيف وقد
عد من مناقب أئمة منع بأن أولئك مجتهدون سيما وساعدهم
الزمان والخلان والفرق بين الصلاة والصوم أن الصائم يستوفي
ما فاته والمصلي إن نام نهارا تعطلت مصالحه <تنبيه> قال
ابن المنير هذا في حق الأمة لا المصطفى صلى الله عليه وسلم
فقد أمره الله بقيام أكثر الليل في قوله تعالى {قم الليل
إلا قليلا} وعورض بنسخه وبما صح أنه لم يكن يجري على وتيرة
واحدة
(حم ق د ن هـ عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص كان يسرد
الصيام والقيام فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم إن
لجسدك عليك حقا ثم ذكره
(1/171)
213 - (أحب الطعام) عام في كل ما يقتات من
بر وغيره (إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) أي أيدي الآكلين
لأن اجتماع الأنفاس وعظم الجمع أسباب نصبها الله سبحانه
وتعالى مقتضية لفيض الرحمة وتنزلات غيث النعمة وهذا
كالمحسوس عند أهل الطريق ولكن العبد يجهله يغلب عليه
الشاهد على الغائب والحس على العقل
(ع حب هب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال
الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني وأبي يعلى فيه عبد المجيد بن
أبي رواد وفيه ضعف وقال الزين العراقي إسناده حسن انتهى
ولعله باعتبار تعدد طرقه وإلا فقد قال البيهقي عقب تخريجه
ما نصه تفرد به عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن
ابن جريج انتهى وعبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء
والمتروكين وقال المنذري رواه أبو يعلى والطبراني وأبو
الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم من رواية عبد المجيد بن
أبي رواد وقد وثق قال لكن في الحديث نكارة انتهى وبما تقرر
عرف أن المؤلف لم يصب في رمزه لصحته بل قصاراه الحسن وزاد
في رواية وذكر اسم الله فالأحبية لكل منهما كما يفيده
اقتصاره هنا على ما ذكر
(1/172)
214 - (أحب الكلام) أل فيه بدل من المضاف
إليه أي أحب كلام الناس (إلى الله أن يقول العبد) أي
الإنسان حرا كان أو عبدا (سبحان الله) أي أنزهه عن كل سوء
فسبحان علم للتسبيح أي التنزيه البليغ لا يصرف ولا ينصرف
كذا ذكر في الكشاف فظاهره أنه علم له حتى في حال الإضافة
قال وتخصيص ابن الحاجب له بغيرها رده في الكشف بأنه إذا
ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها (وبحمده) الواو
للحال أي أسبح الله متلبسا بحمده أو عاطفة أي أسبح الله
وأتلبس بحمده ومعناها أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع
الكمالات
(حم م ت عن أبي ذر) ولم يخرجه البخاري بهذه الصيغة
(1/172)
[ص:173] 215 - (أحب الكلام إلى الله) تعالى
أي كلام البشر لأن الرابعة لم توجد في القرآن ولا يفضل ما
ليس فيه على ما هو فيه ويحتمل أن تتناول كلام الله أيضا
لأنها وإن لم تكن فيه باللفظ فهي فيه بالمعنى (أربع) في
رواية أربعة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر) لأنها جامعة لجميع معاني أنواع الذكر من توحيد
وتنزيه وصنوف أقسام الحمد والثناء ومشيرة إلى جميع الأسماء
الحسنى لأنها إما ذاتية كالله أو جمالية كالمحسن أو جلالية
كالكبير فأشير للأول بالتسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني
بالتحميد لأنه يستدعي النعم وللثالث بالتكبير وذكر التهليل
لما قيل إنه تمام المئة في الأسماء وأنه اسم الله الأعظم
وهو داخل في أسماء الجلال (لا يضرك) أيها المتكلم بهن في
حصول الثواب على الإتيان بهن (بأيهن بدأت) لاستقلال كل
واحدة من الجمل لكن هذا الترتيب حقيق بأن يراعى لأن الناظر
المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي
هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي
الصفات الثبوتية التي بها استحق الحمد ثم يعلم أن من هذا
شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من
ذلك أنه أكبر إذ {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه
ترجعون} ذكره البيضاوي وقال الطيبي: قوله لا يضرك بعد
إيراده الكلمات على النسق والترتيب يشعر بأن العزيمة أن
يراعى الترتيب والعدول عنه رخصة ورفع للحرج روي أن
الباقيات الصالحات هي هذه لكونها جامعة للمعارف الإلهية
فالتسبيح تقديس لذاته عما لا يليق بجلاله وتنزيه لصفاته عن
النقائص والتحميد منبه على معنى الفضل والإفضال من الصفات
الذاتية والإضافية والتهليل توحيد للذات ونفي للمثل والضد
والند وتنبيه على التبري عن الحول والقوة إلا به وختامها
بالتكبير اعتراف بالقصور في الأقوال والأفعال وفي هذا
التدرج لمحة من معنى العروج للسالك العارف وتسميتها
بالباقيات الصالحات لما أنه سبحانه وتعالى قابلها
بالفانيات الزائلات انتهى وقال الحراني: التسبيح تنزيه
الحق سبحانه وتعالى عن بادية نقص في خلق أو رتبة وحمد الله
استواء أمر علوا وسفلا ومحو الذم عنه والغض منه انتهى. قال
ابن حجر: والحمد أفضل من التسبيح انتهى فذكره قبله من باب
الترقي
(حم م عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا نحو عضد في عضد
وهي لغة أهل الحجاز (ابن جندب) بضم الجيم وضم المهملة
وفتحها ابن هلال وهو الفزاري نزيل البصرة وواليها وكان
عظيم الأمانة صدوق الحديث شديدا على الحرورية يقتل من ظفر
به منهم وهو أحد المكثرين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
(1/173)
216 - (أحب اللهو) أي اللعب وهو ترويح
النفس بما لا تقتضيه (إلى الله تعالى إجراء الخيل) أي
مسابقة الفرسان بالأفراس بقصد التأهب للجهاد. وقال الراغب:
والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا قال الله
تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ويستعمل
في كل منهما منفردا كخبر يا خيل الله اركبي فهذه للفرسان
وخبر عفوت لكم عن صدقة الخيل يعني الأفراس وسميت خيلا
لاختيالها أي إعجابها بنفسها ومن ذكر الجهاد علم أن الكلام
في الرجل أما المرأة فخير لهوها المغزل كما في خبر وخروج
بعضهن للغزو إنما هو لنحو مداواة الجرحى وحفظ المتاع
(والرمي) عن نحو قوس مما فيه إنكاء العدو وقد فسر {وأعدوا
لهم ما استطعتم من قوة} بأنها الرمي واعلم أن اللحوق
بالأخروي يجري في كل مباح حتى اللعب كما إذا مل من عبادة
فاشتغل بلهو مباح لينشط ويعود وقد صرح حجة الاسلام بأن
لهوه بهذا أفضل من صلاته وله في المقام كلام كالدر فعليك
بالإحياء في باب النية. قال الراغب: والرمي يقال في
الأعيان كسهم وحجر وفي المقال كناية عن الشتم والقذف
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وإسناده
ضعيف
(1/173)
[ص:174] 217 - (أحب العباد إلى الله تعالى
أنفعهم لعياله) أي لعيال الله بدليل خبر أبي يعلى " الخلق
كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله " وخبر الطبراني
" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " والمراد من يستطاع
نفعه من الخلق الأهم فالأهم أو المراد عيال الإنسان أنفسهم
الذين يمونهم وتلزمه نفقتهم والأول أقرب قال الماوردي
ونظمه بعضهم فقال:
الناس كلهم عيا. . . ل الله تحت ظلاله
فأحبهم طرا إلي. . . هـ أبرهم بعياله
قال القاضي: ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء
بتحصيل فرائضه ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه
واستعماله في الطاعة وصونه عن المعصية وفي الحديث رد على
من رفض الدنيا بالكلية من النساك وترك الناس وتخفى للعبادة
محتجا بآية {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون} وخفي عليه
أن أعظم عبادة الله ما يكون نفعها عائدا لمصالح عباده
(حكي) أن بعض الملوك اعتزل الناس وزهد في الدنيا فكتب إليه
بعض الملوك قد اعتزلت لما نحن فيه فإن علمت أن ما اخترته
أفضل فعرفنا لنذر ما نحن فيه ولا تحسبني أقبل منك ولا بلا
حجة فكتب إليه أعلم أنا عبيد رب رحيم بعثنا إلى حرب عدوه
وعرفنا أن القصد بذلك قهره والسلامة منه فلما قربوا من
الزحف صاروا ثلاثة أثلاث متحرزا طلب السلامة فاعتزل واكتسب
ترك الملامة وإن لم يكتسب المحمدة ومتهورا قدم إلى حرب
العدو على غير بصيرة فجرحه العدو وقهره فاستجلب بذلك سخط
ربه وشجاعا أقبل على بصيرة فقاتل واجتهد وأبلى فهو الفائز
وأنا لما وجدتني ضعيفا رضيت بأدنى الهمتين وأدون المنزلتين
فكن أنت أيها الملك من أفضل الطوائف تكن أكرمهم عند الله
والسلام
(عبد الله) ابن الامام أحمد بن حنبل (في زوائد) كتاب الزهد
لأبيه (عن الحسن مرسلا) بإسناد ضعيف لكن شواهده كبيرة وهو
البصري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت أو جميل بن قطبة أو
غيرهما وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقه الربيع بن النضر ولد
زمن عمر وشهد الدار وهو ابن أربع عشرة سنة إمام كبير الشأن
رفيع القدر رأس في العلم والعمل مات سنة عشر ومئة
(1/174)
218 - (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم
خلقا) بضمتين معنى حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة
الوجه والتواضع وقد تضمن هذا الخبر عظيم الحث عليه حيث علق
به حكم الأحبية إليه فحق لكل مسلم أن يرغب في ذلك كمال
الرغبة وفيه رمز إلى أنه ممكن الاكتساب وإلا لاختص بما كان
مطبوعا عليه فيفوت معنى الترغيب فيه ويصير حسرة على من لم
يمكنه نعم أصله جبلي كما سيجيء تحقيقه وعبر بصيغة أفعل وهو
ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره دفعا لتوهم حرمان
من طبع على ذلك بل أشعر بأنهم كلهم محبوبون لكن من تكلفه
بقهر النفس ومجاهدتها حتى صار أحسن خلقا أحب إليه من أولئك
(طب عن أسامة) بضم الهمزة (ابن شريك) الذبياني صحابي روى
عنه زياد ابن علاقة وغيره قال أسامة كنا جلوسا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم
منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله
فذكره قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح انتهى وبه
يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وإنما كان الأولى أن يرمز
لصحته
(1/174)
219 - (أحب بيوتكم) أي أهل بيوتكم أيها
المسلمون من مجاز وصف المحل بصفة ما يقع فيه (إلى الله بيت
فيه يتيم) أي طفل مات أبوه فانفرد عنه (مكرم) بالبناء
للمفعول أي بالإحسان إليه وعدم إهانته ونحو ذلك فأراد
بمحبة البيوت محبة ما يقع فيها من إكرام الأيتام وفيه حث
على إكرام الأيتام وتحذير من إهانتهم وإذلالهم من غير موجب
قال [ص:175] ابن الكمال أخذا من الزمخشري واليتيم في عرف
الشرع مختص بمن لم يبلغ واحتاج إلى كافل وبالبلوغ يزول ذلك
انتهى وأقول سياق الخبر هنا يدل على أن المراد الصغير
المحتاج لفقد من كان يقوم بكفالته وما يحتاجه من نحو نفقة
وكسوة ذكرا كان أو أنثى حتى لو فرض أن الذي كان هو القائم
به أمه دون أبيه لنحو غيبة وانقطاع خبره أو فقره أو حبسه
ونحو ذلك فيدخل في ذلك وإن كان تصرف الفقهاء يأباه
(هب) وكذا الطبراني والأصبهاني (عن عمر) بن الخطاب ثم قال
أعني البيهقي تفرد به إبراهيم بن إسحاق الضبي عن مالك
انتهى وإبراهيم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال
في الميزان له أوابد وعد منها هذه وقال العقيلي حديث لا
أصل له انتهى وضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه إسحاق بن
إبراهيم الضبي وكان ممن يخطئ لكن يشهد له خبر ابن ماجه "
خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في
المسلمين فيه اليتيم يساء إليه "
(1/174)
220 - (أحب الله) تعالى بفتح الهمزة وتشديد
الباء الموحدة المفتوحة دعاء أو خبر (عبدا) أي إنسانا
(سمحا) بفتح فسكون صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذا كرر
أحوال البيع والشراء والقضاء والتقاضي فقال (إذا باع وسمحا
إذا اشترى وسمحا إذا قضى) أي أدى ما عليه (وسمحا إذا
اقتضى) أي طلب ما له برفق ولين جانب. قال الجوهري: سمح جاد
والمسامحة المساهلة والاقتضاء التقاضي وهو طلب قضاء الحق
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح
في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلا للرحمة وفيه
فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شيء من أعمال الخير
فلعلها تكون سببا لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة
الأبدية
(هب عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه مع أن
فيه الوافدي والكلام فيه مشهور ومحمد بن الفرج فإن كان هو
الأزرق فقد طعن الحاكم في اعتقاده وهشام بن سعد وقد قال
أبو حاتم لا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وأورده في
الضعفاء والمتروكين قال وضعفه النسائي وغيره وقال ابن معين
هو ضعيف لكن يكتب حديثه
(1/175)
221 - (أحبكم إلى الله أقلكم طعما) بضم
الطاء أكلا وكنى به عن الصوم لأن الصائم يقل أكله غالبا أو
هو ندب إلى إقلال الأكل فلا يأكل إلا ما يتقوى به على
العبادة وما لا بد منه للمعاش (وأخفكم بدنا) أوقعه موقع
التعليل لما قبله فإن من قل أكله خف بدنه ومن خف بدنه نشط
للعبادة وللعبادة تأثير في تنوير الباطن وإشراقه وخفة
البدن أمر محمود والسمن مذموم قال الإمام الشافعي: ما أفلح
سمين قط إلا محمد بن الحسن وذلك لأن العاقل إنما يهتم
لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الغم لا ينعقد
فإذا خلي من المعنيين صار في عداد البهائم فانعقد شحمه وقد
تطابقت الأخبار والآثار على ذم الشبع والجوع أساس سلوك
الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فلذلك خص بالأحبية. قالوا
شبع يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ليلة من خبز
الشعير فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل
وجدت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ وعزتي
وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وزهقت روحك
اشتياقا ولو اطلعت على جهنم إطلاعة لبكيت الصديد بعد
الدموع ولبست الحديد بعد النسوج وقال الشاذلي جعت مرة
ثمانين يوما فخطر لي أيحصل لي من ذلك شيء وإذ بامرأة خرجت
من مغارة كأن وجهها الشمس حسنا وهي تقول منحوس جاع ثمانين
يوما فأخذ يدل على ربه بعمله ها أنا لي ستة أشهر لم أذق
طعاما قط قال الغزالي: من أبواب الشيطان العظيمة الشبع ولو
من حلال فإنه يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان وروي أن
إبليس ظهر لسيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام فرأى عليه
معاليق من كل شيء فقال: ما هذه فقال: الشهوات التي أصيد
بها بني آدم قال: فهل لي فيها شيء قال: ربما شبعت فثقاناك
عن الصلاة والذكر قال: لله علي أن لا أملأ بطني أبدا قال
إبليس: ولله علي أن لا أنصح أبدا. [ص:176]
(فر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما ورواه عنه أيضا (ك)
في تاريخه ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه
إليه لكان أولى ثم إن فيه أبا بكر بن عياش قال الذهبي رحمه
الله في الضعفاء ضعفه ابن نمير وهو ثقة ومن ثم رمز لضعفه
(1/175)
122 - (أحب) بفتح الهمزة وكسر المهملة وفتح
الموحدة مشددة فعل أمر (للناس ما تحب لنفسك) من الخير كما
صرح به في رواية أحمد فلا حاجة لقول البعض عام مخصوص إذ
المرء يحب وطء حليلته لنفسه لا لغيره وذلك بأن تفعل بهم ما
تحب لن يفعلوه معك وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به وتنصحهم
بما تنصح به نفسك وتحكم لهم بما تحب أن يحكم لك به وتحتمل
أذاهم وتكف عن أعراضهم وإن رأيت لهم حسنة أذعتها أو سيئة
كتمتها وقول ابن الصلاح هذا من الصعب الممتنع لأن المرء
مطبوع على حب الإيثار فالتكليف بذلك مفض إلى أن لا يكمل
إيمان أحد إلا نادرا في حيز المنع إن القيام بذلك يحصل بأن
يحب لغيره ما يحب حصول مثله له من جهة لا يزاحمه فيها أحد
ولا ينتقص شيئا من نعمته وذلك سهل على القلب السليم وبنحوه
يجاب عن قول الطوفي محبته لغيره ما يحب لنفسه إنما هو
باعتبار عقله أي يحب له ذلك ويؤثره من جهة عقله أما
التكليف به من جهة الطبع فصعب لأنه مطبوع على الاستئثار
فيلزم أن لا يكمل إيمان إلا نادرا انتهى ولفظ الناس يشمل
الكفار فينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام وما يتفرع
عليه من الكمالات
(تخ ع طب ك هب عن يزيد بن أسد) بزيادة ياء وضم همزة وفتحها
وفي رواية للطبراني عنه قال قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتحب الجنة قلت نعم قال أحب لأخيك ما تحب لنفسك
قال الهيتمي رجال الطبراني كلهم ثقات انتهى ولم يرمز
المصنف له بشيء
(1/176)
223 - (أحبب) بفتح الهمزة وسكون المهملة
وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية فعل أمر (حبيبك هونا
ما) بفتح فسكون أي أحببه حبا قليلا. فهونا منصوب على
المصدر صفة لما اشتق منه أحبب. قال الزمخشري: وما إيهامية
تزيد النكرة إبهاما وشياعا وتسد عنها طرق التقييد. وقال
غيره مزيدة لتأكيد معنى القلة وعليه فلا يتجه قوله في الدر
كأصله أي حبا مقتصدا لا إفراط ولا تفريط فيه ويصح نصبه على
الظرف لأنه من صفات الأحيان أي أحببه في حين قليل ولا تسرف
في حبه فإنه (عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا
ما) فإنه (عسى أن يكون حبيبك يوما ما) أي ربما انقلب ذلك
بتغيير الزمان والأحوال بغضا فلا تكون قد أسرفت في حبه
فتندم عليه إذا أبغضته أو حبا فلا تكون قد أسرفت في بغضه
فتستحي منه إذا أحببته ذكره ابن الأثير وقال ابن العربي:
معناه أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود
الحبيب بغيضا وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب عاد
بغيضا كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما
أفضيت إليه من الأسرار وقال عمر رضي الله تعالى عنه لا يكن
حبك كلفا ولا بغضك تلفا وعليه أنشد هدبة بن خشرم:
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت
راجع
وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى. . . فإنك راء ما عملت
وسامع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت
نازع
ولهذا قال الحسن البصري أحبوا هونا وأبغضوا هونا فقد أفرط
قوم في حب قوم فهلكوا وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا
(ت) في البر والصلة من حديث سويد بن عمرو الكلبي عن حماد
عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال ت غريب ضعيف
والصحيح عن علي موقوفا انتهى ورواه ابن حبان في الضعفاء
بسند الترمذي وأعله بسويد وقال: يضع المتون الواهية على
الأسانيد الصحيحة (هب عن أبي هريرة) رفعه وظاهره أن
البيهقي خرجه وأقره والأمر [ص:177] بخلافه بل قال هو أي
رفعه وهم انتهى وفيه أيضا سويد الكلبي المذكور وقد أورده
الذهبي في الضعفاء وقال اتهمه ابن حبان وقال كان يضع
المتون الواهية على الأسانيد الصحاح (طب) من حديث أبي
الصلت عبد السلام الهروي عن جميل بن يزيد (عن ابن عمر) بن
الخطاب قال الهيتمي: وجميل ضعيف انتهى وأعله ابن حبان به
وقال: بروي في فضائل علي وأهله العجائب لا يحتج به إذا
انفرد وقال الزيلعي: عبد السلام الهروي ضعيف جدا (وعن ابن
عمرو) بن العاص قال الهيتمي: وفيه محمد بن كثير الفهري وهو
ضعيف (قط في) كتاب (الأفراد عد عب عن علي) أمير المؤمنين
مرفوعا وفيه عطاء بن السائب عن أبي البحتري وقد مر بيان
حاله وقال الدارقطني في علله لا يصح رفعه وقال ابن حبان
رفعه خطأ فاحش (خد هب عن علي موقوفا) قال الترمذي هذا هو
الصحيح وتبعه جمع جم منهم ابن طاهر وغيره وبعد إذ علمت هذه
الروايات فاعلم أن أمثلها الأولى وقد استدرك الحافظ
العراقي علي الترمذي دعواه غرابته وضعفه فقال قلت رجاله
رجال مسلم لكن الراوي تردد في رفعه انتهى والمصنف رمز
لحسنه
(1/176)
224 - (أحبوا) بفتح الهمزة وكسر المهملة
(الله) وجوبا (لما) أي لأجل ما (يغذوكم) بفتح المثناة تحت
وسكون المعجمة وضم المعجمة (به) من الغذاء بالكسر ككساء ما
به نماء الجسم وقوامه وهو أعم من الغذاء بالفتح إذ كل غذاء
غذاء ولا عكس وفي رواية لما يرفدكم به (من نعمه) أي أحبوا
الله لأجل إنعامه عليكم بصنوف النعم وضروب الآلاء الحسية
كتيسير ما يتغذى به من الطعام والشراب والمعنوية كالتوفيق
والهداية ونصب أعلام المعرفة وخلق الحواس وإفاضة أنوار
اليقين على القلب وغير ذلك من الأغذية الروحانية المعلوم
تفصيلها عند علماء الآخرة قال ابن عطاء الله: ما من وقت
ولحظة إلا وهو مورد عليك فيها نعما يجب حبه لها وشكره
عليها دائما فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبدا إذ ما من
وقت إلا وله عليك فيه حق جديد وهو الشكر وأمر أكيد وهو
الاستغفار والتجريد {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} قال
بعض العارفين أحبوا الله فعل أمر بمعنى الخبر ومثله غير
عزيز ومن كلامهم عش رجبا تر عجبا أي إن تعش إلى رجب والعيش
ليس للمرء فيؤمر به فهو من قبيل خبر وجدت الناس أخبر نقله:
فالمراد إنما تحبونه لأنه أنعم عليكم فأحبكم فأحببتموه.
قال الزمخشري: والنعمة كل نفع قصد به الإحسان والله سبحانه
وتعالى خلق العالم كله نعمة لأنه إما حيوان أو غيره فغير
الحيوان نعمة على الحيوان والحيوان نعمة من حيث أن إيجاده
حيا نعمة عليه لأنه لولا إيجاده حيا لما صح الانتفاع به
وكلما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة وقال الفخر الرازي:
نعم الله سبحانه وتعالى لا تحصى لأن كلما أودع فينا مع
المنافع واللذات التي ننتفع بها والجوارح والأعضاء التي
نستعملها في جلب المنافع ودفع المضار وما خلق في العالم
مما يستدل به على وجود الصانع وما أوجد فيه مما لا يحصل
الزجر برؤيته عن المعاصي مما لا يحصى عدده كله منافع لأن
المنفعة من اللذة أو ما يكون وسيلة إليها وجميع ما خلق
الله كذلك لأن كلما يلتذ به نعمة وكلما لا يلتذ به وسيلة
إلى دفع ضر وهو كذلك وما لا يكون جالبا للنفع الحاضر ولا
دافعا للضرر هو صالح للاستدلال به على وجود الصانع الحكيم
يقع وسيلة إلى معرفته وطاعته وهما وسيلتان للذات الأبدية
فثبت أن جميع مخلوقاته نعمة على العبيد <تنبيه> هل لله
تعالى نعمة على الكافر في الدنيا؟ اختلف فيه أهل السنة
فقيل لا لأن هذه النعمة لما كانت مؤدية للضرر الدائم
الأخروي كانت كلا شيء وقيل نعم وعليه الباقلاني قال الإمام
الرازي وهو الأصوب وآية {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي
أنعمت عليكم} فهذا صريح في أنه أنعم عليهم إذ المخاطب بذلك
أهل الكتاب (وأحبوني لحب الله) أي إنما تحبوني لأنه سبحانه
وتعالى أحبني فوضع محبتي فيكم كما يصرح به خبر " إذا أحب
الله [ص:178] عبدا نادى جبريل " الحديث. والمحبة إذا كانت
بشرط النعمة كانت معلولة ناقصة وكان مرجعها إلى حظ المحب
لا إلى المحبوب والنعم كلها أو أكثرها ملاذ النفوس ومن أحب
اللذة تغير عند المكروه بعدمها وفوت حظ النفس منها ألا ترى
أن محبة زليخا ليوسف لما كانت لشهوة آثرت ألمه على ألمها
عند فوت حظها منه وأما النسوة فغبن عن حظوظ أنفسهن فقطعن
أيديهن بلا إحساس (وأحبوا أهل بيتي لحبي) أي إنما تحبونهم
لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم وقد يكون أمرا بحبهم لأن
محبتهم لهم تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم {قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى} وبما تقرر عرف أن محبة
العبد لله لا تحتاج إلى تأويل بخلاف عكسه قال الغزالي:
محبة العبد لله حقيقية لا مجازية إذ المحبة في وضع أهل
اللسان ميل النفس إلى ملائم موافق والعشق الميل الغالب
المفرط والله سبحانه وتعالى محسن جميل والإحسان والجمال
موافق ومحبة الله للعبد مجازية ترجع إلى كشف الحجاب حتى
يراه بقلبه إلى تمكينه إياه من القرب منه وفي شرح المواقف
محبتنا لله تعالى كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال
المطلق له تعالى على الاستمرار ومقتضية إلى التوجه التام
لحضرة قدسه بلا فتور ولا فرار ومحبتنا لغير الله كيفية
تترتب على تخيل كمال فيه من لذة وشفقة أو مشاكلة كمحبة
العاشق لمعشوقه والوالد لولده ثم هي عندنا الرضا والإرادة
مع ترك الاعتراض وقيل الإرادة فقط فيترتب عليه كما في
الإرشاد أنه تعالى لا تتعلق به محبة على الحقيقة لأنها
إرادة والإرادة لا تتعلق إلا بمحدود وهو سبحانه وتعالى لا
حد له لأن المريد إنما يريد ما ليس بكائن أو إعدام ما يجوز
عدمه وما ثبت قدمه واستحال عدمه لا تتعلق به إرادة أه
(ت) في المناقب (ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن عباس)
وصححاه وأقره الذهبي في التلخيص وقول ابن الجوزي هو غير
صحيح وهموه فيه نعم فيه عبد الله بن سليمان النوفلي قال في
الميزان فيه جهالة ما ثم أورد له هذا الحديث ولم يرمز
المصنف رحمه الله له بشيء
(1/177)
225 - (أحبوا العرب) بالتحريك خلاف العجم
(لثلاث) أي لأجل خصال ثلاث امتازت بها (لأني عربي والقرآن
عربي) قال تعالى {لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}
وأعظم بهذه من منة إذ لو كان أعجميا لكان نازلا على السمع
دون القلب لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها
وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا تكلم بلغته التي
لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن إقباله إلا على
معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت
وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهرا فيها خبيرا بمعرفتها
كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها ذكره في الكشاف في
كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجزة لفصاحته وغرابة
نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض وما لا يستقل
بأدائه لسان من فارسية وغيرها وما كان أبو حنيفة يحسن
الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر إلى هنا كلامه
(وكلام أهل الجنة) أي تحاورهم فيما بينهم في الجنة (عربي)
وقد كان سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيها إلا
به فلما أهبط إلى الأرض تكلم بغيره وهذه الجمل واردة مورد
الحث على حب العرب وهو منزل على قيد الحيثية أي من حيث
كونهم عربا وقد يعرض لهم ما يوجب البغض والازياد منه بحسب
ما يعرض لهم من الكفر والنفاق وقد قال سبحانه وتعالى في
شأن قوم منهم {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} فإذا وفق العبد
لمحبتهم من حيث كون المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم أن
القرآن أنزل بلغتهم وأن كلام الرفيق الأعلى بلسانهم
لعذوبته وفصاحته واستقامته كان ذلك واسطة في حبه وإذا خذل
فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لازمه بغضه وهو كفر وإذا
أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان واجبا فاستبان أنه قد
يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من [ص:179]
الحيثية التي سبق الكلام عليها واعلم أن ستة من الأنبياء
صلوات الله وسلامه عليهم من العرب نوح وهود وإسماعيل وصالح
وشعيب ومحمد وباقيهم من غيرهم <فائدة> رأيت بخط مغلطاي ذكر
ابن ظفر عن معمر عن الزهري أشخصت إلى هشام بن عبد الملك
فلما كنت بالبلقاء رأيت حجرا مكتوبا عليه بالعبرانية
فأرشدت إلى شيخ يقرؤه فلما قرأه ضحك وقال أمر عجيب مكتوب
عليه باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله
إلا الله محمد رسول الله وكتبه موسى بن عمران بخطه انتهى
(عق) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمرو
الحنفي عن يحيى بن بريدة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
ثم قال الهيتمي بعد ما عزاه له فيه العلاء بن عمرو الحنفي
وهو مجمع على ضعفه (ك) في المناقب (هب عن ابن عباس) قال
صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يحيى بن بريدة
الأشعري ضعفه أحمد وغيره والعلاء بن عمرو والحنفي وليس
بعمدة ومحمد بن الفضل متهم قال وأظن الحديث موضوعا انتهى
وفي الميزان ترجمة العلاء عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به
بحال ثم ساق له هذا الخبر وقال أبو حاتم هذا موضوع وقال
هذا كذاب انتهى وذكر مثله في اللسان ومن ثم أورده ابن
الجوزي في الموضوعات وتعقبه المصنف بما حاصله أن له شاهدا
ومتابعا. وقال السخاوي: ابن بريدة والراوي عنه ضعيفان وقد
تفردا به كما قال البيهقي ومتابعه ابن الفضل لا يتعد به
لاتهامه بالكذب انتهى. وأما قول السلفي هذا حديث حسن
فمراده به كما قال ابن تيمية حسن منته على الاصطلاح العام
لاحسن إسناده على طريقة المحدثين
(1/178)
226 - (أحبوا قريشا) في الأم تصغير قريش
دابة بالبحر سميت به القبيلة المعروفة لشدتهم على غيرهم أو
تفرقهم بعد اجتماعهم أو غير ذلك وهم ولد النضر بن كنانة
وقيل فهر بن مالك بن النضر والمراد المسلمون منهم (فإنه)
أي الشأن (من أحبهم) من حيث كونهم قريشا المؤمنين (أحبه
الله) تعالى قالوا فإذا كان هذا في مطلق قريش فما ظنك بأهل
البيت؟ وسبق أن محبة الله تعالى لعبده إرادته به الخير
وهدايته وتوفيقه له وكلما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني
هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأعم ثبت للأخص ولا عكس
(تتمة) قالوا حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصا
الجفاء
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد المهيمن بن عياش
بن سهل وهو ضعيف انتهى. ورواه البيهقي في الشعب باللفظ
المذكور عن سهل المزبور وفيه عبد المهيمن المذكور
(1/179)
227 - (أحبوا الفقراء) أي ذوي المسكنة
والحاجة من المسلمين (وجالسوهم) فإن مجالستهم رحمة ورفعة
في الدارين ولما خاطب الحاضرين بما ذكر خص بعضهم لما علمه
من حاله من البغض فعلم أن ذلك كله واجب على كل مسلم مكلف
حر (وأحب العرب) حبا صادقا بأن يكون (بقلبك) لا بمجرد
اللسان (وليردك) أي ليمنعك (عن) احتقار (الناس) وإزدرائهم
وتتبع عيوبهم وعوراتهم (ما تعلم من نفسك) من معايبها
ونقائصها فاشتغل بتطهير نفسك عن أقبح أنواع الحماقة ولا
عيب أعظم من الحمق ولو أراد الله بك خيرا لبصرك بعيوب نفسك
وجهلك. ثم إن كنت صادقا في ظنك فاشكر الله تعالى عليه ولا
تفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم فإنه من أعظم العيوب
ذكره الغزالي وقيل للحسن إن الحجاج ذكرك بسوء فقال علم بما
في نفسي فنطق عن ضميري وكل امرئ بما كسب رهين
(ك) في الرقائق (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي
وتبعهما المصنف فرمز لصحته
(1/179)
[ص:180] 228 - (احبسوا) بكسر الهمزة
والموحدة التحتية. قال الراغب: الحبس المنع وفي الصحاح ضد
التخلية (صبيانكم) جمع صبي قال في الصحاح وهو الغلام
والجارية صبية والجمع صبايا انتهى والمراد هنا الصغير ذكرا
كان أو أنثى كما يشير إليه التعليل الآتي أي امنعوهم من
الخروج من البيوت وفي رواية اكفتوا صبيانكم أي ضموهم (حتى
تذهب) أي إلى أن تنقضي (فوعة) بضم الفاء وسكون الواو
(العشاء) أي شدة سوادها وظلمتها وفي رواية بدل فوعة فحمة
وهي السواد الشديد والمراد هنا أول ساعة من الليل كما يدل
له قوله (فإنها ساعة تخترق) بمعجمات وراء: تنتشر (فيها
الشياطين) أي مردة الجن فإن أول الليل محل تصرفهم وحركتهم
في أول انتشارهم أشد اضطرابا. وقال ابن الجوزي: إنما خيف
على الصبيان منهم تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها
الشياطين موجودة فيهم غالبا والذكر الذي يحترس به منهم
مفقود من الصبيان غالبا والسواد أجمع للقسوة الشيطانية من
غيره والجن تكره النور وتتشاءم به وإن كانت خلقت من نار
وهي ضياء لكن الله تعالى أظلم قلوبها وخلق الآدمي من طين
ونور قلبه فهو محب للنور بالطبع وكل جنس يميل إلى ما يروحه
من جنسه فيضيع فإن قلت فإذا كان الاختراق بمعنى الانتشار
فلم عبر به دونه قلت إشارة إلى أنه انتشار لابتغاء الفساد
فإن الخرق في الأصل كما قال الراغب قطع الشيء على سبيل
الفساد بغير تفكر وتدبر ثم استعمل في قطع المسافة توصلا
إلى حيلة أو إفساده ومن ثم شبه به الريح في تعسف مرورها
فقيل ريح خرقاء وفوعة الشيء بالضم حدته وشدته قال
الزمخشري: وجدت فوعة الطيب وفوحته وفورته وخمرته وذلك حدة
ريحه وشدتها إذا اختمر وأتيته فوعة النهار وفوعة الضحى وهو
ارتفاعه وكان ذلك في فوعة الشباب
(ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله وقال على شرط مسلم
وأقره الذهبي
(1/180)
229 - (احبسوا على المؤمنين ضالتهم) أي
ضائعتهم يعني امنعوا من ضياع ما تقوم به سياستهم الدنيوية
ويوصلهم إلى الفوز بالسعادة الأخروية أي بأن تحفظوا ذلك
ولا تهملوه فيضيع قالوا يا رسول الله وما ضالة المؤمنين
قال (العلم) أي الشرعي فإن الناس لا يزالون عند وقوع
الحوادث يتطلبون علم حكمها كما يتطلب الرجل ضالته فهو أمر
بتعلم العلم الشرعي الذي به قيام الدين وسياسة عامة
المسلمين كالقيام بالحجج والبراهين القاطعة على إثبات
الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وإثبات الثواب ودفع
الشبه والمشكلات والاشتغال بالفقه وأصوله والتفسير والحديث
بحفظه ومعرفة رجاله وجرحهم وتعديلهم واختلاف العلماء
واتفاقهم وعلوم العربية والقيام به فرض كفاية فإذا لم
ينتصب في كل قطر من تندفع الحاجة بهم أثموا كلهم وعلى
الإمام أن يرتب في كل قرية ومحلة عالما متدينا يعلم الناس
دينهم ويجيب في الحوادث ويذب عن الدين ويردع من نبغ من
الفرق الضالة
(فر وابن النجار) أبو عبد الله محمد بن محمود (في تاريخه)
تاريخ بغداد (عن أنس) رضي الله تعالى عنه وفيه إبراهيم بن
هانئ أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول أتى بالبواطيل عن
عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي عن بكر بن خنيس قال
الدارقطني متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه
(1/180)
230 - (احتجموا) إرشادا لا إلزاما (لخمس
عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين) من الشهر
العربي. قال ابن القيم: هذا موافق لإجماع الأطباء أن
الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع
الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله
علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر نعم
محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت
لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى وقال ابن
جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام
الشهر على الشفع لفضل [ص:181] الوتر عليه والله وتر يحب
الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي
تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال
من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه
سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا
أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث
تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير
إليه قوله (لا تتبيغ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين
معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن قال ابن الاعرابي
تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج (بكم الدم)
يغلبكم ويقهركم (فيقتلكم) أي فيكون ثورانه وهيجانه سببا
لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق
أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة
والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من
الشهر <تنبيه> قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل
الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم
وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد
أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه
وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ
الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث
إن البلاد الحارة تغير المزاج جدا كبلاد الزنج والحبشة
فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت
أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت
وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس
الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب
عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد
الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر
البدن حارا لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هربا من
ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة
الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض
وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة
فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة
التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه
فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم
لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من
ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من
أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن
الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة
التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا
يناسبه من الأحوال
(البزار) في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا
الطبراني والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ليث
بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن
موقوفا ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره
بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة
أحسن من هذه
(1/180)
231 - (احترسوا من الناس) أي من شرارهم
(بسوء الظن) أي تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم كذا
قاله مطرف التابعي الكبير وقيل أراد لا تثقوا بكل أحد فإنه
أسلم لكم ويدل عليه خبر ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما مرفوعا من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته وقال
معاوية لعبيد بن شبرمة وقد أتت عليه مائتا سنة ما شاهدت؟
قال أدركت الناس وهم يقولون ذهب الناس وقيل ما بقي من
الناس إلا كلب نابح أو حمار رامح فاحذروهما وقال بعضهم لو
أن الدنيا ملئت سباعا وحيات ما خفتها فلو بقي إنسان واحد
لخفته ومن أمثالهم رب زائر يراوحك ويغاديك وهو ممن يكادحك
ويعاديك وما أحسن قول الصولي:
لو قيل لي خذ أمانا. . . من أعظم الحدثان
لما أخذت أمانا. . . إلا من الخلان
ولا يعارض هذا خبر إياكم وسوء الظن لأنه فيمن تحقق حسن
سريرته وأمانته والأول فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف
الوعد والخيانة والقرينة تغلب أحد الطرفين فمن ظهرت عليه
قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن [ص:182] وخلافه خلافه وفي
أشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة فإن كل
إنسان لا بد له من عدو بل أعداء يأخذ حذره منهم قال بعض
العارفين هذه حالة كل موجود لا بد له من عدو وصديق بل هذه
حالة سارية في الحق والخلق قال الله تعالى {يا أيها الذين
آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} فهم عبيده وهم أعداؤه
فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس
والتباغض والتحاسد والتحاقد؟
(طس عد) وكذا العسكري في الأمثال كلهم (عن أنس) قال
الهيتمي تفرد به بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات
انتهى. وقال المؤلف في الكبير حسن وهو ممنوع فقد قال ابن
حجر في الفتح خرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من
رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان
التابعي وصح منه قول مطرف أخرجه مسدد
(1/181)
232 - (احتكار الطعام) أي احتباسه لانتظار
الغلاء به قال الزمخشري احتكر الطعام احتبسه وفلان حرفته
الحكرة وهي الاحتكار انتهى وليس عموم الطعام مرادا بل
المراد اشتراء ما يقتات وحبسه ليقل فيغلو (في الحرم) المكي
حسبما يفسره الخبر الآتي بعده (إلحاد فيه) يعني احتكار
القوت حرام في سائر البلاد وبمكة أشد تحريما والإلحاد
الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق إلى الباطل ومنه
الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها ولم يمله عن دين
إلى دين ذكره الزمخشري قال الله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد
بظلم نذقه من عذاب أليم} أي ومن يهم فيه بمحرم عذب عليه
لعظم حرمة المكان وإنما سماه ظلما لأن الحرم واد غير ذي
زرع فالواجب على الناس جلب الأقوات إليه للتوسعة على أهله
فمن ضيق عليهم بالاحتكار فقد ظلم ووضع الشيء في غير محله
فاستحق الوعيد الشديد
(د) في الحج من حديث جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة
عن موسى بن باذان (عن يعلى) بفتح المثناة تحت واللام
بينهما مهملة ساكنة (ابن أمية) بضم الهمزة عن أبيه التميمي
الحنظلي أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وشهد الجمل مع
عائشة ثم تحول إلى علي وقتل معه بصفين قال ابن القطان حديث
لا يصح لأن موسى وعمارة وجعفرا كل منهم لا يعرف فهم ثلاثة
مجهولون وفي الميزان جعفر مجهول وعمه لين ومن مناكيره وساق
هذا الحديث ثم قال لهذا حديث واهي الإسناد
(1/182)
232 - (احتكار الطعام بمكة إلحاد) أراد
بمكة هي وما حولها من الحرم فلا ينافي ما قبله
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي فيه عبد الله بن
المؤمل وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جمع انتهى ولم يرمز له
بشيء ومن زعم أنه رمز لحسنه لم يصب فقد حررته من خطه وظاهر
صنيعه حيث لم يعزه إلا للطبراني أنه لم يعرف لغيره ممن هو
أعلى والأمر بخلافه فقد أخرجه الإمام البخاري في التاريخ
الكبير عن يعلي بن أمية أنه سمع عمر يقول احتكار الطعام
بمكة إلحاد انتهى وكان المصنف إنما عدل عنه لكونه فهم أن
البخاري أشار إلى وقفه وأنت تعلم أن هذا مما لا مجال للرأي
فيه فهو في حكم المرفوع وأخرجه البيهقي في الشعب مصرحا
برفعه فروى عن عطاء أن ابن عمر طلب رجلا فقالوا ذهب ليشتري
طعاما فقال للبيت أو للبيع فقالوا للبيع قال أخبروه أني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره
(1/182)
234 - (احثوا) بضم الهمزة وسكون الحاء وضم
المثلثة ارموا (التراب في وجوه المداحين) عبر بصيغة
المبالغة إشارة إلى أن الكلام فيمن تكرر منه المدح حتى
اتخذه صناعة وبضاعة يتأكل بها الناس وجازف في الأوصاف
وأكثر الكذب يريد لا تعطوهم على المدح شيئا فالحثي كناية
عن الحرمان والرد والتخجيل قال الزمخشري: من المجاز حثى في
وجهه الرماد إذا أخجله أو المراد قولوا لهم بأفواهكم
التراب والعرب تستعمل ذلك لمن يكرهونه أو المراد أعطوهم
[ص:183] ما طلبوا لأن كل ما فوق التراب تراب فشبه الإعطاء
بالحثي على سبيل الترشيح والمبالغة في التقليل والاستهانة
وبهذا جزم البيضاوي وقيل هو على ظاهره فيرمى في وجوههم
التراب وجرى عليه ابن العربي قال: وصورته أن تأخذ كفا من
تراب وترمي به بين يديه وتقول ما عسى أن يكون مقدار من خلق
من هذا ومن أنا وما قدري توبخ بذلك نفسك ونفسه وتعرف
المادح قدرك وقدره هكذا فليحث التراب في وجوههم قال: وقد
كان بعض مشايخنا إذا رأى شخصا راكبا ذا شارة يعظمه الناس
وينظرون إليه يقول لهم وله إنه تراب راكب على تراب وينشد:
حتى متى وإلى متى تتوانى. . . أتظن ذلك يا فتى نسيانا
قال النووي: ومدح الإنسان يكون في غيبته وفي وجهه فالأول
لا يمنع إلا إذا جازف المادح ودخل في الكذب فيحرم للكذب لا
لكونه مدحا ويستحب ما لا كذب فيه إن ترتب عليه مصلحة ولم
يجر إلى مفسدة والثاني قد جاءت أخبار تقتضي إباحته وأخبار
تقتضي منعه كهذا الخبر وجمع بأنه إن كان عند الممدوح كمال
إيمان وحسن يقين ورياضة بحيث لا يفتن ولا يغتر ولا تلعب به
نفسه فلا يحرم ولا يكره وإن خيف عليه شيء من ذلك كره مدحه
(ت) واستغربه (عن أبي هريرة عد حل عن ابن عمر) بن الخطاب
لم يرمز له المصنف بشيء
(1/182)
235 - (احثوا في أفواه المداحين التراب)
قال الطيبي: يحتمل أن يكون المراد دفعه عنه وقطع لسانه عن
عرضه بما يرضيه من الرضخ والدافع قد يدفع خصمه بحثي التراب
على وجهه استهانة به. قال الشافعية: ويحرم مجاوزة الحد في
الإطراء في المدح إذا لم يكن حمله على المبالغة وترد به
الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنيعة قال ابن عبد
السلام في قواعده ولا تكاد تجد مداحا إلا رذلا ولا هجاء
إلا نذلا انتهى بل ربما تجاوز الحد حتى وقع في الكفر كقول
ابن هاني الأندلسي شاعر المعز العبدي مخاطبا له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار. . . فاحكم فأنت الواحد القهار
(عن المقداد) بكسر الميم وسكون القاف ومهملتين (ابن عمرو)
بن ثعلبة الكندي بكسر الكاف ثم الزهري بضم الزاي حالف أبوه
كنده وتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه صحابي مشهور من
السابقين الأولين وهو الكندي لأن الأسود تزوج بأمه أو
تبناه وقيل غير ذلك قال الذهبي وكان سادسا في الإسلام مات
سنة ثلاث وثلاثين
(حب عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن
عبادة بن الصامت) لم يرمز له بشيء وقضية صنيع المؤلف أن
هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وإلا لما ضرب عنه صفحا
وعزاه لغيره لما هو متعارف بين القوم أنه ليس لمحدث أن
يغزو حديثا في أحدهما ما يفيده لغيرهما وهو ذهول عجيب فقد
عزاه الحافظ العراقي إلى الديلمي ثم إلى مسلم وأبي داود
وأحمد من حديث المقداد وأعجب من ذلك أنه هو نفسه عزاه في
الدرر إلى مسلم
(1/183)
236 - (أحد) بفتح الهمزة وكسر المهملة
مشددة بصيغة الأمر (يا سعد) بن أبي وقاص أي أشر بأصبع
واحدة وهي المسبحة فإن الذي تدعوه واحد قال الزمخشري أراد
وحد فقلبت الواو همزة كما قيل أحد وإحدى وآحاد فقد تقلب
بهذا القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة انتهى وأصل هذا أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم مر على سعد أحد العشرة وهو
يدعو بأصبعين فذكره ويوافقه ما أخرجه مسلم من حديث عمارة
أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على هذا يشير
بالسبابة وحكى الطبراني عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره فقال
السنة للداعي أن يشير فلا معنى للتمسك به في منع رفع
اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيته هكذا ساقه
الحافظ ابن حجر وما ذكره من أن ذلك إنما ورد في الخطبة
بفرض تسليمة إنما يأتي في خبر [ص:184] مسلم وأما خبر سعد
هذا فسياقه كما ترى كالناطق بأنه لم يكن فيها إذ لم يحفظ
أن أحدا من الصحابة كان يخطب في حياة المصطفى صلى الله
عليه وسلم بحضرته فالأولى أن يجاب بأن الأمر بالإشارة
بإصبع واحدة في الدعاء ليس فيه ما يقتضي منع رفع اليدين
فيه فيرفعهما ويشير في أثنائه أو أنه تارة يشير وتارة يرفع
(حم عن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على سعد وهو
يدعو بأصبعين فذكره قال الهيتمي لم يسم تابعيه وبقية رجاله
رجال الصحيح وزاد أحد أحد
(1/183)
237 - (أحد أحد) يا سعد كرره للتأكيد ولا
يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره: كان يجعل أصبعيه
بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات ولأن هذا إخلاص
أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو أنه لبيان الجواز
على أن هذا الحديث قد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار
لما رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك
حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن
تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد ولا دليل
عليه
(د) في الدعوات (ن) في الصلاة (ك) في الدعوات وصححه (عن
سعد) بن أبي وقاص قال مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا
أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة (ت ن ك عن أبي
هريرة) أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحد أحد قال ت حسن غريب وصححه ك وأقره الذهبي
وقال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء
(1/184)
238 - (أحد) بضمتين (جبل) وفي رواية
البخاري جبيل بالتصغيير وهو على ثلاثة أميال من المدينة في
شامتها كما حرره الشريف السمهودي بالذرع وبه رد قول النووي
على نحو ميلين وقول المطرزي على نحو أربعة سمي به لتوحده
وانقطاعه عن أجبل هناك أو لأن أهله نصروا التوحيد (يحبنا
ونحبه) أي نأنس به وترتاح نفوسنا لرؤيته وهو سد بيننا وبين
مايؤذينا فمحبة الحي للجماد إعجابه به وسكون النفس إليه
والارتياح لرؤيته ومحبة الجماد وهو الجبل هنا للحي مجاز عن
كونه نافعا سادا بينه وبين ما يؤذيه أو المراد أهله الذين
هم أهل المدينة على حد {واسأل القرية} والأصوب أن المراد
الحقيقة ولا تنكر محبة الجماد للأنبياء عليهم الصلاة
والسلام كما حن إليه الجذع وسبح الحصى في يده وسلم الحجر
والشجر عليه وكلمه الذراع وأمنت حوائط البيت على دعائه فهو
إشارة إلى حب الله إياه صلى الله عليه وسلم حتى أسكن حبه
في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وفظاظته وكمال
قوة صلابته
(خ) في المغازي (عن سهل بن سعد) الساعدي (ت عن أنس) بن
مالك (حم طب والضياء) المقدسي (عن سويد) بضم المهملة وفتح
الواو ومثناة تحت (ابن عامر) بن زيد بن خارجة (الأنصاري)
وفي أسد الغابة عن ابن منده أنه لا يعرف له صحبة انتهى
(وما له غيره) أي ليس لسويد غير هذا الحديث وهذا تبع فيه
بعضهم وليس بصواب فقد ذكر ابن الأثير له حديث بلوا أرحامكم
ولو بالسلام فكان حقه أن يقول ولا أعرف له غيره (أبو
القاسم بن بشر في أماليه عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف
أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه
مسلم في الحج عن أنس بهذا اللفظ وبه يعرف أن استقصاءه
لمخرجيه لا اتجاه له لأن ذلك إنما يحتاج إليه في حديث يراد
تقويته لوهنه وما اتفق عليه الشيخان في غاية الصحة
والاتقان وليس استيعاب المخرجين من دأبه في هذا الكتاب
فإنه يفعله كثيرا ويتركه أكثر حتى في الأحاديث المحتاجة
للتقوية والاعتضاد نعم لك أن تقول حاول بذلك إدخاله في حيز
المتواتر
(1/184)
239 - (أحد) بضم أوله وثانيه اسم مرتجل
لهذا الجبل قال ياقوت مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع
[ص:185] وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد إشارة إلى الوحدة
التي فيه قال في التنقيح هذا أولى ما قيل فيه وقيل أراد
الثناء على الأنصار الذين هم سكان المدينة الذي الجبل منها
وقيل على الحقيقة لأن الجماد يعقل عند الاعجاز وهذا هو
الذي عليه التعويل كما تقرر وقال بعضهم كانت عادة المصطفى
صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله
إشعارا للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في
الأسماء وقد بدل كثير من أسماء البقاع والناس استقباحا لها
(جبل يحبنا ونحبه) لأن جزاء من يحب أن يحب وسيجيء في خبر
المرء مع من أحب وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب
اسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية (فإذا جئتموه)
أي حللتم به أو مررتم عليه (فكلوا) ندبا بقصد التبرك (من
شجره) الذي لا يضر أكله (ولو من عضاهه) بكسر المهملة ككتاب
جمع عضة وقيل عضاهة وهي كل شجرة عظيمة ذات شوك وهذا وارد
مورد الحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا
ما يؤكل كالعضاة يمضغ منه للتبرك ولو بلا ابتلاع ثم هذا
يخبرك بضعف قول من زعم أن قوله يحبنا ونحبه مجاز عبر عنه
بلسان الحال لأنه كان يبشره إذا رآه عند قدومه بالقرب من
أهله وذلك فعل المحب فنزل منزلته
(طس عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الهيتمي فيه كثير بن
زيد وثقه أحمد وفيه كلام انتهى
(1/184)
240 - (أحد ركن من أركان الجنة) أي جانب
عظيم من جوانبها أي أصله منها وسيعود إليها ويصير ركنا من
أركانها أو أنه وإن كان يتصل إليها في الآخرة إكراما له
بمحبته لمن يحبه الله فيكون مع من أحبه كما مر قال السهيلي
وقد سمى الله هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده
لمشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد
والمبعوث بدين التوحيد فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه
ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من المصطفى به اسما ومسمى
فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال
بسا وأركان الشيء جوانبه التي تقوم بها ماهيته. قال
الطيبي: ولعله أراد بالجبل أرض المدينة كلها وخص الجبل
لأنه أول ما يبدو من أعلاها
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد الله بن جعفر والد
علي بن المديني ضعيف وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا وقال
النسائي متروك الحديث وقال الجوزجاني واه ثم أورد له
مناكير هذا منها وبالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه
(1/185)
241 - (أحد هذا جبل يحبنا ونحبه) بالمعنى
المار (على باب من أبواب الجنة) أي من داخلها كما أفصح به
في الروض الأنف فلا يناقضه قوله فيما مر قبله ركن من
أركانها لأنه ركن يجانب الباب ذكره بعض الأعاظم (وهذا عير)
بفتح العين وسكون التحتية وراء مهملة مرادف الحمار ويقال
عاير جبل مشهور في قبلي المدينة بقرب ذي الحليفة وفوقه جبل
آخر يسمى باسمه ويميز الأول بالوارد والثاني بالصادر وقال
أبو عبيدة هو تلقاء غرب وأنشد جعفر بن الزبير:
يا ليت إني في سواء عير. . . فلا أرى ولا أرى إلا الطير
قال السمهودي وشهرة عير غير خافية قديما فقول مصعب بن
الزبير ليس بالمدينة جبل يسمى عير غير صواب وقال المجد قال
نصر عير جبل بالمدينة يقال له المثنية كمعرفة (يبغضنا
ونبغضه) بالمعنى المار (وإنه على باب من أبواب النار) نار
جهنم أشار إليه ليدفع توهم إرادة غيره مما يشاركه هناك
لعدم شهرته قال السمهودي لما انقسم أهل المدينة [ص:186]
إلى مجب وموحد وهم المؤمنون وإلى منافق مبغض وهم المجاملون
الجاحدون كأبي عامر الراهب وغيره من المنافقين وكانوا ثلث
الناس يوم أحد رجعوا مع ابن أبي ابن سلول فلم يحضروا أحدا
انقسمت بقاع المدينة كذلك فجعل الله أحدا حبيبا محبوبا كمن
حضر به وجعله معهم في الجنة وخصه بهذا الاسم المشتق من
الأحدية المشعر بارتفاع دين الأحد وجعل عيرا مبغوضا وجعل
لجهته المنافقين من أهل مسجد الضرار فرجعوا من جهة أحد إلى
جهة عير فكان معهم في النار وخصهم باسم العير الذي هو اسم
الحمار المذموم أخلاقا وجهلا لها ولم يبدله ولذلك تعلق حبه
له اسما ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة
(طس) وكذا البزار (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة
عبد الرحمن بن جبر ضد كسر الأنصاري الأشهلي قيل اسمه عبد
الله من كبار الصحب شهد بدرا وما بعدها قال الهيتمي فيه
عبد المجيد ابن أبي عبس لينه أبو حاتم وفيه أيضا من لم
أعرفه انتهى وهو مأخوذ من الميزان أورد له هذا الخبر
(1/185)
242 - (أحد أبوي بلقيس) بكسر أوله ملكة سبأ
التي قص الله سبحانه وتعالى قصتها مع سليمان عليه الصلاة
والسلام في سورة النمل (كان جنيا) قال قتادة ولهذا كان
مؤخر قدميها كحافر الدابة وجاء في آثار أن الجني الأم وذلك
أن أباها ملك اليمن خرج ليصيد فعطش فرفع له خباء فيه شيخ
فاستسقاه فقال يا حسنة اسقي عمك فخرجت كأنها شمس بيدها كأس
من ياقوت فخطبها من أبيها فذكر أنه جني وزوجها منه بشرط
أنه إن سألها عن شيء عملته فهو طلاقها فأتت منه بولد ذكر
ولم يذكر قبل ذلك فذبحته فكرب لذلك وخاف أن يسألها فتبين
منه ثم أتت ببلقيس فأظهرت البشر فاغتم فلم يملك أن سألها
فقالت هذا جزائي منك باشرت قتل ولدي من أجلك وذلك أن أبي
يسترق السمع فسمع الملائكة تقول إن الولد إذا بلغ الحلم
ذبحك ثم استرق السمع في هذه فسمعهم يعظمون شأنها ويصفون
ملكها وهذا فراق بيني وبينك فلم يرها بعد هذا محصول ما
رواه ابن عساكر عن يحيى الغساني قال الماوردي وهذا مستنكر
للعقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين إذ الآدمي جسماني
والجني روحاني وهذا من صلصال كالفخار وذاك من مارج من نار
والامتزاج مع هذا التباين مدفوع والتناسل مع هذا الاختلاف
ممنوع ورده القرطبي بوجوه اقناعية من تاريخ دمشق وفي حل
نكاح الإنس للجن خلاف ففي الفتاوى السراجية للحنفية لا
تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس
وفي فتاوى البارزي من الشافعية لا يجوز التناكح بينهما
ورجح ابن العماد جوازه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة وابن
مردويه في التفسير وابن عساكر) في ترجمتهما (عن أبي هريرة)
وفيه سعيد بن بشر قال في الميزان عن ابن معين ضعيف وعن ابن
مسهر لم يكن ببلدنا أحفظ منه وهو ضعيف منكر الحديث ثم ساق
من مناكيره هذا الخبر وبشير بن نهيك أورده الذهبي في
الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به ووثقه النسائي
(1/186)
243 - (احذروا فراسة المؤمن) الكامل
الإيمان كما أشار إليه بعض الأعيان (فإنه ينظر بنور الله)
الذي شرح به صدره (وينطق) فيتكلم (بتوفيق الله) إذ النور
إذا دخل القلب استنار وانفسح وأفاض على اللسان وظهرت آثاره
على الأركان {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال في الكشاف
ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله سبحانه
وتعالى مخايل كل مختص بصناعة أو فن من العلم في منطقه
وشمائله والنطق الكلام
(ابن جرير) الطبري (عن ثوبان) بضم المثلثة السري مولى
المصطفى صلى الله عليه وسلم وقضية صنيعه أن هذا لم يره
مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أبا
نعيم والطبراني خرجاه ولعله ظهر له أن سند ابن جرير أمتن
فإن فرض أنه كذلك فكان ينبغي عزوه للكل وقد [ص:187] رواه
العسكري وغيره أيضا عن ثوبان بزيادة احذروا دعوة المؤمن
وفراسته
(1/186)
244 - (احذروا زلة العالم) أي احذروا
الاقتداء به فيها ومتابعته عليها كلبه الإبريسم وركوبه
مراكب العجم وأخذه ما فيه شبهة من مال السلطان وغيره
ودخوله عليه والتردد إليه ومساعدته إياه بترك الإنكار
وتمزيقه الأعراض وتعديه باللسان في المناظرة واستخفافه
بالناس وترفعه عليهم واشتغاله بالعلوم بما لا يقصد منه إلا
الجاه وكتساهله في الإفتاء وفي الإجازة به وكتقصيره في بذل
الجهد في الاجتهاد وإعطائه النظر حقه فيما يسأل عنه
وتسارعه إلى الجواب من رأس القلم أو اللسان وإجماله في محل
التفصيل والبيان فهذه ذنوب يتبع العالم فيها العالم فيموت
العالم ويبقى شره مستطيرا في العالم ومن ثم قال (فإن زلته
تكبكبه) بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في
النار) أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على
زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق به ولهذا قال
بعض الصوفية إذا زل عالم زل بزلته عالم قال الزمخشري
والكبكبة تكرير الكب وجعل التكرير في اللفظ دليلا على
التكرير في المعنى ومن ألقى في النار انكب مرة بعد أخرى
حتى يستقر بمستقرها فلما قلب الخلق عن الهدى بزلته قلبه
الله تعالى في النار جزاء وفاقا وعصيان العالم إنما هو من
رين القلب وظلمة الذنب ولو كسف له غطاء قلبه ورأى ما منح
عز عليه أن يدنس خلعة الله التي خلعها عليه كما عز عليه أن
يدنس خلع الملوك في الدنيا فلو أن ملكا شرفه بخلعه من خز
لصانها فكيف بخلعة رب العالمين على ذلك المسكين من عامة
المسلمين <تنبيه> قال الغزالي كان بلعم بن باعوراء من
العلماء وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله
تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها}
ولم يقل آية واحدة ولم يكن له إلا زلة واحدة مال إلى
الدنيا وأهلها ميلة واحدة وترك لنبي من الأنبياء حرمة
واحدة فسلبه معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فقال
{فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه} الآية فإن قلت كيف تدخل
العالم زلته النار مع أنه مأجور على اجتهاده وإن أخطأ
ولهذا قال ابن المبارك رب رجل حسن وآثاره صالحة كانت له
هفوة وزلة فلا يقتدى به فيهما قلت الزلة والغلط تارة تقع
عن تقصير في الاجتهاد وفاعل ذلك غير مأجور بل مأزور وتارة
تقع عن اجتهاد تام لكن وقع فيه الغلط في استحلال محرم أو
تحريم حلال أو ترك واجب بتأويل وهو نفس الأمر خطأ فهذا
يؤجر على اجتهاده ولا يعاقب على زلته
(فر عن أبي هريرة) لم يرمز المصنف له بشيء وهو ضعيف لأن
فيه محمد بن ثابت البناني قال الذهبي ضعفه غير واحد ومحمد
بن عجلان أورده في الضعفاء وقال صدوق ذكره البخاري في
الضعفاء وقال الحاكم سيء الحفظ عن أبيه عجلان وهو مجهول
(1/187)
245 - (احذروا الدنيا) أي تيقظوا واستعملوا
الحزم في التحرز من دار الغرور بالإنابة إلى دار الخلود
والاقلاع عنها قبل سكن اللحود (فإنها أسحر من هاروت ماروت)
لأنها تكتم فتنتها وهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر
والاخلاد إليها أصل كل شر ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط
الله ويجلب الشقاوة في العاقبة وقد قال علي كرم الله وجهه
الدنيا تضر وتغر وتمر وقيل لحكيم كيف ترى الدنيا قال تحل
يوما في دار عطار ويوما في دار بيطار وطورا في يد أمير
وزمنا في يد حقير وقال في الكشاف الحذر التيقظ والحاذر
الذي يجدد حذره <فائدة> قال بعض الشافعية يستثنى من جزم
الأئمة بقبول التوبة أربعة لا تقبل توبتهم إبليس وهاروت
وماروت وعاقر ناقة صالح. قال بعضهم: ولعل المراد أنهم لا
يتوبون انتهى واعترض بأن ما ذكره في إبليس غير صواب بل هو
على ظاهره وما ذكره في هاروت وماروت غير صحيح لأن قصتهم قد
دلت على أنهم يعذبون في الدنيا فقط وأنهم في الآخرة يكونون
مع الملائكة بعد [ص:188] ردهم إلى صفاتهم
(ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا هب عن أبي الدرداء) لم يرمز
له بشيء وهو ضعيف لأن فيه هشام بن كمال قال الذهبي قال أبو
حاتم صدوق وقد تغير وكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود
وحدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها
(1/187)
246 - (احذروا الدنيا) أي الاسترسال في
شهواتها والانكباب على ملاذها واقتصروا منها على الكفاف
(فإنها خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي حسنة
المنظر مزينة في العيون آخذة بمجامع القلوب (حلوة) بالضم
أي حلوة المذاق صعبة الفراق قال في المطامح فيه استعارة
مجازية ومعجزة نبوية فخضرتها عبارة عن زهرتها وحسنها
وحلاوتها كناية عن كونها محببة للنفوس مزينة للناظرين وهو
إخبار عن غيب واقع فإن قلت إخباره عنها بخضرتها وحلاوتها
يناقضه إخباره في عدة أخبار بقذارتها وأن الله جعل البول
والغائط مثلا لها؟ قلت لا منافاة فإنها جيفة قذرة في مرأى
البصائر وحلوة خضرة في مرأى الأبصار فذكر ثم أنها جيفة
قذرة للتنفير وهنا كونها حلوة خضرة للتحذير فكأنه قال لا
تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في الحقيقة مرارة
وخضرتها يبس. فلله در كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ما
أبدعه
(حم في) كتاب (الزهد عن مصعب) بضم الميم وسكون الصاد
المهملة وفتح العين المهملة وبموحدة (ابن سعد مرسلا) وهو
ابن أبي وقاص أبو زرارة بضم الزاي وفتح الراء الخفيفة
الأولى المدني ثقة نزل الكوفة لم يرمز له المصنف بشيء
(1/188)
247 - (احذروا الشهوة) هي كما قال الحراني
نزوع النفس إلى محسوس محبوب لا يتمالك عنه وفي المصباح هي
اشتياق النفس إلى الشيء (الخفية) قالوا يا رسول الله وما
الشهوة الخفية قال (العالم يحب أن يجلس) بالبناء للمفعول
أي يجلس الناس (إليه) فإن ذلك يبطل عمله لتفويته الاخلاص
وتصحيح النية فليس الشأن حفظ العلم بل في صونه عما يفسده
كالرياء والعجب والتعاظم بإظهار علمه وذلك سم وخيم وسهم من
سهام الشيطان الرجيم أخرج العلائي في أماليه عن علي كرم
الله وجهه سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم
يخالف علمهم عملهم وسرهم علنهم يجلسون حلقا حلقا يباهي
بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره
ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله تعالى وقال كعب
الأحبار سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم كما
تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس
غيره أو أخذ عنه أولئك الجبارون أعداء الرحمن وفي تاريخ
ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى فقيل ما يبكيك قال
رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كغلمان في حجور
أمهاتهم إن أمروهم ائتمروا وإن نهوهم انتهوا. قال الغزالي
هذا هو الانتكاس على أم الرأس وفاعله الذي يقوم في العرض
الأكبر مع المجرمين ناكسا رأسه عند ربه انظر كيف انتهى أمر
الذين يزعمون التقرب إلى الله تعالى بالعلم يبذلون المال
والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق
الجرايات ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه
ويقتصر عليه ويقوم معه في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه
وينهض حمارا له في حاجاته مسخرا بين يديه في أوطاره
ومهماته فإن قصر غضب عليه وعاداه فاخسئ بعالم يرضى لنفسه
بهذه المرتبة ثم يفرح بها ثم لا يستحي أن يقول غرضي من
التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى انتهى. فهذا حال
زمن الغزالي فلو رأى زماننا هذا قال البيهقي فعلى هذا
ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله تعالى لا يريد أن
يزداد من الناس جاها أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده
أقماء وأن لا يريد أن يكثر الآخذون عنه وإذا حضروا وجدوا
أكثر من الآخذين عن غيره وأن لا يكون علمه أظهر في الناس
من علم غيره بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده وإحياء
معالم الذين وصونها عن الدروس (تتمة) قال في الحكيم: ادفن
وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه
(فر عن أبي هريرة) ولم يرمز له بشيء قال [ص:189] ابن حجر
وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك
(1/188)
248 - (احذروا الشهرتين) تثنية شهرة وهي
كما في القاموس ظهور الشيء في سمعة حتى يشتهر للناس
والمراد هنا اشتهار الإنسان بلبس (الصوف) بضم أوله (والخز)
بفتح المعجمة الحرير أو نوع منه أي احذروا لبس ما يؤدي إلى
الشهرة في الطرفين أي طرفي التخشن وهو الصوف والتحسن وهو
الحرير فإنه مذموم مكروه والمراد ما فيه حرير أما الحرير
المحض أو ما أكثره حرير فحرام على الرجل وهو أمر بالتباعد
عن طلب الشهرة في اللباس وقد أمر الشارع بالتوسط بين
التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من
الصوفية لبس الصوف دائما ومنع نفسه من غيره وألزمها زيا
واحدا وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكرا
وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يلبس ما وجد فلبس
الكتان والصوف والقطن وما الهدي إلا هديه وما الأفضل إلا
ما سنه وهو لبس ما تيسر من الوسط المعتدل صوفا تارة وقطنا
طورا وكتانا أخرى ولبس البرود اليمانية والأحمر والجبة
المكفوفة بالديباج والقباء والقميص والإزار والرداء والشعر
الأسود وأرخى العذبة تارة وتركها أخرى وتقنع تارة وتركه
أخرى ولبس عمامة بيضاء تارة وسوداء أخرى وتحنك مرة وتركه
إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وبهذا علم أنه لا تعارض
بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي عليكم بلباس الصوف إلى
آخره لأن ما هنا في ملازمة زي واحد وذاك في لبس الصوف
أحيانا أو يقال التحذير عن لبسه للشهرة والإذن في لبسه
بقصد إذلال النفس وقهرها
(أبو عبد الرحمن) محمد بن الحسين (السلمي) الصوفي (في)
كتاب (سنن الصوفية) نقل الذهبي وغيره عن الخطيب عن القطان
أنه كان يضع للصوفية وفي اللسان كأصله أنه ليس بعمدة ونسبه
البيهقي للوهم (فر) من حديث السلمي هذا (عن عائشة) رضي
الله عنها قال في الأصل وضعفه وفيه أحمد بن الحسين الصفار
كذبوه
(1/189)
249 - (احذروا صفر) بضم فسكون (الوجوه) أي
الأناسي المصفرة وجوههم أي احذروا مخالطتهم واجتنبوا
عشرتهم (فإنه) أي ما بهم من الصفرة (إن لم يكن) ناشئا (من
علة) أي مرض قال في المصباح: العلة المرض الشاغل (أو سهر
فإنه) يكون (من غل) بكسر المعجمة غش وحقد (في قلوبهم) زاده
إيضاحا إذ الغل ليس إلا في القلب (للمسلمين) لأن ما أخفت
الصدور يظهر على صفحات الوجوه وذلك مدرك بنور الفراسة
الإيمانية ويظهر أن المراد به قوم مخصوصون من أهل زمنه من
أهل النفاق أو اليهود لا مطلقا لقولهم إن أشرف الألوان
الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل
الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس
وغيرها <فائدة> قال العارف الخواص أرباب الأحوال يعرفون
الصالحين بصفرة الوجوه مع سواد البشرة وسعة العيون وخفض
الأصوات وأما الكمل فلا يعرفهم إلا من عرف الله وفي إشعاره
تحذير من إضمار السوء للمسلمين خوف الفضيحة والعذاب في
العقبى
(فر عن ابن عباس) وفيه زيد بن حبان ذكر في اللسان عن ابن
حبان أنه يخالف في حديثه وأخرجه أيضا أبو نعيم في الطب
بسند واه عن أنس وبه يعرف أن قول ابن حجر لم أقف له على
سند إن أراد ثابت جيد فمسلم وإلا فقد علمت وروده
(1/189)
250 - (احذروا البغي) أي احترسوا من فعله
(فإنه) أي الشأن (ليس من عقوبة هي أحضر) أي أسرع وقوعا (من
عقوبة [ص:190] البغي) فإنه يعجل جزاؤه في الدنيا سريعا قال
الحراني: والبغي السعي بالقول والفعل في إزالة نعم الله
تعالى عن خلقه بما اشتملت عليه ضمائر الباغي من الحسد
(عد وابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين رضي
الله تعالى عنه
(1/189)
251 - (احرثوا) بضم الهمزة والراء ازرعوا
من حرث الأرض أثارها للزراعة (فإن الحرث) أي تهيئة الأرض
للزراعة وإلقاء البذر فيها (مبارك) أي كثير الخير نافع
للخلق فإن كل عافية تأكل منه وصاحبه مأجور على ذلك مبارك
له فيما يصير إليه (وأكثروا فيه) أي في الزرع إذا نبت (من
الجماجم) بجيمتين جمع جمجمة البذر أو العظام التي تعلق
عليه لدفع الطير أو العين ويدل للثاني ما في خبر منقطع عند
البيهقي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم أن
تجعل في الزرع من أجل العين وفيه ندب الاحتراف بالزرع ولا
يعارضه الخبر الآتي إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب
البقر إلى آخره لأن في زرع معه ترك الجهاد والاشتغال عن
وظائف الطاعات وما هنا فيما ليس كذلك وفي السير أن المصطفى
صلى الله عليه وسلم كان يزرع أرض بني النضير لما صارت إليه
ومن كلامهم الفلاحة بالفلاح مصحوبة والبركة على أهلها
مصبوبة
(د في مراسيله عن علي بن الحسين) زين العابدين قال الزهري
ما رأيت قريشا أفضل منه (مرسلا) قال: إن المصطفى صلى الله
عليه وسلم لما قدم المدينة قال: يا معشر قريش إنكم تحبون
الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا واحرثوا فإن
الحرث إلى آخره
(1/190)
252 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن القارئ
(الذي إذا قرأ رأيت) أي علمت (أنه يخشى الله) أي يخافه لأن
القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله وعرفان صفاته ولذلك
الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله وزواجر تذكيره
وقوارع تخويفه فمن تلبس بهذا الحال وظهرت عليه هيبة الجلال
فهو أحسن الناس قراءة لما دل عليه حاله من عدم غفلة قلبه
عن تدبر مواعظ ربه وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في
القلب والتلذذ بكلام الرب ولم يكن كذلك فالقرآن لا تجاوز
حنجرته <تنبيه> قال بعض الكاملين كان طفل يقرأ على بعض
الصالحين القرآن فرآه مصفر اللون فسأل عنه فقالوا يقوم
الليل بالقرآن كله فقال له في هذه الليلة أحضرني في قبلتك
واقرأ علي القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فلما أصبح قال له
ختمت القرآن كالعادة قال لم أقدر على أكثر من نصفه فقال في
هذه الليلة اجعل من شئت من الصحب الذين سمعوه من الرسول
صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه ففعل فلم يمكنه إلا قراءة
نحو ربعه فقال اقرأ الليلة على من أنزل عليه ففعل فلم يقدر
على أكثر من جزء فقال له الليلة استحضر أنك تقرؤه على
جبريل الذي نزل به واعرف قدر من تقرأ عليه ففعل فلم يقدر
إلا على سورة فقال الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن
المصلي يناجي ربه واقف بين يديه فانظر حظك من القرآن وحظه
وتدبر ما تقرأ فليس المراد جمع الحروف بل تدبر المعاني
ففعل فأصبح مريضا فعاده أستاذه فلما أبصره الشاب بكى وقال
جزاك الله عني خيرا ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما
استحضرت الحق وأنا بين يديه أتلو عليه كلامه فوصلت إلى
إياك نعبد لم أر نفسي تصدق في قولها فاستحييت أن أقول إياك
نعبد وهو يعلم كذبي وصرت أردد في القراءة كلامه إلى مالك
يوم الدين حتى طلع الفجر وقد احترق كبدي وما أنا إلا راحل
له على حالة لا أرضاها من نفسي فمات فدفن فأتاه أستاذه
فناداه فأجابه من القبر يا أستاذ أنا حي قدمت على حي فلم
يحاسبني في شيء فقام مريضا فلحق به
(محمد بن نصر في) كتاب (الصلاة هب خط عن ابن عباس) وفيه
إسماعيل بن عمرو البجلي قال الذهبي: ضعفوه (السجزي) بكسر
السين المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان على غير
قياس (في) كتاب (الابانة) في أصول الديانة (خط) في ترجمة
محمد بن وزير الرشيد (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه حميد بن
حماد قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير (فر عن عائشة)
رضي [ص:191] الله تعالى عنها قالت سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أي الناس أحسن صوتا بالقرآن فذكره وفيه يحيى بن
عثمان ابن صالح قال ابن أبي حاتم تكلموا فيه وابن لهيعة
فيه لين لكن بتعدد طرقه يتقوى فيصير حسنا وظاهر صنيع
المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الستة وإلا لما عدل إلى قول
مغلطاي وغيره ليس لمحدث أن يعزو حديثا لغير أصحاب الكتب
الستة وهو فيها إلا أن تكون فيه زيادة أو شبهها ما إذا لم
يكن كذلك فلا يجوز إلا عند من لم يكن محدثا وقد خرجه ابن
ماجه عن جابر بلفظ " أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا
سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى قال الحافظ العراقي
وسنده ضعيف وقد رواه البزار بسند كما قال الحافظ الهيتمي
رجاله رجال الصحيح فحذفه الصحيح واقتصاره على المعلول من
التقصير
(1/190)
253 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن (من قرأ
القرآن يتحزن به) أي يرقق به صوته لما أهمه من شأن القرآن
وهذا هو المراد بخبر الطبراني أحسنوا الأصوات بالقرآن لا
ما يفعله القراء من رعاية الألحان المخرجة للحروف عن
مواضعها فالقصد بالتحزن به التخشع عند قراءته لينشأ عن ذلك
الخشية
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وهو حسن
الحديث وفيه ضعف وقال ابن حجر فيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد
احتراق كتبه
(1/191)
254 - (أحسنوا) بفتح فسكون فكسر (إذا
وليتم) بفتح أوله مخففا ويجوز ضمه مثقلا أي إذا وليتم
ولاية يعني إمارة ونحوها فأحسنوا إلى الرعية ومن وليتم
عليهم قولا وفعلا وفي نسخة فيما وليتم ومن الإحسان إليهم
إحسان القتلة وإقامة الحدود والتعازير والتأديب (واعفوا
عما ملكتم) من الأرقاء بأن تتجاوزوا عن المسيء إن كان
للتجاوز أهلا {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} والإحسان في
كل شيء بحسبه ورب نفس كريمة تخضع وترجع بالعفو ونفس لئيمة
لو سومحت لفسدت وأفسدت {والله يعلم المفسد من المصلح} وهذا
في غير الحدود وحق الخلق أما الحد فيقام لئلا يعصي الله في
أمره ونهيه لكن يجب على السيد أن يعاقبه لله لا لنفسه ولا
شفاء لغيظه ولا يجاوز الكمية ولا يتعدى في الكيفية وإلا
فالقصاص قائم يوم القيامة والتأديب المحمود ما هو لله
والمذموم ما للنفس والناس في هذا طبقات فمن كان قلبه لله
أمكنه أن يؤدبه في أمر الدنيا والآخرة لله ومن لم يكن كذلك
بل غلبه هواه فلا يضرب إلا في أمر الدين فقط بحسبه ليكون
لله أما في أمر الدنيا من نفع أو ضر فلا لأنه إنما يغضب
لنفسه
(الخرائطبي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي سعيد) الخدري
وكذا رواه الديلمي وغيره وفيه ضعف
(1/191)
255 - (أحسنوا) في رواية أحسني خطابا
لعائشة ولعل الخطاب تعدد (جوار) بالكسر أفصح كذا في الصحاح
وفي القاموس الضم أفصح ونحوه في المصباح والمراد الجوار
المعنوي (نعم الله) جمع نعمة بمعنى إنعام وهي كل ملائم
تحمد عاقبته ثم فسر المراد بحسن الجوار بقوله (لا تنفروها)
أي لا تبعدوها عنكم بفعل المعاصي فإنها تزيل النعم ولا
تطردوها بترك الشكر (فقلما) ما في قلما لتأكيد معنى القلة
كما ذكره في الكشاف في {قليلا ما تشكرون} وإنما أكد القلة
بها لابهامها كما تؤكد الكثرة بها لأن المبهم يتناول
الكثير والقليل أي في قليل من الأحيان وقال بعضهم ما من
قلما يحتمل كونها كافة للفعل عن العمل وكونها مع الفعل
لعدها في تأويل المصدرية (زالت عن قوم فعادت إليهم) لأن
حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها وتعظيمها من شكرها والرمي
بها من الاستخفاف بها وذلك من الكفران والكفور ممقوت
[ص:192] مسلوب ولهذا قالوا الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد
للنعمة المفقودة وقالوا كفران النعم بوار وقلما اقشعت
نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم هاربها
بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا
أنت لم ترج لله وقارا. وقال الغزالي: فحافظ على إحسان
الجوار عسى أن يتم نعمته عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال
فإن أمر الأمور وأصعبها الإهانة بعد الإكرام والطرد بعد
التقريب والفراق بعد الوصال. وقال بعضهم إن حقا على من لعب
بنعم الله سبحانه وتعالى أن يسلبه إياها. قيل: أنجت امرأة
صبيا بكسرة فوضعتها في جحر فابتلى أهل ذلك البلد بالقحط
فاضطرت المرأة لشدة الجوع حتى طلبتها فأكلتها. فارتباط
النعم بشكرها وزوالها في كفرها فمن عظمها فقد شكرها ومن
استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال ولهذا قالوا: لا زوال
للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت فالعاقل من حصن
نعمته عن الزوال بكثرة العطايا والإفضال وجرى على شاكلة
أكابر جنسه من أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين وخواص
عباده الذين دأبهم أن يتلقوا نعمة الله القادمة بحسن الشكر
كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر بحمد الله <تنبيه>
قال ابن الحاج كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك
أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا
جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق قال فينبغي
للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة مما يؤكل أن
يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه لكن لا يقبله
ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة فإنه بدعة قال: وهذا
الباب مجرب فمن عظم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه وإن
وقع بالناس شدة جعل له فرجا مخرجا
(ع عد) وكذا البيهقي كلهم من حديث عثمان بن مطر عن ثابت
(عن أنس) ثم قال البيهقي عثمان ضعيف وقال الذهبي ضعفوه
كلهم وقال الهيتمي عقب نسبته لأبي يعلى فيه عثمان بن مطر
ضعيف (هب) من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن
عروة (عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها ومسحها وأكلها ثم ذكره
وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه ولا
كذلك بل عقبه ببيان علته فقال الموقري ضعيف قال ورواه خالد
بن إسماعيل المخزومي عن هشام عن أبيه عن عائشة وهو أيضا
ضعيف
(1/191)
256 - (أحسنوا إقامة الصفوف) جمع صف (في
الصلاة) أي أتموها وسدوا الخلل فيها وسووها مع اعتدال
القائمين على سمت واحد والأمر للندب ويسن إذا كبر المسجد
أن يأمر الإمام رجلا بتسوية الصفوف ويطوف عليهم أو ينادي
فيهم ويسن لكل من حضر أن يأمر بذلك من يرى منه خللا في
تسوية الصف فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر
والتقوى قال في المجموع والمراد بتسويتها إتمام الأول
فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر
واحد ولا شيء منع على من هو بجنبه
(حم حب عن أبي هريرة) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح
(1/192)
257 - (أحسنوا) ندبا (لباسكم) بالكسر أي ما
تلبسونه من نحو إزار ورداء أو قميص وعمامة أي نظفوه
واجتنبوا البالغ في الخشونة (وأصلحوا رحالكم) أي أثاثكم أو
سروجكم التي تركبون عليها أو الكل (حتى تكونوا كأنكم شامة)
بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن
يسمى خالا وأثرا والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى
تظهروا (في الناس) فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام
كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار
فيزدريكم أهل الجهل والضلال فيندب تنظيف نحو الثوب
والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا
إعجاب وعلى خلافه يحمل ما ورد مما ظاهره مخالف ذلك كخبر
اخشوشنوا [ص:193] وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجنب كل ما
يزدري ويحتقر لأجله الإنسان لاسيما ولاة الأمور والعلماء
(ك عن سهل ابن الحنظلية) المتعبد الزاهد المتوحد وهو سهل
بن الربيع الأنصاري والحنظلية أمه سكن دمشق وبها مات أول
خلافة معاوية وهذا روى عن ابن الحنظلية المذكور بزيادة في
أوله بلفظ إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا إلى آخره كما
يأتي فلعله سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم مرتين كذلك
أو حدث به هو مرة مختصرا وأخرى مطولا
(1/192)
258 - (أحسنوا الأصوات) لفظ رواية الطبراني
على ما وقفت عليه في أصول صحيحة أصواتكم جمع صوت وهو هواء
منضغط بين قارع ومقروع (بالقرآن) أي بقراءته بترقيق صوت
وترتيل وتدبر وتأمل لأحكامه وقصصه ومواعظه وبذلك تنبعث
الخشية ويستنير القلب قال الشافعية تسن القراءة بتحسين
الصوت وطلبها من حسنه والإصغاء إليها وقراءته حدرا وتحزينا
والحدر رفع الصوت تارة وخفضه أخرى والتحزين تليين الصوت
ولا بأس بالإدارة واجتماع جماعة في القراءة وترديد آياته
للتدبر
(طب عن ابن عباس) لم يرمز له المؤلف بشيء ووهم من زعم أنه
رمز لضعفه قال الحافظ الهيتمي رواه بإسنادين وفي أحدهما
عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه
البخاري وبقية رجاله رجال الصحيح
(1/193)
259 - (أحسنوا إلى محسن الأنصار) بالقول
والفعل قال ابن الكمال: والإحسان فعل ما ينبغي أن يفعل من
الخير (واعفوا عن مسيئهم) ما فرط منه من زلة وحذف المفعول
للتعميم وذلك لما لهم من المآثر الحميدة من نصرة الدين
وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه وبإيثارهم من
الأموال والأنفس وهذا وإن كان عاما في التجاوز فما هو إلا
على منهاج التكرمة وزيادة المبالغة في العفو وإلا فلا مزية
لهم إلا فيما كان من إساءة لا تتعلق بحد حر ولا بحد عبد
فهو من قبيل خبر " أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم " وهذا من
جوامع الكلم لأن الحال منحصر في الضر والنفع وفي الشخص
المحسن والمسيء وفيه من أنواع البديع الطباق
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي (وعبد الله بن جعفر) بن أبي
طالب (معا) قال العباس بن سهل دخل سهل على الحجاج وهو متكئ
فقال له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا إلى آخره
قال من يشهد لك قال هذان عند كتفيك عبد الله بن جعفر
وإبراهيم بن محمد بن حاطب فقالا نعم رواه كله الطبراني قال
الهيتمي وفيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى
وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته نعم رواه الطبراني بمعناه
في ضمن حديث خطب به ولفظه أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار
يقلون ويكثر الناس فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه
وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع به أحدا فليقبل من
محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم
(1/193)
260 - (أحصوا) بضم الهمزة (قوله أحصوا بضم
الهمزة: هو خطأ والصواب بفتح الهمزة لأنه من الاحصاء. أه)
عدوا واضبطوا والاحصاء أبلغ من العد في الضبط لما فيه من
إعمال الجهد في العد (هلال شعبان لرمضان) أي لأجل صيامه
والهلال ما يرفع الصوت عند رؤيته فغلب على الشهر الذي هو
الهلال ذكره الحراني وفي القاموس الهلال غرة القمر أو
لليلتين أو لسبع والمراد أحصوا هلاله حتى تكملوا العدة إن
غم عليكم أو تراؤوا هلال شعبان وأحصوه ليترتب عليه رمضان
بالاستكمال أو الرؤية فإن قيل حديث العدد لا يقع فيه
اضطراب فالأخذ به أولى ورد بالمنع وإن سلم فحديث الرؤية
مثله بل أولى وقد قال أحصوا إلى آخره لأن فيه إظهار الشعار
دونه
(ت) في الصوم من طريق مسلم صاحب الصحيح (ك) في الصوم وصححه
(عن أبي هريرة) ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن عمرو فإنه
لم يخرجه الشيخان
(1/193)
[ص:194] 261 - (احضروا) بضم الهمزة
(الجمعة) أي خطبتها وصلاتها وجوبا على من هو أهلها ندبا
لغيره في رواية بدل الجمعة الذكر (وادنوا) ندبا (من
الإمام) أي اقتربوا منه بأن تكونوا في الصف الأول بحيث
تسمعون الخطبة (فإن الرجل لا يزال يتباعد) عن الإمام أو عن
استماع الخطبة أو عن مقام المقربين أو عن مقاعد الأبرار
(حتى يؤخر) بضم أوله وفتح ثانيه أي عن الدرجات العالية (في
الجنة) قال الحراني: والتأخر إبعاد الفعل من الاين الكائن
وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم
من أعالي الأمور إلى سفسافها والله يحب تلك ويكره هذه كما
يأتي في خبر وفي قوله (وإن دخلها) بغير سبق تعريض بأن
الداخل قنع من الجنة ومن تلك الدرجات والمقامات الرفيعة
بمجرد الدخول ولله در القائل في المعنى
حاول جسيمات الأمور ولا تقل. . . إن المحامد والعلى أرزاق
وارغب لنفسك أن تكون مقصرا. . . عن غاية فيها الطلاب سباق
وإذا كان هذا حال المتأخر فكيف بالتارك
(حم د) في الصلاة (ك) في الجمعة (هق عن سمرة) بن جندب ولفظ
أحمد وأبي داود والحاكم عن سمرة احضروا الذكر وادنوا من
الإمام إلى آخر ما ذكر ورواه أحمد أيضا والبيهقي بلفظ
احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليتخلف عن
الجمعة حتى إنه ليتخلف عن الجنة وإنه لمن أهلها وسياق
المؤلف يخالف الطريقين ثم الحديث قال الحاكم صحيح على شرط
مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وسكت عليه أبو داود لكن
تعقبه المنذري بأن فيه انقطاعا وقال الذهبي في تعقبه على
البيهقي فيه الحكم بن عبد الملك قال ابن معين ليس بشيء
(1/194)
262 - (احفظ) بكسر الهمزة (لسانك) صنه عن
النطق بما لا يعنيك فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر
سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فهو في النار وهل يكب
الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم وخص اللسان
لأن الأعضاء كلها تابعة له فإن استقام استقامت وإن اعوج
اعوجت ولكثرة الكلام مفاسد يتعذر إحصاؤها أو المراد لا
تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس فإنك غير مؤاخذ به ما
لم تتلفظ أو تصمم أو لا تتفوه بما ستره الله عليك فإن
التوبة منه أرجى قبولا والعفو عنه أقرب وقوعا ذكره القاضي
وهذا ما لم يتعلق بالكلام مصلحة كإبلاغ عن الله ورسوله
وتعليم علم شرعي وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإصلاح بين
الناس ونحو ذلك من كل أمر ديني أو دنيوي يترتب على السكوت
عنه فوت مصلحة وقد تطابقت الملل وتضافرت النحل على مدح حفظ
اللسان في غير ذلك لإيراثه جميل المعاشرة ومليح المعاملة
وقد قال عيسى عليه الصلاة والسلام للخنزير اذهب بسلام فقيل
له فيه فقال: كرهت أن أعود لساني منطق السوء قال الحراني:
والحفظ الرعاية لما هو متداع في نفسه فيكون تماسكه
بالرعاية له عما يوهنه أو يبطله وقال الراغب: هو المحافظة
على مراعاة الشيء وقلة الغفلة عنه ويقال إثبات صورة الشيء
في القلب حفظ وللقوة الحافظة حفظ قال الزمخشري: واللسان
جارحة الكلام وقد يكنى به عن الكلام ومنه قولهم إن لم تحفظ
لسانك ملكت الشيطان فضل عنانك
(ابن عساكر) في تاريخه (عن مالك بن يخامر) بضم المثناة تحت
وفتح المعجمة وكسر الميم وبالراء ويقال أخامر بقلب التحتية
همزة وأخيمر مصغر خمر وهو السكسكي الالهاني الحمصي قيل
مخضرم وقيل له صحبة ولم يثبت والحديث جيد الإسناد ولكنه
مرسل على الأصح
(1/194)
263 - (احفظ) أيها الإنسان (ما بين لحييك)
بفتح اللام على الأشهر وهما العظمان اللذان عليهما الأسنان
السفلى بأن [ص:195] لا تنطق إلا بخير ولا تأكل إلا من حلال
(وما بين رجليك) بأن تصون فرجك عن الفواحش وتستر عورتك عن
العيون فإنك إن فعلت ذلك ضمن لك المصطفى صلى الله تعالى
عليه وعلى آله وسلم دخول الجنة كما ذكره في خبر يأتي وإنما
نص على الأمر بذلك ولم يكتف بدخوله في العموميات التي لا
تحصى لأن كف داعية اللسان والفرج من أهم الأمور ومن ثم عد
من أعظم أنواع الصبر وفضله لشدة الداعي فإن معاصي اللسان
فاكهة الإنسان كنميمة وغيبة وكذب ومراء وثناء وحكاية كلام
الناس وأحوالهم والطعن في عدو ومدح صديق ونحو ذلك ومقاساة
كف الفرج أشد من ذلك ومن غيره إذ هو أعظم فخوخ الشيطان
لأتقياء الرحمن فما بالك بآحاد الشبان
(ع وابن قانع) عبد الباقي في معجمه (وابن منده) محمد بن
إسحاق العبدي الأصبهاني الحافظ الجوال (والضياء) المقدسي
في المختارة (عن ضعضعة) بفتح المهملتين وسكون المهملة
بينهما وفتح المهملة الثانية ابن ناجية بن عقال التميمي
(المجاشعي) بضم الميم وفتح الجيم مخففة وشين معجمة نسبة
إلى مجاشع بن دارم قبيلة معروفة وهو جد الفرزدق لا عمه على
الصحيح كما في أسد الغابة لكن في التقريب أنه عمه وهو عم
الأقرع بن حابس كان يفتدي الموؤدة في الجاهلية وهو من
أشراف مجاشع له وفادة وحديث
(1/194)
264 - (احفظ عورتك) صنها عن العيون لأنها
خلقت من آدم مستورة وقد كانت مستورة عن آدم وحواء ودخلا
الجنة ولم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت فأمرا
بسترها أخرج الحكيم الترمذي خبر إن أول ما خلق الله من آدم
فرجه ثم قال هذه أمانة قد خبأتها عندك (إلا من زوجتك)
بالتاء لغة وبدونها جاء القرآن (أو ما) أي والا الأمة التي
(ملكت يمينك) وحل لك وطؤها وعبر باليمين للغالب إذ كانوا
يتصافحون بها عند العقود والخطاب وإن كان لمفرد لكن المراد
العموم لمن حضر وغاب من جميع الأمة بقرينة عموم السؤال
والمرأة تحفظ عورتها حتى مما ملكت يمينها إلا من زوجها قال
الطيبي: وعدل عن استر إلى احفظ ليدل السباق على الأمر
بسترها استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه أي من الله ومن
خلقه يشير به معنى قوله تعالى {الذين هم لفروجهم حافظون
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} لأن عدم الستر يؤدي
إلى الوقاحة وهي إلى الزنا وفيه أن للزوج نظر فرج زوجته
وحلقة \ دبرها وأخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين
حليلته من الاستمتاع به ورد بأن معنى قوله إلا من إلى آخره
أي فهو أولى أن لا تحفظ عورتك منها وذاك لأن الحق في
التمتع له لا لها فيلزمها تمكينه ولا عكس (قيل) يعني قال
معاوية الصحابي يا رسول الله (إذا كان القوم) أي الجماعة
(بعضهم في) وفي نسخ من والأول هو ما في خط المؤلف (بعض)
كأب وجد وابن وابنة أو المراد المثل لمثله كرجل لرجل وأنثى
لأنثى وعليه فالقوم اسم كان وبعضهم بدل منه ومن بعض خبرها
(قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن استطعت أن لا
يرينها أحدا) بنون التوكيد شديدة أو خفيفة فلا يريها أحد
اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها
(قيل) أي قلت يا رسول الله (إذا كان أحدنا خاليا) أي في
خلوة فما حكم ستر عورته حينئذ (قال) أي رسول الله صلى الله
عليه وسلم (الله أحق) أي أوجب (أن يستحيا) بالبناء للمجهول
(منه من الناس) عن كشف العورة وهو تعالى وإن كان لا يحجبه
شيء ويرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي
الستر قال العلائي وغيره وهذا إشارة إلى مقام المراقبة فإن
العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحيي
من ربه المطلع عليه في [ص:196] كل حال وكل وقت أولى
والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء قيل إن إبراهيم
بن أدهم صلى قاعدا ثم مد رجله فهتف به هاتف أهكذا تجالس
الملوك فما مدها بعد أبدا وقال الحكيم من تعرى خاليا ولم
يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بأن الله يرى علم
اليقين ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه يقنع رأسه عند
دخوله الخلاء حياء من الله تعالى وكان عثمان رضي الله
تعالى عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه قال
الماوردي ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لم تر
عورته قط ولو رآها أحد عمي وعدوا من خصائص هذه الأمة حرمة
كشف العورة وكما يؤمر بحفظ عورته يؤمر بحفظ عورة غيره بترك
النظر إليها قال ابن جرير إلا لعذر كحد يقام عليه وعقوبة
تدرأ وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة لكن المفتى به
عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض كتبريد وخوف غبار
على نحو ثوب فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة لا وجوبه
وممن وافقهم ابن جرير فأول الخبر في الآثار على الندب قال:
لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة
(حم ع ك هق عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده) معاوية بن
حيدة القشيري الصحابي المشهور قال قلت يا رسول الله
عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فذكره قال الترمذي والحاكم
صحيح وأقره الذهبي ورواه البخاري معلقا قال ابن حجر
وإسناده إلى بهز صحيح ولهذا جزم البخاري بتعليقه وأما بهز
وأبوه فليسا من شرطه وقال الكمال ابن أبي شريف بهز وثقه
أحمد وآخرون وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن عدي لم أر
له حديثا منكرا وأبوه حكيم قال النسائي لا بأس به
(1/195)
265 - (احفظ ود أبيك) بضم الواو أي محبته
وبكسرها أي صديقه وعلى الأول فيه كما في النهاية حذف
تقديره احفظ من كان ودا لأبيك أي صديقا له وعلى الكسر لا
تقدير فإن الود بالكسر الصديق (لا تقطعه) بنحو صد وهجر
(فيطفئ الله نورك) بالنصب جواب النهي أن يخمد ضياءك ويذهب
بهاءك ويمسكه وما يمسك الله فلا مرسل له والمراد احفظ محب
أبيك أو صديق أبيك بالإحسان والمحبة سيما بعد موته ولا
تهجره فيذهب الله نور إيمانك وهذا وعيد مهول وتقريع يذهب
عقول الفحول عن قطع ود الأصول حيث آذن عليه بذهاب نور
الإيمان وسخط الرحمن وما يذكر إلا أولوا الألباب ولم يقل
ضوءك بدل نورك لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قيل
يطفئ الله ضوءك لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا
والغرض الأبلغية والتوعد بانطماس النور بالكلية قال الحافظ
العراقي وهل المراد به نوره في الدنيا أو نوره في الآخرة
كل محتمل وقد ورد في التنزيل ما يدل على كل منهما أما في
الدنيا ففي قوله {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس} وقوله في حديث الحاكم إن النور إذا دخل
الصدر انفسح قيل يا رسول الله هل لذلك من علم قال نعم
التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود واستعداد
للموت قبل نزوله وأما في الآخرة ففي نحو {يوم ترى المؤمنين
والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم} قال ويؤيد أن المراد
النور الأخروي إذ ترك الود لمن كان من أهل ود أبيه نوع من
النفاق فإنه كان يجامل أباه فلما توفي أبوه ترك ذلك وترك
النور في الآخرة جزاء من فيه نفاق كما قال تعالى {يوم يقول
المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم}
{مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله
بنورهم} وقد أخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن سلام والذي
بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق نبيا إنه لفي كتاب
الله تعالى لا تقطع من كان يصل أباك فيطفئ الله نورك وأخرج
ابن عساكر عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قال في كتاب الله
الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام احفظ ود أبيك لا
تقطعه فيطفئ الله نورك وكالأب الجد أبو الأب والأم ويظهر
أن يلحق به جميع الأصول من الجهتين ومن البين أن الكلام في
أب محترم يحرم عقوقه ويطلب بره
(خد طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال زين الحفاظ العراقي
إسناده جيد والهيتمي إسناده حسن وسبب تحديث ابن عمر أنه مر
في سفره على أعرابي فقال له ألست ابن فلان فقال نعم فأعطاه
حمارا كان يستعقبه ونزع عمامته فأعطاه إياها فقال من معه
أما يكفيه درهمان فقال كان أبوه صديقا لعمر وقد قال
المصطفى فذكره أه
(1/196)
[ص:197] 266 - (احفظوني في العباس) أي
احفظوا حرمتي وحقي عليكم في احترامه وإكرامه وكف الأذى عنه
(فإنه) أي الشأن أن له تمييزا على غيره من الصحابة فإجلاله
ينبغي أن يكون فوق إجلالهم إذ هو (عمي وصنو أبي) بكسر أوله
المهمل أي مثله يعني أصلهما واحد فهو مثل أبي فهذا كالعلة
في كون حكمهما منه في الإيذاء سواء وأن تعظيمه وإجلاله
كتعظيمه وإجلاله لو كان موجودا ولا حجة فيه لمن استدل به
على إيمان والدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما
لا يخفى وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون
العباس ذلك ويبالغون في تعظيمه ويشاورونه ويأخذون برأيه بل
واستسقى به عمر غير مرة ولم يمر قط بعمر وعثمان راكبين إلا
نزلا حتى يجوز إجلالا له كما أخرجه ابن عبد البر وغيره
وقال يوما يا رسول الله إني أتيت قوما يتحدثون فلما رأوني
سكتوا وما ذاك إلا أنهم استنقلوني فقال أو قد فعلوها والذي
نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم لمحبتي رواه الطبراني
بإسناد صحيح
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين وأخرجه
عنه الطبراني في الأوسط والصغير بلفظ احفظوني في العباس
فإنه بقية آبائي قال التفتازاني يعني الذي بقي من جملة
آبائي قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم
(1/197)
267 - (احفظوني في أصحابي) أي راعوا حرمتي
وارقبوني فيهم واقدروهم حق قدرهم وكفوا ألسنتكم عن غمطهم
أو الوقيعة فيهم بلوم أو تعنيف لبذلهم نفوسهم وإطراحها بين
يدي الله تعالى في الحروب وقتالهم القريب والبعيد في ذات
الله وبذلهم أموالهم وخروجهم من ديارهم وصبرهم على البلاء
والجهد الذي لا يطيقه غيرهم وليس ذلك إلا عن أمر عظيم ملك
البواطن وصرفها على حكم محبة الله ومحبة رسوله فاستوجبوا
بذلك الرعاية وكمال العناية والإضافة للتشريف (وأصهاري)
جمع صهر وهو ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج.
قال الزمخشري: فلان صهر فلان لمن يتزوج بنته وقد يقال لأهل
بيت الزوجين معا أصهار انتهى وقال ابن السكيت: من كان من
قبل الزوج أحماء ومن قبل المرأة أختان ويجمع الصنفين
الأصهار والمتعارف من أصهاره آباء زوجاته كالعمرين وأزواج
بناته كعلي وعثمان وأقارب زوجاته (فمن حفظني فيهم) أي
راعاني فيهم بإكرامهم وحسن الأدب معهم (حفظه الله) دعاء أو
خبر (في الدنيا والآخرة) أي منعه من كل ضر وضير فيهما. قال
الراغب: يعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر
بالدار الدنيا عن النشأة الأولى وربما ترك ذكر الدار كما
هنا وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو
{وللدار الآخرة خير للذين يتقون} تقديره دار الحياة الآخرة
(ومن لم يحفظني فيهم) بما ذكر (تخلى الله) أي أعرض (عنه)
وتركه في غيه يتردد وهذا أيضا يحتمل الدعاء والخبر وأيما
كان فيا لها من شقاوة كيف (ومن تخلى الله عنه أوشك) أي
أسرع وفي نسخ يوشك وهو تحريف من النساخ فإن الأول هو كما
في مسودة المؤلف بخطه (أن يأخذه) أخذ عزيز مقتدر وهذا وعيد
شديد لمن لم يحفظه فيهم وتحذير بليغ من تعجيل العقوبة له
وأن ذلك من أفظع الكبائر وأشنع الجرائم قال الحافظ الزرندي
لم يكن من العلماء المجتهدين والأئمة المهتدين إلا وله في
ولاية أهل البيت الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أخبر الله
بقوله {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
(طب وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة (وابن
عساكر) في تاريخه وكذا الديلمي (عن عياض) بكسر أوله ومثناة
تحت مخففة فمعجمة (الأنصاري) له صحبة قال الهيتمي وفيه
ضعفاء وقد وثقوا وقال شيخه العراقي سنده ضعيف
(1/197)
[ص:198] 268 - (احفوا) قال النووي بقطع
الهمزة ووصلها من أحفاه وحفاه استأصله (الشوارب) أي
اجعلوها حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله ومنه {وترى
الملائكة حافين من حول العرش} كذا ذكره الغزالي واقتصر
عليه وقال القاضي من الإحفاء وأصله الاستقصاء في أخذ
الشارب وفي معناه أنهكوا الشوارب في الرواية الأخرى
والإنهاك المبالغة في الشيء والمراد بالغوا في قص ما طال
منها حتى تتبين الشفة بيانا ظاهرا ندبا وقيل وجوبا أما
حلقه بالكلية فمكروه على الأصح عند الشافعية وصرح مالك
بأنه بدعة وقال يوجع فاعله ضربا وأخذ الحنفية والحنابلة
بظاهر الخبر فسنوا حلقه ونقل بعضهم عن الشافعي ندب حلقه
باطل (وأعفوا) بفتح الهمزة (اللحى) بالضم والكسر أي
اتركوها بحالها لتكثر وتغزر لأن في ذلك جمالا للوجه وزينة
للرجل ومخالفة لزي المجوس والإعفاء التكثير <تنبيه> أخذ من
هذه الأحاديث ونحوها أنه يندب مداواة الذقن بما ينبت الشعر
أو يطوله فإن الإعفاء هو التكثير كما تقرر وهو غير مأمور
به لأنه غير مقدور للرجل إنما المأمور به سبب التكثير وهو
إما الترك أو المعالجة بما ينبت الشعر فهو من إقامة المسبب
وهو التكثير مكان السبب وهو الترك أو المعالجة في الأمر به
ورد بأن الإعفاء بمعنى الترك فلا يكون من ذلك بل يدل على
عكسه فإنه إذا أمر بتركها فعالجها لتطول ما فعل ذلك
المأمور به وبفرض جعل الإعفاء بمعنى التكثير فالصارف عن
القول به أدلة أخرى ذكرها ابن دقيق العيد ولم ينقل عن أحد
من السلف أنه كان يعالج لحيته لذلك ولم يذهب أحد إلى دخول
المعالجة تحت الإعفاء انتهى ثم محل الإعفاء في غير ما طال
من أطرافها حتى تشعث وخرج عن السمت أما هو فلا يكره قصه
بدليل ما يجيء أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
كان يأخذ من عرضها وطولها فافهم واللحية الشعر النابت على
الذقن ومثلها العارض وأطلقه ابن سيده على ذلك وشعر الخدين
ونقل النووي عن الإمام الغزالي كراهة الأخذ من العنفقة
وأقره
(م ت ن عن ابن عمر) ابن الخطاب (عد عن أبي هريرة)
(1/198)
269 - (أحفوا الشوارب) بألف القطع رباعي
أشهر وأكثر وهو المبالغة في استقصائه ومنه أحفى في المسألة
إذا أكثر كذا في التنقيح وتحصيل سنية قص الشارب بفعل الرجل
بنفسه وبفعل غيره له لحصول المقصود من غير هتك ولا حرمة
بخلاف الإبط والعانة ذكره النووي لكنه بنفسه أولى كما ذكره
ابن دقيق العبد ويندب الابتداء بقص الجهة اليمنى لأن
المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن لكن يحصل أصل
السنة بالعكس كما قاله العراقي ويستثنى من طلب إزالة
الشارب حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية والميت
على المختار قيل والغازي بدار الحرب لإرهاب العدو والحديث
يتناول السبالين وهما طرفاه لدخولهما في مسماه وفي حديث
أحمد التصريح بهما لكن في الإحياء لا بأس بتركهما (وأعفوا
اللحى) وفروها فلا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير
منها كذا في التنقيح ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة
بقوله (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود)
في زيهم الذي هو عكس ذلك وفي خبر ابن حبان بدل اليهود
المجوس وفي آخر المشركين وفي آخر آل كسرى قال الحافظ
العراقي والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية
واختلف السلف فيما طال منها فقيل لا بأس أن يقبض عليها
ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر ثم جمع من التابعين
واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة والأصح
كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا كما مر
والكلام في غير لحية المرأة والخنثى أما هي فيندب إزالتها
وكذا الشارب والعنفقة لهما قال الحافظ العراقي وفي قص
الشارب أمر ديني وهو مخالفة دين المجوس ودنيوي وهو تحسين
الهيئة والتنظيف مما يعلق به من الدهن وكلما يلصق بالمحل
كعسل وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين [ص:199] أيضا لأنه
يؤدي إلى قبول قول صاحبه وامتثال أمره من ولاة الأمور
ونحوهم
(الطحاوي عن أنس) رمز المؤلف لضعفه ووهم من زعم أنه رمز
لصحته
(1/198)
270 - (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وانتفوا
الشعر الذي في الآناف) بمد الهمزة ونون وألف وفاء جمع أنف
ولفظ رواية البيهقي في الشعب الأنوف بدل الآناف والأمر
للندب ويظهر أن المراد إزالته بنتف أو قص فإن قلت ينافيه
قول الحديث الآتي نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام قلت:
كلا لأن دلالة ذلك إنما هي على أن صحة منبت باطن الأنف لا
يجامعها الجذام فإنه يسقط شعره وحدوثه فيه يدل على عدم
فساد المنبت فما دام فيه فالمنبت صحيح والعلة منتفية وأما
ما هنا فبين به أن إزالة ذلك الشعر مندوبة لأن الأذى
كالمخاط يعلق به
(عد هب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) ظاهر صنيعه يوهم
أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه
البيهقي بقوله قال الإمام أحمد هذا اللفظ الأخير وفي ثبوته
نظر انتهى
(1/199)
271 - (أحق) أفعل تفضيل من حق وجب (ما
صليتم) أي صلاة الجنازة (على أطفالكم) أي من أوجب شيء
صليتموه الصلاة على من مات من أولادكم قبل البلوغ. وفيه أن
الصلاة على الميت واجبة ولو طفلا حتى السقط إن استهل صارخا
ولا يعارضه خبر عائشة رضي الله تعالى عنها مات إبراهيم ابن
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحمد هذا حديث
منكر جدا وقد روي في مراسيل صحاح البيهقي وغيره أنه صلى
الله عليه وسلم صلى عليه قالوا وهذه المراسيل مع خبر
البراء هذا يشد بعضها بعضا وبفرض أن لخبر عائشة أصلا لا
يعمل به لأنه نفي عارضه إثبات فيقدم وبفرض الإغضاء عن ذلك
فلا تعارض لأنه إنما لم يصل عليه استغناء بنبوة أبيه صلى
الله عليه وسلم كالشهداء أو لأنه نبي لو عاش فلا يصلي نبي
على نبي ذكره الزركشي أو المراد أنه لم يصل عليه في جماعة
ولهذا قال النووي الصحيح الذي عليه الجمهور أنه صلى الله
عليه وسلم صلى عليه وكبر أربعا انتهى وأما الجواب بأنه ترك
الصلاة عليه لغيره لاشتغاله بصلاة الكسوف فغير ناهض لأنه
مما تتوفر الدواعي على نقله ولو فعل لنقل
(الطحاوي هق) من حديث عبد السلام ابن جرير عن ليث عن عاصم
(عن) أبي عمارة أو عمرو أو الفضل (البراء) بفتح الموحدة
وخفة الراء وقد يقصر ابن عازب بمهملة وزاي ابن الحارث
الأوسي الحارثي الصحابي ابن الصحابي رمز المؤلف لصحته وهو
زلل فقد تعقبه الذهبي في المهذب فقال ليث لين وعاصم لا
يعرف فالصحة من أين بل والحسن من أين
(1/199)
272 - (أحل) بالبناء لما لم يسم فاعله بضبط
المؤلف والفاعل هو الله (الذهب والحرير) أي الخالص أو
الزائد وزنا (لإناث أمتي) لبسا وتحلية وغير ذلك من وجوه
الاستعمال (وحرم) بالبناء للمفعول أيضا (على ذكورها)
المكلفين غير المعذورين أن يستعملوهما لأن في ذلك خنوثة لا
تليق بشهامة الرجال وألحق بالرجال الخناثى والمراد من
الذهب هنا لبسه أما استعماله في أكل أو شرب فلا فرق في
تحريمه بين الذكر والأنثى والفضة كالذهب
(حم ن) في الزينة (عن أبي موسى) الأشعري وظاهر صنع المؤلف
أن النسائي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه
الترمذي أيضا وقال حسن صحيح وصححه البغوي وغيره
(1/199)
[ص:200] 273 - (أحلت لنا) أي لا لغيرنا من
الأمم (ميتتان) تثنية ميتة وهي ما أدركه الموت من الحيوان
عن زوال القوة وفناء الحرارة ذكره الحراني وعرفها الفقهاء
بأنها ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية (ودمان) تثنية دم
بتخفيف ميمه وشدها أي تناولهما في حالة الاختيار (فأما
الميتتان فالحوت) يعني حيوان البحر الذي يحل أكله ولو لم
يسم سمكا وكان على غير صورته بالكلية ولو طافيا ورفع لابن
الرفعة هنا أنه ساق الحديث وأبدل الحوت بالسمك فاعترضه
الذهبي بأنه لم يرد وإنما الوارد الحوت ومراده بعدم الورود
عدم الثبوت وإلا فقد ورد لفظ السمك في رواية منكرة ذكرها
ابن مردويه في تفسيره (والجراد) من الجرد لأنه يجرد الأرض
ففي الجمهرة لابن دريد سمي جرادا لأنه يجرد الأرض أي يأكل
ما فيها وفي التنزيل {كأنهم جراد منتشر} الآية وذكر نحوه
الزمخشري فتحل ميتته هبه مات باصطياد أم بقطع رأسه أم بحتف
أنفه على ثبوت ضرره من بين جراد البلاد (وأما الدمان
فالكبد) بفتح فكسر أفصح (والطحال) ككتاب قال العراقي وهذا
لا يقتضي اختصاص الحل بالميتتين المذكورتين أو الدمين لأنه
مفهوم لقب وهذا سماه السكي مفهوم العدد وهو غير حجة اتفاقا
وفرق بينه وبين مفهوم المعدود عند القائل بحجيته بأن العدد
يشبه الصفة والمعدود لا يذكر معه أمر زائد فيفهم منه
انتفاء المحكم عما عداه
(هـ) من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن
عمر (ك هق) من رواية ابن أبي أويس عن الثلاثة المذكورة (عن
ابن عمر) بن الخطاب ثم حكى البيهقي عن أحمد وابن المديني
أنهما وثقا عبد الله بن زيد قال لكن الصحيح من هذا الحديث
هو الأول قال الحافظ العراقي يريد به رواية ابن وهب عن
سلمة بن نمير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفا أحلت لنا
إلى آخره قال البيهقي بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وهو في
معنى المسند انتهى ومن ثم قال النووي هو وإن كان الصحيح
وقفه في حكم المرفوع إذ لا يقال من قبل الرأي
(1/200)
274 - (احلفوا) ندبا إذا كان الداعي للحلف
مصلحة (بالله) أي باسم من أسمائه أو صفة من صفاته لأن
الحلف به مما تؤكد به العهود وتشد به المواثيق (وبروا)
بفتح الموحدة (واصدقوا) في حلفكم (فإن الله) أكد بأن ووضع
الظاهر موضع المضمر تفخيما ودفعا لتوهم المنع (يحب أن يحلف
به) أي يرضاه إذا كان غرض الحالف طاعة كفعل جهاد أو وعظ أو
زجر عن إثم أو حث على خير وقد حكى الله تعالى عن يعقوب
عليه الصلاة والسلام أنه طلب من بنيه الحلف حين التمسوا
إرسال أخيهم معهم فهو إذن منه في ذلك ولا يأذن إلا فيما هو
محبوب مطلوب ولا يناقضه {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}
فإن معناه لا تكثروا منها أو يحمل الحديث على ما إذا كانت
في طاعة أو دعت إليها حاجة والآية على خلافه وبذلك علم أنه
لا تدافع قال النووي يستحب الحلف ولو بغير تحليف لمصلحة
كتوكيد مبهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وقد كثرت الأخبار
الصحاح في حلف المصطقى صلى الله عليه وسلم في هذا النوع
لهذا الغرض وخرج بالحلف بالله الحلف بغيره فهو مذموم كما
جاء مصرحا به في أخبار أخر قال في الكشاف وقد استحدث الناس
في هذا الباب في إسلامهم جاهلية تنسب إليها الجاهلية
الأولى وذلك أن الواحد لو أقسم بأسماء الله تعالى كلها
وصفاته على شيء لم يقبل منه حتى يقسم برأس سلطانه وذلك
عندهم جهد اليمين التي ليس وراءه حلف لحالف انتهى وأقول قد
استحدث الناس في هذا الباب الآن في إسلامهم جاهلية وهو أن
الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها لم يقبل منه حتى
يقول وسر الشيخ فلان وذلك عندهم جهد اليمين
(حل) من حديث معروف بن محمد بن زياد عن الفضل بن عياش
الجرجاني عن عفان بن يسار عن مسعر عن وبرة (عن ابن عمر) ثم
قال تفرد به عفان عن مسعر وهو ضعيف قال البخاري [ص:201] لا
يصح حديثه ومعروف قال الذهبي فيه طعن
(1/200)
275 - (احلقوه) بكسر اللام (كله) أي شعر
الرأس أي أزيلوه بحلق أو غيره كقص أو نورة وخص الحلق
لغلبته وسلامته من الأذى وغيره قد يؤذي. قال الحراني:
والحلق إزالة ما يتأتى الزوال فيه بالقطع من الآلة الماضية
في عمله والرأس مجتمع الخلقة ومجتمع كل شيء رأسه (أو
اتركوه) وفي رواية أو ذروه (كله) فإن الحلق لبعض الرأس
وترك بعضه مثله ويسمى القزع فهو مكروه مطلقا تنزيها إلا
لعذر سواء كان لرجل أو امرأة ذكره النووي وسواء كان في
القفا أو الناصية أو الوسيط خلافا لبعضهم وأكده بقوله كله
دفعا لتوهم التجوز بإرادة الأكثر وذلك لما فيه من التشويه
وتقبيح الصورة والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه
بأنه زي أهل الدعارة والفساد وبأنه زي اليهود وفهم من
إطلاقه عموم النهي كما لو ترك منه مواضع متفرقة أو حلق
الأكثر وترك محلا واحدا وهذا من كمال محبة المصطفى صلى
الله عليه وسلم للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع
نفسه فنهاه عن حلق بعض وترك بعض لأنه ظلم للرأس حيث ترك
بعضه كاسيا وبعضه عاريا ونظيره المشي في نعل واحدة وقوله
احلقوه كله يدل على جواز الحلق وهو مذهب الجمهور وذهب بعض
المالكية إلى تخصيصه بحالة الضرورة محتجا بورود النهي عنه
إلا في الحج لكونه من فعل المجوس والصواب الحل بلا كراهة
ولا خلاف الأولى وأما قول أي شامة الأولى تركه لما فيه من
التشويه ومخالفة طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ لم
ينقل عنه أنه كان يحلقه بل إذا قصد به التقرب في غير نسك
أثم لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله ففي حيز المنع
بلا ريب كيف وقد حلق المصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوس
أبناء جعفر بن أبي طالب وفي أبي داود أنه أتى النبي صلى
الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس فقال مه أحسن إلى شعرك أو
احلقه فانظر كيف سوى بين ترجيله وحلقه وخيره بينهما؟ وأعدل
حديث في هذا المقام قول حجة الاسلام لا بأس بحلقه لمريد
التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهن ويترجل يعني من قدر على
دهنه وترجيله فبقاؤه له أولى ومن عسر عليه كضعيف وفقير
منقطع علم من بقائه أنه يتلبد ويجمع الوسخ والقمل فالتنظيف
منه بحلقه أولى والكلام كله في الذكر أما الأنثى فحلقها له
مكروه حيث لا ضرر بل إن كانت مفترشة ولم يأذن الحليل حرم
بل عده في المطامح من الكبائر وشاع على الألسنة أن المرأة
إذا حلقت رأسها بلا إذن زوجها سقط صداقها وذلك صرخة من
الشيطان لم يقل به أحد
(د) في الترجيل (ن) في الزينة (عن) عبد الله (بن عمر) بن
الخطاب قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا حلق بعض
رأسه وترك بعضه فذكره وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في
أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو غريب فقد خرجه مسلم تلو
حديث النهي عن القزع بالسند الذي ذكره وأخرجه به أبو داود
لكنه لم يذكر لفظه بل قال ولذلك فلم يتفطن له المؤلف ومن
ثم عزاه الحميدي كأبي مسعود الدمشقي إلى مسلم وتبعهما
المزي في الأطراف قال في المجموع وحديث أبي داود صحيح على
شرط الشيخين
(1/201)
276 - (احملوا) بكسر الهمزة والميم أيها
الأولياء (النساء على أهوائهن) أي زوجوهن بمن يرتضينه
ويرغبن فيه إذا كان كفأ وكذا إذا كان غير كفء ورضيت المرأة
به فإذا التمست بالغة عاقلة التزويج من كفء لزم الولي
إجابتها فإن امتنع فعاضل فيزوجها السلطان
(عد) من حديث محمد بن الحارث عن ابن السلماني عن أبيه (عن
ابن عمر) بن الخطاب قال في الميزان محمد بن الحارث عن ابن
السلماني أحاديثه منكرة متروك الحديث ثم أورد له أخبار هذا
منها
(1/201)
277 - (أخاف على أمتي) زاد في رواية بعدي
فالإضافة للتشريف (ثلاثا) أي خصالا ثلاثا. قال الزمخشري:
والخوف غم يلحق الإنسان لتوقع مكروه والحزن غم يلحقه لفوت
نافع أو حصول ضار (زلة عالم) أي سقطته يعني عمله بما يخالف
[ص:202] علمه ولو مرة واحدة فإنه عظيم المفسدة لأن الناس
مرتقبون لأفعاله ليقتدوا به ومن تناول شيئا وقال للناس لا
تتناولوه فإنه سم قاتل سخروا منه واتهموه وزاد حرصهم على
ما نهاهم عنه فيقولون لولا أنه أعظم الأشياء وألذها لما
استأثر به وأفرد الزلة لندرة وقوعها منه (وجدال منافق
بالقرآن) أي مناظرته به ومقابلته الحجة بالحجة لطلب
المغالبة بالباطل وربما أول منه شيئا ووجهه بما يؤول إلى
الوقوع في محذور {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما
تشابه منه ابتغاء الفتنة} وربما غلب بزخرفته وتوجيهه
العقائد الزائغة على بعض العقول القاصرة فأضلها (والتكذيب
بالقدر) بالتحريك أي أن الله يقدر على عبده الخير والشر
كما زعمه المعتزلة حيث أسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم
فزعموا أن أفعال العباد خيرها وشرها مسندة إلى قدرة العبد
واختياره وعاكستهم الجبرية فأثبتوا التقدير لله تعالى
ونفوا قدرة العبد بالكلية وكلا الفريقين من التفريط
والإفراط على شفا جرف هار والصراط المستقيم والقصد القويم
مذهب أهل السنة أنه لا جبر ولا تفويض إذ لا يقدر أحد أن
يسقط الأصل الذي هو القدر ولا يبطل الكسب الذي هو السبب
قال الطيبي: وقدم زلة العالم لأنها تسبب في الخصلتين
الأخيرتين فلا يحصلان إلا من زلته ولا منافاة بين قوله هنا
ثلاثا وفيما يأتي ستا وفي الخبر الآتي على الأثر ضلالة
الأهواء إلى آخره لأنا إن قلنا إن مفهوم العدد غير حجة وهو
ما عليه المحققون فلا إشكال وإلا فكذلك لأنه أعلم أولا
بالقليل ثم بالكثير أو لأن ذلك يقع لطائفة وهذا لأخرى
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه معاوية بن يحيى
الصدفي وهو ضعيف
(1/201)
278 - (أخاف على أمتي من بعدي) بين به أن
ذلك لا يقع في حياته فإن وجوده بين أظهرهم أمان لهم من ذلك
(ثلاثا) من الخصال (ضلالة الأهواء) أي إضلال أهوية نفوسهم
لهم وقد يراد بها خصوص البدع والتعصب للمذاهب الباطلة
والضلال ضد الرشاد وفي الصحاح أضله أهلكه والأهواء مفرده
هوى مقصور وهو عرض نفساني ناشئ عن شهوة نفس في غير أمر
الله كذا ذكره بعضهم وأوجز القاضي فقال: رأي يتبع الشهوة.
وقال الراغب: والضلال أن يقصد لاعتقاد الحق أو فعل الجميل
أو قول الصدق فيظن بتقصيره وسوء تصرفه فيما كان باطلا أنه
حق فاعتقده أو فيما هو قبيح أنه جميل وليس بجميل ففعله أو
فيما كان كذبا أنه صدق فقاله والجهل عام في كل ذلك (واتباع
الشهوات) جمع شهوة قال الحراني: وهي نزوع النفس إلى محبوب
لا تتمالك عنه وقال في الكشاف طلب النفس اللذة (في البطون
والفروج) بأن يصير الواحد كالبهيمة قد عكف همه على بطنه
وفرجه لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة أمره
عاجلا ولا آجلا وأنشد بعضهم:
تجنب الشهوات واح. . . ذر أن تكون لها قتيلا
فلرب شهوة ساعة. . . قد أورثت حزنا طويلا
وخصهما لأنهما مرجع جميع الشهوات. قال الراغب: وإنما خاف
على أمته الشهوات لأنها أقدم القوى وجودا في الإنسان
وأشدها به تثبيتا وأكثرها تمكنا فإنها تولد معه وتوجد فيه
وفي الحيوان الذي هو جنسه بل وفي النبات الذي هو جنس جنسه
ثم توجد فيه قوة الحمية ثم آخرا وجد فيه قوة الفكر والنطق
من التمييز ولا يصير الإنسان متميزا عن جملة البهائم
متخلصا من أسر الهوى إلا بأمانة الشهوة البهيمية أو بقهرها
وقمعها إن لم تمكن إماتتها فهي التي تضره وتغره وتصرفه عن
طرق الآخرة ومتى قمعها أو أماتها صار حرا نقيا فتقل حاجاته
ويصير غنيا عما في يد غيره سخيا بما في يده محسنا في
معاملته لكن هنا شيء يجب التنبيه به وهو أن الشهوة إنما
تذم إن أفرطت وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى أما إذا أديت
فهي المبلغة للسعادة حتى لو لم تكن لما أمكن الوصول إلى
الآخرة وذلك لأنه لا وصول إليها إلا بالعبادة ولا سبيل
إليها إلا بالحياة ولا سبيل إليها إلا بحفظ البدن ولا يمكن
إلا بإعادة ما تحلل منه ولا يمكن إلا بتناول الغذاء ولا
يمكن إلا بالقوة الشهوية فالأمر محتاج إليها ومقتضى الحكمة
إيجادها وتزيينها {زين للناس حب الشهوات} لكن هي كعدو تخشى
مضرته من وجه ونفعه من وجه ومع عداوته لا يستغنى عنه فحق
العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه قال: [ص:203]
ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى. . . عدوا له ما من
صداقته بد
(والغفلة بعد المعرفة) أي إهمال الطاعة بعد معرفة وجوبها
أو ندبها هذا في حق العوام أما في حق الخواص فالالتفات إلى
غير الله حتى بمجرد الدعوى أو العجب أو الركون إلى ما ظهر
من مبادئ اللطف وذلك هو المنكر الخفي الذي لا يقدر على
التحرز منه إلا ذو القدم الراسخ. قال الغزالي: وإنما كانت
الغفلة من أعظم المصائب لأن كل نفس من العمر جوهرة نفيسة
لا خلف لها ولا بدل منها لصلاحيتها لأن توصل إلى سعادة
الأبد وتبعد من شقاوة الأبد فإذا ضيعته في الغفلة فقد خسرت
خسرانا مبينا وإن صرفته للمعصية هلكت هلاكا فاحشا. قال
الحراني: والغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به وأراد
بأهل الأهواء البدع كما تقرر وبدأ بها إشارة إلى أنها أخوف
الثلاثة وأضرها إذ هي مع كونها داعية لأصحابها إلى النار
موقعة للعداوة مؤدية إلى التقاطع و'نما حدث التباين والفرق
بسبب ذلك حتى أدى إلى أن بعض تلك الفرق سب الشيخين ولعنهما
وتعصب كل فريق فضلوا وأضلوا وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت
وعليها ما اكتسبت وقيل لما نزل قوله تعالى {ومن يغفر
الذنوب إلا الله} صاح إبليس ودعا بالويل والثبور فجاءته
جنوده وقالوا: ما بال سيدنا قال: نزلت آية لا يضر بعدها
آدميا ذنب فقالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ففرح
بذلك وقال الغزالي: قال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت
لأمة محمد المعاصي فقطعوا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوبا
لا يستغفرون منها وهي الأهواء قال الغزالي رحمه الله تعالى
وصدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر
إلى المعاصي فكيف يستغفرون. وقال الجنيد: لو أقبل عارف على
الله تعالى ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما
ناله وقال الغزالي: قد نظر الحكماء فردوا مصائب العالم
ومحنه إلى خمس المرض في الغربة والفقر في الشيب والموت في
الشباب والعمى بعد البصر والغفلة بعد المعرفة قال وأحسن
منه قول القائل:
لكل شيء إذا فارقته عوض. . . وليس لله إن فارقت من عوض
<تنبيه> قال في المناهج: الغفلة داء عظيم ينشأ عنه مضار
دينية ودنيوية وعرفت في اصطلاح الصوفية بأنها غشاوة وصدأ
يعلو مرآة القلب يمنعه من التيقظ لما يقرب من حضرة الرب
ومداواته أن يعلم أنه غير مغفول عنه ويلحظ قوله تعالى {وما
ربك بغافل عما تعملون} ويعلم أنه يحاسب على الخطرة والهم
أي المقتونة بالتصميم فمن تحقق بهذا وراعى أوقاته وزان
أحواله زالت عنه الغفلة
(الحكيم) أبو جعفر محمد الترمذي (والبغوي) أبو القاسم
(وابن منده) عبد الله (وابن نافع) عبد الباقي (وابن شاهين)
عمر بن أحمد له زهاء ثلاث مئة مؤلف (وأبو نعيم) الحافظ
أحمد المشهور (الخمسة في كتاب الصحابة عن أفلح) بفتح
الهمزة وسكون الفاء وآخره مهملة مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد
رآه ينفخ إذا سجد ترب وجهك ذكره ابن الأثير وغيره وأفلح في
الصحابة متعدد وهذا هو المراد لكن لو ميزه لكان أولى قال
في الأصل وسنده ضعيف
(1/202)
279 - (أخاف على أمتي من بعدي) في رواية
بعدي بإسقاط من (ثلاثا: حيف الأئمة) أي جور الإمام الأعظم
ونوابه قال الراغب: الحيف الميل في الحكم والجنوح إلى أحد
الجانبين (وإيمانا بالنجوم) أي تصديقا باعتقاد أن لها
تأثيرا في العالم ونكره ليفيد الشيوع فيدل على التحذير من
التصديق بأي شيء كان من ذلك جزئيا أو كليا مما كان من أحد
فسمى علم النجوم وهو علم التأثير لا التسيير فإنه غير ضار
(وتكذيبا بالقدر) أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم قال
[ص:204] الغزالي العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق
العباد لأسباب ككونه مضرا بصاحبه أو غيره غالبا كعلم
النجوم فإنه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان حسابي وقد نطق
القرآن العزيز بأن علم تسيير الكواكب محبوب {الشمس والقمر
بحسبان} وأحكامي وحاصله يرجع إلى الاستدلال على الحوادث
بالأسباب وذلك يضاهي استدلال الطبيب بالنبض على ما يحدث من
المرض وهو معرفة مجاري سنة الله تعالى في خلقه لكن ذمه
الشرع لإضراره بأكثر الخلق حسما للباب فإنه إذا ألقى إليهم
أن هذه الآثار تحدث عند قران الكواكب أو تناظرها أو صعودها
أو هبوطها أو غير ذلك وقع في نفوسهم أنها هي المؤثرة وأنها
آلهة لكونها جواهر شريفة سماوية يعظم وقعها في القلوب
فيبقى القلب ملتفتا إليها ويرى الخير والشر منها وينمحي
ذكر الله من قلبه إذ الضعيف يقصر نظره على الوسائط والعالم
الراسخ مطلع على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره وأن
أفعالها وتأثيرها بأقداره وبمشيئته لا بقدرها فلا يتزلزل
ولا يضطرب بحال وإن شاهد منها عجائب الأحوال
(ابن عساكر) في تاريخ الشام (عن أبي محجن الثقفي) عمرو بن
حبيب أو عبد الله كان فارسا جوادا شاعرا بطلا لكنه منهمك
في الشرب لا يصده خوف حد ولا لوم جلده عمر رضي الله تعالى
عنه مرارا سبعا أو ثمانيا ونفاه. قال الحافظ العراقي:
إسناده ضعيف ولم يرمز المؤلف رحمه الله له بشيء ووهم من
زعم أنه رمز لحسنه لكنه أشار بتعدد طرقه إلى تقويته
(1/203)
280 - (أخاف على أمتي بعدي) وفي نسخ من
بعدي ولا وجود لها في نسخة المؤلف التي بخطه (خصلتين)
تثنية خصلة وهي كما في الصحاح بالفتح الخلة وفي الأساس
الخصلة المرة من الخصل وهي الغلبة في الفضائل يقال فضلهم
خصلة وخصالا وأصل الخصل القطع قال ومن المجاز فيه خصلة
حسنة وخصال وخصالات كرام (تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم)
فإنهم إذا صدقوا بتأثيراتها مع قصور نظرهم على الأسباب
القريبة السافلة والانقطاع عن الترقي إلى مسبب الأسباب
هلكوا بلا ارتياب فمعرفة الأسباب من حيث كونها معرفة غير
مذمومة لكنها تجر إلى الإضرار بأكثر الخلق والوسيلة إلى
الشر فلما نظر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ما يتولد
منه من الشر خاف على أمته منه وفيه كمال شفقته عليهم ونظره
بالرحمة إليهم. قال منجم لعلي كرم الله وجهه لما قصد
النهروان: لا تسر في موضع كذا وسر في موضع كذا فقال: ما
كان محمد يعلم ما ادعيت اللهم لا طير إلا طيرك وما كان
لعمر منجم وقد فتح بلاد كسرى وقيصر
(ع عد خط في) كتاب (النجوم عن أنس) بن مالك وهو حسن لغيره
انتهى
(أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء) أي طلب السقيا أي
المطر بها جمع نوء وهو نجم مال للغروب أو سقط في المغرب مع
الفجر وطلع آخر مقابله من المشرق (وحيف السلطان) أي من له
سلاطة وقهر (وتكذيبا بالقدر) وأنشد بعضهم:
إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر. . . فكن على حذر قد ينفع
الحذر
واصبر على القدر المحتوم وارض به. . . وإن أتاك بما لا
تشتهي القدر
فما صفا لامرئ عيش يسر به. . . إلا سيتبع يوما صفوه الكدر
(رواه) الإمام محمد (بن جرير) الطبري المجتهد المطلق (عن
جابر) بن عبد الله وهذا ساقط من كثير من النسخ مع وجوده
بخطه
(1/204)
281 - (أخبرني جبريل أن حسينا) ابن فاطمة
(يقتل بشاطئ الفرات) بضم الفاء أي بجانب نهر الكوفة العظيم
المشهور وهو يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام
ثم بأرض الطف وهي من بلاد كربلاء فلا تدافع بينه وبين خبر
الطبراني بأرض الطف وخبره بكربلاء وهذا من أعلام النبوة
ومعجزاتها وذلك أنه [ص:205] لما مات معاوية أتته كتب أهل
العراق إلى المدينة أنهم بايعوه بعد موته فأرسل إليهم ابن
عمه مسلم بن عقيل فبايعوه وأرسل إليه فتوجه إليهم فخذلوه
وقتلوه بها يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين وكسفت
الشمس عند قتله كسفة أبدت الكواكب نصف النهار كما رواه
البيهقي وسمعت الجن تنوح عليه ورأى ابن عباس النبي صلى
الله عليه وسلم في النوم ذلك اليوم أشعث أغبر بيده قارورة
فيها دم فسأله عنه فقال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل
ألتقطه منذ اليوم وطيف برأسه الشريف في البلدان إلى أن
انتهت إلى عسقلان فدفنها أميرها بها فلما غلب الفرنج على
عسقلان استفداها منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال
جزيل وبنى عليها المشهد بالقاهرة كما أشار إليه القاضي
الفاضل في قصيدة مدح بها الصالح ونقله عنه الحافظ ابن حجر
وأقره لكن نازع فيه بعضهم بأن الحافظ أبا العلاء الهمداني
ذكر أن يزيد بن معاوية أرسلها إلى المدينة فكفنها عامله
بها عمرو بن سعيد بن العاص ودفنها بالبقيع عند قبر أمه قال
وهذا أصح ما قيل وقال الزبير بن بكار حمل الرأس إلى
المدينة فدفن بها وقال القرطبي والزبير أعلم أهل النسب
وأفضل العلماء بهذا السبب والإمامية يقولون الرأس أعيد إلى
الحبشة ودفن بكربلاء بعد أرعين يوما من القتل قال القرطبي
وماذكر من أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فباطل
لم يصح ولا يثبت وأخرج ابن خالويه عن الأعمش عن منهال بن
عمرو الأسدي قال والله أنا رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا
بدمشق وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله
سبحانه وتعالى {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من
أياتنا عجبا} فأنطق الله سبحانه وتعالى الرأس بلسان ذرب
فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي قال ابن عساكر إسناده
مجهول وتفصيل قصة قتله تمزق الأكباد وتذيب الأجساد فلعنة
الله على من قتله أو رضي أو أمر وبعدا له كما بعدت عاد وقد
أفرد قصة قتله خلائق بالتأليف قال أبو الفرج بن الجوزي في
كتابه الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد أجاز
العلماء الورعون لعنه وفي فتاوى حافظ الدين الكردي الحنفي
لعن يزيد يجوز لكن ينبغي أن لا يفعل وكذا الحجاج قال ابن
الكمال وحكى عن الإمام قوام الدين الصفاري ولا بأس بلعن
يزيد ولا يجوز لعن معاوية عامل الفاروق لكنه أخطأ في
اجتهاده فيتجاوز الله تعالى عنه ونكف اللسان عنه تعظيما
لمتبوعه وصاحبه وسئل ابن الجوزي عن يزيد ومعاوية فقال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو
أمن وعلمنا أن أباه دخلها فصار آمنا والابن لم يدخلها ثم
قال المولى ابن الكمال والحق أن لعن يزيد على اشتهار كفره
وتواتر فظاعته وشره على ما عرف بتفاصيله جائز وإلا فلعن
المعين ولو فاسقا لا يجوز بخلاف الجنس وذلك هو محمل قول
العلامة التفتازاني لا أشك في إسلامه بل في إيمانه فلعنة
الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه قيل لابن الجوزي وهو على
كرسي الوعظ كيف يقال يزيد قتل الحسين وهو بدمشق والحسين
بالعراق فقال:
سهم أصاب وراميه بذي سلم. . . من بالعراق لقد أبعدت مرماكا
وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال قتله
بسيف جده وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم
إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك
الحسين سبعين ألفا وسبعين ألفا قال الحاكم صحيح الإسناد
وقال الذهبي وعلى شرط مسلم وقال ابن حجر ورد من طريق واه
عن علي مرفوعا قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب
أهل الدنيا
(ابن سعد) في طبقاته من حديث المدائني عن يحيى بن زكريا عن
رجل عن الشعبي (عن علي) بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم
الله وجهه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم
وعيناه تفيضان قال فذكره وروى نحوه أحمد في المسند فعزوه
إليه كان أولى ولعله لم يستحضره ويحيى بن زكريا أورده في
الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره انتهى لكن المؤلف رحمه
الله رمز لحسنه ولعله لاعتضاده ففي معجم الطبراني عن عائشة
رضي الله تعالى عنها مرفوعا أخبرني جبريل أن ابني الحسين
يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها
مضجعه وفيه عن أم سلمة وزينب بنت جحش وأبي أمامة ومعاذ
وأبي الطفيل وغيرهم ممن يطول ذكرهم نحوه فرمز المؤلف رحمه
الله لحسنه لذلك لكنه لم يصب حيث اقتصر على ابن سعد مع
جموم رواته وتكثر طرقه
(1/204)
[ص:206] 282 - (أخبروني) يا أصحابي (بشجرة
شبه) بكسر فسكون وبفتحتين وفي رواية مثل كذلك وهما بمعنى
كما في الصحاح (الرجل المسلم) هذا هو المشبه به والنخلة
مشبهة وكان القياس تشبيه المسلم بها ليكون وجه الشبه فيها
أظهر لكن قلب التشبيه إيذانا بأن المسلم أتم منها في
الثبات وكثرة النفع على حد قوله:
وكأن النجوم بين دجاها. . . سنن لاح بينهن ابتداع
ثم بين وجه الشبه بقوله (لا يتحات) أي لا يتساقط (ورقها)
وكذا المسلم لا تسقط له دعوة (ولا) ينقطع ثمرها فإنها من
حين يخرج طلعها يؤكل منه إلى أن يصير تمرا يابسا يدخر فكذا
المسلم لا ينقطع خيره حيا ولا ميتا (ولا) يبطل نفعها (ولا)
يعدم فيؤها بل ظلها دائم ينتفع به هكذا كرر النفي ثلاثا
على طريق الاكتفاء ووقع في مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن
الراوي عنه تعلقه بما بعده فاستشكله وقال: لعل لا زائدة
ولعله وتؤتي إلى آخره وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف
اكتفاء كما قدر وقرر ثم ابتدأ كلاما على طريق التفسير لما
قبله (تؤتي أكلها كل حين) بإذن ربها فإنها تؤكل من حين
تطلع إلى أن تيبس ثم ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في
العلف والليف في الحبال والجذع في البناء والخوص في نحو
آنية وزنبيل وغير ذلك وكذا المؤمن ثابت بإيمانه متحل
بإيقانه جميل الخلال والصفات كثير الصلاة والصلات جزيل
الإحسان والصدقات وما يصدر عنه من العلوم والخيور قوت
للأرواح وينتفع بكل صادر عنه حيا وميتا قال ابن عمر راوي
الخبر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها
النخلة وأردت أن أقولها فإذا أنا أصغر القوم فاستحييت ثم
قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: (هي النخلة) وفيه أن
الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة في
السؤال وأن الملغز ينبغي أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا
يجعل للغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أعذب في نفس
سامعه وامتحان العالم أذهان طلبته بما يدق مع بيانه إن لم
يفهموه ولا ينافيه النهي عن الأغلوطات المفسرة بصعاب
المسائل لحمله على ما لا نفع فيه أو ما خرج على طريق تعنت
المسؤول أو تعجيزه والتحريض على الفهم في العلم وبركة
النخلة وما تثمر. ثم إن ما تقرر من وجه الشبه هو الأنسب
مما أورد في هذا المقام قال ابن حجر: ومن زعم أن موقع
التشبيه توافق التشبيه من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها
ماتت أو أنها لا تحمل حتى تلقح أو أنها إذا غرقت ماتت أو
أن لطلعها رائحة كمني الآدمي أو أنها تعشق فكلها أوجه
ضعيفة إذ كل ذلك مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف
منه زعم أنها خلقت من فضلة طينة آدم فإنه حديث لم يثبت
وفيه رمز إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه كونه
نظيره من كل وجه فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجماد ولا
يعادله. قال ابن رشيق كغيره والمشابهة الاتحاد في الكيف
كاتفاق لونين أو حرارتين مثلا والتشبيه وصف الشيء بما
قاربه وشاكله من جهة أو جهات لا من جميع جهاته إذ لو ناسبه
كليا لكان هو إياه
(خ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما
(1/206)
283 - (أخبر) بضم الهمزة والموحدة أمر
بمعنى الخبر (تقله) بفتح فسكون فضم أو كسر من القلى البغض
الشديد قال في الكشاف: كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد انتهى
والهاء للسكت وهذا لفظ رواية أبي يعلى ولفظ رواية ابن عدي
وغيره وجدت الناس أخبر تقله أي وجدت أكثرهم كذلك أي علمتهم
مقولا فيهم هذا القول ما منهم من أحد إلا وهو مسخوط الفعل
عند الخبرة فإذا خبرته أبغضته كذا قرره بعض الأعاظم وظاهر
اقتصاره على جعل الهاء للسكت أنها ليست إلا له لكن ذكر فيه
في الكشف أنها إما للسكت أو ضمير حيث قال قيل مقول في
شأنهم فهو ثاني [ص:207] المفعولين والضمير العائد إلى
الأول محذوف والهاء للسكت أو هو الضمير نظرا إلى لفظ الناس
وقيل وجدت بمعنى عرفت والناس مفعول أخبر مقدما أي عرفت هذه
القصة وتحققتها وجدانا وأيا ما كان فالقصد أن من جرب الناس
عرف خبث سرائر أكثرهم وندرة إنصافهم وفرط استئثارهم وفي
العيان ما يغني عن البرهان وفي هذا اللفظ من البلاغة ما هو
غني عن البيان وقد قيل اللفظ الحسن إحدى النفاثات في العقد
قال الغزالي واحذر خصوصا مخالطة متفقهة هذا الزمان سيما
المشتغلين بالخلاف والجدال فإنهم يتربصون بك لحسدهم ريب
المنون ويقطعون عليك بالظنون ويتغامزون وراءك بالعيون
يحصون عليك عثراتك في عشرتهم وفي عشيرتهم ويجبهونك بها في
عصبتهم ومناظرتهم لا يقيلون لك عثرة ولا يغفرون لك زلة ولا
يسترون لك عورة يحاسبونك على النقير والقطمير ويحسدونك على
القليل والكثير ويحرضون عليك الإخوان بالتهمة والبهتان إن
رضوا فظاهرهم الملق وإن سخطوا فباطنهم الحنق ظاهرهم ثياب
وباطنهم ذئاب هذا ما قضت به المشاهدة في أكثرهم إلا من رحم
الله فصحبتهم خسران ومعاشرتهم خذلان هذا حكم من يظهر لك
الصداقة فكيف بمن يجاهرك بالعداوة؟ إلى هنا كلام حجة
الإسلام الغزالي رحمه الله فإذا كان هذا زمانه فما بالك
بهذا الزمان؟ ومن نظم أبي الحسين الطائي رحمه الله:
نظرت وما كل امرئ ينظر الهدى. . . إذا اشتبهت أعلامه
ومذاهبه
فأيقنت أن الخير والشر فتنة. . . وخيرهما ما كان خيرا
عواقبه
أرى الخير كل الخير أن يهجر الفتى. . . أخاه وأن ينأى عن
الناس جانبه
يعيش بخير كل من عاش واحدا. . . ويخشى عليه الشر ممن
يصاحبه
وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل
يقينه: وثق بالناس رويدا انتهى وممن ساقه هكذا هو في جامعه
الكبير انتهى
(ع طب عد حل عن أبي الدرداء) قال الزركشي: سنده ضعيف وقال
الهيتمي: فيه أبو بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف. وقال ابن
الجوزي: حديث لا يصح. وقال السخاوي رحمه الله: طرقه كلها
ضعيفة لكن شاهده في الصحيحين الناس كإبل مئة لا تجد فيها
راحلة انتهى كلامه إلى هنا
(1/206)
284 - (اختتن) بهمزة وصل مكسورة (إبراهيم)
الخليل أي قطع فلقة ذكر نفسه والختان اسم لفعل الخاتن وقيل
مصدر ويسمى به محل الختن أيضا ومنه خبر إذا التقى الختانان
(وهو ابن ثمانين سنة) وفي رواية وهو اين عشرين ومئة سنة
وجمع جمع بأنه عاش مائتي سنة ثمانين غير مختون وعشرين ومئة
مختون ورده ابن القيم بأنه قال: اختتن وهو ابن مئة وعشرين
سنة ولم يقل اختتن لمئة وعشرين قال: وأما خبر اختتن وهو
ابن عشرين ومئة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة فحديث معلول لا
يعارض ما في الصحيحين ولا يصح تأويله بما ذكره القائل لأنه
قال: ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وبأن الذي يحتمله على بعد
قوله اختتن لمئة وعشرين أن يكون المراد بقيت من عمره لا
مضت والمعروف من مثل هذا الاستعمال إنما هو إذا كان الباقي
أقل من الماضي فإن المشهور من استعمال العرب في خلت ومضت
أنه من أول الشهر إلى نصفه يقال خلت وخلون ومن نصفه إلى
آخره يقال بقيت وبقين فقوله لمئة وعشرين بقيت من عمره
كقوله لثنتين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهو لا يسوغ انتهى
وجمع ابن حجر بأن المراد بقوله وهو ابن ثمانين أي من وقت
فراق قومه وهاجر من العراق إلى الشام وهو ابن مئة وعشرين
أي من مولده وأن بعض الرواة رأى مئة وعشرين فظنها إلا
عشرين أو عكسه (بالقدوم) بفتح القاف والتخفيف آلة النجار
يعني الفأس كما في رواية ابن عساكر وروي بالتشديد أيضا عن
الأصيلي وغيره وأنكره بعضهم وقيل ليس المراد الآلة بل
المكان الذي وقع فيه وهو بالوجهين أيضا قرية بالشام أو جبل
بالحجاز بقرب المدينة أو قرية بكلب أو موضع بعمان أو ثنية
في جبل ببلاد سدوس أو حصن باليمن والأكثر على أنه بالتخفيف
وإرادة الآلة ورجحه البيهقي والقرطبي وقال الزركشي وابن
[ص:208] حجر أنه الأصح بدليل رواية أبي يعلى أنه عجل قبل
أن يعلم الآلة فاشتد عليه انتهى وذكر ابن القيم وأبو نعيم
والديلمي ونحوه وقال: قد يتفق الأمران فيكون أختتن بالآلة
وفي الموضع قال: وممن اختتن أيضا المسيح قال القرطبي: وأول
من اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم لم يزل ذلك سنة
عامة معمولا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين لدينه
وهذا حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني
إسرائيل يختتنون حتى عيسى عليه الصلاة والسلام غير أن
طوائف من النصارى تأولوا ما في التوراة بأن المقصود زوال
قلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب
من الهذيان وليس هو أول جهالتهم فكم لهم منها وكم وكم
ويكفيك أنهم زادوا على أنبيائهم في الفهم وغلطوا فيما
عملوا عليه وقضوا به من الحكم
(حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
(1/207)
285 - (اختضبوا) بكسر الهمزة أي غيروا
ألوان شعوركم ندبا (بالحناء) بكسر الحاء المهملة وشد النون
والمد (فإنه طيب الريح) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث
(يسكن الروع) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع
وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والخضاب يستره يرده أن الأمر
بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى
الحديث فإن قلت: إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس
بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل
أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع قلت: أما نفرة الطبع
السليم من ريحه فضلا عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك
أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب
الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه
وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء
الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء
النافع فتدبره فإنه نافع ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله
تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل
تذكيره قال: فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما
يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط
(ع والحاكم في الكنى عن أنس) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة
عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان
(1/208)
286 - (اختضبوا بالحناء) ندبا (فإنه يزيد
في شبابكم وجمالكم) أي يزيد في الصورة قبولا للناظر وإلا
فالخضاب ليس في الوجه (ونكاحكم) لأنه يشد الأعضاء والأعصاب
وفيه قبض وترطيب ولونه ناري محبوب مهيج مقو للمحبة وفي
ريحه عطرية مع قبض [فإن قلت] كيف يزيد في الشباب مع أن سنه
محدود محسوب [قلت] المراد زيادته في هيئة الشبيبة بأن يصير
الكهل مثلا كهيئة الشاب إذا داوم عليه لما يكسوه من
النضارة والإشراق والقوة وخضب المرأة يديها ورجليها مندوب
ومما ورد في الترغيب في الخضاب ما رواه الخطيب في ترجمة
محمد الفهري من حديث عمار بن سبط يرفعه اختضبوا فإن الله
وملائكته وأنبياءه ورسله وكلما ذر أو برأ حتى الحيتان في
بحارها والطير في أوكارها يصلون على صاحب الخضاب حتى يتصل
خضابه
(البزار) أحمد بن عمر بن عبد الخالق صاحب المسند من رواية
ثمامة عن أنس بن مالك قال العراقي في شرح الترمذي وإسناده
ضعيف (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وفيه عبد الرحمن
بن الحارث الغنوي قال في الميزان: لا يعتمد عليه وفي
اللسان فيه بعض تساهل وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف
متروك (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة
(عن) درهم بن زباد بن درهم عن أبيه عن جده (درهم) ودرهم
وأبوه لم يدخلا التهذيب ولا رجال المسند ولا ثقات ابن حبان
وجده درهم ذكره الذهبي في تجريده وذكر له هذا الحديث
وتقدمه ابن خزيمة في الصحابة
(1/208)
[ص:209] 287 - (اختضبوا وافرقوا) بهمزة وصل
وبضم الراء وقاف أي اجعلوا شعر رؤوسكم فرقتين عن يمين
ويسار (وخالفوا اليهود) فإنهم لا يخضبون أي غالبا ولا
يفرقون بل يسدلون بضم الدال ففي الخضاب مخالفة أهل الكتاب
وتنظيف الشعر وتقويته وتليينه وتحسينه وشد الأعضاء وجلاء
البصر وتطييب الريح وزيادة الجمال واتباع السنة وغير ذلك.
وقوله وخالفوا اليهود يحتمل أن المراد خالفوهم في جميع
أحوالهم التي منها عدم الفرق فيشمل الامتناع من مساكنة
الحائض والسبت وغير ذلك وبه جزم القرطبي فقال: كان يحب
موافقة أهل الكتاب في أول الأمر حين قدومه المدينة
ليتألفهم ليدخلوا في الدين فلما غلبت عليهم الشقوة ولم
ينجع معهم أمر بمخالفتهم في أمور كثيرة حتى قالوا ما يريد
الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فاستقر آخرا
على مخالفتهم في كل ما لم يؤمر فيه بحكم. واعلم أن
المشركين كانوا يفرقون رؤوسهم أي يجعلون شعرها نصفين نصفا
من جانب اليمين على الصدر ونصفا من جانب اليسار عليه وكان
أهل الكتاب يسدلون أي يرسلون شعر رؤوسهم حول الصدر وكان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم
يؤمر فيه بشيء لتمسكهم ببقايا من شرائع الرسل فلما فتحت
مكة واستقر الأمر خالفهم ففرق وأمر بالفرق فدل على أنه
أفضل لرجوعه إليه آخرا فعلا وأمرا لكنه غير واجب بدليل أن
بعض الصحب سدل بعد فلو كان الفرق واجبا لم يسدلوا وزعم نسخ
السدل يحتاج لبيان الناسخ وتأخيره عن المنسوخ على أن رجوعه
إلى الفرق يحتمل كونه باجتهاده لكونه أنظف وأبعد على
الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحارث بن عمران الجعفري
قال في الميزان قال ابن حبان وضاع على الثقات وقال مخرجه
ابن عدي الضعف على رواته بين
(1/209)
288 - (اختلاف) افتعال من الخلف وهو ما يقع
من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور ذكره الحراني
(أمتي) أي مجتهدي أمتي في الفروع التي يسوغ الاجتهاد فيها
فالكلام في الاجتهاد في الأحكام كما في تفسير القاضي قال:
فالنهي مخصوص بالتفرق في الأصول لا الفروع انتهى. قال
السبكي: ولا شك أن الاختلاف في الأصول ضلال وسبب كل فساد
كما أشار إليه القرآن وأما ما ذهب إليه جمع من أن المراد
الاختلاف في الحرف والصنائع فرده السبكي بأنه كان المناسب
على هذا أن يقال اختلاف الناس رحمة إذ لا خصوص للأمة بذلك
فإن كل الأمم مختلفون في الحرف والصنائع فلا بد من خصوصية
قال: وما ذكره إمام الحرمين في النهاية كالحليمي من أن
المراد اختلافهم في المناصب والدرجات والمراتب فلا ينساق
الذهن من لفظ الاختلاف إليه (رحمة) للناس كذا هو ثابت في
رواية من عزى المصنف الحديث إليه فسقطت اللفظة منه سهوا أي
اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث
النبي صلى الله عليه وسلم بكلها تضيق بهم الأمور من إضافة
الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم ولم
يكلفوا ما لا طاقة لهم به توسعة في شريعتهم السمحة السهلة
فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه
الأمة فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله
وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له وقد وعد بوقوع ذلك
فوقع وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم أما الاجتهاد في
العقائد فضلال ووبال كما تقرر والحق ما عليه أهل السنة
والجماعة فقط فالحديث إنما هو في الاختلاف في الأحكام
ورحمة نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي عموما فيكفي في صحته
أن يحصل في الاختلاف رحمة ما في وقت ما في حال ما على وجه
ما. وأخرج البيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد أو عمر بن
عبد العزيز لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم
يختلفوا لم تكن رخصة ويدل لذلك ما رواه البيهقي من حديث
ابن عباس مرفوعا أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيهم
اقتديتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة قال السمهودي:
واختلاف الصحابة في فتيا اختلاف الأمة وما روي من أن مالكا
لما أراده الرشيد على الذهاب معه إلى العراق وأن يحمل
الناس [ص:210] على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن.
فقال مالك: أما حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه لأن
الصحابة رضي الله تعالى عنهم افترقوا بعد موته صلى الله
عليه وسلم في الأمصار فحدثوا فعند أهل كل مصر علم وقد قال
صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة كالصريح في أن المراد
الاختلاف في الأحكام كما نقله ابن الصلاح عن مالك من أنه
قال في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطئ
ومصيب فعليك الاجتهاد قال وليس كما قال ناس فيه توسعة على
الأمة بالاجتهاد إنما هو بالنسبة إلى المجتهد لقوله فعليك
بالاجتهاد فالمجتهد مكلف بما أداه إليه اجتهاده فلا توسعة
عليه في اختلافهم وإنما التوسعة على المقلد فقول الحديث
اختلاف أمتي رحمة للناس أي لمقلديهم ومساق قول مالك مخطئ
ومصيب إلخ إنما هو الرد على من قال من كان أهلا للاجتهاد
له تقليد الصحابة دون غيرهم وفي العقائد لابن قدامة
الحنبلي أن اختلاف الأئمة رحمة واتفاقهم حجة انتهى
[فإن قلت] هذا كله لا يجامع نهى الله تعالى عن الاختلاف
بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقوله
تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم
البينات} الآية [قلت] هذه دسيسة ظهرت من بعض من في قلبه
مرض وقد قام بأعباء الرد عليه جمع جم منهم ابن العربي
وغيره بما منه أنه سبحانه وتعالى إنما ذم كثرة الاختلاف
على الرسل كفاحا كما دل عليه خبر إنما أهلك الذين من قبلكم
كثرة اختلافهم على أنبيائهم وأما هذه الأمة فمعاذ الله
تعالى أن يدخل فيها أحد من العلماء المختلفين لأنه أوعد
الذين اختلفوا بعذاب عظيم والمعترض موافق على أن اختلاف
هذه الأمة في الفروع مغفور لمن أخطأ منهم فتعين أن الآية
فيمن اختلف على الأنبياء فلا تعارض بينها وبين الحديث وفيه
رد على المتعصبين لبعض الأئمة على بعض وقد عمت به البلوى
وعظم به الخطب قال الذهبي: وبين الأئمة اختلاف كبير في
الفروع وبعض الأصول وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات
منكرة وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ونجزم بأن غرضهم
ليس إلا اتباع الكتاب والسنة وكلما خالفوا فيه لقياس أو
تأويل قال وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أو رد حديثا أو حرف
معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي كرم الله وجهه لمن
فال له أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل يا هذا إنه
ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله
وما زال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول
مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله وأنه ليس كمثله
شيء وأن ما شرعه رسوله حق وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد
وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة
العالم الاذكى العلم لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف فإن
داخلها زهو من الأكمل وانكسار من الأصغر فذاك دأب النفوس
الزكية في بعض الأحيان غفلة عن الله فما الظن بالنفوس
الشريرة المنطفية انتهى
ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين
والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة
على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه
والصحيح وفاقا للجمهور أن المصيب في الفروع واحد ولله
تعالى فيما حكم عليه أمارة وأن المجتهد كلف بإصابته وأن
مخطئه لا يأثم بل يؤجر فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فأجر
نعم إن قصر المجتهد أثم اتفاقا وعلى غير المجتهد أن يقلد
مذهبا معينا وقضية جعل الحديث الاختلاف رحمة جواز الانتقال
من مذهب لآخر والصحيح عند الشافعية جوازه لكن لا يجوز
تقليد الصحابة وكذا التابعين كما قاله إمام الحرمين من كل
من لم يدون مذهبه فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء
والافتاء لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتى ظهر تقييد
مطلقها وتخصيص عامها بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم وقد نقل
الإمام الرازي رحمه الله تعالى إجماع المحققين على منع
العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم انتهى
نعم يجوز لغير عامي من الفقهاء المقلدين تقليد غير الأربعة
في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه
عنده لكن بشرط أن لا يتتبع الرخصة بأن يأخذ من كل مذهب
الأهون بحيث تنحل ربقة التكليف من عتقه وإلا لم يجز خلافا
لابن عبد السلام حيث أطلق جواز تتبعها وقد يحمل كلامه على
ما إذا تتبعها على وجه لا يصل [ص:211] إلى الانحلال
المذكور وقول ابن الحاجب كالآمدي من عمل في مسألة بقول
إمام ليس له العمل فيها بقول غيره اتفاقا إن أراد به اتفاق
الأصوليين فلا يقضي على اتفاق الفقهاء والكلام فيه وإلا
فهو مردود ومفروض فيما لو بقي من آثار العمل الأول ما
يستلزم تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد
الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة
الكلب في صلاة واحدة فعلم أنه إنما يمتنع تقليد الغير في
تلك الواقعة نفسها لا مثلها كأن أفتى ببيونة زوجته بنحو
تعليق فنكح أختها ثم أفتى بأن لا بينونة ليس له الرجوع
للأولى بغير إبانتها وكان أخذ بشفعة جوار تقييدا للحنفي ثم
استحقت عليه فيمتنع تقليده الشافعي في تركها لأن كلا من
الإمامين لا يقول به فلو اشترى بعده عقارا وقلد الإمام
الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار لم يمنعه ما تقدم من
تقليده في ذلك فله الامتناع في تسليم العقار الثاني وإن
قال الآمدي وابن الحاجب ومن على قدمها كالمحلى بالمنع في
هذا وعمومه في جميع صور ما وقع العمل به أولا فهو ممنوع
وزعم الاتفاق عليه باطل وحكى الزركشي أن القاضي أبا الطيب
أقيمت صلاة الجمعة فهم بالتكبير فذرق عليه طير فقال أنا
حنبلي فأحرم ولم يمنعه عمله بمذهبه من تقليد المخالف عند
الحاجة وممن جرى على ذلك السبكي فقال: المنتقل من مذهب
لآخر له أحوال: الأول أن يعتقد رحجان مذهب الغير فيجوز
عمله به اتباعا للراحج في ظنه الثاني أن يعتقد رجحان شيء
فيجوز الثالث أن يقصد بتقليده الرخصة فيما يحتاجه لحاجة
لحقته أو ضرورة أرهقته فيجوز الرابع أن يقصد مجرد الترخص
فيمتنع لأنه متبع لهواه لا للدين الخامس أن يكثر ذلك ويجعل
اتباع الرخص ديدنه فيمتنع لما ذكر ولزيادة فحشه السادس أن
يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع فيمتنع السابع
أن يعمل بتقليد الأول كحنفي يدعي شفعة جوار فيأخذها بمذهب
الحنفي فتستحق عليه فيريد تقليد الإمام الشافعي فيمتنع
لخطئه في الأولى أو الثانية وهو شخص واحد مكلف
قال: وكلام الآمدي وابن حجاب منزل عليه وسئل البلقيني عن
التقليد في المسألة السريحية فقال: أنا لا أفتي بصحة الدور
لكن إذا قلد من قال بعدم وقوع الطلاق كفى ولا يؤاخذه الله
سبحانه وتعالى لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها أي مع
التقليد وهو ذهاب منه إلى جواز تقليد المرجوح وتتبعه قال
بعضهم: ومحل ما مر من منع تتبع الرخص إذا لم يقصد به مصلحة
دينية وإلا فلا منع كبيع مال الغائب فإن السبكي أفتى بأن
الأولى تقليد الشافعي فيه لاحتياج الناس غالبا في نحو
مأكول ومشروب إليه والأمر إذا ضاق اتسع وعدم تكرير الفدية
بتكرر المحرم اللبس فالأولى تقليد الشافعي لمالك فيه كما
أفتى به الأبشيطي وذهب الحنفية إلى منع الانتقال مطلقا قال
في فتح القدير: المنتقل من مذهب لمذهب باجتهاد وبرهان آثم
عليه التعزير وبدونهما أولى ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق
في حكم مسألة خاصة قلد فيها وعمل بها وإلا فقوله قلدت أبا
حنيفة فيما أفتى به من المسائل أو التزمت العمل به على
الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل وعد به أو
تعليق له كأنه التزم العمل بقوله فيما يقع له فإذا أراد
بهذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد بإلزامه
نفسه بذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول
المجتهد فيما يحتاجه بقوله تعالى {فاسئلوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون} والمسؤول عنه إنما يتحقق عند وقوع الحادثة
قال والغالب أن مثل هذه الالتزامات لكف الناس عن تتبع
الرخص إلا أن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه
ولا يدري ما يمنع هذا من النقل والعقل انتهى وذهب بعض
المالكية إلى جواز الانتقال بشروط ففي التنقيح للقرافي عن
الزناتي التقليد يجوز بثلاثة شروط: أن لا يجمع بينهما على
وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بلا صداق ولا ولي ولا شهود
فإنه لم يقل به أحد وأن يعتقد في مقلده الفضل وأن لا يتتبع
الرخص والمذاهب وعن غيره يجوز فيا لا ينقض فيه قضاء القاضي
وهو ما خالف الإجماع أو القواعد الكلية أو القياس الجلي
ونقل عن الحنابلة ما يدل للجواز وقد انتقل جماعة من
المذاهب الأربعة من مذهبه لغيره منهم عبد العزيز بن عمران
كان مالكيا فلما قدم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مصر
تفقه عليه وأبو ثور من مذهب الحنفي إلى مذهب الشافعي وابن
عبد الحكم من مذهب مالك إلى الشافعي ثم عاد وأبو جعفر بن
نصر من الحنبلي إلى الشافعي والطحاوي من الشافعي إلى
الحنفي والإمام السمعاني من الحنفي إلى الشافعي والخطيب
البغدادي والآمدي وابن برهان من الحنبلي إلى الشافعي وابن
فارس صاحب المجمل من الشافعي [ص:212] للمالكي وابن الدهان
من الحنبلي للحنفي ثم تحول شافعيا وابن دقيق العيد من
المالكي للشافعي وأبو حيان من الظاهري للشافعي ذكره
الأسنوي وغيره. وإنما أطلنا وخرجنا عن جادة الكتاب لشدة
الحاجة لذلك وقد ذكر جمع أنه من المهمات التي يتعين
إتقانها <تنبيه> قال بعض علماء الروم: المهدي يرفع الخلاف
ويجعل الأحكام مختلفة في مسألة واحدة حكما واحدا هو ما في
علم الله وتصير المذاهب مذهبا واحدا لشهوده الأمر على ما
هو عليه في علم الله لارتفاع الحجاب عن عين جسمه وقلبه كما
كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فإن أراد
بالمهدي عيسى عليه الصلاة والسلام فظاهر أو الخليفة
الفاطمي الذي يأتي آخر الزمان وقد ملئت الأرض ظلما وجورا
فممنوع والله سبحانه وتعالى أعلم
(نصر المقدسي في الحجة) أي في كتاب الحجة له كذا عزاه له
الزركشي في الأحاديث المشتهرة ولم يذكر سنده ولا صحابيه
وتبعه المؤلف عليه (والبيهقي في الرسالة الأشعرية) معلقا
(بغير سند) لكنه لم يجزم به كما فعل المؤلف بل قال روى
(وأورده الحليمي) الحسين بن الحسن الإمام أبو عبد الله أحد
أئمة الدهر وشيخ الشافعية بما وراء النهر في كتاب الشهادات
من تعليقه (والقاضي حسين) أحد أركان مذهب الشافعي ورفعائه
(وإمام الحرمين) الأسد بن الأسد والسبكي وولده التاج
(وغيرهم) قال السبكي وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له
على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع (ولعله خرج في بعض كتب
الحفاظ التي لم تصل إلينا) وأسنده في المدخل وكذا الديلمي
في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ
اختلاف أصحابي رحمة واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة
كما مر لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وقال
ولده المحقق أبو زرعة رواه أيضا آدم بن أبي إياس في كتاب
العلم بلفظ اختلاف أصحابي لأمتي رحمة وهو مرسل ضعيف وفي
طبقات ابن سعد عن القاسم بن محمد نحوه
(1/209)
289 - (أخذ الأمير) يعني الإمام ونوابه
(الهدية) وهي لغة ما أتحف به وعرفا تمليك ما يبعث غالبا
بلا عوض كما مر (سحت) بضم فسكون وبضمتين أي حرام يسحت
البركة أي يذهبها قال الزمخشري: اشتقاقه من السحت وهو
الإهلاك والاستئصال ومنه السحت لما لا يحل كسبه لأنه يسحت
البركة وفي خبر أن عمر أهدى إليه رجل فخذ جزور ثم جاءه
يتحاكم مع آخر فقال يا أمير المؤمنين اقض لي قضاء فصلا كما
فصل الفخذ من البعي. فقال عمر: الله أكبر اكتبوا إلى جميع
الآفاق هدايا العمال سحت (وقبول القاضي الرشوة) بتثليث
الراء ما يعطاه ليحق باطلا أو يبطل حقا من رشا الفرخ إذا
مد عنقه لأمه لتزقه (كفر) إن استحل وإلا فهو زجر وتهويل
على حد خبر: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد
كفر وبالجملة فإعطاء الرشوة وأخذها من الكبائر وإنما كان
القاضي أفظع حالا من الأمير لأن الأمير أخذ لا لشيء يصنعه
بل للميل ونحوه والقاضي أخذ لتغيير حكم الله قال النووي:
ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن له قبول الهدية
بخلاف غيره من الحكام فإن قلت: ما سر تعبيره في الأمير
بالأخذ وفي القاضي بالقبول وهلا عكس أو عبر فيهما بالأخذ
أو القبول معا؟ قلت: لعل حكمته الإشارة إلى لحوق الوعيد
للقاضي بمجرد القبول بلفظ أو إشارة أو كتابة أو أخذ عياله
لها فغلظ فيه أكثر من الأمير
(حم في) كتاب (الزهد الكبير عن علي) أمير المؤمنين رمز
المولف لحسنه
(1/212)
290 - (أخذنا فألك) بالهمز وتركه أي كلامك
الحسن أيها المتكلم (من فيك) وإن لم تقصد خطابنا قال
الزمخشري: الفأل أن تسمع الكلمة الطيبة فتتيمن بها وتقول
دون الغيب أقفال لا يفتحها الزجر والفأل وفي القاموس ضد
الطيرة كأن يسمع مريض يا سالم أو طالب ضالة يا واجد
ويستعمل في الخير والشر وهذا قاله لما خرج في عسكر فسمع
قائلا يقول يا حسن أو لما خرج لغزو خيبر فسمع عليا يقول يا
خضرة فقال أخذنا فألك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة فما سل
فيها سيف ولا مانع من التعدد
(د عن أبي هريرة) الدوسي (ابن السني وأبو نعيم معا في)
كتاب (الطب) [ص:213] النبوي (عن كثير) بمثلثة ضد القليل
(ابن عبد الله عن أبيه عن جده) عمرو بن عوف قال خرج
المصطفى صلى الله عليه وسلم لغزاة فسمع عليا يقول يا خضرة
فذكره ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عنه أيضا قال
الهيتمي: وكثير ضعيف جدا وبقية رجاله ثقات وفي التقريب
كأصله وأبوه مقبول (فر) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن ابن
عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال سمع النبي صلى
الله عليه وسلم كلمة فأعجبته فقاله ورواه العسكري في
الأمثال والخلعي في فوائده عن سمرة رمز المؤلف لحسنه ولعله
لاعتضاده وإلا فقد سمع القول في كثير على أن فيه أيضا من
لا يخلو عن مقال
(1/212)
291 - (أخر) بالبناء للمفعول (الكلام في
القدر) محركا أي في نفيه (أي في نفي كون الأشياء كلها
بتقدير الله سبحانه وتعالى) (لشرار أمتي) وفي رواية لشرار
هذه الأمة وأول من تكلم فيه معبد الجهني وأبو الأسود
الدؤلي أو سيبويه أو رجل آخر عند احتراق الكعبة فقال قائل
هذا من قضاء الله تعالى فقال آخر ما هو من قضائه (في آخر
الزمان) أي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فزمنهم هو
الزمان لكونه خير الأزمان وهذه من معجزاته صلى الله عليه
وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع قال الطيبي: مذهب الجبرية
إثبات القدرة لله سبحانه وتعالى ونفيها عن العبد أصلا
ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما في الإفراط والتفريط على
شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد انتهى والزمان مدة
قابلة للقسمة تطلق على قليل الوقت وكثيره
(طس ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط
البخاري وتعقبه الذهبي بأن فيه عنبسة بن مهران ثقة لكن لم
يرويا له وأورده في الميزان في ترجمة عنبسة وقال قال أبو
حاتم منكر الحديث
(1/213)
292 - (أخروا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة
(الأحمال) إلى وسط ظهر الدابة ولا تبالغوا في التأخير بل
اجعلوها متوسطة بحيث يسهل حملها على الدابة لئلا تتأذى
بالحمل (فإن الأيدي) أي أيدي الدواب المحمول عليها (مغلقة)
بضم الميم وسكون المعجمة أي مثقلة بالحمل كأنها ممنوعة من
إحسان السير لما عليها من الثقل كأنه شبه بالباب إذا أغلق
فإنه يمنع من الدخول والخروج أو من قولهم استغلق عليه
الكلام إذا ارتج عليه (والأرجل موثقة) بضم فسكون أي كأنها
مشدودة بوثاق من أوثقه شده بوثاق والوثاق ما يشد به من نحو
قيد وحبل فينبغي جعل الحمل في وسط ظهر الدابة فإنه إن قدم
عليها أضر بيديها وإن أخر أضر برجليها وإنما أمر بالتأخير
فقط لأنه رأى بعيرا قد قدم عليه حمله فأمر بالتأخير وأشار
إلى مقابله بقوله والأرجل موثقة لئلا يبالغ في التأخير
فيضر وفيه الرفق بالدابة وحفظ المال وتعليم الإخوان ما فيه
الخير لهم ولدوابهم وتدبر العواقب والنظر لخلق الله سبحانه
وتعالى بالشفقة ويحرم إدامة تحميل الدابة ما لا تطيقه
دائما وضربها عبثا
(د في مراسيله عن) محمد بن مسلمة بن عبيد الله بن عبد الله
بن شهاب القرشي (الزهري) بضم الزاي المدني أحد الأعلام
وعالم الحرمين والشام تابعي جليل سمع من أكثر من عشرين
صحابيا قيل لمكحول: من أعلم من رأيت قال: ابن شهاب قيل: ثم
من قال: ابن شهاب قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب مرسلا (ووصله
البزار) في مسنده (ع طب عنه) أي الزهري (عن سعيد بن
المسيب) بفتح الياء أشهر من كسرها المخزومي أحد الأعلام
والفقهاء الكمل روى عن عمر وعثمان وسعد وعنه الزهري وخلق
(عن أبي هريرة نحوه) رمز المؤلف لحسنه ولعله بالنظر إلى
تعدد طرقه وإلا ففيه قيس بن الربيع الأزدي ضعفه كثيرون
ورواه الترمذي في العلل مرسلا بلفظ إذا حملتم فأخروا فإن
الرجل موثقة واليد مغلقة وقال: سألت محمدا يعني البخاري
عنه فلم يعرفه وقال فيه قيس بن الربيع لا أكتب حديثه ولا
أروي عنه
(1/213)
[ص:214] 293 - (أخرجوا) بفتح فسكون فكسر
إرشادا من الإخراج. قال الحراني: وهو إظهار من حجاب
(منديل) بكسر أوله ويفتح (الغمر) أي الخرقة المعدة لمسح
أيديكم من وضر اللحم والدسم. قال ابن الأنباري: والمنديل
مذكر ولا يجوز تأنيثه لعدم العلامة في التصغير والجمع فلا
يوصف بمؤنث فلا يقال منديل حسنة والغمر بفتح الغين المعجمة
والميم زهومة اللحم وما تعلق باليد منه (من بيوتكم) يعني
من الأماكن التي تبيتون فيها (فإنه مبيت) بفتح فكسر مصدر
بات أي حيث يبيت ليلا (الخبيث) الشيطان والمراد الجنس
(ومجلسه) لأنه يحب الدنس ويأوي إليه وقد يغفل المرء عن
المأثور الذي يطرده فأمر بإبعاده بكل ممكن والخبيث في
الأصل ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أو معقولا ذكره
الراغب
(فر عن جابر) بن عبد الله وفيه عمير بن مرداس قال في
اللسان يغرب وسعيد بن خيثم أورده الذهبي في الضعفاء وقال
الأزدي منكر الحديث وقال ابن عدي ما يرويه غير محفوظ وحرام
بن عثمان قال ابن حبان غال في التشيع يقلب الأسانيد وقال
ابن حجر متروك
(1/214)
294 - (أخسر الناس صفقة) أي من أشد
المؤمنين خسرانا للثواب وأعظمهم حسرة يوم المآب والخسران
انتقاص رأس المال ثم استعمل في المقتنيات الخارجة كالمال
والجاه وأكثر استعماله في النفيس منها كصحة وسلامة وعقل
وإيمان وثواب وهو المراد هنا ذكره الراغب. قال الزمخشري:
ومن المجاز خسرت تجارته وربحت ومن لم يطع الله فهو خاسر
قال الزمخشري: والصفقة في الأصل ضرب اليد على اليد في
البيع والبيعة ومن المجاز له وجه صفيق (رجل) وصف طردي
والمراد مكلف (أخلق) من قولهم حجر أخلق أي أملس لا شيء
عليه والأخلق الفقير وأخلق الثوب لبسه حتى بلي والمراد هنا
أتعب (يديه) وأفقرهما بالكد والجهد وعبر بهما لأن المزاولة
بهما غالبا (في) لو (آماله) جمع أمل وهو الرجاء وأكثر
استعماله في مستبعد الحصول (ولم تساعده) أي لم تعاونه
(الأيام) أي الأوقات (على) بلوغ (أمنيته) أي حصول مطلوبه
من المال والمناصب والجاه ونحوها بل عاكسته وغذته فهو لا
يزال يتشبث بالطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويتمنى على الله
ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته قال بعض العارفين:
أماني النفس حديثها بما ليس عندها ولها حلاوة إذا استصحبها
عبد لا يفلح أبدا وأهل الدنيا فريقان فريق يتمنون ما
يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثير منهم يتمنون ذلك
البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة
فصاروا أخسر الناس صفقة وأما المؤمن المتقي فقد حاز مراده
وهو غني القلب المؤدي لغنى الآخرة فما يبالي أوتي حظا من
الدنيا أو لا فإن أوتي منها وإلا فربما كان الفقر خيرا له
وأعون على مراده فهو أربح الناس صفقة واشتقاق الأمنية من
مني إذا قدر لأن التمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه
(فخرج من الدنيا) بالموت (بغير زاد) يوصله إلى المعاد
وينفعه يوم يقوم الأشهاد ويفصل بين العباد لأن خير الزاد
إلى الآخرة إتقاء القبائح وهذا قد تلطخ بأقذارها القبيحة
الخبيثة الروائح فهو مهلك لنفسه باسترساله مع الأمل وهجره
للعمل حتى تتابعت على قلبه ظلمات الغفلة وغلب عليه زين
القسوة ولم يسعفه المقدور بنيل مرامه من ذلك الحطام الفاني
فلم يزل مغمورا مقهورا مغموما إلى أن فرق ملك الموت بينه
وبين آماله وكل جارحة منه متعلقة بالدنيا التي فاتته فهي
تجاذبه إلى الدنيا ومخاليب ملك الموت قد علقت بعروق قلبه
تجذبه إلى الآخرة التي لا يريدها (وقدم على الله تعالى
بغير حجة) أي معذرة يعتذرها وبرهان يتمسك به على تفريطه
بتضييعه عمره النفيس في طلب شيء خبيث خسيس وإعراضه عن
عبادة ربه التي إنما خلق لأجلها {وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون} قال الغزالي ومن كان هذا حاله فهو كالأنعام بل هو
[ص:215] أضل إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي
بها تجاهد الشهوات وهذا قد خلق له وعطله فهو الناقص عقلا
المدبر يقينا وقيل في المعنى:
ولم أر في عيوب الناس عيبا. . . كنقص القادرين على التمام
وفي الحديث إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وتنبيه على
إيثار التلذذ والتنعم مما يؤدي إلى طول الأمل وتعطل العمل
وهذا هجيرا (قوله هجيرا: قال في النهاية: الهجير والهجيرا:
الدأب والعادة والديدن: أه) أكثر الناس ليست من أخلاق
المؤمنين ومن ثم قيل التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين
ذكره كله الزمخشري
(ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن عامر
بن ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن كعب بن مالك العنزي
بفتح المهملة وسكون النون وبزاي حليف أل الخطاب من
المهاجرين الأولين شهد بدرا وما بعدها (وهو مما بيض له
الديلمي) لعدم وقوفه له على سند
(1/214)
295 - (أخشى ما خشيت على أمتي) أي أخوف ما
خفت عليهم. قال الزمخشري: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما
يكون ذلك عن علمه بما يخشى منه ولهذا خص العلماء بها فقال
{إنما يخشى الله من عباده العلماء} (كبر البطن) يعني
الانهماك في الأكل والشرب والذي يحصل منه كبرها ومن كانت
همته ما يدخله بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه إذ لا فرق بين
إدخال الطعام إلى البطن وبين إخراجه فهما ضروريان في
الجبلة فكما لا يكون قضاء الحاجة من همتك التي تشغل بها
قلبك فلا ينبغي كون تناول الطعام من همتك التي تشغل بها
قلبك فمن زاد على ثلث بطنه وصرف همته وبهمته لتحصيل لذيذ
الأطعمة ولم يقنع بما يتفق فهو من المخوف عليهم قال
الغزالي والخوف رعدة تحصل في القلب عن ظن مكروه يناله
والخشية نحوه لكن الخشية تقتضي ضربا من الاستعظام والمهابة
(ومداومة النوم) المفوت للحقوق المطلوبة شرعا الجالب لغضب
الرب وقسوة القلب قال الغزالي قال عبد الله بن الحسن كنت
معجبا بجارية رومية لي ففقدتها من محلها في الليل فطلبتها
فإذا هي ساجدة تقول بحبك لي إلا ما غفرت لي فقلت لها لا
تقولي بحبك لي وقولي بحبي لك قالت لا يا مولاي بحبه لي
أخرجني من الكفر إلى الاسلام وبحبه لي أيقظني وكثير من
خلقه نيام (والكسل) بالتحريك التقاعس عن النهوض إلى معاظم
الأمور وكفايات الخطوب وتحمل المشاق والمتاعب في المجاهدة
في الله ولله والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية والنفلية
الذي من ثمراته قسوة القلب وظلمة اللب ففي الحديث للديلمي
عن عائشة رضي الله تعالى عنها ثلاث خصال تورث قسوة القلب
حب الطعام وحب النوم وحب الراحة ومن ثم تشمر لذلك السلف حق
التشمير وأقبلوا على إحياء ليلهم ورفضوا له الرقاد والدعة
وجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم فظهرت
السيما في وجوههم وترامى أمرهم إلى خدمة ربهم فخفف عنهم.
قال الراغب: ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة
فحب الهوينا يكسب النصب وقد قيل إن أردت أن لا تتعب فاتعب
لئلا تتعب وقيل إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد
حقا وإن ضجرت لم تصبر على الحق وما أحسن ما قيل:
علو الكعب بالهمم العوالي. . . ومن رام العلى من غير كد. .
. أضاع العمر في طلب المحال
<تنبيه> قال بعض العارفين السهر نتيجة الجوع فلذا ذكره
عقبه والسهر سهر عين وسهر قلب فسهر القلب انتباهه من نومات
الغفلة طلبا للمشاهدة وسهر العين رغبة في إلقاء الهمة في
القلب لطلب المسامرة إذ العين إذا نامت بطل عمل القلب فإذا
كان القلب غير نائم منع نوم العين فغايته مشاهدة سهره
المتقدم فقط وأما أن يلحظ غير ذلك فلا ففائدة السهر
استمرار عمل القلب وارتقاء المنازل العلية (وضعيف اليقين)
أي استيلاء الغفلة على القلب المانعة من ولوج النور فيه
وإيمان العبد على قدر يقينه ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا
في اليقين ومطالعتهم أمور الآخرة بقربهم أكثر
(قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة وكذا الديلمي (عن
جابر) بن عبد الله وفيه محمد بن [ص:216] القاسم الأزدي قال
الذهبي كذبه أحمد والدارقطني
(1/215)
296 - (اخضبوا) بكسر الهمزة اصبغوا ندبا
(لحاكم) بكسر اللام أفصح جمع لحية أي بغير سواد (فإن
الملائكة) الحفظة أو ملائكة الأرض أو أعم (تستبشر) تسر
(بخضاب المؤمن) لما فيه من اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب
أما الخضاب بالسواد في غير الجهاد فحرام على الرجل
(عد عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما بإسناد ضعيف لكن له
شواهد
(1/216)
297 - (اخفضي) بكسر الهمزة خطابا لأم عطية
التي كانت تخفض الجواري بالمدينة أي تختنهن (ولا تنهكي)
بفتح المثناة فوق وسكون النون وكسر الهاء لا تبالغي في
استقصاء محل الختان بالقطع بل أبقي ذلك الموضع. قال
الزمخشري: وأصل النهك المبالغة في العمل (فإنه أنضر) بفتح
الهمزة والمعجمة (للوجه) أي أكثر لمائه ودمه وأبهج لبريقه
ولمعته (وأحظى عند الزوج) ومن في معناه من كل واطئ كسيد
الأمة يعني أحسن لجماعها عنده وأحب إليه وأشهى له لأن
الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فكرهت
الجماع فقلت حظوتها عند حليلها كما أنها إذا تركتها بحالها
فلم تأخذ منها شيئا بقيت غلمتها فقد لا تكتفي بجماع زوجها
فتقع في الزنا فأخذ بعضها تعديل للشهوة والخلقة قال حجة
الاسلام انظر إلى جزالة هذا اللفظ في الكناية وإلى إشراق
نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلى
مصالح الدنيا حتى انكشفت له وهو أمي من هذا الأمر النازل
قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره وتطاير من غب عاقبته
شرره وتولد منه أعظم القبائح وأشد الفضائح فسبحان من أرسله
رحمة للعالمين ليجمع لهم ببعثته مصالح الدارين؟ وفيه أنه
لا استحياء من قول مثل ذلك للأجنبية فقد كان المصطفى صلى
الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ومع ذلك قاله
تعليما للأمة ومن استحيا من فعل فعله أو قول قاله فهو جاهل
كثيف الطبع ولعله يقع في عدة كبائر ولا يستحي من الله ولا
من الخلق
(طب ك عن الضحاك) بالتشديد (ابن قيس بفتح القاف وسكون
المثناة تحت الفهري قال كان بالمدينة امرأة يقال لها أم
عطية تختن الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك والفهري قال الذهبي يقال له صحبة قتل يوم راهط انتهى
وما ذكر من أن الضحاك هذا هو الفهري هو ما ذكره الحاكم
وأبو نعيم حيث أورد الحديث في ترجمته ويخالفه ما رواه
البيهقي وغيره عن الفضل العلائي قال سألت ابن معين عن هذا
فقال الضحاك هذا ليس بالفهري قال ابن حجر: وهذا الحديث
رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال مجهول
ضعيف وتبعه ابن عدي في تجهيله وخالفهم عبد الغني فقال هو
محمد بن سعيد المصلوب وحاله معروف وكيفما كان سنده ضعيف
جدا وممن جزم بضعفه الحافظ العراقي وقال ابن حجر في موضع
آخر له طريقان كلاهما ضعيف وقال ابن المنذر ليس في الختان
خبر يعول عليه ولا سنة تتبع
(1/216)
298 - (أخلص) بفتح فسكون فكسر (دينك) بكسر
الدال إيمانك عما يفسده من شهوات النفس أو طاعتك بتجنب
دواعي الرياء ونحوه بأن تعبده امتثالا لأمره وقياما بحق
ربوبيته لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره ولا للسلامة من
المصائب الدنيوية (يكفك) بالجزم جواب الأمر وفي نسخ يكفيك
بياء بعد الفاء ولا أصل لها في خطه (القليل من العمل) لأن
الروح إذا خلصت من شهوات النفس وأسرها ونطقت الجوارح وقامت
بالعبادة من غير أن تنازعه النفس ولا القلب ولا الروح فكان
ذلك صدقا فيقبل العمل وشتان بين قليل مقبول وكثير مردود
وفي التوراة: ماأريد به وجهي فقليله كثير وما أريد غير
وجهي فكثيره قليل قال بعض العارفين لا تتسع في إكثار
الطاعة بل [ص:217] في إخلاصها وقال الغزالي: أقل طاعة سلمت
من الرياء والعجب وقارنها الإخلاص بكون لها عند الله تعالى
من القيمة ما لا نهاية له وأكثر طاعة إذا أصابتها هذه
الآفة لا قيمة لها إلا أن يتداركها الله تعالى بلطفه كما
قال علي كرم الله وجهه: لا يقل عمل البتة وكيف يقل عمل
مقبول؟ وسئل النخعي عن عمل كذا ما ثوابه فقال إذا قبل لا
يحصى ثوابه ولهذا إنما وقع بصر أهل البصائر من العباد في
شأن الإخلاص واهتموا به ولم يعتنوا بكثرة الأعمال وقالوا
الشأن في الصفوة لا في الكثرة وجوهرة واحدة خير من ألف
خرزة وأما من قل عمله وكل في هذا الباب نظره جهل المعاني
وأغفل ما في القلوب من العيوب واشتغل بإتعاب النفس في
الركوع والسجود والإمساك عن الطعام والشراب فغره العدد
والكثرة ولم ينظر إلى ما فيها من المنح والصفوة وما يغني
عدد الجوز ولا لب فيه وما ينفع رفع السقوف ولم تحكم
مبانيها وما يعقل هذه الحقائق إلا العالمون إلى هنا كلام
الغزالي وقال ابن الكمال: الإخلاص لغة ترك الرياء في
الطاعة واصطلاحا تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه
وكل شيء تصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه فخلص منه سمي
خالصا. قال الإمام الرازي: والتحقيق فيه أن كل شيء يتصور
أن يشوبه وخلص لله سمي خالصا وسمى الفعل المصفى خالصا
إخلاصا ولا شك أن كل من أتى بفعل اختياري فلا بد فيه من
غرض فمهما كان الغرض واحدا سمي الفعل إخلاصا فمن تصدق
وغرضه محض الرياء فهو غير مخلص أو محض التقرب لله فهو مخلص
لكن جرت العادة بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب من
جميع الشوائب فالباعث على الفعل إما أن يكون روحانيا فقط
وهو الإخلاص أو شيطانيا فقط وهو الرياء أو مركبا وهو ثلاثة
أقسام لأنه إما أن يكونا سواء أو الروحاني أقوى أو
الشيطاني أقوى فإذا كان الباعث روحانيا فقط ولا يتصور إلا
في محبة الله تعالى مستغرق القلب به بحيث لم يبق لحب
الدنيا في قلبه مقر حتى لا يأكل ولا يشرب إلا لضرورة
الجبلة فهذا عمله خالص وإذا كان نفسانيا فقط ولا يتصور إلا
من محب النفس والدنيا مستغرق الهم بهما بحيث لم يبق لحب
الله تعالى في قلبه مقر فتكتسب أفعاله تلك الصفة فلم يسلم
له شيء من عبادته وإذا استوى الباعثان يتعارضان ويتناقضان
فيصير العمل لا له ولا عليه وأما من غلب أحد الطرفين عليه
فيحبط منه ما يساوي الآخر وتبقى الزيادة موجبة أثرها
اللائق بها وتحقيقه أن الأعمال لها تأثيرات في القلب فإن
خلا المؤثر عن المعارض خلا الأثر عن الضعف وإن اقترن
بالمعارض فتساويا تساقطا وإن كان أحدهما أغلب فلا بد أن
يحصل في الزائد بقدر الناقص فيحصل التساوي بينهما أو يحصل
التساقط ويبقى الزائد خاليا عن المعارض فيؤثر أثرا ما فكما
لا يخلو مثقال ذرة من طعام أو دواء في البدن لا يضيع مثقال
ذرة من خير أو شر عن أثر التقريب من الله تعالى والتبعيد
عنه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الإخلاص)
في العمل وكذا الديلمي (ك) في النذر (عن معاذ) ابن جبل قال
لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قلت
أوصني فذكره قال الحاكم صحيح ورده الذهبي وقال العراقي
رواه الديلمي من حديث معاذ وإسناده منقطع
(1/216)
299 - (أخلصوا أعمالكم لله) فإن الإخلاص هو
كمال الدين وأعم ذلك البراءة من الشرك بأن لا تتخذ مع الله
إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا تصح معه المعاملة
بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا
يرى لله تعالى شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة فإن الشرك
في أسمائه تعالى لا يصح معه قبول كما قال (فإن الله لا
يقبل) من الأعمال (إلا ما) أي عملا (خلص له) من جميع
الأغيار فالإخلاص شرط لقبول كل طاعة ولكل عمل من المأمورات
خصوص اسم في الإخلاص كإخلاص المنفق بأن الإنعام من الله لا
من العبد وكإخلاص المجاهد بأن النصر من الله لا من العبد
المجاهد قال الله تعالى {وما النصر إلا من عند الله} وكذا
سائر الأعمال. وأساس ذلك طمأنينة النفس بربها في قوامها من
غير طمأنينتها بشيء سواه فمتى اطمأنت النفس بما تقدر عليه
أو بما تملكه من مملوك أو بما تستند إليه من غير الله ردت
جميع عبادتها لما اطمأنت إليه وكتب اسمها على وجهه وكان
عبد الرياء والمراء وما المرء إلا عبد ربه تعس عبد الدينار
[ص:218] والدرهم والخميصة وهذا هو الذي أحبط عمل العاملين
من حيث لا يشعرون {إنا لله وإنا إليه راجعون} قال الإمام
الغزالي: سبيل النجاة أن تخلص عملك وتجرد إرادتك لله
والقلوب والنواصي بيده سبحانه وتعالى فهو يميل إليك القلوب
ويجمع لك النفوس ويشحن من حبك الصدور فتنال من ذلك ما لا
تناله بجهدك وقصدك وإن لم تفعل وقصدت رضا المخلوق دونه صرف
عنك القلوب ونفر منك النفوس وأسخط عليك الخلق فتكون من
الخاسرين
(قط عن الضحاك بن قيس) بن خالد الفهري الأمير المشهور ولم
يرمز له بشيء
(1/217)
300 - (أخلصوا عبادة الله تعالى) بين به أن
المراد بالعمل في الخبر قبله العبادة من واجب ومندوب
(وأقيموا خمسكم) التي هي أفضل العبادات البدنية ولا تكون
إقامتها إلا المحافظة على جميع حدودها ومن ذلك عدم الاصغاء
إلى وسواس الشيطان وخشوع الجوارح والهدوء في الأركان
وإتمام كل ركن بأذكاره المخصوصة وجمع الحواس إلى القلب
كحاله في الشهادة وفيه إشارة إلى أن جمع الخمس على هذه
الهيئة من خصوصياتنا وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود
والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يعارضه
قول جبريل عقب صلاته بالمصطفى صلى الله عليه وسلم الخمس
صبيحة الإسراء وهذا وقتك ووقت الأنبياء من قلبك لأن المراد
أنه وقتهم إجمالا وإن اختص كل منهم بوقت ولما ذكر ما يزكي
البدن ذكر ما يطهر المال وينميه وهو حق الخلق فقال (وأدوا
زكاة أموالكم) المفروضة وفي الاقتصار فيها على الأداء
إشعار بأن إخراج المال على هذا الوجه لا يكون إلا مع
الإخلاص فيطابق المقطع المطلع (طيبة) بنصبه على الحال (بها
أنفسكم) وفي رواية قلوبكم بأن تدفعوها إلى مستحقيها بسماح
وسخاء نفس ومن كمال ذلك أن يتناول المستحق بنفسه كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يتناول السائل بنفسه ولا يكله
لغيره (وصوموا شهركم) رمضان بأركانه وشروطه وآدابه ومنها
السحور مؤخرا والفطر معجلا وصوم الأعضاء كلها عن العدوان
وترك السواك بعد الزوال والأخذ فيه بشهوات العيال والإضافة
للتخصيص على ما مر بما فيه (وحجوا بيتكم) أضافه إليهم لأن
أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بنياه ومن
مطلوباته زيادة اليقين واستطابة الزاد والاعتماد على ما
بيد رب العباد لا على حاصل ما بيد العبد وتزويد التقوى
والرفق على الرفيق وبالظهر وتسكين الأخلاق والارفاق في
الهدى وهو الثج والاعلان بالتلبية وهو العج وتتبع أركانه
على ما تقتضيه أحكامه وإقامة شعاره على معلوم السنة لا على
معهود العادة (تدخلوا) بجزمه جواب الأمر (جنة ربكم) أي
المحسن إليكم بالهداية إلى الإخلاص وبيان طريق النجاة
والخلاص وخص الرب تذكيرا بأنه المربي والمصلح والموفق
والهادي والمنعم أولا وآخرا وجعل الدخول بالأعمال لما جرت
به العادة الإلهية من الدخول بها فلشدة ملازمتها كانت
كأنها سبب الدخول وإلا فالدخول بالرحمة وهذا الحديث موافق
لقوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} <فائدة> قال
ابن عطاء الله لون الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم
وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرما وفضلا لأن النفس لو
كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد
للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا
الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة
فما كل مصل مقيم
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه يزيد بن فرقد ولم
يسمع من أبي الدرداء
(1/218)
301 - (اخلعوا) بكسر الهمزة واللام أي
انزعوا (نعالكم) وإن كانت طاهرة يقال خلع نعله إذا نزعه
وفي القاموس الخلع كالمنع النزع إلا أنه فيه مهانة (عند
الطعام) أي عند إرادة أكله (فإنها) أي هذه الخصلة التي هي
النزع (سنة) أي طريقة وسيرة (جميلة) أي حسنة مرضية لما فيه
من راحة القدم وحسن الهيئة والأدب مع الجليس [ص:219] وغير
ذلك والأمر للإرشاد بدليل خبر الديلمي عن ابن عمر مرفوعا
أيها الناس إنما خلعت نعلي لأنه أروح لقدمي فمن شاء
فليخلعها ومن شاء فليصل فيهما. والنعل كما في المصباح
وغيره الحذاء وهي مؤنثة وتطلق على التاسومة ولما كانت
السنة تطلق على السيرة جميلة كانت أو ذميمة بين أنها جميلة
هنا أي حسنة مرضية محبوبة وبذلك علم أن المراد بالسنة هنا
المعنى اللغوي وإلا لما احتاج لوصفها بما ذكر وخرج بحالة
الأكل حالة الشرب فلا يطلب فيها نزع النعل كما هو ظاهر
ومثل النغل القبقاب ونحوه لا الخف فيما يظهر
(ك) في المناقب (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة
كفلس (ابن جبر) بفتح وسكون الموحدة ابن زيد الأنصاري وقد
مر وظاهر صنيع المؤلف أن الصحابي الذي رواه عنه الحاكم هو
أبو عبس والأمر بخلافه بل الحاكم إنما رواه عن أنس فقال عن
يحيى بن العلاء عن موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن أنس قال
دعا أبو عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخلعوا إلى آخره ورواه
من طريق آخر بلفظ آخر وتعقبه الذهبي على الحاكم وأن فيه
يحيى وشيخه متروكان وإسناده مظلم انتهى لكنه اكتسب بعض قوة
بوروده من طريق أخرى ضعيفة
(1/218)
302 - (اخلفوني) بضم الهمزة واللام أي
كونوا خلفائي (في أهل بيتي) علي وفاطمة وابنتهما وذريتهما
فاحفظوا حقي فيهم وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم
واحترامهم ونصحهم والإحسان إليهم وتوقيرهم والتجاوز عن
مسيئهم {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} قال
المجد اللغوي وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك
الاتباع لا ينجع فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم
الذرية فالقبيح عمله لا ذاته وقد منع بعض العمال على
الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضيا فرأى تلك الليلة أن
القيامة قد قامت ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها
لأبيها فقالت منع والدي رزقه قاعتل بأنه يسب الشيخين
فالتفتت فاطمة إليهما وقالت أتؤاخذان ولدي قالا: لا فانتبه
مذعورا في حكاية طويلة ولما جرى للإمام أحمد بن حنبل من
الخليفة العباسي ما جرى ندم وقال اجعلني في حل فقال ما
خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله صلى الله
عليه وسلم لقرابتك منه (وحكى) المقريزي عن بعض العلماء أنه
كان يغض من بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى
المصطفى صلى الله عليه وسلم في النوم فعاتبه فقال يا رسول
الله حاش لله ما أكرههم إنما كرهت تعصبهم على أهل السنة
فقال مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب قال نعم
قال هذا ولد عاق قال السيد السمهودي وحكى لي شيخنا شيخ
الإسلام قاضي القضاة يحيى المناوي أن شيخه الشريف الطباطبي
كان بخلوته بجامع عمرو بمصر فتسلط عليه تركي يسمى قرقماس
الشعباني وأخرجه منها فقال له رجل رأيتك الليلة بين يدي
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينشدك هذين البيتين:
يا بني الزهراء والنور الذي. . . ظن موسى أنه نار قبس
لا أوالي الدهر من عاداكم. . . إنه آخر سطر في عبس
إشارة إلى قوله تعالى {أولئك هم الكفرة الفجرة} ثم أخذ
المصطفى صلى الله عليه وسلم عذبة سوط بيده فعقدها ثلاث
عقد. قال شيخ الاسلام: فكان من تقدير الله تعالى أن ضربت
رأس قرقماس فلم تقطع إلا بثلاث ضربات فكان ذلك السوط من
قبيل قوله تعالى {فصب عليهم ربك سوط عذاب}
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب وقال إن ذلك آخر ما تكلم به
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه عاصم بن عبد
الله وهو ضعيف
(1/219)
303 - (أخنع) بفتح الهمزة والنون بينهما
معجمة ساكنة وفي رواية أخنى أي أفحش (الأسماء) أي أقتلها
لصاحبه [ص:220] وأهلكها له يعني أدخلها في النخوع وهو الذل
والضعة والهوان ذكره الزمخشري (عند الله يوم القيامة) قيد
به مع كونه في الدنيا كذلك إشعارا بترتب ما هو مسبب عنه من
إنزال الهوان وحلول العذاب (رجل) أي اسم رجل قال الطيبي:
لا بد من هذا التأويل ليطابق الخبر ويمكن أن يراد بالاسم
المسمى مجازا أي أخنع الرجال رجل كقوله سبحانه وتعالى {سبح
اسم ربك الأعلى} وفيه مبالغة لأنه إذا قدس اسمه عما لا
يليق بذاته فذاته بالتقديس أولى وإذا كان الاسم محكوما
عليه بالصغار والهوان فكيف المسمى به انتهى وما بحثه تقدمه
إليه القرطبي فقال المراد بالاسم المسمى بدليل رواية أغيظ
رجل وأخبثه ووقع في هذه الرواية وأغيظه معطوفا على أخبثه
فجاء مكررا فزعم بعضهم أنه وهم وأن الصواب وأغنطه بالنون
والطاء المهملة أي أشد والغنطة شدة الكذب ورده القرطبي أن
تطريق الوهم إلى الحفاظ وهم لا ينبغي المبادرة إليه ما وجد
للكلام وجه ويمكن حمله على إفادة تكرار عقوبة من تسمى به
تغليظا كما قال الله تعالى {فباءوا بغضب على غضب} أي
بعقوبة بعد عقوبة (تسمى) أي سمى نفسه أو سماه غيره فأقروه
ورضي به (ملك) بكسر اللام (الأملاك) أو ما في معناه نحو
شاه شاهان أو شاهان شاه والعجم تقدم المضاف إليه على
المضاف وألحق به ملك شاه قيل وإذا امتنع التسمي بما ذكر
فباسم من له هذا الوصف كالله والجبار والرحمن أولى وقيد
فيما مر بالعندية إيذانا بشدة غضبه ومزيد عقابه لمن سمى
بشيء من ذلك أو تسمى به والتزمه فلم يغيره وقال القرطبي
وحاصل الحديث أن من تسمى بهذا الاسم انتهى من الكبر إلى
الغاية التي لا تنبغي لمخلوق وأنه قد تعاطى ما هو خاص
بالإله الحق لما ثبت في الفطرة أنه (لا مالك) لجميع
الخلائق (إلا الله) فلا يصدق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه
سبحانه وتعالى فعوقب على ذلك من الاذلال والاسترذال بما لم
يعاقب به مخلوق والمالك من له الملك والملك أمدح والمالك
أخص وكلاهما واجب لله تعالى انتهى وقال الطيبي قوله لا
مالك إلى آخره استئناف لبيان تعليل تحريم التسمية فنفى جنس
الملاك بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية
الغير مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى بذلك نازع الله
سبحانه وتعالى في رداء كبريائه واستنكف أن يكون عبده لأن
وصف المالكية مختص بالله لا يتجاوز والمملوكية بالعبد لا
تتجاوزه فمن تعدى طوره فله في الدنيا الخزي والعار وفي
الآخرة الإلقاء في النار انتهى ومن العجائب التي لا تخطر
بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية
كان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من
أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب وألحق
بعض المتأخرين بملك الأملاك حاكم الحكام وقد شدد الزمخشري
النكير عليه فقال في تفسير قوله تعالى {وأنت أحكم
الحاكمين} رب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في
زمننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر
واستعبر انتهى واعترضه ابن المنير بأن خبر أقضاكم علي يؤخذ
منه جواز أن يقال لأعدل القضاة وأعلمهم في زمنه قاضي
القضاة ورد عليه وشنع العلم العراقي منتصرا للزمخشري ومن
النوادر أن العز بن جماعة رأى أباه في النوم فسأله عن حاله
فقال ما كان علي أضر من هذا الاسم فنهى الموقعين أن يكتبوا
له في الاسجال قاضي القضاة بل قاضي المسلمين ومنع الماوردي
من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن
الماوردي كان يقال له أقضى القضاة ولعل الفرق الوقوف مع
الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة وقال ابن أبي
جمرة يلحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن اشتهر في بلاد
الشرق من قديم الزمان خلافه وفيه مشروعية الأدب في كل شيء
قال ابن القيم وتحرم التسمية بسيد الناس وسيدة الكل كما
تحرم بسيد ولد آدم فإن ذا ليس لأحد إلا للرسول عليه الصلاة
والسلام فلا يحل إطلاقه على غيره قال ولا تجوز التسمية
بأسماء الله الحسنى كالأحد والصمد ولا تسمية الملوك
بالظاهر والقاهر والقادر وظاهر الوعيد يقتضي التحريم
الشديد هبه قصد أنه ملك على ملوك الأرض أو بعضها لكن
القاضي أبا الطيب من أكابر الشافعية يجوزه بالقصد المذكور
وخالفه الماوردي كما مر ويأتي
(ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره
أيضا انتهى
(1/219)
[ص:221] 304 - (إخوانكم) جمع أخ وهو الناشئ
مع أخيه من منشأ واحد على السواء بل بوجه ما قال الحراني
(خولكم) بفتح المعجمة والواو وضم اللام أي خدمكم جمع خائل
أي خادم سمي به لأنه يتخول الأمور أي يصلحها ومنه الخولي
لمن يقوم بإصلاح البستان والتخويل التمليك وأخبر عن الأخوة
بالخول مع أن القصد عكسه اهتماما بشأن الإخوان أو الحصر
الخول في الإخوان أي ليسوا إلا لإخوانكم أي من جهة تفرع
الكل عن أصل واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام ومن قال في
الدين لم يصب إذ يلزم قصر طلب المواساة في الأرقاء على
المسلمين مع عمومها وحينئذ ففي الكلام معنى التشبيه أو
إخوانكم مبتدأ و (جعلهم الله) خبره فعليه إخوانكم مستعار
لطي المشبه وجوز جمع نصب إخوانكم بفعل مقدر أي احفظوا
إخوانكم وخولكم نعت له قال أبو البقاء وهو أجود من الرفع
في تخصيص الإخوان بالذكر إشعارا بعلة المواساة وأن ذلك
مندوب لأنه وارد على منهج التلطف والتعطف ومعاملتهم
بالشفقة والمناصحة والمسامحة وغير ذلك من ضروب الإحسان مما
يعود الطبع إليه من مناصحة الإخوان والخلان وهو غير واجب
(قنية) بكسر القاف وتضم أي ملكا (تحت أيديكم) يعني قدرتكم
فاليد الحسية كناية عن اليد الحكيمة (فمن كان أخوه تحت
يده) أي فمن كان مملوكه في قبضته وتحت حكمه وسلطانه وفي
رواية للبخاري يديه بلفظ التثنية (فليطعمه) بضم المثناة
التحتية فيه وفيما بعده أي وجوبا والأفضل كونه (من طعامه)
الذي يأكله هو (وليلبسه) مما يليق (من لباسه) قال الرافعي
لا مناقضة بينه وبين الخبر الآتي للمملوك طعامه وكسوته
بالمعروف لأن ما هنا في حق العرب الذين طعامهم وطعام
عبيدهم وكسوتهم متقاربة وذلك في حق المترفهين في الطعام
واللباس فليس عليهم لمماليكهم إلا المتعارف لهم بالبلد
سواء كان من جنس نفقة السيد أو فوقه أو دونه انتهى وخرج
بما ذكر نحو عفاف القن فلا يؤمر به سيده والواجب الكفاية
(ولا يكلفه) من التكليف وهو تحميل الشخص شيئا معه كلفة
وقيل هو الأمر بما يشق أي لا يكلفه من العمل (ما يغلبه) أي
ما لا يطيقه في بعض الأحيان (فليعنه) عليه بنفسه أو بغيره
فيحرم على السيد أن يكلف قنه على الدوام ما لا يطيقه على
الدوام وله تكليفه عملا شاقا في بعض الأحيان لكن عليه
إعانته أي مساعدته ومثل القن نحو خادم وأجير ودابة ولم يصب
في التعبير من قال كابن جماعة تدخل في الخول الرقيق
والخادم الحر وكذا الدواب انتهى وما ذاك إلا لأن لفظ الخول
في الحديث لا يشمل الدابة لوصفه بالأخوة فالشمول ممنوع
وليس إلا القياس وفيه الأمر بالعطف على المملوك والشفقة
عليه والتذكير بالنعمة والقيام بشكرها والمحافظة على الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك
(حم ق د ت هـ عن أبي ذر) قال ابن حجر وفيه قصة أي وذلك لأن
المعرور بن سويد رأى أبا ذر عليه حلة وعلى غلامه مثلها
فسأله عن ذلك فذكر أنه ساب رجلا فعيره بأمه فأتى الرجل
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية أي خلق من أخلاقهم ثم ذكره
(1/221)
305 - (أخوف) أي من أخوف (ما أخاف على
أمتي) وفي رواية أحمد على هذه الأمة (كل منافق عليم
اللسان) أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب
فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق
كثير في الزلل وقد كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلا
على أشرف أحواله خوفا أن يقتدي به فيها أو بسوء ظنه به
فيها فلا ينتفع. قال الحراني: والخوف حذر النفس من أمور
ظاهرة تضرها قال صاحب الهداية:
فساد كبير عالم متهتك. . . وأكبر منه جاهل يتنسك
هما فتنة للعالمين عظيمة. . . لمن بهما في دينه يتمسك
[ص:222]
وسبب تحديث عمر بذلك أن الأحنف سيد أهل البصرة كان فاضلا
فصيحا مفوها فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم
وليلة فلا يأتيه عنه إلا ما يحب ثم دعاه فقال تدري لم
حبستك عني قال لا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا فذكره ثم قال خشيت أن تكون منافقا عليم اللسان وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا منه وأرجو أن تكون
مؤمنا فانحدر إلى مصرك
(عد عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد ضعيف ورواه
أيضا الطبراني في الكبير بل والإمام أحمد قال السيد
السمهودي رواته محتج بهم في الصحيح انتهى فعدل المصنف عن
الحديث الصحيح إلى الرواية الضعيفة واقتصر عليها
(1/221)
306 - (أخوف ما أخاف على أمتي) اتباع
(الهوى) بالقصر وهو ميل النفس وانحرافها نحو المذموم شرعا
على ما مر (وطول الأمل) بالتحريك رجاء ما تحبه النفس كما
مر وذلك لأنه إذا أنس بالدنيا ولذتها ثقل عليه فراقها
وأقلع عن التفكير في الموت الذي هو سبب مفارقتها فيمني
نفسه أبدا بما يوافق مرادها وهو البقاء في الدنيا فلا يزال
يتوهمه ويقدره في نفسه ويقدر توابع البقاء بما يحتاجه من
مال وخدم ودار وغيرها فيعكف قلبه على هذا الفكر فيلهو عن
الموت ولا يحذر فوته فإن خطر بباله سوف وقال الأيام بين
يديك فإلى أن تكبر تتوب فإذا كبر قال حتى أشيخ فإذا شاخ
قال حتى أفرغ من بناء داري وعمارة ضيعتي وقهر عدوي الذي
يشمت بي فلا يزال كذلك لا يفرغ من شغل إلا علق بتمام آخر
إلى أن تخطفه منيته في وقت لا يحتسبه فمن ثم خافه المصطفى
صلى الله عليه وسلم عليهم قال الحراني: أكبر الهم
والاهتمام إنما هو من طول الأمل فلأجله يتكلف الأعمال
والأشغال ويجمع ويدخر الأمول {الذي جمع مالا وعدده يحسب أن
ماله أخلده؟ كلا} ونبه بقوله وطول الأمل على أن المذموم
الاسترسال فيه وعدم الاستعداد للآخرة أما أصله فلا ذم فيه
إذ لولاه لم يتهن أحد بعيش ولولاه لم يصنف العلماء
(عد عن جابر) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا
الحاكم باللفظ المزبور وزاد أما الهوى فيصد عن الحق وأما
طول الأمل فينسي الآخرة ورواه أبو نعيم عن علي وزاد ألا
وإن الدنيا ترجلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترجلت مقبلة
ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا
من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
(1/222)
307 - (أخوك البكري) بكسر الموحدة أي الذي
ولده أبواك أولا وهذا على المبالغة في التحذير أي أخوك
شقيقك خفه واحذر منه (ولا تأمنه) فضلا عن الأجنبي فالتحذير
منه أبلغ فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر يخاف منه مقدرا
وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن فيمن لم يتحقق فيه حسن
السيرة. قال الديلمي: وهذه كلمة جاهلية تمثل بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال العسكري: هذا من الحكم والامثال
(طس) من طريق زيد بن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه
(عن عمر) بن الخطاب قال أسلم: خرجت في سفر فلما رجعت قال
لي عمر: من صحبت قلت: رجلا من بكر بن وائل فقال: أما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي:
أسلم وأبوه ضعيفان (د عن) عبد الله (بن عمر وابن الغفواء)
عن أبيه والفغواء بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة وواو
مخففة مع المد ويقال ابن أبي الفغواء قال: دعاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني إلى أبي سفيان بمال
يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس صاحبا فجاءني
عمرو بن أميه الضمري فقال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس
صاحبا قال: قلت: أجل قال: فأنا لك صاحب قال: فجئت إلى
النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت له: قد وجدت
صاحبا قال: من؟ فقلت: عمرو بن أمية الضمري فقال: إذا هبطت
بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا
تأمنه [ص:223] فخرجت حتى إذا كنا بالأبواء قال: أريد حاجة
إلى قومي بودان فتلبث لي قلت راشدا فلما ولى ذكرت ما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري ثم خرجت حتى
إذا كنت بالاصافير إذا هو يعارضني في رهط قال: فأوضعت
بعيري فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال: كان
لي إلى قومي حاجة قال: قلت: أجل فمضينا حتى قدمنا مكة
فدفعت المال إلى أبي سفيان انتهى وعبد الله قال ابن حبان
مستور وقال الذهبي: تابعي مجهول وساقه في الضعفاء وقال في
غيرها لا يعرف قال وعمر له صحبة ورواية وفي التقريب عمرو
بن الفغواء الخزاعي صحابي في إسناد حديثه اختلاف انتهى
يشير إلى هذا الحديث ورواه العسكري رحمه الله تعالى في
الأمثال من حديث مسور مرفوعا هذا وقد رمز المؤلف لحسنه
ولعله لاعتضاده
(1/222)
308 - (أد) وجوبا من الأداء. قال الراغب:
وهو دفع ما يحق دفعه وتأديته (الأمانة) هي كل حق لزمك
أداؤه وحفظه وقصر جمع لها على حق الحق وآخرين على حق الخلق
قصور قال القرطبي: والأمانة تشمل أعدادا كثيرة لكن أمهاتها
الوديعة واللقطة والرهن والعارية. قال القاضي: وحفظ
الأمانة أثر كمال الإيمان فإذا نقص الإيمان نقصت الأمانة
في الناس وإذا زاد زادت (إلى من ائتمنك) عليها وهذا لا
مفهوم له بل غالبي والخيانة التفريط في الأمانة. قال
الحراني: والائتمان طلب الأمانة وهو إيداع الشيء لحفظه حتى
يعاد إلى المؤتمن ولما كانت النفوس نزاعة إلى الخيانة
رواغة عند مضايق الأمانة وربما تأولت جوازها مع من لم
يلتزمها أعقبه بقوله (ولا تخن من خانك) أي لا تعامله
بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله وليس منها
ما يأخذه من مال من جحده حقه إذ لا تعدي فيه أو المراد إذا
خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا بل قابله
بالأحسن الذي هو العفو وادفع بالتي هي أحسن وهذا كما قاله
الطيبي أحسن قال ابن العربي: وهذه مسألة متكررة على ألسنة
الفقهاء ولهم فيها أقوال الأول لا تخن من خانك مطلقا
الثاني خن من خانك قاله الشافعي الثالث إن كان مما ائتمنك
عليه من خانك فلا تخنه وإن كان ليس في يدك فخذ حقك منه
قاله مالك الرابع إن كان من جنس حقك فخذه وإلا فلا قاله
أبو حنيفة. قال: والصحيح منها جواز الاعتداء بأن تأخذ مثل
مالك من جنسه أو غير جنسه إذا عدلت لأن ما للحاكم فعله إذا
قدرت تفعله إذا اضطررت
(تخ د ت) في البيوع وقال ت حسن غريب (ك عن أبي هريرة) قال
ابن الجوزي: فيه شريك قال يحيى ما زال مختلطا عن قيس قال
أحمد كثير الخطأ (قط ك والضياء) المقدسي (عن أنس) قال
الدارقطني: فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وجمع (طب عن أبي
أمامة) قال الهيتمي: وفيه يحيى بن عثمان المصري قال ابن
أبي حاتم: يتكلمون فيه ورواه الطبراني أيضا في الصغير
والكبير باللفظ المزبور عن أنس. قال الهيتمي: رجاله ثقات
ورواه ابن عساكر من طريق مكحول قال رجل لأبي أمامة: الرجل
أستودعه الوديعة أو يكون لي عليه شيء فيجحدني ثم يستودعني
أو يكون له علي شيء أفأجحده. قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول فذكره قال ابن عساكر وغيره ومكحول لم يسمع
من أبي أمامة وقال السخاوي: في أسانيده مقال لكن بطرقه
يتقوى (د عن رجل من الصحابة) ولا يضر إبهامه لأن الصحابة
كلهم عدول (قط عن أبي بن كعب) بدري سيد سند من فضلاء
الصحابة روى عنه أنس وغيره وفي موته أقوال قال ابن الجوزي
فيه محمد بن ميمون قال ابن حبان منكر الحديث جدا لا يحل
الاحتجاج به وقال في المنار: فيه ثلاثة ولوا القضاء ساء
حفظهم وقال أحمد حديث باطل وقال ابن حجر رواه (د ت ك) عن
أبي هريرة تفرد به طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم
بحديث أبي التياح عن أنس وفيه أيوب بن سويد فيه خلف ورواه
أبو داود بسند فيه مجهول وقد صحبه ابن السكن ورواه البيهقي
عن أبي أمامة بسند ضعيف وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع
طرقه
(1/223)
[ص:224] 309 - (أد ما افترض الله) أي أوجب
(عليك) ومنه السنة يقول فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذا أي سنه (تكن من أعبد الناس) أي المقبول عبادتهم يعني
إذا أديت العبادة على أكمل الأحوال من ركن وشرط وسنة خالصة
سالمة من الخلل تكن من أعبد الناس ممن لم يفعلها كذلك
والعبادة تتفاوت رتبها في الكمال (واجتنب ما حرم الله
عليك) أي لا تقربه فضلا عن أن نفعله فإن من حام حول الحمى
أوشك أن يقع فيها (تكن من أورع الناس) أي من أعظمهم كفا عن
المحرمات وأكثر الشبهات قال النووي: والورع اجتناب الشبهات
خوفا من الله تعالى وقال ابن القيم: ترك ما يخاف ضرره في
الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع فيها (وارض) اقنع (بما قسمه
الله) قدره (لك) قال الله تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم
في الحياة الدنيا} (تكن من أغنى الناس) فإن من قنع بما
قسمه الله له صار غني القلب زاهدا فيما في يد غيره
والقناعة كنز لا يفنى قال أكتم بن صيفي: من باع الحرص
بالقناعة ظفر بالغنى والثروة ولو صدق الحريص نفسه واستنصح
عقله علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء
والقناعة بالقسم قال الحكماء: من قنع كان غنيا وإن كان
فقيرا ومن تجاوز ما له من القناعة فهو فقير وإن كان غنيا
وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي
بالمقدور قنع بالميسور وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك
على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه
مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم
والاقتصار على حال الوقت والإعراض عما كان ويكون لأن ذلك
كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في
الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من
الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت
ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه
لأنه ليس مما يعنيه (تتمة) قال الغزالي: للشرع حكمان حكم
الجواز وحكم الأفضل الأحوط فالجائز يقال له حكم الشرع
والأفضل والأحوط يقال له حكم الورع فافهم وبه يخرج الجواب
عن قول من قال الورع موضوع على التشديد والشرع موضوع على
اليسر والسماحة
(عد عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي قال الدارقطني رفعه وهم
والصواب وقفه
(1/224)
310 - (أدبني ربي) أي علمني رياضة النفس
ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة والأدب ما يحصل للنفس من
الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة وفي شرح النوابغ هو ما
يؤدي بالناس إلى المحامد أي يدعوهم (فأحسن تأديبي) بإفضاله
علي بالعلوم الكسبية والوهبية بما لم يقع نظيره لأحد من
البشر. قال بعضهم: أدبه بآداب العبودية وهذبه بمكارم أخلاق
الربوبية ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم
كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وباطن حاله مرآة للصادقين في
متابعته وللصديقين في السير إليه {فاتبعوني يحببكم الله}
وقال القرطبي: حفظه الله من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم
يكله في شيء من ذلك لغيره ولم يزل الله يفعل به حتى كره
إليه أحوال الجاهلية وحماه منها فلم يجر عليه شيء منها كل
ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه انتهى. وفي هذا من
تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى ومن ثم قالوا: الأدب صورة
العقل فصور عقلك كيف شئت وقالوا: الفضل بالعقل والأدب لا
بالأصل والنسب لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل
أصله وقالوا: زك قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب وحسن
الأدب يستر قبيح النسب. وقال في العوارف: بالأدب يفهم
العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحكمة ولما ورد
أبو حفص النيسابوري العراق جاءه الجنيد فرأى أصحابه وقوفا
على رأسه يأتمرون بأمره فقال: أدبت أصحابك آداب الملوك.
قال: لا [ص:225] ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب
في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددت رجلي تجاه الكعبة
فجاءتني امرأة من العارفات فقالت: إنك من أهل العلم لا
تجالسه إلا بالأدب وإلا محى اسمك من ديوان القرب. وقال
السقطي: مددت رجلي ليلة في المحراب فنوديت ما هكذا تجالس
الملوك فقلت: وعزتك لا مددتها أبدا فلم يمدها ليلا ولا
نهارا. قال في العوارف: وكل الآداب متلقيات عن المصطفى صلى
الله عليه وسلم فإنه مجمعها ظاهرا وباطنا وذكر البرهان
البقاعي أنه سأله بعض العجم أن يقرأ عليه فأذن فجلس متربعا
فامتنع من إقرائه وقال: أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم
الذي جئت تطلبه وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في
الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده فلم يعجبه منهم
أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس
بين يديه وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة
فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله مكشوفا فانتهره وقال
له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك
واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من
الاستخفاف بالناس ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم.
وقال بعضهم: قد أدب الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه
وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللطف
والهبة فتكامل له الإنس باللطف والأدب بالهيبة واتصلت بعد
ذلك بالبدن ليخرج باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل
وينال كل من الروح والبدن بواسطة الأخرى من الكمال ما يليق
بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال والأدب استعمال ما يحمد
قولا وفعلا وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع
المستحسنات وقيل تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه وقيل:
غير ذلك. قال الحراني: والربوبية إقامة المربوب لما خلق
وأريد له فرب كل شيء مقيمه بحسب ما أبداه وجوده فرب المؤمن
ربه وباه للإيمان ورب الكافر ربه ورباه للكفران ورب محمد
صلى الله عليه وسلم ربه ورباه للحمد ورب العالمين رب كل
عالم لما خلق له {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فالربوبية بيان
في كل رتبة بحسب ما أظهرته آية مربوبه من عرف نفسه فقد عرف
ربه
(ابن السمعاني) الإمام أبو سعد (في) كتاب (أدب الإملاء) أي
إملاء الحديث من جهة صفوان بن مفلس الحنطي عن محمد بن عبد
الله عن سفيان الثوري عن الأعمش (عن ابن مسعود) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ثم
أمرني بمكارم الأخلاق فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الجاهلين} هذا سياق رواية السمعاني بحروفه فتصرف فيه
المؤلف كما ترى. قال الزركشي: حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي
معناه صحيح لكنه لم يأت من طريق صحيح وذكره ابن الجوزي في
الواهيات عن علي في ذيل حديث وضعفه وأسنده سبطه في مرآة
الزمان وأخرجه بطرق كلها تدور على السدي عن ابن عمارة
الجواني عن علي وفيه فقال يا رسول الله إنك تكلم الوفود
بكلام أو لسان لا نفهم أكثره فقال إن الله أدبني فأحسن
تأديبي ونشأت في بني سعد فقال له عمر يا رسول الله كلنا من
العرب فما بالك أفصحنا فقال: أتاني جبريل بلغة إسماعيل
وغيرها من اللغات فعلمني إياها وصححه أبو الفضل بن ناصر
قال المؤلف وأخرج العسكري عن علي قال قدم بنو فهد بن زبد
على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من غور
تهامة وذكر خطيبهم وما أجابهم المصطفى صلى الله تعالى عليه
وعلى آله وسلم قال: فقلت يا نبي الله نحن بنو أب واحد
ونشأنا في بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره
فقال: أدبني ربي إلى آخره وأخرج ابن عساكر أن أبا بكر قال:
يا رسول الله طفت في العرب وسمعت كلام فصائحهم فما سمعت
أفصح منك فمن أدبك قال: أدبني ربي ونشأت في بني سعد قال:
وإسناده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف وإن اقتصر شيخنا يعني ابن
حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن
تيمية: لا يعرف له سند ثابت
(1/224)
311 - (أدبوا) خطابا للآباء والأجداد ويلحق
بهم كل كافل ليتيم (أولادكم) أي دربوهم لينشأوا ويستمروا
(على) ملازمة خصال (ثلاث) وخصها لأنها أهم ما يجب تعليمه
للطفل (خصال) قالوا: وما هي. قال: (حب نبيكم) المحبة
[ص:226] الإيمانية الطيبة لأنها غير اختيارية وهذا واجب
لأن محبته تبعث على امتثال ما جاء به قال السمعاني: يجب
على الآباء تعليم أولادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
بمكة إلى كافة الثقلين ودفن في المدينة وأنه واجب الطاعة
والمحبة. وقال ابن القيم: يجب أن يكون أول ما يقرع سمعهم
معرفة الله تعالى وتوحيده وأنه يسمع كلامهم وأنه معهم حيث
ما كانوا وكذلك كان بنو إسرائيل يفعلون ولهذا كان أحب
الأسماء عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا عقل الطفل ووعى علم
أنه عبد الله ثم يعرفه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
وبوجوب محبته (وحب أهل بيته) علي وفاطمة وبنيهما أو مؤمنو
بني هاشم والمطلب (وقراءة القرآن) أي تلاوته ومدارسته
وحفظه (فإن حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب المداومين
لتلاوته العاملين بأحكامه يكونون (في ظل الله) أي في ظل
عرشه كما صرح به في رواية أخرى (يوم لا ظل إلا ظله) أي يوم
القيامة إذا دنت الشمس من الرؤوس واشتد عليهم حرها وقد
يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال الله
تعالى {وندخلهم ظلا ظليلا} وقيل: المراد بالظل الكرامة
والكنف والأمن من المكاره في ذلك الموقف (مع أنبيائه
وأصفيائه) أي يكونون في حزبه الذين اختارهم من خلقه
وارتضاهم لجواره وقربه ومعنى كونه معهم أنه يكون رفيقا لهم
هناك لاتصافه بصفتهم من حمل كتابه وفيه وجوب تأديب الأولاد
وأنه حق لازم وكما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه
كذلك بل وصية الله تعالى للآباء أبنائهم سابقة في التنزيل
على وصية الأولاد بآبائهم فمن أهمل تعليم ولده وليدا ما
ينفعه فقد أساء إليه وأكثر عقوق الأولاد آخرا بسبب الاهمال
أولا ومن ثم قال بعضهم لأبيه: أضعتني وليدا فأضعتك شيخا
(أبو نصر) عبد الكريم بن محمد (الشيرازي) نسبة إلى شيراز
بلدة (في فوائده) الحديثية (فر وابن النجار) في تاريخه (عن
علي) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه شيء وصالح بن أبي
الأسود له مناكير وجعفر ابن الصادق قال في الكشاف عن
القطان في النفس منه شيء انتهى
(1/225)
312 - (أدخل الله) بصيغة الماضي دعاء وقد
يجعل خبرا وعبر عنه بالماضي إشعارا بتحقق الوقوع (الجنة)
دار الثواب وقدم الجزاء لمزيد التشويق والترغيب (رجلا)
يعني إنسانا ذكرا أو أنثى والمراد كل مؤمن (كان سهلا) أي
لينا في حال كونه (مشتريا وبائعا وقاضيا) أي مؤديا ما عليه
(ومقتضيا) طالبا ماله ليأخذه والقصد بالحديث الإعلام بفضل
اللين والسهولة في المعاملات من بيع وشراء وقضاء واقتضاء
وغير ذلك وأنه سبب لدخول الجنة موصل للسعادة الأبدية وخص
المذكورات لغلبة وقوعها وكثرة المضايقة فيها حتى في التافه
لا لإخراج غيرها فجميع العقود والحلول كذلك
(حم) عن وهب (عن عثمان بن عفان) رضي الله تعالى عنه رمز
المؤلف رحمه الله لصحته
(1/226)
313 - (ادرؤا) بكسر الهمزة وسكون المهملة
وفتح الراء ادفعوا (الحدود) أي إيجابها أن تنظروا وتبحثوا
عما يمنع من ذلك جمع حد وهو لغة المنع وعرفا عقوبة مقدرة
على ذنب (عن المسلمين) والملتزمين للأحكام فالتقييد غالبي
أو للتنبيه على أن الدرء عن المسلم أهم (ما استطعتم) أي
مدة استطاعتكم ذلك بأن وجدتم إلى الترك سبيلا شرعيا فلا
تحدوا أحدا منهم إلا بأمر متيقن لا يتطرق إليه التأويل
(فإن وجدتم للمسلم مخرجا) عن إيجاب الحد (فخلوا سبيله) أي
طريقه يعني اتركوه ولا تحدوه وإن قويت الريبة وقامت قرينة
تغلب على الظن صدق ما يرمى به كوجود رجل مع أجنبية [ص:227]
في فراش واحد وكلامه شامل لما بعد الإقرار. قال ابن
العربي: ومن السعي في الدرء الإعراض عنه والتعريض له كما
فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم بماعز لعلك قبلت لعلك
فاخذت وكما قال لمن اتهم بالسرقة ما إخالك سرقت وقوله
لآخر: أبك جنون؟ هل أحصنت (فإن الإمام) يعني الحاكم (لأن)
بلام التأكيد وفي رواية أن (يخطئ في العفو خير من أن يخطئ
بالعقوبة) أي خطؤه في العفو خير من خطئه في العقوبة واسم
التفضيل على غير بابه إذ لا خير في الخطأ بالعقوبة وإنما
مراده الترهيب من المؤاخذة مع قيام أدنى شبهة والخطاب في
قوله ادرؤا للأئمة. قال الطيبي: فالإمام مظهر أقيم مقام
المضمر على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثا له على
إظهار الرأفة والرحمة يعني من حق إمام المسلمين وقائدهم أن
يرجح سبيل العفو ما أمكن والكلام في غير خبيث شرير متظاهر
بالإيذاء والفساد أما هو فلا يدرأ عنه بل يتعين السعي في
إقامته بدليل الخبر المار أترعون عن ذكر الفاجر أذكروا
الفاجر بما فيه والخطأ كما قال الحراني هو الزلل عن الحق
من غير تعمد بل مع عزم الاصابة أو ودان لا يخطئ
(ش ت ك هق) في كتاب الحدود (عن عائشة) رضي الله عنها
مرفوعا وموقوفا. وقال الحاكم: صحيح ورده الذهبي في التلخيص
بأن فيه يزيد بن زياد شامي متروك وقال في المهذب: هو واه
وقد وثقه النسائي انتهى وسبقه الترمذي فقال في العلل: فيه
يزيد بن زياد سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال منكر
الحديث ذاهبه. وقال ابن حجر: فيه يزيد بن زياد ضعيف وقال
فيه البخاري منكر الحديث (وش) متروك قال الذهبي رحمه الله:
وأجود ما في الباب خبر البيهقي ادرؤا الحد والقتل عن
المسلمين ما استطعتم. قال هذا موصول جيد انتهى
(1/226)
314 - (ادرؤا الحدود) ادفعوا إقامتها جمع
حد. قال الحراني: وحقيقة الحاجز بين شيئين متقابلين فأطلق
هنا على الحكم تسمية للشيء باسم جزئه بدلالة التضمن
(بالشبهات) بضمتين جمع شبهة بالضم وهي كما في القاموس
الإلباس. وقال الزمخشري: تشابهت الأمور واشتبهت التبست
لاشتباه بعضها ببعض وشبه عليه الأمر لبس عليه (وأقيلوا
الكرام) أي خيار الناس ووجوههم نسبا وحسبا وعلما ودينا
وصلاحا (عثراتهم) أي زلاتهم بأن لا تعاقبوهم عليها ولا
تؤاخذوهم بها يقال للعثرة زلة لأن العثور السقوط والزلة
سقوط في الإثم. قال الزمخشري: من المجاز أقال الله عثرتك
وعثر على كذا اطلع عليه وأعثره عليه أطلعه وأعثر به عند
السلطان قدح فيه وطلب توريطه (إلا في حد من حدود الله)
فإنه لا يجوز إقالتهم فيه إذا بلغ الإمام وثبت عنده وخلى
عن الشبهة ولم يجد إلى دفعه عنه سبيلا وطلب منه إقامته
فيما يتوقف على الطلب وزاد قوله من حدود الله تفخيما
وتأكيدا فلا مفهوم له
(عد) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي خرجه أبو أحمد بن
عدي (في جزء له من حديث أهل مصر والجزيرة) من رواية ابن
لهيعة (عن ابن عباس) قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر
وهذا الإسناد إن كان من بين ابن عدي وابن لهيعة مقبول فهو
حسن وذكر البيهقي في المعرفة أنه جاء من حديث علي مرفوعا
وذكر التاج السكي في شرح المختصر أن أبا محمد الحارثي ذكره
في مسند أبي حنيفة من حديث ابن عباس ووهم من أخذ كلامه
فنسبه إلى أبي محمد الدارمي فكأنه تحرف عليه انتهى (وروى
صدره) فقط وهو قوله ادرؤوا الحدود بالشبهات (أبو مسلم
الكجي) بفتح الكاف وشد الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص لقب
به لأه كان كثيرا ما يبني به (وابن السمعاني) أي وروى صدره
فقط ابن السمعاني (في الذيل) أي ذيل تاريخ بغداد (عن) أبي
حفص (عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين
الخليفة العادل الراشد المجمع [ص:228] على وفور فضله وعقله
وعلمه وورعه وزهده وعدله (مرسلا) قال ابن حجر: وفي سنده من
لا يعرف وفيه قصة (ومسدد) بضم الميم وفتح المهملة وشد
المهملة ابن مسرهد البصري ثقة حافظ (في مسنده) الذي هو أول
مسند صنف في البصرة قيل اسمه عبد الملك ومسدد لقبه (عن)
عبد الله (بن مسعود موقوفا) بلفظ إدرؤوا الحدود بالشبهة
بلفظ الإفراد. وقال ابن حجر في شرح المختصر وهو موقوف حسن
الإسناد انتهى. وبه يرد قول السخاوي طرقه كلها ضعيفة نعم
أطلق الذهبي على الحديث الضعف ولعل مراده المرفوع
(1/227)
315 - (ادرؤا الحدود) جمع حد قال الراغب:
سميت العقوبة حدا لكونه يمنع الفاعل من المعاودة أو لكونها
مقدرة من الشارع أو الإشارة إلى المنع ولذا سمي البواب
حدادا قال وتطلق الحدود ويراد بها المعاصي كقوله تعالى
{تلك حدود الله فلا تقربوها} وعلى فعل فيه شيء مقدر ومنه
{ومن يتعد حدود الله} وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام
سميت حدود إذ الحد الحاجز فمنها ما زجر عن فعله ومنها ما
زجر عن الزيادة عليه والنقص منه (و) لكن (لا ينبغي) مع ذلك
(للإمام) ونوابه أي لا يجوز (تعطيل الحدود) أي ترك إقامة
شيء منها بعد ثبوته على وجه لا مجال للشبهة فيه فالمراد لا
تفحصوا عنها إذا لم تثبت عندكم وبعد الثبوت فإن كان ثم
شبهة فادرؤا بها وإلا فأقيموها وجوبا ولا تعطلوها فإن
تعطيلها يجر إلى اقتحام القبائح وارتكاب الفضائح والتجاهر
بالمعاصي وخلع ربقة أحكام الشريعة <تنبيه> أخذ الكرخي من
هذه الأخبار أنه لا يجب العمل بخبر الواحد في الحدود لما
أنه لا يفيد العلم إلا بقرينة وذلك شبهة وألزم بأن ذلك
موجود في شهادة الواحد
(قط هق عن علي) وضعفه البيهقي. وقال السخاوي: فيه المختار
بن نافع قال البخاري منكر الحديث انتهى نعم هو حسن بشواهده
وعليه يحمل رمز المؤلف لحسنه
(1/228)
316 - (ادعوا) بهمزة وصل مضمومة (الله)
المنفرد بالإعطاء والمنع والضر والنفع فذكره هنا أنسب من
ذكر الرب أي اسألوه من فضله من الدعاء وهو استدعاء العبد
ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الإفتقار
إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار
الذلة البشرية وبه رد على من كره الدعاء من الصوفية وقال
الأولى السكوت والرضا والجمود تحت جريان الحكم والقضاء
وهذا الحديث نص في رده والذي عليه جمهور الطوائف أن الدعاء
أفضل مطلقا لكن بشرط رعاية الأدب والجد في الطلب والعزم في
المسألة والجزم بالإجابة كما أشار إليه بقوله (وأنتم
موقنون) جازمون (بالإجابة) بأن تكونوا على حال تستحقون فيه
الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان
وتجنب المحظور والبهتان وتفريغ السر عما سوى الرحمن أما
سمعته يقول {وجاء بقلب منيب} أي راجع إليه عما سواه من
إظهار الانكسار والاضطرار ورفض الحول والقوة وغلبة ظن
الإجابة بحيث تكون أغلب على القلب من الرد لأن الداعي إذا
لم يكن جازما لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يصدق الرجاء لم
يخلص الدعاء إذ الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق
الفرع بدون تحقق الأصل ولأن الداعي إذا لم يدع ربه على
يقين أنه يجيبه فعدم إجابته إما لعجز المدعو أو بخله أو
عدم علمه بالابتهال وذلك كله على الحق تقدس محال. قال
الطيبي: وقيد الأمر بالدعاء باليقين والمراد النهي عن
التعرض بما هنا مناف للإيقان من الغفلة واللهو والأمر
بضدهما من إحضار القلب كما تقرر أولا والجد في الطلب
بالعزم في المسألة فإذا حصل حصل اليقين ونبه على ذلك بقوله
(واعلموا أن الله) زاد في رواية الترمذي تبارك وتعالى (لا
يستجيب) أي لا يجيب قال في النهاية: المجيب الذي يقابل
الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء (دعاء) بالمد (من قلب
غافل) بالإضافة ويجوز عدمها وتنوينها (لاه) أي لا يعبأ
بسؤال سائل غافل عن الحضور مع [ص:229] مولاه مشغوف بما
أهمه من دنياه ونظيره قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون} نهاهم عن الموت على غير دين الإسلام وليس بمقدورهم
لكنه أمر بالثبات عليه بحيث إذا أدركهم الموت على تلك
الحالة والتيقظ والجد في الدعاء من أعظم آدابه قال الإمام
الرازي: أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن
الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر. قال: وهذا الاتفاق
غير مختص بمسألة معينة ولا بحالة مخصوصة <تنبيه> قال
الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من
التمطيط والمبالغة في الصياح والإشنغال بتحريات النغم
إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي
الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده
إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ولا
أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا
الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع
لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله
وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع
كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب
الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة
والحرمان
(ت) في الدعوات واستغربه عن أبي هريرة قال في الأذكار:
وإسناده فيه ضعف (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال
الحاكم مستقيم الإسناد تفرد به صالح المزي أحد زهاد البصرة
انتهى ورده الذهبي فقال صالح متروك تركه (س) هذا رمز
الذهبي ومراده به النسائي وعبارة المتولي قال المنذري:
تركه أبو داود والنسائي انتهى فما في النسخ هن نقط السين
خطأ ينشأ من توهم أن رمز الذهبي كرمز المؤلف وغيره له هنا
قال (خ) منكر الحديث. وقال أحمد: صاحب قصص لا يعرف الحديث
وجرى على منواله الحافظ العراقي ثم تلميذه الحافظ ابن حجر
فقالا: صالح وإن كان صالحا ضعيف في الحديث ومن ثم تركه جمع
فمن زعم حسنه فضلا عن صحته فقد جازف
(1/228)
317 - (ادفعوا الحدود عن عباد الله) أضافهم
إليه تذكيرا بأن الدفع عنهم من تعظيم مالكهم (ما وجدتم له)
أي للحد الذي هو واحد الحدود أو للدفع المفهوم من ادفعوا
أي لا تقيموها مدة دوام وجودكم لها (مدفعا) كمصرع أي
تأويلا يدفعها لأن الله تعالى كريم عفو يحب العفو والسر
{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب
أليم} ومن ثم ندب للحاكم إذا أتاه نادم أقر بحد ولم يفسره
أن لا يستفسره بل يأمره بالستر فإن كان مما يقبل الرجوع
عرض له به كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا
مقيد بما إذا لم يكن الفاعل معروفا بالأذى والفساد فعدم
الإغضاء عنه أولى كما مر بل قد يجب عدم الستر عليه لأن
الستر يطغيه نص عليه مالك وغيره قال الحراني: والدفع رد
الشيء بغلبة وقهر عن وجهته التي هو منبعث إليها
(هـ) من حديث إسحاق بن إسرائيل عن وكيع عن إبراهيم بن
الفضل عن المقبري (عن أبي هريرة) قال ابن حجر في تخريج
المختصر: إبراهيم مدني ضعيف وقد خرجه ابن عدي فعده من
منكراته وقال: هذا رجل اتهمه سفيان الثوري انتهى وبه يعرف
سقوط رمز المصنف رحمه الله تعالى لحسنه إلا أن يراد أن ما
مر يعضده
(1/229)
318 - (ادفنوا) أيها المسلمون (موتاكم)
المسلمين (وسط) بفتح السين وسكونها وهو أفصح (قوم صالحين)
جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت
درجاته والوسط بمعنى المتوسط بين جماعة من الأموات. لكن
ليس المراد هنا حقيقة التوسيط وهو جعل الشيء في الوسط بل
الدفن بقرب قبر صالح أو بمقبرة الصلحاء ولو في طرفها فيكره
الدفن بقرب قبر مبتدع أو فاسق والأفضل بأفضل مقبرة البلد
ويحرم دفن مسلم في مقبرة كفار وعكسه كما أشار إليه بقوله
(فإن الميت يتأذى) يتضرر (بجار السوء) بالفتح والإضافة أي
بسبب جوار جار السوء الميت وتختلف مراتب الضرر بإختلاف
أحوال المتضرر منه لنحو شدة تعذيب أو نتن ريح أو ظلمة أو
غير ذلك فليس المراد بالتأذي مدلوله اللغوي [ص:230] وهو
الضرر بقيد كونه يسيرا فحسب إذ في القاموس الأذى السوء
اليسير (كما يتأذى الحي بجار السوء) الحي وفي رواية قيل:
يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة قال: هل
ينفع في الدنيا قالوا: نعم قال: كذلك ينفع في الآخرة. قال
السخاوي: وما روي أن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا إنما يقدس
المرء عمله قد لا ينافيه قال عبد الحق في العاقبة: فيندب
لولي الميت أن يقصد به قبور الصالحين ومدافن أهل الخير
فيدفنه معهم وينزله بإزائهم ويسكنه في جوارهم تبركا وتوسلا
بهم وأن يجتنب به قبور من يخاف التأذي بمجاورته والتألم
بمشاهدة حاله كما جاء في أثر أن امرأة دفنت بقبر فأتت
أهلها في النوم فجعلت تعتبهم وتقول ما وجدتم أن تدفنوني
إلا إلى فرن الخبز فلما أصبحوا لم يجدوا بقرب القبر فرن
خبز لكن وجدوا رجلا سيافا لابن عامر دفن بقربها. ورأى
بعضهم ولده بعد موته فقال: ما فعل الله بك قال: ما ضرني
إلا أني دفنت بإزاء فلان وكان فاسقا فروعني ما يعذب به من
أنواع العذاب ولو تعارض شرف البقعة وسوء حال المقبورين
فاحتمالان رجح بعضهم تقديم الدفن بجوار الصلحاء على الدفن
بالبقعة المقدسة وفيه حث على العمل الصالح والبعد عن أهل
الشر والزجر عن فعله والنهي عن أذى الجار
(حل) من حديث محمد بن عمران بن الجنيد عن شعيب بن محمد
الهمداني عن سلمان بن عيسى عن نافع عن عمه نافع بن مالك عن
أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث مالك وأقول
سليمان ابن عيسى قال في اللسان هالك وقال أبو حاتم كذاب
وابن عدي وضاع ومن ثم أورد الجوزقاني الحديث في الموضوعات
وكذا ابن الحوزي وتعقبه المؤلف وغاية ما أتى به أن شاهدا
حاله كحاله
(1/229)
319 - (ادفنوا القتلى) بفتح فسكون أي قتلى
أحد والحكم عام (في مصارعهم) وفي رواية في مضاجعهم أي في
الأماكن التي قتلوا فيها والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط
إلى الأرض ومنه قيل للقتيل صريع وهذا قاله لما نقلوا بعضهم
ليدفنوه بالبقيع مقبرة المدينة ولا يصح تعليله لكونه محل
الشهادة والأرض تشهد لمن قتل فيها لأن الشهادة لا تتوقف
منها على الدفن ولعله لبقاء دمائهم ودفنها معهم قال في
المطامح والصحيح أن ذلك كان قبل دفنهم وحينئذ فالأمر للندب
(4 عن جابر) قال الترمذي رحمه الله حسن صحيح ولهذا رمز
المؤلف رحمه الله تعالى لصحته
(1/230)
320 - (أدمان) تثنية أدم بضم الهمزة والدال
المهملة وتسكن جمع إدام وقيل هو بالسكون المفرد وبالضم
الجمع أي لبن وعسل (في إناء) واحد (لا آكله ولا أحرمه)
صريح في حله خلافا لمن وهم لأنه من الطيبات المأذون في
تناولها وإنما لم يأكله لأنه كان يكره التلذذ والتبسط
بنعيم الدنيا ويحب التقلل منه تركا للتعمق في التنعم ورفضا
لفضول الدنيا كما ورد في عدة أخبار وبين مراده به في خبر
عائشة رضي الله عنها وغيره وأكله من برمة فيها سمن وعسل
لبيان الجواز أو للإيناس أو جبرا لخاطر من قدمه أو لكونه
المتيسر في ذلك الوقت أو للتعديل كالجمع بين حار وبارد أو
رطب ويابس أو غير ذلك من المقاصد التي لا تنافي الزهد
<تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث نبه به على أنه ينبغي
للإنسان أن لا ينهمك في الشهوات فيكفي إسرافا أن يأكل كلما
يشتهيه ويفعل كلما يهواه فلا يعطي نفسه شهوتين دفعة فتقوى
عليه وقد أدب عمر ولده عبد الله إذ دخل عليه فوجده يأكل
لحما مأدوما بسمن فعلاه بالدرة وقال: لا أم لك كل يوما هذا
ويوما هذا وإذا كان حد الاعتدال المطلوب خفيا في كل شخص
فالحزم أن لا يترك في كل حال وأكل أدم في يوم هو الاعتدال
وخلافه إسراف وإفراط ومخالفته إقتار وكان بين ذلك قواما.
قال: وإذا اشتهى فاكهة فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها بدلا
عنه ليكون قوتا لئلا يجمع بين شهوة وعادة
(طس ك) في الأطعمة (عن أنس) قال: أتى النبي صلى الله عليه
وسلم بقعب فيه لبن وعسل فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي
وقال بل منكر واه وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني [ص:231]
فيه عبد الكبير بن شعيب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال
ابن حجر في طريق الطبراني راو مجهول وقد أشار البخاري إلى
تضعيفه في صحيحه فزعم صحته خطأ
(1/230)
321 - (أدن) بفتح الهمزة وسكون الدال وكسر
النون أي قرب (العظم من فيك) قاله لصفوان وقد رآه يأخذ
اللحم من العظم بيده (فإنه) أي تقريب اللحم من الفم ونهشه
(أهنأ) بفتح الهمزة الأولى ورفع الثانية أي أقل مشقة وتعبا
(وأمرأ) بصيغة أهنأ أي أقل ثقلا على المعدة وأسرع هضما
وأبعد عن الأذى وأحمد للعاقبة فالأمر إرشادي
(د عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشدة التحتية
تصغير أمة وهو ابن خلف الجمحي من المؤلفة الأشراف شهد
اليرموك أميرا قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم
فآخذ اللحم من العظم فذكره وقد رمز المؤلف لحسنه وليس كما
قال فقد جزم الحافظ ابن حجر بأن سنده منقطع
(1/231)
322 - (أدنى ما تقطع فيه يد السارق) أي
أدون ما يجب فيه قطع يد السارق من حرز مثله بشرطه (ثمن)
وفي رواية قيمة (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم الترس سمي
به لأنه يجن صاحبه أي يستره ويواريه وميمه عند سيبويه
أصلية وعند الجمهور زائدة وبقية الحديث عند مخرجه الطحاوي
وكان يقوم يومئذ بدينار وفي رواية له أيضا بعشرة دراهم
ويوافقه رواية أبي داود والنسائي عن ابن عباس قطع رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة
دراهم وفي رواية للنسائي لا قطع فيما دون عشرة دراهم وعورض
بأحاديث منها خبر الشيخين عن ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وخبر البيهقي عن
عمر قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت: ربع دينار وقال ابن عبد
البر: هذا أصح حديث في الباب قال ابن حجر: ويجمع بأنه قال
أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما
فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر وأما
سائر الروايات فليس فيها إلا الإخبار عن فعل وقع في عهده
وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر أنه قطع في
مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو مع كونه حكاية فعل لا يخالف
حديث عائشة أن قيمته ربع الدينار فإن ربع الدينار صرف
ثلاثة دراهم وليس المراد به مجنا بعينه بل الجنس وأن القطع
كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن فيكون نصابا ولا
يقطع فيما دونه وقد أخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن
أبيه قال كان السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقطع في ثمن المجن وكان يومئذ ذا ثمن ولم يكن يقطع في
الشيء التافه وقد قال في رواية الطحاوي أيضا وغيره بدل ثمن
قيمة وقيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة فيه والثمن ما
يقابل به المبيع عند البيع. قال ابن دقيق العيد: القيمة
والثمن قد يختلفان والمعتبر القيمة ولعل التعبير بالثمن
لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت أو باعتبار الغلبة والجمع
بين مختلف الروايات في ثمن المجن ممكن بالحمل على اختلاف
الثمن والقيمة أو على تعدد المجان التي قطع فيها أو اعتماد
الشافعي رحمه الله تعالى على حديث عائشة رضي الله تعالى
عنها أنه لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا قال وهذا صريح في
الحصر وسائر الأخبار حكاية فعل لا عموم لها وأما خبر لعن
الله السارق يسرق البيضة فيقطع ويسرق الحبل فيقطع فإنه وإن
احتمل بهذا الحديث وجوه <تنبيه> قال المازري وغيره وقد صان
الله تعالى الأموال بإيجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما
عداها بالنسبة إليها من نحو نهب وغصب ولسهولة إقامة البينة
عليها بخلاف السرقة وشدد العقوبة فيها لتكون أبلغ في الزجر
ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع
فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفيه إشارة إلى الرد على
المعري في قوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت. . . ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه القاضي عبد الوهاب بقوله:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها. . . ذل الخيانة فافهم حكمة
الباري [ص:232]
وشرحه أن الدية لو كانت ربع دينار كثرت الجنايات على
الأيدي. لو كان نصاب القطع خمس مئة دينار كثرت على الأموال
فظهرت الحكمة من الجانبين وكان فيه صيانة على الطرفين. قال
الزمخشري: والدون يعبر به عن قلة المقدار وإنما استعير
الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت
قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك والنطع كما في
الفتح تأثير في الغير بالإبانة
(الطحاوي طب عن أيمن الحبشي) ابن أم أيمن حاضنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم واسمها بركة رمز المصنف لحسنه. قال ابن
حجر: هذا منقطع لأن أيمن إن كان هو ابن أم أيمن فلم يدركه
عطاء ومجاهد لأنه استشهد يوم حنين وإن كان والد عبد الواحد
أو ابن امرأة كعب فهو تابعي وبالثاني جزم الشافعي وأبو
حاتم وغيرهما وأما رواية الطحاوي فنسب البيهقي الوهم فيها
إلى شريك وقد بين من رواية الطبراني أن الوهم ممن دونه
انتهى
(1/231)
323 - (أدنى أهل النار) أي أهونهم (عذابا)
وهو أبو طالب كما يأتي التصريح به في خبر (ينتعل بنعلين من
نار يغلي دماغه من حرارة نعليه) أي بسبب حرارتهما أو من
أجلهما فيرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم وفيه أن عذاب
أهل النار متفاوت فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم
إلى ركبتيه ومنهم ومنهم وكفر من كفر فقط ليس ككفر من كفر
وطغى وتمرد وعصى وكفر من قاتل الأنبياء وفتك فيهم وأفسد في
الأرض ليس ككفر من كفر وسالمهم وأحسن إلى أحدهم كأبي طالب
وقضية الخبر دوام الإحتراق مع الحركات والتحريكات الغير
المتناهية في القوة الحيوانية ولا استحالة فيه كما زعمه
بعض فرق الضلال وهم منكروا المعاد الجسماني لأن الله تعالى
قادر على الممكنات ودوام الحياة مع دوام الإحراق ممكن
والقوة الجسمانية قد لا تتناهى انفعالاتها فكذا فعلها
بالواسطة
(م عن أبي سعيد) الخدري لكن بلفظ رواية مسلم فيما وقفت
عليه من النسخ المحررة من حديث أبي سعيد: إن أدنى
(1/232)
334 - (أدنى) هذا هو لفظ رواية أحمد وغيره
ولفظ الترمذي إن أدنى (اهل الجنة) هو جهينة وقيل غيره
(منزلة) تمييز أو حال بتأويله بنازلا والمنزلة الدرجة وأصل
الدنو القرب في المكان ثم استعير للخسة كما استعير البعد
للشرف والرفعة (الذي) أي الرجل وعبر باسم الموصول تفخيما
(له ثمانون ألف خادم) من الذكور والإناث فإن الخادم يتناول
الغلام والجارية كما صرح به أهل اللغة وهؤلاء الخدم من
أولاد المشركين كما يدل عليه الحديث الآتي ويحتمل أن البعض
منهم والبعض من الولدان والبعض من الحور وقضية الخبر الحصر
في هذا العدد ويحتمل أن المراد المبالغة في الكثرة على
قياس ما يأتي بعده عن الغزالي لكنه يبعده ذكر الاثنين مع
السبعين في قوله (واثنتان وسبعون زوجة) من الحور العين كما
في رواية أي غير ما له من نساء الدنيا. قال السمهودي:
وتبين من الأحاديث أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من
الحور العين أصالة وسبعين إرثا من أهل النار وذلك غير
أزواجه من أهل الدنيا وأخذ منه أن النساء أكثر أهل الجنة
كما أنهن أكثر النار أهل وهو ما فهمه أبو هريرة كما في
الصحيحين عنه لكن فيهما مرفوعا أن منكن في الجنة ليسير وفي
حديث مسلم الآتي أقل ساكني الجنة النساء. قال ابن القيم:
فهذا يدل على أنه إنما يكن في الجنة أكثر بالحور وأما نساء
أهل الدنيا فأقل أهل الجنة قال السمهودي: وفيه نظر لإمكان
الجمع بأن المراد أن منكن في الجنة ليسير بالنسبة لمن يدخل
النار منكن لأنهن أكثر أهل النار ويحمل عليه خبر عائشة أقل
ساكني الجنة النساء يعني بالنسبة لمن يسكن منهن النار
ويأتي لذلك مزيد (وينصب له) في روضة من رياض الجنة أو على
حافة نهر الكوثر كما ورد في الصحاح (قبة) بضم القاف وشد
الموحدة بيت صغير مستدير (من لؤلؤ) بضم [ص:233] اللامين
وسكون الهمزة بينهما (وزبرجد) بدال مهملة كما في الصحاح
ولم يصب من جعله بمعجمة وله منافع منها أن شرب حكاكته نافع
من الجذام كما نقله المؤلف (وياقوت) قال القاضي: يريد إن
القبة معمولة منها أو مكللة بها وقال غيره أراد أنها مركبة
من الجوهر الثلاثة وللياقوت خواص شريفة منها أن التختم به
والتعلق يمنع إصابة الطاعون على التحقيق وله في التفريح
وتقوية القلب الجريح ومقاومة السموم ومدافعة الغموم ما هو
مشهور معلوم وسعتها (كما بين الجابية) قرية بالشام
(وصنعاء) قصبة باليمن كثيرة الشجر والماء تشبه دمشق قيل
أول بلد بنيت بعد الطوفان والمسافة بينهما أكثر من شهر.
قال القاضي: أراد أن بعد ما بين طرفيها كما بين الموضعين
وهذا للمبالغة في السعة وقد شنع حجة الإسلام على من زعم أن
المراد الحقيقة وقال لا تظن أن المراد به تقدير بالمساحة
لأطراف الأجسام فإن ذلك جهل بطريق ضرب الأمثال انتهى. وفيه
دلالة على سعة الجنان الموعودة لأهل الإيمان وذلك من أعظم
المنن عليهم إذ الروح مع السعة كما أن الكرب مع الضيق وكما
جمع الله لأهل الجنة السعة والإغداق جمع على أهل النار
التضييق والإرهاق
(حم ت) في صفة الجنة واستغربه (حب والضياء) المقدسي (عن
أبي سعيد) الخدري وفيه مقال
(1/232)
325 - (أدنى جبذات) جمع جبذة بجيم فموحدة
والجبذ الجذب وليس مقلوب بل لغة صحيحة كما بينه ابن السراج
وتبعه القاموس فجزم به موهما للجوهري (الموت بمنزلة) أي
مثل (مئة ضربة بالسيف) تهويل لشدته وإشارة إلى أنه خلق
فظيع منكر ثقيل بشع فليس المراد أن ألمه كألم المئة ضربة
بل هو إعلام بأنه في الشدة للغاية التي لا شيء فوقها وأن
كل عضو لا روح فيه لا يحس بألم فإذا كانت فيه الروح فالروح
هو المدرك للألم فكل ألم أصاب العضو سرى أثره للروح فبقدر
السراية يألم والموت ألمه مباشر للروح فيستغرق جميع أجزائه
حتى لم يبق فيه جزء إلا دخله الألم فإن المنزوع المجذوب من
كل عرق وعصب وشعر وبشر وذلك أشد من ألوف ضربات بالسيوف
لأنها لا تبلغ تلك الكلية لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلمه
لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المتناول نفس الروح؟ وأخرج ابن
عساكر أن عمرو ابن العاص كان يقول: عجبا لمن ينزل به الموت
وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به ذكره ابنه عبد الله
وقال صفه لنا قال: الموت أجل من أن يوصف لكني سأصف لك منه
شيئا كأن على عنقي جبال رضوى وفي جوفي الشوك وكأن نفسي
تخرج من ثقب إبرة ويستثنى من ذلك الشهيد فإنه إنما يجد
ألمه كما يجد غيره ألم القرصة كما في خبر يأتي
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذكر الموت) وما ورد
فيه (عن الضحاك بن حمرة) بضم المهملة وبراء مهملة الأملوكي
بضم الهمزة الوسطى قال في التقريب ضعيف (مرسلا) أرسل عن
قتادة وجماعة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الموت
فذكره
(1/233)
326 - (أدوا) أعطوا أهل الزكاة وجوبا وفي
رواية أخرجوا (صاعا) عن كل رأس وهو خمسة أرطال وثلث برطل
بغداد عند الأئمة الثلاثة وثمانية عند أبي حنيفة (من طعام)
من غالب قوت البلد وفي رواية بدله من بر (في الفطر) بكسر
الفاء أي في زكاة الفطر شكرا لله تعالى على إحسانه
بالهداية إلى صوم رمضان وتوفيقه الصائم لختم صومه واستقبال
فطره وامتثالا لأمر ربه وإظهارا لشكره بما خوله من إطعام
عيلته فلذلك جرت فيمن يصوم وفيمن يعوله الصائم على ما قرر
في الفروع ووجوبها مجمع عليه ولا إلتفات لمن شذ وفي إطلاق
الصاع تأكيد لمذهب الأئمة الثلاثة أن الواجب صاع تام من أي
جنس كان خلاف ما عليه الحنفية كما يجيء تفصيله
(حل هق) كلاهما من حديث عبد الله بن الجراح عن حماد ابن
زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي (عن ابن عباس) وقال أبو
نعيم رحمه الله تعالى غريب ولا أعلم له راويا إلا ابن
الجراح وقال غيره سنده ضعيف لكن له شواهد
(1/233)
[ص:234] 327 - (أدوا حق المجالس) أي ما طلب
منكم فيها أولها جمع مجلس محل الجلوس قيل وما حقها قال
(اذكروا) بضم الهمزة (الله) ذكرا (كثيرا) ندبا ليشهد لكم
ذلك المجلس بذلك وليشغلكم ذكره عما لا يعنيكم (وارشدوا) أي
اهدوا وجوبا عينيا وقد يكون مندوبا كفاية وقد يكون
(السبيل) الطرق للضال عنه ضلالا حسيا أو معنويا والمرشد
الهادي إلى سواء الصراط (وغضوا) بضم أوله المعمم (الأبصار)
أي اخفضوا أبصاركم حذرا من الإفتتان بامرأة أو غيرها
والمراد بالمجالس أعم من الطرق وهذا متأكد على كل جالس
والغض خفض الطرف أي حبسه وكفه عن النظر وكل شيء كففته فقد
غضضته
(طب عن سهل) ضد الصعب (ابن حنيف) بضم المهملة وفتح النون
وسكون المثناة تحت ابن واهب الأنصاري الأوسي بدري جليل قال
قال أهل العالية يا رسول الله لا بد لنا من مجالس فذكره
قال الهيتمي فيه أبو بكر ابن عبد الرحمن الأنصاري تابعي لم
أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى والمؤلف رحمه الله تعالى
رمز لحسنه
(1/234)
328 - (أدوا العزائم) جمع عزيمة وهي لغة
القصد المؤكد ومنه {ولم نجد له عزما} وعرفا ما لزم العباد
بإلزام الله وقيل الحكم الأصلي السالم عن المعارض (واقبلوا
الرخص) جمع رخصة وهي لغة خلاف التشديد وعرفا الحكم المتغير
إلى سهولة والمراد اعملوا بهذه وبهذه ولا تشددوا على
أنفسكم بإلتزام العزائم فإن الدين يسر وما شاده أحد إلا
غلبه وهذه الرخص ما سهله الله على عباده كقصر وفطر المسافر
ومسح خف وفطر مريض وشيخ هرم وحامل ومرضع وغير ذلك مما أجمع
على حله فإذا أنعم الله سبحانه وتعالى على العبد بنعمة حسن
قبولها إجلالا لما صدر من كرمه (ودعوا الناس) اتركوهم ولا
تبحثوا عن عيوبهم وأحوالهم الباطنة (فقد كفيتموهم) أي إذا
فعلتم ذلك كفاكم شرهم من يعلم السر وأخفى وفيه تحذير من
مخالطة الناس وحث على تجنبهم بقدر الإمكان
(خط عن ابن عمر) بإسناد ضعيف لكن له شواهد يأتي بعضها
(1/234)
329 - (أديموا) واظبوا وتابعوا ندبا (الحج
والعمرة) أي ائتوا بهما على الدوام والمواظبة لوجه الله
تعالى (فإنهما ينفيان) ينحيان (الفقر) بفتح الفاء وتضم وكل
منهما على حدته ينفي الفقر ففي خبر يأتي ما أمعن حاج قط أي
ما افتقر ولا احتاج وتخلفه في بعض الأفراد لعارض (والذنوب)
أي ويمحون الذنوب بمعنى أنه سبحانه وتعالى يكفرها بهما أما
الحج فيكفر الصغائر والكبائر وأما العمرة فيظهر أنها إنما
تكفر الصغائر ثم شبه ذلك تشبيه معقول بمحسوس بقوله (كما
ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون المثناة تحت زق ينفخ فيه
الحداد والمعنى من الطين كور (خبث الحديد) بفتحات وسخه
الذي يخرجه النار فإنه في كل مرة يخرج منه خبث فلا ينفي
خبثه إلا تتابع دخوله وتكرره وخص الحديد الذي هو أشد
المنطبعات صلابة وأكثرها خبثا إشارة إلى أن الفقر وإن اشتد
والذنوب وإن خبثت وعظمت يزيلهما المداومة على النسكين
ويأتي في خبر أن متابعتهما أيضا تزيد في العمر والرزق
واقتصر هنا على ذينك ليتم وجه التشبيه وفيه مشروعية إدامة
الحج والعمرة وإحياء الكعبة وإيقاع المناسك بهما وهو في كل
عام فرض كفاية على القادرين وإن حجوا وقد جبلت القلوب على
محبة ذلك ويعتبر وقوف جمع بعرفة يحصل بهم الشعار
(قط في الأفراد) بفتح الهمزة (طس عن جابر) قال الهيتمي فيه
عبد الملك بن محمد بن عقيل وفيه كلام ومع ذلك حديثه حسن
(1/234)
[ص:235] 330 - (إذا آتاك الله) بالمد أعطاك
(مالا) أي شيئا له قيمة يباع بها سمي مالا لأنه يميل
القلوب أو لسرعة ميله أي زواله (فلير) بالبناء للمجهول أي
فلير الناس (أثر) بالتحريك (نعمة الله عليك) أي سمة إفضاله
وبهاء عطائه فإن من شكر النعمة إفشاؤها كما في خبر ولما
كان من النعم الظاهرة ما يكون استدراجا وليس بنعمة حقيقية
أردفه بما يفيد أن الكلام في النعم الحقيقية فقال
(وكرامته) التي أكرمك بها وذلك بأن يلبس ثيابا تليق بحاله
نفاسة وصفاقة ونظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع رعاية
القصد وتجنب الإسراف ذكره المظهر وكان الحسن يلبس ثوبا
بأربع مئة وفرقد السنجي يلبس المسح فلقي الحسن فقال ما
ألين ثوبك قال يا فرقد ليس لين ثيابي يبعدني عن الله ولا
خشونة ثوبك تقربك منه إن الله جميل يحب الجمال. فإن قلت:
الحديث يعارضه حديث البس الخشن من الثياب وحديث تمعددوا
واخشوشنوا قلت لا فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم
طبيب الدين وكان يجيب كلا بما يصلح حاله فمن وجده يميل إلى
الرفاهية والتنعم فخرا وكبرا يأمره بلبس الخشن ومن وجده
يقتر على نفسه ويبالغ في التقشف مع كونه ذا مال يأمره
بتحسين الهيئة والملبس فلا ينبغي لعبد أن يكتم نعمة الله
تعالى عليه ولا أن يظهر البؤس والفاقة بل يبالغ في التنظيف
وحسن الهيئة وطيب الرائحة والثياب الحسنة اللائقة ولله در
القائل:
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم
(3 ك) وصححه (عن والد أبي الأحوص) بحاء مهملة وأبو الأحوص
اسمه عوف وأبوه مالك بن ثعلبة أو مالك بن عوف قال أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة قال هل لك
من مال قلت نعم فذكره قال العراقي في أماليه حديث صحيح
(1/235)
331 - (إذا آتاك الله مالا) أي متمولا وإن
لم تجب فيه الزكاة (فلير) بسكون لام الأمر (عليك فإن الله
يحب أن يرى أثره) محركا أي أثر إنعامه (على عبده حسنا)
بحسن الهيئة والتجمل. قال البغوي: هذا في تحسين ثيابه
بالتنظيف والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة
والترفه ومظاهرة الملبس على الملبس على ما هو عادة العجم
والمترفهين (ولا يحب) يعني يبغض (البؤس) بالهمز والتسهيل
أي الخضوع والذلة ورثاثة الحال أي إظهار ذلك للناس (ولا
التباؤس) بالمد وقد يقصر أي إظهار التمسكن والتخلقن
والشكاية لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له وإزدرائهم إياه
وشماتة أعدائه فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا
كراهة لقضائه ولا تضجر فمطلوب
(طب والضياء) المقدسي (عن زهير) مصغر (ابن أبي علقمة)
ويقال ابن علقمة الضبعي ويقال الضبابي له حديث قال الذهبي:
أظنه مرسلا. وقال ابن الأثير: قال البخاري زهير هذا لا
صحبة له وذكره غيره في الصحابة
(1/235)
332 - (إذا آخى الرجل الرجل) أي اتخذه أخا
يعني صديقا وذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان (فليسأله)
ندبا مؤكدا (عن اسمه) ما هو (واسم أبيه) وجده إن احتيج
(وممن) أي من أي قبيلة أو بلد (هو فإنه) أي فإن سؤاله عما
ذكر ومعرفته به (أوصل للمودة) أي أشد اتصالا لها لدلالتها
على الإهتمام بمزيد الإعتناء وشدة المحبة وأنه لا بد له من
تعهده عند الحاجة إلى ذلك وعيادته عند المرض وزيارته عند
الاشتياق وغير ذلك
(ابن سعد) في طبقاته (تخ ت) في الزهد [ص:236] (عن يزيد) من
الزيادة (ابن نعامة) بفتح النون مخففا (الضبي) نسبة إلى
بني ضبة. قال الذهبي: تبعا لابن الأثير مرسل وقال البخاري
له صحبة فوهم وقال أبو حاتم يزيد تابعي لا صحبة له وغلط خ
في إثباتها. وقال العسكري: غلط خ وفي التقريب لم يثبت له
صحبة
(1/235)
333 - (إذا آخيت) بالمد (رجلا) مثلا (فسله
عن اسمه واسم أبيه) أي وممن هو كما في الحديث قبله ومن ثم
زاد هنا في رواية وعشيرته ومنزله وذلك لأن فيه فوائد كثيرة
منها ما ذكره بقوله (فإن كان غائبا) أي مسافرا أو محبوسا
مثلا (حفظته) في أهله وماله وما يتعلق به (وإن كان مريضا
عدته) أي زرته وتعهدته (وإن مات شهدته) أي حضرت جنازته
قيل: وفيها ندب الإخاء في الله تعالى ومواصلته والتسبب في
إبقائه وحب الإخوان وحفظ حق الأخ حضر أو غاب وتفقد أحواله
مسافرا أو مريضا وعيادته وتفقد أهله في غيبته وبرهم وشهود
جنازته انتهى وفيه ما فيه لأن ندب نفس المؤاخاة ليس في
الحديث ما يفيدها وإنما تعلم من أدلة أخرى
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: رآني
المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنا ألتفت فقال: مالك تلتفت
قلت: آخيت رجلا فذكره ثم قال مخرجه البيهقي تفرد به مسلمة
بن علي بن عبيد الله وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده
الذهبي رحمه الله تعالى في الضعفاء والمتروكين وقال قال
الدارقطني وغيره متروك
(1/236)
334 - (إذا آمنك) بالمد والتخفيف والآمن
كصاحب ضد الخائف (الرجل على دمه فلا تقتله) أي لا يجوز لك
قتله كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبوله الدية ثم
يظفر به فيقتله فتوعد الله على ذلك في القرآن بقوله تعالى
{فمن اعتدى بعد ذلك - أي بعد العفو أو أخذ الدية - فله
عذاب أليم} قال قتادة: العذاب الأليم أن يقتل لا محالة ولا
تقبل ديته لقوله صلى الله عليه وسلم لا أعافي أحدا قتل بعد
أخذ الدية
(حم هـ) وكذا الطبراني (عن) أبي مطرف (سليمان بن صرد)
بمهملة مضمومة وراء مفتوحة ومهملة الخزاعي الكوفي رمز
المؤلف لصحته وليس كما قال ففيه عبد الله بن ميسرة قال في
الكاشف واه وفي الميزان عن البخاري ذاهب الحديث
(1/236)
335 - (إذا ابتغيتم) خطاب عام غلب فيه
الحاضرين على الغيب كما في قوله تعالى {يا أيها الناس
اعبدوا ربكم} (المعروف) النصفة والخير والرفق والإحسان.
قال في النهاية: المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله
تعالى والتقرب إليه والإحسان للناس وكل ما ندب إليه الشرع
ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة
(فاطلبوه عند حسان) وفي رواية جمال (الوجوه) أي الحسنة
وجوههم حسنا حسيا أو معنويا على ما مر وظاهر صنيع المؤلف
أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تتمته عند مخرجه
البيهقي فوالله لا يلج النار سخي ولا يلج الجنة شحيح إن
السخاء شجرة في الجنة تسمى السخاء وإن الشح شجرة في النار
تسمى الشح انتهى
(عد هب عن عبد الله بن جراد) بجيم ومهملتين الخفاجي
العقيلي قال البخاري له صحبة وقضية كلام المؤلف أن مخرجيه
سكتا عليه ولا كذلك بل تعقبه البيهقي بما نصه هذا إسناد
ضعيف انتهى فحذفه ذلك من كلامه غير صواب وذلك لأن فيه
إبراهيم العسبلي ويعلى بن الأشدق لا يصدق كما بينه الأئمة
(1/236)
[ص:237] 336 - (إذا ابتلى أحدكم) أي اختبر
وامتحن (بالقضاء) أي الحكم (بين المسلمين) خصهم لأصالتهم
وإلا فالنهي يتناول ما لو قضى بين ذميين (فلا يقض) ندبا
(وهو غضبان) ولو كان غضبه لله تعالى خلافا للبلقيني فيكره
ذلك تنزيها لا تحريما (وليسو) وجوبا (بينهم) أي بين الخصوم
أو الخصمين المتقاضيين عنده بدلالة السياق (في النظر)
إليهما معا أو عدم النظر إليهما معا (والمجلس) بأن يجلسهما
عن يمينه أو شماله أو تجاهه وهو أولى (والإشارة) فلا يخص
أحدهما بها دون الآخر فيحرم ذلك حذرا مما يتوهمه التخصيص
من الميل وفرارا من كسر قلب الآخر ولا بدع في كون الكلام
الواحد يجمع أحكاما يكون بعضها مكروها وبعضها حراما كما
يأتي ونبه بالنهي عن القضاء وقت الغضب على كراهته في كل
حال يغير خلقه وكمال عقله كشدة جوع وعطش وشبع وشق وفرح
وحزن ونعاس وحقن بول ومؤلم مرض وحر وبرد ومزعج خوف ولو قضى
مع ذلك نفذ وكره ونبه بالأمر بالتسوية فيما ذكر على أنه
يلزمه التسوية بينهما في الدخول عليه والقيام ورد السلام
والنظر والاستماع وطلاقة الوجه ونحو ذلك
(ع عن أم سلمة) زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال
الهيتمي: فيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف
(1/237)
337 - (إذا أبردتم إلي بريدا) أي أرسلتم
إلي رسولا. قال الزمخشري: البريد الرسول المستعجل وفي محل
آخر فارسية وهي في الأصل البغل أصلها بريدة دم أي محذوف
الذنب لأن بغال البريد كانت كذلك فعربت وخففت ثم سمي
الرسول الذي يركبها بريد (فابعثوه حسن الوجه) أي جميله قال
قيصري والحسن معنى روحاني تنجذب إليه القلوب بالذات حاصل
من تناسب الأعضاء (حسن الاسم) للتفاؤل بحسن صورته واسمه
وأهل اليقظة والإنتباه يرون أن الأشياء بأسرها من الله
فإذا ورد وارد حسن الوجه حسن الاسم تفاءلوا به وكان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه
من مكان أو قبيلة أو جبل أو شخص ومن تأمل معاني السنة وجد
معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها حتى كأن معانيها مأخوذة
منها وكأن الأسماء مشتقة منها ألا ترى إلى خبر أسلم سالمها
الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ومما يدل على
تأثير الأسماء في مسمياتها خبر البخاري عن ابن المسيب عن
أبيه عن جده أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما
اسمك قلت: حزين قال: أنت سهل قلت: لا أغير اسما سماني به
أبي. قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد بعد
والحزونة الغيظة قال ابن جني: مر بي دهر وأنا أسمى الاسم
لا أدري معناه إلا من لفظه ثم أكشفه فإذا هو كذلك قال ابن
تيمية: وأنا يقع لي كثيرا. <تنبيه> قال الراغب: الجمال
نوعان أحدهما امتداد القامة التي تكون عن الحرارة الغريزية
فإن الحرارة إذا حصلت رفعت أجزاء الجسم إلى العلو كالنبات
إذا نجم كلما كان أعلى كان أشرف في جنسه وللاعتبار بذلك
استعمل في كل ما جاد في جنسه العالي والفائق وكثر المدح
بطول القامة الثاني أن يكون مقدودا قوي العصب طويل الأطراف
ممتدها رحب الذراع عير مثقل بالشحم واللحم قال أعني الراغب
ولا نعني بالجمال هنا ما تتعلق به شهوة الرجال والنساء
فذلك أنوثة بل الهيئة التي لا تنبو الطباع عن النظر إليها
وهو أدل شيء على فضيلة النفس لأن نورها إذا أشرق تأدى إلى
البدن وكل إنسان له حكمان أحدهما من قبل جسمه وهو منظره
والآخر من قبل نفسه وهو مخبره فكثيرا ما يتلازمان فلذلك
فرع أهل الفراسة في معرفة أحوال النفس أولا إلى الهيئة
البدنية حتى قال بعض الحكماء قل صورة حسنة تتبعها نفس
رديئة فنقش الخاتم مفروش الطين
(البزار) من عدة طرق (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء
تصغير بردة وهو ابن الحصيب بضم المهملة الأولى وفتح
الثانية الأسلمي قال الهيتمي وطرق البزار كلها ضعيفة ورواه
الطبراني [ص:238] باللفظ المزبور عن أبي هريرة فيه عمر بن
راشد وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات انتهى
وبه يعلم أن المؤلف لو عزاه للطبراني كان أولى وأن زعمه في
الأصل أنه صحيح فيه ما فيه وإنما رمزه هنا لحسنه إنما هو
لاعتضاده
(1/237)
338 - (إذا أبق) بفتح الموحدة أفصح من
كسرها (العبد) يعني هرب القن من مالكه بغير إذن شرعي
والآبق مملوك فر من مالكه قصدا (لم تقبل له صلاة) وإن لم
يستحل الأباق بمعنى أنه لا يثاب عليها لكن تصح ولا تلازم
بين القبول والصحة كما مر وقيل المنفي كمال القبول لا أصله
والأصح كما قاله النووي الأول فصلاته غير مقبولة لاقترانها
بمعصية وصحيحة لوجود شروطها وأركانها كما حققه النووي كابن
الصلاح زاد ابن علي المازري وعياض تأويله بالمستحل وزاد في
رواية حتى يرجع لمواليه. قال العراقي: ونبه بالصلاة على
غيرها انتهى وقد عظم في هذا الخبر وما أشبهه جرم الإباق
وهو جدير بذلك ذلك لأن الحق تعالى وضع من الحقوق التي على
الحر كثيرا عن العبد لأجل سيده وجعل سيده أحق به منه بنفسه
في أمور كثيرة فإذا استعصى العبد على سيده فإنما يستعصي
على ربه إذ هو الحاكم عليه بالملك لسيده {وما كان لمؤمن
ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم} أما لو أبق لعذر كفراره من لواطه به كما غلب في هذا
الزمان وكما لو كلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام
فلا ضير
(م) في الإيمان (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره
(1/238)
339 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي جامع حليلته
(ثم أراد العود) للجماع وفي رواية بدا له أن يعود
(فليتوضأ) بينهما أي الجماعين وضوءا تاما كوضوء الصلاة
بدليل رواية البيهقي وابن عدي إذا أتيت أهلك فإن أردت أن
تعود فتوضأ وضوءك للصلاة ولا ينافيه قوله في آخر فليغسل
فرجه بدل فليتوضأ لأن كمال السنة إنما يحصل بكمال الوضوء
الشرعي وأصلها يحصل بالوضوء اللغوي وهو تنظيف الفرج بالغسل
والأمر للندب عند الأربعة وللوجوب عند الظاهرية
(حم م 4) في الطهارة (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه
البخاري (وزاد حب ك) قال تفرد به شعبة (هق فإنه أنشط
للعود) أي أكثر نشاطا له وأعون عليه مع ما فيه من تخفيف
الحدة لأنه يرفعه عن أعضاء الوضوء والمبيت على إحدى
الطهارتين خوفا من أن يموت في نومه وأخذ منه أنه يسن
للمرأة أيضا. قال في شرح مسلم: ويكره الجماع أي الثاني قبل
الوضوء ويقال: أن الامام الشافعي رحمه الله قال: الحديث لم
يثبت ولعله لم يقف على سند أبي سعيد
(1/238)
340 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي أراد جماع
حليلته (فليستتر) أي فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما ندبا
وخاطبه بالستر دونها لأنه يعلوها وإذا استتر الأعلى استتر
الأسفل (ولا يتجردان) خبر بمعنى النهي أي ينزعان الثياب عن
عورتيهما فيصيران متجردين عما يسترهما (تجرد العيرين)
تشبيه حذفت أداته وهو بفتح العين تثنية عير وهو الحمار
الأهلي وغلب على الوحشي وذلك حياء من الله تعالى وأدبا مع
الملائكة وحذرا من حضور الشيطان فإن فعل أحدهما ذلك كره
تنزيها لا تحريما إلا إن كان ثم من ينظر إلى شيء من عورته
فيحرم وجزم الشافعية بحل نظر الزوج إلى جميع عورة زوجته
حتى الفرج بل حتى ما لا يحل له التمتع به كحلقة دبرها وخص
ضرب المثل بالحمار زيادة في التنفير والتقريع واستهجانا
لذلك الأمر الشنيع ولأنه أبلد الحيوان وأعدمه فهما وأقبحه
فعلا وفي حديث الطبراني والبزار تعليل الأمر بالستر بأنه
إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت فإذا كان بينهما ولد
كان للشيطان فيه نصيب هذا لفظه قال الهيتمي: وفي إسناد
الطبراني مجهول وبقية رجاله ثقات وكما يندب الستر يندب
تغطية رأسه وخفض صوته لما في خبر يأتي أن المصطفى صلى الله
عليه وسلم كان يفعله
(ش طب هق) وكذا في الشعب (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي في
الشعب عقب تخريجه تفرد به مندل العنزي انتهى ومندل أورده
الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد والدارقطني قال الهيتمي
[ص:239] عقب عزوه للطبراني: فيه مندل ضعيف وقد وثق وقال
البزار: أخطأ مندل في رفعه والصواب أنه مرسل وبقية رجاله
رجال الصحيح (هـ عن عتبة) بمثناة فوقية (ابن عبد) بغير
إضافة وهذا الاسم متعد في الصحابة فكان ينبغي تمييزه (ن عن
عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم
بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة (طب
عن أبي أمامة) لكن بلفظ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر عليه
وعلى أهله ولا يتعريا تعري الحمير. قال الهيتمي: فيه عفير
بن معدان ضعيف. فرمز المؤلف لحسه إنما هو لاعتضاده وتقويه
بكثرة طرقه وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعف أسانيده
ووجهه ما تقرر
(1/238)
341 - (إذا أتى الرجل القوم) أي جاء أو لقي
العدول الصلحاء كما يدل عليه السياق فلا اعتبار بأهل
الفجور والفساق (فقالوا) له بلسان المقال أو الحال (مرحبا)
نصب بمضمر أي صادفت أو لقيت رحبا بضم الراء أي سعة وهي
كلمة إكرام وإظهار مودة ومحبة وتلقي الأخيار بها مندوب.
قال العسكري وأول من قالها سيف بن ذي يزن (فمرحبا به يوم
القيامة) أي فذلك ثابت له يوم القيامة أو فيقال له ذلك فهو
علم لسعادته فإن الله تعالى إذا أحب عبدا ألقى محبته في
قلوب العباد وهو إشارة وبشارة بنظره إليه تعالى (وإذا أتى
الرجل القوم فقالوا له قحطا) بفتح فسكون أو فتح نصب على
المصدر أيضا أي صادفت قحطا أي شدة وحبس غيث (فقحطا له يوم
القيامة) أصله الدعاء عليه بالجدب فاستعير لانقطاع الخير
وجدبه من العمل الصالح والمراد أنه إذا كان ممن يقول فبه
العدول عند قدومه عليهم هذا القول فإنه يقال له مثله يوم
القيامة أو هو كناية عن كونه يلقى شدة وأهوالا وكربا في
الموقف وفي الخبر هم شهداء الله في الأرض فهو كناية عن
كونه مغضوبا عليه وذكر اللقاء في الأول وإضافته للربوبية
دون الثاني إشارة إلى أن ربه يتلقاه بالإكرام ويربيه بصنوف
البر والإنعام وأما الثاني فيعرض عنه وحذف له من الأول
لدلالة الثاني عليه
(طب ك) في الفضائل (عن الضحاك بن قيس) الفهري قال الحاكم
على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيتمي: رجال الطبراني
رجال الصحيح غير ابن عمرو الضرير وهو ثقة
(1/239)
342 - (إذا أتى أحدكم) وفي رواية إذا أتيتم
(الغائط) محل قضاء الحاجة كنى به عن العذرة كراهة لاسمه
فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية (فلا يستقبل
القبلة) الكعبة قال القاضي: القبلة في الأصل الحالة التي
عليها الإنسان من الاستقبال فصارت عرفا للمكان المتوجه
نحوه للصلاة. وقال الحراني: أصل القبلة ما يجعل قبالة
الوجه والقبل ما أقبل من الجسد في مقابلة الدبر لما أدبر
منه ولا هناء هية بقرينة قوله (ولا يولها) بحذف الياء
(ظهره) أي لا يجعلها مقابل ظهره ولمسلم لا يستدبرها وزاد
ببول أو غائط فأفاد تخصيص التحريم بحالة خروجه (شرقوا أو
غربوا) قال الولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود وغربوا
بغير ألف وفي بقية الكتب الستة أو غربوا بألف ولعله من
الناسخ وكلاهما صحيح والمعنى توجهوا إلى جهة الشرق أو
الغرب وفيه إلتفات من الغيبة إلى الخطاب وهو لأهل المدينة
ومن قبلتهم على سمتهم كالشام واليمن فمن قبلته إلى المشرق
أو المغرب ينحرف إلى الجنوب أو إلى الشمال وفيه دلالة على
[ص:240] عموم النهي في الصحراء والبنيان وهو مذهب النعمان
وخصه مالك والشافعي بالصحراء للحوق المشقة في البنيان
بتكليف الانحراف عن سمت البناء إذا كان موضوعا للقبلة
بخلاف الصحراء ولما رواه الشيخان أن المصطفى صلى الله عليه
وسلم قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة
ولما رواه ابن ماجه بإسناد حسن أنه قضاها مستقبل الكعبة
فجمع الشافعي بين الأخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على
غير البناء لأنه لا يشق فيه تجنب الاستقبال والاستدبار
بخلاف البنيان قد يشق فيحل فعله كما فعله المصطفى صلى الله
عليه وسلم لبيان الجواز وإن كان الأولى لنا تركه ومحل
الثاني إذا استتر بمرتفع ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع
فأقل بذراع الآدمي ومحل الأول إذا لم يستتر بذلك وهذا كله
في غير المعد لذلك أما فيه فلا حرمة ولا كراهة
(حم ق 4 عن أبي أيوب) الأنصاري بألفاظ مختلفة
(1/239)
343 - (إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما)
طائفة من العلم أو علما سنيا عزيزا إذ التنكير للتعظيم
والتفخيم. قال ابن حجر: والمراد بالعلم الذي أمره الله
تعالى بطلب الازدياد منه ولم يأمره بطلب الازدياد من شيء
إلا منه قال والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيده معرفة
ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته
ومداره على التفسير والحديث والفقه إلى هنا كلامه ولو كان
لي من الأمر شيء لقلت اللائق بمنصبه الشريف إرادة العلم
بالله سبحانه وتعالى الذي هو أسمى المطالب وأسمى المواهب.
ثم رأيت بعض العارفين قال: أراد بهذه الزيادة من العلم علم
التوحيد المتعلق بالله تعالى لتزيد معرفته بتوحيد الله
فتزيد رتبته في تحميده وقد حصل له عليه أفضل الصلاة
والسلام من العلوم والأسرار ما لا بيلغه أحد (يقربني إلى
الله تعالى) أي إلى رحمته ومزيد رضاه (فلا بورك لي في طلوع
شمس ذلك اليوم) دعاء أو خبر والقصد تبعيد نفسه من عدم
الازدياد وأنه دائم الترقي وقد أراه الله تعالى لطائف في
باب العلم وآدابا لم يكن رآها وفيوضات جزيلة لم يكن يعلمها
وصار تلقنه لذلك الإمداد بمنزلة الغذاء له بل هو غذاء
روحاني فلو فرض انقطاعه عنه لحظة من نهار لم يعده مباركا
والعلم لا ساحل له ولا منتهى وهو درجات وبدؤه من العلي
العليم وكلما ارتقى الإنسان فيه درجة ازداد قربا من أعلم
العالمين والمراد لا بورك لي في ذلك اليوم وذكر طلوع الشمس
إشارة إلى أنه كله من أوله إلى آخره كذلك وذكر النهار مثال
فالليل كذلك ويحتمل أن ذلك لأن محل تعلم العلم وتعليمه
النهار دون الليل وقد كان دائم الترقي في كل لمحة. قال ابن
سع: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كلف من العلم وحده
ما كلفه الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع
معاشرة الخلق قال بعض الصوفية وإنما طلب الزيادة من العلم
لا من المال لأن زيادة المال تورث الإنكار على صاحبها
واللائق بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الاتصاف بما يتألف
به القلوب كالعلم فإنه يزيد صاحبه كشفا وإيضاحا واتساعا
وانشراحا وتميل إليه النفوس <تنبيه> قد يراد باليوم معناه
المعروف وقد يراد به القطعة من الزمان وقد يراد به الدولة
والأنسب هنا إرادة الثاني لولا ذكره طلوع الشمس
(طس) وفيه عنده بقية صدوق ذو مناكير والحكم بن عبيد الله
عن الزهري. قال الهيتمي: تركه الصوري وغيره انتهى وأورده
الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال متهم وقال أبو حاتم
كذاب (عد) وفيه عنده سليمان بن بشار قال في الميزان متهم
بالوضع وقال ابن حبان وضع على الأثبات ما لا يحصى ووهاه
ابن عدي وسرد له من الواهيات عدة هذا منها قال في اللسان
ولفظ ابن عدي كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث فما أوهمه
صنيع المؤلف من أن ابن عدي خرجه وأقره غير صواب (حل عن
عائشة) وفيه عبد الرحمن بن عمروسة أورده الذهبي في ذيل
الضعفاء وقال ثقة مكثر ذو غرائب [ص:241] تكلم فيه ابن
الفرات وفيه الحكم المذكور وقد عرفت أنه كذاب ومن ثم حكم
ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه العراقي في تخريج أحاديث
الإحياء الكبير وذكر ابن العراقي أن المؤلف وافق ابن
الجوزي على وضعه لكن رأيته تعقبه في مختصر الموضوعات فلم
يأت بطائل سوى أن قال: له شاهد عند الطبراني وهو خبر " من
معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت مالم تعلم " وأنت خبير
ببعد ما بين الشاهد والمشهود
(1/240)
344 - (إذا أتى أحدكم خادمه) بالرفع وأحدكم
منصوب مفعول به (بطعامه) ليأكله والخادم يطلق على القن
والحر. قال الزمخشري: وهو بغير تاء التأنيث لإجرائه مجرى
الأسماء غير المأخوذة من الأفعال ومثلها امرأة عاشق (قد
كفاه علاجه) أي تحمل المشقة من تحصيل آلاته ومزاولة عمله
(ودخانه) بالتخفيف مقاساة شم لهب النار حال الطبخ نص عليه
مع شمول ما قبله له لعظم مشقته (فليجلسه) ندبا ليأكل (معه)
كفايته مكافأة له على كفايته حره وعلاجه وسلوكا لسبيل
التواضع المأمور به في الكتاب والسنة هذا هو الأفضل (فإن
لم يجلسه) للأكل (معه) لعذر كقلة طعام أو لكون نفسه تعاف
ذلك قهرا عليه ويخشى من إكراهها محذورا أو لغير ذلك كمحبته
للاختصاص بالنفيس أو لكون الخادم يكره ذلك حياء منه أو
تأدبا أو كونه أمرد يخشى من التهمة به بإجلاسه معه أو لغير
ذلك (فليناوله) ندبا مؤكدا من الطعام (أكلة) بضم الهمزة ما
يؤكل دفعة واحدة كلقمة (أو أكلتين) ما يؤكل كذلك بحسب حال
الطعام والخادم ليرد ما في نفسه من شهوة الطعام وتنكسر
سورة الجوع ولفظ رواية البخاري لقمة أو لقمتين أو أكلة أو
أكلتين قال الدماميني فإن قلت ما هذا العطف قلت لعل الراوي
شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا فجمع وأتى
بحرف الشك ليؤدي كما سمع ويحتمل أنه من عطف أحد المترادفين
على الأخر بكلمة أو وقد صرح بعضهم بجوازه والخادم يشمل
الذكر والأنثى لكنه كما قال المحقق أبو زرعة فيها محمول
فيما إذا كان السيد رجلا على أن تكون أمته أو محرمه فإن
كانت أجنبية فليس له ذلك قال: وفي معنى الطباخ حامل الطعام
في الإجلاس والمناولة لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به
وشم ريحه وإراحة صاحب الطعام من حمله فتخصيصه من ولى
الطعام ليس لإخراج غيره من الخدم بل لكونه آكد وهذا كله
للندب أما الواجب فإطعامه من غالب قوت الأرقاء بذلك البلد
(ق د ت هـ عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ متقاربة
(1/241)
345 - (إذا أتاكم كريم قوم) أي رئيسهم
المطاع فيهم المعهود منهم بإكثار الإعظام وإكثار الاحترام
(فأكرموه) برفع مجلسه واجزال عطيته ونحو ذلك مما يليق به
لأن الله تعالى عوده منه ذلك ابتلاء منه له فمن استعمل معه
غيره فقد استهان به وجفاه وأفسد عليه دينه فإن ذلك يورث في
قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة وذاك يجر إلى سفك
الدماء وفي إكرامه إتقاء شره وإبقاء دينه فإنه قد تعزز
بدنياه وتكبر وتاه وعظم في نفسه فإذا حقرته فقد أهلكته من
حيث الدين والدنيا وبه عرف أنه ليس المراد بكريم القوم
عالمهم أو صالحهم كما وهم البعض ألا ترى أنه لم ينسبه في
الحديث إلى علم ولا إلى دين؟ ومن هذا السياق انكشف أن
استثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغفلة عما
تقرر من أن الاكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي أو لحوق
ضرر للفاعل أو للمفعول معه فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه
بل قد يجب فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصى
مجلسه وعامله معاملة الرعية فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن
أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل:
دارهم ما دمت في دارهم. . . وحيهم ما دمت في حيهم
[ص:242] وقال صلى الله عليه وسلم " بعثت بمداراة الناس "
(هب) وهو ضعيف ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين
بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون
لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين ورحمة لذلك الظالم
المبتلى المسكين وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه
وسلم مع المؤلفة وغيرهم وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن
معرفة تدبير الله ورسوله في خلقه والجمود على ظاهره {ومن
يهن الله فما له من مكرم} وما دروا أن السنة شرحت ذلك
وبينته أحسن بيان فموضع طلب إهانة الكافر والفاسق الأمن من
حصول مفسدة والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله ويهين لله
ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه
من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع كبرياءه ورأى
نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا
فقيرا حقيرا أكرمناه كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن
ظالمون لأنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام
لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتواضع
لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة
الإلهية ورؤي بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء
والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي
فقصه على بعضهم قال لا تنكره فإن تأدبهم مع من ألبسه
الخلعة لا معه ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه
ركب أكابر الدولة في خدمته فرحم الله القائل:
رب هب لي مذلة وانكسارا. . . وأنلني تواضعا وافتقارا
وفق القلب واهده لصلاح. . . وأذقني حلاوة واصطبار
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الصباح قال في
الكشاف: وثقه أبو زرعة له حديث منكر ومحمد بن عجلان ضعفه خ
ووثقه غيره (البزار) في مسنده (وابن خزيمة) في صحيحه (طب
عد هب عن جرير) بن عبد الله البجلي بفتح الموحدة والجيم
والقشيري اليماني أسلم عام توفي المصطفى صلى الله عليه
وسلم وكان يحبه ويكرمه وكان عالي الجمال حتى قال فيه عمر
هو يوسف هذه الأمة قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني وفيه
حصين بن عمر مجمع على ضعفه وسببه أن جريرا قدم على المصطفى
صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه ثم ذكره (البزار) في
مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه
انتهى. وفي الميزان عن ابن عدي أنه حديث منكر (عد) من حديث
سهل (عن معاذ) بن جبل (وأبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث
أو عمرو أو النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة
السلمي بفتحتين. قال الهيتمي: وسهل لم يدرك معاذا وفيه
أيضا عن عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال لا يخطئ (ك
عن جابر) عن عبد الله (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: وفيه
إبراهيم بن يقظان وكذا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث
وفيهما ضعف لكن وثق ابن حبان الأول (وعن عبد الله بن ضمرة)
بن مالك البجلي قال ابن الأثير: عدوه في أهل البصرة قال
الهيتمي: وفيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو كذاب (ابن
عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وضعفه وذكر فيه بيان
السبب وهو أنه لما دخل عدي على المصطفى صلى الله عليه وسلم
ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض فقال: أشهد أنك لا تبغي
علوا في الأرض ولا فسادا ثم أسلم وفي رواية أخرى فقيل له
يا نبي الله لقد رأينا منظرا لم نره لأحد فقال نعم هذا
كريم قوم إذا أتاكم إلى آخره (وعن عدي) بفتح المهملة
الأولى وكسر الثانية (ابن حاتم) قال ابن الأثير: عدوه في
أهل فلسطين وحديثه في الشاميين. قال ابن حجر: يقال له رؤية
وفي الميزان عنه أنه منكر (الدولابي) محمد بن أحمد بن حماد
من أهل الري (في) كتاب (الكنى) والألقاب (وابن عساكر) في
تاريخه (عن أبي راشد عن عبد الرحمن ابن عبد) بغير إضافة
ويقال بن عبيد الأزدي له وفادة (بلفظ) إذا أتاكم (شريف
قومه) فأكرموه من الشرف وهو المكان العالي فسمى الشريف
شريفا لارتفاع نزلته وعلو مرتبته على قومه قال الذهبي في
مختصر المدخل طرقه كلها [ص:243] ضعيفة وله شاهد مرسل وحكم
ابن الجوزي بوضعه وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه
ضعيف لا موضوع
(1/241)
346 - (إذا أتاكم الزائر فأكرموه) بالتوقير
والتصدير والضيافة والاتحاف لأمره تعالى بحسن المعاشرة
وهذا قاله حين أتاه جرير فأكرمه وبسط رداءه له وإطلاق
الزائر هنا يشمل كل زائر وتقييده في الحديث قبله بالكريم
للآكدية
(هـ عن أنس) قال العراقي هذا حديث منكر قاله ابن أبي حاتم
في العلل عن أبيه
(1/243)
347 - (إذا أتاكم) أيها الأولياء (من) أي
رجل يخطب موليتكم (ترضون خلقه) بالضم وفي رواية بدله
أمانته (ودينه) بأن يكون مساويا للمخطوبة في الدين أو
المراد أنه عدل فليس الفاسق كفأ لعفيفة (فزوجوه) إياها وفي
رواية فأنكحوه أي ندبا مؤكدا بل إن دعت الحاجة وجب كما مر
(إن لا تفعلوا) ما أمرتم به وفي رواية تفعلوه. قال الطيبي:
الفعل كناية عن المجموع أي إن لم تزوجوا الخاطب الذي ترضون
خلقه ودينه (تكن) تحدث (فتنة في الأرض وفساد) خروج عن حال
الاستقامة النافعة المعينة على العفاف (عريض) كذا في رواية
البيهقي وغيره وفي رواية كبير والمعنى متقارب وفي رواية
كرره ثلاثا يعني أنكم إن لم ترغبوا في الخلق الحسن والدين
المرضي الموجبين للصلاح والاستقامة ورغبتم في مجرد المال
الجالب للطغيان الجار للبغي والفساد تكن إلى آخره أو
المراد إن لم تزوجوا من ترضون ذلك منه ونظرتم إلى ذي مال
أو جاه يبق أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة فيكثر
الزنا ويلحق العار فيقع القتل ممن نسب إليه العار فتهيج
الفتن وتثور المحن. وقال الغزالي: أشار بالحديث إلى أن دفع
غائلة الشهوات مهم في الدين فإن الشهوات إذا غلبت ولم
يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش انتهى. والفساد
خروج الشيء عن حال استقامته وضده الصلاح وهو الحصول على
الحال المستقيمة النافعة وقول البغوي فيه اعتبار الكفاءة
في التناكح وأن الدين أولى ما اعتبر منها فيه نظر إذ ليس
فيه ما يدل إلا على اعتبار الدين ولا تعرض فيه لاعتبار
النسب الذي اعتبره الشارع عليه الصلاة والسلام وفيه أن
المرأة إذا طلبت من الولي تزويجها من مساو لها في الدين
لزمه لكن اعتبر الشافعية كونه كفأ وفيه أنه ينبغي تحري
محاسن الأخلاق في الخاطب والبعد عمن اتصف بمساويها
(ت هـ ك) في النكاح عن عبد الله بن الحسين عن الحارث بن
أبي أسامة عن يزيد بن هارون عن عبد الحميد بن سليمان عن
ابن عجلان عن وثيمة البصري (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح
ورده الذهبي بأن عبد الحميد هو أبو فليح قال أبو داود
وغيره ثقة وثيمة لا يعرف (عد) من حديث صالح المنيحي عن
الحكم بن خلف عن عمار بن مطر عن مالك عن نافع (عن ابن عمر)
بن الخطاب. قال في الميزان: وعمار هالك ووثقه بعضهم قال
أبو حاتم كان يكذب (ت هق عن أبي حاتم المزني) بضم الميم
وفتح الزاي صحابي له هذا الحديث الواحد وقيل لا صحبة له
ويقال اسمه عقيل بن ميمونة ذكره في التقريب قال البخاري
وتبعه الترمذي ولا أعلم له غير هذا الحديث فمن ثم قال
المؤلف (وماله غيره) ولو عبر بعبارة البخاري كان أولى إذ
لا يلزم من نفي العلم نفي الوجود قال ت حسن غريب قال
العراقي عن البخاري إنه لم بعده محفوظا وقال أبو داود إنه
أخطأ وعده في المراسيل وأعله ابن القطان بإرساله وضعف
رواته
(1/243)
348 - (إذا أتاكم السائل) يعني إذا وجدتم
من يلتمس الصدقة بقاله أو بحاله فخصوص الإتيان غير مراد
(فضعوا في يده) أي أعطوه شيئا يعني أوصلوه ومناولته أفضل
(ولو ظلفا) بكسر فسكون للبقر والغنم كالقدم للآدمي والحافر
للفرس [ص:244] (محرقا) بضم الميم وفتح الراء أي أعطوه ولو
قليلا ولا تردوه خائبا فذكره الظلف مع كونه لا يغني من جوع
للمبالغة في القلة ومزيد التحذير من حرمانه الموجب للخيبة
وعدم النجاح المؤدي إلى فقد الفلاح ففي خبر يأتي لولا أن
المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم والأمر للندب وإن كان
مضطرا فللوجوب
(عد عن جابر) بن عبد الله بسند ضعيف لكن له شواهد
(1/243)
349 - (إذا اتسع الثوب) غير المخيط وهو
الرداء بقرينة قوله الآتي ثم صل بغير رداء (فتعطف) أي توشح
(به) بأن تخالف بين طرفيه كما في رواية البخاري (على
منكبيك) فتلقي كل طرف منهما على الطرف الآخر (ثم صل) الفرض
أو النفل لأن التعطف به كذلك أصون للعورة وأبلغ في الستر
مع ما فيه من المهابة والإجلال وعدم شغل البال بإمساكه
لستر عورته وفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى (وإن ضاق عن
ذلك) بأن لم تمكن المخالفة بين طرفيه كذلك (فشد به حقوك)
بفتح الحاء وتكسر معقد الإزار وخاصرتك (ثم صل بغير رداء)
محافظة على الستر ما أمكن والأمر كله للندب عند الثلاثة
وللوجوب عند أحمد فلو صلى في ثوب واحد ليس على عاتقه منه
شيء لم تصح صلاته عنده حكاه عنه الطيبي وغيره وقال
الشافعية: إذا اتسع الثوب الواحد للرجل التحف به وخالف بين
طرفيه على كتفيه والا ائتزر به وجعل على عاتقه شيئا ولو
حبلا فيكره تركه أما المرأة فتصلي بقميص سابغ وخمار وجلباب
كثيف فوق الثياب
(حم والطحاوي) أحمد بن محمد نسبة إلى طحا قرية بمصر (عن
جابر) بن عبد الله رمز المؤلف لصحته
(1/244)
350 - (إذا أثنى) بتقديم المثلثة على النون
(عليك جيرانك) الصالحون للتزكية ولو اثنان فلا أثر لقول
كافر وفاسق ومبتدع (أنك) أي بأنك (محسن) أي من المحسنين
يعني المطيعين لله تعالى (فأنت محسن) عند الله تعالى (وإذا
أثنى عليك جيرانك أنك مسيء) أي عملك غير صالح (فأنت) عند
الله (مسيء) ومحصوله إذا ذكرك صلحاء جيرانك بخير فأنت من
أهله وإذا ذكروك بسوء فأنت من أهله فإنهم شهداء الله في
الأرض فأحدث في الأول شكرا وفي الثاني توبة واستغفارا فحسن
الثناء وضده علامة على ما عند الله تعالى للعبد وإطلاق
ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما
يصير إليه في الآجل والثناء بالخير دليل على محبة الله
تعالى لعبده حيث حببه لخلقه فأطلق الألسنة بالثناء عليه
وعكسه عكسه وفي الحديث دليل لابن عبد السلام حيث ذهب إلى
أن الثناء يستعمل في الخير والشر لكن هل هو حقيقة فيهما أو
في الخير فقط؟ خلاف وما تقرر من أن لفظ الحديث وإذا أثنى
عليك جيرانك أنك مسيء إلى آخره باطل
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه
قال: قال رجل يا رسول الله متى أكون محسنا ومتى أكون مسيئا
فذكره وهذا بمعناه في مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال: جاء
رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل
إذا أنا عملت به دخلت الجنة قال: كن محسنا قال: كيف أعلم
أني محسن قال: سل جيرانك فإن قالوا: إنك محسن فأنت محسن
وإن قالوا: إنك مسيء فأنت مسيء انتهى قال الحاكم على
شرطهما
(1/244)
351 - (إذا اجتمع الداعيان) فأكثر إلى
وليمة ولو لغير عرس أو إلى غيرها كشفاعة أو قضاء حاجة
(فأجب) حيث [ص:245] لا عذر (أقربهما) منك (بابا) من متعلقة
بالقرب في أقرب لا صلة التفضيل لأن أفعل التفضيل قد أضيف
قلا يجمع بين الإضافة ومن المتعلقة بأفعل التفضيل ثم علله
بقوله (فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا) وحق الجار مرجح
هذا إن لم يسبق أحدهما بأن تقارنا في الدعوة (و) أما إن
(سبق أحدهما) إلى دعوتك (فأجب الذي سبق) لأن إجابته وجبت
أو ندبت حين دعاه قبل الآخر فإن استويا سبقا وقربا
فأقربهما رحما فإن استويا فأكثرهما علما ودينا فإن استويا
أقرع وفيه أن العبرة في الجوار بقرب الباب لا بقرب الجدار
وسره أنه أسرع إجابة له عندما ينوبه في أوقات الغفلات فهو
بالرعاية أقدم ولا دلالة فيه على أن الشفعة للجار بل لأنه
أحق بالإهداء
(حم د عن رجل له صحبة) وإبهامه غير علة لأن الصحب كلهم
عدول. قال ابن حجر وغيره: إبهام الصحابي لا يصير الحديث
مرسلا وقد أشار المؤلف لحسنه غافلا عن جزم الحافظ ابن حجر
بضعفه وعبارته إسناده ضعيف وعن قول جمع فيه يزيد بن عبد
الرحمن المعروف بأبي خالد الدالاني قال ابن حبان فاحش
الوهم لا يجوز الاحتجاج به لكن له شواهد في البخاري إن لي
جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا
(1/244)
352 - (إذا اجتمع العالم) بالعلم الشرعي
العامل به (والعابد) القائم بوظائف الطاعات وصنوف العبادات
لكنه لا يعلم إلا ما لزمه تعلمه عينا (على الصراط) أي على
الجسر المضروب على متن جهنم الذي يمر عليه الكافر للنار
والمسلم للجنة (قيل) أي يقول بعض الملائكة أو من شاء الله
من خلقه بأمره (للعابد أدخل الجنة) برحمة الله وترفع لك
الدرجات فيها بعملك (وتنعم) ترفه من الرفاهية وهي رغد
الخصب ولين العيش (بعبادتك) أي بثواب عملك الصالح فإنه قد
نفعك لكنه قاصر عليك (وقيل للعالم قف هنا) أي على الصراط
(فاشفع لمن أحببت) الشفاعة له من عصاة الموحدين الذين
استحقوا دخول النار (فإنك لا تشفع لأحد) ممن ذكر (إلا
شفعت) أي قبلت شفاعتك فيه لأنه لما أحسن إلى عباد الله
بعلمه الذي أفنى فيه نفائس أوقاته أكرمه الله تعالى
بإنالته مقام الإحسان إليهم في الآخرة بشفاعته قيهم جزاء
وفاقا (فقام) حينئذ (مقام الأنبياء) في كونه في الدنيا
هاديا للرشاد منقذا من الضلالة وكونه في الآخرة شافعا
مشفعا ومن ثم قالوا العلماء خلفاء الأنبياء فأعظم بها من
منزلة عالية فاخرة في الدنيا والآخرة
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن حبان (في) كتاب
(الثواب) على الأعمال (فر) وكذا أبو نعيم ومن طريقه وعنه
أورده الديلمي فلو عزاه له كان أولى (عن ابن عباس) رضي
الله تعالى عنهما رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه عثمان بن
موسى عن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال له حديث لا
يعرف إلا به وفي الميزان له حديث منكر
(1/245)
353 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد به
الخير ووفقه (ابتلاه) اختبره وامتحنه بنحو مرض أو هم أو
ضيق (ليسمع تضرعه) أي تذلله واستكانته وخضوعه ومبالغته في
السؤال ليعطى صفة الجود والكرم جميعا فإنهما يطلبانه عند
سؤال عبده بالإجابة فإذا دعا قالت الملائكة صوت معروف وقال
جبريل يا رب اقض حاجته فيقول دعوا عبدي فإني أحب أن أسمع
صوته كذا جاء في خبر. قال الغزالي: ولهذا تراه يكثر ابتلاء
أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده وإذا رأيت الله عز
وجل يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى فاعلم أنك
عزيز عنده وأنك عنده بمكان يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه
فإنه يراك ولا يحتاج إلى ذلك أما تسمع إلى قوله تعالى
{واصبر لحكم ربك فإنك [ص:246] بأعيينا} بل اعرف منته عليك
فيما يحفظ عليك من صلاتك وصلاحك ويكثر من أجورك وثوابك
وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة عنده <تنبيه> قال
العارف الجيلاني التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين لكن لا
يعطيه الله لعبد إلا بعد بذل الجهد في مرضاته فإن البلاء
يكون تارة في مقابلة جريمة وتارة تكفيرا وتارة رفع درجات
وتبليغا للمنازل العلية ولكل منها علامة فعلامة الأول عدم
الصبر عند البلاء وكثرة الجزع والشكوى للخلق وعلامة الثاني
الصبر وعدم الشكوى والجزع وخفة الطاعة على بدنه وعلامة
الثالث الرضا والطمأنينة وخفة العمل على البدن والقلب
(هب فر عن أبي هريرة هب عن ابن مسعود) عبد الله (وكردوس)
بضم الكاف وآخره مهملة (موقوفا عليهما) لم يرمز له بشي
ووهم من زعم أنه رمز لضعفه وأنه كذلك. قال الحافظ العراقي
رحمه الله تعالى إنه يتقوى بعدد طرقه
(1/245)
354 - (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) بأنواع
البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل
بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة
وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط
أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال {ولنبلونكم
حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}
(طس) وكذا في الكبير (هب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال
الهيتمي: رجال الطبراني موثقون سوى شيخه انتهى وله طريق
آخر فيها النعمان ابن عدي متهم ومن طريقه أورده ابن الجوزي
وحكم بوضعه ورواه أحمد عن محمود بن لبيد وزاد فمن صبر فله
الصبر ومن جزع فله الجزع. قال المنذري: رواته ثقات ولعل
المؤلف أغفله سهوا
(1/246)
355 - (إذا أحب الله عبدا حماه) أي حفظه من
متاع (الدنيا) أي حال بينه وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن
يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها
ويألفها ويكره الآخرة (كما يحمي) أي يمنع (أحدكم سقيمه
الماء) أي شربه إذا كان يضره وللماء حالة مشهورة في
الحماية عند الأطباء بل هو منهي عنه للصحيح أيضا إلا بأقل
ممكن فإنه يبلد الخاطر ويضعف المعدة ولذلك أمروا بالتقليل
منه وحموا المريض عنه فهو جل اسمه يذود من أحبه عنها حتى
لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها كيف وهي للكبار
مؤذية وللعارفين شاغلة وللمريدين حائلة ولعامة المؤمنين
قاطعة والله تعالى لأوليائه ناصر ولهم منها حافظ وان
أرادوها
(ت ك) في الطب (هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون زيد ابن
عامر بن سوار بن ظفر الظفري الأنصاري بدري من أكابر
الصحابة أصيبت عينه يوم بدر أو أحد أو الخندق فتعلقت بعرق
فردها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه قال
الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن غريب وقال
المنذري حسن ولم يرمز له المؤلف بشيء
(1/246)
356 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد توفيقه
وقدر إسعاده (قذف) أي ألقى وأصل القذف الرمي بسرعة
فالتعبير به أبلغ منه بالإلقاء (حبه في قلوب) لم يقل في
قلب وإن كان المفرد المضاف يعم لأنه أنص على كل فرد فرد
(الملائكة) فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة إذ
كل منهم تبع لمولاه فإذا والى وليا والوه وناهيك بهذا
المقام الجليل الذي يلحظ الملأ الأعلى صاحبه بالتبجيل
وعليه فمحبة الملائكة على ظاهرها المتعارف بين الخلق ولا
مانع منه فلا ملجأ إلى القول بأن المراد به ثناؤهم عليه
واستغفارهم له (وإذا أبغض الله عبدا) وضع الظاهر موضع
الضمير تفخيما للشأن (قذف بغضه في قلوب الملائكة) فيتوجه
إليه الملأ الأعلى بالبغض (ثم يقذفه) أي ثم يقذف ما ذكر من
الحب [ص:247] أو البغض (في قلوب الآدميين) ومن ثمرات
المقام الأول وضع القبول لمن أحبه الله للخاص والعام فلا
تكاد تجد أحدا إلا مائلا إليه مقبلا بكليته عليه وإذا أحب
الله عبدا استنارت جهاته وأشرقت بنور الهداية ساحاته وظهرت
عليه آثار الإقبال وصار له سيما من الجمال فنظر الخلق إليه
بعين المودة والتكريم {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله
ذو الفضل العظيم} وحكم عكسه عكس حكمه وفيه حث عظيم على
تحري ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه
(حل) وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه يوسف بن عطية الوراق أو
الصفار وكلاهما ضعيف. قال الفلاس: لكن الوراق أكذب لكن له
شواهد نأتي
(1/246)
357 - (إذا أحب أحدكم) محبة دينية قال
الحراني: من الحب وهو إحساس بوصلة لا يدرك كنهها (أخاه) في
الدين كما يرشد إليه قوله في رواية صاحبه وفي أخرى عبدا
(فليعلمه) ندبا مؤكدا أنه أي بأنه (يحبه) لله سبحانه
وتعالى لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه واجتلب وده فإنه
إذا علم أنه يحبه قبل نصحه ولم يرد عليه قوله في عيب فيه
أخبره به ليتركه فتحصل البركة. قال البغدادي: إنما حث على
الإعلام بالمحبة إذا كانت لله لا لطمع في الدنيا ولا هوى
بل يستجلب مودته فإن إظهار المحبة لأجل الدنيا والعطاء
تملق وهو نقص والله أعلم <تنبيه> ظاهر الحديث لا يتناول
النساء فإن اللفظ أحد بمعنى واحد وإذا أريد المؤنث إنما
يقال إحدى لكنه يشمل الإناث على التغليب وهو مجاز معروف
مألوف وإنما خص الرجال لوقوع الخطاب لهم غالبا وحينئذ إذا
أحبت المرأة أخرى لله ندب إعلامها
(حم خد د) في الأدب (ت) في الزهد وقال حسن صحيح (حب ك)
وصححه (عن المقداد بن معد يكرب) الكندي صحابي له وفادة
وشهرة (حب عن أنس) بن مالك (خد عن رجل من الصحابة) رمز
لحسنه وهو أعلى من ذلك إذ لا ريب في صحته
(1/247)
358 - (إذا أحب أحدكم صاحبه) أي لصفاته
الجميلة لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو
المحبة لأجل الصفات المرضية لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم
من الكمال أحبوا من يشاركهم في الخلال فهم بالحقيقة ما
أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية
أيضا إذا عرت عن المقاصد الفاسدة {والله يعلم المفسد من
المصلح} (فليأته) وفي (منزله) أفضل (فليخبره أنه يحبه) بأن
يقول له إني أحبك (لله) أي لا لغيره من إحسان أو غيره فإنه
أبقى للألفة وأثبت للمودة وبه يتزايد الحب ويتضاعف وتجتمع
الكلمة وينتظم الشمل بين المسلمين وتزول المفاسد والضغائن
وهذا من محاسن الشريعة وجاء في حديث أن المقول له يقول له
أحبك الذي أحببتني من أجله
(حم والضياء) المقدسي (عن أبي ذر) نص رواية أحمد عن يزيد
بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني جاء إلى أبي أمامة رضي
الله تعالى عنه في منزله فقال سمعت أبا ذر يقول إنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي
وإسناده حسن
(1/247)
359 - (إذا أحب أحدكم عبدا) أي إنسانا ولا
ينفك من هذا النعت قال:
وإن تسألوني قلت ها أنا عبده. . . وإن تسألوه قال ذلك
مولاي
فالمراد شخص من المسلمين قريب أو غيره ذكرا أو أنثى لكن
يظهر تقييده فيها بما إذا كانت حليلته أو محرمه (فليخبره)
بمحبته له ندبا (فإنه) أي المحبوب (يجد مثل الذي يجد له)
أي يحبه بالطبع لا محالة كما يحبه هو فإن القلب لا يحب إلا
من يحبه كما قال:
يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما هو ماشاه
وللشيء على الشيء. . . مقاييس وأشباه [ص:248]
وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه
وأنشد بعضهم:
سلوا عن مودات الرجال قلوبكم. . . فتلك شهود لم تكن تقبل
الرشا
ولا تسألوا عنها العيون فإنها. . . تشير بشيء ضد ما أضمر
الحشا
ولكون القلب يدل على القلب قال الحكماء المحبوب جزء محبوبه
فمن أحب إنسانا لأجل أفعاله أو ذاته الجميلة فذاك جمال
باطنه أشرق بمرآة جمال محبوبه والجمال الظاهر جزء من
الجمال الباطن والألفة بين المتحابين ليست إلا للاشتراك في
جمال الباطن أو ضده ولذلك ترى من هو قبيح المنظر وتحبه
وترى حسن المنظر وتبغضه ولله در القائل:
وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ. . . فأردت تعرف خيره من
شره
فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده. . . ينبيك سرك بالذي في سره
وهذا يفتح لك باب سر الفراسة الحكمية ويسن أن يجيبه المخبر
بقوله أحبك الذي أحببتني من أجله كما جاء في الخبر المار
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الله بن أبي مرة أورده
الذهبي في الضعفاء وقال تابعي مجهول
(1/247)
360 - (إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه) أي
يناجيه (فليقرأ القرآن) هذا من قبيل الاستعارة بالكناية
فإن القرآن رسالة من الله لعباده فكأن القارئ يقول يارب
قلت كذا وكذا فهو مناج له سبحانه وتعالى ويحتمل أنه من
مجاز التشبيه وفي إشعاره أنه يتطهر ظاهرا وباطنا ويتدبر
ويحضر قلبه وإذا مر بآية رحمة سألها أو آية عذاب استعاذ
منه
(خط فر عن أنس) وفيه الحسين بن زيد قال الذهبي ضعيف
(1/248)
361 - (إذا أحببت رجلا) لا تعرفه ولم يظهر
منه ما تكره (فلا تماره) أي لا تجادله ولا تنازعه (ولا
تشاره) روي بالتشديد من المشارة وهي المضادة مفاعلة من
الشر أي لا تفعل معه شرا تحوجه إلى فعل مثله معك وروي
مخففا من البيع والشراء أي لا تعامله ذكره الديلمي (ولا
تسأل عنه أحدا) حيث لم يظهر لك منه ما تكره (فعسى) أي ربما
(أن توافى له) أي تصادف وتلاقى يقال وافيته موافاة أتيته
(عدوا) أو حاسدا (فيخبرك بما ليس فيه) مما يذم (فيفرق بينك
وبينه) لأن هذا شأن العدو وقد قال سبحانه وتعالى {واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وهذا أمر إرشادي يقضي الطبع
السليم والذكاء بحسنه ولو لم يسأل عنه فأخبره إنسان عنه
بشيء مكروه فينبغي أن لا يبادر بمفارقته بل يتثبت ويفحص
فربما كان المخبر عدوا
(حل عن معاذ) بن جبل وفيه معاوية بن صالح أورده الذهبي في
الضعفاء وقال ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج به
(1/248)
362 - (إذا أحببتم) أي أردتم (أن تعرفوا ما
للعبد) أي الإنسان (عند ربه) مما قدر له من خير وشر
(فانظروا) أي تأملوا (ما يتبعه) أي الذي يذكر عنه بعد موته
وفي حياته (من الثناء) بالفتح والمد فإذا ذكره أهل الصلاح
بشيء فاعلموا أن الله تعالى أجرى على ألسنتهم ماله عنده
فإنهم ينطقون بإلهامه كما يفيده خبر إن الملائكة تتكلم على
ألسنة بني آدم بما في العبد من الخير والشر فإن كان خيرا
فليحمد الله ولا يعجب بل يكون خائفا من مكره الخفي وإن كان
شرا فليبادر بالتوبة وليحذر سطوته وقهره
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) وفيه عبد الله بن سلمة
متروك (و) عن (مالك) بن أنس (عن كعب موقوفا) وكعب الأحبار
هو أبو إسحاق الحميري أسلم في خلافة أبي بكر أو عمر وسكن
الشام ومات في زمن عثمان
(1/248)
[ص:249] 363 - (إذا أحدث أحدكم) أي انتقض
طهره بأي شيء كان وأصل أحدث من الحدث وفي المحكم الحدث
الإيذاء وفي المغرب أما قول الفقهاء أحدث إذا أتى منه ما
ينقض الطهارة لا تعرفه العرب ولذلك قال الأعرابي لأبي
هريرة رضي الله عنه ما الحدث قال فساء أو ضراط (في صلاته)
وفي رواية في الصلاة (فليأخذ) ندبا (بأنفه) أي يتناول
ويقبض عليه بيده موهما أنه رعف والأولى اليسرى (ثم لينصرف)
فليتوضأ وليعد الصلاة كذا هو في رواية أبي داود وذلك لئلا
يخجل ويسول له الشيطان بالمضي فيها استحياء عن الناس فيكفر
لأن من صلى متعمدا بغير وضوء فقد كفر وليس هو من قبيل
الكذب بل من المعاريض بالفعل وفيه إرشاد إلى إخفاء القبيح
والتورية بما هو أحسن ولا يدخل في الرياء بل هو من التجمل
واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس ومشروعية الحيل
التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية بل قد يجب إن خيف
وقوع محذور لولاه كقول إبراهيم هي أختي ليسلم من الكافر:
وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرقا للتخلص من الوقوع في
المفاسد وهذا الحديث قد تمسك بظاهره من ذهب من الأئمة إلى
أن خروج الدم بنحو فصد أو حجم أو رعاف من نواقض الوضوء
ومذهب الإمام الشافعي خلافه
(هـ حب ك) في الطهارة (هق) في الصلاة (عن عائشة) أم
المؤمنين رضي الله عنها قال الحاكم على شرطهما ومن أفتى
بالحيل يحتج به انتهى ورواه أبو داود أيضا والله تعالى
أعلم
(1/249)
364 - (إذا أحسن الرجل) يعني الإنسان
(الصلاة فأتم ركوعها وسجودها) بأن يأتي بها بأركانها
وشروطها وهذا تفسير لقوله أحسن واقتصر عليهما مع أن المراد
إتمام جميع أركانها لأن العرب كانت تأنف من الإنحناء كراهة
لهيئة عمل قوم لوط فأرشدهم إلى أنه ليس من هذا القبيل
(قالت الصلاة حفظك الله كما حفظتني) أي حفظا مثل حفظك لي
بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح
وهذا من باب الجزاء من جنس العمل فكما حفظ حدود الله تعالى
فيها قابلته بالدعاء بالحفظ. وإسناد القول إلى الصلاة مجاز
ولا مانع من كونه حقيقة لما مر أن للمعاني صورا عند الله
لكن الأول أقرب (فترفع) إلى عليين كما في خبر أحمد في رفع
صحف الأعمال وهو كناية عن القبول والرضا (وإذا أساء الصلاة
فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني)
أي ترك كلاءتك وحفظك حتى تهلك جزاء لك على عدم وفائك
بتعديل أركاني قال ابن جني: الضيعة الموضع الذي يضيع فيه
الإنسان ومنه ضاع يضيع ضياعا إذا هلك قال القرطبي: فمن لم
يحافظ على ركوعها وسجودها لم يحافظ عليها ومن لم يحافظ
عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع كما أن من
حافظ عليها فقد حفظ دينه ولا دين لمن لا صلاة له (فتلف)
عقب فراغه منها كما يؤذن به فاء التعقيب ويحتمل أن ذلك في
القيامة (كما يلف الثوب الخلق) بفتح المعجمة واللام أي
البالي (فيضرب بها وجهه) أي ذاته وذلك بأن تجسيم كما في
نظائره لكن الأوجه أنه كناية عن خيبته وخسرانه وإبعاده
وحرمانه فيكون حاله أشد من حال التارك رأسا كيف والذي يحضر
الخدمة ويتهاون بالحضرة أسوأ حالا من المعرض عن الخدمة
بالكلية؟ قال الغزالي: فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة
أن يحضر قلبه ويفرغه من الوسواس وينظر بين يدي من يقوم ومن
يناجي ويستحيي أن يناجيه بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس
الدنيا وخبائث الشهوات ويعلم أنه مطلع على سريرته ناظر إلى
قلبه وإنما يقبل من صلاته بقدر خشوعه وتضرعه وتذلله فإن لم
[ص:250] يحضر قلبه هكذا فهو لقصور معرفته بجلال الله تعالى
فيقدر أن رجلا صالحا من وجوه الناس ينظر إليه ليعرف كيف
صلاته فعند ذلك يحضر قلبه وتسكن جوارحه فإذا قدر اطلاع عبد
ذليل لا ينفع ولا يضر يخشع له ولا يخشع لخالقه فما أشد
طغيانه وجهله (تتمة) قال في الحكم أنت إلى حلمه إذا أطعته
أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته
(الطيالسي) أبو داود وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب (عن
عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة (ابن الصامت) ضد الناطق
ابن قيس الأنصاري صحابي فاضل رمز المصنف لصحته وليس كما
قال ففيه محمد بن مسلم بن أبي وضاح قال في الكاشف وثقه جمع
وتكلم فيه البخاري وأحوص بن سليم ضعفه النسائي وقال
المديني لا يكتب حديثه
(1/249)
365 - (إذا اختلفتم) أي تنازعتم أيها
المالكون لأرض وأردتم البناء فيها قال ابن جرير أو قسمتها
ولا ضرر على أحد منهم فيها (في الطريق) أي في قدر غرس
الطريق التي تجعلونها بينكم للمرور فيها فإذا أراد البعض
جعلها أقل من سبعة أذرع وبعضهم سبعة أو أكثر مع اجتماع
الكل على طلب فرض الطريق (فاجعلوه) وجوبا بمعنى أنه يقضي
بينهم بذلك عند الترافع كما بينه ابن جرير الطبري فليس
المراد الإرشاد كما وهم (سبعة) وفي رواية سبع. قال النووي:
وهما صحيحان فالذراع يذكر ويؤنث (أذرع) بذراع البنيان
المعروف وقيل بذراع اليد المعتدلة ورجحه ابن حجر وأصل
الذراع كما قال المطرزي من المرفق إلى طرف الأصابع ثم سمى
به الخشبة أو الحديدة التي يذرع بها وتأنيثه أفصح وذلك لأن
في السبعة كفاية لمدخل الأحمال والأثقال ومخرجها ومدخل
الركبان والرحال ومطرح الرماد وغيره ودونها لا يكفي لذلك
قال الإمام الطبري وتبعه الخطابي هذا إذا بقي بعده لكل
واحد من الشركاء فيه ما ينتفع به بدون مضرة وإلا جعل على
حسب الحال الدافع للضرر أما الطريق المختص فلا تحديد فيه
فلمالكه جعله كيف شاء وأما الطريق المسلوك فيبقى على حاله
لأن يد المسلمين عليه وأما في الفيافي فيكون أكثر من سبعة
لممر الجيوش ومسرح الأنعام وإلتقاء الصفوف. وقال النووي:
حديث السبعة أذرع محمول على أمهات الطرق التي هي ممر
العامة لأحمالهم وماشيتهم بأن يتشاحح من له أرض يتصل بها
مع من له فيها حق فيجعل بينها سبعة أذرع بالذراع المتعارف
أما ثنيات الطرق فبحسب الحاجة وحال المتنازعين فيوسع لأهل
البدو ما لا يوسع لأهل الحضر وفي الفيافي يجعل أكثر من
سبعة لأنها ممر الجيوش والقوافل ولو جعلت الطريق في كل محل
سبعة أضر بأملاك كثير من الناس انتهى والحاصل أن الطريق
يختلف سعتها بحسب اختلاف أحوالها كما في المطامح قال ابن
حجر: ويلحق بأهل البنيان من قعد في حافة الطريق للبيع فإن
كلن الطريق أزيد من سبعة لم يمنع من القعود في الزائد وإن
كان أقل منع
(حم م د) في البيوع (ت) وقال حسن صحيح (هـ عن أبي هريرة حم
هـ هق عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم
عن صاحبه وأمر بخلافه بل رواه البخاري عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه وعزاه له جمع منهم الديلمي وغيره
(1/250)
366 - (إذا أخذ) أي شرع (المؤذن في أذانه)
أضاف إليه لأنه المنادى به والمراد الأذان المشروع والمؤذن
الذي يصح أذانه ويحتسبه (وضع الرب) وفي رواية للطبراني وضع
الرحمن (يده فوق رأسه) كناية عن كثرة ادرار الرحمة
والإحسان والبركة والمدد الرباني عليه وإيصال البر والخير
إليه فأطلق اليد وأراد النعمة التي خص بها المؤذن وفضله
بسببها على كثير من الناس وعبر بالفوقية لأن له المثل
الأعلى ويحتمل أن يأمر الله تبارك وتعالى ملكا يضع يده على
رأسه حقيقة فأضيف الفعل إلى الله لأنه أمره بذلك كما يقال
ضرب الأمير اللص وبنى الأمير المدينة أي أمر بضربه والأول
أقعد (فلا يزال كذلك) أي ينعم عليه بما ذكر (حتى) أي إلى
أن (يفرغ من [ص:251] أذانه) أي يتمه (وأنه) أي والشأن أو
الحال (ليغفر له) بضم التحتية والراء (مد صوته) أي مقدار
غايته بمعنى أنه لو كانت ذنوبه متجسمة تملأ ذلك الفضاء
لعفرت كلها وأنكر بعض أهل اللغة مد بالتشديد وصوب أنه مدى
كما في رواية الطبراني وليس بمنكر بل هما لغتان لكن مدى
أشهر (فإذا فرغ) من أذانه (قال الرب) تعالى وآثره لأنه
المناسب لتربية الأعمال (صدق عبدي) فيما قاله وأضافه إليه
للتشريف (وشهدت) يا عبدي ففيه إلتفات (بشهادة الحق) وهي أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونص على هذا مع دخوله
في التصديق إشارة إلى أن المقصود من الأذان الإتيان
بالتشهد (فأبشر) بما يسرك من الثواب وهذا في المحتسب
ويحتمل العموم وفضل الله واسع وفيه بيان فضل الأذان وكثرة
ثوابه وندب رفع الصوت به ما أمكن حيث لا يؤذي <تنبيه> قال
ابن المنير تبعا للإمام الرازي اليدان والعينان صفات سمعية
ضاق بيان وجه الاستعارة فيها ولم يمكن ردها لأن الشرع
أثبتها ولم يمكن حملها على ظاهرها لأن العقل يأباه ولم
يمكن حملها على الاستعارة في بعض الموارد فتعين ضرورة أن
ثبتت صفات لا جوارح والمعطلة أسرفوا والمشبهة افتتنوا
{وكان بين ذلك قواما}
(ك في التاريخ) تاريخ نيسابور (فر) وكذا أبو نعيم (عن أنس)
ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب ومن طريقه
وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له كان أولى ثم إنه رمز
لضعفه وسببه أن فيه محمد بن يعلي السلمي ضعفه الذهبي وغيره
(1/250)
367 - (إذا أخذت) أي أتيت كما في خبر
البراء (مضجعك) بفتح الجيم وكسرها محل نومك والمضجع موضع
الضجوع يعني وضعت جنبك بالأرض لتنام (من الليل) بيان لزمن
الاضطجاع وذكره للغالب فالنهار كذلك فيما أظن بل يظهر أنه
لو أراد النوم قاعدا كان كذلك (فاقرأ) ندبا سورة (قل يا
أيها الكافرون) أي السورة التي أولها كذلك (ثم نم على
خاتمتها) أي نم على خاتمة قراءتك لها أو اجعلها خاتمة
كلامك ثم نم (فإنها) أي السورة المذكورة (براءة من الشرك)
أي متضمنة للبراءة من الشرك وهو عبادة الأوثان لأن
الجملتين الأوليتين لنفي عبادة غير الله تعالى حالا
والأخيرتين لنفي العبادة مآلا عند البغوي وعاكسه القاضي
وأطال أبو حيان في الانتصار للأول
(حم د) في الأدب (ت) في الدعوات وقال حسن غريب (ك)
في التفسير (هب) وكذا مالك في الموطأ في باب قل هو الله
أحد ولعل المؤلف أغفله سهوا (عن نوفل) بفتح النون وسكون
الواو وفتح الفاء (ابن معاوية) قال قلت يا رسول الله علمني
شيئا أقوله عند منامي فذكره وهو الديلمي بكسر فسكون صحابي
تأخر موته وما جرى عليه المؤلف من صحابية نوفل بن معاوية
الظاهر أنه سبق قلم وإنما هو نوفل بن فروة الأشجعي فإن ابن
الأثير ترجم نوفل بن فورة هذا ثم قال حديثه في فضل قل يا
أيها الكافرون مضطرب الإسناد ولا يثبت ثم ساق هذا الحديث
بعينه وذكر أن أبا نعيم وابن عبد البر وابن المديني أخرجوه
هكذا ثم ذكر بعده نوفل بن معاوية وذكر له حديثا غير هذا
(و) أبو القاسم (البغوي) في الصحابة (و) عبد الباقي (بن
قانع) في معجمه (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن
جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن حارثة) قلت يا رسول الله
علمني شيئا ينفعني الله به فذكره وجبلة هذا هو أخو زيد وعم
أسامة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في طلب أخيه فأبى
أن يرجع فرجع ثم عاد فأسلم وتقديم المؤلف حديث نوفل يوهم
أنه أمثل من جبلة وليس كذلك فقد قال ابن عبد البر حديث
نوفل في قل يا أيها الكافرون مضطرب الإسناد لا يثبت انتهى.
وقال في الإصابة: حديث [ص:252] جبلة هذا متصل صحيح
الإسناد. وقال الهيتمي: رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات غير
عطاء بن السائب فإنه اختلط
(1/251)
368 - (إذا أدخل الله الموحدين) القائلين
بأن الله واحد لا شريك له وهذا شامل لموحدي هذه الأمة
وغيرها (النار) ليطهرهم والمراد بهم بعضهم وهو من مات
عاصيا ولم يتب ولم يعف عنه (أماتهم فيها) لطفا منه بهم
وإظهارا لأثر التوحيد بمعنى أنه يغيب إحساسهم أو يقبض
أرواحهم بواسطة أو غيرها فعلى الثاني هو موت حقيقي وبه
يتجه تأكيده بالمصدر في قوله (إماتة) وذلك لتحققهم بحقيقة
لا إله إلا الله صدقا بقلوبهم لكنهم لما لم يوفوا بشروطها
عوقبوا بحبسهم عن الجنة والمسارعة إلى جوار الرحمن (فإذا
أراد أن يخرجهم منها) أي بالشفاعة أو الرحمة (أمسهم) أي
أذاقهم (ألم العذاب تلك الساعة) أي ساعة خروجهم. قال
السخاوي: والعذاب إيصال الألم إلى الحي مع الهوان فإيلام
الأطفال والحيوان ليس بعذاب انتهى. وقيل: سمي عذابا لأنه
يمنع المعاقب من المعاودة لمثل فعله وأصل العذاب المنع
والمراد هنا عذاب نار الآخرة وهل هذا الإحساس عام أو خاص؟
احتمالان وعلى العموم يختلف هذا الألم باختلاف الأشخاص
فبعضهم يكون تألمه في تلك الساعة اللطيفة شديدا وبعضهم
يكون عليه كحر الحمام كما ورد في خبر
(فر عن أبي هريرة) قال الهيتمي: فيه الحسن بن علي بن راشد
صدوق رمي بشيء من التدليس وأورده الذهبي في الضعفاء
(1/252)
369 - (إذا ادهن أحدكم) افتعل أي أراد دهن
شعر رأسه بالدهن (فليبدأ) إرشادا (بحاجبيه) وهما العظمان
فور العينين يلجمهما وشعرهما أو شعرهما وحده كذا في
القاموس وظاهر أن المراد هنا الشعر والبشرة. قال الراغب:
والحاجب المانع عن السلطان والحاجبان في الرأس سميا به
لكونهما كالحاجبين للعينين في الذب عنهما (فإنه) أي الدهن
(يذهب بالصداع) لفظ رواية الديلمي فإنه ينفع من الصداع
والصداع بالضم وجع الرأس وإنما يذهب به لأنه يفتح المسام
فيخرج البخار المنحبس في الرأس وقال الحكيم حكمة البداءة
بالحاجبين أن أول ما ينبت على ابن آدم من الشعر شعر
الحاجبين فإذا بدأ بهما في المشط والدهن فقد أدى حقه لكونه
بدئ به في الخلقة وقوله يذهب بفتح أوله أي إذا دهن به
الرأس الذي فيه صداع بالدهن فلا يذهب الدهن أي يجف حتى
يذهب بالصداع معه ويحتمل كونه بضم أوله والباء زائدة أي
يذهب الصداع
(ابن السني وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (وابن عساكر)
في تاريخه (عن قتادة) بن دعامة السدوسي المحدث المفسر
الفقيه (مرسلا فر) وكذا الحكيم الترمذي (عنه) أي عن قتادة
(عن أنس) قال في الأصل وسنده ضعيف لأن فيه بقية والكلام
فيه معروف وجبلة بن دعلج ضعفه أحمد والدارقطني ثم الذهبي
(1/252)
370 - (إذا أدى العبد) أي الإنسان المؤمن
الذي به رق أو كان أنثى أو خنثى (حق الله) أي ما أمره به
من نحو صلاة وصوم واجتناب منهي (وحق مواليه) أي ملاكه من
نحو خدمة ونصح (كان له أجران) أجر قيامه بحق الله وأجر نصح
سيده وإحسانه خدمته ولا يقتضي ذلك تفضيله على الحر لأن
جهات الفضل لا تحصى أو المراد ترجيح من أدى الحقين على من
أدى أحدهما ومن يؤتى أجره مرتين نحو أربعين نظمها المؤلف
وغيره. قال الحراني: والأجر في الأصل جعل العامل على عمله
والمراد به أي في لسان الشارع عليه الصلاة والسلام الثواب
الذي وعد به على تلك الأعمال المشروطة بالإيمان
(حم م عن أبي هريرة)
(1/252)
[ص:253] 371 - (إذا أديت زكاة مالك) الذي
وجبت عليك فيه زكاة أي دفعتها إلى المستحقين أو الإمام أو
نائبه (فقد قضيت) أي أديت قال تعالى {فإذا قضيتم مناسككم}
أي أديتموها فالأداء بمعنى القضاء وعكسه عند أهل اللغة ولم
يعبر ثانيا بأديت كراهة لتوالي الأمثال (ما عليك) من الحق
الواجب فيه ولا تطالب بإخراج شيء آخر منه ولا تدخل في زمرة
الذين وعدهم الله بقوله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}
(ت) وقال حسن غريب (هـ ك) في الزكاة وصححه وأقره الذهبي
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل يا رسول
الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله فذكره قال العراقي في
شرح الترمذي وهو على شرط ابن حبان في صحيحه انتهى لكن جزم
ابن حجر تلميذه بضعفه
(1/253)
372 - (إذا أديت زكاة مالك) بكسر الكاف
الخطاب لأم سلمة لكنه عام الحكم (فقد أذهبت عنك شره)
الدنيوي الذي هو تلفه ومحق البركة منه والأخروي الذي هو
العذاب وفي إفهامه أنه إذا لم يؤدها فهو شر عليه فيمثل له
شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة وتطؤه الغنم
بأظلافها وتنطحه بقرونها إلى غير ذلك من ضروب العذاب
المفصلة في الأخبار ومن كلامهم البديع: أي مال أديت زكاته
درت بركاته
(ابن خزيمه) في صحيحه (ك) في الزكاة وقال على شرط مسلم
وأقره الذهبي في التلخيص (عن جابر) مرفوعا وموقوفا. قال
الذهبي في المهذب: والأصح أنه موقوف وقال ابن حجر في
الفتح: إسناده صحيح لكن رجح أبو زرعة رفعه وله شاهد أيضا
(1/253)
373 - (إذا أذن) بالبناء للمجهول (في قرية)
أو بلد أو نحوها من أماكن الاجتماع (آمنها الله) بالقصر
والمد أي أمن أهلها (من عذابه) أي من إنزال عذابه بهم (في
ذلك اليوم) الذي أذن فيه أو في تلك الليلة كذلك ثم يحتمل
عمومه فلا يحصل لهم بلاء من فوقهم ولا من تحتهم ولا يسلط
عليهم عدوا ويحتمل اختصاصه بمنع الخسف والمسخ والقذف
بالحجارة ونحو ذلك ويحتمل منع المسلمين من قتالهم لأن
الأذان من شعار الدين فإذا سمعه منهم من يريد قتالهم لزمه
الكف <فائدة> ذكر الإمام الرازي في الأسرار أن الماء زاد
ببغداد حتى أشرفت على الغرق فرأى بعض الصلحاء في النوم
كأنه واقف على طرف دجلة وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله
غرقت بغداد فجاء شخصان فقال أحدهما لصاحبه ما الذي أمرت به
قال بتغريق بغداد ثم بهيت قال ولم قال رفعت ملائكة الليل
أن البارحة افتض ببغداد سبع مئة فرج حرام فغضب الله فأمرني
بتغريقها ثم رفعت ملائكة النهار في صبح ذلك اليوم سبع مئة
أذان وإقامة فغفر الله تعالى لهؤلاء بهؤلاء فانتبه وقد نقص
الماء
(طص عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن سعد ضعفه ابن معين وغيره
وظاهر تخصيصه المعجم الصغير بالعزو أنه لم يخرجه إلا فيه
والأمر بخلافه فقد خرجه في معاجيمه الثلاثة هكذا ذكره
المنذري وضعفه
(1/253)
374 - (إذا أذن المؤذن) أي أخذ في الأذان
(يوم الجمعة) بعد جلوس الخطيب على المنبر وهي بسكون الميم
بمعنى المفعول أي اليوم المجموع فيه وبفتحها بمعنى الفاعل
أي اليوم الجامع للناس ويجوز الضم والتاء فيه ليست للتأنيث
لأنه صفة لليوم بل للمبالغة كرجل علامة أو هو صفة للساعة
(حرم) على من تلزمه الجمعة (العمل) أي الشغل عن السعي
إليها بما يفوتها من الأعمال كبيع وإجارة وغيرهما لقوله
تعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية وقيس بالبيع
غيره ولما فيه من الذهول عن الواجب الذي دخل وقته ويصح
البيع ونحوه عند الجمهور وقال المالكية يفسخ الا النكاح
والهبة [ص:254] والصدقة أما الأذان الأول فلا يحرم شيئا
مما ذكر عنده لأنه إنما أحدثه عثمان أو معاوية وعند
الحنفية يكره البيع مطلقا ولا يحرم. قال الحراني: وكلما
عمله الانسان في أوقات الصلاة من حين ينادي المؤذن إلى أن
تنفصل جماعة مسجده من صلاتهم لا بركة فيه بل يكون وبالا
(فر عن أنس) وفيه عبد الجبار القاضي أورده الذهبي في
الضعفاء وقال كان داعية للاعتزال وفي الميزان من غلاة
المعتزلة وإبراهيم بن الحسين الكسائي قال في اللسان ما
علمت أحدا طعن فيه حتى وقفت في جلاء الأفهام لابن القيم
على أنه ضعيف وما أظنه إلا التبس عليه وسعيد بن ميسرة قال
ابن حبان يروي الموضوع وفي الكامل مظلم الأمر وفي الميزان
كذبه القطان
(1/253)
375 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي كمالا
عظيما قيل المراد بالخير المطلق الجنة وقيل عموم خيري
الدنيا والآخرة (جعل صنائعه) أي فعله الجميل جمع صنيعة وهي
العطية والكرامة والإحسان (ومعروفه) أي حسن صحبته ومواساته
(في أهل الحفاظ) بكسر الحاء وخفة الفاء أي أهل الدين
والأمانة الشاكرين للناس لأن الصنيعة لا يعتد بها إلا أن
تقع موقعها وفي الفردوس قال حسان بن ثابت:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة. . . حتى يصاب بها طريق المصنع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت والإرادة نزوع
النفس وميلها إلى الشيء وهي نقيض الكراهة التي هي النفرة
وإرادة الله ليست بصفة زائدة على ذاته كإرادتنا بل هي عين
حكمته التي تخصص وقوع الفعل على وجه دون آخر وحكمته عين
علمه المقتضي لنظام الأشياء على الوجه الأصلح والترتيب
الأكمل وانضمامها مع القدرة هو الاختيار (وإذا أراد الله
بعبد شرا) أي خذلانا وهوانا (جعل صنائعه ومعروفه في غير
أهل الحفاظ) أي جعل عطاياه وفعله الجميل في غير أهل الدين
والأمانة وصرح بالثاني مع فهمه من الأول حثا للإنسان على
أنه ينبغي له أن يقصد بمعروفه أهل المعروف ويتحرى إيقاعه
فيهم قال بعض الحكماء والمصطنع إلى اللئيم كمن أعطى
الخنزير درا وقرظ الكلب تبرا وألبس الحمار وشيا وألقم
الحية شهدا وقال ابن غزية: خمسة أشياء ضائعة سراج في شمس
وحسناء تزف لأعمى ومطر في سبخة وطعام قدم لشبعان وصنيعة
عند من لا يشكرها فينبغي للإنسان تحري اختيار المصرف حتى
تقع العطية في المحل اللائق ويسلم من مخالفة الحكمة قال
الشاعر:
إنما الجود أن تجود على من. . . هو للفضل والكرامة أهلا
وقال المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في
موضع الندى
(فر عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن لال وعنه في طريقه عنه
خرجه الديلمي فلو عزاه له كان أولى ثم إن فيه خلف بن يحيى
قال الذهبي عن أبي حاتم كذاب فمن زعم صحته فقد غلط
(1/254)
376 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه
في نفسه) أي جعله قانعا بالكفاف لئلا يتعب في طلب الزيادة
وليس له إلا ما قدر له والنفس معدن الشهوات وشهواتها لا
تنقطع فهي أبدا فقيرة لتراكم ظلمات الشهوات عليها فهي
مفتونة بذلك وخلصت فتنتها إلى القلب فصار مفتونا فأصمته عن
الله وأعمته لأن الشهوات ظلمة ذات رياح هفافة والريح إذا
وقع في أذن أحد أصم والظلمة إذا وقعت في العين أعمت فلما
صارت الشهوة من النفس إلى القلب حجبت النور فعميت وصمت
فإذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فأضاء ووجدت
النفس لها حلاوة وروحا ولذة تلهي عن لذات الدنيا وشهواتها
وتذهب مخاوفها وعجلتها وحرقتها وتلهبها فيطمئن القلب فيصير
غنيا بالله والنفس جارة وشريكة ففي غنى الجار غنى وفي غنى
الشريك غنى (وتقاه) بضم المثناة فوق وخفة القاف خوفه من
ربه (في قلبه) بأن يقذف فيه [ص:255] نور اليقين فينخرق
الحجاب ويضيء الصدر فذلك تقواه يتقي بها مساخط الله ويتقي
بها حدوده. وبه يؤدي فرائض ربه وبه يخشاه فيصير ذلك النور
وقايته (وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه)
كناية عن كونه يصير مستحضرا له أبدا ومشفقا من الوقوع فيه
سرمدا فهو نصب عينيه على طول المدى فلا يزال فقير القلب
حريصا على الدنيا متهافتا عليها منهمكا في تحصيلها وإن كان
موسرا ممتد الطمع وإن طال الأمد فلا يزال بين طمع فارغ
وأمل كاذب حتى توافيه المنية وهو على هذه الحالة الردية
وذلك من علامات سوء الخاتمة والإرادة نزوع النفس وميلها
إلى الفعل بحيث تحملها عليه وتقال للقوة التي هي مبدأ
النزوع والأول مع الفعل والثاني قبله وكلاهما لا يتصور
اتصاف الباري تبارك وتعالى به ولذلك اختلف العلماء في معنى
إرادته فقيل إرادته الأفعال أنه غير ساه ولا مكره وقيل
اشتمال الأمر على النظام الأكمل والوجه الأصلح والحق أنها
ترجيح أحد مقدوريه على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه أو معنى
يوجب هذا الترجيح ذكره القاضي
(الحكيم) الترمذي (فر عن أبي هريرة) كتب الحافظ ابن حجر
على هامش الفردوس بخطه ينظر في هذا الإسناد انتهى وأقول
فيه دراج أبو السمح نقل الذهبي عن أبي حاتم تضعيفه وقال
أحمد أحاديثه مناكير
(1/254)
377 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي عظيما
(فقهه في الدين) أي فهمه الأحكام الشرعية بتصورها والحكم
عليها أو باستنباطها من أدلتها وكل ميسر لما خلق له هذا ما
عليه الجمهور قال الغزالي: أراد العلم بالله وصفاته التي
تنشأ عنها المعارف القلبية لأن الفقه المتعارف وإن عظم
نفعه في الدين لكنه يرجع إلى الظواهر الدينية إذ غايته نظر
الفقيه في الصلاة مثلا الحكم بصحتها عند توفر الواجبات
وفائدته سقوط الطلب في الدنيا وأما قبولها وترتب الثواب
فليس من تعقله بل يرجع إلى عمل القلب وما تلبس به من نحو
خشية ومراقبة وحضور وعدم رياء ونحو ذلك فهذا لا يكون أبدا
إلا خالصا لوجه الله فهو الذي يصلح كونه علامة على إرادة
الخير بالعبد وأما الفقهاء فهم في واد والمتزودون للآخرة
بعلمهم في واد ألا ترى إلى قول مجاهد إنما الفقيه من يخاف
الله؟ وقول الحسن لمن قال قال الفقهاء وهل رأيت فقيها إنما
الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة. والفقه في
المعرفة أشرف كل معلوم لأن كل صفة من صفاته توجب أحوالا
ينشأ عنها التلبس بكل خلق سني وتجنب كل خلق رديء فالعارفون
أفضل الخلق فهو بالإرادة أخلق وأحق وأما تخصيص الفقه
بمعرفة الفروع وعللها فتصرف حادث بعد الصدر الأول (وزهده)
بالتشديد صيره زاهدا (في الدنيا) أي جعل قلبه معرضا عنها
مبغضا محقرا لها رغبة به عنها تكريما له وتطهيرا عن
أدناسها ورفعة عن دناءتها (وبصره) بالتشديد (عيوبه) أي
عرفه بها وأوضحها له ليتجنبها كأمراض القلب من نحو حسد
وحقد وغل وغش وكبر ورياء ومداهنة وخيانة وطول أمل وقسوة
قلب وعدم حياء وقلة رحمة وأمثالها قال الطيبي: وهذا إشارة
إلى الدرجة الثانية يعني لما زهد في الدنيا علامة إرادة
الله الخير بعبده قال الغزالي: والزهد فيها أن تنقطع همته
عنها ويستقذرها ويستنكرها فلا يبقى لها في قلبه اختيار ولا
إرادة والدنيا وإن كانت محبوبة مطلوبة للإنسان بطبعه لكن
لمن وفق التوفيق الخاص وبصره الله بآفاتها تصير عنده
كالجيفة وإنما يتعجب من هذا الراغبون في الدنيا العميان عن
عيوبها وآفاتها المغترون بزخرفها وزينتها ومثل ذلك كإنسان
صنع حلوا من أغلى السكر وعجنها بسم قاتل وأبصر ذلك رجل ولم
يبصره آخر ووضعه بينهما ومن أبصر ما جعل فيه من السم زهده
وغيره يغتر بظاهره فيحرص عليه ولا يصبر عنه
(هب عن أنس) بن مالك (و) عن (محمد بن كعب القرظي) بضم
القاف وفتح الراء [ص:256] ومعجمة نسبة لقريظة اسم لرجل نزل
أولاده حصنا بقرب المدينة وهو أخو النضير وهما من ولد
هارون عليه الصلاة والسلام (مرسلا) ورواه الديلمي في مسند
الفردوس عن أنس أيضا قال العراقي: وإسناده ضعيف جدا وقال
غيره واه
(1/255)
378 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له من
نفسه واعظا) ناصحا ومذكرا بالعواقب (من) وفي بعض النسخ في
(نفسه) لفظ رواية الديلمي من قلبه (يأمره) بالخيرات
(وينهاه) عن المنكرات ويذكره بالعواقب فيقطع العلائق
والأسباب الداعية إلى موافقة النفس والشيطان ويصرف هواه
إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد ربه ويفرغ باله لأمر
الآخرة فيقبل الله عليه برحمته ويفيض عليه من نعمته وفي
معناه ما قيل من كان في عمل الله كان الله في عمله وإذا
صدقت إرادة العبد وصفت همته وحسنت مواظبته ولم تجاذبه
شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا بلغ الحق في
قلبه
(فر) وكذا ابن لال ومن طريقه وعنه رواه الديلمي مصرحا فلو
عزاه له لكان أولى (عن أم سلمة) قال الحافظ العراقي وغيره
إسناده جيد كذا جزم به في المعنى ولم يرمز له المؤلف بشيء
(1/256)
379 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عسله) بفتح
العين والسين المهملتين تشدد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس
من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل ذكره الزمخشري
(قيل) أي قالوا يا رسول الله (وما عسله) أي ما معناه (قال
يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه) فهذا من كلام
الراوي لا المصطفى صلى الله عليه وسلم شبه ما رزقه الله من
العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو
الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه ذكره
الزمخشري قال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة
فأصاب حظه ومراده بعد ما قطع عمره في رفض العبودية
وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرب أوان شخوصه
إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له
فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت
مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحا قليلا فأعطى جزيلا
(حم طب عن أبي عنبة) بكسر العين المهملة وفتح النون
الخولاني واسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة قال ابن الأثير
اختلف في صحبته قيل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره
وقيل صلى للقبلتين وقيل أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ولم يره. قال الهيتمي: وفيه بقية مدلس وقد صرح
بالسماع في المسند وبقية رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز
المؤلف لحسنه
(1/256)
380 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله
قيل) أي قال بعض الصحب يا رسول الله (وما استعمله) أي ما
المراد به (قال يفتح له عملا صالحا) بأن يوفقه له (بين يدي
موته) أي قرب موته فسمى ما قرب منه باليدين توسعا كما يسمى
الشيء باسم غيره إذا جاوره ودنا منه وقد جرت هذه العبارة
هنا على أحسن سنن ضرب المثل (حتى يرضى عنه) بضم أوله
والفاعل الله تعالى ويجوز فتحه والفاعل (من حوله) من أهله
وجيرانه ومعارفه فيبرؤن ذمته ويثنون عليه خيرا فيجيز الرب
شهادتهم ويفيض عليه رحمته وتفريغ المحل شرط لدخول غيث
الرحمة فمتى لم يفرغ المحل لم يصادف الغيث [ص:257] محلا
قابلا للنزول وهذا كمن أصلح أرضه لقبول الزرع ثم يبذر فإذا
طهر العبد تعرض لنفحات رياح الرحمة ونزول الغيث في أوانه
وحينئذ يكون جديرا بحصول الغلة <تنبيه> أشار المؤلف بالجمع
بين هذين الحديثين في موضع إلى رد قول ابن العربي الرواية
استعمله وأما عسله فهو تصحيف فبين أنه غير صحيح
(حم ك) في الجنائز (عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر
الميم بعدها قاف ابن كاهل ويقال كاهن - بالنون - ابن حبيب
الخزاعي سكن الكوفة ثم مصر له صحبة قتل بالموصل في خلافة
معاوية قال الحاكم صحيح وقال الهيتمي رجال أحمد رجال
الصحيح
(1/256)
381 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله
قيل كيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح) يعمله (قبل الموت
ثم يقبضه عليه) أي يلهمه التوبة وملازمة العمل الصالح كما
يحب وينبغي حتى يمل الخلق ويستقذر الدنيا ويحن إلى الموت
ويشتاق إلى الملأ الأعلى فإذا هو يرسل الله تعالى يردون
عليه بالروح والريحان والبشرى والرضوان من رب راض غير
غضبان فينقلونه من هذه الدار الفانية إلى الحضرة العالية
الباقية فيرى لنفسه الضعيفة الفقيرة نعيما مقيما وملكا
عظيما
(حم ت حب ك عن أنس) بن مالك
(1/257)
382 - (إذا أراد الله بعبد خيرا طهره قبل
موته قالوا) له (وما طهور العبد) بضم الطاء أي ما المراد
بتطهيره (قال عمل صالح يلهمه) أي يلهمه الله تعالى (إياه)
والإلهام ما يلقى في الروع بطريق الفيض ويدوم كذلك (حتى
يقبضه عليه) أي يميته وهو متلبس به قال في المصباح قبضه
الله أماته وفي الأساس: من المجاز قبض على غريمه وعلى
العامل وقبض فلان إلى رحمة الله تعالى وهو عما قليل مقبوض
فمن أراد الله به خيرا طهره من المادة الخبيثة قبل الوفاة
حتى لا يحتاج لدخول النار ليطهره فيلهمه الله تعالى التوية
ولزوم الطاعات وتجنب المخالفات أو يصاب بالمصائب وأنواع
البلاء المكفرات ليطهر من خبائثه مع كراهته لما أصابه
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو
شر لكم} ولهذا كان الأب أو الأم يسوق لولده الحجام أو
الطبيب ليعالجه بالمراهم المؤلمة الحادة ولو أطاع الولد
لما شفي
(طب عن أبي أمامة) لم يرمز له بشيء وسها من زعم أنه رمز
لضعفه قال الهيتمي: ورواه الطبراني من عدة طرق وفي أحدها
بقية بن الوليد وقد صرح بالسماع وبقية رجاله ثقات انتهى
فالحكم عليه بالضعف في غاية الضعف
(1/257)
383 - (إذا أراد الله بعبد خيرا صير)
بالتشديد (حوائج الناس إليه) أي جعله ملجأ لحاجاتهم
الدينية والدنيوية ووفقه للقيام لها وألقى عليه شراشر
المهابة والقبول وسدده فيما يفعل ويقول
(فر عن أنس) قال العراقي فيه يحيى بن شبيب ضعفه ابن حبان
وقال الذهبي عن ابن حبان لا يحتج به
(1/257)
384 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في
منامه) أي لامه على تفريطه وحذره من تقصيره برؤيا يراها في
منامه فيكون على بصيرة من أمره وبينة من ربه وينتبه من سنة
الغفلة ويذكر رقدة الذلة كما وقع لأبي أسيد الأنصاري رضي
الله تعالى عنه أنه كان من ورده قراءة سورة البقرة كل ليلة
فأغفلها ليلة فرأى بقرة تنطحه فحلف أن لا يعود رواه
الترمذي. [ص:258]
(فر عن أنس) وفيه وهب بن راشد قال الذهبي عن الدارقطني
متروك وعن ضرار بن عمرو متروك وعلي الرقاشي متروك
(1/257)
385 - (إذا أراد الله بعبده الخير) كذا هو
في خط المؤلف وفي نسخ بعبد خيرا ولا أصل له في نسخته (عجل)
بالتشديد أسرع (له العقوبة) بصب البلاء والمصائب عليه (في
الدنيا) جزاء لما فرط منه من الذنوب فيخرج منها وليس عليه
ذنب يوافى به يوم القيامة كما يعلم من مقابلة الآتي ومن
فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به لأن من حوسب بعمله عاجلا في
الدنيا خف جزاؤه عليه حتى يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى
بالقلم الذي يسقط من الكاتب فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه
في دنياه حتى يموت على طهارة من دنسه وفراغ من جنايته
كالذي يتعاهد ثوبه وبدنه بالتنظيف قاله الحراني (وإذا أراد
بعبده الشر) وفي رواية شرا (أمسك عنه بذنبه) أي أمسك عنه
ما يستحقه بسبب ذنبه من العقوبة في الدنيا (حتى يوافى به
يوم القيامة) إن لم يدركه العفو {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}
والله تعالى لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم
يرضها أهلا لمثابة أحبابه ومن هذا التقرير عرف أن الضمير
المرفوع في يوافى راجع إلى الله والمنصوب إلى العبد قال
الطيبي: ويجوز عكسه والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في
الآخرة مستوفي الذنوب وافيها فيستوفي حقه من العذاب. قال
الغزالي: والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى
من قول أو فعل والحديث له تتمة عند مخرجه الترمذي وهي وإن
الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن
سخط فله السخط
(ت) في الزهد وقال حسن غريب (ك) في الحدود من حديث سعد بن
سنان (عن أنس) قال الذهبي في موضع: سعد ليس بحجة وفي آخر
كأنه غير صحيح (طب ك) وكذا أحمد ولعله أغفله ذهولا (عن عبد
الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء أي عبد
الرحمن المزني الأنصاري من أصحاب الشجرة قال: لقي رجل
أمرأة كانت بغيا فجعل يداعبها حتى بسط يده إليها فقالت مه
فإن الله قد أذهب الشرك فولى فأصابه الحائط فشجه فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال له أنت عبد أراد
الله بك خيرا ثم ذكره قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح
وكذا أحد إسنادي الطبراني وطريقه الآخر فيه هشام بن لاحق
ترك أحمد حديثه وضعفه ابن حبان (طب عن عمار بن ياسر) قال:
مرت امرأة برجل فأحدق بصره إليها فمر بجدار فلمس وجهه فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسيل دما فقال: هلكت
قال: وما أهلكك قال: خرجت من منزلي فإذا أنا بامرأة
فأتبعتها بصري فأصاب وجهي الجدار فأصابني ما ترى فذكره رمز
المؤلف لصحته
(1/258)
386 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في
الدين وألهمه رشده) أي وفقه لإصابة الرشد وهو إصابة الحق
ذكره القاضي. قال الزمخشري: والرشد الاهتداء لوجوه المصالح
قال تعالى {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}
ومعنى إضافته إليه أنه رشد له شأن. قال السمهودي: ومفهومه
أن من لم يفقهه في الدين ولم يرشده لم يرد به خيرا وقد
أخرجه أبو نعيم وزاد في آخره ومن لم يفقهه في الدين لم
يبال الله به وكذا أبو يعلى لكنه قال: ومن لم يفقهه لم يبل
به وفيه أن العناية الربانية وان كان غيبها عنا فلها شهادة
تدل عليها ودلالة تهدي إليها فمن ألهمه الله الفقه في
الدين ظهرت عناية الحق به وأنه أراد به خيرا عظيما كما
يؤذن به التنكير وهذا التقرير كله بناء على أن المراد
بالفقه علم الأحكام الشرعية الاجتهادية وذهب جمع منهم
الحكيم الترمذي إلى أن المراد بالفقه الفهم فالفهم انكشاف
الغطاء عن الأمور فإذا عبد الله بما [ص:259] أمر ونهى بعد
أن فهم أسرار الشريعة وانكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر
ونهى انشرح صدره وكان أشد تسارعا إلى فعل المأمور وتجنب
المنهي وذلك أعظم الخيور وغيره إنما يعبده على مكابدة وعسر
لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله تعالى فالنفس إنما
تنشط وتنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره وأما من فهم تدبير
الله تعالى في ذلك فينشرح صدره ويخف عليه فعله فذلك هو
الفقه وقد أحل الله النكاح وحرم الزنا وإنما هو إتيان واحد
لامرأة واحدة لكن هذا بنكاح وهذا بزنا فإذا كان بنكاح
فشأنه العفة والتحصين فإذا أتت بولد ثبت نسبه وحصل العطف
من أبيه بالتربية والنفقة والإرث وإذا كان من زنا ضاع
الولد لأنه لا يدري أحد الواطئين ممن هو فكل يجعله على
غيره وحرم الله الدماء وأمر بالقود لينزجروا {ولكم في
القصاص حياة يا أولي الألباب} وحرم المال وأمر بقطع السارق
لتحفظ الأموال بالامتناع من ذلك فعلل المنهيات والمأمورات
بينة لأولي الألباب
(البزار) وكذا الطبراني في الكبير من هذا الطريق بهذا
اللفظ ولعله غفل عنه (عن ابن مسعود) قال المنذري إسناده لا
بأس به وقال الهيتمي: رجاله موثوقون وحينئذ فرمز المؤلف
لحسنه لا يكفي بل حقه الرمز لصحته وظاهر كلامه أنه لم
يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد أخرجه الترمذي
باللفظ المزبور من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
(1/258)
387 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح)
بالتحريك (له قفل قلبه) بضم القاف وسكون الفاء أي أزال عن
قلبه حجب الأشكال وبصر بصيرته مراتب أهل الكمال حتى يصير
قابلا للفيض السبحاني مستمدا للإمداد الرحمني فإذا هبت
رياح الألطاف انكشفت الحجب عن أعين القلوب وفاضت الرحمة
وأشرق النور وانشرح الصدر وانكشف للقلب سر الملكوت من وراء
ستر الغيب غرائب العلوم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على
التوالي إلى حد ما وداومه في غاية الندور وتعلق جمع صوفية
منهم البوني بإناطة ذلك بمجرد الإرادة على أنه لا يحصل
بالعلوم التعليمية قالوا لا طريق إلا الاستعداد بالتصفية
المجردة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق واحضار الهمة
مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار
لما يفتح الله إذ الأنبياء والأولياء انكشفت لهم الأمور
وفاض على صدورهم النور لا بالدراسة للكتب بل بالزهد في
الدنيا والتبري من علائقها والتفرغ من عوائقها والإقبال
بكنه الهمة على الله فمن كان لله كان الله تعالى له انتهى
ونوزع بما حاصله أن تقديم تعلم الأحكام متعين معين وأجاب
الغزالي رحمه الله تعالى بأن القرآن مصرح بأن التقوى مفتاح
الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وأصل الفتح زوال
الإشكال والغلق صورة أو معنى والقفل واحد الأقفال (وجعل
فيه) أي في قلبه (اليقين) أي العلم المتوالي بسبب النظر في
المخلوقات أو ارتفاع الريب ومشهد الغيب وقد وصف الله
المؤمنين بالإيمان بالغيب والإيمان التصديق وإنما يصدق
المرء الشيء حتى يتقرر عنده فيصير كالمشاهد والمشاهدة
بالقلب هو اليقين. قال الخواص رحمه الله تعالى: لقيت شابا
بالبادية كأنه سبيكة فضة فقلت إلى أين قال إلى مكة قلت بلا
زاد ولا راحلة قال يا ضعيف اليقين الذي يقدر على حفظ
السماوات والأرض لا يقدر أن يوصلني إلى مكة بلا علاقة؟
(والصدق) أي التصديق الدائم الجازم الذي ينشأ عنه دوام
العمل والصدق وإن شاع في خصوص الأقوال لكن يستعمل في بعض
الموارد في بعض الأحوال كما بينه أهل الكمال ومن لم يبصر
الخير بقلبه ويصدق به لم يتيقنه وإن صدق بلسانه بل هو في
عماء وحيرة (وجعل قلبه واعيا) أي حافظا (لما سلك) أي دخل
فيه حتى ينجع (فيه) الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة والوعي
الحفظ يقال وعيت الحديث حفظته وتدبرته (وجعل قلبه سليما)
من الأمراض كحسد وحقد وكبر وغيرها (ولسانه [ص:260] صادقا)
لتعظيم حرمته وتظهر ملاحته إذ اللسان الصادق من أعظم
المواهب الربانية وبه يستقيم حال العبد في أحواله الدينية
والدنيوية. قال الحراني: والصدق مطابقة ظاهر النطق والفعل
بباطن الحال (وخليقته) سجيته وطبيعته مستقيمة معتدلة
متوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط والاستقامة كون الخط
بحيث ينطق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض وفي إصلاح أهل
الحقيقة الوفاء بالعهود وملازمة الطريق المستقيم برعاية حق
التوسط في كل أمر ديني ودنيوي فذلك هو الصراط المستقيم
(وجعل أذنه سميعة) صيغة مبالغة أي مستمعة لما ينفعه في
الآخرة مقبلة على ما يسمعه من ذكر الله متأملة لنصوص كلامه
مصغية لأوامره وزواجره وأحكامه (وعينه) أي عين قلبه
(بصيرة) فيبصر بها ما جاء من الشارع ويتنبأ ويفهم وإن لم
يفهم فانهتك عن قلبه ستر الغيوب فشهد الخير عيانا ولزم
طريق الكتاب والسنة إيقانا ولم يلتبس عليه المنهاج الواضح
المستبين فصار من المهتدين وخص هذه الجوارح بالذكر لأن
منها يكون الخير والشر وعليها مدار النفع والضر. قال في
الكشاف: والبصر نور العين وهو ما يبصر به المرئيات كما أن
البصيرة نور القلب وهو ما يستبصر ويتأمل فكأنهما جوهران
لطيفان خلقهما الله تعالى آلتين للإبصار وللإستبصار انتهى
وقال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها
ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر والضرير يقال له بصير
لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قيل إنه على العكس وقال
بعض أهل الوفاء البصيرة فقه القلب في حل أشكال مسائل
الخلاف فيما لا يتعلق العلم به تعلق القطع وحقيقتها نور
يقذف في القلب يستدل به العقل الخابط عشواء على سبيل
الإصابة وعين البصيرة أتم في النظر من عين البصر لأن جميع
ما حواه العالم تتصرف في جميعه والحكم عليه حكما يقينا
صادقا والعين لا تبصر ما بعد ولا ما قرب قربا مفرطا ومن ثم
قال الغزالي: العقل متصرف في العرش والكرسي وما وراء
السماوات والملأ الأعلى كتصرفه في عالمه ومملكته القريبة
أعني بدنه الخاص بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل وإنما
حجابه بسبب صفات تقارنه من نفسه تضاهي حجاب العين عند
تغميض الأجفان انتهى
وقد انكشف من هذا البيان أن علامة إرادة الله الخير بعبده
أن يتولى أمره ظاهره وباطنه سره وعلنه فيكون هو المشير
عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه
والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحدا والمبغض
للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة
مناجاته في خلواته والكاشف عن الحجب بينه وبين معرفته فذلك
من علامات حب الله لعبده <فائدة> قال الشبلي: استنار قلبي
يوما فشهدت ملكوت السماوات والأرض فوقعت مني هفوة فحجبت عن
شهود ذلك فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر
الكبير فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شيء يحل فيها يعطل
النظر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي ذر) وفيه سعيد
بن إبراهيم قال الذهبي مجهول عن عبد الله بن رجاء قال أبو
حاتم ثقة وقال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس يحجة عن
سرجس بن الحكم بن عامر بن وائل قال ابن خزيمة أنا أبرأ من
عهدتهما
(1/259)
388 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا) نكره
لإفادة التعميم أي إذا أراد جميع الخير والمقام يقتضيه
(فقههم في الدين) أي جعلهم فقهاء فيه والفقه لفة الفهم أو
لما دق وعرفا العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد
وقيل معرفة النفس ما لها وعليها عملا قال الكرماني:
والأنسب هنا المعنى اللغوي ليشمل فهم كل علم من علوم
الدين. وقال الغزالي: أراد فهمهم أمره ونهيه بنور رباني
يقذفه في قلوبهم (ووقر) بشد القاف عظم ويجل (صغيرهم
كبيرهم) في السن أو المراد بالكبير العالم وبالصغير غيره
أي ورحم كبيرهم صغيرهم كما يدل عليه خبر ليس منا من لم
يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا وإنما لم يذكره هنا لأنه كان
يخاطب كل أحد بما يليق بحاله ففهم من المخاطب التقصير في
التوقير دون القرينة الثانية (ورزقهم الرفق) بكسر الراء
اللطف والدربة وحسن التصرف والسياسة (في معيشتهم) أي ما
يتعيشون به أو ما يتوصلون به إلى العيش أي إلى الحياة وفي
ذلك البركة والنمو كما صرح به في خبر الخرق شؤم والرفق يمن
ثم عطف عليه عطف خاص على عام اهتماما بشأنه بقوله (والقصد)
بفتح وسكون (في نفقاتهم) [ص:261] أي الوسط المعتدل بين
طرفي الإفراط والتفريط فيها قال تعالى {والذين إذا أنفقوا
لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} والقصد العدل
والاستقامة يقال قصد في الأمر إذا توسط وطلب الأسد ولم
يجاوز الحد (وبصرهم عيوبهم) أي ذنوبهم أي عرفها لهم وجعلها
نصب أعينهم وشغلهم بها عن عيوب غيرهم (فيتوبوا) أي ليتوبوا
أي يرجعوا إلى الله (منها) بالطاعة وترك المنهي والعزم على
عدم العود (وإذا أراد بهم غير ذلك) أي أراد بهم شرا. ولم
يذكره لاقتضاء المقام استهجان ذكره يعني سوء الخاتمة أو
العذاب (تركهم هملا) بالتحريك أي ضلالا بأن لا يلهمهم فعل
ذلك ويخلي بينهم وبين أنفسهم حتى يهلكوا لغضبه عليهم
وإعراضه عنهم وهذا كقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين نسوا
الله فأنساهم أنفسهم} الآية قال ابن عطاء الله: كل من وكل
إلى نفسه لم تفته معصية وإن لم يكن فاعلا ومن نصرته
العناية لم تفته طاعة وإن لم يكن فاعلا وقال: الكلب المعلم
يغل في السلاسل ليعمل بمقتضى علمه والكلب الجاهل يترك
ويتخلى وشهواته وأنشد بعضهم:
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه. . . كما يجلي سواد الظلمة
القمر
والعلم فيه حياة للقلوب كما. . . تحيا البلاد إذا ما مسها
المطر
(قط) في كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن أنس) وقال غريب
تفرد به ابن المنكدر عنه ولم يروه عنه غير موسى ابن محمد
بن عطاء وهو متروك انتهى وفي ل؟ ؟ (1) كذبه أبو زرعة وأبو
حاتم
_________
(1) [أحرف ساقطة في الأصل.]
(1/260)
389 - (إذا أراد الله بقوم) قال الحراني:
هم الذين يقومون بالأمر حق القيام وهم في عرف استعمال
العرب لأهل النجدة والقوة حتى يقولون قوم أم نساء تقابلا
بين المعنيين (خيرا أكثر فقهاءهم) أي علمائهم بالأحكام
الشرعية الفرعية أو الأصولية (وأقل جهالهم) بالضم والتشديد
(فإذا تكلم الفقيه) بما يوجبه العلم من طاعة كأمر بمعروف
ونهي عن منكر (وجد أعوانا) يظاهرونه ويناصرونه جمع عون وهو
الظهير (وإذا تكلم الجاهل) بما يخالف الحق (قهر) بالبناء
للمجهول أي خذل وغلب ورد عليه والقهر الغلبة (وإذا أراد
بقوم شرا أكثر جهالهم وأقل فقهاءهم فإذا تكلم الجاهل) بغير
الحق (وجد أعوانا وإذا تكلم الفقيه) بالحق (قهر) أي وجد
مقهورا وذلك من أشراط الساعة قال الغزالي: والمراد بالجاهل
الجاهل بعلوم الآخرة وإن كان عالما بعلوم الدنيا تلبس بها
رياء ونفاقا وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو مظهر من نفسه
خلاف ذلك كالعلماء السوء والقراء السوء أولئك بغضاء الله
في أرضه انتهى (أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر
المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان كما مر (في)
كتاب (الابانة) عن أصول الديانة (عن حبان) بكسر المهملة
وشد الموحدة التحتية (ابن أبي جبلة) بفتح الجيم والموحدة
تابعي ثقة له إدراك
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحسن بن علي التميمي. قال
في الميزان عن الخطيب وبقية غير حجة
(1/261)
390 - (إذا أراد الله بقوم خيرا أمد) أي
طول (لهم في العمر) بالفتح وبالضم وبضمتين أي في الحياة
ليكثروا من الطاعة ويعظم ثوابهم والمد الامهال والزيادة
يقال مد الله في عمره أمهله وطوله (وألهمهم الشكر) أي ألقى
في قلوبهم ما يحلهم [ص:262] على شكر المنعم الموجب للمزيد
وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله
أو الإتيان بما يفيد التعظيم على النعمة سواء كان ثناء أو
غيره وذلك بأن يتأمل الواحد منهم حاله بعين قلبه فينظر
فإذا هو غريق في بحار منن الله وأياديه وتأييده من كثرة ما
أنعم الله عليه من إمداد التوفيق والعصمة وأنواع التأييد
والحراسة وأشفق أن يكون منه إغفال الشكر فيقع في الكفران
فينحط عن المنازل العالية وتزول عنه تلك النعم حتى يقع في
سهل الفضل وصحراء الشوق وعرصات المحبة ثم في رياض الرضوان
وبساتين الأنس إلى بساط الانبساط ومرتبة التقريب ومجلس
المناجاة ونيل الخلع والكرامات فهو يتنعم في هذه الحالة
ويتقلب في طيها أيام بقائه في هذا السجن إلى دار القرار
فيلقى هناك من سيده من اللطف والعطف والترحيب والتقريب
والإنعام ما لا يقيد به وصف واصف ولا نعت ناعت {ذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
(فر عن أبي هريرة) لم يرمز له بشيء وفيه عنبسة بن سعيد
تركه الفلاس وضعفه الدارقطني
(1/261)
391 - (إذا أراد الله بقوم خيرا) قال بقوم
ولم يقل بالناس لأن هذا العالم لا يكمل نظامه إلا بوجود
الشر فيه ومن جملته إمارة السفهاء وحكم الجهلاء فلا تخلو
الأرض من ذلك فإذا أراد بأهل قطر مخصوص خيرا عمل بهم ما
ذكره بقوله (ولى عليهم حلمائهم) جمع حليم والحلم بالكسر
الأناة والتثبت (وقضى) أي حكم (بينهم علماؤهم) أي صير
الحكم بينهم إلى العلماء بأن يلهم الإمام البحث عمن فيه
الأهلية ويؤثره بالولاية على أهل الجهل والغواية (وجعل
المال في سمحائهم) أي كرمائهم جمع سميح وهو الجيد الكريم
وذلك ليخرج أحدهم الزكاة بطيب نفس ويقوم بما تقتضيه مكارم
الأخلاق من مواساة ذوي الضرورات والحاجات ويتساهل في
المعاملات وذلك من علامة رضا الله عن الناس وقد أخرج ابن
عساكر عن قتادة قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب أنت في
السماء ونحن في الأرض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا
استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي وإذا استعملت عليكم
شراركم فهو علامة سخطي عليكم (وإذا أراد الله بقوم شرا ولى
عليهم سفهاءهم) أي أخفهم أحلاما وأعظمهم طيشا وخفة وهذا
إشارة إلى التحذير من إمارة السفهاء ومن فعلهم وما يترتب
عليه من الظلم والكذب وما يؤدي إلى طيشهم وخفتهم من سفك
الدماء والفساد في الأرض (وقضى بينهم جهالهم) بالأحكام
الشرعية (وجعل المال في بخلائهم) الذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولا يقرون الضيف ولا
يعطون في النائبة وإصلاح ذات البين مع القدرة ونحو ذلك ولو
ولى عليهم سفهاءهم وجعل المال في سمحائهم أو عكسه لم يدل
على خير ولا شر فيما يظهر
(فر) وكذا ابن لال وعنه خرجه الديلمي فكان الأولى عزوه
إليه لأنه الأصل (عن مهران) قال في الفردوس أظنه مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال في مسنده وله صحبة انتهى
وإسناده جيد ولم يرمز له بشيء
(1/262)
392 - (إذا أراد الله بقوم نماء) بالفتح
والمد أي زيادة في الخير وسعة في الرزق يقال نما الشيء
ينمى كثر (رزقهم السماحة) أي السخاء (والعفاف) بالفتح
والتخفيف الكف عن المنهي شرعا وعن السؤال من الناس (وإذا
أراد بقوم اقتطاعا) أي يسلبهم ويقطع عنهم ما هم فيه من خير
ونعمة وبركة افتعال من القطع الإبانة من قولهم اقتطع من
ماله شيئا أخذه يعني أراد أن يأخذ منهم ما خولهم ومنحهم
(فتح عليهم باب خيانة) أي نقص بما ائتمنوا عليه من حقوق
الله تعالى [ص:263] وحقوق خلقه فإن الأمانة تجلب الرزق
والخيانة تجلب الفقر كما في خبر يأتي والتعبير بالفتح مجاز
أو تهكم إذ هو لا يستعمل إلا في الخير غالبا والقصد
الترغيب في هاتين الخصلتين والترهيب عن ضدهما. قال الراغب:
الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة يقال اعتبارا بالعهد
والأمانة والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتدخلان فالخيانة
مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة
والاختيان تحرك شهوة الإنسان ليتحرى الخيانة وظاهر صنيع
المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته {حتى
إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}
(طب وابن عساكر) وكذا الدارمي والديلمي (عن عبادة بن
الصامت) ولم يرمز له بشيء
(1/262)
393 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل
عليهم الرفق) بكسر الراء وفي نسخ أدخل عليهم باب الرفق
وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض والرفق لين الجانب واللطف والأخذ
بالأسهل وحسن الصنيع. قال الزمخشري: الرفق اللين ولطافة
الفعل ومن المجاز هذا الأمر رفق بك وعليك ورفيق نافع وهذا
أرفق بك وقال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة
والعنف ينتجه الغضب والفظاظة والرفق واللين ينتجهما حسن
الخلق والسلامة والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا
يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد
الاعتدال ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق
وبالغ فيه
(حم تخ هب عن عائشة) قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا عائشة ارفقي ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن جابر)
رضي الله عنه قال الهيتمي كالمنذري رجاله رجال الصحيح
انتهى وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رمزه لحسنه غير حسن
وكان حقه الرمز لصحته
(1/263)
394 - (إذا أراد الله بعبيد خيرا رزقهم
الرفق في معايشهم) أي مكاسبهم التي يعيشون بها جمع معيشة
ولهذا لا تهمز (وإذا أراد بهم شرا رزقهم الخرق) بضم أوله
المعجم وسكون الراء ضد الرفق (في معايشهم) والخرق شؤم كما
يجيء مصرحا به في خبر فالمراد إذا أراد بأحد خيرا رزقه ما
يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع
الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك
الأمر وإذا أراد به سوءا ابتلاه بضد ذلك والأول علامة حسن
الخاتمة والثاني بضده
(هب عن عائشة) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف فيه سويد بن سعيد
فإن كان الدقاق فقال الذهبي منكر الحديث أو غيره فقال أحمد
متروك وأبو حاتم صدوق
(1/263)
395 - (إذا أراد الله برجل) أي إنسان ولو
أنثى (من أمتي) أمة الإجابة (خيرا) أي عظيما كما يفيده
التنكير (ألقى) من الإلقاء وهو الإيقاع بقوة (حب) أي محبة
(أصحابي في قلبه) فمحبتهم علامة على إرادة الله الخير لمن
يحبهم كما أن بغضهم علامة على عدمه وفيه دلالة على إناقة
قدرهم وسمو مجدهم كيف وقد قارعوا دون المصطفى صلى الله
عليه وسلم ودينه وكشفوا الكرب عن وجهه وبذلوا الأموال
والأنفس في نصرته؟ والمراد محبة الصحابة رضي الله عنهم
كلهم حتى أن من أحب بعضهم وأبغض بعضهم لا يكون ذلك علامة
على إرادة الخير به وقد اتفق أهل السنة على أن جميع
الأصحاب عدول لكن قال المازوي في البرهان لسنا نعني بقولنا
الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو
زاره وقتا ما أو اجتمع به لغرض ما أو انصرف عن قرب بل
الذين لازموه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم
المفلحون انتهى قال العلائي وهو غريب
(فر عن أنس) لم يرمز له بشيء فهو ضعيف لكن له شواهد
(1/263)
[ص:264] 396 - (إذا أراد الله بالأمير) على
الرعية وهو الإمام ونوابه (خيرا جعل له وزيرا) من الوزر
وهو الثقل لتحمله عن الملك أو من الوزير وهو الملجأ
لاعتصامه برأيه وإلتجائه إليه أو من المؤازرة وهي المعاونة
(صدق) أي صالحا صادقا في نصحه ونصح رعيته قال الطيبي: أصله
وزير صادق ثم قيل وزير صدق على الوصف به ذهابا إلى أنه نفس
الصدق ثم أضيف لمزيد الاختصاص بالقول ولم يرد بالصدق
الاختصاص بالقول فقط بل بالأقوال والأفعال (إن نسي) شيئا
من أحكام الشرع وآدابه أو نصر المظلوم أو مصلحة الرعية
(ذكره) بالتشديد أي ما نسيه ودله على الأصلح والأنفع
والأرفق (وإن ذكر) بالتخفيف أي الأمير واحتاج لمساعدة
(أعانه) بالرأي أو اللسان أو البدن أو بالكل (وإذا أراد به
غير ذلك) أي شرا ولم يعبر به استهجانا للفظه واستقباحا
لذكره (جعل له وزير سوء) بالفتح والإضافة (إن نسي لم يذكره
وإن ذكر لم يعنه) على ما فيه الرشد والفلاح بل يحاول ضده
وذلك علامة سوء الخاتمة كما أن الأول علامة حسنها قال في
الكشاف: والسوء الرداءة والقبح في كل شيء <تنبيه> قال
الأحنف: لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان ولا
تنفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة ولا تنفع
المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفاف وأعظم الأمور ضررا على
الملوك خاصة وعلى الناس عامة أن يحرموا صالح الوزراء
والأعوان وأن يكون وزراؤهم وأعوانهم غير ذي مروءة ولا حياء
وقال ليس شيء أهلك للوالي من وزير أو صاحب يحسن القول ولا
يحسن العمل وقال حلية الولاة وزينتهم وزراؤهم فمن فسدت
بطانته كان كمن غص بالماء ولم يصلح شأنه (تتمة) أخرج
البيهقي عن علي الجراح قال سألت أولاد بني أمية ما سبب
زوال دولتكم قالوا خصال أربع أولها أن وزراءنا كتموا عنا
ما يجب إظهاره لنا الثانية أن جباة خراجنا ظلموا الناس
فرحلوا عن أوطانهم فخلت بيوت أموالنا الثالثة انقطعت
الأرزاق عن الجند فتركوا طاعتنا الرابعة يئسوا من انصافنا
فاستراحت نفوسهم لغيرنا
(د هب عن عائشة) قال في الرياض رواه أبو داود بإسناد جيد
على شرط مسلم لكن جرى الحافظ العراقي على ضعفه فقال ضعفه
ابن عدي وغيره ولعله من غير طريق أبي داود
(1/264)
397 - (إذا أراد الله بعبد شرا خضر)
بمعجمتين كحسن لفظا ومعنى له في اللبن بفتح اللام وكسر
الموحد مخففة جمع لبنة بفتح فكسر (والطين حتى يبني) أي حتى
يحمله على البناء فيشغله ذلك عن أداء الواجبات ويزين له
الحياة وينسيه الممات وقد أنشد بعضهم في المعنى:
وللموت تغذو الوالدات سخالها. . . كما لخراب الدهر تبنى
المساكن
ولم يذكر من آلات البناء إلا اللبن والطين لأنهما معظم
آلات البناء التي يحصل بهما مسماه وما عداهما فمكملات وخص
اللبن الذي هو الطوب النيء دون المحرق لأن عادة الحجاز في
ذلك الزمن البناء به وهذا فيما لم يرد به وجه الله وإلا
كبناء مسجد خالصا له فهو مثاب مأجور وفي غير ما لا بد منه
لنفسه وممونة فمن بنى بيتا لهم بقدر الكفاية على الوجه
اللائق به وبهم فليس بمذموم فلا يلحقه هذا الوعيد وسكت عن
مقابله زيادة للتنفير به
(طب خط) في ترجمة علي بن الحسن المخزومي (عن جابر) قال
الهيتمي ورجاله رجال الصحيح غير شيخ البخاري ولم أجد من
ضعفه وقال المنذري رواه في الثلاثة بإسناد جيد انتهى وظاهر
صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه
وهو ذهول فقد عزاه جمع لأبي داود من حديث عائشة قال
العراقي واسناده جيد
(1/264)
398 - (إذا أراد الله بعبد هوانا) أي ذلا
وحقارة وفي رواية للطبراني سوءا بدل هوانا (أنفق ماله) أي
أنفده وأفناه [ص:265] يقال نفقت الدراهم نفدت ونفق الشيء
نفقا فنى وأنفقته أفنيته (في البنيان) أي في أجر الصناع
ونحو ذلك (و) في (الماء والطين) إذا كان البناء لغير غرض
شرعي أو أدى لترك واجب أو فعل منهي عنه أو زاد على الحاجة
وذلك هو المتوعد عليه لأن الدنيا ليست بدار قرار ولا
يعمرها إلا الأشرار ولهذا قال عيسى عليه الصلاة والسلام
إنما هي معبرة فاعبروها ولا تعمروها فإن قلت: ما فائدة
قوله في الماء والطين بعد قوله في البنيان وهلا اكتفى به؟
قلت: الظاهر أنه أراد بالبنيان أجرة أرباب الحرف كما تقرر
وبالماء والطين ثمن المؤن ويكون المراد إنفاقه في أجرة
البناء وفي آلاته. قالوا: ولا ينبغي لمن مر على بناء مزخرف
مشرف أن لا ينظر إليه لأنه إغراء لبانيه وأمثاله على ذلك
إذ هو إنما فعل لينظر الناس إليه قال في الكاشف: قد شدد
العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة
وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك لأنهم إنما
اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل
لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها
(البغوي) أبو القاسم في معجمه (هب) وكذا الطبراني في
الأوسط (عن محمد بن بشير الأنصاري) قال الهيتمي: رواه عنه
ابنه يحيى إن صح (وماله غيره) وفيه سلمة بن شريح قال
الذهبي مجهول (عد عن أنس) في ترجمة زكريا المصري الوقاد
وقال يضع الحديث كذبه صالح وحرزه غيره انتهى وبه يعرف أن
عزو الحديث له وسكوته عما أعله غير صواب ولما عزاه الهيتمي
إلى الطبراني قال فيه من لم أعرفهم
(1/264)
399 - (إذا أراد الله بقوم سوءا) بالضم أي
أن يحل بهم ما يسوؤهم (جعل أمرهم) أي صير الولاية عليهم
وتدبير مملكتهم (إلى مترفيهم) أي متنعميهم المتعمقين في
اللذات المنهمكين على الشهوات وذلك سبب الهلاك قال تعالى
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها}
الآية والمترف بضم الميم وفتح الراء المتنعم المتوسع في
ملاذ الدنيا وشهواتها قال في الكاشف: الإتراف إبطار النعمة
انتهى وذلك لأنهم أسرع إلى الحماقة والفجور وسفك الدماء
وأجرأ على صرف مال بيت المال في حظوظهم ومآربهم غير ناظرين
إلى مصالح رعاياهم {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} وفي
الكلام حذف والتقدير بقوم أهل سوء سوءا فإنه تعالى إنما
يولي عليهم مترفيهم لعدم استقامتهم بدليل الحديث الآتي كما
تكونوا يولى عليكم وفي حديث لأحمد كما تدين تدان وفي آخر
إنما هي أعمالكم ترد عليكم وفي حديث لأحمد عن موسى عليه
الصلاة والسلام نحوه
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه حفص بن مسلم السمرقندي قال
الذهبي متروك
(1/265)
400 - (إذا أراد الله بقوم عذابا) أي عقوبة
في الدنيا كقحط وفناء وجور (أصاب) أي أوقع (العذاب) بسرعة
وقوة (من كان فيهم ثم بعثوا) بعيد الممات عند النفخة
الثانية (على أعمالهم) ليجازوا عليها فمن أعماله صالحة
أثيب عليها أو سيئة جوزي بها فيجازون في الآخرة بأعمالهم
ونياتهم وأما ما أصابهم في الدنيا عند ظهور المنكر فتطهير
للمؤمنين ممن لم ينكر وداهن مع القدرة ونقمة لغيرهم وقضية
ما تقرر أن العذاب لا يعم من أنكر ويؤيده آية {أنجينا
الذين ينهون عن السوء} لكن ظاهر {واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر " أنهلك وفينا الصالحون قال
نعم إذا كثر السوء " العموم
(ق عن ابن عمر) بن الخطاب
(1/265)
401 - (إذا أراد الله بقوم عاهة) أي آفة
دينية واحتمال إرادة الدنيوية أيضا بعيد (نظر إلى أهل
المساجد) نظر رحمة وموافاة وإكرام وإحسان وأهلها الملازمون
والمترددون إليها لنحو صلاة أو ذكر أو اعتكاف فليس المراد
بأهلها [ص:266] من عمرها أو رممها بل من عمرها بالصلاة
والذكر والتلاوة ونحوها (فصرف عنهم) العاهة أي عن أهل
المساجد فتكون مختصة بغيرهم هذا هو المتبادر من عود الضمير
على أقرب مذكور ويؤيده خبر البيهقي إذا عاهة من السماء
نزلت صرفت عن عمار المساجد ويحتمل رجوعه للقوم وإن كان
أبعد فتصرف الآفة عن عموم القوم إكراما لعمار المساجد
بأنواع العبادات بدليل خبر: لولا شيوخ ركع وبهائم رتع
وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا. نعم هذا مخصوص بما إذا
لم يكثر الخبث بدليل الخبر المذكور وقد ورد نظير هذا
الإكرام الإلهي لغير عمار المساجد أيضا ففي حديث البيهقي
قال الله تعالى " إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى
عمار بيتي والمتحابين في والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم
وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي الحديث تنويه عظيم بفضل
المساجد وشرف قاطنيها للعبادة فيها والخلوة بها وتحذير من
غلقها وتعطيلها {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها
اسمه}
(عد فر عن أنس) ورواه أيضا البيهقي وأبو نعيم وعنه أورده
الديلمي فلو عزاه إليه كان أولى ثم إن فيه مكرم بن حكيم
ضعفه الذهبي وزافر ضعفه مخرجه ابن عدي وقال لا يتابع على
حديثه
(1/265)
402 - (إذا أراد الله بقرية) أي بأهلها على
حد {واسأل القرية} (هلاكا) بنحو كثرة قتل وطاعون وفقر وذل
كما يدل له خبر الحاكم إذا كثر الزنا كثر القتل ووقع
الطاعون وذلك لأن حد الزنا القتل فإذا لم يقم الحد فيهم
سلط الله عليهم الجن فقتلوهم وفي خبر البزار إذا ظهر الزنا
في قوم ظهر فيهم الفقر والمسكنة ونكر الهلاك لمزيد التهويل
(أظهر) أي أفشى (فيهم الزنا) أي التجاهر بفعله وهو بالقصر
أفصح وذلك لأن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا
ظهرت ضرت الخاصة والعامة. وخص الزنا لأنه يفسد الأنساب
ونوع الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ولهذا لم يحل في
شريعة قط ولما كان الجزاء من جنس العمل وكانت لذة الزنا
تعم البدن جعل الله جزاءهم بعموم إهلاكهم وفي رواية الربا
بدل الزنا بموحدة
(فر عن أبي هريرة) وفيه حفص بن غياث فإن كان النخعي ففي
الكاشف ثبت إذا حدث من كتابه وإن كان الراوي عن ميمون
فمجهول
(1/266)
403 - (إذا أراد الله أن يخلق خلقا) أي
مخلوقا أي رجلا (للخلافة) أي للملك (مسح ناصيته بيده) لفظ
رواية الخطيب بيمينه وخص ناصيته لأنه يعبر بها عن جملة
الإنسان وذلك عبارة عن إلقاء المهابة عليه ليطاع فهو
استعارة أو تشبيه. قال الزمخشري: أراد بالخلافة الملك
والتسلط وقصره على ذلك تحكم فإن الخلافة النبوية تشمل
الإمام الأعظم ونوابه وتشمل العلماء فإذا أراد الله تعالى
نصب إنسان للقيام لحماية الدين ونشر الأحكام وقهر أعداء
الإسلام من الملاحدة وغيرهم ألقى عليه المهابة وصير قوله
مقبولا ممتثلا عليه طلاوة وحلاوة وجلالة فإذا قرر شيئا
سلموه وإذا أفتى في شيء قبلوه وإذا أمر بمعروف أو نهى عن
منكر امتثلوه فمن قصره على السلطنة فقد قصر
(عق) عن ابن أحمد بن حنبل عن عبد الله بن موسى السلمي عن
مصعب النوفلي عن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة عن أبي
هريرة ثم عقبه مخرجه بقوله مصعب مجهول بالنقل حديثه غير
محفوظ ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به (عد) ثم عقبه بقوله
هذا منكر بهذا الإسناد والبلاء فيه من مصعب (خط) في ترجمة
عبد الله بن موسى الأنصاري قال ابن حجر وفيه عنده مسرة بن
عبد ربه تألف وقال الذهبي كذاب وأورده ابن الجوزي في
الموضوعات وقال البلاء فيه من النوفلي وأورده من حديث أنس
وقال فيه مسرة مولى المتوكل ذاهب الحديث لكن له طريق عن
ابن عباس خرجه الحاكم بلفظ إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا
للخلافة مسح على ناصيته بيمينه فلا تقع عليه عين إلا أحبته
قال الحاكم رواته هاشميون قال ابن حجر في الأطراف إلا أن
شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ (فر عن أبي هريرة)
(1/266)
[ص:267] 404 - (إذا أراد الله قبض عبد) أي
قبض روح إنسان (بأرض) غير التي هو فيها وفي رواية للترمذي
إذا أراد الله لعبد أن يموت بأرض (جعل له بها) وفي رواية
للترمذي إليها وفي رواية فيها (حاجة) زاد الترمذي حتى
يقدمها وذلك ليقبر بالبقعة التي خلق منها. قال الحكيم:
إنما يساق من أرض لأرض ليصير أجله هناك لأنه خلق من تلك
البقعة قال تعالى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} فإنما يعاد
الإنسان من حيث بدئ منه وقد مر المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقبر يحفر فقال: لمن؟ قيل: لحبشي فقال: لا إله إلا الله
سيق من أرضه وسمائه حتى دفن بالبقعة التي خلق منها وفي
ضمنه إعلام بأن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وأنه لا
راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد
(حم طب حل عن أبي عزة) يسار ابن عبد الله أو ابن عبد أو
ابن عمرو الهذلي له صحبة سكن البصرة وقيل هو مطر بن عكامس
لأن حديثهما واحد وهو هذا وقيل غيره ورواه عنه الترمذي في
العلل ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال لا أعرف لأبي عزة
إلا هذا انتهى قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني فيه
محمد بن موسى الخرشي وفيه خلف انتهى ورواه عنه أيضا
البخاري في الأدب والحاكم وبالجملة فهو حسن
(1/267)
405 - (إذا أراد الله أن يوتغ) بضم التحتية
وسكون الواو وكسر الفوقية وغين معجمة (عبدا) أي يهلكه
والوتغ محركا الهلاك كما في الصحاح وفي رواية بدل يوتغ
يوتر وهو أن يفعل بالإنسان ما يضره (عمى) بغير ألف كذا بخط
المؤلف لكن الذي في نسخ الطبراني أعمى بألف (عليه الحيل)
بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة تحت أي الاحتيال وهو
الحذق في تدبير الأمور وتقليب الفكر ليصل إلى المقصود
فالمراد صيره أعمى القلب متحير الفكر فالتبس عليه الأمر
فلا يهتدي إلى الصواب فيهلكه والعمى في الأصل فقد البصر ثم
استعير لعمى القلب كناية عن الضلال والحيرة والعلاقة عدم
الاهتداء وما ذكر من ضبط يوتغ بما ذكر هو ما في بعض الشروح
لكن الذي رأيته في أصول صحيحة من المعجم ومجمع الزوائد
يزيغ بزاي معجمة فمثناة تحت ثم رأيت نسخة المصنف الذي بخطه
من هذا الكتاب المشروح يزيغ بزاي منقوطة وهو مصلح بخطه على
كشط ومعنى يزيغ يميل عن الحق ففي القاموس وغيره أزاغه
أماله وزاغ يزيغ مال وزاغ البصر كل
(طس عن عثمان) بن عفان لم يرمز له بشيء وهو ضعيف ووجهه أن
فيه محمد بن عيسى الطرطوسي وهو كما قال الهيتمي ضعيف وعبد
الجبار ابن سعيد ضعفه العقيلي وقال أحاديثه مناكير عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد وقد ضعفه النسائي فتعصيب الهيتمي
الجناية برأس الطرطوسي وحده غير جيد
(1/267)
406 - (إذا أراد الله إنفاذ) بمعجمة (قضائه
وقدره) أي إمضاء حكمه وقضاؤه إرادته الأزلية المتعلقة
بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها
على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها (سلب) خطف
بسرعة على غفلة (ذوي العقول) جمع عقل ومر تعريفه (عقولهم)
يعني سترها وغطاها فليس المراد السلب الحقيقي بل التغطية
حتى لا يروا بنورها المنافع فيطلبوها ولا المضار فيجتنبوها
قال بعض الحروريين لترجمان القرآن لما قال في قضية سليمان
عليه الصلاة والسلام أنه طلب الهدهد لأنه ينظر الماء من
تحت الأرض كيف ينظره والصبي ينصب له الفخ فلا يراه حتى يقع
فيه قال ويحك أما علمت أن القضاء إذا نزل عمي البصر؟ وقيل
لم يرد بسلبها رفعها بل سلب نورها وحجبها بحجاب القدرة مع
بقاء صورتها فكم من مترد في مهلكة وهو يبصرها ومفوت منفعة
في دينه أو دنياه وهو مشرف عليها قال تعالى {وتراهم ينظرون
إليك وهم لا يبصرون} (حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره فإذا مضى)
وفي نسخ [ص:268] أمضى بألف وهو تحريف من النساخ فإن الألف
لا وجود لها في خط المصنف (أمره) الذي قدره (رد إليهم
عقولهم) فأدركوا قبح ما فرط منهم (ووقعت الندامة) الأسف
والحزن ومنه علم أن العبد لا يملك لنفسه صرا ولا نفعا وأنه
لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهذا أصل تفرق
الأهواء والسبل واختلاف الملل والنحل وذلك لأنهم لما كلفوا
بالاقرار بالوحدانية من طريق الخبر وحجبوا عن تعين المخبر
به وهو معاينته بالقلب توددوا واضطربوا فرجعوا إلى عقول
مسلوبة وأفهام محجوبة وتحيروا في ظلمة أنفسهم وضعفت أبصار
فكرهم فلم يبصروا فحصلت قلوبهم في أكنة الخذلان وعليها
الصدأ والحرمان
(فر) وكذا أبو نعيم في تاريخ أصبهان (عن أنس) بن مالك
(وعلي) أمير المؤمنين وفيه سعيد بن سماك بن حرب متروك كذاب
فكان الأولى حذفه من الكتاب وفي الميزان خبر منكر ثم إن ما
ذكر من أن الديلمي خرجه من حديث أنس وعلي هو ما رأيته في
نسخ الكتاب كالفردوس وذكر المؤلف في الدرر أن البيهقي
والخطيب خرجاه من حديث ابن عباس وقال إسناده ضعيف
(1/267)
407 - (إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه
شيء) فإذا أراد خلق الولد من المني لم يمنعه العزل بل يكون
وإن عزل وهذا قاله لما سئل عن العزل فأخبر أنه لا يغني حذر
من قدر. وفي إفهامه أن العزل لا يحرم مطلقا فإنه لم ينههم
وهو مذهب الإمام الشافعي والنهي عنه محمول على التنزيه
جمعا بين الأدلة
(م) في النكاح (عن أبي سعيد) الخدري فظاهر صنيع المؤلف أن
هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه في
الفردوس للبخاري
(1/268)
408 - (إذا أراد الله بقوم قحطا) جدبا وشدة
واحتباس مطر (نادى مناد) أي أمر ملكا أن ينادي (في السماء)
أي من جهة العلو ويحتمل أنه جبريل لأنه الموكل بإنزال
الرحمة والعذاب (يا أمعاء) وفي نسخ يا معاء بكسر الميم وقد
تفتح مقصورا أي يا مصارين أولئك القوم (اتسعي) أي تفسحي
حتى لا يملأك إلا أكثر مما كان يملؤك أولا (ويا عين لا
تشبعي) أي لا تمتلئي بل انظري نظر شره وشدة شبق للأكل
وأضاف عدم الشبع إليها مجازا (ويا بركة) أي يا زيادة في
الخير (ارتفعي) أي انتقلي عنهم وارجعي إلى جهة العلو من
حيث أفضيتي فيسري نداؤه في الأرواح والأشباح ثم إن ما تقرر
من حمل النداء على حقيقته هو المتبادر ولا مانع من أن الله
يخلق فيما ذكر إدراكا يعقل به سماع النداء وخص البطن
والعين لأنهما مناط الجوع والشبع لكن الأقعد أن المراد
المجاز والمعنى إذا أراد الله أن يبتلي قوما بالغلاء
والجوع لم يخلق الشبع في بطونهم ويمحق البركة من أرزاقهم
عقوبة أو تطهيرا
(ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) ذيل تاريخ بغداد (عن
أنس وهو مما بيض له الديلمي) في الفردوس لعدم وقوفه له على
سند
(1/268)
409 - (إذا أراد أحدكم) الخطاب فيه وفيما
يأتي وإن كان بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام لأن حكمه
على الواحد على الواحد حكم على الجماعة إلا بدليل منفصل
وكذا حكم تناوله للنساء (أن يبول فليرتد) أي فليطلب وليتحر
ندبا (لبوله) موضعا لينا رخوا ليأمن من عود الرشاش فنجسه
وحذف المفعول للعلم به وهو موضعا أو مكانا للعلم به لدلالة
الحال عليه فالبول في المكان الصلب مكروه وفيه أنه لا بأس
بذكر البول وترك الكناية عنه بلفظ إراقة الماء بل ورد
النهي عن استعمال هذه الكناية في خبر الطبراني عن وائلة لا
يقولن أحدكم أهرقت الماء ولكن ليقل أبول لكن فيه [ص:269]
كما قال العراقي عنبسة ضعيف. قال الزمخشري: والارتياد
افتعال من الرود كالابتغاء من البغي ومنه الرائد طالب
المرعى والطير يتريد الورق أي يطلبه ومنه المثل الرائد لا
يكذب أهله وهو الذي يرسل في طلب المرعى
(د هق عن أبي موسى) قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فأراد أن يبول فأتى دمثا أي محلا لينا في أصل جدار فبال ثم
ذكره قال المنذري كالنووي ويشبه أن يكون الجدار عاريا غير
مملوك أو قعد متراخيا عنه فلا يصيبه البول أو علم رضا
صاحبه وقد رمز المؤلف لحسنه فإن أراد لشواهده فمسلم وإن
أراد لذاته فقد قال البغوي وغيره حديث ضعيف وقال المنذري
في تعقبه على أبي داود فيه مجهول وتبعه الصدر المناوي وقال
النووي في المجموع وشرح أبي داود حديث ضعيف لأن فيه
مجهولين قال وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر
ووافقه الولي العراقي فيما كتبه عليه فقال ضعيف لجهالة
روايه والمجهول الذي في إسناد أبي داود في إسناد البيهقي
انتهى بل جرى المؤلف في الأصل على ضعفه
(1/268)
410 - (إذا أراد أحدكم أن يذهب) أي يسير
ويمضي إذ الذهاب السير والمضي. قال الراغب: ويستعمل في
الأعيان والمعاني (إلى الخلاء) ليبول أو يتغوط وهو بالمد
المحل الخالي ثم نقل لمحل قضاء الحاجة (وأقيمت الصلاة)
الفرض وكذا نفل فعل جماعة أي شرع فيها أو أقيم لها
(فليذهب) ندبا (إلى الخلاء) قبل الصلاة إذا أمن خروج الوقت
ليفرغ نفسه لأنه إذا صلى قبل ذلك تشوش خشوعه واختل حضور
قلبه فإن خالف وصلى حاقبا كره تنزيها وصحت
(حم د ن هـ حب ك عن عبد الله بن الأرقم) بفتح الهمزة
والقاف ابن عبد يغوث الزهري من الطلقاء كتب أوحى وولى بيت
المال لعمر وعثمان بلا أجر وإسناده صحيح
(1/269)
411 - (إذا أراد أحدكم أن يبيع عقاره)
بالفتح والتخفيف أي ملكه الثابت كدار ومحل (فليعرضه) بفتح
التحتية (على جاره) بأن يعلمه بأنه يريد بيعه وأنه يؤثره
به إن شاء وعليه عرضه أيضا على الشريك فإن أذن في بيعه
فباعه فللشريك أخذه بالشفعة عند الشافعي رضي الله عنه
والحنفي والأمر للندب وقيل للوجوب دفعا للضرر وعنه بمجاورة
من لا يصلح والمراد به هنا الملاصق واستدل به الحنفية
لثبوت الشفعة للجار ويظهر أنه لا يلحق بالبيع الإجارة لأن
انتقال الملك إن ضر دام ضرره بخلاف الإجارة
(4 عد عن ابن عباس) ولم يرمز له بشيء وفيه يحيى بن عبد
الحميد الحماني نقل الذهبي عن أحمد أنه كان يكذب جهارا
ووثقه ابن معين
(1/269)
412 - (إذا أراد أحدكم سفرا) بالتحريك سمي
به لأنه يسفر عن الأخلاق (فليسلم) ندبا (على إخوانه) في
الدين يعني معارفه فيذهب إلى أماكنهم ويودعهم ويطلب منهم
الدعاء (فإنهم يزيدونه بدعائهم) له (إلى دعائه) لنفسه
(خيرا) فيقول كل منهم للآخر أستودع الله دينك وأمانتك
وخواتيم عملك الدعاء المشهور ويزيد المقيم وردك في خير
وإذا رجع المسافر يتلقى ويسلم عليه لأن المسافر أنسب
بالتوديع والقادم أحق بأن يتلقى ويهنأ بالسلامة. ويؤخذ من
الحديث أنه لو كان أقاربه أو جيرانه كفارا لا يذهب إليهم
ولا يودعهم لعدم انتفاعه بدعائهم الذي هو المقصود بالوداع
قال تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
(طس عن أبي هريرة) قال العراقي سنده ضعيف وقال الهيتمي فيه
يحيى بن العلاء البجلي ضعيف قال ورواه أبو يعلى عن عمرو بن
الحصين وهو متروك وقال ابن حجر حديث غريب ويحيى وعمرو
ضعيفان جدا
(1/269)
[ص:270] 413 - (إذا أراد أحدكم من امرأته
حاجة) أي جماعا وهي ممن يجوز له جماعها بخلاف نحو حائض
ومريضة مرضا لا تطيق معه الجماع ومن بفرجها قروح تتأذى به
ومعتدة عن شبهة وغير ذلك من الصور التي للرجل فيها الطلب
وعلى المرأة الهرب وكنى بالحاجة عن الجماع لمزيد احتشامه
وعظيم حيائه وهو من لطيف الكنايات (فليأتها) فليجامعها إن
شاء ولتطعه وجوبا (وإن كانت على تنور) بفتح التاء وشد
النون أي وإن كانت تخبز عليه مع أنه شغل شاغل لا نتفرغ منه
إلى غيره إلا بعد انقضائه ذكره القاصي قال المرسي: كان
عندنا باسكندرية عارفة بالله تعالى قالت لي كنت إذا كنت
بحضرة أو موقف وأرادني زوجي ليقضي أربه لا أمنعه فلا
يستطيع ذلك مني كلما أراد؟ ؟ لج (1) فعجز حتى يضيق خلقه
ويقول يا لها من حسرة هذه الشابة في حسنها بين يدي ولا
تمتنع مني ولا أصل إليها. والتنور محل الوقود وصانعه تنار
معرب أو عربي توافقت فيه اللغات وقال الزمخشري عن أبي حاتم
التنور ليس بعربي صحيح ولم تعرف له العرب اسما غيره فلهذا
جاء في التنزيل لأنهم خوطبوا بما عرفوا <تنبيه> قال أبو
حبان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق
تقديره فليأتها على كل حال وإن كانت إلى آخره ولا تجيء هذه
الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم
الحال المحذوفة فأدرج تحته ألا ترى أنه لا يحسن: فليأتها
وإن كانت معطرة مزينة متأهبة
(حم طب عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن علي) بن
المنذر الحنفي ممن بنى في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم
رمز لحسنه وفيه محمد بن حاتم اليمامي
_________
(1) [أحرف سقطت في الأصل]
(1/270)
414 - (إذا أردت) أي هممت أن تفعل (أمرا
فتدبر عاقبته) بأن تتفكر وتتأمل ما يصلحه ويفسده وتدقق
النظر في عواقبه مع الاستخارة ومشاروة ذوي العقول فالهجوم
على الأمور من غير نظر في العواقب موقع في المعاطب فلذا
قيل:
ومن ترك العواقب مهملات. . . فأيسر سعيه أبدا تبار
قال القاضي وأصل التدبير النظر في إدبار الشيء (فإن كان)
في فعله (خيرا) وفي رواية رشدا أي غير منهي عنه شرعا
(فامضه) أي فافعله وبادر فقد قالوا انتهز الفرصة قبل أن
تعود غصة (وإن كان) في فعله (شرا) أي منهي عنه شرعا
(فانته) أي كف عنه وعبر به دون لا تمضه لأنه أبلغ وفي
رواية بدل فامضه فوجه أي أسرع إليه من الجا وهو السرعة
وهذا تنبيه على مذمة الهجوم من غير تدبر قال الراغب:
والتدبر تأمل دبر الأمر والفكرة كالآلة للصانع التي لا
يستغني عنها ولا تكون إلا في الأمور الممكنة دون الواجبة
والممتنعة وتكون في جملة الممكنات فالطبيب لا يحيل رأيه في
نفس البرء بل في كيفية الوصول إليه قال الغزالي: إذا أردت
أن تعرف خاطر الخير من خاطر الشر فزنه بإحدى الموازين
الثلاثة يظهر لك حاله فالأول أن تعرض الذي خطر لك على
الشرع فإن وافق حسنه فهو خير وإن كان بالضد فهو شر وإن لم
يتبين لك بهذا الميزان فاعرضه على الاقتداء فإن كان في
فعله اقتداء بالصالحين فهو خير وإلا فهو شر وإن لم يتبين
لك بهذا الميزان فاعرضه على النفس والهوى فإن كان مما تنفر
عنه النفس نفرة طبع لا نفرة خشية وترهيب فهو خير وإن كان
مما تميل إليه ميل طمع لا ميل رجاء في الله وترغيب فهو شر
إذ النفس أمارة بالسوء لا تميل بأصلها إلى خير فتأخذ هذه
الموازين إذا نظرت وأمعنت النظر يتبين لك الخير من الشر
(ابن المبارك) عبد الله (في) كتاب (الزهد) والرقائق (عن
أبي جعفر) عبد الله (بن مسور) بكسر الميم وفتح الواو ابن
عون بن جعفر (الهاشمي) نسبة لبني هاشم (مرسلا) قال الذهبي
في المغني قال أحمد وغيره أحاديثه موضوعة وقال النسائي
والدارقطني متروك وقال العراقي ضعيف لكن له شواهد عند أبي
نعيم
(1/270)
[ص:271] 415 - (إذا أردت أن تبزق) بزاي
وسين وصاد وإنكار السين غلط أي تخرج الريق من فمك (فلا
تبزق) حيث لا عذر (عن) جهة (يمينك) فيكره تنزيها لشرف
اليمين وأدبا مع ملكه (ولكن) أبصق (عن) جهة (يسارك إن كان
فارغا) أي خاليا من آدمي ونحوه لأن الدنس حق اليسار
واليمين بعكسه قال القاضي: خص اليمين بالنهي مع أن عن
شماله ملكا أيضا لأنه يكتب الحسنات فهو أشرف (فإن لم يكن
فارغا) كأن كان على يسارك إنسان (فتحت قدمك) أي اليسرى كما
في خبر هبة في صلاة أو لا قالوا وبصقه في ثوبه من جهة
يساره أولى والكلام في غير المسجد أما البصاق فيه فحرام
كما يأتي <فائدة> قال ابن عطاء الله وصف لأبي يزيد
البسطامي رجل بالولاية فقصده فخرج الرجل يتنخم في حائط
المسجد فرجع ولم يجتمع به وقال هذا غير مأمون على أدب من
آداب الشريعة فكيف يؤمن على أسرار الله تعالى
(البزار) في مسنده (طارق) بالمهملة والقاف (ابن عبد الله)
المحاربي له صحبة ورواية قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح
انتهى فرمز المؤلف لحسنه فقط غير حسن إذ حقه الرمز لصحته
(1/271)
416 - (إذا أردت أن تغزو) أي تسير لقتال
الكفار (فاشتر فرسا أغر) يعني حصل فرسا أغر تغزو عليه
بشراء أو غيره وخص الشراء لأنه الغالب والأمر للندب ويحتمل
الإرشاد والأغر الذي في جبهته بياض فوق درهم يقال فرس أغر
أدهم غراء كأحمر وحمراء والقول بأن المراد الأغر هنا
الأبيض غفلة فإن لفظ رواية الحاكم أدهم أغر وكأن لفظ أدهم
سقط من قلم المؤلف ذهولا (محجلا) أي قوائمه تبلغ بياضها
ثلث الوظيف أو نصفه أو ثلثيه ولا يبلغ الركبتين (مطلق اليد
اليمنى) هي الخالية من البياض مع وجوده في بقية القوائم
(فإنك تسلم) من العدو وغيره (وتغنم) أموالهم وتخصيصه لذلك
الفرس ظاهر لأن المتصف بذلك أجمل الخيل وأحسنها زيا وشكلا
قال ابن الكمال: والتفاؤل بهذه الصفات كان معروفا في
الجاهلية فقررهم الشارع عليه وبين أن النجاح والبركة فيما
كان بهذه الصفة كما هو عند العامة ويؤخذ من ذلك أنه ينبغي
إيثاره لكل سفر وأن تخصيص الأغر فللآكدية قال ابن المعتز:
ومحجل طلق اليمين كأنه. . . متبختر يمشي بكم مسبل
(طب ك) في الجهاد (هق عن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف
(ابن عامر) الجهني صحابي أمير شريف فرضي شاعر ولي غزو
البحر لمعاوية قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي في
التلخيص لكنه في المهذب قال فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو
حاتم وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني فيه عبيد بن الصباح
ضعيف
(1/271)
417 - (إذا أردت أمرا) أي فعل شيء من
المهمات وأشكل عليك وجهه (فعليك بالتؤدة) كهمزة أي الزم
التأني والرزانة والتثبت وعدم العجلة (حتى) أي إلى أن
(يريك الله منه مخرجا) بفتح الميم والراء أي المخلص يعني
إذا أردت فعل شيء وأشكل عليك أو شق فتثبت ولا تعجل حتى
يهديك الله إلى الخلاص ولفظ رواية البيهقي حتى يجعل الله
لك مخرجا أو قال فرجا قال الراغب: يحتاج الرأي إلى أربعة
أشياء اثنان من جهة الزمان في التقديم والتأخير أحدهما أن
يعيد النظر فيما يرتقبه ولا يعجل إمضاءه فقد قيل إياك
والرأي الفطير وأكثر من يستعجل في ذلك ذوي النفوس الشهيمة
والأمزجة الحادة والثاني أن لا يدافع به بعد إحكامه فقد
قيل أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع فيه وأكثر [ص:272]
من يدافع ذلك ذوو النفوس المهينة والأمزجة الباردة واثنان
من جهة الناس أحدهما ترك الاستبداد بالرأي فإن الاستبداد
به من فعل المعجب بنفسه وقد قيل الأحمق من قطعه العجب
بنفسه عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة والثاني أن
يتخير من يحسن مشاروته قال الشاعر:
فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه. . . وما كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب. . . فحق له من طاعة بنصيب
ومن دخل في أمر بعد الاحتراز عن هذه الأربعة فقد أحكم
تدبيره فإن لم ينجح عمله لم تلحقه مذمة
(خد هب) وكذا الطيالسي والخرائطي والبغوي وابن أبي الدنيا
كلهم (عن رجل من يلي) بفتح فكسر كرضي قبيلة معروفة قال هذا
الرجل: انطلقت مع أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فناجاه أبي دوني فقلت لأبي ما قال لك قال قال لي إذا أردت
إلى آخره رمز المؤلف لحسنه وفيه سعد بن سعيد ضعفه أحمد
والذهبي لكن له شواهد كثيرة
(1/271)
418 - (إذا أردت أن يحبك الله فابغض
الدنيا) التي منذ خلقها لم ينظر إليها بغضا لها لحقارتها
عنده بحيث لا تساوي جناح بعوضة والمراد اكره بقلبك ما نهيت
عنه منها وتجاف عنها واقتصر على ما لا بد منه ومن فعل ذلك
كشف لسره حجب الغيب فصار الغيب له مشهودا (وإذا أردت أن
يحبك الناس فما كان عندك من فضولها) بضم الفاء أي بقاياها
الزائدة على ما تحتاجه لنفسك وممونك بالمعروف (فانبذه) أي
اطرحه (إليهم) فإنهم كالكلاب لا ينازعونك ولا يعادونك إلا
عليها فمن زهد فيما في أيديهم وبذل لهم ما عنده وتحمل
أثقالهم ولم يكلفهم أثقاله وكف أذاه عنهم وتحمل أذاهم
وأنصفهم ولم ينتصف منهم وأعانهم ولم يستمعن بهم ونصرهم ولم
يستنصر بهم أجمعوا على محبته. وهذا الحديث من جوامع الكلم
وأصل من أصول القوم الذي أسسوا عليها طريقهم ومن وفق للعمل
به وإنه لصعب شديد إلا على من شاء الله تعالى ارتاح قلبه
واستقام حاله وهانت عليه المصائب والفضول بالضم جمع فضل
كفلوس وفلس الزيادة قال في المصباح: وقد استعمل الجمع
استعمال المفرد فيما لا خير فيه ولهذا نسب إليه فقيل فضولي
لمن يشنغل بما لا يعنيه لأنه جعل علما على نوع من الكلام
فنزل منزلة المفرد وسمى به الواحد والنبذ الإلقاء والطرح
ومنه صبي منبوذ أي مطروح
(خط عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بلفظ النسب (ابن
الحراش) بمهملة مكسورة وآخره شين معجمة ابن جحش بن عمرو بن
عبد الله العبسي الكوفي تابعي ثقة جليل مشهور مات سنة مئة
(مرسلا) وقال العجلي له إدراك قال ربعي: جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل يحبني
الله عليه ويحبني الناس فذكره
(1/272)
419 - (إذا أردت) أي هممت (أن تذكر عيوب
غيرك) أي تتكلم بها أو تحدث بها نفسك (فاذكر عيوب نفسك) أي
تذكرها واستحضرها في ذهنك وأجرها على قلبك مفصلة عيبا عيبا
فإن ذلك يكون مانعا لك من الوقيعة في الناس وعلم مما تقرر
أنه ليس المراد إباحة ذكر عيوب الناس بل أن يشتغل بذكر
عيوب نفسه فقلما يخلو عن عيب فإذا ذكرها واشتغل بمعاتبتها
وتوبيخها منعه من ذكر عيوب الناس قال ذو النون: من نظر في
عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه ومن اهتم بأمر الجنة والنار
شغل عن القيل والقال. قال ابن عربي: فلا تداهن نفسك بإخفاء
عيبك وإظهار عذرك فيصير عدوك أحظر لك في زجر نفسه بإنكارك
من نفسك التي هي أخص بك فهذب نفسك بإنكار عيوبك وانفعها
كنفعك لعدوك فإن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ.
قال: ومن عيب الناس بما يكرهون وإن كان حقا دل على جهله
وسوء طباعه وقلة حيائه من الله تعالى فإنه قلما سلم في
نفسه من عيب فلو اشتغل [ص:273] بالنظر في عيوب نفسه شغله
ذلك عن عيوب غيره ومن تتبع أمور الناس اشتغل بما لا يعنيه
ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه <تنبيه> قال في
الحكم: تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تطلعك
إلى ما حجب عنك من الغيوب
(الرافعي) إمام الدين (في تاريخ قزوين عن ابن عباس) ورواه
البخاري في الأدب المفرد عنه موقوفا وكذا البيهقي في الشعب
(1/272)
420 - (إذا أسأت) أي عملت سيئة (فأحسن)
بفتح الهمزة أي قابل الفعلة السيئة بخصلة حسنة كأن تقابل
الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة وقس عليه
ذكره الزمخشري وشاهده أن الحسنات يذهبن السيئات وهذا إشارة
إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ومقتضى البهيمية
والسبعية والملكية فإذا ارتكب من تلك الرذائل رذيلة يطفيها
بمقتضى الملكية: أتبع السيئة الحسنة تمحها ومن البين أن
الكبيرة لا يمحوها إلا التوبة. قال الراغب: والحسنة يعبر
بها عن كل ما يسر من نعمة تنال المرء في نفسه وبدنه
والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع
على أنواع مختلفة
(ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أراد معاذ بن جبل سفرا
فقال يا رسول الله أوصني فذكره ورواه عنه أيضا الطبراني
وغيره
(1/273)
421 - (إذا استأجر أحدكم) أي أراد أن
يستأجر (أجيرا فليعلمه) لزوما ليصح العقد (أجره) أي يبين
قدر أجرته وقدر العمل ليكون على بصيرة ويكون العقد صحيحا
ونبه بذلك على أن من أركان الإجارة ذكر الأجرة وكونها
مقدرة فمن عمل لغيره عملا بلا معاقدة ولا تعيين أجرة فإن
ذكر مقتضيا لها كاقصر هذا الثوب وأنا أرضيك فله أجرة المثل
وإن لم يذكر مقتضيا فلا أجرة له وإن اعتاد العمل بها عند
الشافعي خلافا لمالك. قال الراغب: والأجير فعيل بمعنى فاعل
أو مفاعل والاستئجار طلب الشيء بالإجرة نحو الاستيجاب في
استعارته للإيجاب وقال الزمخشري: أجرني فلان داره
فاستأجرتها فهو مؤجر ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ قبيح
(قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن ابن مسعود) رضي
الله تعالى عنه وفيه عبد الأعلى بن أبي المشاور قال أبو
داود والنسائي متروك
(1/273)
422 - (إذا استأذن أحدكم ثلاثا) أي طلب
الأذن في الدخول وكرره ثلاث مرات بالقول أو بقرع الباب
قرعا خفيفا (فلم يؤذن له) فيه (فليرجع) وجوبا إن غلب على
ظنه أنه سمعه وإلا فندبا وبه يحصل التوفيق بين الكلامين
ولا يلح في الإذن ولا يقف على الباب منتظرا لأن هذا يجلب
الكراهية ويقدح في قلوب الناس سيما إذا كانوا ذوي مروءة
مرتاضين بالآداب الحسنة. قال في الكشاف: وإذا نهي عن ذلك
لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من
قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في
عادات من لا يتهذب من أكثر الناس وهذا كله إذا لم يعرض أمر
في دار من نحو حريق أو هجوم عدو أو ظهور منكر يجب إنكاره
وإلا فهو مستثنى بالدليل القاطع انتهى قالوا: ويسن الجمع
بين السلام والاستئذان بأن يقدم السلام وحكمه الثلاث كما
في رواية ابن أبي شيبة عن علي أن الأولى إعلام والثانية
مؤامرة والثالثة عزيمة <تنبيه> هذا الحديث رواه أبو موسى
الأشعري بحضرة عمر فقال أقم عليه البينة فوافقه أبو سعيد
الخدري فقبل ذلك منه عمر كما رواه الشيخان ومنه أخذ أبو
علي الجبائي أنه يشترط لقبول خبر الواحد موافقة غيره له
واعتضاده وأجيب بمن طلب عمر البينة ليس لعدم قبول خبر
الوحد بل للتثبت كما يكشف عنه قول عمر رضي الله عنه فيما
رواه مسلم إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت
(مالك) في الموطأ (حم ق) في الاستئذان (د) في الأدب (عن
أبي موسى) الأشعري (و) عن (أبي سعيد) الخدري (معا) قال بشر
بن سعيد سمعت أبا سعيد يقول: [ص:274] كنت جالسا بالمدينة
في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعا مذعورا فقلنا: ما
شأنك قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه فسلمت ثلاثا
فلم يرد فرجعت فقال: ما منعك أن تأتينا فقلت: أتيت فسلمت
على بابك ثلاثا فلم ترد فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكره فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك
فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو
سعيد: قلت أنا أصغرهم قال: فاذهب به فذهبت إلى عمر فشهدت
(طب والضياء) المقدسي (عن جندب) بضم المعجمة وفتح المهملة
ابن عبد الله (البجلي) بفتح الموحدة والجيم وكسر اللام
نسبة إلى بجلة قبيلة مشهورة قال في المفصل وغيره له صحبة
غير قديمة سكن الكوفة ثم تحول للبصرة قال أبو نعيم وابن
منده يقال له جندب الخير وقيل غير ذلك
(1/273)
423 - (إذا استأذنت أحدكم امرأته) أي طلبت
منه الإذن ويظهر أن المراد ما يشمل نحو أمته وموليته ممن
هو مالك أمرها (إلى المسجد) أي في الخروج إلى الصلاة
ونحوها في المسجد أو ما في معناه أو شهود عيد وزيارة مريض
ليلا (فلا يمنعها) بل يأذن لها ندبا حيث أمن الفتنة لها
وعليها وذلك هو الغالب في ذلك الزمن عكس ما بعد ذلك كما
مر. قال الكمال: هذا الحديث خصه العلماء بأمور مخصوصة
ومقيسة فمن الأول خبر أيما أمرأة أصابت بخورا فلا تشهد
معنا العشاء وكونه ليلا ففي مسلم: لا تمنعوا النساء من
الخروج إلى المساجد إلا بالليل والثاني حسن الملابس
ومزاحمة الرجال والطيب فإنهن يتكلفن للخروج ما لم يكن
عليهن في المنزل فمنعن مطلقا لا يقال هذا حينئذ نسخ
بالتعليل لأنا نقول المنع يثبت حينئذ بالعمومات المانعة من
التعيين أو هو من باب الإطلاق بشرط فيزول بزواله كإنتهاء
الحكم بإنتهاء علته وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لو
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثته النساء
بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل وفي خبر
رواه ابن عبد البر عن عائشة مرفوعا أيها الناس انهوا
نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل
لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة فتبختروا في المساجد.
وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المتزينة أيضا أي
الشابة لغلبة الفساق ليلا وإن كان النص يتجه لأن الفساق في
زماننا أكثر انتشارا وتعرضهم بالليل أه
: (حم ق) في الصلاة (ن عن ابن عمر) بن الخطاب
(1/274)
424 - (إذا استجمر أحدكم) أي مسح مخرجه
بالجمار وهو الحجارة الصغار والاستجمار التمسح بالجمار وهي
الأحجار سمي به لأنه يطيب الريح كما يطيبه البخور وقيل
المراد به استعمال البخور للتطيب (فليوتر) أي فليجعله وترا
ثلاثا فأكثر فعلى الأول المراد المسحات وعلى الثاني أن
يأخذ من البخور كما قال العراقي ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث
مرات يستعمل واحدة بعد أخرى مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال
في المشارق وكان مالك يقول به ثم رجع. قال الولي العراقي:
ويمكن حمل هذا المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر يفعل
ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا
ويجمر ثيابه وترا انتهى وفيه إجزاء الاستنجاء بالحجر أي
وما في معناه ولم يخالف فيه من يعتد به لكن الأفضل الماء
وقول الإمام أحمد لا يصح في الاستنجاء بالماء حديث أطال
مغلطاي في رده نعم كرهه بعض الصحابة فقد أخرج ابن أبي شيبة
بأسانيد قال ابن حجر صحيحة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء
بالماء فقال إذن لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر
كان يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله ونقل
ابن المنير عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه
وسلم استنجى بالماء ومنع ابن حبيب من المالكية الاستنجاء
بالماء لأنه مطعوم وفيه كما قال الخطابي دليل على وجوب
ثلاث مسحات إذ من المعلوم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم
لم يرد الوتر الذي هو واحد لأنه زيادة صفة على الاسم ولا
يحصل بأقل من واحد فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد
وأدناه ثلاث. وقال الطيبي: لعله أراد أن الاستجمار هو
إزالة النجاسة بالجمار فلو أريد به المفرد لقال فليستجمر
بواحد فلما عدل للوتر [ص:275] علم أن المراد الإتقاء وذلك
لا يحصل بواحد غالبا فوجب حمله على الوتر الذي هو خلاف
الشفع ويحصل به النقاء وأقله ثلاث انتهى وعلم بذلك أنه لا
تمسك به للحنفية على جوازه بأقل من ثلاث
(حم عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة وغيره
(1/274)
425 - (إذا استشار أحدكم أخاه) في الدين
وذكر الأخ غالبي فلو استشاره ذمي كان كذلك أي طلب منه
المشورة يعني استأمره في شيء هل يفعله أو لا وذلك مندوب
لمدحه تعالى للأنصار بقوله {وأمرهم شورى بينهم} (فليشر
عليه) بما هو الأصلح وإلا فقد خانه كما في خبر رواه
الخرائطي وغيره فيجب عليه بذل النصح وإعمال الفكر فإنه
مؤتمن فإن بذل جهده فأخطأ لم يغرم كما ذكره الخطابي ولا
يشاور في العبادة فإنها خير قطعا على ما قيل لكنه بإطلاقه
عليل إذ لو أراد الحج مثلا فتردد في كون تركه له أفضل
لكونه حج قبل وكان عالم ذاك القطر وليس ثم من يسد مسده أو
أراد الازدياد من الصوم وتردد في كونه ربما عطل عليه ما هو
أعم منه نفعا فلا ريب في ندب الاستشارة وقس عليه قال
الراغب: والاستشارة استنباط الرأي من غيره فيما يعرض من
المشكلات ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد فيها بين
فعل وترك ونعمت العدة هي قال علي كرم الله وجهه المشاورة
حصن من الندامة وأمن من الملامة وقيل الأحمق من قطعه العجب
عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة وكفى بمدحها قوله
تعالى {وشاورهم في الأمر} لكن لا يشاور إلا أمينا حاذقا
ناصحا مجربا ثابت الجأش غير معجب بنفسه ولا متلون في رأيه
ولا كاذب في مقاله فمن كذب لسانه كذب رأيه ويجب كونه فارغ
البال وقت الاستشارة
(هـ عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو من حديث
ابن الزبير عن جابر وقد رمز المؤلف لصحته
(1/275)
426 - (إذا استشاط السلطان) تلهب وتحرق
غضبا (تسلط الشيطان) أي تغلب عليه فأغراه بالإيقاع بمن
يغضب عليه حتى يوقع به فيهلك فليحذر السلطان من تسلط عدوه
عليه فيستحضر أن غضب الله عليه أعظم من غضبه وأن فضل الله
عليه أكبر وكم عصاه وخالف أمره ولم يعاقبه ولم يغضب عليه
وليرد غضبه ما استطاع ويتيقظ لكيد الخبيث فإنه له بالمرصاد
وأخذ منه أن السلطان لا يعاقب من استحق العقوبة حتى يتروى
سلطان غضبه لئلا يقدم على ما ليس بجائز ولهذا شرع حبس
المجرم حتى ينظر في جرمه ويكرر النظر فقد قال بعض
المجتهدين: ينبغي للسلطان تأخير العقوبة حتى ينقضي سلطان
غضبه وتعجيل مكافأة المحسن ففي تأخير العقاب إمكان العفو
وفي تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة للطاعة
(حم طب عن عطية) بفتح أوله وكسر ثانيه ابن عروة (السعدي)
له رؤية ورواية قال الهيتمي: رجاله ثقات وذكره في موضع آخر
وقال فيه من لم أعرفه وقد رمز المؤلف لحسنه
(1/275)
427 - (إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه)
أي إذا استنجى فلا يستنجي بيده اليمنى وسمى الاستنجاء
استطابة لتطييبه للبدن بإزالة الخبث الضار كتمه. قال
الخطابي: فمعنى الطيب الطهارة ومنه {سلام عليكم طبتم}
(ليستنج) بلام الأمر وتسمى لام الطلب لابتدائه وحذف العطف
لأن الجملة استئنافية وفي القرآن {لينفق ذو سعة من سعته}
(بشماله) لأنها للأذى واليمين لغيره والاستنجاء عند أحمد
والشافعي واجب وعند مالك وأبي حنيفة سنة والنهي عنه
باليمين للتنزيه وتمسك أهل الظاهر بظاهره فجعلوه للتحريم
وفي كلام بعض الشافعية ما يوافقه لكنه ضعيف وعلى التحريم
يجزي وقال الظاهرية وبعض الحنابلة لا ومحل الخلاف ما لم
تباشر اليد الإزالة بلا حائل وإلا حرم ولم يجز اتفاقا
واليسرى في هذا مثلها وشرع الاستنجاء مع الوضوء ليلة
الإسراء وقيل أول البعثة حين علمه جبريل الوضوء والصلاة
(هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي: هو قطعة من حديث رواه أبو
عوانة في صحيحه معناه وفي مسلم ومن ثم رمز المصنف لصحته
(1/275)
[ص:276] 428 - (إذا استعطرت المرأة)
استعملت العطر أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها
(فمرت على القوم) الرجال (ليجدوا) أي لأجل أن يشموا
(ريحها) أي ريح عطرها (فهي زانية) أي هي بسبب ذلك متعرضة
للزنا ساعية في أسبابه داعية إلى طلابه فسميت لذلك زانية
مجازا ومجامع الرجال قلما تخلو ممن في قلبه شدة شبق لهن
سيما مع التعطر فربما غلبت الشهوة وصمم العزم فوقع الزنا
الحقيقي ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها
(3 عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه
(1/276)
429 - (إذا استقبلتك المرأتان) الأجنبيتان
أي صارتا تجاهك (فلا تمر) أي لا تمشي (بينهما) ندبا لأن
المرأة مظنة الشهوة وهي أعظم مصائد الشيطان فمزاحمتها تجر
إلى محظور ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه (خذ) أي اتخذ
طريقا غير البينية (يمنة أو يسرة) بفتح أولهما جواب سؤال
مقدر تقديره فكيف أذهب قال: مر عن يمينهما أو عن يسارهما
وتباعد عنهما ما أمكن والنهي للتنزيه والأمر للندب ما لم
يغلب على الظن أن ذلك يؤدي إلى فتنة فللتحريم وللوجوب
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف
(1/276)
430 - (إذا استكتم) من السواك وهو دلك
الأسنان بنحو عود (فاستاكوا عرضا) بفتح أوله وسكون ثانيه
أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولا لأنه يجرح
اللثة ويدمي ومع ذلك يجزي إلا في اللسان فإنه يستاك فيه
طولا لخبر فيه
(ص) عن سعيد بن منصور في معجمه الكبير (عن عطاء) بن أبي
رباح (مرسلا) هو أبو محمد القرشي المكي مولاهم أحد الأعلام
ورواه أبو داود في مراسيله وعجب للمؤلف كيف أبعد النجعة
(1/276)
431 - (إذا استلج) بتشديد الجيم استفعال من
اللجاج وهو التمادي في الأمر ولو بعد تبين الخطأ وأصله
الاصرار على الشيء مطلقا (أحدكم في اليمين) أي في الشيء
المحلوف فيه سمي يمينا لتلبسه بها (فإنه آثم له) بالمد
(عند الله من الكفارة التي أمر بها) قال الزمخشري: معناه
إذا حلف على الشيء فرأى غيره خير منه ثم لج في إبرارها
وترك الحنث والكفارة كان ذلك آثم له من أن يحنث ويكفره
انتهى. وقال القاضي: المراد إذا حلف على شيء يتعلق بأهله
وأصر عليه كأن أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث
لأنه جعل الله لذلك عرضة الامتناع عن البر ومواساة الأهل
والاصرار على اللجاج وقد نهي عن ذلك بقوله تعالى {ولا
تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية قال: وآثم اسم تفضيل
أصله أن يطلق للجاج الإثم فأطلقه للجاج الموجب للإثم
اتساعا والمراد به أنه يوجب إثم كبير إثم مطلقا لأنه
بالإضافة إلى ما نسب إليه من أمر مندوب لا إثم فيه وقيل
معناه أنه إن كان يتحرج من الحنث والتأثم فيه ويرى ذلك
فاللجاج إثم في زعمه وحسبانه إلى هنا كلام القاضي رحمه
الله تعالى. وقال النووي: معناه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله
وتضرر بعدم حنثه فالحنث ليس إثما فيحنث ويكفر فإن تورع عن
الحنث فهو مخطئ فإدامة الضرر أكثر إثما من الحنث أي في غير
محرم فقوله آثم خرج عن المفاعلة المقتضية للاشتراك في
الإثم عليه باللجاج أكثر لو ثبت الإثم فهذا خلاصة ما
للأئمة الأعلام في هذا المقام فلا يلتفت إلى ما وراءه من
الأوهام
(هـ عن أبي هريرة) رمز المؤلف لحسنه ورواه عنه الحاكم وقال
على شرطهما وأقره الذهبي ولعل المؤلف لم يستحضره حيث عدل
في الأصل لرواية إرساله فعزاه للبيهقي عن عكرمة مرسلا
(1/276)
[ص:277] 432 - (إذا استلقى أحدكم على قفاه)
أي طرح نفسه على الأرض ملصقا مؤخر عنقه وظهره بها لاستراحة
أو نوم والإلقاء الطرح والقفا مؤخر العنق (فلا يضع إحدى
رجليه على الأخرى) حيث لم يأمن من انكشاف شيء من عورته
كالمؤتزر فإن أمن كالمتسرول فلا بأس ولو في المسجد لأن
المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله فيه كما رواه البخاري
ومسلم وإنما أطلق النهي لأن الغالب فيهم الائتزار لا
التسرول وهذا أولى من ادعاء أن الحديث المشروح منسوخ بحديث
البخاري لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وإلى معنى ما تقرر
أشار بعضهم بقوله وضع إحدى الرجلين على الأخرى نوعان أن
يكون رجلاه ممدودتين فلا بأس بوضع إحداهما على الأخرى فإنه
لا ينكشف من عورته شيء بهذه الهيئة وأن يكون ناصبا ركبة
إحدى الرجلين ويضع الأخرى على الركبة المنصوبة فإن أمن من
انكشاف عورته لكونه بسراويل أو لكون إزاره أو ردائه طويلين
جاز وإلا فلا
(ت عن البراء) بن عازب (حم عن جابر) بن عبد الله (البزار)
في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح
غير خراش العبدي وهو ثقة أه ومن ثم رمز المصنف لصحته
(1/277)
433 - (إذا استنشقت) أيها المتوضئ بدليل
خبر الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو
ثلاثا (فاستنثر) ندبا أخرج الماء الذي استنشقت به ليخرج
معه ما في الأنف من نحو مخاط ويخرجه بريح الأنف إن لقي إلا
فبيده ويسن كونه باليسرى كما في رواية النسائي وذلك لما
فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن ولإزالة ما
فيه من الثقل ليفتح مجاري العروق ولما فيه من طرد الشيطان.
قال الطيبي: خص الاستنثار لأن القصد خروج الخطايا وهو
مناسب للاستنثار لأنه إخراج (وإذا استجمرت) أي مسحت محل
النجو بالجمار (فأوتر) بثلاث أو خمس أو أكثر والواجب عند
الشافعية ثلاث فإن لم ينق زيد ويسن الإيتار وحملوا الخبر
على الوجوب في الثلاث وعلى الندب فيما زاد استعمالا للأمر
في حقيقته ومجازه وهو شائع عندهم والاستنشاق إبلاغ الماء
إلى خياشيمه والاستنثار استفعال من النثر بنون ومثلثة وهو
طرح الماء الذي يستنشقه المتطهر أي يجذبه بريح الأنف
لتنظيف ما في داخله فيخرجه ريح أنفه سواء كان بإعانة يده
أو لا وحكي عن مالك رحمه الله تعالى كراهة فعله بغير يده
لأنه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وقيل الاستجمار
هنا مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال الولي العراقي: ويمكن
حمل المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يفعل
ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا
ويجمر ثيابه وترا
(طب عن سلمة) بفتح المهملة واللام (ابن قيس) الأشجعي ثم
الكوفي رمز المؤلف لحسنه
(1/277)
434 - (إذا استيقظ الرجل من الليل) أي
انتبه من نومه من الليل أو في الليل أو ليلا فمن تبعيضية
أو بمعنى في. قال الولي العراقي: ويحتمل أنها لابتداء
الغاية من غير تقدير وهذا معنى التهجد عرفا فإنه صلاة تطوع
بعد نوم (وأيقظ أهله) حليلته وزعم أنه شامل للأبوين والولد
والأقارب لا يلائم قوله (وصليا) بألف التثنية وفي رواية
فقاما وصليا (ركعتين) فأكثر ولفظ رواية أبي داود وابن ماجه
قصليا أو صلى ركعتين جميعا قال الطيبي: وقوله جميعا حال
مؤكدة من فاعل فصليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من
الراوي والتقدير فصليا له ركعتين جميعا (كتبا) أي أمر الله
الملائكة بكتابتهما (من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات)
الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن ووعدهم بالغفران أي
يلحقان بهم ويبعثان يوم القيامة معهم [ص:278] ويعطيهما ما
وعدوا به ومن تبعيضية فيفيد أن الذاكرين أصناف وهذا من
تفسير الكتاب بالسنة فإنه بيان لقوله تعالى {والذاكرين
الله كثيرا} قال الزمخشري: الذاكرون الله من لا يكاد يخلو
بلسانه أو بقلبه أو بهما عن الذكر والقراءة قال الولي
العراقي: وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم الشرعي من الذكر
والمعنى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فحذف لدلالة
الظاهر عليه
(د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) الدوسي (وأبي سعيد) الخدري
(معا) ورواه عنه البيهقي أيضا وغيره
(1/277)
|