فيض القدير شرح
الجامع الصغير 1406 - (أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي
مغفرة لذنوبكم) أي هي سبب لمغفرتها وعدم المواخذة بجرائمها
(واطلبوا لي الدرجة الوسيلة فإن وسيلتي عند ربي شفاعتي)
وفي نسخ شفاعته فليحرر. (لكم) أي لأهل النار من عصاة
المؤمنين بمنع العذاب أو منع دوامه ولأهل الجنة برفع
الدرجات وإجزال المثوبات
(ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين
رضي الله عنهما
(2/88)
1407 - (أكثروا من الصلاة على موسى) كليم
الله وعلل ذلك بقوله (فما رأيت) أي علمت (أحدا من الأنبياء
أحوط على أمتي) أي أكثر ذبا (منه) عنهم وأجلب لمصالحهم
وأشفق عليهم وقد اهتم شأن هذه الأمة وأمر ليلة الإسراء لما
فرض الله الصلاة عليهم خمسين بمراجعته المرة بعد المرة حتى
صارت خمسا قال الفخر الرازي السبب في هذه الصلاة أن روح
الإنسان ضعيفة لا تستعد لقبول الأنوار الإلهية فإذا
استحكمت العلاقة بين روحه وأرواح الأنبياء فالأنوار
الفائضة من عالم الغيب على أرواح الأنبياء تنعكس على أرواح
المصلين عليهم بسبب إنعكاس مثال الشمس والطست المملوء ماء
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك
(2/88)
1408 - (أكثروا في الجنازة قول لا إله إلا
الله) أي أكثروا حال تشييعكم للموتى من قولها سرا فإن بركة
كلمة الشهادة تعود على الميت والمشيعين وهذا بظاهره يعارضه
ما ذكره الشافعية من أفضلية السكوت والتفكير في شأن الموت
وأهوال الآخرة
(فرعن أنس) بن مالك بسند فيه مقال
(2/88)
1409 - (أكثروا من قول القرينتين) وهما
(سبحان الله وبحمده) فإنهما يحطان الخطايا ويرفعان الدرجات
كما يجىء في خبر والقرين الذي لا يفارق
(ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لضعفه
ووجهه أن فيه جماعة من رجال الشيعة كلهم متكلم فيهم
(2/88)
[ص:89] 1410 - (أكثروا من شهادة أن لا إله
إلا الله) أي أكثروا النطق بها على مطابقة القلب (قبل أن
يحال بينكم وبينها) بالموت فلا تسطيعون الإتيان بها وما
للعمر إذا ذهب مسترجع ولا للوقت إذا ضاع مستدرك (ولقنوها
موتاكم) أي لا إله إلا الله فقط يعني من حضره الموت فيندب
تلقينه لا إله إلا الله ولا يلقن محمد رسول الله خلافا
لجمع ويلقن كلمة الشهادة مرة فقط بلا إلحاح ولا يقال له قل
بل يذكرها عنده
(ع عد) وكذا الخطيب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه
وتقدمه الحافظ العراقي مبينا لعلته فقال فيه موسى بن وردان
مختلف فيه انتهى ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي. أما طريق
أبي يعلى فقد قال الحافظ الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير
ضمام بن إسماعيل وهو ثقة انتهى وبذلك يعرف أن إطلاق رمز
المصنف لضعفه غير جيد
(2/89)
1411 - (أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا
بالله فإنها من كنوز الجنة) أي ثوابها نفيس مدخر في الجنة
كما يدخر الكنز ويحفظ في الدنيا قال الأكمل إنما طريقه
التشبيه شبه أنفس ثواب مدخر في الجنة بأنفس مال مدخر تحت
الأرض في أن كل واحد منهما معد للانتفاع به بأبلغ انتفاع
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف
(2/89)
1412 - (أكثروا من تلاوة القرآن في بيوتكم)
أي أماكنكم التي تسكنوها بيتا أو غيره (فإن البيت الذي لا
يقرأ فيه القرآن يقل خيره ويكثر شره ويضيق على أهله) أي
يضيق رزقه عليهم لأن البركة والنماء وزيادة الخير تابعة
لكتاب الله فحيثما كان كانت وذلك بين العارفين كالمحسوس
(خط في الأفراد عن أنس) ابن مالك (وجابر) ابن عبد الله
ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسكت عليه
والأمر بخلافه فإنه أورده من حديث عبد الرحمن بن عبد الله
ابن مسلم عن سعيد بن يزيع وضعفه فرمز لحسنه غير حسن
(2/89)
1413 - (أكثروا من غرس الجنة فإنه عذب
ماؤها طيب ترابها) بل هو أطيب الطيب إذ هو المسك والزعفران
(فأكثروا من غراسها) وهو قول (لا حول ولا قوة) أي لا حركة
ولا حيلة (إلا بالله) أي إلا بمشيئته وأقداره وتمكينه
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي وفيه عقبة بن علي
وهو ضعيف
(2/89)
1414 - (أكذب الناس) أي من أكثرهم كذبا
(الصباغون والصواغون) صباغوا الثياب وصاغة الحلي لأنهم
يمطلون بالمواعيد الكاذبة أو الذين يصبغون الكلام ويصوغونه
أي يغيرونه ويزينونه بلا أصل وإرادة الحقيقة أقرب
(حم عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في
المهذب فيه فرقد السنجي وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي
وقال الدارقطني وغيره ضعيف انتهى وقال السخاوي سنده مضطرب
ولهذا أورده ابن الجوزي في العلل وقال [ص:90] لا يصح وظاهر
صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد
خرجه ابن ماجه من هذا الوجه
(2/89)
1416 - (أكرم الناس) عند الله (أتقاهم) لأن
أصل الكرم كثرة الخير فلما كان المتقي كثير الخير والفائدة
في الدنيا وله الدرجات العليا في الآخرة كان أعم الناس
كرما فهو أتقاهم فلا عبرة بظاهر الصور {ومن يعظم شعائر
الله فإنها من تقوى القلوب} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
فرب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا
(خ عن أبي هريرة) قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال
أتقاهم وظاهر إفراد المصنف للبخاري بالعزو تفرد به عن
صاحبه وهو عجيب فقد خرجه مسلم في المناقب عن أبي هريرة
المذكور باللفظ المسطور ولفظه قيل يا رسول الله من أكرم
الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي
الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن
هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الإسلام
إذا فقهوا
(2/90)
1415 - (أكرم المجالس) أي أشرفها (ما
استقبل به القبلة) فيسن استقبالها في الجلوس للعبادات سيما
الدعاء وأخذ منه النووي وغيره أن يسن للمدرس ونحوه أن
يستقبل عند التدريس القبلة إن أمكن قال الواحدي القبلة
الوجهة وهي الفعلة من المقابلة وأصل القبلة لغة الحالة
التي يقابل الشخص غيره عليها لكنها الآن صارت كالعلم للجهة
التي تستقبل في الصلاة وقال الهروي سميت قبلة لأن المصلي
يقابلها وتقابله
(طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري ورواه عنه
أيضا أبو يعلى قال السمهودي وفي إسناد كل منهما متروك
انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه
(2/90)
1417 - (أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق
بن إبراهيم) أي أكرمهم أصلا يوسف فإنه جمع شرف النبوة وشرف
النسب وكونه ابن ثلاثة أنبياء متناسقة فهو رابع نبي في نسق
واحد ولم يقع ذلك لغيره وضم له أشرف علم الرؤيا ورئاسة
الدنيا وحياطة الرغبة وشفقته عليهم وقد يوجد في المفضول
مزايا لا توجد في الفاضل فلا ينافي كون غيره أكرم على ربه
منه وقول القاضي المراد أكرم الناس الذين هم أهل زمانه غير
سديد لأن ما أطبقوا عليه منه التوجيه المذكور أعني قولهم
لأنه جمع إلى آخره لا يلائمه
(ق عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أكرم الناس فذكره قال الهيثمي وفيه عنده
بقية مدلس وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورواه الطبراني عن
أبي الأحوص وزاد بعد إسحاق ذبيح الله وبعد إبراهيم خليل
الله
(2/90)
1418 - (أكرم شعرك) بصونه من نحو وسخ وقذر
وإزالة ما اجتمع فيه من نحو قمل (وأحسن إليه) بترجيله
ودهنه افعل ذلك عند الحاجة أو غبا ومن إكرامه دفن ما انفصل
منه. قال في الفردوس كان لأبي قتادة جمة خشنة جعدة فكان
يدهن في اليوم مرتين
(ن عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع
(2/90)
1419 - (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم)
بأن تعلموهم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وتخرجوهم في
الفضائل وتمرنوهم على المطلوبات الشرعية ولم يرد إكرامهم
بزينة الدنيا وشهواتها والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا
واجتماع خصال الخير أو وضع الأشياء موضعها أو الأخذ بمكارم
الأخلاق أو الوقوف مع كل مستحسن أو تعظيم من فوقك والرفق
[ص:91] بمن دونك أو الظرف وحسن التنازل أو مجالسة الخلق
على بساط الصدق ومطالعة الحقائق بقطع العلائق قال بعض
العارفين: الأدب طبقات فأكثر طبقات أدب أهل الدنيا في
الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأشعار العرب وأدب أهل الدين
رياضة النفس وترك الشهوات وأدب الخواص طهارة القلوب
(هـ) وكذا القضاعي (عن أنس) وفيه سعيد ابن عمارة قال
الذهبي قال الأزدي متروك عن الحارث بن النعمان قال في
الميزان قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له من مناكيره هذا
الخبر
(2/90)
1420 - (أكرموا حملة القرآن) أي حفظته عن
ظهر قلب بالإجلال والإحسان (فمن أكرمهم فقد أكرمني) ظاهر
صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل
بقيته عند مخرجه الديلمي ومن أكرمني فقد أكرم الله ألا فلا
تنقصوا حملة القرآن حقوقهم فإنهم من الله بمكانة كاد حملة
القرآن أن يكونوا أنبياء إلا أنهم لا يوحى إليهم انتهى
بحروفه فحذفه غير جيد
(فر) وكذا الدارقطني وعنه من طريقه خرجه الديلمي مصرحا
فإهماله الأصل وعزوه للفرع غير لائق (عن ابن عمرو) بن
العاص ثم قال أعني الديلمي غريب جدا من رواية الأكابر عن
الأصاغر انتهى قال السخاوي وفيه من لا يعرف وأحسبه غير
صحيح انتهى وأقول فيه خلف الضرير أورده الذهبي في الضعفاء
وقال قال ابن الجوزي روى حديثا منكرا كأنه يشير إلى هذا
(2/91)
1421 - (أكرموا المعزى) بكسر الميم وتفتح
بالقصر والمد من الغنم خلاف الفنان (وامسحوا برغامها) بفتح
الراء وبغين معجمة والأشهر مهملة فعلى الأول المراد مسح
التراب عنها إذ الرغام بالفتح التراب وعلى الثاني ما يسيل
من أنفها من نحو مخاط والأمر فيه للإصلاح والإرشاد (فإنها
من دواب الجنة) أي نزلت منها أو تدخلها بعد الحشر أو من
نوع ما في الجنة بمعنى أن في الجنة أشباهها وشبيه الشيء
يكرم لأجله
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه يزيد بن
عبد الملك النوفلي وهو متروك انتهى ورواه عنه أيضا الديلمي
بنحوه
(2/91)
1422 - (أكرموا المعزى وامسحوا الرغم عنها)
رعاية وإصلاحا لها (وصلوا في مراحها) بضم الميم مأواها
ليلا والأمر للإباحة (فإنها من دواب الجنة) على ما تقرر
فيما قبله وجاء في أخبار أن الضأن كذلك وإنما أفرد المعزى
هنا لأنه سئل عنها فذكره
(عبد بن حميد) بغير إضافة كما مر (عن أبي سعيد) الخدري
(2/91)
1423 - (أكرموا الخبز) بسائر أنواعه لأن في
إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم
وطلب الزيادة وقول غالب القطان من كرامته أن لا ينتظر به
الأدم غير جيد لما سبق أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ
الصحة ومن كلام الحكماء الخبز يباس ولا يداس قال بعضهم ومن
إكرامه أن لا يوضع الرغيف تحت القصعة ومن ثم أخرج الترمذي
عن سفيان الثوري أنه كان يكره ذلك وكره بعض السلف أيضا وضع
اللحم والآدام فوق الخبز قال زين الحفاظ العراقي وفيه نظر
ففي الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع ثمرة على
كسرة وقال هذه أدام هذه وقد يقال المكروه ما يلوثه ويقذره
أو يغير رائحته كالسمك واللحم وأما التمر فلا يلوث ولا
يغير
(ك هب عن عائشة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة
ورواه البغوي في معجمه وابن قتيبة في غريبه عن ابن عباس
ورواه ابن الصلاح [ص:92] في طبقاته عن ابن عبدان بإسناده
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ أكرموا الخبز فإن
الله تعالى سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر
(2/91)
1424 - (أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن
أكرم الخبز أكرمه الله) لفظ رواية الطبراني فيما ذكره
المؤلف عنه في الموضوعات فمن أكرم الخبز فقد أكرم الله
فليحرر وإكرامه أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو
يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار قال
الغزالي: وروى أن عابدا قرب إلى بعض إخوانه رغفانا فجعل
يقلبها ليختار أجودها فقال له العابد: مه أي شيء تصنع أما
علمت أن في الرغيف الذي رغبت عنه كذا وكذا حكمة وعمل فيه
كذا وكذا صانع حتى استدار من السحاب الذي يحمل الماء
والماء الذي يسقي الأرض والرياح وبني آدم والبهائم حتى صار
إليك ثم بعد ذلك تقلبه أنت ولا ترضى به قال الغزالي: وفي
الخبر لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل به ثلاث
مئة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن
الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر
والأفلاك وملائكة الهواء وداوب الأرض وآخر ذلك الخباز {وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وروى الدارقطني عن أبي هريرة
أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقطع الخبز بالسكين
وقال أكرموه فإن الله تعالى قد أكرمه قال الدارقطني تفرد
به نوح بن مريم وهو متروك
(طب عن أبي سكينة) نزيل حمص أو حماه ويقال اسمه محلم بن
سوار قال الذهبي والأظهر أن حديثه مرسل انتهى وقال الهيثمي
فيه خلف بن يحيى قاضي السربي وهو ضعيف وأبو سكينة قال ابن
المدائني لا صحبة له وقال غيره فيه خلف بن يحيى قاضي الري
قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب انتهى وأورده
المصنف في الموضوعات كابن الجوزي
(2/92)
1425 - (أكرموا الخبز فإن الله أنزله من
بركات السماء) يعني المطر (وأخرجه من بركات الأرض) أي من
نباتها وذلك لأن الخبز غذاء البدن والغذاء قوام الأرواح
وقد شرفه الله وجعله من أشرف الأرزاق وأنزله من بركات
السماء نعمة منه فمن رمى به أو طرحه مطرح الرفض والهوان
فقد سخط النعمة وكفرها وإذا جفا العبد نعمة نفرت منه وإذا
نفرت منه لم تكد ترجع قال بعض العارفين: الدنيا ظئر
والآخرة أم ولكل بنون يتبعونها فإذا جفوت الظئر نفرت
وأعرضت وإذا جفوت الأم عطفت لأن الظئر ليس لها عطف الأمهات
وهذه النعمة تخرج من هذه الأرض المسخرة فهي كالظئر تربيك
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن الحجاج) بفتح المهملة
وشدة الجيم (ابن عكاظ) ابن خالد بن نويرة (السلمي) النهري
له بالمدينة مسجد ودار وهو والد نصر الذي نفاه عمر لحسنه
(ابن منده) في تاريخ الصحابة وكذا المخلص والبغوي كلهم (عن
عبد الله بن بريدة) تصغير بردة وهو أبو سهل الأسلمي قاضي
مرو وعالمها (عن أبيه) بريدة بن الحصيب ورواه أبو نعيم في
المعرفة والحلية قال السخاوي وكل هذه الطرق ضعيفة مضطربة
وبعضها أشد في الضعف من بعض وقال الغلابي عن ابن معين أول
هذا الحديث حق وآخره باطل وأورد المؤلف الحديث في
الموضوعات تبعا لابن الجوزي
(2/92)
1426 - (أكرموا الخبز فإنه من بركات
السماء) أي مطرها (والأرض) أي نباتها (من أكل ما سقط من
السفرة) أي من فتات الخبز (غفر له) يعني محى الله عنه
الصغائر فلا يعذبه عليها أما الكبائر فلا دخل لها هنا كما
سيجيء له نظائر والسفرة [ص:93] بالضم طعام يتخذ للمسافر
ومنه سميت السفرة كذا ذكره في الصحاح وفى المصباح السفر
طعام يصنع للمسافر وسميت الجلدة التي يوضع عليها سفرة
مجازا وفي الأساس أكلوا السفرة وهي طعام السفر انتهى. وهذا
يفهم أن ما يبسط ليوضع عليه الطعام لا يسمى سفرة إلا إذا
كان طعام السفر ولكن الظاهر أنهم توسعوا فيه فأطلقوه على
ما يبسط ليوضع فوقه مطلق الطعام وبذلك يتبين أن المغفرة
الموعودة ليست مقصورة على لفظ ساقط سفرة السفر بل يشمل
طعام الحاضر فتدبر (فائدة مهمة) أخرج أبو يعلى عن الحسن بن
علي أنه دخل المتوضأ فأصاب لقمة أو قال كسرة في مجرى
الغائط والبول فأخذها فأماط عنها الأذى ثم غسلها نعما ثم
دفعها لغلامه فقال له ذكرني بها إذا توضأت فلما توضأ قال
ناولنيها قال أكلتها قال اذهب فأنت حر قال لأي شيء قال
سمعت فاطمة تذكر عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من أخذ لقمة أو كسرة من مجرى الغائط والبول فأماط عنها
الأذى وغسلها نعما أي جيدا ثم أكلها لم تستقر في بطنه حتى
يغفر له فما كنت لاستخدم رجلا من أهل الجنة قال الهيثمي
رجاله ثقات
(طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء
مهملتين الأنصاري صحابي جليل ممن صلى إلى القبلتين قال
الهيثمي فيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي لم أعرفه قال
ابن الجوزي حديث لا يصح فيه غياث بن إبراهيم وضاع وتابعه
عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي وهو كذاب انتهى وأقره على
وضعه المؤلف في مختصر الموضوعات وفي الميزان عن ابن حبان
أن عبد الملك هذا يسرق الحديث ثم أورد له هذا الخبر انتهى
ورواه عنه أيضا البزار وابن قانع وغيرهم وطرق الحديث كلها
مطعون فيها لكن صنيع الحافظ العراقي يؤذن بأنه شديد الضعف
لا موضوع وأمثل طرقه الأول
(2/92)
1427 - (أكرموا العلماء) لعلمهم بأن
تعاملوهم بالإجلال والإعظام وتوفوهم حقهم من التوقير
والاحترام (فإنهم) حقيقيون بالإكرام إذ هم (ورثة الأنبياء)
أراد به ما يشمل الرسل كما هو بين والأنبياء لم يورثوا
دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم قال بعض العارفين إنما
يرث الإنسان أقرب الناس له رحما ونسبا وعملا فلما كان
العلماء أقرب الناس إليهم وأجرأهم على عملهم ورثوهم حالا
وفعلا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا فعلم أنه إنما ينال هذا
المنصب من عمل بعلمه فالعاملون به يستحقون الإكرام
والإعظام لأنهم من الخلق أسراره وعلى الأرض أنواره وللدين
أوتاد وعلى أعداء الله أجناد فهم لله أولياء وللأنبياء
خلفاء {أولئك حزب الله} (تتمة) قال بعض العارفين: العلوم
منحصرة في ثلاث علم يتعلق بالدنيا وأسبابها وما يصلح فيها
وعلم يتعلق بالآخرة وما يوصل إليها وعلم يتعلق بالحق علم
أذواق وشرب فالأنبياء جمعوا هذه العلوم ثم ورثها عنهم من
تأهل لرتبة الوراثة وما عداهم فإنما يتعلق بالبعض
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس)
(2/93)
1427 - (أكرموا العلماء) العاملين (فإنهم
ورثة الأنبياء فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله) وجه أمره
بإكرامهم في هذا وما قبله أن ما من أحد نال مقام الوراثة
إلا وتعظم عداوة الجهال له لعلمهم بقبيح فعلهم وإنكارهم
لما وافق الهوى منه ومن الجهال من يبعثه على عداوة العالم
الحسد والبغي فيكره أن يكون لأحد عليه شفوف منزلة واختصاص
بمزية
(خط) في ترجمة أحمد البلخي من رواية ابن المكندر (عن جابر)
قال الزيلعي كابن الجوزي حديث لا يصح فيه الحجاج بن حجرة
قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال الدارقطني يضع
الحديث انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه
(2/93)
1429 - (أكرموا بيوتكم) أي منازلكم التي
تسكنوها وتأوون إليها (ببعض صلاتكم) أي بشيء من صلاتكم
الناقلة فيها [ص:94] (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تجعلوها
كالقبور في كونها خالية من الصلاة فيها معطلة عن الذكر
والعبادة كالقبر المعطل عنها
(عب وابن خزيمة) في صحيحه (ك) في صلاة التطوع عن عبد الله
بن فروخ عن ابن جريج (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته
وليس كما زعم وغره قول الحاكم ابن فروخ صدوق وما درى أن
الذهبي تعقبه بقول ابن عدي إن أحاديثه غير محفوظة
(2/93)
1430 - (أكرموا الشعر) ندبا بترجيله ودهنه
من نحو رأس ولحية وإزالته من نحو إبط وعانة
(البزار) في مسنده (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي
فيه خالد بن إلياس وهو متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم
والديلمي وفيه خالد بن إياس قال الذهبي في الضعفاء ترك
وليس بالساقط
(2/94)
1431 - (أكرموا الشهود) العدول بالملاطفة
وإلانة القول لهم (فإن الله يستخرج بهم الحقوق) لأربابها
(ويدفع بهم الظلم) إذ لولاهم لتم للجاحد ما أراده من ظلم
صاحب الحق وأكله ماله بالباطل قال بعضهم لما صانوا دينهم
ومروءتهم بكف أذى من شهدوا عليه بالحق حق توقيرهم وإكرامهم
وحرمت إهانتهم ووجب احترامهم وفي رواية فإن الله يجيء بدل
يستخرج والحديث وارد فيمن ظهرت عدالته منهم وقد غلب على
أكثر أهل هذه الطائفة الفساد والإفساد حتى قال سفيان
الثوري الناس عدول إلا العدول وقال ابن المبارك هم السفلة
وأنشد:
قوم إذا غضوا كانت رماحهم. . . بث الشهادة بين الناس
بالزور
هم السلاطين إلا أن حكمهم. . . على السجلات والأملاك
والدور
وقال آخر:
احذر حوانيت الشهود. . . الأخسرين الأرذلينا
قوم لئام يسرقون. . . ويحلفون ويكذبونا
وقال آخر:
إياك أحفاد الشهود فإنما. . . أحكامهم تجري على الحكام
قوم إذا خافوا عداوة قادر. . . سفكوا الدما بأسنة الأقلام
فالحديث وارد فيمن ملك منهم ما أمر به وتجنب ما نهى عنه
وقليل ما هم وقد غلب على شهود المحاكم في زماننا الآن
التنازع إلى التحمل وذلك مذموم يأخذ الأجرة على الأداء
وذلك حرام وقسمة ما يحصل لهم بينهم كل يوم وذلك منهم كما
قال السبكي شركة أبدان وهي غير جائزة مع الجهل المفرط تجد
الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام وأما شهود القسمة فمن
قسم النار نسأل الله العافية (البانياسي) بفتح الموحدة
التحتية وكسر النون ومثناة تحتية وآخره سين مهملة نسبة إلى
بانياس بلدة من بلاد فلسطين (في جزئه) المشهور
(خط) في ترجمة عبد الرحمن بن عبيد الهاشمي (وابن عساكر) في
تاريخه في ترجمة عبد الصمد العباسي كلهم من حديث عبد الصمد
بن علي بن عبد الله بن عباس (عن) جده (ابن عباس) ثم قال
أعني الخطيب فيما حكاه ابن الجوزي تفرد به عبيد الله بن
موسى وقد ضعفوه انتهى وقال ابن عساكر قال العقيلي حديث غير
محفوظ وفي الميزان عنه حديث منكر ولعل الحفاظ إنما سكتوا
عنه مداراة للدولة انتهى وجزم الصغاني بوضعه ولم يستدركه
عليه العراقي وحكم المؤلف في الدرر بأنه منكر
(2/94)
1432 - (أكرموا عمتكم النخلة) قال الولي
العراقي المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها والقيام عليها
وتعهدها ثم بين وجه [ص:95] تسميتها عمة بقوله (فإنها خلقت
من فضلة طينة أبيكم آدم) التي خلق منها آدم فهي بهذا
الاعتبار عمة الإنسان من نسبه وهذا كما ترى نص صريح يبطل
قول فخر الإسلام في البحر المراد عمتكم بخيرها انتهى قال
ابن عربي: لما خلق الله آدم وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق
الله منها النخلة فهي لآدم أخت ولنا عمة وسماها الشرع عمة
وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من
الطيبة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله من
تلك السمسمة أرضا واسعة الفضاء فيها من العجائب والغرائب
ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره قال بعضهم والنخلة أقرب
الأشجار إلى الآدمي ولهذا اختصت بأنها لا تحمل قيستقيم
ثمرها حتى تلقح من الفحول كمني الرجال لا ينعقد الولد إلا
بوجوده مع ماء الإناث ورائحته أشبه شيء برائحة المني (وليس
من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة) أي من جنس
شجرة (ولدت تحتها مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وهي
من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا
ولهذا أعلم الله بمزيتها في التنزيل على سائر الأشجار في
قوله {في جنات وعيون وزروع} ونخل والجنة تتناول النخل
تناولا أوليا كما تتناول النعم الإبل كذلك من بين الأنعام
فلم يكنف بذلك بل خصها تنبيها على تفرده عنها بمزيد فضل
عليها (فأطعموا نساءكم الولد) بضم الواو وتشديد اللام
(الرطب) ندبا أو إرشادا (فإن لم يكن) أي فإن لم يتيسر
(رطب) لفقد أو عزة وجود (فتمر) أي فيقوم مقامه تمر فإنه
كاف فإنه كاف فإنه كان طعام مريم لما ولدت عيسى عليه
السلام ولو علم الله طعاما خيرا لها من التمر لأطعمها إياه
أخرجه ابن عساكر وفي خبر من كان طعامها في نفاسها تمرا جاء
ولدها حليما
(ع) عن شيبان بن فروخ عن مسرور بن سعيد التميمي الأوزاعي
عن عروة بن دويم اللخمي عن علي (وابن حاتم) في العلل (عق)
بالسند المذكور ثم قال هو غير محفوظ لا يعرف إلا بمسرور
(عد) من الوجه المذكور وقال هذا منكر عن الأوزاعي وعزوه عن
علي مرسل ومسرور غير معروف لم نسمع به إلا في هذا الحديث
(وابن السني) أبو بكر (وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب)
النبوي عن أبي بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني عن
شيبان عن مشروق الأوزاعي عن عروة بن دويم عن علي ثم قال
أبو نعيم غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن
سعيد انتهى. وظاهر كلام المؤلف أن أبا نعيم لم يخرجه في
الحلية وإلا لما عزاه له في الطب وليس كذلك بل خرجه فيه
باللفظ المذكور من هذا الوجه (وابن مردويه) في التفسير من
هذا الوجه كلهم (عن علي) أمير المؤمنين. قال الهيثمي بعد
عزوه لأبي يعلى: فيه مسرور بن سعيد وهو ضعيف أورده ابن
الجوزي في الموضوع ويقال مسرور منكر الحديث وأورده من حديث
ابن عمر قال فيه جعفر بن أحمد وضاع اه. ولم يتعقبه المؤلف
إلا بأن لأوله ولآخره شاهدا فالحديث في سنده ضعف وانقطاع
(2/94)
1433 - (اكفلوا) قال الزمخشري: الكفالة من
الكفل وهي حياطة الشيء من جميع جهاته حتى يصير عليه كالفلك
الدائر (لي) أي لأجل أمري الذي أمرتكم به عند الله (ست
خصال) أي فعلها والدوام عليها (أكفل لكم الجنة) أي دخولها
قيل وما هي قال (الصلاة والزكاة والأمانة) أي أداء الثلاثة
لوقتها وتوفيتها لمستحقها (والفرج) بأنه تصونوه عن الوطء
المحرم (والبطن) بأنه تحترزوا عن أن تدخلوا فيه مأكولا أو
مشروبا لا يحل تناوله شرعا (واللسان) بأنه تكفوه عن النطق
بما حرمه الشارع وكأنه لم يذكر باقي أركان الإسلام لدخولها
في [ص:96] الأمانة أو أن المخاطبين بذلك قوم مخصوصون تفرس
فيهم التساهل في هذه الخصال بخصوصها وجاء في أحاديث أخرى
زيادة على الست ونقصان باعتبار حال المأمور
(طس) وكذا في الصغير (عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لمن حوله من أمته: اكفلوا لي إلخ. قال
المنذري: إسناده لا بأس به وقال الهيثمي: فيه حماد الطائي
لم أعرفه وبقية رجاله ثقات
(2/95)
1434 - (أكل اللحم) أي لصحيح البدن قويم
المزاج (يحسن الوجه) أي يكسبه نضارة وإشراقا وحسنا (ويحسن
الخلق) بالضم لزيادته في اعتدال المزاج وكلما اعتدل ومال
عن طرفي الإفراط والتفريط توفر حسن الخلق وانحراف الأمزجة
مما يسوء الخلق ويضيق الصدر وفي رواية زيادة على ذلك:
ويطيب النفس وهل أل في اللحم للجنس أو للعهد والمعهود ما
لا ضرر فيه كلحم الغنم والطير والإبل والبقر؟ الظاهر الأول
لقول الأطباء: اللحوم كلها حارة رطبة كثيرة الغذاء مولدة
للدم محسنة للون ولا غذاء أشبه بها لبدن الإنسان اه. وضرر
لحم نحو الإبل والبقر يندفع بتعديلها ببعض المصلحات نعم
ينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم لما جاء في بعض الأخبار
أن له ضراوة كضراوة الخمر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس)
(2/96)
1435 - (أكل كل ذي ناب) يعدو به ويصول (من
السباع) كأسد ونمر وذئب ومثله كل ذي مخلب من الطير (حرام)
بخلاف غير العادي كثعلب فمن للتبعيض ويصح جعلها للجنس إذ
المراد بأن يعدو به كما تقرر بقرينة تعبيره بقوله كل ذي
ناب ولم يقل كل سبع تنبيها على الافتراس والتعدي وإلا فلا
فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذو أنياب ثم هذا لا
ينافيه آية {قل لا أجد فيما أوحى إلي} لأنها مكية وخبر
التحريم بعد الهجرة. قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب
وقرن
(هـ عن أبي هريرة) قضية عدول المصنف واقتصاره عليه أنه لم
يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد خرجه
سلطان الفن باللفظ المزبور من حديث أبي ثعلبة ونقله عنه
جمع منهم الديلمي وغيره
(2/96)
1436 - (أكل الليل أمانة) أي الأكل فيه
للصائم أمانة في حقه إذ لا يطلع عليه إلا الله فعليه بذل
الجهد في تحري الإمساك من الفجر الصادق فإن ظن بقاء الليل
بالاجتهاد جاز له الأكل وكذا إن لم يجتهد بل هجم لكن يكره
له ذلك فإن بان أكله نهارا لزمه القضاء وإن أشكل فلا. ذكره
الشافعية
(أبو بكر بن داود (1) في جزء من حديثه فر) كلاهما (عن أبي
الدرداء) وفيه بقية بن الوليد وقد سبق ويزيد بن حجر مجهول
_________
(1) [في شرح المناوي: " أبو بكر بن داود " بدل " أبو بكر
بن أبي داود " فليراجع. دار الحديث]
(2/96)
1437 - (أكل السفرجل) مربى وغير مربى وهي
ثمر شجرته معروفة يشبه التفاح (يذهب بطخاء القلب) أي يزيل
الثقل والغثيان والغيم الذي على القلب كغيم السماء قال ابن
الأنباري وغيره: الطخاء الثقل والظلمة أو ثقل وغشى أو ظلمة
وغيم وفي الأساس: ليلة طخياء مظلمة. قال الأطباء: وهو يقوي
المعدة ويمنعها من قبول الفضلات ويعيد الشهوة المفقودة
ويقوي القلب والدماغ ويطفئ غلبة الدم في الوجه ويمنع
الغثيان ويسكن وهج المعدة ويطيب النكهة لكنه يضر العصب
(القالي) بالقاف أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (في
أماليه) الأدبية الشعرية (عن أنس) وهو مما بيض له الديلمي
لعدم وقوفه على سنده كما بيض لخبر: أكل التين أمان من
القولنج
(2/96)
[ص:97] 1438 - (أكل الشمر) بالتحريك هو
معروف (أمان من) حدوث (القولنج) بضم القاف وفتح اللام وهو
تعقد الطعام في الأمعاء فلا ينزل فيصعد بسببه بخار إلى
الدماغ فقد يفضي إلى الهلاك. قال الأطباء: وهو محلل للرياح
الغليظة شديد النفع من وجع الجنبين نافع من الأخلاط التي
في المعدة ويدفع حرقة المعدة من البلغم الحامض ويشفي وجع
الكلى والمثانة وينفع من نهش الهوام وهو بستاني وبري
والظاهر إرادتهما في الحديث معا
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة)
(2/97)
1439 - (أكلفوا) أي أولعوا وأحبوا (من
العمل ما تطيقون) الدوام عليه من الطوق وهو ما يوضع في
العنق حلية فيكون ما يستطيعون من الأفعال طوقا لهم في
المعنى (فان الله لا يمل حتى تملوا) يعني لا يقطع ثوابه
عمن قطع العمل ملالا عبر عنه باسم الملال من تسمية الشيء
باسم سببه أو المراد لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله
فتزهدوا في الرغبة إليه (وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن
قل) فالقليل الدائم أحب إليه من الكثير المنقطع فأمرهم
بالاقتصاد في الطاعة لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحملوا
أنفسهم فوق ما يطيقون فيؤدي لعجزهم عن الطاعة أو قيامهم
بها بتكلف
(حم د ن عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد
الصحيحين وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي متفق عليه
(2/97)
1440 - (أكمل المؤمنين) أي من أتمهم
(إيمانا) تمييز (أحسنهم خلقا) بالضم لأن هذا الدين مبني
على السخاء وحسن الخلق ولا يصلح إلا بهما فكمال إيمان
الإنسان ونقصه على قدر ذلك ولا يناقضه ما سلف أنه جبلي
غريزي لأنه وإن كان سجية أصالة لكن يمكن اكتساب تحسينه
بنحو نظر في أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والحكماء ثم
بتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها
إلى تحليها بالكمال ومعالي الأحوال وحينئذ فيثاب على تلك
الأخلاق لكونها من كسبه
(حم د حب ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في
أماليه حديث صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يخرج في
أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث
المتواترة إلى البخاري وعده من المتواتر ورواه البزار من
حديث أنس بسند رجاله ثقات وزاد فيه: وإن حسن الخلق ليبلغ
درجة الصوم والصلاة والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد
بسند فيه مجهول وزاد: الموطئون أكنافا الذين يألفون ولا
خير فيمن لا يألف ولا يؤلف
(2/97)
1441 - (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)
بالضم قال الحليمي: دل على أن حسن الخلق إيمان وعدمه نقصان
إيمان وأن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم فبعضهم أكمل
إيمانا من بعض. ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
أحسن الناس خلقا لكونه أكملهم إيمانا (وخياركم خياركم
لنسائهم) أي من يعاملهن بالصبر على أخلاقهن ونقصان عقلهن
وطلاقة الوجه والإحسان. وكف الأذى وبذل الندى وحفظهن من
مواقع الريب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن
الناس معاشرة لعياله وهل المراد بهن حلائل الرجل من زوجة
وسرية أو أصوله وفروعه وأقاربه أو من في نفقته منهن أو
الكل؟ والحمل على الأعم أتم
(ت حب عن أبي هريرة) [ص:98] قال الترمذي حسن صحيح وقال ابن
حبان صحيح وكذا الحاكم
(2/97)
1442 - (الله الله في) حق (أصحابي) أي
اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء: أو اذكروا الله فيهم
وفي تعظيمهم وتوقيرهم وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن
التعرض لهم بمنقص (لا تتخذوهم غرضا) بمعجمة هدفا ترموهم
بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ (بعدي)
أي بعد وفاتي. قال في الصحاح: الغرض الهدف الذي يرمى إليه
(فمن أحبهم فبحبي أحبهم) أي فبسبب حبهم إياي أو حبي إياهم
أي إنما أحبهم لحبهم إياي أو لحبي إياهم (ومن أبغضهم
فببغضي) أي فبسبب بغضه إياي (أبغضهم) يعني إنما أبغضهم
لبغضه إياي ومن ثم قال المالكية يقتل سابهم (ومن آذاهم)
بما يسوءهم (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) ولا يضره
ذلك بشهادة: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني (ومن آذى
الله يوشك أن يأخذه) أي يسرع انتزاع روحه أخذة غضبان منتقم
عزيز مقتدر جبار قهار {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
ووجه الوصية نحو البعدية وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما
سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب
لبعض آخر وهذا من باهر معجزاته وقد كان في حياته حريصا على
حفظهم والشفقة عليهم. أخرج البيهقي عن ابن مسعود: خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يبلغني أحد
منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا
سليم الصدر. وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله
بها عليهم فجهل منه وحرمان وسوء فهم وقلة إيمان إذ لو
لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا
فإذا جرح النقلة دخل في الآيات والأحاديث التي بها ذهاب
الأنام وخراب الإسلام إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه
وسلم وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ (تتمة) اختلف في ساب
الصحابي فقال عياض: قال الجمهور يعزر وبعض الماليكة يقتل
وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين
وجهين وقواه السبكي فيمن كفر الشيخين ومن كفر من صرح
المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإيمانه أو تبشيره
بالجنة إذا تواتر الخبر به وأطلق الجمهور التعزير
(ت) في المناقب (هـ عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح
المعجمة وشدة الفاء واستغربه. قال الصدر المناوي: وفيه عبد
الرحمن بن زياد قال الذهبي لا بعرف وفي الميزان: في الحديث
اضطراب
(2/98)
1443 - (الله الله) أي اتقوا الله وخافوه
(فيما ملكت أيمانكم) من الأرقاء وكل ذي روح (ألبسوا
ظهورهم) ما يستر عورتهم ويقيهم الحر والبرد على الوجه
اللائق (وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول) أي تجنبوا
مخاطبتهم ومعاتبتهم الغلظة والفظاظة ومن ذلك أن لا يقول
أحدكم عبدي ولا أمتي وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم
في مرض موته واللين ضد الخشونة. وتلين تملق كذا في الصحاح.
قال الزمخشري: من المجاز: رجل في ليان من العيش ورجل لين
الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه {فيما رحمة من الله لنت
لهم} وهو لين الأعطاف وطيء الأكتاف ولاين أصحابك ولا
تخاشنهم وتلين له تملق
(ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا ابن السني (عن كعب بن
مالك) قال عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس
ليال فسمعته يقول فذكره. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن زحر
وعلي [ص:99] بن زيد وهما ضعيفان وقد وثقا اه وقال الذهبي
عبد الله ضعيف وله صحيفة واهية
(2/98)
1444 - (الله الله) اتقوا الله وخافوه
كثيرا (فيمن ليس له) ناصر أو ملجأ (إلا الله) كيتيم وغريب
ومسكين وأرملة فتجنبوا أذاه وأكرموا مثواه وتحملوا جفوته
وتكلفوا مؤنته فإن المرء كلما قلت أنصاره وأعوانه كانت
رحمة الله له أكثر وعنايته به أشد وأظهر {فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
(عد عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو مما بيض له
الديلمي
(2/99)
1445 - (الله الطبيب) أي هو المداوي
الحقيقي بالدواء الشافي من الداء وهذا قاله لوالد أبي رمثة
حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئا فظنه سلعة تولدت من
الفضلات فرد المصطفى صلى الله عليه وسلم كلامه بإخراجه
مدرجا منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجا بل كلامك يفتقر إلى
العلاج حيث سميت نفسك طبيبا والله هو الطبيب وإنما أنت
رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في
فن البديع. وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء
والداء والقادر على الصحة والشفاء وليس ذلك إلا الله لكن
تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت
المداوي أنت الطبيب سائغ ولا يقال يا طبيب كما يقال يا
حكيم لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف
(د) وكذا النسائي خلافا لما يوهمه كلامه من تفرد أبي داود
به من بين الستة (عن أبي رمثة) بكسر فسكون ففتح البلوى أو
التيمي أو التميمي اسمه رفاعة بن يثربي أو عكسه أو عمارة
بن يثربي أو حبان بن وهب أو جندب أو حبيب أو غير ذلك صحابي
مات بأفريقية. قال دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى أبي الذي بظهره فقال دعني
أعالجه فإني طبيب فذكره
(2/99)
1446 - (الله مع القاضي) بعونه وإرشاده
وإسعافه وإسعاده (ما لم يجر) في حكمه: أي يتعمد الظلم فيه
(فإذا جار) فيه (تخفى) أي قطع (عنه) تسديده وتوفيقه (ولزمه
الشيطان) يغويه ويضله ليخزيه غدا ويذله لما أحدثه من الجور
وارتكبه من الباطل وتحلى به من خبيث الشمائل وقبيح
الرذائل. قال ابن العربي: القاضي يقضي بالحق ما كان الله
معه فإذا تركه جار فالأمر أولا بيد الله يبدأ عن بداية
المقادير وحكمه بالتقدير وملكه للتدبير تحقيقا للخلق
وتوحيدا وقد يخبر عن مآل حالهم تخويفا وإنذارا بالمعاملات
التي جعلها لأهل الفوز وأهل الهلكة وهو الحكيم الخبير. قال
ابن بطال: دل الحديث على أن القضاء بالعدل من أشرف الأعمال
وأجل ما يتقرب به إلى الملك المتعال وأنه بالجور بضد ذلك
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} قال ابن
حجر: وفي الحديث ترغيب في ولاية القضاء من استجمع شروطه
وقوي على إعمال الحق ووثق من نفسه بعدم الجور ووجد للحق
أعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق
للمستحق وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من آكد
القربات ولذلك تولاه الأنبياء فمن بعدهم من الخلفاء
الراشدين وكذلك اتفقوا على أنه فرض كفاية لأن أمر الناس لا
يستقيم بدونه فقد أخرج البيهقي بسند قوي أن أبا بكر لما
ولي الخلافة ولى عمر القضاء وبسند آخر قوي أن عمر استعمل
ابن مسعود على القضاء وإنما فر منه من فر خوف العجز أو عدم
المعين ومن ثم كان السلف يمتنعون منه أشد امتناع <تنبيه>
سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع فقال على معنيين: مع
الأنبياء والأولياء بالنصرة والكلاءة {إنني معكما أسمع
وأرى} ومع العامة بالعلم والإحاطة {ما يكون من نجوى ثلاثة
إلا هو رابعهم} فقال ابن شاهين: مثلك [ص:100] يصلح دالا
للأمة على الله
(ت) واستغربه (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة
والواو وبالفاء مقصور: علقمة بن خالد المدني ظاهر صنيع
المصنف أن الترمذي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل
رواه ابن ماجه أيضا كما ذكره ابن حجر قال: صححه ابن حبان
والحاكم
(2/99)
1447 - (الله ورسوله مولى من لا مولى له)
أي حافظ وناصر من لا حافظ ولا ناصر له فحفظ الله لا يفارقه
وكيف يفارقه مع أن الله وليه وحافظه وناصره فمن كان الله
مولاه فلا يذل ولا يخزى فنعم المولى ونعم النصير. قال
الفخر الرازي: من كان ربه هاديه لا يضل ومن كان ربه معينه
لا يشقى ومن كان ربه مولاه لا يضيع (والخال وارث من لا
وارث له) زاد في رواية يفك عائه أي عائنه يعني ما يلزمه
وما يتعلق به من الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة
هذا عند من يورث الخال ومن لا يورثه يقول معناه إنها طعمة
أطعمها الخال لا أن يكون وارثا كذا قرره ابن الأثير
(ت هـ عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رمز المصنف لصحته
وليس كما قال فإن الترمذي إنما حسنه فقط. قال في المنار:
ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه حكيم بن حكيم وهو ابن أخي
عمرو بن حنيف لا تعرف عدالته وإن روى عنه جمع
(2/100)
1448 - (اللهم) الميم عوض من ياء ولذا لا
يجتمعان وهو من خصائص هذا الاسم لدخولها عليه مع لام
التعريف كما خص بالباء في القسم وقطع همزته في يا الله
وقيل أصله يا الله أمنا بخير فخفف بحذف حرف النداء ذكره
القاضي البيضاوي <فائدة> قال في النهاية: اللهم على ثلاثة
أنحاء: أحدها أن يراد به النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا.
الثاني أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السائل يقول
لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم أو اللهم لا. الثالث
أن يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك أنا
لا أزورك اللهم إذا لم تدعني ألا ترى أن وقوع الزيارة
مقرونا بعدم الدعاء قليل (لا عيش) أي لا عيش كاملا أو
باقيا أو معتبرا أو هنيئا (إلا عيش) الدار (الآخرة) لا هذا
العيش الفاني الزائل لأن الآخرة باقية لا تزول وعيشها لا
يعتريه اضمحلال ولا ذبول وعيش الدنيا وإن كان محبوبا
للنفوس معشوقا للقلوب ظل زائل وسحابة صيف لا يرجى دوامها
والعيش الحياة قال الرافعي: والقصد بذلك فطم النفس عن
الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة وتحمل أثقال
مساعيها وهذا لابن رواحة وتتمته فأكرم الأنصار والمهاجرة
تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو من
مشطور الرجز والممتنع عليه إنشاء الشعر لا إنشاده على أن
الخليل لم يعد مشطور الرجز شعرا وقال بعضهم: هذه الكلمة
قالها في أسر أحواله لما رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها
عند حفر الخندق وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله
والأمر بخلافه بل بقيته: فاغفر للأنصار والمهاجرة ولفظ
البخاري في باب التحريض على القتال: خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون
في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى
ما بهم من النصب والجزع قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة
فاغفر للأنصار والمهاجرة
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي قال: جاءنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا
فقال اللهم إلخ
(2/100)
1449 - (اللهم) أصله يا الله حذفت ياؤه
وعوض عنها الميم وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه وقد
يقال فيه لاهم بحذف أل (اجعل رزق) وفي رواية للعسكري: عيش
(آل محمد) زوجاته ومن في نفقته أو هم مؤمنو بني هاشم
والمطلب أو أتقياء أمته والحمل على الأعم أتم (في الدنيا
قوتا) وفي رواية: كفافا: أي بلغة تسد رمقهم وتمسك [ص:101]
قوتهم بحيث لا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة
ولا يكون فيهم فضول يصل إلى ترفه وتبسط ليسلموا من آفات
الغنى والفقر والكفاف ما لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر
الحاجة والقوت ما يسد به الرمق سمي قوتا لحصول القوة به
سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم طريق الاقتصاد المحمود فإن
كثرة المال تلهي وقلته تنسي فما قل منه وكفى خير مما كثر
وألهى وفي دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم به إرشاد لأمته
كل الإرشاد إلى أن الزيادة على الكفاف بكثير لا ينبغي أن
يتعب العاقل في طلبه لكونه لا خير فيه وحكم الكفاف يختلف
باختلاف الأشخاص والأحوال فمنهم من يعتاد الرياضة حتى إنه
يأكل في كل أسبوع مرة فكفافه وقوته تلك المرة في كل أسبوع
ومنهم من يعتاد الأكل في كل يوم مرة أو مرتين فكفافه ذلك
لأنه إن تركه ضره ومنهم كثير العيال فكفافه ما يسد رمق
عياله ومنهم من يقل عياله فلا يحتاج إلى زيادة فقدر الكفاف
غير مقدر ومقداره غير معين لكن المحمود ما يحصل به القوة
على الطاعة والاشتغال به على قدر الحاجة وقوله: إني أسألك
غناك وغنى مولاي المراد غنى يدفع الفاقة فقط فلا يخالفه ما
هنا وقوله: " اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني " لم
يرد به ما يزيد على الكفاف <فائدة> قال ابن عربي: اللهم هو
اسمه المدعو به الذي قلما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه دعا بسواه إلا أن يكون تلقينا لمتعلم أو نطقا عن مقتضى
حال يرجع إلى إيقاع نفع ذلك إعرابا عن حالهم وذلك هو الاسم
الأعظم
(م ت هـ عن أبي هريرة) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن
صاحبه وهو وهم بل رواه البخاري في الرقائق
(2/100)
1450 - (اللهم اغفر للمتسرولات) أي للابسات
السراويلات (من) نساء (أمتي) أمة الإجابة. وفي رواية:
للمتسرولات من النساء وإنما دعا لهن بذلك لأنهن لما حافظن
على ما أمرهن به من الستر قابلهن بالدعاء لهن بالغفر الذي
أصله الستر فذاك ستر العورات وذا ستر الخطيات وجعله كناية
عن حفظ الفروج خلاف الظاهر
(البيهقي في الأدب) أي في كتاب الأدب له وكذا البزار (عن
علي) أمير المؤمنين قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فسقطت امرأة عن دابة فأعرض عنها بوجهه فقيل إنها
متسرولة فذكره رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه إبراهيم بن
زكريا الضرير قال في الميزان عن أبي حاتم حديثه منكر وعن
ابن عدي: حدث بالبواطيل قال: ومن بلاياه هذا الخبر وساقه
ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال المتهم به
إبراهيم هذا وتعقبه المؤلف بأن الذي قال فيه ابن عدي هذا
القول هو إبراهيم بن زكريا العجلي وهذا إبراهيم بن زكريا
الواسطي وهو ثقة
(2/101)
1451 - (اللهم اغفر للحاج) أي حجا مبرورا
(ولمن استغفر له الحاج) قاله ثلاثا وهو تشريف عظيم للحاج
فيتأكد طلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعاء المصطفى صلى
الله عليه وعلى آله وسلم وظاهره ندب طلب الاستغفار منه في
سائر الأوقات لكن في الإحياء عن الفاروق ما محصوله: إن
غاية طلبه إلى عشرين من ربيع الأول أي فإن تأخر وصوله إلى
وطنه عنها فإلى وصوله كما ذكره ابن رجب
(هب) وكذا الحاكم ومن طريقه أورده البيهقي والخطيب (عن أبي
هريرة) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وتعقبه بأن فيه
شريكا القاضي ولم يخرج له مسلم إلا في المتابعات
(2/101)
1452 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل) قال
الحراني: اسم عبودية لأن إيل اسم الله في الملأ الأعلى وهو
يد بسط لروح الله في القلوب بما يحييها الله من روح أمره
إرجاعا إليه في هذه الدار قبل إرجاع روح الحياة بيد القبض
من عزرائيل [ص:102] (وميكائيل) اسم عبودية أيضا وهو يد بسط
للأرزاق المقيمة للأجسام (وإسرافيل) وهو بسط يد للأرواح
التي بها الحياة قال الجزولي في شرح الرسالة: إنه إنما سمي
إسرافيل لكثرة أجنحته وميكائيل لأنه موكل بالمطر والنبات
يكيله ويزنه (ومحمد) الذي هو روح الأرواح (نعوذ) أي نعتصم
(بك من النار) أي من عذابها فوجه تخصيص الأملاك الثلاثة
أنها أشرف الملائكة وأنها الموكلة بالحياة وعليها مدار
نظام هذا الوجود فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب
وميكائيل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض والحيوان
وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود
الأرواح إلى الأشباح فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه
الأرواح الموكلة بالحياة له تاثير كبير في حصول المطلوب
وهذا كما ترى أدق من قول البعض خص هؤلاء لكمال اختصاصهم
واصطفائهم وكونهم أفضل الملائكة والأول والأخير أفضل من
الثاني وفي التفضيل بينهما أقوال: ثالثها الوقف
(طب ك) في المناقب وكذا ابن السني في عمل اليوم والليلة
(عن والد أبي المليح) واسمه عامر بن أسامة قال: صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر فسمعته يقول:
اللهم. . . إلخ ثلاثا. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه اه
وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب
(2/101)
1453 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)
وهو ما لم يؤذن في تعلمه شرعا أو ما لا يصحبه عمل أو ما لا
يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة
ويفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد:
يا من تقاعد عن مكارم خلقه. . . ليس التفاخر بالعلوم
الزاخرة
من لم يهذب علمه وأخلاقه. . . لم ينتفع بعلومه في الآخرة
وقدم العلم على العمل لأن العمل بدون علم ضلال (وعمل لا
يرفع) إلى الله رفع قبول لفقد نحو إخلاص ومصاحبة نحو رياء
(ودعاء لا يستجاب) أي لا يقبله الله وإنما استعاذ من ذلك
لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه كفافا بل يكون
وبالا والعمل إذا لم يرفع كان مردودا على فاعله مغضوبا
عليه. والدعاء إذا لم يقبل دل على غل في صدر صاحبه
(حم حب ك عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته
(2/102)
1454 - (اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا
واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى
اجعلني منهم قال في الصحاح: الحشر الجمع والزمرة بالضم
الجماعة قال اليافعي: وناهيك بهذا شرفا للمساكين ولو قال
احشر المساكين في زمرتي لكفاهم شرفا وكيف وقد قال واحشرني
في زمرتهم ثم أنه لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات
والتواضع ذكره البيهقي وجرى على قضيته حجة الإسلام حيث
قال: استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة لأن الفقر
مشترك بين معنيين: الأول الافتقار إلى الله والاعتراف
بالذلة والمسكنة له والثاني فقر الاضطرار وهو فقد المال
المضطر إليه كجائع فقد الخبز فهذا هو الذي استعاذ منه.
والأول هو الذي سأله اه وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا
الحديث فقال: معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من
الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين اه ومنه أخذ السبكي
قوله المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من
الفقر فإنه أغنى الناس بالله
(وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب
الآخرة) يعني من لم يرزق سعة في الدنيا بل كان فقيرا معدما
وهو مع ذلك مقارف للذنوب لا يرعوي ولا يتوب وفارق الدنيا
وهو مصر على هذا الحال لم يدركه العفو فهو [ص:103] أشقى من
كل شقي من المؤمنين بلا إشكال لأنه معذب في الدارين
(ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري وقال صحيح وأقره
الذهبي في التلخيص لكن ضعفه في الميزان وزعم ابن الجوزي
وتيمية وضعه. قال ابن حجر: وليس كذلك بل صححه الضياء في
المختارة وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: أساء ابن
الجوزي بذكره له في الموضوعات وقال المؤلف أسرف وقال ابن
حجر مرة أخرى: أسرف ابن الجوزي بذكره في الموضوع وكأنه
أقدم عليه بما رآه مباينا للحال التي مات عليها المصطفى
صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيا
(2/102)
1455 - (اللهم إني أسألك من الخير كله) أي
بسائر أنواعه وجميع وجوهه (ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ
بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) طلبه الخير لا
ينافي أنه أعطي منه ما لم يعطه غيره لأن ما منحه من صفات
الكمال إنما هو بالنسبة للمخلوقات فهو كمال نسبي والكمال
المطلق لله وكل صفة من صفات الحوادث قابلة للزيادة والنقص
ومن ثم أمر بطلب الزيادة في العلم {وقل ربي زدني علما}
ولذا جاز الدعاء عند الختم بنحو: اللهم اجعله زيادة في
شرفه لأنه وإن كان كامل الشرف فكماله نسبي والازدياد فيه
متصور بخلاف صفاته تعالى كمالها في ذاتها لا يقبل زيادة
ولا نقصانا
(الطيالسي طب) أبو داود (عن جابر بن سمرة) بن جندب
(2/103)
1456 - (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور
كلها) أي اجعل آخر كل عمل لنا حسنا فإن الأعمال بخواتيمها
وعاقبة كل شيء آخره كما قال في الصحاح وغيره (وأجرنا من
خزي الدنيا) رذائلها ومصائبها وغرورها وغدرها (وعذاب
الآخرة) زاد الطبراني في روايته من كان ذلك دعاءه مات قبل
أن يصيبه البلاء. اه. قال في الكشاف: والخزي الهوان وهذا
من جنس استغفار الأنبياء مما علموا أنهم مغفور لهم. قال
ابن عربي: والدار الآخرة الجنة والنار اللتين أعدهما الله
لعباده السعداء والأشقياء. سميت آخرة لتأخر خلقها عن
الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون
(حم حب ك عن بسر بن أرطأة) كذا وقفت عليه بخط المؤلف هنا
وهو ذهول وإنما هو ابن أبي أرطأة كما بينه الحافظ ابن حجر
فقال في الإصابة: الأصح ابن أبي أرطأة. قال ابن حبان: ومن
قال ابن أرطأة فقد وهم اه. ثم رأيت المصنف ذكره في أواخر
هذا الكتاب على الصواب كما رأيته بخطه أيضا في خبر لا تقطع
الأيدي في السفر ولولا الوقوف على خطه لظنناه من تحريف
النساخ ولكن الإنسان محل النسيان وأول ناس أول الناس وبسر:
بضم الموحدة التحتية وسكون المهملة ثم راء العامري القرشي
مختلف في صحبته ولاه معاوية اليمن فأفسد وعتا وتجبر وضل
قال ابن عساكر: له بها آثار غير محمودة وقتل عبد الرحمن
وقثم ابني عبد الله بن عباس وخلفا حتى من لم يبلغ الحلم:
كولد زينب بنت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه وقال يحيى: كان
بسر رجل سوء وأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله
عليه وسلم اه ملخصا وقد رمز المصنف لصحته وقد عرفت حال بسر
أما من دونه فموثوقون في بعض طرقه المذكورة لا كلها قال
الحافظ الهيثمي: رجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات
(2/103)
1457 - (اللهم بارك لأمتي) أمة الإجابة (في
بكورها) في شرح السقط أول اليوم الفجر وبعده الصباح
فالبكرة فالضحى فالضحوة فالهاجرة فالظهر فالرواح فالمساء
فالعصر فالأصيل فالعشاء الأول فالعشاء الآخر وذلك عند مغيب
[ص:104] الشفق. قال النووي في رؤوس المسائل: يسن لمن له
وظيفة من نحو قراءة أو علم شرعي وتسبيح أو اعتكاف أو صنعة
فعله أول النهار وكذا نحو سفر وعقد نكاح وإنشاء أمر لهذا
الحديث
(حم 4 حب عن صخر) بفتح المهملة وسكون المعجمة ابن وداعة
(الغامدي) بغين معجمة ودال مهملة الأرذي حجازي سكن الطائف.
قال الترمذي عن البخاري: لا أعرف له غير هذا الحديث اه.
وفي التقريب كأصله: صخر صحابي مقل لم يرو عنه إلا عمارة بن
حديد وفي العلل لابن الجوزي هذا يرويه عمارة بن حديد عن
صخر. قال أبو حاتم: عمارة مجهول. وقال أبو زرعة لا يعرف
ولما قال عبد الحق هو من طريق أبي داود حسن قال ابن
القطان: هذا خطأ ففيه عمارة بن حديد مجهول لا يعرف (هـ عن
ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: وله عنه ثلاث طرق في
أولها إبراهيم بن سالم قال ابن عدي منكر الحديث غير معروف
وفي الثاني محمد بن عبد الرحمن قال يحيى لا شيء وقال
النسائي متروك وفي الثالث محمد بن الفضل قال أحمد حديثه
حديث أهل الكذب (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عمرو
بن مشاور وهو ضعيف ولابن الجوزي له عنه أربع طرق في الأول
والثاني عمرو بن مشاور قال ابن حبان يروي المناكير وأبو
حمزة قال الدارقطني عن أحمد ويحيى: ليس بشيء وفي الثالث
الحسين بن علوان كذبه يحيى والرابع عبد الصمد بن موسى
الهاشمي ضعفوه (وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه علي بن
عابس وهو ضعيف قال الدارقطني: تفرد به علي بن عابس عن
العلاء قال يحيى ليس بشيء وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق
الترك (وعن عبد الله بن سلام) بالتخفيف ابن الحارث بن يوسف
الإسرائيلي كان اسمه الحصين فسماه المصطفى صلى الله عليه
وسلم عبد الله وشهد له بالجنة وكان من علماء الصحابة:
صحابي كبير شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم له بالجنة مات
سنة ثلاث وأربعين. قال الهيثمي: وفيه هشام بن زياد وهو
متروك (وعن عمران بن حصين) قال الهيثمي: وفيه العلاء بن
بركة وهو متروك (وعن كعب بن مالك) قال الهيثمي: وفيه عمارة
بن هارون وهو متروك وقال ابن الجوزي: يرويه عن كعب عمارة
بن هارون وقد قال أبو حاتم متروك (وعن النواس) بنون فواو
مشددتين فمهملة بعد الألف (ابن سمعان) كشعبان الكلابي
صحابي سكن الشام وقال الهيثمي: وفيه عمارة بن هارون وهو
متروك وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على هؤلاء أنه لم يرو
إلا عنهم وليس كذلك فقد زاد ابن الجوزي كغيره فرواه عن
آخرين: علي أمير المؤمنين وبقية العبادلة وجابر وأبي هريرة
وسهل بن سعد وأبي رافع وعمارة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة
بن الحصيب وواثلة ونبيط بن شرط وأبو ذر وأنس والعرس بن
عميرة وعائشة وضعفها أعني ابن الجوزي كلها وقال لا يثبت
منها شيء وقال أبو حاتم: لا أعلم فيه حديثا صحيحا. قال ابن
حجر: وقد اعتنى بعض الحفاظ - يعني المنذري - يجمع طرقه
فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين
(2/103)
1458 - (اللهم بارك لأمتي في بكورها) في
رواية ابن السكن: في بكورهم (يوم الخميس) في رواية البزار:
يوم خميسها وفي رواية للطبراني: واجعله يوم الخميس وفيه
خلقت الملائكة المدبرات للعالم. قال القزويني: يوم مبارك
سيما بطلب الحاجة وابتداء السفر وكان صخر لا يسافر إلا فيه
فأثرى وكثر ماله (هـ) وكذا البزار (عن أبي هريرة) قال ابن
الجوزي: تفرد به محمد بن أيوب بن سويد عن أبيه ومحمد. قال
ابن حبان: يروي الموضوع لا يحل الاحتجاج به وأبو أيوب قال
ابن المبارك: ارم به وقال يحيى: ليس بشيء اه وسأل أبو زرعة
عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة قال الحافظ العراقي: وروى
بدل الخميس السبت. قال: وكلاهما ضعيف وقال في محل آخر
أسانيدها كلها ضعيفة
(2/104)
[ص:105] 1459 - (اللهم إنك سألتنا من
أنفسنا) بيان في مقام التأكيد (ما لا نملكه) أي نستطيعه
جلبا أو نفعا (إلا بك) أي بإقدارك وتمكينك وتوفيقك وذلك
المسؤول هو لزوم فعل الطاعات وتجنب المعاصي والمخالفات
(اللهم فأعطنا منها ما) أي توفيقا نقتدر به على فعل الذي
(يرضيك عنا) من الرضى خلاف السخط وهما من صفات الذات. قال
الحرائي: الرضى وصف المقر لما يريد فكل واقع بإرادة لا
يكون رضى إلا أن يستدركه الإقرار فإن تعقبه الرفع والتغيير
فهو مراد غير رضى ومقصود الحديث الاعتذار عما دق من وسائس
النفوس وفيه بيان أن الأمور كلها منه تعالى مصدرها وإليه
مرجعها فلا تملك نفس لنفس شيئا إذ ليس لغيره وجود حقيقة
حتى ينسب إليه إعطاء أو منع وهو الموجود المحقق القائم
بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت وكل قائم فقيامه به ومن
أثبت نفسه معه فهو الأعمى المنكوس ولو عرف لعلم أنه من حيث
هو لا ثبات له ولا وجود وإنما وجوده من حيث أوجد لا من حيث
وجد. وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في الوجود إلا
موجود واحد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو
والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفان
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه أيضا باللفظ
المذكور المستغفري في الدعوات. قال الحافظ العراقي: وفيه
ولهان بن جبير ضعفه الأزدي. قال المصنف: وهذا الحديث
متواتر
(2/105)
1460 - (اللهم اهد قريشا) أي دلها على طريق
الحق وهو الدين القيم أي دين الإسلام وهذا إن كان صدر قبل
إسلامهم جميعا فظاهر أو بعده فالمراد ثبتهم على ذلك
والهداية دلالة بلطف وتستعمل في غيره تهكما (فإن عالمها)
أي العالم الذي ينشأ من أهل تلك القبيلة (يملا طباق الأرض
علما) أي يعم الأرض بالعلم حتى تكون طبقا لها مغطيا
لجميعها والبطن كل غطاء لازم على الشيء. ذكره ابن الأثير.
قال بعض المحققين: وليس هذا بإخبار عن علو عالمها لعلمه أن
عالم الغيب والشهادة أعلم. لكنه أراد أني لا أدعوك عليهم
لما غاظوني وأذوني بل أدعوك أن تهديهم لأجل أحكام إحكام
دينك يبعث ذلك العالم الذي هو من سلالتها فتدبر. ثم ذلك
العالم القرشي نزله أحمد وغيره على الشافعي فلا أحد بعد
تصرم عصر الصحب اتفق الناس على تقديمه علما وعملا وأنه من
قريش سواه وقد تأيد ذلك بانقياد الخلق بقوله ومعتقده نحو
ثمان مئة سنة بعده تطلع الشمس وتغرب ومذهبه باقي لا يتصرم
واسمه في سمو لا يتقهقر بل يتقدم (اللهم كما أذقتهم عذابا)
وفي رواية نكالا بالقحط والغلاء والقتل والقهر وغيرها
(فأذقهم نوالا) أي إنعاما وعطاءا وفتحا من عندك وعبر
بالذوق بقلة الزمن فيهما {قل متاع الدنيا قليل} قال
السمهودي: كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم
والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأخص يثبت للأعم ولا عكس
وتقديما لهم على غيرهم وشرفا
(خط وابن عساكر) في التاريخ من حديث وهب بن كيسان (عن أبي
هريرة) قال السخاوي: وروايته عن وهب فيه ضعف. اه. قال
الزين العراقي: وله شاهد رواه أبو داود والطيالسي من حديث
عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: لا تسبوا قريشا فإن عالمها
يملأ الأرض علما. اللهم إنك أذقت أولها عذابا فأذق آخرها
نوالا وذكر البيهقي في المدخل أنه ورد هذا الحديث من حديث
علي وابن عباس ورواه البزار من حديث العباس أيضا مرفوعا
بلفظ: اللهم فقه قريشا في الدين وأذقهم من يومي هذا إلى
آخر الدهر نوالا فقد أذقتهم نكالا. قال البزار: حديث حسن
صحيح وفي الباب عدي بن حاتم رواه عنه الطبراني في حديث
طويل. قال الهيثمي: السلوفي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات
(2/105)
[ص:106] 1461 - (اللهم إني أعوذ) أصله أعوذ
بسكون العين وضم الواو استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى
العين فبقيت الواو ساكنة أي أستجير وأعتصم (بك من جار
السوء) أي من شره (في دار المقامة) الإقامة فإنه هو الشر
الدائم والأذى الملازم (فإن جار البادية يتحول) فمدته
قصيرة يمكن تحملها فلا يعظم الضرر فيها وفي رواية الطبراني
جار السوء في دار الإقامة قاصمة الظهر وقد ينزل بسببه
البلاء فيعم الصالح والطالح. قال الحرائي: والعوذ اللجأ من
مخوف لكاف يكفيه
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح فتبعه المصنف فرمز لصحته
(2/106)
1462 - (اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا
استبشروا) أي إذا أتوا بعمل يحسن قرنوه بالإخلاص فيترتب
عليه الجزاء فيستحقون الجنة فيستبشرون بها كما قال
{وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فهو كناية تلويحية
(وإذا أساءوا استغفروا) أي طلبوا من الله مغفرة ما فرط
منهم ومن ثم قال بعضهم: خير الذنوب ذنب أعقب توبة. وشر
الطاعات طاعة أورثت عجبا والمصطفى صلى الله عليه وسلم
معصوم عن الإساءة وإنما هذا تعليم للأمة أرشدهم إلى أن
يأتي الواحد منهم بهذا الدعاء الذي هو عبارة عن أن لا
يبتليه بالاستدراج ويرى عمله حسنا فيهلك {أفمن زين له سوء
عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقوله
من الذين إلخ أبلغ من أن يقول اجعلني أستبشر إذا أحسنت
وأستغفر إذا أسأت كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من
قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم
ومعرفة مساهمته لهم في العلم. ذكره الزمخشري
(هـ هب عن عائشة) فيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه
(2/106)
1463 - (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني
بالرفيق الأعلى) أي نهاية مقام الروح وهي الحضرة الواحدية
فالمسؤول إلحاقه بالمحل الذي ليس بينه وبينه أحد في
الاختصاص والقول بأن المسؤول إلحاقه بالملائكة والملائكة
الذين يسكنون أعلى عليين منع بأنه لو أراد الرفقاء بلفظ
رفيق لقال الأعلين ليكون بمعنى الجماعة وبأن قدره فوق
قدرهم ومحله من عليين فوق محلهم فكيف يسأل اللحوق بهم؟ نعم
إن أراد به قال قائله محلهم الذي تحصل فيه مرافقتهم في
الجملة ليكون يجمعهم على اختلاف درجاتهم وهو الجنة أو
السماء فلا مانع
(ق ت) من حديث عبد الله بن الزبير (عن عائشة) أنها أخبرته
أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت
وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول اللهم إلخ فهذا
آخر ما تكلم به آخرية مطلقة وما عداه آخريته نسبية
(2/106)
1464 - (اللهم من ولى من أمر أمتي) أمة
الإجابة ولا مانع من إرادة الأعم هنا (شيئا) من الولاية
كخلافة وسلطنة وقضاء وإمارة ونظارة ووصاية وغير ذلك نكره
مبالغة في الشيوع وإرادة للتعميم (فشق عليهم) أي حملهم على
ما يشق عليهم أو أوصل المشقة إليهم بقول أو فعل فهو من
المشقة التي هي الإضرار لا من الشقاق الذي هو الخلاف قال
في العين: شق الأمر عليه مشقة أضر به (فأشقق عليه) أي
أوقعه في المشقة جزاءا وفاقا (ومن ولى من أمر أمتي [ص:107]
شيئا فرفق بهم) أي عاملهم باللين والإحسان والشفقة (فارفق
بهم) أي افعل به ما فيه الرفق له مجازاة له بمثل فعله وهذا
دعاء مجاب وقضيته لا يشك في حقيقتها عاقل ولا يرتاب فقلما
ترى ذا ولاية عسف وجار وعامل عيال الله بالعتو والاستكبار
وإلا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال فإن لم يعاقب
بذلك في الدنيا قصرت مدته وعجل بروحه إلى بئس المستقر سقر
ولهذا قالوا: الظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم
وإن دام عمر وهذا كما ترى أبلغ زجر عن المشقة على الناس
وأعظم حث على الرفق بهم وقد تظاهرت على ذلك الآيات
والأخبار
(م) في المغازي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا النسائي في
السير وسببه أن ابن شماسة دخل على عائشة فقالت ممن أنت؟
قال من مضر. قال كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم؟ قال خير
الأمير. قالت إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: فذكرته <تنبيه>
قال في الأذكار: ظاهر الحديث جواز الدعاء على الظلمة
ونحوهم وأشار الغزالي إلى تحريمه وجعله في معنى اللعن. اه.
قال الحافظ: والأولى حمل كلام الغزالي على الأولى وأما
الأحاديث فتدل على الجواز
(2/106)
1465 - (اللهم إني أعوذ بك) قال الطيبي:
استعاذ مما عصم منه ليلتزم خوف الله وإعظامه والافتقار
إليه وليقتدى به وليبين صفة الدعاء والباء للإلصاق المعنوي
للتخصيص كأنه خص الرب بالاستعاذة وقد جاء في الكتاب
والسنة: أعوذ بالله ولم يسمع: بالله أعوذ لأن تقديم
المعمول تفنن وانبساط والاستعاذة حال خوف وقبض بخلاف الحمد
لله ولله الحمد لأنه حال شكر وتذكير إحسان ونعم (من شر ما
عملت) أي من شر عمل يحتاج فيه إلى العفو (ومن شر ما لم
أعمل) أي بأن تحفظني منه في المستقبل أو المراد شر عمل
غيره {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} أو ما
ينسب إليه افتراء ولم يعمله وتقديم الميم على اللام فيهما
هو ما في مسلم وغيره وعكسه والواقع لحجة الإسلام في
الإحياء متعقب بالرد نعم جاء في خبر مرسل
(م د ن هـ) كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري
(2/107)
1466 - (اللهم أعني على غمرات الموت)
شدائده جمع غمرة وهي الشدة وفي أصول صحيحة سكرات (أو) شك
من الراوي وفي نسخة بالواو (سكرات الموت) جمع سكرة بسكون
الكاف وهي شدة الموت الذاهبة بالعقل ذكره الزمخشري وهي
تزيد على الغمرات بزيادة الألم وفي رواية لابن أبي الدنيا
اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل اللهم أعني
على الموت وهونه علي. وقال ابن عربي: السكر الضيق المانع
من الإطلاق في التصرفات فالمراد ضيق الموت وكربه. قال
الراغب: والسكر حالة تعرض بين المرء وقلبه وأكثر ما يستعمل
في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق والألم أي والأخير هو
المراد هنا. قال القرطبي: تشديد الموت على الأنبياء تكميل
لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصا ولا عذابا
(ت هـ ك) وكذا النسائي في يوم وليلة كلهم (عن عائشة) قالت
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت وعنده قدح ماء
وهو يدخل يده فيه ثم يمسح وجهه ويقول ذلك وقال ابن العربي:
إن الباري بقدرته وحكمته يخفف إخراج الروح ويشدده بحسب حال
العبد فتارة يشدده عذابا وذلك على الكافر وتارة كفارة وذلك
على المذنب وتارة رفعة درجات وزيادة حسنات وذلك في الولي
وتارة حجة على الخلق وتسلية وقدوة وأسوة كما لقي المصطفى
صلى الله عليه وسلم منه
(2/107)
1467 - (اللهم زدنا) من خير الدارين: أي من
العلوم والمعارف (ولا تنقصنا) أي لا تذهب منا شيئا
(وأكرمنا) بالتقوى (ولا تهنا) أصله تهوننا نقلت كسرة الواو
للهاء وحذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى وأدغمت
[ص:108] الأولى في الثانية (وأعطنا ولا تحرمنا) قال القاضي
والطيبي: عطف الأوامر على النواهي تأكيدا ومبالغة وتعميما
وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى:
فلان يعطي ويمنع مبالغة (وآثرنا) بالمد اخترنا بعنايتك
وإكرامك (ولا تؤثر) تختر (علينا) غيرنا فتعزه وتذلنا: يعني
لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) بما قضيت لنا أو علينا
بإعطاء الصبر والتحمل والقنع بما قسمت لنا من الرزق وذلك
أن الله دبر لعبده قبل أن يخلقه شأنه من الرزق والأحوال
والآثار وكل ذلك مقدر مؤقت يبرزه له في وقته كما قدره
والعبد ذو شهوات وقد اعتادها وتخلق بها ودبر الله لعبده
غير ما تخلق به من الشهوات فمرة سقم ومرة صحة ومرة غنى
ومرة فقر وعسر وذل ومكروه ومحبوب فأحوال الدنيا تتداوله لا
ينفك عن قضائه والعبد يريد ما وافقه واشتهاه وتدبير الله
فيه غير ذلك فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه
فترك جميع إرادته لمشيئة الله ينتظر ما يبرز له من تدبيره
في جميع أحواله فيتلقاه بانشراح قلب وطيب نفس فيصير راضيا
مرضيا والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا وليس
للشهوات
ولا للشيطان عليه سلطان وإنما ذكر ذلك على طريق الإرشاد
والتعليم للأمة وقال الطيبي: ويلوح من هذا الدعاء تباشير
الإرادة والاستبشار والفوز بالمباغي ونيل الفلاح في الدنيا
والعقبى. ولعمري إنه من جوامع الكلم (وارض عنا) بما نقيم
من الطاعة القليلة التي في جهدنا. قال بعض الأكابر: من
أيقن بحسن اختيار الله له لم يسره أن يكون على غير الحال
التي هو عليها فكل راض مرضي عنه فاقتضت هذه السنة العلمية
مضمون قوله تقدس {ارجعي إلى ربك راضية مرضية} فمن رجعت إلى
ربه معرفته وذهبت نكرته اطمئن في الأوقات وغنم في مقاومة
مقابلاتها الرضى واستقر في جنته وقته فكان هذا حاله عاجلا
وذاك خطابه آجلا فقال الراغب: منزلة الرضى أشرف المنازل
بعد النبوة فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه لقوله تعالى
{رضي الله عنهم ورضوا عنه} فجعل أحد الرضاءين مقرونا
بالآخر فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا واطلع
على جنة المأوى وخطب مودة الملأ الأعلى وحظي بتحيتهم
المعينة بقوله {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام
عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}
(ت ك) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي
النحل فنزل عليه فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع
يديه فذكره. صححه الحاكم
(2/107)
1468 - (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع)
لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي
هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي
لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع)
من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة
الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية
المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا
يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال
الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع) قال الطيبي: في كل من
القرائن إشعار بأن وجوده مبني على غايته والغرض الغاية فإن
تعلم العلم إنما هو للنفع به فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافا
بل يكون وبالا وإن القلب إنما خلق ليخشع لبارئه فإذا لم
يخشع كان قاسيا يستعاذ منه {فويل للقاسية قلوبهم} وإنما
يعتد بالنفس إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار
الخلود فإذا كانت نهمة لا تشبع كانت أعدى عدو للمرء فهي
أهم ما يستعاذ منه وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي
لم ينتفع بعلمه ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه (فإن قلت) قد
علم من صدر الكلام الاستعاذة مما ذكر فما فائدة قوله: أعوذ
بك من هؤلاء الأربع؟ (قلت) أفاد به التنبيه على توكيد هذا
[ص:109] الحكم وتقويته وفيه جواز تشجيع الدعاء. قال حجة
الإسلام: والمكروه التكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة
قال ابن حجر: هذا كان يصدر منه من غير قصد إليه ولذلك جاء
في غاية الإنسجام
(ت ن عن ابن عمرو) بن العاص (د ن هـ ك عن أبي هريرة ن عن
أنس) قال الترمذي: حسن غريب وأخرج مسلم نحوه بأتم منه
وأكثر فائدة فلو أثره المصنف لكان أحسن
(2/108)
1469 - (اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني
حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء لأنه لا سعادة
للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب
إليه مما سواه. قال ابن القيم: وهذا إشارة إلى أن من خصائص
الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما
غاية الحب مع غاية الذل. واعلم أن كل حب لا يحكم على صاحبه
بأن يصمه عن كل مسموع سوى كلام محبوبه ويعميه عن كل منظور
سوى وجه محبوبه ويخرجه عن كل كلام إلا عن ذكر محبوبه وعن
ذكر من يحب محبوبه ويختم على قلبه فلا يدخل سوى حب محبوبه
ويرى قفله على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه أما
عند رؤية تقدمته أو عن وصف ينشأ منه الخيال صورة فيكون كما
قيل:
خيالك في عيني وذكرك في فمي. . . ومثواك في قلبي فأين تغيب
فيه يسمع وبه يبصر وله يتصور وبه يتكلم وله يكلم فليس من
الحب في شيء (اللهم وما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما
تحب) لأصرفه فيه سأل الله تعالى أن يجعل ما رزقه من القوة
والقوى الجسمانية والروحانية العلمية أو العملية مقويا له
على ما يرضيه (وما زويت عني) أي صرفت عني ونحيت عني. قال
القاضي: أصل الزي والجمع والقبض (مما أحب فاجعله فراغا لي
فيما تحب) يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي
بمحابك وسببا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغلني عن
عبادتك وذلك لأن الفراغ خلاف الشغل فإذا زوى عنه الدنيا
ليتفرغ لحساب ربه كان ذلك الفراغ عونا له على الاشتغال
بطاعة الله وقد حرر الله أسرار نبينا كالأنبياء من رق
الأغيار وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الأثار لا
يحبون إلا إياه ولا يشغلون بسواه <تنبيه> قال ابن عربي:
ألطف ما في الحب ما وجدته وهو أن تجد عشقا مفرطا وهوى
وشوقا مقلقا وغراما ونحولا وسهر أو منع لذة طعام ولا تدري
فيمن ولا بمن ولا يتعين لك محبوبك ثم بعد ذلك يبدو لك تجلي
في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد
به أو تذكر شخصا فتجد الميل إليه فتعلم أنه صاحبك وهذا من
أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب
فلا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هامها ويجد الناس
ذلك في القبض والبسط الذي لا يعرف سببه فبعده يأتيه ما
يحزنه أو يسره فيعرف أن ذلك له وذلك لاستشراف النفس على
الأمور قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات
التكوين (تتمة) قد انطوى تحت هذا الحديث عدة مقامات مقام
الحب ومقام التوحيد ومقام الصبر ومقام الشكر ومقام الرضى
ومقام التسليم ومقام الأنس ومقام البسط ومقام التمكين وغير
ذلك ولم يجتمع مثلها في حديث قصير إلا قليلا
(ت) في الدعوات (عن عبد الله بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من
الزيادة (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني
خطمة قبيلة معروفة صحابي صغير شهيد الحديبية ابن سبع عشر
وولى الكوفة لابن الزبير قال الترمذي: حسن غريب. قال ابن
القطان: ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم
بالكذب وترك الرازياني حديثه بعد ما كتبناه وقيل لأبي زرعة
أكان يكذب؟ قال نعم
(2/109)
[ص:110] 1470 - (اللهم اغفر لي ذنبي) أي ما
لا يليق أو المراد إن وقع والعبد لا يأتي بما هو اللائق
بجلال كبرياء الله ومنه ما عبدناك حق عبادتك فسمى هذا
القصور بالنسبة لكمال القرب ذنبا مجازا (ووسع لي في داري)
محل سكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويشتت
الأمتعة ويجلب الهم ويشغل البال أو المراد القبر: إذ هو
الدار الحقيقية وعلى الأول فالمراد التوسعة بما يقتضيه
الحال لا الترفه والتبسط في الدنيا بل إنما يسأل حصول قدر
الكفاية لا أزيد ولا أنقص. ولهذا قال بعض الحكماء: إما أن
تتخذ لك دارا على قدر نجواك وتخبر على قدر دارك وإلا فهو
سرف أو تقتير (وبارك لي في رزقي) أي اجعله مباركا محفوفا
بالنماء والزيادة في الخير ووفقني بالرضى بما قسمته منه
وعدم التلفت إلى غيره مع أني لا أنال إلا ما رزقتني وإن
جهدت وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا
أنت أستغفرك وأتوب إليك
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أحمد والطبراني
عن رجل من الصحابة وزاد فسئل النبي صلى الله عليه وسلم
عنهن فقال وهل تركن من شيء ورواه النسائي وابن السني عن
أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء
فتوضأ فسمعته يدعو يقول فذكره وترجم عليه ابن السني بباب
ما يقوله بين ظهراني وضوئه والنسائي بباب ما يقول بعد فراغ
وضوئه قال في الأذكار: إسناده صحيح
(2/110)
1471 - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك)
أي ذهابها مفرد في معنى الجمع يعم النعم الظاهرة والباطنة
والنعمة كل ملائم تحمد عاقبته ومن ثم قالوا لا نعمة لله
على كافر بل ملاذه استدراج. والاستعاذة من زوال النعم
تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي لأنها تزيلها. ألا ترى
إلى قوله:
إذا كنت في نعمة فارعها. . . فإن المعاصي تزيل النعم
(وتحول عافيتك) أي تبدلها ويفارق الزوال التحول كما قاله
الطيبي بأن الزوال يقال في كل شيء ثبت لشيء ثم فارقه لفظ
رواية أبي داود وتحويل بزيادة مثناة تحتية. والتحويل تغيير
الشيء وانفصاله عن غيره فكأنه سأل دوام العافية وهي
السلامة من الآلام والأسقام (وفجاءة) بالضم والمد وتفتح
وتقصر بغنة (نقمتك) بكسر فسكون: غضبك وعقوبتك (وجميع سخطك)
بالتحريك: أي سائر الأسباب الموجبة لذلك وإذا انتفت
أسبابها حصلت أضدادها
(م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري
(2/110)
1472 - (اللهم إني أعوذ بك من منكرات
الأخلاق) كحقد وبخل وحسد وجبن ونحوها ولا مانع من إرادة
السبب والمسبب معا لأن المسبب قد يحصل فيعفى عنه {إن الله
لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وهذا مقول
على منهج التعليم لغيره (والأعمال) الكبائر من نحو قتل
وزنا وشرب خمر وسرقة ونحوها. قال بعض حكماء الإسلام: وهذه
المنكرات منها ما لا ينفك منه غير المعصوم في متقلبه ومنها
ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا عليها متعارفا وذكر هذا
مع عصمته تعليم لأمته كما سبق (و) منكرات (الأهواء) وهي
الزيغ والانهماك في الشهوات جمع هوى مقصور هوى النفس وهو
ميلها إلى المستلذات والمستحسنات عندها لأنه يشغل عن
الطاعة ويؤدي إلى الأشر والبطر (والأدواء) من نحو جذام
وبرص وسل واستسقاء وذات جنب ونحوها فهذه كلها بوائق الدهر
فيقول أعوذ بك من بوائق [ص:111] الدهر. قال الطيبي:
والإضافة إلى القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى
الموصوف. قال الراغب: والإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل
يتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ويحكم بقبحه الشرع.
وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف حسنه من جهة الشرع
قال الحكيم: إنما استعاذ من هذه الأربع لأن ابن آدم لا
ينفك منها في متقلبه ليلا ونهارا وبها ما يعظم الخطب فيه
حتى يصير منكرا غير متعارف فيما بينهم فذاك الذي يشار إليه
في بالأصابع في ذلك الأمر ومنه يعظم الوبال. قال الرشيدي:
وعطف العمل على الخلق والهوى على العمل والداء عليها وإن
كل الكل على الأول: من باب الترقي في الدعاء إلى ما يعم
نفعه
(ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة هو قطبة
بن مالك. قال الترمذي حسن غريب
(2/110)
1473 - (اللهم متعني) انفعني زاد في رواية
البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين
وقيل العمرين وانتصر له بخير: هذان السمع والبصر ويبعده ما
في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني)
قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه
(وانصرني على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وخذ منه بثأري)
أشار به إلى قوة المخالفين حثا على تصحيح الالتجاء والصدق
في الرغبة
(ت ك عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول
في دعائه ذلك. ورواه البيهقي عن ابن جرير
(2/111)
1474 - (اللهم حبب الموت إلى من يعلم أني
رسولك) لأن النفس إذا أحبت الموت آنست بربها ورسخ يقينها
في قلبها وإذا نفرت منه نفر اليقين فانحط المرء عن منازل
المتقين ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وعكسه بعكسه
(طب عن أبي مالك الأشعري) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال
فقد قال الهيثمي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف
(2/111)
1475 - (اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي)
قال الزمخشري: وهو كل ولي كالأب والأخ وابن الأخ والعم
وابنه والعصبة كلهم. وعد في القاموس من معانيه التي يمكن
إرادتها هنا الصاحب والقريب والجار والحليف والناصر
والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر. والمراد بالغنى الذي
سأله غنى النفس لا غنى المال وسعة الحال كما قاله بعض أهل
الكمال. قال ابن عطاء الله: لا يصح الغنى إلا بوجود الفقر
لأن كل من افتقر إلى الله استغنى به ومن استغنى بالله
بواسطة فقره إليه فغناه لا يماثله غنى أبدا
(طب عن أبي صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء: الأنصاري
المازني بدري شاعر مجيد واسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن
صرمة ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد
رجاله رجال الصحيح وكذا إسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة
الأنصاري وهي ثقة
(2/111)
1476 - (اللهم اجعل فناء أمتي) أمة الإجابة
وقول الزركشي أراد أمة الدعوة تعقبه ابن حجر (قتلا في
سبيلك) أي في قتال أعدائك لإعلاء دينك (بالطعن) بالرمح
(والطاعون) وخز أعدائهم من الجن: أي اجعل فناء غالب أمتي
بهذين أو بأحدهما. قال بعضهم: دعى لأمته فاستجيب له في
البعض أو أراد طائفة مخصوصة أو صفة مخصوصة كالخيار فلا
تعارض بينه وبين الخبر الآتي: إن الله أجاركم من ثلاث أن
يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا. الحديث. قال القرطبي:
[ص:112] جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو وقال بعض
علمائنا الصحيح بأو والروايتان صحيحتا المعنى وبيانه أن
مراده بأمته صحبه خاصة لأنه دعا لجميع أمته أن لا يهلكهم
بسنة عامة ولا يسلط أعداءهم عليهم فأجيب فلا تذهب بيضتهم
ولا معظمهم بموت عام ولا بعدو على مقتضى دعائه هذا والدعاء
المذكور هنا يقتضي أن يفنوا كلهم بالقتل والموت عام فتعين
صرفه إلى أصحابه لأن الله اختار لمعظمهم الشهادة بالقتل في
سبيل الله بالطاعون الواقع في زمنهم فهلك به بقيتهم فقد
جمع لهم الله الأمرين فالواو على أصلها من الجمع أو تحمل
على التقسيمية قال الراغب: نبه بالطعن على الشهادة الكبرى
وهي القتل في سبيل الله وبالطاعون على الشهادة الصغرى.
وهذا الحديث هو المشار إليه في خبر آخر يقوله: الطاعون
رحمة ربكم ودعوة نبيكم قال العلماء أراد المصطفى صلى الله
عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في
سبيل الله بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن. وهذا
الحديث مكي دعى به المصطفى صلى الله عليه وسلم عند خروجه
مهاجرا وهو بالغار
(حم طب عن أبي بردة) بن أبي موسى (الأشعري) اسمه الحارث أو
عمارة أو عامر: سمع عليا وعائشة وولى قضاء الكوفة ورواه
عنه أيضا الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور وصححه وأقره
عليه الذهبي بل رواه باللفظ المذكور. قال الهيثمي: رجاله
ثقات. اه. فلو عزاه المصنف له لكان أحسن على عادته في
البداءة في العزو إليه وما أراه إلا ذهل عنه قال الحافظ
ابن حجر: وحديث ابن أبي موسى هذا هو العمدة في هذا الباب
فإنه يحكم له بالصحبة لتعدد طرقه إليه
(2/111)
1477 - (اللهم إني أسألك) أي أطلب منك
(رحمة من عندك) أي ابتداء من غير سبب وقال القاضي: نكر
الرحمة تعظيما لها دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة لا
يكتنه كنهها ووصفها بقوله من عندك مزيدا لذلك التعظيم لأن
ما يكون من عنده لا يحيط به وصفه لقوله {وآتيناه من لدنا
علما} (تهدي بها) أي ترشد (قلبي) إليك وتقربه لديك وخصه
لأنه محل العقل ومناط التجلي. وأجناس الهداية خمسة مترتبة
وهي إضافة قوي يتمكن بها من الاهتداء ونصب الدلائل وإرسال
الرسل والكشف والتوفيق والأخير هو الممنوع عن نحو الظالمين
أينما وقع في القرآن (وتجمع بها أمري) أي تضمه بحيث لا
أحتاج إلى أحد غيرك (وتلم) أي تجمع وتضم (بها شعثي) ما
تفرق من أمري ملتئما غير متفرق وهو من اللم الجمع يقال
لممت الشيء جمعته ومنه خبر تأكل لما وتوسع ذما: أي تأكل
كثيرا مجتمعا (وتصلح بها غائبي) أي ما غاب عن باطني
بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية (وترفع بها
شاهدي) أي ظاهري بالأعمال الصالحة والهيئات المطبوعة
والخلال الجميلة: فالمراد تعميم الباطن وإصلاح الظاهر أو
أراد بها في الأخرى بالرضا والكون مع الملأ الأعلى وفي
الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء وفيه حسن مقابلة بين
الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره
من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها
إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى والإلهام أن يلقى الله في
النفس أمرا يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص
الله به من يشاء من عباده قال الراغب: ورشد الله تعالى
للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب
والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق
الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه
ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة
السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء وأن يخوله من كبر
الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة
والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم
الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول: أي أليفي أو مألوفي:
أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل
سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم
بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى الله أن لا يخلق في
المرء ذنبا وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم
بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من
الفجور وعلى الأول. قال الراغب: العصمة فيض إلهي يقوى به
الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من
باطنه وإن [ص:113] لم يكن منعا محسوسا وليس ذلك بمانع
ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين
(اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر) أي جحد
لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات
الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جدا بحيث
(أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر
فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بحلائل
الأعمال
(اللهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه
(ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب ومنه {أذلك
خير نزلا} (الشهداء) لأنه محل المنعم عليهم وهو وإن كان
أعظمهم منزلة وأعلا منهم مرتبة لكنه ذكر للتشريع لأمته
(وعيش السعداء) أي الذين قدرت لهم السعادة والمراد السعادة
الأخروية لأنه كان من أكثر الناس تقللا من الدنيا وأزهد
الناس مطلقا (والنصر على الأعداء) أي الظفر بهم والمراد
أعداء الدين قال الراغب: والنصر من الله معونة الأنبياء
والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلا وآجلا
وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه تارة من
داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في
قلوب الأعداء وعليه قوله {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا}
الآية
(اللهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج
إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي
عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح. قال الراغب: والرأي
إجالة الخاطر في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت
عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال
(افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك
التي وسعت كل شيء (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب
منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها. وفيه جواز إطلاق
القاضي على الله تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني
القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها
أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور)
وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من
البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب
السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور)
النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير
بأن ترزقني الثبات عند السؤال قال الزمخشري: فإن قلت كيف
يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت)
يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به
مما أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا للرب وإخباتا له
اه. وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في
القبر
(اللهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه
نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشيء المطلوب (ولم تبلغه مسألتي)
إياك (من) كل (خير وعدته أحدا من خلقك) أن تفعله مع أحد من
مخلوقاتك من إنس وجن وملك ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل
خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك)
أي من غير مسابقة وعد له [ص:114] بخصوصه فلا يعد ما قبله
تكرارا كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد
(إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على
ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين)
الخلق كلهم وذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف
حرف النداء في بعض الروايات
(اللهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير: يرويه
المحدثون بموحدة والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه
{واعتصموا بحبل الله جميعا} وصفه بالشدة لأنه من صفات
الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة. وصوب الأزهري
كونه بمثناة تحتية وهو القوة واقتصر عليه الزمخشري جازما
حيث قال: الحيل هو الحول أبدل واوه ياء وروى الكسائي لا
حيل ولا قوة إلا بالله والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد من
قوله تعالى {وأكيد كيدا} . {ومكروا ومكر الله} وقيل ذا
القوة لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة. اه. (والأمر
الرشيد) السديد الموافق لغاية الصواب (أسألك الأمن) من
الفزع والأهوال (يوم الوعيد) أي يوم التهديد وهو يوم
القيامة (والجنة) أي وأسألك الفوز بها (يوم الخلود) أي يوم
إدخال عبادك دار الخلود: أي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود
أهل النار في النار وذلك بعد فصل القضاء وانقضاء الأمر (مع
المقربين) إلى الحضرات القدسية (الشهود) أي الناظرين إلى
ربهم المشاهدين لكمال جماله (الركع السجود) أي المكثرين
للصلاة ذات الركوع والسجود (الموفين بالعهود) أي بما
عاهدوا عليه الحق والخلق (إنك رحيم) أي موصوف بكمال
الإحسان بدقائق النعم (ودود) شديد الحب لمن والاك (وإنك)
رواية البيهقي وأنت (تفعل ما تريد) فتعطي من تشاء مسؤوله
وإن عظم لا مانع لما أعطيت وقد وصف الله نفسه بالاختيار
وأنه على كل شيء قدير وأنه فعال لما يريد وأنه لا مكره له
وهو الصادق في قوله وما حكم به فقد ترتبت الأمور ترتيب
الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما
ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عادل بالمراتب فتأتيه أسئلة
السائلين وما يوافق توقيت الإجابة في عين ما سألوه فيه وقد
تقرر أنه لا مكره له فلا بد من التوقف عند ذلك السؤال
لمناقضته إذا أجابه ترتيب الحكمة فلذلك قال وإنك تفعل ما
تريد
(اللهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى
الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب غي القول والعمل قال ابن
القطان: قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان
لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا
انتهى. قال ابن حجر: وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن
الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلما) بكسر السين المهملة
أي صلحا (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدوا) لفظ
رواية البيهقي حربا بدل عدوا (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكا
أو ندا أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب
حبك (من أحبك) حبا خالصا وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس
(ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك
وهذا ناظر إلى أن من كمال الإيمان الحب في الله والبغض في
الله
(اللهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا
به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلا منك ولا
وجوبا (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك
التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على الله أسكن قلبه
الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب
[ص:115] (اللهم اجعل لي نورا في قلبي) أي نورا عظيما
فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء الله
ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشيء (ونورا في قبري)
أستضيء به في ظلمة اللحد (ونورا بين يدي) أي يسعى أمامي
(ونورا من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في
أشياعي. قال الحراني: والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه
فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونورا عن يميني ونورا عن
شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي) يعني اجعل النور يحفني
من الجهات الست (ونورا في سمعي ونورا في بصري) لأن السمع
محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة
ذلك تزداد المعارف (ونورا في شعري ونورا في بشري) أي ظاهر
جلدي (ونورا في لحمي) الظاهر والباطن (ونورا في دمي ونورا
في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه
الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة. قال القاضي: معنى طلب
النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن
ظلم الجهالة والمعاصي طلب الهداية للنهج القويم والصراط
المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سببا لمزيد علمه
وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما
قال تعالى في حق المؤمنين {نورهم يسعى بين أيديهم
وبأيمانهم} ثم لما دعى أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا
يهتدي به إلى كماله وأن يحيط به من جميع الجوانب فلا يخفى
عليه شيء ولا ينسد عليه طريق: دعا أن يجعل له نورا به
يستضيء الناس ويهتدون إلى سبل معاشهم ومعادهم في الدنيا
والآخرة فدعا بإثبات النور فيها والمراد استعمالها بالصواب
(اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا) عطف عام
على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها
وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي
رواية بدل اجعل لي نورا اجعلني نورا قال ابن عربي: دعا
بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه الله عليه
من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها ولما علم المصطفى صلى
الله عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى ينفر
الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما
قال اجعلني نورا يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في
ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة
في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور
جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر
عبدا أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار
(سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردى به بمعنى أنه اتصف بأنه
يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء لأن العزة كما قال الحراني:
الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس
العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء
والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترداه وعطف الثوب رداؤه
وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه
وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل
بالصوم ووصف الله بالعز ومثله قوله: يجر رباط الحمد في دار
قومه أي هو محمود في قومه (وقال به) أي غلب به على كل عزيز
وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما
يريد انتهى ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من
القيل فعلا فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه
عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال به أي ملك به وقهر
هكذا [ص:116] فسره الهروي في الغريبين انتهى بنصه وبه يعرف
أن تفسير صاحب النهاية ومن على قدمه قال به بأحبه واختص به
غير جيد (سبحان الذي لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة
والكبرياء والشرف والكرم. قال الزمخشري: ومن المجاز مجد
الرجل عظم كرمه فهو ماجد ومجيد وله شرف ومجد وتمجد الله
بكرمه وعباده يمجدونه وهو أهل التماجيد وأمجد الله فلانا
ومجده كرم فعاله انتهى ولذلك حسن تعقيبه بقوله (وتكرم به)
أي تفضل وأنعم على عباده (سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا
له) أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس (سبحان ذي
الفضل) قال الزمخشري: الفضل ما يتفضل به زيادة على الثواب
والفضل والفاضلة والإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول
(والنعم) جمع نعمة وهي كل ملائم تحمد عاقبته (سبحان ذي
المجد والكرم) زاد البيهقي سبحان الذي أحصى كل شيء علمه
سبحان ذي المن سبحان ذي الطول (سبحان ذي الجلال والإكرام)
قال في الكشاف معناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه
وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك أو من عنده
الجلال والإكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظيم صفات الله
تعالى وقال السيد: المراد بصفات الجلال التنزه عن سمات
النقصان وفيه كما قال الغزالي: إن المنهي عنه من السجع ما
كان بتكلف فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة بخلاف الكلمات
المتوازنة الخالية عن التكلف
(ت ومحمد ابن نصر في) كتاب (والصلاة طب والبيهقي في) كتاب
(الدعوات) كلهم من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس
عن أبيه (عن) جده عبد الله (بن عباس) لكن بزيادة ونقص قال:
بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته
ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام فصلى من الليل فلما
صلى الركعتين قبل الفجر قال اللهم إني أسألك إلى آخره
وداود هذا عم المنصور ولي المدينة والكوفة للسفاح حدث عنه
الكبار كالنوري والأوزاعي ووثقه ابن حبان وغيره وقال ابن
معين: أرجو أنه لا يكذب إنما يجدث بحديث واحد كذا روى
عثمان بن سعيد عنه وقد أرده ابن عدي في الكامل وساق له
بضعة عشرة حديثا ثم قال عندي لا بأس بروايته عن أبيه عن
جده احتج به مسلم وخرج له الأربعة
(2/112)
1478 - (اللهم لا تكلني) أي لا تصرف أمري
(إلى نفسي) أي لا تسلمني إليها وتتركني هملا (طرفة عين) أي
تحريك جفن وهو مبالغة في القلة (ولا تنزع مني صالح ما
أعطيتني) قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك همم
أمته إلى الدعاء بذلك. قال الحليمي: وهذا تعليم منه لأمته
أنه ينبغي كونهم مشفقين من أن يسلموا الإيمان أو التوفيق
للعمل فإن من سلب التوفيق لم يملك نفسه ولم يأمن أن يضيع
الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا الخوف
من همه
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه
إبراهيم بن يزيد الحرذي وهو متروك
(2/116)
1479 - (اللهم اجعلني شكورا) أي كثير الشكر
لك. قال الغزالي: والشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه
الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من
قال الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل
اللسان وقول بعضهم: الشكر اعتكاف على بساط الشهود بإدامة
الحرمة جامع لأكثر معاني الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان
(واجعلني صبورا) أي لا أعاجل بالانتقام أو المراد الصبر
العام (واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا)
استوهب ربه أن يعظمه في عيون الخلق ليسهل عليه في الجملة
أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها [ص:117] من
مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب ومعاناة أهوال
الحروب
(البزار) في مسنده (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن
الخصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية ثم تحتية ثم
موحدة قال الهيثمي فيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف
لكن حسن البزار حديثه
(2/116)
1480 - (اللهم إنك لست بإله استحدثناه) أي
طلبنا حدوثه أي تجدده بعد أن لم يكن (ولا برب ابتدعناه) أي
اخترعناه على غير مثال سبق والباء فيه لتأكيد النفي وفي
نسخ استحدثناك وابتدعناك بالكاف بدل الهاء (ولا كان لنا
قبلك من إله نلجأ إليه وننذرك) أي نتركك (ولا أعانك على
خلقنا) أي إيجادنا من العدم (أحد غيرك فنشركه) فيك أي في
عبادتك والالتجاء إليك فإنك المتفرد بالخلق والإيجاد
والتقدير (تباركت) تقدست وتنزهت (وتعاليت) تمامه عند مخرجه
الطبراني قال كعب وهكذا كان نبي الله داود يدعو
(طب عن صهيب) قال الهيثمي وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو
متروك
(2/117)
1481 - (اللهم إنك تسمع كلامي) أي لا يعزب
عنك مسموع وإن خفي بغير جارحة (وترى مكاني) إن كنت في ملاء
أو خلاء (وتعلم سري) وفي نسخة سريرتي (وعلانيتي) أي ما
أخفي وما أظهر (لا يخفى عليك شيء من أمري) تأكيد لما قبله
لدفع توهم المجاز والتخصيص. قال الحراني: الإخفاء تغييب
الشيء وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته والغرض من
ذلك الإجابة والقبول (وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته
(الفقير) أي المحتاج إليك في سائر أحواله وجميع أموره
(المستغيث) أي المستعين المستنصر بالله فاكشف كربتي وأزل
شدتي يقال أغاثه الله إذا أعانه واستغاث به فأغاثه وأغاثهم
الله كشف شدتهم (المستجير) بالجيم الطالب منك الأمان من
عذابك (الوجل) أي الخائف (المشفق) أي الحذر قال في
المصباح: أشفقت من كذا بالألف حذرت. وقال الزمخشري: تقول
أنا مشفق من هذا أي خائف منه خوفا يرق القلب ويبلغ منه
مبلغا (المقر المعترف بذنبه) عطف تفسير ففي الصحاح كغيره
أقر بالحق اعترف به وقال الزمخشري: أقر على نفسي بالذنب
أعترف (أسألك مسألة المسكين) أي الخاضع الضعيف سمي مسكينا
لسكونه إلى الناس وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها
عند غيرهم (وأبتهل إليك ابتهال المذنب) أي أتضرع إليك تضرع
من أخجلته مقارفة الذنوب إلى الله تضرع. وفي الصحاح كغيره
الابتهال التضرع. وقال الزمخشري: ابتهل واجتهد في الدعاء
اجتهاد المبتهلين (الذليل) أي الضعيف المستهان به (وأدعوك
دعاء الخائف المضطر) وفي نسخ الضرير وهو بمعناه بين بهذا
أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار لأن الاضطرار
تغطية حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده
كما أن الحق هو الغني أيضا فالعبد مضطر إليه أبدا ولا
يزايله هذا الاضطرار في الدنيا ولا في الآخرة حتى لو دخل
الجنة فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة
التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف
حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في
الآخرة ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عيب الله
قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار
فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة [ص:118]
إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم سلط الله عليهم الأسباب المثيرة
للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته (من خضعت لك
رقبته) أي نكس رأسه رضى بالتذلل إليك وفي الصحاح الخضوع:
التطامن والتواضع وقال الزمخشري: خضع لله خضوعا تطامن وقوم
خضع ناكسوا الرؤوس ورجل أخضع راضي بالذل (وفاضت) سالت (لك
عبرته) بفتح العين أي سال لك من الفرق دموعه وفي الصحاح
فاض الماء كثر حتى سال على ضفة الوادي والعبرة بالفتح تحلب
الدمع وبالكسر الاعتبار وفي القاموس العبرة بالفتح الدمعة
قبل أن تفيض وتردد البكاء في الصدر (وذل لك جسمه) أي انقاد
بجميع أركانه الظاهرة والباطنة (ورغم لك أنفه) أي لصق
بالتراب وفي الصحاح الرغام بالفتح التراب وأرغم أنفه ألصقه
بالتراب. وقال الزمخشري: من المجاز ألصقه بالرغام إذا أذله
وأهانه ومنه رغم أنفه وأرغمه الله وفي النهاية أصل رغم
أنفه لصق بالتراب ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف
والانقياد على كره
(اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا) أي تبعا خائبا قال
الزمخشري: من المجاز أشقى من رائض مهر أي أتعب منه ولم يزل
في شقاء من أمره في تعب (وكن بي رؤوفا رحيما) أي عطوفا
شفوقا (يا خير المسؤولين ويا خير المعطين) أي يا خير من
طلب منه ويا خير من أعطى قال في الصحاح: السؤال ما يتساءله
الإنسان. وقال الزمخشري: سألته حاجة وأصبت منه سؤلي طلبتي
فعل بمعنى مفعول كعرف ونكر وقال: ومن المجاز هو مسألتي من
الدنيا واللهم أعطنا سؤالاتنا وتعلمت مسألة ومسائل أستعير
المصدر للمفعول
(طب عن ابن عباس) قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع عشية عرفة اللهم. . . إلى آخر ما
ذكر. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال الحافظ العراقي:
سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه يحيى بن صالح
الأملي وقال العقيلي له مناكير وبقية رجاله رجال الصحيح
(2/117)
1482 - (اللهم أصلح ذات بيننا) أي الحال
التي يقع بها الاجتماع (وألف بين قلوبنا) أي اجعل بينها
الإيناس والمودة والتراحم لتثبت على الإسلام وتقوى على
مقاومة أعدائك ونصر دينك (واهدنا سبل السلام) أي دلنا على
طريق السلامة من الآفات أو على طرق دار السلام الجنة
(ونجنا من الظلمات إلى النور) أي أنقذنا من ظلمات الدنيا
إلى نور الآخرة أو من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة
(وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي بعدنا عن القبائح
الظاهرة والباطنة فإنا عاجزون عن التنقل منها ورفع الهمم
عن مواقعها وإن اجتهدنا بما جبلنا عليه من الضعف وتسلط
الشيطان علينا فلا قوة لنا إلا بك
(اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا
وذرياتنا وتب علينا) طلب التوبة أثر الحسنة كما هو مطلب
العارفين بالله ثم علل طمعه في ذلك بأن عادته تعالى التطول
والتفضل فقال (إنك أنت التواب) أي الرجاع بعباده إلى مواطن
النجاة بعدما سلط عليهم عدوهم بغوايتهم ليعرفوا فضله عليهم
وعظيم قدرته ثم اتبعه وصفا هو كالتعليل له فقال (الرحيم)
أي المبالغ في الرحمة لعبادك (واجعلنا شاكرين لنعمتك) أي
إنعامك (مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا) [ص:119] سأل
التوفيق لدوام الشكر لأن الشكر قيد النعم فيه تدوم وتبقى
وبتركه تزول وتحول قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم} قال {لئن شكرتم لأزيدنكم} فالحق تقدس
إذا رأى عبده قام بحق نعمته بالدوام على شكرها من بأخرى
رآه لها أهلا وإلا قطع عنه ذلك
(طب) وكذا في الأوسط (ك عن ابن مسعود) قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء قال الهيثمي وإسناد
الكبير جيد انتهى ومن ثم آثره المصنف
(2/118)
1483 - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي) قدم
إليك ليفيد الاختصاص أي أشكو إليك لا إلى غيرك فإن الشكوى
إلى الغير لا تنفع (وقلة حيلتي وهواني على الناس) أي
احتقارهم إياي واستهانتهم واستخفافهم بشأني واستهزاؤهم بي
(يا أرحم الراحمين) والشكوى إليه سبحانه لا تنافي أمره
بالصبر في آي التنزيل فإن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعل
الشكوى إليه وحده هو الصبر والله سبحانه وتعالى يمقت من
يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه (إلى من تكلني)
تفوض أمري (إلى عدو يتجهمني) بالتشديد أي يلقاني بغلظة
ووجه كريه؟ قال الزمخشري: وجه جهم غليظ وهو البأس الكريه
ويوصف به الأسد وتجهمته وجهمته استقبلته بوجه مكفهر وقبل
هو أن يلغظ الرجل له في القول ومن المجاز الدهر يتجهم
الكرام وتجهمني أملي إذا لم تصبه (أم إلى قريب ملكته أمري)
أي جعلته متسلطا على إيذائي ولا أستطيع دفعه (إن لم تكن
ساخطا علي) في رواية إن لم يكن بك سخط علي وفي أخرى بدل
سخط غضب (فلا أبالي) بما يصنع بي أعدائي وأقاربي من
الإيذاء طلبا لمرضاتك (غير أن عافيتك) التي هي السلامة من
البلايا والأسقام وهي مصدر جاء على فاعله (أوسع لي أعوذ
بنور وجهك) أي ذاتك (الكريم) أي الشريف والكريم يطلق على
الشريف النافع الذي يدوم نفعه (الذي أضاءت له السماوات
والأرض) جمع السماوات وأفرد الأرض لأنها طبقات متفاضلة
بالذات مختلفة بالحقيقة (وأشرقت له الظلمات) أشرقت على
البناء المفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت
وأشرفها الله كما تقول ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا ذكره
كله الزمخشري قال في الحكم: الكون كله ظلمة وإنما أناره
ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو قبله أو
عنده أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس
المعارف بسحب الأثار (وصلح) بفتح اللام وتضم (عليه أمر
الدنيا والآخرة) أي استقام وانتظم والصلاح ضد الفساد وأصلح
أتى بالصلاح وهو الخير والصواب والصلح اسم منه وهو التوفيق
كما في المصباح (أن تحل علي غضبك) أي تنزله بي أو توجبه
علي. قال في المختار كأصله حل العذاب يحل بالكسر حلا أي
وجب ويحل بالضم حلولا نزل وقرىء بهما قوله تعالى {فيحل
عليكم غضبي} (أو تنزل علي سخطك) أي غضبك هو من عطف الرديف
(ولك العتبى حتى ترضى) أي أسترضيك حتى ترضى يقال استعتبته
فأعتبني أي استرضيته فأرضاني (ولا حول ولا قوة إلا بك)
استعاذ بهذا بعد الاستعاذة بذاته تعالى إشارة إلى أنه لا
توجد قابضة حركة ولا قابضة سكون في خير وشر إلا بأمر
التابع لمشيئته {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون} وهذا يسمى دعاء الطائف وذلك أن المصطفى صلى الله
عليه وسلم لما مات أبو طالب اشتد أذى قومه له فخرج إلى
الطائف رجاء أن يأووه وينصروه فأذاقوه أشد [ص:120] من قومه
ورماه سفهاؤهم بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد مولاه يقيه
بنفسه حتى انصرف راجعا إلى مكة محزونا فدعى بهذا فعند ذلك
أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين
فقال: بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده
(طب) عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
(2/119)
1484 - (اللهم واقية كواقية الوليد) أي
المولود كما فسره به راوي الخبر ابن عمر فهو فعيل بمعنى
مفعول أي كلاءة وحفظا ككلاءة الطفل المولود وحفظه. قال
العسكري: أراد ما يقيه الله من الحشرات وما يدب على الأرض
من الهوام وما يدفع عنه مع قلة دفعه عن نفسه وجهله بتوقي
المتالف والمعاطب وقيل المراد بالوليد موسى {ألم نر بك
فينا وليدا} أي كما وقيت موسى شر فرعون وهو في حجره فقني
شر قومي وأنا بين أظهرهم والوقاية بالكسر الصيانة. وقال
الزمخشري: والوليد الصبي الصغير لأنه لا يبصر المعاطب وهو
يتعرض لها ثم يحفظه الله أو لأن القلم مرفوع عنه فهو محفوظ
من الآثام وذلك لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما ترك
اختياراته وأمات في مخالفتها شهواته ولذاته ذهل عن أوصافه
وشغل بمحبة محبوبه عن نفسه وصفاته فهو لا يخير في أحكام
مولاه بل فوض أمره إليه وأقبل بكليته عليه وطلب منه أن
يصرفه في مشيئته ومحابه ويحوطه بعصمته
(ع عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه راو لم يسم
وبقية رجاله ثقات
(2/120)
1485 - (اللهم كما حسنت) وفي رواية أحسنت
(خلقي) أوله (فحسن خلقي) بضمتين أي لأقوى على أثقال الخلق
وأتخلق بتحقيق العبودية والرضا بالقدر ومشاهدة الربوبية.
قال الطيبي: ويحتمل أن يراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه
بإكمال دينه. وفيه إشارة إلى قول عائشة كان خلقه القرآن
وأن يكون قد طلب المزيد والثبات على ما كان وتمسك به من
قال إن حسن الخلق غريزي لا مكتسب والمختار أن أصول الأخلاق
غرائز والتفاوت في الثمرات وهو الذي به التكليف
(حم) وكذا ابن حبان (عن ابن مسعود) قال الزين العراقي ووهم
من زعم أنه أبو مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا نظر في المرآة قال اللهم إلى آخره قال المنذري
رواته ثقات
(2/120)
1486 - (اللهم احفظني بالإسلام قائما) أي
حالة كوني قائما وكذا يقال فيما بعده (واحفظني بالإسلام
قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا) أراد في جميع الحالات. قال
الطيبي: يحتمل أن المراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه
بإكمال دينه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}
وأن يكون طلب المزيد والثبات على ما كان (ولا تشمت بي عدوا
ولا حاسدا) أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي وفي
الصحاح الشماتة الفرح ببلية العدو والحسد تمني زوال نعمة
المحسود
(اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر
خزائنه بيدك) جمع مخزن كمجلس ما يخزن فيه الشيء قال ابن
الكمال كغيره واليد مجاز عن القوة المتصرفة ولا يخفى وجه
التجوز على من له قدم راسخ في علم البيان وتشبيها باعتبار
تنوع التصرف في العالمين عالم الشهادة المسمى بعالم الملك
وعالم الغيب المسمى بعالم الملكوت ومن هنا ظهر وجه قوله
سبحانه {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} أي لما خلقته ذا
حظ من عالمي الملك والملكوت وفيه إشارة إلى جهة فضل آدم
على من أمر بالسجود له ممن لا حظ لهم من أحد من العالمين
المذكورين
(ك عن [ص:121] ابن مسعود) قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعو فيقول اللهم إلخ وزاد البيهقي في الدعوات من
طريق هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته
مصيبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه وسأله
أن يأمر له بوسق تمر فقال: إن شئت أمرت لك وإن شئت علمتك
كلمات خيرا لك منه فقال: علمنيهن ومر لي بوسق فإني ذو حاجة
إليه قال: أفعل وقال: قل اللهم احفظني إلخ
(2/120)
1487 - (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك)
بكسر الجيم جمع موجبة وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها
الرحمة أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا
فالحق لا يجب عليه شيء (وعزائم مغفرتك) أي مؤكداتها أو
موجباتها جمع عزيمة يعني أسألك أعمالا بعزم تهب بها مغفرتك
قال الراغب: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (والسلامة
من كل إثم) يوجب عقابا أو عتابا أو نقص درجة أو غير ذلك
قال العراقي: وهذا مصرح بحل سؤال العصمة من كل ذنب ولا
اتجاه لاستشكاله بأنها إنما هي لنبي أو ملك لأنها في حقهما
واجبة ولغيرهما جائزة وسؤال الجائز جائز لكن الأدب في حقنا
سؤال الحفظ لا العصمة (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء
الطاعة والخير قال الزمخشري: ومن يبر ربه يطيعه (والفوز
بالجنة والنجاة من النار) سبق أنه وإن كان محكوما له
بالفوز والنجاة لكنه قصد التشريع لأمته والتعليم لهم
(ك عن ابن مسعود) قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم اللهم إلخ
(2/121)
1488 - (اللهم أمتعني بسمعي وبصري حتى
تجعلهما الوارث مني) أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو
أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى أو اجعل
تمتعي بهما في مرضاتك باقيا فذكره بعد انقضاء أجلنا
وانقطاع عملنا (وعافني في ديني وفي جسدي وانصرني ممن
ظلمني) من أعداء دينك (حتى تريني فيه ثأري) أي تهلكه وفي
الصحاح الثأر الدخل يقال ثأر القتيل بالقتيل أي قتل قاتله
(اللهم إني أسلمت نفسي) أي ذاتي (إليك) يعني جعلت ذاتي
طائعة لحلمك منقادة لك في كل أمر ونهي (وفوضت) أي رددت
(أمري إليك) أي حكمك (وألجأت ظهري إليك) أي أسندته إليك
كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم لا سند يتقوى به سواه وخص
الظهر لجري العادة بأن المرء يعتمد بظهره إلى ما يسند إليه
(وخليت) بخاء معجمة أي فرغت (وجهي) أي قصدي (إليك) يعني
براءته من الشرك والنفاق وعقدت قلبي على الإيمان (لا ملجأ)
بالهمز ويترك للازدواج مع قوله (ولا منجا) فهذا مقصور لا
يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا
مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة
والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه
أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليما للغير
(وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب
سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث وقال الطيبي: في
هذا النظم عجائب وغرائب [ص:122] لا يعرفها إلا الثقات من
أهل البيان فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة
لله في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته
وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن
أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله
ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو
مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما
يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة
منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت
أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك
رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز
ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد
تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من
التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلدا
سيفا ورمحا وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي:
فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى. قال: ويحتمل أن
يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا.
وقال غيره: لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس
بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه
أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم
وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ
وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان
مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن
يقف عنده وذكر احترازا ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره
من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام
من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه
مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا
اشتراك فيه عرفا. قال ابن حجر: فعلى هذا قول من قال كل
رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه
(ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة
وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقا
بزيادة ونقص
(2/121)
1489 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون
الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما
يقوى بقوة يحدبها الله فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى
أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل
والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل
الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو
مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم فسكون الخور عن تعاطي
الحرب خوفا على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان
واجب الحق (والبخل) منع السائل المحتاج عما يفضل عن الحاجة
(والهرم) كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى وسوء الكبر ما
يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وقال
الموفق البغدادي: هو اضمحلال طبيعي وطريق للفناء ضروري فلا
شفاء له (والقسوة) غلظ القلب وصلابته (والغفلة) غيبة الشيء
عن البال وعدم تذكره واستعمل في تاركه إهمالا وإعراضا كما
في قوله سبحانه {وهم في غفلة معرضون} (والعيلة والذلة)
بالكسر الهوان على الناس ونظرهم إلى الإنسان بعين الاحتقار
والاستخفاف به (والقلة) بالكسر قلة البصر أو قلة الأنصار
أو القلة في أبواب الخير وخصال البر أو قلة المال بحيث لا
يجد كفافا من قوت فيعجز عن وظائف العبادة (والمسكنة) قلة
المال وسوء الحال (وأعوذ بك من الفقر) أي فقر النفس لا ما
هو المتبادر من معناه من إطلاقه على الحاجة الضرورية فإن
ذلك يعم كل موجود {با أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}
وأصله كسر فقار الظهر (والكفر) عنادا أو جحدا أو نفاقا
وأورده عقب الفقر لأنه قد يفضي إليه (والفسوق) الخروج عن
الاستقامة والجور ومنه قيل للعاصي فاسق (والشقاق) مخالفة
الحق بأن يصير كل من المتنازعين في شق أي ناحية كان كل
فريق يحرص على ما يشق على الآخر [ص:123] (والنفاق) الحقيقي
أو المجازي (والسمعة) بضم فسكون التنويه بالعمل ليسمعه
الناس (والرياء) بكسر الراء والمد ومثناة تحتية إظهار
العبادة ليراها الناس فيحمدوه فالسمعة أن يعمل لله خفية ثم
يتحدث بها تنويها والرياء أن يعمل لغير الله وذكر هذه
الخصال لكونها أقبح خصال الناس فاستعاذته منها إبانة عن
قبحها وزجر للناس عنها بألطف وجه وأمر بتجنبها بالالتجاء
إلى الله (وأعوذ بك من الصمم) بطلان السمع أو ضعفه. قال
القاضي: وأصله صلابة من اكتناز الأجزاء ومنه قيل حجر أصم
وقناة صماء سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن
الصماخ كنزا لا تجويف فيه يشتمل على هواء يسمع الصوت
بتموجه (والبكم) بالتحريك الخرس أو أن يولد لا ينطق ولا
يسمع والخرس أن يخلق بلا نطق (والجنون) زوال العقل
(والجذام) علة تسقط الشعر وتفتت اللحم وتجري الصديد منه
(والبرص) علة تحدث في الأعضاء بياضا رديئا (وسيء الأسقام)
الأمراض الفاحشة الرديئة المؤدية إلى قرار الحميم وقلة
الأنيس أو فقده كالاستسقاء والسل والمرض المزمن وهذا من
إضافة الصفة للموصوف أي الأسقام السيئة قال التوربشتي ولم
يستعذ من سائر الأسقام لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه
على نفسه بالصبر خفت مؤنته كحمى وصداع ورمد وإنما استعاذ
من السقم المزمن فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم ويقل
دونه المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين وهذه الأمراض
لا تجوز على الأنبياء بل يشترط في النبي سلامته من كل منفر
وإنما ذكرها تعليما للأمة كيف تدعو
(ك والبيهقي في) كتاب (الدعاء عن أنس) قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إلى آخره قال
الحاكم صحيح وأقره الذهبي
(2/122)
1490 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع
وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم
الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع)
المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة
بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات
الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع
الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله
القاضي. وقال الطيبي: خص الضجيع بالجوع لينبه على أن
المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا ومن ثم حرم الوصال
ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام
التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به
صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة
لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم
كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى الله عليه
وسلم منه فقال: إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوبا
للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها
نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع
مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار
فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامن في طبعه
وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه
لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا
في مدح الجوع في أول السلوك
الجوع موت أبيض. . . وهو من أعلام الهدى. . . ما لم يؤثر
خلا
فهو دواء هودا. . . فاحكم به تكن به. . . موقفا مسددا
[ص:124]
وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع:
جوع العوائد محمود فلست أرى. . . فيما أراه من استعماله
بأسا
الجوع بأس ضجيع العبد جاء به. . . لفظ النبي فلا ترفع به
رأسا
جوع الطبيعة مذموم وليس يرى. . . فيه المحقق بالرحمن
إيناسا
أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في
رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوبا لها إلا حال
عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب
{وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} (ومن الخيانة)
مخالفة الحق بنقض العهد في السر (فإنها بئست البطانة)
بالكسر أي بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة
قال في المغرب بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة
الثوب. وقال الراغب: تستعار البطانة لمن تخصه بالإطلاع
عليه باطن أمرك. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب
فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله
والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن
والزرع وغير ذلك (ومن الكسل والبخل والجبن) قال الطيبي:
الجود إما بالنفس أو بالمال ويسمى الأول شجاعة والثاني
سخاوة ويقابلها البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في
نفس كاملة ولا ينعدمان إلا في متناه في النقص (ومن الهرم
وأن أرد إلى أرذل العمر) أي إلى آخره في حال الهرم والخوف
والعجز والضعف وذهاب العقل والأرذل من كل شيء الرديء منه.
قال الطيبي: المطلوب عند المحققين من العمر التفكير في
آلاء الله ونعمائه تعالى من خلق الموجودات فيقيموا بموجب
الشكر بالقلب والجوارح والخوف والفاقد لهما فهو كالشيء
الرديء الذي لا ينتفع به. فينبغي أن يستعاذ منه (ومن فتنة
الدجال) محنته والفتنة الامتحان والاختبار استعيرت لكشف ما
يكره والدجال فعال بالتشديد من الدجل التغطية سمي به لأنه
يغطي الحق بباطله (وعذاب القبر) عقوبته ومصدره التعذيب فهو
مضاف للفاعل ومجازا أو هو من إضافة المظروف أظرفه أي ومن
عذاب في القبر أضيف للقبر لأنه الغالب وهو نوعان دائم
ومنقطع (ومن فتنة المحيا) بفتح الميم ما يعرض للمرء مدة
حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات أو هي
الابتلاء مع زوال الصبر (والممات) أي ما يفتن به عند الموت
أضيفت له لقربها منه أو المراد فتنة القبر أي سؤال الملكين
والمراد من شر ذلك. قال الكمال: والجمع بين فتنة الدجال
وعذاب القبر وبين فتنة المحيا والممات من باب ذكر العام
بعد الخاص
(اللهم إنا نسألك) أي نطلب منك ونتضرع إليك (قلوبا أواهة)
أي متضرعة أو كثيرة الدعاء أو كثيرة البكاء (مخبتة) أي
خاشعة مطيعة متواضعة (منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة
عليك (في سبيلك) أي الطريق إليك
(اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب
والذي لم يذنب قط في منال رحمتك (ومنجيات أمرك) أي ما ينجى
من عقابك ويصون عن عذابك (والسلامة من كل إثم) معصية
(والغنيمة من كل بر) بكسر الباء خير وطاعة (والفوز بالجنة
والنجاة من النار) عذابها وسبق أن هذا مسوق للتشريع وفيه
دليل على ندب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه يتمسك
فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه. قال
ابن بطال: وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من
الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. قال ابن حجر: قد سئل عنه
قديما ابن وهب فقال إنه باطل
(ك) في الدعاء (عن ابن مسعود) وقال صحيح الإسناد قال
الحافظ العراقي: وليس كما قال إلا أنه ورد في أحاديث جيدة
الإسناد
(2/123)
[ص:125] 1491 - (اللهم اجعل أوسع رزقك) هو
نوعان ظاهر للأبدان كالقوت وباطن للقلوب والنفوس كالمعارف
ويرشح الأول قوله (علي عند كبر سني وانقطاع عمري) أي
إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند
الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع
الله عليه رزقه حين ذلك كان عونا له على العبادة
(ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم
إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم
أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني
بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة
(2/125)
1492 - (اللهم إني أسألك العفة) بالكسر
العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في
دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي
ومالي اللهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة
سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم
للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية
عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس
القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي
ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم
الهمزة أي أهلك. قال الراغب: الغول إهلاك الشيء من حيث لا
يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره
استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو
نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله
وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى {ولو شئنا
لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل
الكلب} وما أحسن قوله بعظمتك في هذا المقام
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن
حبان وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في
أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو
قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من
حديث ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع
هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف
على البزار خلاف اللائق
(2/125)
1493 - (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر
قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب
وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره
أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم)
أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في
العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من
المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي
قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما
قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا أستقله. قال الشاذلي: من
أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول
البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إلى الله عند
النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط
المجاهدة فقد صحت ولايته لله ورسوله والمؤمنين {ومن يتول
الله والذين آمنوا فإن حزب الله هم [ص:126] الغالبون} وقال
الغزالي: من لم يرض بالقضاء يكن مهموما مشغول القلب أبدا
بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء
من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس للإنسان إلا قلب
واحد <تنبيه> قال ابن عربي: لا يلزم الراضي بالقضاء الرضا
بالمقضي فالقضاء حكم الله وهو الذي أمرنا بالرضا به
والمقضي المحكوم به فلا يلزم الرضا به
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي
وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف الحديث
(2/125)
1494 - (اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك)
من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأته (دعاك
لأهل مكة) علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان (بالبركة)
بقوله {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} . الآية. ولمكة
أسماء كثيرة جمعها صاحب القاموس في مؤلف مستقل وفي تاريخ
القطب أن من خواص اسمها أنه إذا كتب بدم الرعاف على جبين
المرعوف مكة وسط البلاد والله رؤوف بالعباد انقطع الدم
(وأنا محمد عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه أيضا
خليل كما في خبر اتخد الله صاحبكم خليلا تواضعا ورعاية
للأدب حيث لم يساو نفسه بأبيه (أدعوك لأهل المدينة (1) -
طيبة - أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما
بركة (مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك
لهم بضعف ما دعاك إبراهيم لمكة والمد مكيال معروف وهو رطل
وثلث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والصاع خمسة
أرطال وثلث عند أهل الحجاز وثمانية أرطال عند أهل العراق
(ت عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا عن أبي قتادة قال
الهيثمي رجاله رجال الصحيح
_________
(1) لفظ المدينة صار علما بالغلبة على طيبة فإذا أطلق
انصرف إليها
(2/126)
1495 - (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها
حراما وإني حرمت المدينة) أي جعلتها حراما (ما بين
مأزميها) تثنية مأزم بالهمز وزاي مكسورة الجبل أو المضيق
بين الجبلين وحرمتها (أن لا يراق فيها دم) أي لا يقتل فيها
آدمي معصوم بغير حق (ولا يحمل فيها سلاح لقتال) عند فقد
الاضطرار (ولا تخبط) أي تضرب (فيها شجرة) قال في الصحاح:
خبط الشجرة ضربها بالعصى ليسقط ورقها (إلا لعلف) بسكون
اللام ما تأكله الماشية
(اللهم بارك لنا في مدينتنا) أي أكثر خيرها (اللهم بارك
لنا في صاعنا) أي فيما يكال بصاع مدينتنا (اللهم بارك لنا
في مدنا) أي فيما يكال به ثم يحتمل كون البركة دينية وتكون
بمعنى الثبات أي ثبتنا في أداء حقوق الحق المتعلقة بهذه
المقادير وكونها دنيوية وتكون بمعنى الزيادة حيث يكفي المد
لمن لا يكفيه في غيرها ويحتمل الأمران معا
(اللهم اجعل مع البركة) التي في غيرها (بركتين) فيها فتصير
البركة فيها مضاعفة (والذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره
(ما من المدينة شعب) بكسر الشين فرجة نافذة بين جبلين (ولا
نقب) بفتح النون وسكون القاف طريق [ص:127] بين جبلين (إلا
عليه ملكان) بفتح اللام (يحرسانها) من العدو (حتى تقدموا
إليها) أي من سفركم هذا وكان هذا القول حين كانوا مسافرين
للغزو وبلغهم أن بعض الطوائف يريد الهجوم عليها أو فعل
وتمسك بهذا الخبر وما قبله من ذهب إلى تفضيل المدينة على
مكة وقال: التضييق شامل للأمور الدينية أيضا
(م عن أبي سعيد) الخدري
(2/126)
1496 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم
والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو ما فيه أو ما يوجب
الإثم أو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم (والمغرم) أي
مغرم الذنوب والمعاصي أو هو الدين فيما لا يحل أو فيما يحل
لكن يعجز عن وفائه أما دين احتاجه وهو يقدر على أدائه فلا
استعاذة منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه
واستعاذته تعليم لأمته وإظهار للعبودية والافتقار وفي حديث
صحيح قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول
الله قال: الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف (ومن فتنة
القبر) التحير في جواب منكر ونكير (وعذاب القبر) عطف عام
على خاص فعذابه قد ينشأ عنه فتنة بأن يتحير فيعذب لذلك وقد
يكون لغير ما كان يجيب بالحق ولا يتحير ثم يعذب على تفريطه
في بعض المأمورات أو المنهيات كإهمال التنزه عن البول (ومن
فتنة النار) سؤال خزنتها وتوبيخهم كما يشير إليه {كلما
ألقي فيها فوج سألهم خزنتها} الآية (وعذاب النار) أي
إحراقها بعد فتنتها كذا قرر بعضهم وقال الطيبي: قوله فتنة
النار أي فتنة تؤدي إلى عذاب النار وإلى عذاب القبر لئلا
يتكرر إذا فسر بالعذاب (ومن شر فتنة الغنى) أي البطر
والطغيان والتفاخر وصرف المال في المعاصي (وأعوذ بك من
فتنة الفقر) حسد الأغنياء والطمع في مالهم والتذلل لهم بما
يدنس العرض ويسلم الدين ويوجب عدم الرضا بما قسم ذكره
البيضاوي. وقال الطيبي: الفتنة إن فسرت بالمحنة والمصيبة
فشرها أن لا يصير الرجل على لأوائها ويجزع منها وإن فسرت
بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر
في الضراء وذكر لفظ شر في الفقرة الأولى دون الثانية وهو
ما وقع في هذه الرواية وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي
أخرى حذفها فيهما (ومن فتنة المسيح) بفتح الميم وخفة السين
وبحاء مهملة سمي به لكون إحدى عينيه ممسوحة أو لمسح الخير
منه فعيل بمعنى مفعول أو لمسحه الأرض أو قطعها في أمد قليل
فهو بمعنى فاعل وقيل هو بخاء معجمة ونسب قائله إلى التصحيف
(الدجال) احتراز عن عيسى عليه السلام من الدجل الخلط أو
التغطية أو الكذب أو غير ذلك وهو عدو الله المموه واسمه
صافن وكنيته أبو يوسف وهو يهودي وإنما استعاذ منه مع كونه
لا يدرك نشرا لخبره بين أمته جيلا بعد جيل لئلا يلتبس كفره
على مدركه
(اللهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي
ذنوبا (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع
بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك
وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي
غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن
إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء
إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل
جموده ومصيره جليدا والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد
القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها
باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة
الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح
الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد)
أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين
هنا دون ما بعده لأن العطف [ص:128] على الضمير المجرور
يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطىء بالكسر الذنب (كما
باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع
الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة
المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من
ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها
اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع
التشبيه أن إلتقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه
ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة
فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي
معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية
(ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن هـ) مختصرا كلهم (عن
عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة
(2/127)
1497 - (اللهم إني أسألك من الخير كله
عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف
العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ
بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا
من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه
الجوامع. قال الراغب: وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب
إلى الله أن يعطيه من الخيور ما فيه مصلحته مما لا سبيل
بنفسه إلى اكتسابه وأن يبذل جهده مستعينا بالله في اكتساب
ماله كسبه نافقا عاجلا وآجلا ومطلقا وفي كل حال وفي كل
زمان ومكان قال: والخير المطلق هو المختار من أجل نفسه
والمختار غيره لأجله وهو الذي يتشوفه كل عاقل
(اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من
شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللهم إني أسألك الجنة وما قرب
إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من
قول أو عمل) قال الحليمي: هذا من جوامع الكلم التي استحب
الشارع الدعاء بها لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل
خير وتعوذ به من كل شر ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة
بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قصر في النظر لنفسه
(وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا) لا يعارضه الخبر
الآتي عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان له خيرا
لأن المراد هنا طلب دوام شهود القلب أن كل واقع فهو خير
وينشأ عن ذلك الرضا ومن جعل الرضا غنيمته في كل كائن من
أوقاته وافق النفس أو خالفها لم يزل غانما بما هو راض بما
أوقع الله له وأقام من حكمته {أليس الله بأحكم الحاكمين}
{الذي أحسن كل شيء خلقه}
(هـ) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا
عائشة بالجوامع الكوامل قولي اللهم إلى آخره ورواه عنها
أيضا البخاري في الأدب وأحمد والحاكم وصححه
(2/128)
1498 - (اللهم إني أسألك باسمك الطاهر)
الأنفس الأقدس المنزه عن كل عيب ونقص (الطيب) النفيس. قال
الزمخشري: تقول صائد مستطيب بطلب الطيب النفيس من الصيد
ولا يرضى بالدون وفي الصحاح الطيب ضد الخبيث (المبارك) أي
الزائد خيره والعميم فضله (الأحب إليك) من سائر الأسماء
(الذي إذا دعيت به أجبت) الداعي إلى ما سأله [ص:129] (وإذا
سئلت به أعطيت) السائل سؤله (وإذا استرحمت به) أي طلب أحد
منك أن ترحمه وأقسم عليك به (رحمت) أي رحمته (وإذا استفرجت
به) أي طلب منك الفرج (فرجت) عمن استفرج به ولم ترده خائبا
وهذا خرج جوابا لسائل سأله أن يعلمه دعاءا جامعا يدعو به
(هـ عن عائشة) وبوب عليه باب اسم الله الأعظم
(2/128)
1499 - (اللهم من آمن بي وصدقني) بما جئت
به من عندك وهذا قريب من عطف الرديف (وعلم أن ما جئت به هو
الحق من عندك فأقلل ماله وولده) لأن من كان مقلا منهما
يسهل عليه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا
لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التباين
والتضاد ومن ثم قال ابن مسهر: نعمة الله علينا فيما زوى
عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط منها والله سبحانه
لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا
لإثانة أحبابه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو
جمودا في العين أو تعويقا عن طاعة أو وقوعا في ذنب أو فترة
في الهمة أو سلب لذة خدمة وذهب ابن عربي إلى أن المراد
بإقلال ذلك وبإعدامه أو أخذه في رواية أخرى أخذ ذلك من
قلبه مع وجوده عنده وأنه يؤثر حب الله على حب هؤلاء (وحب
إليه لقاءك) أي حبب إليه الموت ليلقاك ومن أحب لقاء الله
أحب الله لقاءه (وعجل له القضاء) أي الموت (ومن لم يؤمن بي
ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر
ماله وولده وأطل عمره) لتكثر عليه أسباب العقاب والمال
والأهل بل والأعضاء حتى العين التي هي أعزها قد تكون سببا
لهلاك الإنسان في بعض الأحيان. قال الجنيد: إذا أحب الله
عبدا لم يذر له مالا ولا ولدا لأنه إذا كان ذلك له أحبه
فتتشعب محبته لربه وتتجزأ وتصير مشتركة بين الله وغيره "
والله لا يغفر أن يشرك به " وهو تعالى قاهر لكل شيء فربما
أهلك شريكه وأعدمه ليخلص قلب عبده لمحبته وحده. وقال
الحراني: خلق الله الدنيا دار بلاء فجعل التقلل منها رحمة
وجعل الاستكثار منها نقمة. وقال الغزالي: كل ما يزيد على
قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ
القلب فلو وجد مئة دينار مثلا على الطريق انبعث من قلبه
عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مئة دينار فلا يكفيه ما وجده
بل يحتاج إلى تسع مئة أخرى فقد كان قبل وجود المئة مستغنيا
فالآن وجد مئة وظن أنه صار بها غنيا وقد صار محتاجا إلى
تسع مئة أخرى يشتري دارا يعمرها وجارية وأثاثا وثيابا
فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به وكل ذلك لا آخر
له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم (تتمة) قال شيخنا العارف
بالله الشعراني: اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا
كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه الله
دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح. قال:
وقد ذقنا ذلك فأحب ما إلى يوم يموت ولدي إظهار الرضا
بالقضاء محبة للثواب. وقال النور المرصفي: ما أحد من
الأولياء إلا ويقدم ما فيه رضا الله على نفسه فأحب ما إليه
يوم موت ولده الصالح. بلغنا أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين
سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك فقيل له فيه فقال:
إن الله أحب أمرا فأحببته ثم إن ذا لا يعارضه خبر البخاري
أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده لأن فضل التقلل من الدنيا
والولد يختلف باختلاف الأشخاص كما يشير إليه الخبر القدسي
" إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إلخ " فمن الناس من
يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر ومنهم من لا
يخاف عليه كحديث أنس وحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح
فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما
[ص:130] يصلحه ويليق به فسقط قول الداودي هذا الحديث باطل
إذ كيف يصح وهو صلى الله عليه وسلم يحث على النكاح والتماس
الولد وكيف يدعو لخادمه أنس بما كرهه لغيره <تنبيه> قال
الغزالي: من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها فكان
له ألف محبوب فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه
يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته على خطر المصيبة
بالفقر والهلاك. وحمل إلى ملك قدح مرصع بجوهر لا نظير له
ففرح به وبعض الحكماء عنده فقال: كيف ترى فقال: أراه مصيبة
إن انكسر أو فقر كان مصيبة وإن سرق كنت فقيرا إليه وقد كنت
قبل حمله إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر
فأسف الملك وقال ليته لم يحمل إلينا
(هـ عن عمرو بن غيلان) بن سلمة (النقفي) قال الحافظ ابن
حجر مختلف في صحبته. قال المؤلف في فتاويه وبقية رجاله
ثقات (طب عن معاذ بن جبل) قال الهيثمي وفيه عمرو بن واقد
وهو متروك انتهى وسبقه في الميزان فقال عمرو بن واقد قال
البخاري منكر الحديث والدارقطني متروك والنسائي يكذب ثم
ساق من مناكيره أخبارا هذا منها
(2/129)
1500 - (اللهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا
إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين
(فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم
وخاطر منشرح ولا ينهمك في شيء من قضائك ويعلم أنه ما من
شيء قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك
(وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب
عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد
أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر
له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على
وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب
إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه
عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه
عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له
وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن. <تنبيه> قال في
الحكم: ورود الفاقات أعياد المريدين الفاقات بسط المواهب
إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك {إنما
الصدقات للفقراء} تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه تحقق بذلك
يمدك بعزه تحقق بعجزك يمدك بقدرته تحقق بضعفك يمدك بحوله
(طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي رجاله ثقات
(2/130)
1501 - (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر)
أي الدوام على الدين والاستقامة بدليل خبر أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول ثبت قلبي على دينك أراد
الثبات عند الاحتضار أو السؤال بدليل خبر أنه كان إذا دفن
الميت قال سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ولا مانع من
إرادة الكل. ولهذا قال الوالي: الثبات التمكن في الموضع
الذي شأنه الاستزلال وأسألك عزيمة الرشد وفي رواية العزيمة
على الرشد قال الحرالي: وهو حسن التصرف في الأمر والإقامة
عليه بحسب ما يثبت ويدوم. وقال الطيبي: العزيمة عقد القلب
على إمضاء الأمر وقال غيره: العزيمة القصد الجازم المتصل
بالفعل وقيل استجماع قوى الإرادة على الفعل والمكلف قد
يعرف الرشد ولا عزم له عليه فلذلك سأله قال الطيبي: فإن
قلت من حق الظاهر أن يقدم العزيمة على الثبات لأن قصد
القلب مقدم على الفعل والثبات عليه (قلت) تقديمه إشارة إلى
أنه المقصود بالذات لأن الغايات مقدمة في الرتبة وإن كانت
مؤخرة في الوجود (وأسألك شكر نعمتك) [ص:131] أي التوفيق
لشكر إنعامك (وحسن عبادتك) أي التوفيق لإيقاع العبادة على
الوجه الحسن المرضي شرعا (وأسألك لسانا صادقا) أي محفوظا
من الكذب وفي رواية قلبا سليما أي خاليا من العقائد
الفاسدة والميل إلى اللذات والشهوات العاجلة ويتبع ذلك
الأعمال الصالحة إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في
الجوارح كما أن صحة البدن عبارة عن حصول ما ينبغي عن
استقامة المزاج والتركيب والاتصال ومرضه عبارة عن زوال
أحدها (وقلبا حليما) بحيث لا يقلق ولا يضطرب عند هيجان نار
الغضب وغيره من النوازل (وأعوذ بك من شر ما تعلم) أي ما
تعلمه أنت ولا أعلمه أنا (وأسألك من خير ما تعلم) قال
الطيبي: وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف ومن يجوز
كونها زائدة أو بيانية والمبين محذوف أي أسألك شيئا هو خير
ما تعلم أو تبعيضة سأله إظهارا لهضم النفس وأنه لا يستحق
إلا قليلا من الخير وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر
وطلب كل خير وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم
بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار فقال (وأستغفرك مما
تعلم) أي أطلب منك أن تغفر لي ما علمته مني من تقصير وإن
لم أحط به علما (إنك أنت علام الغيوب) أي الأشياء الخفية
الذي لا ينفذ فيها ابتداء الأعم اللطيف الخبير وفي بعض
الروايات قيل يا رسول الله أنستغفر مما لا نعلم قال وما
يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمة يقلبه كيف يشاء
والله يقول {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}
(ت ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه قال
الحافظ العراقي: قلت بل هو منقطع وضعيف
(2/130)
1502 - (اللهم لك أسلمت وبك آمنت) أي لك
انقدت وبك صدقت. قال النووي: فيه إشارة إلى الفرق بين
الإسلام والإيمان (وعليك توكلت) أي عليك لا على غيرك
اعتمدت في تفويض أموري (وإليك أنبت) أي رجعت وأقبلت بهمتي
(وبك خاصمت) أي بك أحتج وأدفع وأخاصم (اللهم) إني أعوذ
بعزتك أي بقوة سلطانك (لا إله إلا أنت أن تضلني) أي تهلكني
بعدم التوفيق المرشاد والتوفيق على طرق الهداية والسداد
وفي الصحاح ضل الشيء ضاع وهلك وضله إذا لم يوفقه للرشاد
انتهى وكلمة التهليل معترضة (أنت الحي القيوم) أي الدائم
القائم بتدبير الخلق (الذي لا يموت) بلفظ الغائب للأكثر
وفي بعض الروايات بلفظ الخطاب أي الحي الحياة الحقيقية
التي لا يجامعها الموت بحال (والجن والإنس يموتون) عند
تقضي آجالهم وكلمة تضلني متعلقة بأعوذ أي من أن تضلني
وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة واستغنى عن ذكر عائد
الموصول لأن نفس المخاطب هو المرجوع إليه ليحصل الارتباط
ومثله أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولا حجة فيه لمن استدل به
على عدم موت الملائكة لأنه مفهوم لقب ولا عبرة به وعلى
تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله {كل شيء هالك
إلا وجهه} مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن بجامع ما
بينهم من الاجتنان عن عيون الناس والحياة حقيقة في القوة
الحاسة أو ما يقتضيها وبه سمي الإنسان حيوانا مجازا في
القوة النامية لأنها من طلائعها ومقدماتها وفيما يخص
الإنسان من الفضائل كالعلم والعقل والإيمان من حيث أنها
كمالاتها ومتمماتها والموت بإزائها وإذا وصف بها البارىء
أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة
فينا أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة
(م) في الدعوات (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن هذا من
مفردات [ص:132] مسلم عن صاحبه وليس كذلك فقد رواه البخاري
في التوحيد عن ابن عباس
(2/131)
1503 - (اللهم لك الحمد كالذي نقول) بالنون
أي كالذي نحمدك به من المحامد (وخيرا مما نقول) بالنون أي
مما حمدت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك سبحانك
لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (اللهم لك) لا
لغيرك (صلاتي ونسكي) عبادتي أو ذبائحي في الحج والعمرة ونص
عليه لأن ذبائح الجاهلية كانت بأسماء أصنامهم (ومحياي)
حياتي (ومماتي) موتي أي لك ما فيها من سائر أعمالي
والجمهور على فتح ياء محياي وسكون ياء مماتي ويجوز الفتح
والإسكان فيهما (وإليك مآبي) أي منقلبي ومرجعي (ولك رب
تراثي) بتاء ومثلثة ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وتاؤه
بدل من واو فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أنه ما
يورث وأن ما يخلفه غيره لورثته يخلفه هو صدقة لله سبحانه
وفي الخبر إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما نركناه فهو صدقة
(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) استعاذ منه لأنه أول
منزل من منازل الآخرة فسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم
يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه (ووسوسة الصدر) أي حديث
النفس بما لا ينبغي وأضافها للصدر لأن الوسوسة في القلوب
التي في الصدور (وشتات الأمر) أي تفرقته وتشعبه وفي الصحاح
أمر شتت بالفتح أي متفرق وقال الزمخشري: تقول فرقهم البين
المشتت وتفرقوا شتتا وأشتاتا
(اللهم إني أسألك من خير ما تجىء به الرياح وأعوذ بك من شر
ما تجىء به الريح) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة
وتعوذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به
الأسلوب في كلام علام الغيوب قال الزمخشري: وعين الريح واو
لقولهم أرواح ورويحة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من
رياح ويصدقه مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص
العذاب
(ت هب عن علي) أمير المؤمنين قال كان أكثر ما دعا به رسول
الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم إلى
آخره قال أعني الترمذي وليس إسناده بقوي
(2/132)
1504 - (اللهم عافني في جسدي) أي سلمني من
المكاره فيه لئلا يشغلني شاغل أو يعوقني عائق عن كمال
القيام بعبادتك (وعافني في بصري) كذلك (واجعله الوارث مني)
بأن يلازمني حتى عند الموت لزوم الوارث لمورثه (لا إله إلا
الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله
رب العالمين) أي الوصف بجميع صفات الكمال وسائر نعوت
الجمال لله وحده على كل حال
(ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في الدعوات قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول فذكرته
(2/132)
1505 - (اللهم اقسم لنا) أي اجعل لنا قسمة
ونصيبا (من خشيتك) أي خوفك والخشية الخوف أو خوف مقترن
بتعظيم (ما يحول) أي يحجب ويمنع (بيننا وبين معاصيك) لأن
القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب
المعاصي وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي فإذا قل
الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من [ص:133] علامة الشقاء
ومن ثم قالوا المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد
الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد
الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل
والبدن والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله (ومن طاعتك
ما تبلغنا به جنتك) أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة
وحدها مبلغة بدليل خبر: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله
برحمته (ومن اليقين) أي وارزقنا من اليقين بك وبأنه لا راد
لقضائك وقدرك (ما يهون) أي يسهل (علينا مصائب الدنيا) بأن
نعلم أن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة
وأنك لا تفعل بالعبد شيئا إلا وفيه صلاحه (ومتعنا بأسماعنا
وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) قال
القاضي: الضمير في اجعل للمصدر اجعل الجعل والوارث هو
المفعول الأول ومنا في محل المفعول الثاني بمعنى اجعل
الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع
ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو
محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول
ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار
والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى
وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا
على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب
ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك
ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من
عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في
دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد
سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك
سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر
المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع
معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل
ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي
لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين
علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر
والنار وغيرهما ذكره كله القاضي. قال الطيبي: فإن قلت بين
لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت
أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من
ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا
علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار
فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل
الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما
لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك
بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك
بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك
الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة
ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن
بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض
الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته
بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا
(ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن
عمر) بن الخطاب قال:: قلما كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث
حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن
زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح
(2/132)
1506 - (اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل
بمقتضاه خالصا لوجهك (وعلمني ما ينفعني) لأرتقي منه إلى
عمل زائد على ذلك [ص:134] (وزدني علما) مضافا إلى ما
علمتنيه وهذه إشارة إلى طلب المزيد في السير والسلوك إلى
أن يوصله إلى مخدع الوصال وبه ظهر أن العلم وسيلة للعمل
وهما متلازمان ومن ثم قالوا: ما أمر الله رسوله بطلب
الزيادة في شيء إلا في العلم (الحمد لله على كل حال) من
أحوال السراء والضراء وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة
ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو
خير لكم} قال في الحكم: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذاك
لقصور نظره. وقال الغزالي: لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله
فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها قال عمر
رضي الله تعالى عنه: ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها
أربع نعم إذ لم تكن في ديني وإذ لم أحرم الرضا وإذ لم تكن
أعظم وإذ رجوت الثواب عليها. وقال إمام الحرمين: شدائد
الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأنها نعم بالحقيقة
بدليل أنها تعرض العبد لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأغراض
كريمة تتلاشى في جنبها شدائد (وأعوذ بالله من حال أهل
النار) في النار وغيرها. قال الطيبي: وما أحسن موقع الحمد
في هذا المقام ومعنى المزيد فيه {ولئن شكرتم لأزيدنكم}
وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلى النار تلميحا إلى
القطيعة والبعد وهذا الدعاء من جوامع الكلم التي لا مطمح
وراءها
(ت) في الدعوات (هـ) في السنة والدعاء (ك) في الأدعية (عن
أبي هريرة) وقال الترمذي غريب. قال المناوي: وفيه موسى بن
عبيدة عن محمد بن ثابت عن الزهري وموسى ضعفه النسائي وغيره
ومحمد بن ثابت لم يروه عنه غير موسى (هـ) قال الذهبي مجهول
(2/133)
1507 - (اللهم اجعلني أعظم شكرك) أي وفقني
لإكثاره لأكون قائما بما وجب علي من شكر نعمائك التي لا
تحصى (وأكثر ذكرك) القلبي واللساني (وأتبع نصيحتك) بامتثال
ما يقربني إلى رضاك ويبعدني عن غضبك (وأحفظ وصيتك)
بالمداومة على فعل المأمورات وتجنب المنهيات أو المذكورة
في قوله تعالى {ولقد وصينا اللذين أوتوا الكتاب من قبلكم
وإياكم} الآية فإنها للأولين والآخرين وهي التقوى أو
بالتسليم لله العظيم في جميع الأمور والرضا بالمقدور على
ممر الدهور
(ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد من طريق أبي سعيد
المدني قال الهيثمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات
(2/134)
1508 - (اللهم إني أسألك) أطلب منك (وأتوجه
إليك بنبيك محمد) صرح باسمه مع ورود النهي عنه تواضعا لكون
التعليم من جهته (نبي الرحمة) أي المبعوث رحمة للعالمين
(يا محمد إني توجهت بك) أي استشفعت بك (إلى ربي) قال
الطيبي: الباء في بك للاستعانة وقوله إني توجهت بك بعد
قولك أتوجه إليك فيه معنى قوله تعالى {من ذا الذي يشفع
عنده إلا بإذنه} (في حاجتي هذه لتقضى لي) أي ليقضيها ربي
لي بشفاعته سأل الله أولا أن يأذن لنبيه أن يشفع له ثم
أقبل على النبي ملتمسا شفاعته له ثم كر مقبلا على ربه أن
يقبل شفاعته والباء في بنبيك للتعدية وفي بل للاستعانة
وقوله (اللهم فشفعه في) أي اقبل شفاعته في حقي ولتقضى عطف
على أتوجه إليك بنبيك أي اجعله شفيعا لي فشفعه وقوله اللهم
معترضة وما ذكر من أن سياق الحديث هو هكذا هو ما في نسخ
الكتاب ووجهه ظاهر وفي المشكاة كأصلها لتقضي لي حاجتي
وعليه قال الطيبي: إن قلت ما معنى لي وفي؟ قلت معنى لي كما
في قوله تعالى {رب اشرح لي صدري} أجمل أولا ثم فصل ليكون
أوقع في النفس ومعنى في كما في قول الشاعر:. . . يجرح في
عراقيبها نصلي. . . أي أوقع القضاء في حاجتي واجعلها مكانا
له ونظير الحديث قوله تعالى {وأصلح لي في ذريتي} انتهى.
قال ابن عبد السلام: ينبغي كون هذا مقصورا على [ص:135]
النبي لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من
الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن
يكون مما خص به تنبيها على علو رتبته وسمو مرتبته. قال
السبكي: ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه
ولم ينكر ذلك أحد من السلف (1) ولا من الخلف حتى جاء ابن
تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم
يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثله انتهى وفي
الخصائص يجوز أن يقسم على الله وليس به ذلك لأحد ذكره ابن
عبد السلام لكن روى القشيري عن معروف الكرخي أنه قال
لتلامذته إذا كان لكم إلى الله حاجة فأقسموا عليه به فإني
الواسطة بينكم وبينه الآن وذلك بحكم الوراثة عن المصطفى
صلى الله عليه وسلم
(ت هـ ك عن عثمان بن حنيف) بمهملة ونون مصغر بن وهب
الأنصاري الأوسي المدني شهد أحدا وما بعدها ومسح سواد
العراق وقسط وولى البصرة لعلي وكان من الأشراف قال: إن
رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا الله
أن يعافيني فقال إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت قال
فادعه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء قال
الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) [أما بشأن قوله أنه لم ينكر التوسل أحدا من السلف
فيكفي عليه دليلا رواية الترمذي وابن ماجه والحاكم لهذا
الحديث وحكم الحاكم أنه صحيح على شرط البخاري ومسلم وتلقي
الأمة له بالقبول والتطبيق مئات من السنين دون أي تردد في
ذلك القبول
أما بشأن صحة إمكان استعمال هذا الدعاء على ممر الأجيال
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أجل وأصوب حكم
حول ذلك الأمر (الذي هو من أمور العقيدة) بلا منازع على
الإطلاق هو الصحابي عثمان بن حنيف نفسه حيث قد علمه أيضا
لأحدهم أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه وقضيت حاجته وكان
هذا سببا لرواية الحديث فليتنبه. ولا عبرة لكلام من خالف
الصحابة في أمور العقيدة كانوا من كانوا وإن كان لهم في
أمور أخرى إسهام وفضل كبيرين على الأمة الإسلامية كابن
تيمية رحمه الله وتجاوز عنا وعنه أخطاءنا برحمته آمين. دار
الحديث]
(2/134)
1509 - (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن
شر بصري ومن شر لساني) أي نطقي فإن أكثر الخطايا منه وهو
الذي يورد المرء في المهالك وخص هذه الجوارح لما أنها مناط
الشهوة ومثار اللذة (ومن شر قلبي) يعني نفسي والنفس مجمع
الشهوات والمفاسد بحب الدنيا والرهبة من الخلق وخوف فوت
الرزق والأمراض القلبية من نحو حسد وحقد وطلب رفعة وغير
ذلك (ومن شر منيي) من شر شدة الغلمة وسطوة الشهوة إلى
الجماع الذي إذا أفرط ربما أوقع في الزنا أو مقدماته لا
محالة فهو حقيق بالاستعاذة من شره وخص هذه الأشياء
بالاستعاذة لأنها أصل كل شر وقاعدته ومنبعه كما تقرر
(د) وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه كلام المصنف من تفرد ابن
داود عن السنة (ك) كلهم (عن شكل) بشين معجمة وكاف مفتوحتين
ابن حميد العبسي له صحبة ولم يرو عنه إلا ابنه. قال
البغوي: ولا أعلم له غير هذا الحديث قال شكل قلت يا رسول
الله علمني تعوذا أتعوذ به فأخذ بكفي فذكره قال الترمذي
حسن غريب
(2/135)
1510 - (اللهم عافني في بدني) من الأسقام
والآلام (اللهم عافني في سمعي) أي القوة المودعة في
الجارحة وإرادة الاستماع بعيدة (اللهم عافني في بصري)
خصهما بالذكر بعد ذكر البدن لأن العين هي التي تنظر آيات
الله المثبتة في الآفاق والسمع يعني الآيات المنزلة فهما
جامعان لدرك الآيات العقلية والنقلية وإليه سر قوله في
حديث آخر اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا (اللهم إني أعوذ
بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا
إله إلا أنت) فلا يستعاذ من جميع المخاوف والشدائد إلا بك
أنت والقصد باستعاذته من الكفر مع استحالته من المعصوم أن
يقتدي به في أصل الدعاء وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر
إليه
(د ك عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم
والليلة وقال أعني النسائي فيه جعفر بن ميمون ليس بقوي
(2/135)
1511 - (اللهم إني أسألك عيشة) بكسر العين
حياة (نقية) أي زكية راضية مرضية (وميتة) بكسر الميم وسكون
التحتية وهي [ص:136] حالة الموت (سوية) بفتح فكسر مشددا أي
معتدلة فلا أرد إلى أرذل العمر ولا أقاسي مشاق الهرم وفي
الصحاح استوى اعتدل واستوى الرجل انتهى شبابه. وقال
الزمخشري رحمه الله: تقول رزقك الله ولدا سويا لا داء به
ولا عيب و {مكانا سوى} وسط بين الحديث (ومردا غير مخز) بضم
الميم وبالزاي أي مرتجعا إلى الآخرة غير مخز بضم فسكون وفي
رواية مخزي بإثبات الياء المشددة أي غير مذل ولا موقع في
بلاء. قال الزمخشري: تقول ارتد هبته ارتجعها وخزي خزيا
ومخزاه ذل (ولا فاضح) أي كاشف للمساوي والعيوب وفي الصحاح
فضحه كشف مساويه. وقال الزمخشري: تقول إذا كان العذر واضحا
كان العتاب فاضحا وهذا الدعاء قطعة من دعائه يومي العبد
كما رواه الطبراني عن ابن مسعود
(البزار) في مسنده واللفظ له (طب ك) من حديث خلاد بن يزيد
الجعفي عن شريك عن الأعمش عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به قال الحاكم على
شرط مسلم وتعقبه الذهبي فقال: خلاد ثقة لكن شريك ليس بحجة
انتهى. قال الهيثمي: إسناد الطبراني جيد
(2/135)
1512 - (اللهم إن قلوبنا وجوارحنا بيدك) أي
في تصرفك تقلبها كيف تشاء (لم تملكنا منها شيئا فإذا) وفي
نسخ فإن بالنون (فعلت ذلك بهما فكن أنت وليهما) أي متوليا
حفظهما وتصريفهما المتصرف فيهما في مرضاتك وإبعادهما عن
مواقع سخطك ومهالك مخالفتك
(حل عن جابر)
(2/136)
1513 - (اللهم اجعل لي في قلبي نورا) أي
عظيما كما يفيده التنكير ويدل له خبر إذا سأل أحدكم ربه
فليعظم المسألة (وفي لساني) يعني نطقي (نورا) استعارة
للعلم والهداية فهو على وزان {فهو على نور من ربه} {وجعلنا
له نورا يمشي به في الناس} (وفي بصري نورا) ليتحلى بأنوار
المعارف وتتجلى له صفوف الحقائق فهو راجع إلى البيان
والهداية {يهدي الله لنوره من يشاء} (وفي سمعي نورا) ليصير
مظهرا لكل مسموع ومدركا لكل كمال لا مقطوع ولا ممنوع وخص
القلب والسمع والبصر بنفي الظرفية لأن القلب مقر الفكر في
آلاء الله ونعمائه ومكانها ومعدنها والبصر مسارح آيات الله
المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ومحلها والأسماع
مراسي ألواح وحي الله ومحط آياته المنزلة على أوليائه (وعن
يميني نورا وعن يساري نورا) خصهما بعن إيذانا بتجاوز
الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من
اتباعه (ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن أمامي نورا ومن
خلفي نورا) لأكون محفوفا بالنور من سائر الجهات فكأنه سأل
أن يزج به في النور زجا لتتلاشى عنه الظلمات وتنكشف له
المعلومات ويشاهد بكل جارحة منه بسائر المبصرات. وقال
الأكمل: النور الذي عن يمينه هو المريد له والذي عن يساره
نور الوقاية والذي خلفه الذي يسعى بين يديه اتباعه والذي
فوقه تنزل روحي إلهي بعلم غريب لم يسبقه خبر ولا نظر يعطيه
نظر وهو الذي يعطى من العلم بالله ما لا ترده الأدلة
العقلية إذا لم يكن لها إيماني نوراني (واجعل لي في نفسي
نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار
السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجزل من عطائك نورا
عظيما لا يكتنه كنهه [ص:137] لأكون دائم السير والترقي في
درجات المعارف فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره ولا
يضل سبيله فالقصد طلب مزيد النور ليدوم السير ويتضاعف
الترقي وقيل أراد نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي
ذكرها وغيرها كأنوار الأسماء الإلهية وأنوار الأرواح وقال
الطيبي رحمه الله معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن
يتحلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن الظلمة الجهالة
والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان رأى أنه قد أحاطت به
خطيئة ظلمات الحيلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة
الثائرة من ميزان الشهوات من جوانبه ورأى الشيطان يأتيه من
الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض لم ير
للتخليص منها مساغا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله
أن يمده بها ليستأصل مسافة تلك الظلمات إرشادا للأمة
وتعليما لهم وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وضياء
للحق وإلى مطالع هذه الأنوار قوله {الله نور السماوات
والأرض - إلى قوله - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}
وإلى أودية تلك الظلمات تلمح قوله {أو كظلمات في بحر لجي -
إلى قوله - ظلمات بعضها فوق بعض} وقوله {ومن لم يجعل الله
له نورا فما له من نور} اللهم إنا نعوذ بك من شر تلك
الظلمات ونسألك هذه الأنوار
(حم ق عن ابن عباس)
(2/136)
1514 - (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة
أمري) أي الذي هو حافظ لجميع أموري فإن من فسد دسنه فسدت
جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي
التي فيها معاشي) أي بإعطاء الكفاف فيما يحتاج غليه وكونه
حلالا معينا على الطاعة (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي)
أي ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ذكره ابن
الأثير قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة صلاح الدنيا
والدين والمعاد وهي أصول مكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها
فاستقى في هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي
حلت في الأولين بداياتها وتمت عند غاياتها فإصلاح الدين
بالتوفيق لإظهار خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه
وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لعرض النفس
والبدن إلا بالتطهر منه واستعمال الحلال الذي تصلح النفس
والبدن عليه لموافقته لتقويتها وإصلاح المعاد بخوف الزجر
والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن
حسناها وخوف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناها
والمقصود بالزجر والنهي الردع عما يضر في المعاد إلا أن
الردع على وجهين خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق
البهائم وخطاب المعتل على التفهم ويسمى نهيا فكان الزجر
يزيغ الطبع والنهي يزيغ العقل انتهى (واجعل الحياة زيادة
لي في كل خير) أي اجعل حياتي زيادة سبب طاعتي (واجعل الموت
راحة لي من كل شر) أي اجعل موتي سبب خلاصي من مشقة الدنيا
والتخلص من غمومها وهمومها لحصول الراحة. قال الطيبي: وهذا
الدعاء من جوامع الكلم
(م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري
(2/137)
1515 - (اللهم إني أسألك الهدى) أي الهداية
إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم والتقى الخوف
من الله والحذر من مخالفته والعفاف الصيانة عن مطامع
الدنيا والغنى غنى النفس والاستغناء عن الناس. قال الطيبي:
أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهدى إليه من
أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكلما يجب أن يتقى منه
من شرك ومعصية وخلق ديني
(م ت هـ) كلهم في الدعوات (عن ابن مسعود) ولم يخرجه
البخاري
(2/137)
1516 - (اللهم استر عورتي) أي ما يسوؤني
إظهاره (وآمن روعتي) خوفي وفزعي (واقض عني ديني) بأن
تقدرني على وفائه والقضاء لغة على وجوه ترجع إلى انقضاء
[ص:138] الشيء وتمامه
(طب عن خباب) بن الأرت الخزاعي التميمي من السابقين
الأولين سبي في الجاهلية فبيع بمكة قال الهيثمي وفيه من لم
أعرفه
(2/137)
1517 - (اللهم اجعل حبك) أي حبي لك (أحب
الأشياء إلي) وذلك يستلزم الترقي في مدارج معرفة الحق
ومطالعة كمال جماله فكلما ازدادت المعرفة تضاعفت الأحبية
(واجعل خشيتك) خوفي منك المقترن بكمال التعظيم (أخوف
الأشياء عندي) بأن تكشف لي من صفات الجمال ما يستلزم كمال
الخوف (واقطع عني حاجات الدنيا) أي امنعها وادفعها (بالشوق
إلى لقائك) أي بسبب حصول الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم
الذي هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن
منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم بالله
أشدهم له شوقا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم طويل
الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى
منزله وأقربهم قربا وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب روي
عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء
فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق (1) قميصه من شدة
الشوق. قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه
والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة
الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها
على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة
خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق
للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه
وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك
على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو
ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة
بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى الله
عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات
الحسية شتان ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو علم
الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف (وإذا
أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم) أي فرحتهم بما أتيتهم
منها. قال الزمخشري: من المجاز قرت عينه وأقر الله بها
عينه ويقر بعيني أن أراك وهو في قرة من العيش في رغد وطيب
(فأقر عيني من عبادتك) أي فرحني بها وذلك لأن المستبشر
الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد والباكي جزعا يخرج من عينيه
ماء سخن من كبده. قال الحليمي: هذا قاله تذللا وإشفاقا على
نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال عن طاعة الرحمن وهو
معصوم من ذلك لكن الكل يغلب عليهم مقام الخوف
(حل عن الهيثم بن مالك الطائي) أي محمد الشامي الأعمى
_________
(1) هذا لا يتفق مع جلالة سيدنا موسى عليه السلام فتدبر
(2/138)
1518 - (اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين)
قالوا يا رسول الله وما الأعميان قال (السيل والبعير
الصؤول) فعول من الصيول وهي الحملة والوثبة والعمى عدم
البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة قال ابن
الأثير: سماها أعميين لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في
أمره وأنهما إذا وقعا لا يتقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا
كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك فهو يمشي حيث أدته رجله
(طب) من حديث عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه (عن) أمه (عائشة
بنت القدامة) بن مظعون الجمحية قال الهيثمي فيه عبد الرحمن
بن عثمان الحاطبي وهو ضعيف وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه
فقال ضعيف يهولني كثرة ما يسند
(2/138)
[ص:139] 1519 - (اللهم إني أسألك الصحة) أي
العافية من الأمراض والعاهات والصحة ذهاب المرض كما في
القاموس وهذه رواية الطبراني ورواية البزار العصمة بدل
الصحة فما أوهمه المصنف من تطابقهما على اللفظ المزبور غير
صواب (والعفة) عن المحرمات والمكروهات وما يخل بكمال
المروءة (والأمانة) ضد الخيانة (وحسن الخلق) بضم اللام أي
مع الخلق (والرضا بالقدر) أي مما قدرته علي في الأزل وهذا
تعليم لأمته وتمرين للنفس على الرضا بالقضاء وذلك لأمرين:
الأول أن يتفرغ العبد للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء
يكون مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا
يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء من هذه الهموم كيف يتفرغ
للعبادة إذ ليس له إلا قلب واحد وقد امتلأ من الهموم وما
كان وما يكون فأي محل فيه لذكر العبادة وفكر الآخرة ولقد
صدق شقيق في قوله حسرة الأمور الماضية وتدبير الآتية ذهبت
ببركة الساعات. الثاني خطر ما في السخط من مقت الله وغضبه
مع أنه لا فائدة لذلك إذ القضاء نافذ ولا بد منه رضى العبد
أم سخط
(البزار) في مسنده (طب عن ابن عمرو) وقال الهيثمي فيه عبد
الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف الحديث وبقية رجال أحد
الإسنادين رجال الصحيح
(2/139)
1520 - (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء)
أي القبح والفحش أو يوم المصيبة أو نزول البلاء أو يوم
الغفلة بعد المعرفة (ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن
صاحب السوء) مفرد الصحابة بفتح الصاد ولم يجمع فاعل على
فعالة إلا هذا (ومن جار السوء في دار المقامة) زاد في
رواية فإن جار البادية يتحول والمقامة بالضم الإقامة كما
في الصحاح قال: وقد تكون بمعنى القيام لأنك إذا جعلته من
قام يقوم فمفتوح أو من أقام يقيم فمضموم وقوله تعالى {لا
مقام لكم} أي لا موضع لكم وقرىء {لا مقام لكم} بالضم أي لا
إقامة لكم انتهى وفي المصباح أقام بالموضع إقامة اتخذه
موطنا
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي رجاله ثقات وأعاده في
موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت وهو ثقة
(2/139)
1521 - (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي
بما يرضيك عما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة
حرمة محبوبة فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله
(وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه
لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق
غيره (وأعوذ بك منك) أي برحمتك من عقوبتك فإن ما يستعاذ
منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذي سبب
الأسباب الذي يستفاد به منها خلقا وكونا وهو الذي يعيذ
منها ويدفع شرها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذي
حرك الأنفس والأبدان وأعطاها قوى التأثير وهو الذي أوجدها
وأعدها وأمدها وهو الذي يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين
قواها وتأثيرها فتأمل ما تحت قوله أعوذ بك منك من محضر
التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وتكميل التوكل عليه
وإفراده بالاستعانة وغيرها (لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة
نعمة واحدة من نعمك {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حق
الثناء عليه تعالى (أنت كما أثنيت على نفسك) بقولك {فلله
الحمد رب السماوات [ص:140] ورب الأرض رب العالمين} وغير
ذلك مما حمدت به نفسك به وهذا اعتراف بالعجز عن التفصيل
وأنه غير مقدور فوكله إليه سبحانه وكما أنه لا نهاية
لصفاته لا نهاية للثناء عليه إذ الثناء تابع للمثنى عليه
فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله
أعظم وسلطانه أعز وصفاته أجل ذكره القاضي. وقال الغزالي:
وقوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك صفتان
مبنيتان على مشاهدة الأفعال ومصادرها منه تعالى فقط فكأنه
لم ير إلا الله وأفعاله بفعله من فعله ثم رأى ذلك نقصا في
التوحيد فاقترب ودنا عن مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة
الذات فقال أعوذ منك وهذا إقرار منه إليه من غير رؤية فعل
وصفة بل رأى نفسه فارا منه إليه ففني عن مشاهدة نفسه ثم
اقترب فقال أنت إلى آخره فقوله لا أحصي خبر عن فناء نفسه
وخروجه عن مشاهدته وقوله أنت كما أثنيت إلى آخره بيان
لكونه هو المثني والمثنى عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود
وكل شيء هالك إلا وجهه فكان أول مقامه نهاية مقام الموحدين
وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله
(م 4) ولم يخرجه البخاري (عن عائشة) قالت: فقدت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على
بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول ذلك
(2/139)
1522 - (اللهم لك الحمد شكرا) على نعمائك
التي لا تتناهى (ولك المن فضلا) أي زيادة وهذا قاله حين
بعث بعثا من الأنصار وقال إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله
علي في ذلك شكرا فلم يلبثوا أن جاؤوا وغنموا وسلموا فقيل
له سمعناك تقول إن سلمهم الله وغنمهم فلله علي شكر قال قد
فعلت قلت اللهم لك الحمد إلى آخره. فرح المصطفى صلى الله
عليه وسلم بذلك وشكره عليه ليس من حيث حصول الغنيمة التي
هي نعمة ولا من حيث الإنعام بل من حيث المنعم وعنايته به
وإقداره على التوصل إلى القرب وهذا كان حال المصطفى لا
يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويحزن بكل نعمة
تلهيه عن ذكر الله وتصده عن سبيله لأنه لا يريد النعمة
لكونها لذيذة ملائمة بل من حيث إعانتها على الآخرة ولذلك
قال الشبلي: الشكر رؤية المنعم له النعمة والقلب لا يلتذ
حال الصحة إلا بذكر الله ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره
إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما
يجد المريض الحلو مرا والعمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة
المنعم يتعلق بالقلب بأن يضمر الخير لكافة الخلق وباللسان
بأن يظهر الشكر بالتحميد والجوارح باستعمال نعم الله في
طاعته
(طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم الأنصاري
المدني. قال الهيثمي: فيه سليمان بن سالم المدني وهو ضعيف
وذكره في محل آخر وقال فيه عبد الله بن شبيب متهم ذو
مناكير
(2/140)
1523 - (اللهم إني أسألك التوفيق) الذي هو
خلق قدرة الطاعة (لمحابك) بالتشديد أي ما تحبه وترضاه (من
الأعمال) الصالحة لأترقى في الأفضل فالأفضل منها وتروم إلى
المراقبة والإقبال قال بعض العارفين: من أقبل على الله ألف
سنة وعقل عنه سنة كان ما فاته أكثر مما ناله لأن من حصل له
الوصول نال غاية المقصود فلم يفته شيء ومن فاته المقصود
المعبود فاته كل شيء (وصدق التوكل عليك) أي إخلاصه
ومطابقته للواقع من الأعمال (وحسن الظن بك) أي يقينا جازما
يكون سببا لحسن الظن بك لقوله أنا عند ظن عبدي بي انظر إلى
هذه الثلاث المسؤولة كيف يشبه بعضها بعضا فكأنه نظام واحد
سأله التوفيق لمحابه ومحابه في الغيب لا تدري فربما كان
محابه في شيء هو الظاهر دون غيره فإذا استقبل النفس به
واحتاج إلى إيثاره على ما هو في الظاهر أعلا تردد في النفس
سؤاله وصدق التوكل والتوكل هو التفويض إليه واتخاذه وكيلا
في سائر أموره فسأله صدق ذلك وصدقه أنه إذا استقبلك أمر هو
عندك أدون فوفقك لهذا الأدون وهو مختاره أن لا تتردد فيه
وتمر فيه مسرعا ثم قال أسألك حسن الظن بك فإن النفس إذا
دخلت في الأدون دخل سوء الظن من قبلها تقول لعلي مخذول
فيها فسأله حسن الظن حتى لا تأخذه الحيرة من ربه فيخاف
الخذلان
(حل) عن محمد بن نصر الحارثي من حديث حسين [ص:141] الجعفي
عن يحيى بن عمر (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تابعي
ثقة جليل (مرسلا) ثم قال لم يروه عن الأوزاعي فيما أعلم
إلا محمد بن النضر ولا عنه إلا يحيى تفرد به الحسن (الحكيم
عن أبي هريرة) قال أعني الحكيم وهذا باب غامض يخفى على
الصادقين وإنما ينكشف للصديقين انتهى وفيه عمر بن عمرو
وفيه كلام
(2/140)
1524 - (اللهم افتح مسامع قلبي) أي آذانه
جمع مسمع كمنبر الأذن كما في الصحاح (لذكرك) ليدرك لذة ما
نطق به كل لسان ذاكر وأن كل قلب لم يدرك لذة الذكر فهو
كالميت بل الميت خير منه. كان رجل في بني إسرائيل أقبل على
الله ثم أعرض عنه فقال يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فأوحى
إلى نبي ذلك الزمان قل لفلان كم عاقبتك ولم تشعر ألم أسلبك
حلاوة ذكري ولذة مناجاتي (وارزقني طاعتك) أي كمال لزوم
أوامرك (وطاعة رسولك) النبي الأمي الذي أوجبت علينا طاعته
وألزمتنا متابعته (وعملا بكتابك) القرآن أي العمل بما فيه
من الأحكام فإن من وفق لفهم أسراره وصرف إليه عنايته اكتفى
به عن غيره ودله على كل خير وحذره من كل شر وهو الكفيل
بذلك على أتم الوجوه وفيه أسباب الخير والشر مفصلة مبينة
{ما فرطنا في الكتاب من شيء}
(طس) من حديث الحارث الأعور (عن علي) أمير المؤمنين قال
الحارث دخلت على علي بعد العشاء فقال ما جاء بك الساعة قلت
إني أحبك قال الله آلله قلت نعم والله قال ألا أعلمك دعاء
علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم افتح إلى
آخره قال الهيثمي الحارث ضعيف
(2/141)
1525 - (اللهم إني أسألك صحة في إيمان)
يعني في بدني مع تمكن التصديق من قلبي ويحتمل أن معناه
أسألك صحة إيماني أي قوة إيقاني (وإيمانا في حسن خلق)
بالضم أي وأسألك إيمانا يصحبه حسن خلق (ونجاحا) أي حصولا
للمطلوب (يتبعه فلاح) أي فوز ببغية الدنيا والآخرة (ورحمة
منك وعافية) من البلايا والمصائب (ومغفرة منك) أي سترا
للعيوب (ورضوانا) منك يعني فإنه مناط الفوز بخير الدارين
قال الحرالي: وهو بكسر الراء وضمها اسم مبالغة في معنى
الرضا
(طس ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال أوصى رسول الله صلى الله
عليه وسلم سلمان الخير فقال إن رسول الله يريد أن يمنحك
كلمات تسألهن الرحمن ترغب إليه فيهن وتدعو بهن في الليل
والنهار قل اللهم إلى آخره قال الهيثمي رجاله ثقات
(2/141)
1526 - (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك
وأسعدني بتقواك) فإنها سبب كل خير وسعادة في الدارين وقد
أثنى الله في التنزيل على المتقين {وإن تصبروا وتتقوا فإن
ذلك من عزم الأمور} ووعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء
بقوله {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وبالنصر
والتأييد بقوله {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}
وقوله {والله مع المتقين} ولا سعادة أعظم من هذه المعية
(ولا تشقني بمعصيتك) قاله مع كونه معصوما اعترافا بالعجز
وخضوعا لله وتواضعا لعزته وتعليما لأمته (وخر لي في قضائك)
فإنك لا تفعل بي إلا ما هو الأوفق والأصلح لي أي اجعل لي
خير الأمرين فيه. قال الزمخشري: تقول استخرت الله في كذا
فخار لي أي طلبت منه خير الأمرين فاختاره لي (وبارك لي في
قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت) فإن
الخير كله في الرضا والتسليم. قال العارف الشاذلي: [ص:142]
ترددت هل ألزم القفار للطاعة والأذكار أو أرجع إلى الديار
لصحبة الأخيار فوصف لي شيخ برأس جبل فوصلت لغاره ليلا فبت
ببابه فسمعته يقول اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك
ففعلت فرضوا وأنا أسألك عني اعوجاج الخلق حتى لا يكون لي
ملجأ إلا أنت فقلت يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ
فأصبحت فدخلت عليه فأرهبت من هيبته فقلت كيف حالكم فقال
إني أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو من حر
التدبير والاختيار فقلت أما شكواي من حرهما فذقته وأما
شكواي من بردهما فلماذا قال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن
الله تعالى قلت سمعتك الليلة تقول كذا فتبسم وقال عوض ما
تقول سخر لي خلقك قل كن لي تراه إذا كان لك لا يفوتك شيء
فما هذه الجبانة (واجعل غناي في نفسي) فإن الغنى بالحقيقة
إنما هو غنى النفس لا المال (وأمتعني) انفعني زاد في رواية
البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين
وقيل العمرين وانتصر له بحديث هذان السمع والبصر ويبعده ما
في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني)
قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه
(وانصرني) ظفرني (على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وأرني فيه
ثأري) أشار به إلى قوة المخالفين وحث على تصحيح الالتجاء
وصدق الرغبة هذا عصارة ما قرره محققوا أهل الظاهر وقال بعض
الصوفية: المتعة بالبصر استعماله فيما له ركب في العين
فإنه تعالى جعله في الجسد بمكان عال ومحل رفيع ألا ترى أنه
جاء في حديث إن العبد يؤخذ منه يوم القيامة بنعمة البصر
فيستفرغ حسناته وتبقى سائر النعم عليه مع السعة ومن رفيع
درجة البصر إلى جميع الجوارح أنه ينظر إلى الله في داره
يوم الزيادة وبه ينظر إلى الغير في الدنيا فالعين قالب
البصر والبصر من نور الروح والروح مسكنه الدماغ ثم بث في
جميع البدن بشرا وشعرا فالروح نور والعقل نور والمعرفة نور
ولكل نور بصر وبصر القلب متصل ببصر الروح ولطاقة الروح ما
دق منه وصفاه وهو في العين وإذا نظر ناظر إلى حدقة عين
أبصر تلك اللطافة والرقة في الحدقة في ذلك السواد فتلك
لطافة الروح فالإمتاع بالبصر أن يرى عجائب صنع الله في
تدبيره في الدارين ويرى كل شيء كما خلقه الله فسأله
الإمتاع بسمعه
وبصره ليتقرب إلى الله بما ينظره ويسمعه وسأله أن يجعلهما
الوارث منه معناه أن يختم له بالنبوة والتوحيد وأن لا
يسلبه ذلك (وأقر بذلك عيني) أي فرحني بالانتقام منه
(طس عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر
أن يدعو بهذا الدعاء. قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن خيثم
بن عراك وهو متروك
(2/141)
1527 - (اللهم الطف) ارفق (بي في تيسير كل
عسير) أي تسهيل كل صعب شديد (فإن تيسير كل عسير عليك يسير)
فإنك خالق الكل ومقدر الجميع (وأسألك اليسر) أي سهولة
الأمور وحسن انقيادها (والمعافاة في الدنيا والآخرة) قال
الزمخشري: المعافاة أن يعفو الرجل عن الناس وأن يعفوا هم
عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص مفاعلة من العفو وقيل هي أن
يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وقيل يغنيهم عنك ويغنيك
عنهم ويصرف أذاهم عنك وعكسه
(طس عن أبي هريرة) قال لما وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة شيعه وزوده هذه الكلمات.
قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم انتهى وأورده في الميزان في
ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن وقال إسناده مظلم
(2/142)
1528 - (اللهم اعف عني) أي امح ذنوبي (فإنك
عفو كريم) أي فإنك ذو فضل وذو كرم تحب الإفضال والإنعام
والعفو [ص:143] الفضل ومنه {قل العفو} أي الفضل وما لا
يجهد المنفق إنفاقه أصله من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه
ومنه {حتى عفوا} أي كثروا
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال علمني دعاء أصيب به خيرا فقال ادن
فدنا حتى كادت ركبته تمس ركبته فقال قل اللهم إلى آخره.
قال الهيثمي: فيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك
(2/142)
1529 - (اللهم طهر قلبي من النفاق) أي من
إظهار خلاف ما في الباطن وهذا قاله تعليما لغيره كيف يدعو
(وعملي من الرياء) بمثناة تحتية أي حب إطلاع الناس على
عملي (ولساني من الكذب) ونحوه من الغيبة والنميمة زاد في
الإحياء وفرجي من الزنا (وعيني) بالتثنية والإفراد (من
الخيانة) أي النظر إلى ما لا يجوز (فإنك تعلم خائنة
الأعين) مصدر بمعنى الخيانة أي الرمز بها أو النظرة بعد
النظرة أو مسارقة النظر إلى ما نهى عنه أو تقديره الأعين
الخائنة على التقديم (وما تخفي الصدور) أي الوسوسة أو ما
تضمر من أمانة أو خيانة وهذا قاله المصطفى مع أن ذاته
الشريفة جبلت على الطهارة ابتداء ونزعت من قلبه علقة
الشيطان وأعين على شيطانه فأسلم تشريفا من قبيل قوله
{وثيابك فطهر} وكانت ثيابه طاهرة على كل تأويل لكن هذا
مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وهو عليه الصلاة والسلام
المشرع المربي فعمل على ما تقتضيه البشرية <تنبيه> في هذا
الخبر إيماء إلى الحث على تطهير القلوب التي هي محل نظر
الحق. قال القونوي: وطهارة باطن الإنسان أعني قلبه بسبب
قلة التعشقات والتعلقات أو ذهابها ما خلا تعلقه بالحق
وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام
مكانات الوسائط والسلامة من ضرب الأحكام والخواص المنبه
عليها من قبل والمودعة في الأشياء المذكورة وكدورة القلب
والحرمان والحجب ونحوها تكون بالصفة المقابلة لهذه ولكثرة
الأحكام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات
والانصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء
التي هي مظاهر النجاسة المعنوية وكما أن طهارة القلوب مما
ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي فكذا الطهارة الظاهرة الصورية
توجب مزيد الرزق الحسي ومن جمع بين الطهارتين فاز بالرزقين
(الحكيم) في النوادر
(خط) كلاهما (عن أم معبد) بنت خالد (الخزاعية) الكعبية
عاتكة التي نزل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم في
الهجرة قال الحافظ العراقي سنده ضعيف
(2/143)
1530 - (اللهم ارزقني عينين هطالتين) أي
بكايتين ذرافتين بالدموع وقد هطل المطر يهطل إذا تتابع
(يشفيان) أي يداويان (اللهم ارزقني بذروف الدموع) أي
يسيلان الدموع وفي الصحاح ذرف الدمع إذا سال وذرفت عينه
سال دمعها. وقال الزمخشري: سالت مذارف عينه أي مدامعها
وسمعت من يقول رأيت دمعه يتذارف انتهى (من خشيتك) من شدة
خوفك (قبل أن تكون الدموع دما) من هول الموقف وما بعده
(والأضراس) جمع ضرس وهو السن وهو مذكر ما دام له هذا الاسم
لأن الأسنان كلها إناث الأضراس فإن قيل فيه سن فهو مؤنث
(جمرا) من شدة العذاب يوم المآب وهذا إنما يكون محض تعليم
للأمة وأما هو فأعظم الآمنين الفرحين الذين لا خوف عليهم
ولا هم يحزنون
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع
المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم
الرموز وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الكبير وفي الدعاء
وأبو نعيم في الحلية قال الحافظ العراقي وإسناده حسن
(2/143)
[ص:144] 1531 - (اللهم عافني في قدرتك) أي
بقدرتك أو فيما قضيت لي به وقدرت (وأدخلني في جنتك) أي
ابتداء من غير سبق عذاب وفي نسخ بدل جنتك رحمتك (واقض أجلي
في طاعتك) أي اجعل انقضاء أجلي حال كوني ملازما على طاعتك
(واختم لي بخير عملي) فإن الأعمال بخواتيمها (واجعل ثوابه
الجنة) يعني رفع الدرجات فيها وإلا فالدخول بالرحمة لا
بالعمل كما قال: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت
يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته
وفيه أن طلب الجنة لا ينافي الكمال
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين
(2/144)
1532 - (اللهم أغنني بالعلم) أي علم طريق
الآخرة إذ ليس الغنى إلا فيه وهو القطب وعليه المدار فإن
العلم والعبادة جوهران لأجلهما كان كل ما ترى وتسمع من
تصنيف المصنفين وتعليم المعلمين ووعظ الواعظين ونظر
الناظرين بل لأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل بل لأجلهما
خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق {الله الذي خلق
سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن
الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} وكفى
بهذه الآية دليلا على شرف العلم سيما علم معرفة الله
والعلم أشرف الجوهرين وأفضلهما فمن أوتي العلم فهو الغني
بالحقيقة وإن كان فقيرا من المال ومن حرم العلم سيما علم
المعرفة والتوحيد فهو الفقير بالحقيقة وإن كان غنيا بالمال
ولهذا قال:
من عرف الله فلم تغنه. . . معرفة الله فذاك الشقي
(وزيني بالحلم) أي اجعله زينة لي فإنه لا زينة كزينته
(وأكرمني بالتقوى) لأكون من أكرم الناس عليك {إن أكرمكم
عند الله أتقاكم} (وجملني بالعافية) فإنه لا جمال كجمالها
وخص سؤال الأكرم بالتقوى لأنه أساس كل خير وعماد كل فلاح
وسبب لسعادة الدنيا والعقبى ولقد صدق القائل:
من أتقى الله فذاك الذي. . . سبق له المتجر الرابح
وقال عفي عنه:
ما يصنع العبد بغير التقى. . . والعز كل العز للمتقي
وهب أن الإنسان تعب جميع عمره وجاهد وكابد أليس الشأن كله
في القبول {إنما يتقبل الله من المتقين} فمرجع الأمر كله
للتقوى
(ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه
الإمام الرافعي أيضا
(2/144)
1533 - (اللهم إني أسألك من فضلك) أي سعة
جودك (ورحمتك) التي وسعت كل شيء (فإنه لا يملكهما إلا أنت)
أي لا يملك الفضل والرحمة غيرك فإنك مقدرهما ومرسلهما فلا
يطلبان إلا منك
(طس عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية قال
ابن مسعود أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى
أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد فقال اللهم إني أسألك
إلى آخره فأهديت له شاة مصلية فقال هذه من فضل الله ونحن
ننتظر الرحمة انتهى. قال أبو نعيم غريب من حديث مسعر وزبيد
تفرد به زياد البرجمي
(2/144)
1534 - (اللهم حجة) أي أسألك حجة مبرورة
وساقه في الإصابة بلفظ اللهم اجعلها حجة (لا رياء فيها ولا
سمعة) بل تكون خالصة لوجهك الكريم مقاربة إلى حضرة مجدك
العظيم وفيه إبانة لعظيم فضل الحج ورفيع شرفه وذم للرياء
وتقبيح للسمعة وإنما هي في غاية الشناعة كيف وهما محبطان
للعمل موقعان في الخطل والزلل
(هـ عن أنس) قال حج [ص:145] النبي صلى الله تعالى عليه
وعلى آله وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي أربع دراهم أو لا
تساوي ثم قال فذكره وذلك لشدة تواضعه
(2/144)
1535 - (اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر)
أي إنسان يظهر المحبة والوداد وهو في باطن الأمر محتال
مخادع وفي الصحاح المكر الاحتيال والخداع (عيناه ترياني)
أي ينظر إلي بهما نظر الخليل لخليله خداعا ومداهنة (وقلبه
يرعاني) أي يراعي إيذائي وهو له بالمرصاد (إن رأى حسنة) أي
علم مني بفعل حسنة فعلتها (دفنها) أي سترها وغطاها كما
يدفن الميت (وإن رأى سيئة) أي علم مني بفعل سيئة زللت بها
(أذاعها) نشرها وأظهر خبرها بين الناس قيل أراد الأخنس بن
شريق - كان حلو المنطق - إذا لقي المصطفى صلى الله عليه
وآله وسلم ألان له القول وادعى محبته وقال يعلم الله أني
صادق وقيل عامة في المنافقين كانت تحلو له ألسنتهم وقلوبهم
أمر من الصبر وقد أخذ قعنب الشاعر معنى هذا الحديث فنظمه
في قصيدة فقال:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا. . . مني وإن سمعوا من صالح
دفنوا
قال الماوردي: وليس من كان هذا حاله من الخلان بالحقيقة بل
هو من الأعداء المحذورين وإنما يداجي بالمودة استكفافا
لشره وتحرزا من مكاشفته فأدخله في عداد الخلاف بالمظاهرة
والمساترة وفي الأعداء عند المكاشفة والمجاهرة وقد قال
الحكماء: مثل العدو الضاحك إليك كالحنظلة الخضرة أوراقها
القاتل مذاقها وفي حكم الفرس لا تغترن بمقاربة العدو فإنه
كالماء وإن أطيل إسخانه بالنار لم يمنع من إطفائها
(ابن النجار) في تاريخه (عن سعيد) ابن أبي سعيد كيسان
(المقبري) بميم مفتوحة وقاف ساكنة ثم باء موحدة مثلثة سمي
به لأنه كان يسكن المقابر أو ينزل بنواحيها (مرسلا) أرسل
عن أبي هريرة وعائشة وقال أحمد لا بأس به
(2/145)
1536 - (اللهم اغفر لي ذنوبي) جمع ذنب
والذنب ما له تبعة دنيوية أو أخروية مأخوذ من الذنب ولما
كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاتبا يترك ما
هو الأولى تأكيدا لعصمته أطلق عليه اسم الذنب (وخطاياي) أي
استرها وقضية العطف أن الخطايا غير الذنوب (كلها) أي
صغيرها وكبيرها (اللهم انعشني) أي ارفعني وقو جأشي وفي
الصحاح نعشه الله رفعه وبابه قطع ولا يقال أنعشه. قال
الزمخشري: من المجاز نعشه فانتعش إذا تداركه من ورطة
وانتعش نعشك الله ونعشني نعشه كريم والكريم ينعش الناس قال
ومن المجاز مول لبيد:
ومنى على السباق لفظ ونعمة. . . كما نعش الدكداك صوت
البوارق
(واجبرني) أي سد مفاقري قال في الصحاح الجبر أن تغني الرجل
من فقر أو تصلح عظمه من كسر وجبر الله فلانا سد مفاقره
وجبر مصيبته رد عليه ما ذهب منه أو عوضه (واهدني لصالح
الأعمال) أي للأعمال الصالحة (والأخلاق) جمع خلق بالضم وهو
الطبع والسجية وجمعه باعتبار مخالقته الناس ومجاملتهم كما
أشار إليه خبر وخالق الناس بخلق حسن (فإنه لا يهدي لصالحها
ولا يصرف سيئها) عني (إلا أنت) لأنك المقدر للخير والشر
فلا يطلب جلب الخير إلا منك ولا دفع الشر إلا منك وحدك
وفيه حذف تقديره واصرف عني سيء الأعمال فإنه لا يهدي إلخ
(طب عن أبي أمامة) قال: ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه
وعلى آله وسلم إلا سمعته يقول ذلك قال الهيثمي ورجاله
وثقوا
(2/145)
[ص:146] 1537 - (اللهم بعلمك الغيب) الباء
للاستعطاف والتذلل أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك مما
استأثرت به (وقدرتك على الخلق) أي جميع المخلوقات من إنس
وجن وملك وغيرها (أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا
علمت الوفاة خيرا لي) عبر بما في الحياة لاتصافه بالحياة
حالا وبإذا الشرطية في الوفاة لانعدامها حال التمني أي إذا
آل الحال أن تكون الوفاة بهذا الوصف فتوفني (اللهم وأسألك
خشيتك) عطف على محذوف واللهم معترضة (في الغيب والشهادة)
أي في السر والعلانية أو المشهد والمغيب فإن خشية الله رأس
كل خير والشأن في الخشية في الغيب لمدحه تعالى من يخافه
بالغيب (وأسألك كلمة الإخلاص) أي النطق بالحق (في الرضا
والغضب) أي في حالتي رضا الخلق مني وغضبهم علي فيما أقوله
فلا أداهن ولا أنافق أو في حالتي رضاي وغضبي بحيث لا
تلجئني شدة الغضب إلا النطق بخلاف الحق ككثير من الناس إذا
اشتد غضبه أخرجه من الحق إلى الباطل (وأسألك القصد) أي
التوسط (في الغنى والفقر) وهو الذي ليس معه إسراف ولا
تقصير فإن الغنى يبسط اليد ويطفىء النفس والفقر يكاد أن
يكون كفرا فالتوسط هو المحبوب المطلوب (وأسألك نعيما لا
ينفد) أي لا ينقضي وذلك ليس إلا نعيم الآخرة (وأسألك قرة
عين) بكثرة النسل المستمر بعدي أو بالمحافظة على الصلاة
لقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة (لا تنقطع) بل تستمر ما
بقيت الدنيا وقيل أراد قرة عينه أي بدوام ذكره وكمال محبته
والأنس به. قال بعضهم: من قرت عينه بالله قرت به كل عين
(وأسألك الرضا بالقضاء) أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه
بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خير فلي
فيه خير. قال العارف الشاذلي: البلاء كله مجموع في ثلاث
خوف الخلق وهم الرزق والرضا عن النفس والعافية والخير
مجموع في ثلاث الثقة بالله في كل شيء والرضا عن الله في كل
شيء واتقاء شرور الناس ما أمكن (وأسألك برد العيش بعد
الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين
والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والنكد
والكدر ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة (وأسألك
لذة النظر إلى وجهك) أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي
لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد
النظر باللذة لأن النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في
عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذانا بأن
المسؤول هذا (والشوق إلى لقائك) قال ابن القيم: جمع في هذا
الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب
ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفا على
عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال (في غير ضراء
مضرة) قال الطيبي: متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة
الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك. سأل شوقا إليه في الدنيا
بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سلوكي وإن
ضرني مضرة ما قال:
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا. . . تقولين لولا الهجر
لم يطب الحب
وإن قلت كربي دائم قلت إنما. . . يعد محبا من يدوم له كرب
ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره. ومعنى ضراء مضرة: الضر
الذي لا يصبر عليه (ولا فتنة مضلة) أي موقعة [ص:147] في
الحيرة مفضية إلى الهلاك. وقال القونوي: الضراء المضرة
حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب
والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم
والشهود (اللهم زينا بزينة الإيمان) وهي زينة الباطن ولا
معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب
وهي أعظمها قدرا وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه
في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالما بالحق متبعا
له معلما لغيره قال (واجعلنا هداة مهتدين) وصف الهداة
بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح
كونه هاديا لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا
يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح
(ن ك) وأحمد (عن عمار بن ياسر) قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدعو به
(2/146)
1538 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل
وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار) جهنم (ومن عذاب
القبر) قال عياض: تخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شيء من إضافة
العظيم له دون ما قد يحتقر عند الدعاء مبالغة في التعظيم
ودليلا على القدرة والملك وأشباهه كثير. وقال القرطبي:
خصهم لانتظام هذا الوجود بهم
(ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد والبيهقي
(2/147)
1539 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين)
ثقله وشدته وذلك حيث لا قدرة على وفائه سيما مع الطلب وفي
خبر أو أثر: ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا
يعود (وغلبة العدو) من يفرح بمصيبته ويحزن بمسرته وقد يكون
من الجانيين أو من أحدهما (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية
تنزل بعد وهم كما قال تعالى حكاية عن هارون {ولا تشمت بي
الأعداء} وختم بهذه الكلمة البديعة لكونها جامعة متضمنة
لسؤال الحفظ عم جميع المعاصي <تنبيه> قال بعضهم: العداوة
مأخوذة من عدا فلان عن طريق فلان أي جاوزه ولم يوافقه فيما
يحب. قالوا: وأصل ذلك أن الخلق يوم أخذ الميثاق كانوا على
صفات فمن كان وجها لوجه فمحال أن تقع بينهما عداوة ومن كان
ظهرا لظهر فمحال أن تقع بينهما صداقة ومن كان وجها لظهر
فصاحب الوجه محب وصاحب الظهر مبغض ومن كان جنبا لجنب أو
بازورار فبحسب ذلك ومن شهد ذلك أقام للناس المعاذير وإن
كانوا مذمومين بعداوتهم شرعا. قال البرهان: لكن من شأن
الكمل إثبات الخلق مع الحق (تنبيه آخر) قال بعض الكاملين
إنما حسن الدعاء بدفع شماتة الأعداء لأن من له صيت عند
الناس وتأمل وجد نفسه بينهم كبهلوان يمشي على حبل عال
بقبقاب وجميع الأقران والحساد واقفون ينتظرون متى يزلق
فيشمتون به ومن أشق ما على الزالق أن يغلب عليه رعاية
مقامه عند الخلق فإنه يذوب قهرا بخلاف من يراعي الحق فإن
الأذى يخف عليه ولو أظهروا كلهم الشماتة فلذلك خف على
العارف أمر شماتة عدوه وثقل على المحجوب وإنما قال المصطفى
صلى الله عليه وسلم ذلك خوفا على اتباعه من التفرقة وقلة
انتفاع المؤلفة إذ قل تعظيمه لا لكونه يتأثر مراعاة لحظ
نفسه لعصمته من ذلك
(ت ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أحمد والطبراني أيضا
(2/147)
1540 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين
وغلبة العدو) أي تسلطه (ومن بوار الأيم) أي كسادها والأيم
من لا زوج لها بكرا أو ثيبا مطلقة أو متوفى عنها وبوارها
أن لا يرغب فيها أحد. وفي المصباح بار الشيء هلك وبار كسد
على الاستعارة لأنه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك
وقال الزمخشري: بارت البيعات كسدت وسوق بائرة وبارت الأيم
إذا لم يرغب فيها (ومن فتنة المسيح الدجال) التي لا فتنة
أكبر منها ولا بلاء أبشع منها
(قط في الأفراد [ص:148] طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه
عباد بن زكريا ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح
(2/147)
1541 - (اللهم إني أعوذ بك من التردي)
السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر والتردي تفعل
من الردى وهو الهلاك (والهدم) بسكون الدال أي سقوط البناء
ووقوعه على الشيء. قال القاضي: وروي بالفتح وهو اسم ما
انهدم منه وفي النهاية الهدم محركا البناء المهدوم
وبالسكون الفعل (والغرق) بكسر الراء كفرح الموت بالغرق
وقيل بفتح الراء (والحرق) بفتح الحاء والراء الإلتهاب
بالنار استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة
مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل
بدينه ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي ذكره القاضي.
وقال الطيبي: استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها
في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ
منها أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى
يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة وكان الفرق بين
الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمني كل مؤمن
ومطلوبه وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف
التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها ولو سعى
فيها عصى (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان) أي يصرعني ويلعب
بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها
الأقدام وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند
فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن
مظلمة قبله أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له
بسوء والعياذ بالله وهذا تعليم للأمة فإن شيطانه أسلم ولا
تسلط له ولا لغيره عليه بحال سائر الأنبياء على هذا
المنوال. قال القاضي: تخبيط الشيطان مجاز عن إضلاله
وتسويله (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا) عن الحق أو عن
قتال الكفار حيث حرم الفرار وهذا تعليم للأمة (وأعوذ بك أن
أموت لديغا) فعيل بمعنى مفعول واللدغ بدال مهملة وغين
معجمة يستعمل في ذوات السم كحية وعقرب وبعين مهملة وذال
معجمة يستعمل في الإحراق بنار كالكي وأما اللدع بمهملتين
واللذغ بمعجمتين فما خلا عن ذكره زبر اللغة المتداولة
كالصحاح واللسان والقاموس والأساس والمصباح
(ن ك عن أبي اليسر) بمثناة تحتية وبسين مهملة مفتوحة وراء
واسمه كعب بن عمر أسلم يوم الفتح وقتل يوم اليمامة سبعة
منهم محكم اليمامة ورواه عنه أيضا أبو داود في الصلاة فما
أوهمه صنيع المصنف من تفرد النسائي به عن الستة غير صحيح
(2/148)
1542 - (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) قال
البيضاوي: وجه الله مجاز عن ذاته عز وجل تقول العرب أكرم
الله وجهك بمعنى أكرمك والكريم الشريف النافع الذي لا ينفد
عطاؤه (واسمك العظيم) أي الأعظم من كل شيء (من الكفر)
بسائر أنواعه (والفقر) فقر المال أو فقر النفس على ما سبق
وذا تعليم لأمته. قيل: وهذا يعارض لا يسأل بوجه الله إلا
الجنة. وأجيب: بأن الاستعاذة من الكفر سؤال الجنة
(طب في السنة) أي في كتاب السنة له (عن عبد الرحمن بن أبي
بكر) الصديق شقيق عائشة حضر بدرا مع الكفار ثم أسلم وكان
من أشجع قريش وأرماهم بسهم تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح
وقال الهيثمي فيه من لم أعرفهم
(2/148)
1543 - (اللهم لا يدركني زمان) أي أسألك أن
لا يدركني زمان أي لا يلحقني [ص:149] ولا يصل إلي زمان أي
عصر أو وقت (ولا تدركوا زمانا) يعني وأسأل الله أن لا
تدركوا زمانا (لا يتبع فيه العليم) أي لا ينقاد له أهل ذلك
الزمان ويتبعونه فيما يقول إنه الشرع (ولا يستحي فيه من
الحليم) باللام أي العاقل المتثبت في الأمور (قلوبهم) يعني
قلوب أهل ذلك الزمان (قلوب الأعاجم) أي قلوبهم بعيدة من
الخلاق مملوءة من الرياء والنفاق (وألسنتهم ألسنة العرب)
متشدقون متفصحون متفيهقون يتلونون في المذاهب ويروغون
كالثعالب قال الأحنف: لأن ابتلى بألف جموح لجوج أحب إلي من
ابتلى بمتلون والمعنى اللهم لا تحييني ولا أصحابي إلى زمن
يكون فيه ذلك
(حم عن سهل بن سعد) الساعدي (ك عن أبي هريرة) قال الزين
العراقي: سنده ضعيف وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف
(2/148)
1544 - (اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون) أي
يجيئون (من بعدي) قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب
بسوء وإن كان مصلحا في حضوره ذكره الحرالي ثم بين مراده
بخلفائه بقوله الذين (يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها
الناس) فهم خلفاؤه على الحقيقة وبين بهذا أنه ليس مراده
هنا الخلافة التي هي الإمامة العظمى وهذه منقبة لأهل
الحديث العالمين العاملين أعظم بها من منقبة والأحاديث جمع
حديث وتقدم أنه في عرف الشرع ما يضاف إلى المصطفى صلى الله
عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا والسنن جمع سنة وهي
الطريقة والمراد بها في عرف الشرع الطريقة التي كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحراها فهما إلى الترادف أقرب
وقد يقال أراد بها هنا الطريقة المسلوكة في الدين وإن كان
من كلام التابعين فمن بعدهم من المجتهدين فيدخل فيه
الفقهاء
(طس عن علي) أمير المؤمنين ثم قال مخرجه الطبراني تفرد به
أحمد بن عيسى أبو طاهر العلوي الهاشمي قال الزين العراقي
وأحمد هذا قال الدارقطني كذاب انتهى وفي الميزان هذا حديث
باطل وأحمد كذاب انتهى فكان ينبغي حذفه من الكتاب
(2/149)
1545 - (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء)
أي الامتحان بهن والابتلاء بمحبتهن وإنما يستعاذ من فتنتهن
لأنها أضر الفتن وأعظم المحن وسيجيء في الكتاب حديث ما
تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (وأعوذ بك من
عذاب القبر) هذا تعليم للأمة
(الخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب عن سعد) بن أبي وقاص
(2/149)
1546 - (اللهم إني أعوذ بك من الفقر
والقلة) بكسر القاف قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر
على الإقلال وتسلط الشيطان بذكر تنعم الأغنياء أو المراد
القلة في أبواب البر وخصال الخير أو قلة العدد والمدد أو
الكل (وأعوذ بك من أن أظلم (1)) بالبناء للفاعل أي أجور أو
أعتدي أو أظلم بالبناء للمفعول والظلم وضع الشيء بغير محله
وفي المثل من استرعى الذئب ظلم وفيه ندب الاستعاذة من
الظلمة (2)
(د ن هـ ك عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود [ص:150] ولم
يعترضه المنذري
_________
(1) أي أحدا من المسلمين والمعاهدين ويدخل فيه ظلم نفسه
بمصية الله
(2) أي والظلم وأراد بهذه الأدعية تعليم أمته
(2/149)
1547 - (اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي من
ألمه وشدة مصابرته (فإنه بئس الضجيع) أي النائم معي في
فراش واحد قلما كان يلازم صاحبه في المضجع سمي ضجيعا
(وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ومن ثم قيل أفحش
الزمانة عدم الأمانة وقال الأحنف: الزم الأمانة يلزمك
العمل وقيل الخيانة خزي وهوان {ولا يحيق المكر السيء إلا
بأهله} ورب حيلة على صاحبها وبيله والبطانة بكسر الباء
خلاف الظهارة ثم استعيرت لمن يخصه الرجل بالإطلاع على باطن
أمره والتبطن الدخول في الأمر فلما كانت الخيانة أمرا
يبطنه الإنسان ويستره ولا يظهره سماها بطانة
(د ن ك عن أبي هريرة) وأعله المناوي وغيره بأن فيه محمد بن
عجلان وإنما خرج له مسلم في الشواهد قال في الرياض بعد
عزوه لأبي داود إسناده صحيح
(2/150)
1548 - (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (1))
ككتاب النزاع والخلاف أو التعادي إن كلا منهما يكون في شق
أي في ناحية أو هو العداوة (والنفاق) نفاق العمل (وسوء
الأخلاق) لأن صاحب سوء الخلق لا يفر من ذنب إلا وقع في آخر
والأخلاق السيئة من السموم القاتلة والمهلكات الرائعة
والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن
جوار رب العالمين المخرطة لصاحبها في سلك الشيطان الرجيم
اللعين وهي الأبواب المفتحة من القلب إلى نار الله الموقدة
التي تطلع على الأفئدة فحق لها أن يستعاذ منها
(د) في الصلاة (ن) في الاستعاذة (عن أبي هريرة) وفيه بقية
وعبارة ابن عبد الله بن أبي سليك لا يعرف حاله
_________
(1) استعاذ صلى الله عليه وسلم من الشقاق لأنه يؤدي إلى
المقاطعة والمهاجرة
(2/150)
1549 - (اللهم إني أعوذ بك من البرص) داء
معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التي فيه وسام أبرص سمي به
تشبيها بالبرص والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب
البصيص ذكره الراغب (والجنون والجذام) استعاذته منها تعليم
للأمة وإظهار للعبودية (ومن سيء الأسقام (1)) نص على تلك
الثلاثة مع دخولها في الأسقام لكونها أبغض شيء إلى العرب
ولهم عنها نفرة عظيمة ولهذا عدوا من شروط الرسالة السلامة
من كل ما ينفر الخلق ويشوه الخلق
(حم د ن عن أنس) قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود بإسناد
صحيح
_________
(1) أي الأسقام السيئة أي الرديئة كالسل والاستسقاء وذات
الجنب
(2/150)
1550 - (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية
ضعف بالكسر قال في القاموس ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه
والضعف المثل إلى ما زاد ويقال ولك ضعفه يريدون مثليه
وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة: أي اللهم اجعل
بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) الدنيوية بدليل
قوله في الخبر الآتي اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا أو
الأخروية أو هما على ما مر لكن هذا في غير ما خرج بدليل
كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة قال النووي: حصلت البركة
في نفس الكل بخيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وذا
محسوس عند ساكنيها
(حم ق عن أنس) بن مالك
(2/150)
1551 - (اللهم رب الناس) أي الذي [ص:151]
رباهم بإحسانه وعاد عليهم بفضله وحذف حرف النداء إشهارا
بما له من القرب لأنه في حضرة المراقبة (مذهب) بضم فسكون
مزيل (الباس) شدة المرض (إشف) ابرىء (أنت) لا غيرك
(الشافي) المداوي من المرض المبرئ ومنه فيه جواز تسمية
الله بما ليس في القرآن إذا ورد به خبر صحيح كما هنا وهو
القول الذي عليه التعويل قال القرطبي: الشافي اسم فاعل من
شفاء وأل فيه بمعنى الذي وليس باسم الله (لا شافي إلا أنت)
فيه أن كل ما يقع في التداوي إنما ينجع بتقدير الله (اشف
شفاء) مصدر منصوب باشف وقد يرفع خبر مبتدأ أي هو (لا
يغادر) بغين معجمة لا يترك وفائدته أنه قد يحصل الشفاء من
ذلك المرض فيخلفه مرض آخر (سقما) بضم فسكون وبفتحتين مرضا
ولا يشكل الدعاء بالشفاء مع أن المرض كفارة لأن الدعاء
عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض
وبالصبر عليه والداعي ما يحصل له مطلوبه أو يعوضه
(حم ق س 3 عن أنس) بن مالك
(2/150)
1552 - (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة)
يعني الصحة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير (وفي الآخرة
حسنة) يعني الثواب والرحمة (وقنا) بالعفو والمغفرة (عذاب
النار) الذي استحقيناه بسوء أعمالنا. وقول علي كرم الله
وجهه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحور
وعذاب النار امرأة السوء وقول الحسن: الحسنة في الدنيا
العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة ومعنى وقنا عذاب النار
احفظنا من كل شهوة وذنب يجر إليها: أمثلة للمراد بها
(ق عن أنس بن مالك) قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟
قال نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة
فجعله لي في الدنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم نحن لا نطيقه أو لا نستطيعه أولا قلت: اللهم آتنا
إلخ؟ قال فدعا الله به فشفاه الله
(2/151)
1553 - (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)
ليس العطف لاختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى كما ظن بل الهم
إنما يكون في أمر متوقع والحزن فيما وقع والهم هو الحزن
الذي يذيب الإنسان فهو أشد من الحزن وهو خشونة في النفس
لما يحصل فيها من الغم فافترقا. وقال القاضي: الفرق بين
الهم والحزن أن الحزن على الماضي والهم للمستقبل وقيل
الفرق بالشدة والضعف فإن الهم من حيث إن تركيبه أصل في
الذوبان يقال أهمني المرض بمعنى أذابني وسنام مهموم مذاب
وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه ببدنه أبلغ
وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة (والعجز) القصور عن فعل
الشيء وهو ضد القدرة وأصله التأخر عن الشيء وصار في
التعارف اسما للقصور عن فعل الشيء وللزومه الصعف والقصور
عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها
(والكسل) التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية
(والبخل والجبن وضلع الدين) بفتحتين ثقله الذي يميل بصاحبه
عن الاستواء والضلع بالتحريك الاعوجاج (وغلبة الرجال) شدة
تسلطهم بغير حق تغلبا وجدلا فالإضافة للفاعل أو هيجان
النفس من شدة الشق فالإضافة للمفعول. قال ابن القيم: كل
اثنين منها قرينتان فالهم والحزن قرينتان إذ المكروه
الوارد على القلب إن كان من مستقبل يتوقعه أحدث الهم أو من
ماض أحدث الحزن والعجز والكسل قرينتان فإن تخلف العبد عن
أسباب الخير إن كان لعدم قدرته فالعجز أو لعدم إرادته
فالكسل والجبن والبخل قرينتان فإن عدم النفع إن كان ببدنه
فالجبن أو بماله فالبخل وضلع الدين وقهر الرجال قرينتان
فإن استعلا الغير عليه إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل
فقهر الرجال <تنبيه> قال بعض العارفين: يجب التدقيق في فهم
كلام النبوة ومعرفة [ص:152] ما انطوى تحته من الأسرار ولا
تقف مع الظاهر فالمحقق ينظر ما سبب حصول القهر من الرجال
فيجده من الحجاب عن شهود كونه سبحانه هو المحرك لهم حتى
قهروه فيرجع إلى ربه فيكفيه قهرهم والواقف مع الظاهر لا
يشهده من الحق بل من الخلق فلا يزال في قهر ولو شهد الفعل
من الله لزال القهر ورضي بحكم الله فما وقعت الاستعاذة إلا
من سبب القهر الذي هو الحجاب
(حم ق ن) كلهم (عن أنس) بن مالك بألفاظ متقاربة واللفظ
للبخاري
(2/151)
1554 - (اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا
واحشرني في زمرة المساكين) يوم القيامة هكذا هو ثابت في
الأصول أراد بالمسكنة هنا مسكنة القلب لا المسكنة التي هي
نوع من الفقر كما سبق وقال ابن حجر: أراد بفرض ثبوته أن لا
يتجاوز الكفاف <تنبيه> تمام الحديث عند الترمذي فقالت
عائشة لم يا رسول الله قال لأنهم يدخلون الجنة قبل
أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي مسكينا ولو بشق
تمرة يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم
القيامة انتهى بنصه
(عبد بن حميد هـ) كلاهما (عن ابن سعيد) الخدري (طب
والضياء) المقدسي في المختارة كلاهما (عن عبادة) بن الصامت
وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر كالزركشي وأطال
(2/152)
1555 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) ترك
ما يجب فعله من أمر الدنيا (والكسل والجبن والبخل والهرم
وأعوذ بك من عذاب القبر) وما فيه من الأهوال الفظيعة
والأشكال الشنيعة سأله إرشادا لأمته ليقتدوا به في سؤاله
لينجو منه (وأعوذ بك من فتنة المحيا) الابتلاء مع عدم
الصبر والرضى والوقوع في الآفات والإصرار على الفساد وترك
متابعة طريق الهدى (و) من فتنة (الممات) سؤال منكر ونكير
مع الحيرة والخوف وهذا تعليم للأمة كما مر غير مرة
(حم ق 3 عن أنس) بن مالك
(2/152)
1556 - (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)
أي عقوبته (وأعوذ بك من عذاب النار) نار جهنم تعميم بعد
تخصيص كما أن تالييه تخصيص بعد تعميم وهو قوله (وأعوذ بك
من فتنة المحيا والممات) قال القاضي: المحيا مفعل من
الحياة والممات مفعل من الموت وفتنة المحيا ما يعتري
الإنسان حال حياته من البلاء والمحن وفتنة الممات شدة سكرة
الموت وسؤال القبر وعذابه (وأعوذ بك من فتنة المسيح
الدجال) فإنها أعظم الفتن وأشد المحن ولذلك لم يبعث الله
نبيا إلا حذر أمته منه وفيه ندب التعوذ مما ذكر بعد الفراغ
من التشهد أي الأخير كما صرح به في رواية مسلم بخلاف الأول
لبنائه على التخفيف خلافا لمن زعم أنه فيهما وكأنه لم يطلع
على رواية مسلم وفيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق
خلافا للمعتزلة وذكرت فتنة المسيح مع شمول فتنة المحيا
والممات لها لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا
جماعة مخصوصة وهم الموجودون حال خروجه
(خ ن عن أبي هريرة) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا
فرغ أحدكم من التشهد - أي الأخير - فليستعذ بالله من أربع
يقول اللهم إلخ
(2/152)
[ص:153] 1557 - (اللهم إني أتخذ عندك عهد
(1)) أي وعدا وعبر به عنه تأكيدا وإشعارا بأنه من المواعيد
التي لا يتطرق إليها الخلف كالمواثيق ولذا أستعمل فيه
الخلف فقال (لن تخلفنيه) للمبالغة وزيادة التأكيد ذكره
القاضي. وقال التوربشتي: العهد هنا الإيمان أسألك إيمانا
لن تجعله خلاف ما أرتجيه فوضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقا
للرجاء. وقال الطيبي: أصله طلبت منك حاجة تسعفي إياها ولا
تخيبني فيها فوقع العهد الموثق محل الحاجة مبالغة في تحقيق
قضائها ووضع لن تخلفنيه محل لا تخيبني نظرا إلى أن
الألوهية منافية لخلف الوعد (فإنما أنا بشر) أي خلق إنسان
قدمه تمهيدا لعذره أي يصدر مني ما هو من لوازم البشرية من
الغضب ثم شرع يبين ويفصل ما التمسه بقوله (فأيما مؤمن)
الفاء جواب شرط محذوف أي إن كنت سببت مؤمنا فأيما مؤمن
(آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته) تعزيرا له (فاجعلها)
أي الكلمات المفهمة شتما أو نحو لعنة (صلاة) أي رحمة
وإكراما وتعطفا (وزكاة) أي طهارة من الذنوب (وقربة تقربه
بها إليك يوم القيامة) ولا تعاقبه بها في العقبى والمراد
أسألك أن تجعله خلاف ما يراد منه بأن تجعل ما بدا مني
تطهيرا ورفع درجة للمقول له ذلك. واعلم أن الذي رأيته في
نسخ الكتاب أثبت أو في شتمته وما بعده وفي المصابيح بغير
عطف وعليه قال القاضي: قابل أنواع الفظاظة والإيماء بما
يقابلها من أنواع التعطف والألطاف وعد الأقسام الأول
متناسية بغير عطف وذكر ما يقابلها بالواو لما كان المطلوب
معارضة كل واحدة من تلك بهذه فإن قيل يجيء أنه لم يكن
لعانا (2) وأن صيغة المبالغة في مقام المدح يقتضي تفي أصل
الفعل فما فائدة هذا مع كون الشتم واللعن من الفحش وهو غير
فاحش؟ فالجواب أن المعنى إن وقع مني ذلك فاجعله كذا ولا
مانع من فرض ما لا يقع إلا نادرا
(ق) في الدعوات (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة واللفظ
لمسلم أقرب
_________
(1) سببه كما في مسلم من حديث عائشة قالت دخل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو
فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت أو ما علمت ما شارطت
عليه ربي قلت اللهم إنما بشر فأي المسلمين إلخ
(واستشكل هذا بأنه لعن جماعة كثيرة منهم المصور والعشار
ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل
الربا وغيرهم فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهورا وأجيب بأن
المراد هنا من لعنه في حال غضبه بدليل ما جاء في رواية
فأيما رجل لعنته في غضبي وفي رواية لمسلم إنما أنا بشر
أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت
عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا أما من لعنه
ممن فعل منهيا عنه فلا يدخل في ذلك. فإن قيل كيف يدعو صلى
الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها أهل؟ أجيب بأن المراد
بقوله ليس لها بأهل أي عندك في باطن أمره لا على ما يظهر
مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه فكأنه يقول من كان
في باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي
اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله هي طهورا وزكاة. وهذا
معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان
متعبدا بالظاهر وحساب الناس في البواطن على الله اه
(2/153)
1558 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والعجز
والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال اللهم آت)
أعط (نفسي تقواها) أي تحرزها عن متابعة أهوى وارتكاب
الفجور ذكره القاضي. وقال الطيبي: ينبغي أن تفسر التقوى
بما يقابل الفجور كما في آية {فألهمها فجورها وتقواها} وهي
الاحتراز عن متابعة الهوى والفواحش لأن الحديث كالتفسير
والبيان للآية فدل قوله آت على أن الإلهام في الآية هو خلق
الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات (وزكها) طهرها
من كل خلق ذميم (أنت خير من زكاها) أي من جعلها زاكية يعني
لا مزكي لها إلا أنت فإنه تعالى هو الذي يزكي النفوس فتصير
زاكية أي عاملة بالطاعة فالله هو المزكي والعبد هو
المتزكي. قال الطيبي: فإسناد التزكية إلى [ص:154] النفس في
الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل كما زعمه
المعتزلة لأن الخبر به يقتضي المناسبة المشاركة بين كسب
العبد وخلق القدرة فيه قال الحراني: والتزكية اكتساب
الزكاة وهي نماء النفس بما هو لها وهو بمنزلة الغذاء للجسم
(أنت وليها) التي يتولاها بالنعمة في الدارين (ومولاها)
سيدها وهذا استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى
وتصليح التزكية فيها إنما كان لأنه هو المتولي أمرها وربها
ومالكها فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال
والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهرة
ما كان مكمنا في الباطن وإن حملت على الإنماء والإعلان
بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية فإن المتقي شرعا من اجتنب
النواهي وأتى بالأوامر
(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا
أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج
إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري (ومن
قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله
ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل
(ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي: تضمن الحديث
الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من
علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما
أورث الخشوع وفيه أن السجع لا يذم لكن إذا حصل بلا تكلف
ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم
(حم عبد بن حميد م) في الدعوات (ن) في الاستعاذة (عن) ابن
عمرو أو عامر أو عمارة أو أنيسة (زيد بن أرقم) بفتح الهمزة
وسكون الراء وفتح القاف غير منصرف بن زيد بن قيس الخزرجي
شهد الخندق وما بعدها ورواه عنه أيضا الترمذي مختصرا قال
عبد الله بن الحرث قلنا لزيد علمنا فقال لا أعلمكم إلا ما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فذكره
(2/153)
1559 - (اللهم اغفر لي خطيئتي) أي ذنبي
(وجهلي) أي ما لم أعلمه (وإسرافي في أمري) أي مجاوزتي الحد
في كل شيء (وما أنت أعلم به مني) مما علمته وما لم أعلمه
(اللهم اغفر لي خطئي وعمدي) وهما متقابلان (وهزلي وجدي)
هما متضادان (وكل ذلك عندي) ممكن أي موجود أي أنا متصف
بهذه الأمور فاغفرها لي قاله تواضعا أو أراد ما وقع سهوا
أو ما قبل النبوة أو محض مجرد تعليم لأمته
(اللهم اغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت من التقدمة وهي وضع
الشيء قداما وهي جهة القدام الذي هو الإمام فالتجاه أي
قبالة الوجه قاله الحراني (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أي
أخفيت (وما أعلنت) أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به
لساني قاله تواضعا وإجلالا لله تعالى أو تعليما لأمته
وتعقب في الفتح الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه
أمرهم بأن يقولوا فالأولى أنه للمجموع (أنت المقدم) أي بعض
العباد إليك بتوفيق الطاعة أو أنت المقدم لي بالبعث في
الآخرة (وأنت المؤخر) بخذلان بعضهم عن التوفيق فتؤخره عنك
أو أنت المؤخر لي بالبعث في الدنيا أو أنت الرافع والخافض
أو المعز والمذل (وأنت على كل شيء قدير) أي أنت الفعال لكل
ما تشاء ولذا لم يوصف به غير الباري ومعنى قدرته على
الممكن الموجود حال وجوده أنه إن شاء أبقاه وإن شاء أعدمه
ومعنى قدرته على المعدوم حين عدمه أنه إن شاء إيجاده أوجده
وإلا فلا وفيه أن مقدور العبد مقدور لله حقيقة لأنه شيء
(ق) في الدعوات [ص:155] (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه
البيهقي وغيره أيضا
(2/154)
1560 - (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها)
بحذف إحدى التاءين للتخفيف (لك مماتها ومحياها) أي أنت
المالك لإحيائها ولإماتتها أي وقد ثبت أنه لا مالك لهما
غيرك (فإن أحييتها فاحفظها) أي صنها عن التورط فيما لا
يرضيك (وإن أمتها فاغفر لها) ذنوبها فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت (اللهم إني أسألك) أطلب منك (العافية) السلامة في
الدين من الافتنان وكيد الشيطان والدنيا من الآلام
والأسقام. وختم المصنف الأدعية بهذا الدعاء لمناسبته
لافتتاحها بخبر لا عيش إلا عيش الآخرة من حديث خالد بن عبد
الله بن الحرث
(عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه النسائي أيضا قال خالد
سمعت عبد الله بن الحرث يحدث عن ابن عمر أنه أمر رجلا إذا
أخذ مضجعه أن يقول ذلك فقال له رجل سمعت هذا من عمر فقال
من خير من عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2/155)
1561 - (ألبان البقر شفاء) من الأمراض
السوداوية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق
البدن باعتدال وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من
كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب (وسمنها دواء) إذ هو
ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره (ولحومها داء)
مضرة بالبدن جالبة للسوداء. قال في الإرشاد: عسير الهضم
يولد أخلاطا غليظة وأمراضا سوداوية كسرطان وجرب وقوبا
وجذام وداء الفيل وحمى الربع ويغلظ الطحال
(طب عن ملكية) بالتصغير (بنت عمرو) الزيدية أو السودية
الجعفية قال في التقريب كأصله يقال لها صحبة ويقال تابعية
من الطبقة الثالثة ورواه عنها البهيقي أيضا وفيه ضعف
(2/155)
1562 - (البس) ندبا (الخشن الضيق) من
الثياب ونحوها (حتى لا يجد العز) يعني الكبر والأشر والبطر
والترفع على الناس (والفخر) ادعاء العظمة والشرف (فيك
مساعا) أي مدخلا فلا تكن كمن قيل فيه ثوب رقيق نضيف وجسم
خبيث سخيف وأشار بقوله حتى إلخ إلى أن سر الأمر بلبسه وقصد
كسر النفس وفطمها عن زي الخيلاء والفخر فلا يعارضه قول
الفقهاء يكره لبس الخشن لغير مصلحة لأن لبسه بذلك القصد
مصلحة. وقيل لإياس بن معاوية: إنك لا تبالي ما لبست قال:
لئن ألبس ثوبا يقي نفسي أحب إلي من أن ألبس ثوبا أقيه
بنفسي قال الغزالي: روي أن عيسى عليه السلام توسد حجرا فمر
به إبليس وقال: يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه من تحت رأسه
ورماه به وقال: هذا لك مع الدنيا. ورأى العارف الرفاعي رضي
الله تعالى عنه فقيرا يهندم ثوبه ويصفف عمامته على التناسب
فقال: يا ولدي هذا خروج عن طريق الإرادة ومن كلامهم إذا
رأيت المريد في زيه لبق فاعلموا أنه عن الاستقامة زلق
(ابن مئدة) الحافظ أبو القاسم في الصحابة من طريق بقية عن
حسان بن سليم عن عمرو بن سلمة (عن أنيس) بن الضحاك وظاهر
صنيعه أنه لم يره لأحد من المشاهير وليس كذلك فقد خرجه أبو
نعيم والديلمي من حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأبي ذر يا أبا ذر البس إلخ ثم قال أعني ابن مئدة
غريب وفيه إرسال انتهى. وحكاه ابن حجر عنه وأقره. قال أبو
حاتم: وأنيس هذا لا يعرف قال ابن حجر وجزم ابن حبان وابن
عبد البر بأنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم اغد
يا أنيس على امرأة هذا. الحديث
(2/155)
1563 - (البسوا) بفتح الموحدة (الثياب
البيض) يعني آثروا ندبا الملبوس الأبيض في كل زمن [ص:156]
على غيره من نحو ثوب وعمامة ورداء وإزار وغيرها حيث لا عذر
(فإنها أطهر) لأنها تحكي ما يصيبها من النجس عينا وأثرا
(وأطيب) لغلبة دلالتها على التواضع والتخشع وعدم الكبر
والعجب فجعله من عطف أحد الرديفين على الآخر قصور ولهذه
الأطيبية ندب إيثارها في المحافل كشهود جمعة وحضور مسجد
ولقاء الملائكة ولذلك فضلت في التكفين كما قال (وكفنوا
فيها موتاكم) ندبا مؤكدا ويكره التكفين في غير أبيض
(حم ت) في اللباس (ن) في الزينة (هـ) في اللباس (ك) فيه
كلهم (عن سمرة) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على
شرطهما وأقره الذهبي
(2/155)
1564 - (التمس) أيها الطالب للتزويج شيئا
تجعله صداقا (ولو) كان إنما تجد (خاتما) كأنه قال التمس
شيئا على كل حال وإن قل فإنه لما أمر بالالتماس أمرا مطلقا
خشي توهم خروج خاتم الحديد عن الملتمسات فأكد دخوله فيها
بالواو المدخلة ما بعدها فيما قبلها فنصب بإضمار فعل دل
عليه ما قبله. قال التوربشتي: وخاتم الحديد وإن نهى عن
التختم به لكنه لم يدخل بذلك في جملة ما لا قيمة له وفي
بعض نسخ مسلم ولو خاتم أي ولو هو خاتم أو ولو فص خاتم (من
حديد) وفيه أنه ينبغي أن لا يعقد نكاح إلا بصداق لأنه أقطع
للنزاع وأنفع للمرأة لو طلقت قبل دخول وأنه غير مقدر فيجوز
بأقل متمول أو خاتم الحديد غالية القلة فهو رد على مالك في
جعله أقله ما يجب فيه القطع وأبي حنيفة عشرة دراهم وحل
نكاح المعسر واتخاذ خاتم حديد وغير ذلك (تتمة) قال في شرح
اللمع سمي الحديد حديدا لأن الحد لغة المنع وهو يمنع من
وصول السلاح إلى البدن وسمي البواب والسجان حدادا لمنعه من
في المحل من الخروج
(حم ق د عن سهل بن سعد) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا
الثلاثة والأمر بخلافه بل رواه الجماعة كلهم بألفاظ
متقاربة
(2/156)
1565 - (التمسوا الجار قبل الدار) أي قبل
شرائها هكذا جاء في رواية القضاعي يعني اطلبوا حسن سيرته
وابحثوا عنها. وقال الراغب: قيل لرابعة ألا تسألين الله
الجنة فقالت: الجار ثم الدار (والرفيق قبل الطريق) أي أعد
لسفرك رفيقا قبل الشروع فيه فإن لكل مفازة غربة وفي كل
غربة وحشة وبالرفيق تذهب الوحشة ويحصل الأنس ومن ثم قيل ما
أضيق الطريق على من لم يكن له رفيق ثم إنه ليس كل رفيق
يكفي في الرفقة بل لابد من المشاكلة والمجانسة ومن ثم قيل
انظر من ترافق أو تجالس فقل نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها
ومما يعزى لعلي كرم الله وجهه:
لا تصحب أخا الجهل. . . وإياك وإياه. . . فكم من جاهل
أردى. . . حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما المرء ما شاء. . . وللشيء
على الشيء. . . مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه
قال الكمال: والالتماس الطلب مع التساوي بين الآمر
والمأمور في الرتبة وذهب الصوفية إلى أن المراد بالرفيق
الشيخ الذي يؤخذ عنه والطريق ما يمشي فيه السالك ويقطعه
بالمعاملات والمقامات والأحوال والمعارف لأن في المعارف
والأحوال الإسفار عن أخلاق المسافرين ومراتب العلم ومنازل
الأسماء والحقائق ولذلك استحقت هذا اللقب ولما كان الإنسان
مجموع العالم ونسخة الحضرة الإلهية التي هي ذات وصفات
وأحوال احتاج إلى مطرق يطرق له السلوك إليها والسفر فيها
ليرى العجائب ويقتني العلوم والأسرار فإنه سفر تجارة
والمطرق الرفيق الذي هو الشيخ والطريق هي الشريعة فمن سافر
بغير رفيق ثقة ضل وأضل ومن سافر بشيخ ثقة وصل إلى الحقيقة
(طب) من حديث عثمان بن عبد الله الطرائقي عن أبان بن مجير
عن سعيد بن معروف (عن) أبيه (رافع بن خديج) بفتح المعجمة
الحارثي الأنصاري الأوسي وكذا رواه عنه ابن أبي خيثمة
والأزدي والعسكري والخطيب في الجامع وعثمان هذا قال
[ص:157] ابن خير كذاب وفي الميزان في ترجمة سعيد هذا قال
الأزدي لا تقوى به حجة وأبان متروك ثم ساق الخبر وقال
الكمال ابن أبي شريف رضي الله عنه الحديث منكر ساقه الأزدي
في ترجمة سعيد وقال لا يقوم به حجة لكن الحل فيه ليس عليه
بل على أبان فإنه متروك وسعيد وأبوه لم يخرج لهما في السنة
ولا فيما ذيل عليه
(2/156)
1566 - (التمسوا الخير) اطلبوه (عند حسان
الوجوه) حال طلب الحاجة فرب حسن الوجه ذميمة عند الطلب
وعكسه قال ابن رواحة أو حسان:
قد سمعنا نبينا قال قولا. . . هو لمن يطلب الحوائج راحه
اغدوا واطلبوا الحوائج ممن. . . زين الله وجهه بالصباحه
(طب عن أبي حفصة) بمعجمة ثم مهملة الكندي وهو جد يزيد بن
خصيفة قال الهيثمي رواه الطبراني من طريق يحيى بن زيد بن
عبد الملك النوفلي عن أبيه وكلاهما ضعيف
(2/157)
1567 - (التمسوا الرزق بالنكاح) أي التزوج
فإنه جالب للبركة جار للرزق موسع إذا صلحت النية. قال
الزمخشري: والرزق الحظ والنصيب مطعوما أو مالا أو علما أو
ولدا أو غيرها. قال في الإتحاف: هذا الخبر وخبر تزوجوا
النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير
ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة
والأوجه أن الناس أقسام قسم واجد وقسم غير واجد وهو واثق
لله وقسم غير واثق وليس له ثقة فيستحب للواثق دون غيره
(فر) من حديث مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح (عن ابن
عباس) ومسلم بن خالد. قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري
وأبو زرعة منكر الحديث قال السخاوي وشيخه ضعيف لكن له
شواهد عن ابن عباس
(2/157)
1568 - (التمسوا الساعة التي ترجى من يوم
الجمعة) أي التي ترجى إجابة الدعاء فيها (بعد العصر إلى
غيبوبة الشمس) أي سقوط جميع القرص وقد اختلف فيها على
أقوال أحدها أنها كانت ثم رفعت. الثاني أنها موجودة لكن في
جمعة واحدة في السنة. الثالثة أنها مخفية في جميع اليوم
كليلة القدر في العشر. الرابع أنها تنتقل في يومها ولا
تلزم ساعة معينة ورجحه الغزالي والطبري. الخامس إذا أذن
المؤذن لصلاة الغداة. السادس من الفجر إلى الشمس. السابع
مثله وزاد من العصر إلى المغرب. الثامن مثله وزاد ما بين
نزول الإمام من المنبر إلى أن يكبر. التاسع أول ساعة بعد
طلوع الشمس. العاشر عند طلوع الشمس. الحادي عشر ما بين
ارتفاع الشمس من شبر إلى ذراع. الثاني عشر في آخر ساعة
ثالثة من النهار. الثالث عشر من الزوال إلى مصير الظل نصف
ذراع. الرابع عشر إلى أن يصير الظل ذراعا. الخامس عشر إذا
زالت الشمس. السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
السابع عشر من الزوال إلى دخول الإمام المحراب. الثامن عشر
منه إلى خروج الإمام. التاسع عشر من الزوال إلى الغروب.
العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة. الحادي
والعشرون عند خروج الإمام. الثاني والعشرون ما بين أن يحرم
السعي إلى أن يحل. الثالث والعشرون ما بين الأذان إلى
انقضاء الصلاة. الرابع والعشرون ما بين جلوسه على المنبر
إلى انقضاء الصلاة. الخامس والعشرون عند التأذين والإحرام
والإقامة. السادس والعشرون من افتتاح الخطبة إلى فراغها.
السابع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة.
الثامن والعشرون عند الجلوس بين الخطبتين. التاسع والعشرون
عند نزول الإمام من المنبر. الثلاثون حين تقام الصلاة حتى
يقوم الإمام في مقامه الحادي والثلاثون من إقامة الصلاة
إلى تمامها. [ص:158] الثاني والثلاثون في الساعة التي كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة. الثالث
والثلاثون من العصر إلى الغروب. الرابع والثلاثون في صلاة
العصر. الخامس والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار.
السادس والثلاثون بعد العصر مطلقا. السابع والثلاثون من
وسط النهار إلى قرب آخره. الثامن والثلاثون من الاصفرار
إلى الغروب. التاسع والثلاثون آخر ساعة من العصر. الأربعون
بعد العصر مطلقا. الحادي والأربعون من حين يغيب بعض القرص
إلى تكامل الغروب. وصوب النووي أنها ما بين قعود الإمام
على المنبر إلى انقضاء الصلاة وفائدة إبهامها كليلة القدر
الحث على إكثار الصلاة والدعاء ولو تعينت لاتكل الناس
وتركوا ما عداها
(ت) في الجمعة (عن أنس) وفال غريب ومحمد بن أبي حميد أحد
رواته مضعف من قبل حفظه يقال له حماد بن أبي حميد ويقال
إبراهيم الأنصاري وهو منكر الحديث انتهى. وقال ابن حجر في
الفتح إسناده ضعيف
(2/157)
1569 - (التمسوا) اطلبوا فاستعير للطلب
اللمس (ليلة القدر) أي القضاء والحكم بالأمور سميت به لعظم
منزلتها وقدرها وشرفها ولما تكتبه فيها الملائكة من
الأقدار التي تكون منها إلى السنة القابلة والقدر والتقدير
إظهار كمية الشيء أو لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر
ولأن الطاعة لها قدر زائد فيها (في أربع وعشرين) أي ليلة
وهذا مذهب الحبر وبلال والحسن وقتادة قال الحرالي: ويحصل
الاطلاع عليها بكشف خاص لأهل الخلوة أو آيات بينة لأهل
التبصرة أو بأية بادية لأهل المراقبة كلا على وجه حكمته
وخلوته واستغراق ذكره في صومه
(محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب الصلاة عنه (عن ابن
عباس)
(2/158)
1570 - (التمسوا ليلة القدر ليلة سبع
وعشرين) لا يناقضه الأمر بالتماسها في أربع وعشرين وغيره
لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما فذهب كل واحد من الصحب بما
سمعه أو رآه هو ولم يؤذن له في الكشف عنه قال الشافعي رضي
الله عنه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيب على نحو ما
يسأل يقال له نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة
كذا فعلى هذا تنوع إخبار كل فريق من العلم انتهى وميله رضي
الله تعالى عنه إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث وعشرين
وأنها تلزم ليلة بعينها وذهب الأكثر إلى سبع وعشرين ويحتمل
أن فريقا منهم علمها بتوقيف ولم يؤذن له بالكشف لما في عدم
تعينها للعموم من حكمة بالغة ليزدادوا جدا واجتهادا في
التحري
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان بن حرب قال الهيثمي رجاله
ثقات
(2/158)
1571 - (التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من
رمضان) قال الطيبي: يحتمل ليلة تسع وعشرين أو السلخ رجحنا
الأول لقرينة الأوتار انتهى وأنت خبير بأنه ليس في اللفظ
ما يحتمل ليلة تسع أصلا فهذا الاحتمال فيه إشكال قال في
شرح المهذب وليلة القدر من خصائصنا قال وأجمع من يعتد به
على دوامها ووجودها إلى آخر الدهر ويراها ويتحققها من شاء
الله من بني آدم كل سنة في رمضان وإخبار الصالحين بها
ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى وقول المهلب لا تمكن رؤيتها
حقيقة غلطة وحكمة إخفائها كما في الكشاف أن من أرادها أحيا
ليالي كثيرة طلبا لموافقتها فتكثير عبادته وأن لا يتكل
الناس على إصابة الفضل فيها فيفرطوا فيها
(ابن نصر) محمد في الصلاة (عن معاوية) بن أبي سفيان يرفعه
<فائدة> قال السهروردي تبعا للحكيم الترمذي: خلق الله بحرا
تحت العرش سماه بحر الحياة وجعل فيه حياة كل شيء وجمع
أرزاق الخلق في ذلك البحر فإذا كان ليلة القدر أخرج أرزاق
جميع المرتزقة من خلقه في تلك الليلة إلى مثلها من قابل
فإذا نفد ذلك البحر نفخ في الصور وإليه الإشارة بقوله
تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ثم أقسم [ص:159]
{فورب السماء والأرض إنه لحق}
(2/158)
1572 - (ألحدوا) أي شقوا جانب القبر مما
يلي القبلة شقا وضعوا فيه الميت. قال النووي: وهو بوصل
الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطعها وكسر الحاء (ولا تشقوا) أي
لا تحفروا في وسطه وتبنوا جانبيه وتسقفوه من فوقه (فإن
اللحد لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره (والشق لغيرنا) (1)
أي هو اختيار من قبلنا من الأمم واستفدنا أن اللحد فضل
وليس فيه النهي عن الشق. قال الطيبي: ويحتمل أن ضمير الجمع
نفسه أي أوثر لي اللحد وهو إخبار عن الكائن فيكون معجزة.
اه. ولا يخفى تكلفه
(حم) وكذا الطيالسي (عن جرير) بن عبد الله وفيه عثمان بن
عمير أورده الذهبي في الضعفاء
_________
(1) [واستدلال المناوي هو من سياق الحديث الذي يفهم منه أن
اللحد هو الذي نؤثره والشق هو اختيار غيرنا من الأمم فقد
اشترط العلماء للتحريم إما النص على الحرمة كقول " حرم
عليكم " وإما الوعيد بالعقاب بشرط صحة الحديث وكونه قطعي
الدلالة أي لا يقبل احتمالا آخرا وهذان الشرطان غير
موجودان في هذا الحديث. وانظر الحديث 1422 و 2964 بشأن
ورود صيغة الأمر لغير الوجوب. دار الحديث]
(2/159)
1573 - (ألحد لآدم) أي عمل له شق في جانب
القبر ليوضع فيه عند موته (وغسل) بعد موته (بالماء وترا)
أي ثلاثا أو خمسا أو تسعا وصلى عليه ووضع في لحده (فقالت
الملائكة) أي من حضره منهم أو من في الأرض منهم ويحتمل
العموم أي قال بعضهم لبعض (هذه سنة ولد آدم من بعده) أي كل
من مات منهم يفعل ذلك وقولهم ذلك يحتمل كونه ناشئا عن
اجتهاد أو أن ثبوت الحكم للأصل يستنبع الفرع ويحتمل بأمر
إلهي أو رأوه في اللوح المحفوظ أو في صحفهم أو في غير ذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي) بن كعب ورواه عنه الديلمي
(2/159)
1574 - (الحقوا الفرائض) أي الأنصباء
المقدرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان
ونصفهما ونصف نصفهما (بأهلها) أي من يستحقها بنص التنزيل
في رواية اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله على
وفق ما أنزل الله في كتابه (فما بقي فهو الأولى) بفتح
الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي
بالسكون القرب بأي فهو الأقرب (رجل) من عصبات الميت (ذكر)
احتراز عن الخنثى فإنه لا يجعل عصبة ولا صاحب فرض جزما بل
يعطى أقل النصيبين وقيل ذكر ذكر بعد رجل لسان أن العصبة
ترث ولو صغارا ردا على الجاهلية حيث لم يعطوا إلا من في حد
الرجولية والمحاربة وقيل ذكر وصف الأولى لا لرجل والأولى
بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال هو لقريب الميت ذكر من قبل
رجل وصلب لا من بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى
الميت فأفاد به نفي الإرث عن الأولى من قبل الأم كالخال
ذكره السهيلي. قال الطيبي: وأوقع الموصوف مع الصفة كأنه
قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة
(حم ق ت عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا
الثلاثة والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم المناوي للجماعة
إلا ابن ماجه
(2/159)
1575 - (الزم) بكسر فسكون ففتح (بيتك) أي
محل سكنك بيتا أو خلوة أو غيرهما قاله لرجل استعمله على
عمل فقال يا رسول الله خر لي فعلي هذا فالمراد بلزوم البيت
الانجماع عن الناس والعزلة واحتج به من ذهب إلى ان العزلة
أفضل من مخالطة الناس وذهب جمع إلى عكسه والمسألة مشهورة
فيها كتب مفردة من الجانبين ورجح ابن أبي حمزة أفضلية
العزلة لأهل البداية دون غيرهم أخذا من خلوة المصطفى صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أولا بغار حراء وتأويل البعض الزم
بيتك: قلبك - متكلف. <فائدة> قال بعض الحكماء إذا هرب
الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب فيه الفرات بن أبي الفرات قال
في الميزان عن ابن معين ليس بشيء وعن ابن عدي الضعف بين
على رواياته ثم أورد له هذا الخبر انتهى. وذكر نحوه الحافظ
العراقي
(2/159)
[ص:160] 1576 - (الزم) ندبا (نعليك قدميك)
بأن لا تخلعهما لإرادة الجلوس لنحو الصلاة (فإن خلعتهما)
ولا بد (فاجعلهما) ندبا (بين رجليك ولا تجعلهما) أي ولا
ينبغي أن تجعلهما (عن يمينك) صونا لها عما هو محل الأذى
والقذر (ولا عن يمين صاحبك) يعني مصاحبك في الجلوس (ولا
وراءك) أي وراء ظهرك (فتؤذي) أي لئلا تؤذي بهما (من خلفك)
من الناس فإن فعلت ذلك بقصد الإضرار أثمت قطعا وبدونه
خالفت الأدب
(هـ عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن المحاربي أورده الذهبي
في الضعفاء ووثق
(2/160)
1577 - (الزموا هذا الدعاء) أي داوموا عليه
وهو (اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر) أي
رضاك الأعظم الأفخم الذي يغلب سخطك (فإنه اسم من أسماء
الله) التي إذا سئل بها أعطى وإذا دعي بها أجاب قال
الحليمي: ويؤخذ من هذا أنه ينبغي للمرء أن يدعوه بأسمائه
الحسنى ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا.
قال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} والرضوان بكسر
الراء وضمها لغة قيس وتميم بمعنى الرضا وهو خلاف السخط وفي
الاسم الأعظم أقوال لا تكاد تحصى أفردها خلق بالتأليف
(البغوي وابن قانع) كلاهما في معجم الصحابة
(طب) كلهم (عن حمزة بن عبد المطلب) بن هاشم أبي يعلى أو
أبي عمارة كني بابنته وهو خال الزبير وأمه بنت عم آمنة أم
المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي هالة بنت أهيب
(2/160)
1579 - (ألظوا بياذا الجلال والإكرام) بفتح
الهمزة وكسر اللام وبظاء معجمة مشددة أي الزموا هذه الدعوة
وأكثروا منها كذا في الرياض وفي رواية سندها قوي من حديث
ابن عمر ألحوا بحاء مهملة ثقيلة وكل منها بفتح الهمزة وكسر
اللام ومعناها متقارب ذكره ابن حجر وأيما كان فالمراد
دوموا على قولكم ذلك في دعائكم واجعلوه هجيراكم لئلا
تركنوا أو تطمئنوا لغيره قال الزمخشري: ألظ وألب وألج
أخوات في معنى اللزوم والدوام ويقال ألظ المطر بمكان كذا
أو أتتني ملظتك أي رسالتك التي ألححت فيها قال:
وبلغ بني سعد بن بكر ملظة. . . رسول امرىء بادي المودة
ناصح
ويقال فلان ملظ بفلان وذلك إذا رأيته لا يسكن عن ذكره
ويقال للغريم اللزوم ملظ على مفعل إلى هنا كلامه ومعنى ذا
الجلال استحقاقه وصف العظمة ونعت الرفقة عزا وتكبرا عن نعت
الموجودات فجلاله صفة استحقها لذاته والإكرام أخص من
الإنعام إذ الإنعام قد يكون على غير المكرم كالعاصي
والإكرام لمن يحبه ويعزه ومنه سمي ما أكرم الله به أولياءه
مما يخرج عن العادة كرامات فندب المصطفى صلى الله عليه
وعلى آله وسلم إلى الإكثار من قولك يا ذا الجلال في الدعاء
ليستشعر القلب من دوام ذكر اللسان ويقر في السر تعظيم الله
وهيبته ويمتلىء الصدر بمراقبة جلاله فيكرمه في الدنيا
والآخرة
(ت عن أنس) بن مالك (حم ق ك) وصححه كلهم من طريق يحيى بن
حسان [ص:161] شيخ من أهل بيت المقدس (عن ربيعة بن عامر) بن
نجاد يعد في أهل فلسطين قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم
صحيح وأقره الذهبي وفي الإصابة عن ابن عبد البر لا يعرف
لربيعة هذا إلا هذا الحديث من هذا الوجه
(2/160)
1578 - (الزموا الجهاد) أي محاربة الكفار
لإعلاء كلمة الجبار (تصحوا) أي فإن لزومه يورث صحة الأبدان
(وتستغنوا) بما يفتح الله عليكم من الفيء والغنيمة وفي
إفهامه أن عدم ملازمته يوهن ويفقر وذلك لأن الكف عنه يقوي
العدو ويسلطهم على إهلاك أموال المسلمين ودمائهم
(عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف
(2/161)
1580 - (ألق) ندبا (عنك) أيها الجائي إلينا
وقد أسلم (شعر الكفر) أي أزله بحلق وغيره كقص ونورة والحلق
أفضل قال القاضي: والإلقاء طرح الشيء وهو شامل لشعر الرأس
وغيره كشارب وإبط وعانة وقيس به قلم ظفر وغسل ثوب وما يلي
جسده أكد فإن لم يكن له شعر أمر الموسى عليه كالحج. قال في
المطامح: وأخذ منه الصوفية حلق رأس المريد إذا تاب وهو
بدعة (ثم) وفي رواية بالواو (اختتن) وجوبا إن أمنت الهلاك
وخطاب الواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوص وحلمه على
الندب في إلقاء الشعر لا يستلزم حمله عليه في الختن وإنما
وجب ختانه لأنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر ويحل
كشف العورة له بلا ضرورة وأراد هنا الذكر المحقق وقيس به
الأنثى أما خنثى مشكل فلا
(حم د) من رواية ابن جريج قال أخبرت عن عثيم تصغيرعثمان
(بن) كثير بن (كليب) الصحابي الحضرمي أو الجهني عن أبيه عن
جده أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد أسلمت
فقال الق إلخ قال ابن حجر في التخريج فالصحابي كليب وإنما
نسب عثيم في الإسناد إلى جده وقد وقع مبنيا في رواية
الواقدي قال ابن القطان فيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان
وقال الذهبي هذا منقطع وقال في الفتح سند الحديث ضعيف
(2/161)
1581 - (ألهم إسماعيل) الذي وقفت عليه في
أصول قديمة صحيحة من شعب البيهقي والمستدرك وتلخيصه للذهبي
بخطه إبراهيم بدل إسماعيل فليحرر وإنما نشرحه على لفظ
إسماعيل (هذا اللسان العربي إلهاما) من الله تعالى أي ألهم
الزيادة في بيانه وإيضاح تبيانه بعد ما تعلم العربية من
أهل جرهم ولم تكن لسان أبويه كما يشعر به في البخاري في
نزول أمه مكة ومرور رفقة من جرهم فتعلم منهم فالأولية في
الخبر الآتي أول من فتق لسانه بالعربية إسماعيل فالمراد
بها الأولية المقيدة بزيادة البيان وأحكام إفصاح ذلك
اللسان لا الأولية المطلقة فإنها ليعرب بن قحطان
(ك هب عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم واعترضه الذهبي
بأن مداره على إبراهيم بن إسحاق الغسيلي وكان يسرق الحديث
انتهى وقال البيهقي عقب إيراده المحفوظ مرسل
(2/161)
1582 - (ألهوا) بضم فسكون فضم (والعبوا)
عطف تفسير أي فيما لاحرج فيه (فإني أكره أن يرى) بالبناء
للمجهول (في دينكم) بالبناء للمجهول أيها المسلمون (غلظة)
شدة وفظاظة. قال الزمخشري: وأصل اللهو كل باطل ألهى عن خير
وعما يعني والغلظة مثلثة الغين الفظاظة كما في الصحاح قال
الزمخشري: من المجاز {أخذنا منهم ميثاقا غليظا} {وليجدوا
فيكم غلظة} وما أغلظ طباعهم وأغلظ له في القول
(هب عن المطلب) بتشديد المهملة (بن عبد الله) ابن حنظل
المخزومي ثم قال أعني البيهقي هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع
إلى اللهو المباح انتهى وفيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغساني
قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان وعمرو ابن أبي عمرو
مولى المطلب أورده أيضا في الضعفاء وقال لينه يحيى وقال
أحمد لا بأس به
(2/161)
[ص:162] 1583 - (إليك) لا لغيرك كما يؤذن
به تقديمه (انتهت الأماني) جمع أمنية وهي تقدير الوقوع
فيما يترامى إليه الأمل من منا إذا قدر ولذلك تطلق على
الكذب وعلى ما يتمنى. وقيل هي توقع القلب أمرا يرجو حصوله
(يا صاحب العافية) هكذا أورد المصنف هذا الحديث بهذا اللفظ
كما في هذا الموضع ولعل إيراده هكذا ذهول أو سبق قلم فإن
لفظ الحديث كما رواه القضاعي وغيره اللهم إليك انتهت
الأماني يا صاحب العافية فهو مصدر بلفظ اللهم والخطاب فيه
لله تعالى والمعنى وقفت عليك الأمنية فلا تسأل غيرك كذا
فسره به في الفردوس قال الحافظ البغدادي فانتهاؤها إليه
سبحانه من وجهين أحدهما فرض التوحيد وهو أن كل متمن لا يصل
إلى أمنيته إلا بإرادته سبحانه وقوله إليك إلخ أي الخواطر
تبعث إلى الأسباب فتجيب فتشاهد القلوب بصفاء التوحيد عجزها
فتسير الأماني عنها حتى تجاوزها إلى سببها فيعكف الهم بين
يديه وهذا حال أكثر عوام المؤمنين. الثاني وهو للخواص أنهم
شرعوا في قطع الأماني عن الدنيا والأخرى وسارت قلوبهم
بأمانيها إلى مولاهم لما دعا {ففروا إلى الله} {وأن إلى
ربك المنتهى} فلا إرادة لهم إلا في خدمته ولا تعلق لهم إلا
به قوله يا صاحب العافية: أي أنت القادر على العافية من كل
بلية ومن سقم وعلاقة ومن كل أمنية لا ينتهى إليها وهم. وفي
الشعب عن ابن أدهم إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبه
بضده فاذا أنت عرفت فضل ما أوتيت فاقلب العافية بالبلاء
تعرف فضل العافية وقيل لبشرالحافي: بأي شيء تأكل الخبز
قال: أذكر العافية وأجعلها إداما
(طس هب عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي نفسه عقب تخريجه
في إسناده ضعف انتهى. وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني:
إسناده حسن
(2/162)
1584 - (أما) بتخفيف الميم (إن) بكسر
الهمزة إن جعلت إما بمعنى حقا (1) وبفتحها إن جعلت
استفتاحية (ربك يحب المدح) وفي رواية الحمد وهذا قاله
للأسود بن سريع حين قال يا رسول الله مدحت ربي بمحامد ومدح
وإياك فقال له أما إن إلخ
(حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) بفتح السين التميمي السعدي
صحابي نزل البصرة ومات في أيام الجمل قال الهيثمي أحد
أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح
_________
(1) هذا سهو والصواب العكس لأن إن تكسر بعد أداة الاستفتاح
كقوله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} وتفتح بعد
حقا كقول الشاعر: أحقا أن جيرتنا استقنوا. كما في مغني
اللبيب والظاهر أن السهو وقع من أول ناسخ فعممت النسخ به
وإلا فليس مثل هذا مما يخفى على المناوي اه
(2/162)
1585 - (أما إن كل بناء) من القصور المشيدة
والحصون المانعة والغرف المرتفعة وهو (وبال على صاحبه) أي
سوء عقاب وطول عذاب في الآخرة لأنه إنما يبنيها لذلك رجاء
التمكن في الدنيا والتشبيه بمن يتمنى الخلود فيها مع ما
فيه من اللهو عن ذكر الله والتفاخر والتطاول على الفقراء
وقد ذم الله فاعليه بقوله {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون}
(إلا ما لا إلا ما لا) بد منه لوقاية حر وبرد وستر عيال
ودفع لص ونحو ذلك مما لا غنى له عنه ويختلف باختلاف
الأحوال والأشخاص فرب بناء ليس وبالا على إنسان وبال على
غيره والأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات
(د عن أنس) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة
مشرفة فقال ما هذه قالوا لفلان فسكت حتى جاء فأعرض عنه
فشكا لأصحابه فأخبر الخبر فهدمها فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلم يرها فسأل فقالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك
فأخبرناه فهدمها فذكره قال ابن حجر رجاله موثوقون إلا
الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي غير معروف وله شواهد عن
وائلة عند الطبراني
(2/162)
1586 - (أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم
القيامة إلا ما كان في مسجد أو أو أو) أي أو كان في مدرسة
مثلا أو كان [ص:163] في رباط أو كان في خان مسبل ونحو ذلك
مما يقصد به البر والإحسان كصهريج وبئر وقنطرة وحوض وغير
ذلك مما قصد ببنيانه التقرب إلى الله وما عدا ذلك فهو
مذموم شرعا وعرفا. مر حكيم على بناء فقيل له كيف تراه قال
بناء شديد وأمل بعيد وعيش زهيد وقيل: خلق ابن آدم من تراب
فهمته في التراب وخلقت المرأة من الرجل فهمتها في الرجل
<تنبيه> قال الداودي: ليس الغرس كالبناء لأن من غرس ونيته
طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الإثم.
وقال ابن حجر: لاشك أن في الغرس من الأجر من أجل ما يؤكل
منه ما ليس في البناء وإن كان في بعض البناء ما فيه أجر
كالذي يحصل نفعه بغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب
(حم هـ عن أنس) بن مالك
(2/162)
1587 - (أما إنك) أيها الرجل كالذي لدغته
عقرب (لو قلت حين أمسيت) أي دخلت في المساء (أعوذ بكلمات
الله التامات) أي التي لا نقص ولا عيب فيها وفي رواية كلمة
بالإفراد قال الحكيم وهما بمعنى فالمراد بالجمع الجملة
وبالواحدة ما تفرق في الأمور والأوقات ووصفها بالتمام
إشارة إلى كونها خالصة من الريب والشبه {وتمت كلمات ربك
صدقا وعدلا} (من شر ما خلق) أي من شر خلقه وهو ما يفعله
المكلفون من إثم ومضارة بعض لبعض من نحو ظلم وبغي وقتل
وضرب وشتم وغيرها من نحو لدغ ونهش وعض (لم تضرك) بأن يحال
بينك وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه قال
الحكيم: وهذا مقام من يقي له التفات لغير الله أما من توغل
في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ
إلا بالله ولم يلتجىء إلا إليه والنبي لما ترقى عن هذا
المقام قال أعوذ بك منك والرجل المخاطب لم يبلغ ذلك
(م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه أيضا عنه النسائي في
يوم وليلة ولم يخرجه البخاري
(2/163)
1588 - (أما أنه) أي من لدغته عقرب فلم ينم
ليلته (لو قال حين أمسى) في تلك الليلة (أعوذ بكلمات الله
التامات من شر ما خلق لم يضره لدغ عقرب حتى يصبح) لأن
الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه
وإن وقع لم يضر والدواء الطبيعي إنما ينجع بعد حصول الداء
<تنبيه> قال العارف ابن عربي: شرط تأثير خواص الحروف أن
يستحضرها حال الرقم أو اللفظ في وهمه وخياله ويتصورها
فتفعل بالاستحضار وإن عرى عن الاستحضار كان خيالا لا يعمل
وإذا صحبه الاستحضار عمل فإنه مركب من استحضار ونطق أو رقم
وكثير لم يتفطنوا لمعنى الاستحضار وهذا العلم يسمى علم
الأولياء وبه تظهر أعيان الكائنات فإذا استحكم سلطان
استحضار الحروف واتخذ المستحضر لها بها ولم يبق فيه متسع
لغيرها ويعلم ما هي خاصيتها حتى يستحضرها من أجل ذلك فيرى
الأثر على الأثر فهذا شبيه بالفعل بالهمة وإن لم يعلم ما
يعطيه فإنه يقع الفعل في الوجود ولا علم له به وكذا سائر
أشكال الحروف في كل مرتبة وهذا الفعل بالحرف المستحضر يعبر
عنه بعض من لا علم له بالهمة والصدق وليس كذلك وإن كانت
الهمة روحا للحرف المستحضر لا عين الشكل المستحضر وإذا
علمت خواص الكلمات وقع الفعل بها علما لكاتبها أو المتلفظ
بها بشرطه وإن لم يعين ما هي مرتبطة به من الانفعالات وقد
رأينا من قرأ آية من القرآن وما عنده خبر فرأى أمرا غريبا
حدث وكان ذا فطنة فرجع في تلاوته لينظر بأية آية حصل ذلك
فلم ير ذلك الأثر حتى عاودها مرارا فتحققه فاتخذها لذلك
الانفعال وصار كلما أراد رؤية [ص:164] ذلك الانفعال تلى
الآية فيظهر ذلك الأثر وهو علم شريف لكن السلامة فيه عزيزة
فالأولى تركه فإنه من العلم الذي اختص الله به أولياءه في
الجملة وإن كان عند بعض الناس منه قليل لكن من غير الطريق
الذي يناله الصالحون ولهذا يشقى به من هو عنده ولا يسعد
(هـ عن أبي هريرة) قال لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلة فقيل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا لدغته عقرب فلم
ينم فذكره
(2/163)
1589 - (أما إن العريف) كعظيم: القيم على
قومه يسوسهم ويحفظ أمورهم ليعرف بها من فوقه عند الحاجة
(يدفع في النار دفعا) أي يدفعه الزبانية في نار جهنم دفعا
شنيعا فظيعا وهذا تحذير من التعرض للرياسة والتحرز عنها ما
أمكن لأنه إذا لم يقم بحقها استحق العقوبة والغالب على
العرفاء الاستطالة وتعدي الحد وترك الإنصاف والعرافة أولها
سلامة وأوسطها ندامة وآخرها عذاب يوم القيامة
(طب) من حديث مودود بن الحارث عن أبيه عن جده (عن يزيد بن
سيف) بن جازية اليربوعي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت يا رسول الله إن رجلا من بني تميم ذهب بمالي كله فقال
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس عندي ما أعطيكه هل
لك أن تعرف إلى قومك قلت لا قال أما إلخ قال الهيثمي مودود
وأبوه لم أجد أحدا ترجمهما
(2/164)
1590 - (أما بلغكم) أيها القوم الذين قد
وسموا الحمار في وجهه (أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها)
أي دعوت عليه باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن الرحمة فكيف
فعلتم ذلك به مع أن النهي للتحريم واقترانه باللعن يدل على
التغليظ وكونه كبيرة فإنه تعذيب بلا طائل (أو ضربها) أي
ولعنت من ضربها (في وجهها) لأن الوجه لطيف فربما شانه
وشوهه وربما آذى الحواس أو بعضها فيحرم فعل ذلك بكل دابة
محترمة وهو في الآدمي أشد. قال في الصحاح: وسمه إذا أثر
فيه بسمة وكما قال الزمخشري: ومن المجاز وسمه بالهجاء
(د عن جابر) بن عبد الله
(2/164)
1591 - (أما) في رواية ألا (ترضى) يا عمر
بن الخطاب (أن تكون لهم) في رواية لهما يعني كسرى وقيصر
(الدنيا) أي نعيمها والتمتع بزهرتها ونضرتها ولذتها (ولنا
الآخرة) أيها الأنبياء والمؤمنون ولم يقل لي مع كون السؤال
عن حاله إشارة إلى أن الآخرة لأتباعه وهذا قاله لعمر وقد
رآه عمر على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم
حشوها ليف وعند رجليه مرط وعند رأسه إهاب معلقة فقال: كسرى
وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله هكذا فذكره وزاد في
رواية يا ابن الخطاب أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة
الدنيا وذلك لأنه شاهد بعين الفؤاد موعود الجزاء فاستوى
عنده ذهبها وترابها فترك الفاني للباقي على يقين ومشاهدة
وآثر الصبر بحبس النفس عما تشتهيه طبعا مما هو محلل لها
شرعا فلذا قال ما قال فتدبر شأن أهل الكمال
(ق هـ عن عمر) بن الخطاب
(2/164)
1592 - (أما ترضى إحداكن) أيها النساء
(أنها إذا كانت حاملا من زوجها بولد) ومثلها الأمة من
سيدها (وهو عنها راض) أي والحال أنه راض عنها بأن كانت
مطيعة له فيما يحل شرعا (أن لها) أي بأن لها مدة حملها
(مثل أجر الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (في سبيل الله)
أي في الجهاد (وإذا أصابها الطلق) أي ألم الولادة (لم يعلم
أهل السماء [ص:165] والأرض) من إنس وجن وملائكة وغيرهم (ما
أخفي لها) عند الله تعالى (من قرة أعين) جزاء لها على
تحملها مشقة حملها وصبرها على شدائد المخاض ومحافظتها على
رضا بعلها (فإذا وضعت) حملها (لم يخرج من لبنها جرعة ولم
يمص (1)) أي المولود (من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة
وبكل مصة حسنة) تكتب لها في صحيفتها لتجازى عليها يوم
القيامة. قال في الصحاح: والجرعة من الماء بالضم حسوة منه.
وقال الزمخشري: جرعت الماء واجترعته بمرة وتجرعته شيئا بعد
شيء ومن المجاز تجرع الغيظ (فإن أسهرها) أي المولود (ليلة)
فلم يدعها تنام لصياحه وعدم نومه (كان لها مثل أجر سبعين
رقبة) أي نفسا (تعتقهم في سبيل الله تعالى) لله تعالى
وقياس نظائره أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد
(سلامة) أي يا سلامة حاضنة ولدنا إبراهيم التي خاطبناها
بذلك كله لتخبر به النساء اللاتي أرسلنها تسأل عما سيجىء
(تدرين) أصله أتدرين أي أتعلمين (من أعني بهذا) الجزاء
الموعود المبشر به من النساء (الممتنعات (2) الصالحات
المطيعات لأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير) أي الزوج أي
لا يغطين إحسانه إليهن ولا يجحدن إفضاله عليهن والعشير
المعاشر أو الزوج كما في الصحاح. وقال الزمخشري: زوج
المرأة عشيرها والكفر الستر والتغطية ومنه. . . في ليلة
كفر النجوم غمامها
(الحسن بن سفيان) في مسنده عن هشام بن عمار عن أبيه عمار
بن نصر عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عن سلامة (طس) عن
محمد بن أبي زرعة عن هشام بن عمار عن أبيه عن عمرو عن أنس
عن سلامة (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن سلامة) المرأة
(حاضنة السيد إبراهيم) ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم قالت قلت يا رسول الله إنك تبشر الرجال بكل خير ولا
تبشر النساء فذكره وهشام بن عمار سبق أن فيه مقالا وأبوه
عمار بن نصر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال قال ابن
عساكر أحاديثه تدل على لينه عن عمرو بن سعد الخولاني قال
الذهبي في الذيل: اتهم بالوضع وأورد ابن الجوزي الحديث في
الموضوعات. وقال قال ابن حبان عمرو بن سعيد الذي يروي هذا
الحديث الموضوع عن أنس لا يحل ذكره في الكتب إلا على جهة
الاعتبار للخواص
_________
(1) مبني للفاعل ويجوز بناؤه للمفعول اه
(2) قوله الممتنعات يجوز رفعه ونصبه أي أعني أو هن
(2/164)
1593 - (أما كان يجد هذا) الرجل الشعث الذي
تفرق شعره وثار (ما يسكن به) بضم أوله وشد الكاف (رأسه) أي
شعر رأسه (1) أي يضمه ويلينه من زيت فعبر بالسكون عن ذلك
(أما كان يجد هذا) الرجل الذي ثيابه وسخة دنسة (ما يغسل به
ثيابه) من نحو غاسول أو صابون (2) والاستفهام للإنكار أي
كيف لا يتنظف ويحسن هيئته مع تيسر تحصيل الدهن والصابون أو
ما يقوم مقامه مع أنه عام الوجود سهل التحصيل خفيف المؤنة
والمنة. قال الطيبي: أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته
وأما خبر البذاذة من الإيمان فإثبات للتواضع للمؤمن كما
ورد المؤمن متواضع وليس بذليل وله العزة دون الكبر ومنه
حديث أبي بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وحينئذ فيندب التنظف
مؤكدا وقد [ص:166] كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يحافظ على النظافة وكان يربط على بطنه الحجر من الجوع
ولا يترك الطيب ويتعهد أحوال نفسه لا يفارقه في الحضر ولا
في السفر المرآة والسواك والمقراض وكان إذا أراد الخروج
للناس نظر في ركوة فيها ماء فيسوي من لحيته وشعر رأسه
(حم د حب ك عن جابر) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم رجلا ثائر الشعر فذكره قال الحاكم على شرطهما
وأقره الذهبي وقال العراقي إسناده جيد
_________
(1) فيه استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والترجيل بالزيت
ونحوه وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غبا
ويأمر به وقال من كان له شعر فليكرمه
(2) فيه طلب النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن
قال الشافعي ومن نظف ثوبه قل همه وفيه الأمر بغسل الثوب
ولو بماء فقط
(2/165)
1594 - (أما يخشى) أي يخاف وفي رواية ألا
يخشى (أحدكم) أيها المقتدون (إذا رفع رأسه) أي من السجود
فهو نص في السجود لحديث أبي داود الذي يرفع رأسه والإمام
ساجد وألحق به الركوع لكونه في معناه ونص على السجود لمزيد
مزيته فيه إذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية
الخضوع المطلوب كذا في الفتح ورده في العمرة بأنه لا يجوز
تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود لأن الحكم فيهما سواء
(قبل) مع (الإمام) رأسه زاد في رواية ابن خزيمة في صلاته
(أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع تعديا (رأس حمار) وفي
رواية ابن حبان كلب (أو) للشك (يجعل الله صورته صورة حمار)
حقيقة بناء على ما عليه الأكثر من وقوع المسخ في هذه الأمة
أو مجازا عن البلادة الموصوف بها الحمار فاستعير ذلك
للجاهل حيث لم يعلم أن الإئتمام المتابعة ولا يتقدم التابع
على المتبوع أو أنه يستحق به من العقوبة في الدنيا. هذا
ولا يلزم من الوعيد الوقوع وارتضى حجة الإسلام الثاني ورد
ما عداه بأن تحويل رأس المقتدي من حيث الشكل لم يكن قط ولا
يكون بل المراد قلب معنوي وهو مصيره كالحمار في معنى
البلادة إذ غاية الحق الجمع بين الإقتداء والتقدم فعلم أنه
كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ لكن
لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية قال
القرطبي: وفيه ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب
(ق عد) في الصلاة (عن أبي هريرة)
(2/166)
1595 - (أما يخشى أحدكم) أيها المصلون (إذا
رفع رأسه) من الركوع أو السجود (في الصلاة) قبل إمامه (أن
لا يرجع إليه بصره) بأن يعمى قبل رفع رأسه ثم لا يعود إليه
بصره بعد ذلك وهذا زجر وتهويل ولا مانع من أن يراد بالبصر
البصيرة وفيه كالذي قبله منع تقدم المأموم على الإمام في
الرفع من الركوع والسجود وألحق به بعضهم التقدم عليه في
الخفض بل أولى لأن الاعتدال والقعود بين السجدتين من
الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا وجبت الموافقة في
الوسيلة ففي المقصد أولى ونوزع بأن الرفع منهما يستلزم
قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد منه في
الوسائل قيل وفيه أيضا جواز المقارنة ومنع بأنه دل بمنطوقه
على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة
فمسكوت عنها قال ابن بزيرة واستدل بظاهره قوم لا يعقلون
على جواز التناسخ وهو مذهب رديء مبني على ترهات وأباطيل.
(تتمة) قال في الفيض: ليس للتقدم على الإمام سبب إلا
الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبله
(حم م هـ عن جابر بن سمرة) بضم الميم وتسكن تخفيفا
(2/166)
1596 - (أما والله) صدره بكلمة التنبيه
التي هي من طلائع القسم ومقدماته وقرنه بالقسم لتحقيق ما
بعده وإثباته في خلد السامع وردا على من عاند في كفره
بعدما صار على جلية من أمره (إني لأمين في السماء) قدم
السماء لعلوها ورمز إلى أن [ص:167] شهرته بهذه الصفة عند
العالم العلوي لا خلاف فيه (أمين في الأرض) أي في نفس
الأمر وعند كل عالم بحاله وذا على وزن {فورب السماء والأرض
إنه لحق} وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعى في
الجاهلية الأمين وإذا أطلقوه لا يعنون به إلا هو وفيه حل
مدح المرء نفسه بهذا الوصف للتأكيد
(طب عن ابن رافع) قال أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود يقول
له أسلفني رغيفا إلى رجب فقال لا إلا برهن فذكره صلى الله
عليه وسلم وزاد البزار اذهب بدرعي الحديد إليه
(2/166)
1597 - (أما علمت) يا عمرو الذي جاء إلينا
يبايعنا وقد أراد وقوع المبايعة على اشتراط المغفرة (أن
الإسلام يهدم ما كان قبله) من الكفر والمعاصي أي يسقط
ويمحو أثره ويرفع خبره (وأن الهجرة) من أرض الكفر إلى بلاد
الإسلام (تهدم) أي تمحو والمراد بالهجرة ما كان قبل الفتح
(ما كان قبلها) من الخطايا المتعلقة بحق الحق تعالى من
العقوبات أما الحق المالي كزكاة وكفارة يمين ففي سقوطها
خلاف بين العلماء (وأن الحج يهدم ما كان قبله) الحكم فيه
كسابقيه لكن ورد في خبر أنه يكفر حتى الدماء والمظالم أخذ
به جمع. وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدا في
بشارته وترغيبا في متابعته وفيه عظم موقع كل من الثلاثة
وأن كل واحد بمفرده يكفر ما قبله ذكره شارحون. وقال
الطيبي: فيه وجوه من التأكيد تدل على أن حكم الهجرة والحج
حكم الإسلام أحدهما أنه من أسلوب الحكيم فإن غرض عمرو من
إبائه عن المبايعة الآتي بيانه ما كان إلا حكم نفسه في
إسلامه والهجرة والحج زيادة في الجواب فكأنه قال: لا تهتم
بشأن الإسلام وحده وأنه يهدم ما قبله فإن الحج والهجرة
كذلك " الثاني " أن همزة إما فيها معنى النفي وما نافية
فإذا اجتمعا دلا على التقرير سيما وقد اتبعا بقوله علمت
إيذانا بأن ذلك أمر لا نزاع فيه ولا ينبغي أن يرتاب فيما
يتلوهما " الثالث " لفظ يهدم فإنه قرينة الاستعارة المكنية
شبه الخصال الثلاث في قلعها الذنوب من محلها بما يهدم
البناء من أصله ثم أثبت للإسلام ما يلائم المشبه به من
الهدم " الرابع " الترقي فإن قوله الحج يهدم ما قبله أبلغ
في إرادة المبالغة من الهجرة لأنه دونها فإذا هدم الحج
الذنوب فبالأولى أن يهدمها الهجرة لأنها مفارقة الوطن
والأحباب " الخامس " تكرير يهدم في كل من الخصال دلالة على
استقلال كل منهما بالهدم
(م) من حديث ابن شماسة (عن عمرو بن العاص) قال حضرنا عمرو
بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى
الجدار فجعل ولده يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى
الله عليه وسلم بكذا أما بشرك بكذا فأقبل بوجهه فقال إن
أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أين
كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا للمصطفى
صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون استمكنت منه
فقتلته فلو مت على ذلك كنت من أهل النار فلما جعل الله في
قلبي الإسلام أتيته فقلت ابسط يمينك أبايعك فبسطها فقبضت
يدي قال مالك قلت أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي
فذكره فما كان أحد أحب إلي ولا أجل في عيني منه وما كنت
أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت
ولو مت على تلك الحالة رجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا
أشياء ما أدري حالي فيها
(2/167)
1598 - (أما إنكم) قال ابن مالك في شرح
الكافية: يجوز كسر إن بعد أما مقصودا بها معنى ألا
الاستفتاحية وإن قصد بها معنى حقا فتحت انتهى والمعنى أيها
الناس الذين جلستم عند مصلانا تكشرون أي تضحكون (لو أكثرتم
ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى) من الكشر وهو ظهور
الأسنان للضحك (الموت) بجره عطف بيان ورفعه خبر مبتدأ
محذوف ونصبه بتقدير أعني (فأكثروا ذكر هاذم اللذات) الموت
(فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي حقيقة والذي
خلق الكلام في لسان [ص:168] الإنسان قادر على أن يخلقه في
الجماد ولا يلوم من ذلك سماعنا له ويحتمل أن المراد أن
يقول ذلك بلسان الحال (فيقول أنا بيت الغربة) فالذي يسكنني
غريب (وأنا بيت الوحدة) فمن حل بي وحيد (وأنا بيت التراب
وأنا بيت الدود) فمن سكنني أكله التراب والدود ومن ثم قال
حكيم: اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح ما أمكنك
ليؤنسك (فإذا دفن العبد المؤمن) أي المطيع لله تعالى كما
يدل عليه ذكره الفاجر والكافر في مقابلته (قال له القبر
مرحبا وأهلا) أي لقيت رحبا وأهلا (أما) بالتخفيف (إن كنت
لأحب من يمشي على ظهري إلى) لما أنك مطيع لربي وربك (فإذا
وليتك اليوم وصرت إلي) أي انتقلت من الدنيا إلي. قال في
المصباح: صار زيد غنيا انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن
عليها وصار العصير خمرا كذلك وصار الأمر إلى كذا رجع إليه
(فسترى صنيعي بك) فإني محسنه جدا وقضية السين أن الاتساع
وما بعده مما يأتي يتأخر عن الإقبار (فيتسع مد بصره) أي
بقدر ما يمتد إليه بصره (ويفتح له باب إلى الجنة) يعني
تفتحه له الملائكة بإذن الله أو ينفتح بنفسه بأمر الله
(وإذا دفن العبد الفاجر) أي المؤمن الفاسق (أو الكافر) بأي
كفر كان (قال له القبر) بلسان الفال أو الحال على ما سبق
(لا مرحبا ولا أهلا) بك (أما) بالتخفيف (إن كنت لأبغض من
يمشي على ظهري إلي) لما أنك عاص لربي وربك (فإذا وليتك
اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه) أي ينضم (حتى
يلتقي عليه) بشدة وعنف (وتختلف أضلاعه) من شدة الضغط وقضية
هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن
المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ
وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ويمكن
الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا
والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر
يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين
ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره (ويفيض له
سبعون تنينا) أي ثعبانا (لو أن واحدا منها نفخ في الأرض)
أي على ظهرها بين الناس (ما أنبتت شيئا) من النبات (ما
بقيت الدنيا) أي مدة بقائها (فينهشنه) بشين معجمة وقد تهمل
والنهش القبض على اللحم ونثره (ويخدشنه) أي يخرجنه قال في
المصباح خدشته خدشا جرحته في ظاهر الجلد (حتى يفضي به إلى
الحساب) أي حتى يصل إلى يوم القيامة والإفضاء الوصول. قال
في المصباح: أفضيت إلى الشيء وصلت إليه (إنما القبر روضة
من رياض الجنة) حقيقة لما يتحف المؤمن به من الريحان
وأزهار الجنان أو مجازا عن خفة السؤال على المؤمن وأمنه
وراحته وسعته كما يقال فلان في الجنة إذا كان عيشه رغدا
(أو حفرة من حفر النار) حقيقة أو مجازا على ما تقرر فيما
قبله والقبر واحد القبور. قال في المختار: وهو مما أكرم به
بنو آدم [ص:169] وقال الزمخشري: تقول نقلوا من القصور إلى
القبور ومن المنابر إلى المقابر والخفرة قال في الصحاح
بالضم واحدة الحفر. وقال الزمخشري: حفر النهر بالمحفار
واحتفره ودلوه في الحفرة والحفيرة وهو القبر <تنبيه> ظاهر
هذا الخبر أن عذاب القبر غير منقطع وفي كثير من الأخبار
والآثار ما يدل على انقطاعه والظاهر اختلافه باختلاف
الأشخاص
(ت عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه (أما) بالتشديد
وكذا ما بعده
(2/167)
1599 - (أما أنا فلا آكل متكئا) أي متمكنا
معتمدا على وطاء تحتي أو مائلا إلى أحد شقي ومن فهم أن
المتكئ ليس إلا المائل إلى أحدهما فقد وهم إذ كل من استوى
قاعدا على وطاء فهو متكئ وفي إفهام قوله أما أنا جعل
الخيار لغيره على معنى أما أنا أفعل كذا وأما غيري
فبالخيار فربما أخذ منه أنه غير مكروه لغيره
(ت عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة السوائي وقد سبق
وظاهر صنيعه أن ذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه
وهو ذهول فقد عزاه في منن الشفاء للبخاري
(2/169)
1600 - (أما أهل النار) في أكثر نسخ مسلم
أهل النار بحذف أما وعليه فالفاء في فإنهم الآتية زائدة
(الذين هم أهلها) أي المختصون بالخلود فيها المستوجبون
لعذاب الأبد وفيه إيذان بأنه لا يسمى أهل النار إلا الكفار
(فإنهم لا يموتون فيها) موتا يريحهم (ولا يحيون) فيها حياة
تريحهم كما قال تعالى {لا يموت فيها ولا يحيى} وهذا مذهب
أهل السنة أن النعيم والعذاب دائم (ولكن ناس) من المؤمنين
(أصابتهم النار بذنوبهم) في رواية بخطاياهم (فأماتتهم)
بتاءين أي النار وفي رواية لمسلم فأماتهم الله (إمانة) أي
بعد أن يعذبوا ما شاء الله وهي إماتة حقيقية وقيل مجازية
عبارة عن ذهاب الإحساس بالألم ورجح الأول تأكيده بالمصدر
وفائدة النار مع عدم الإحساس بعذابها حصول التأديب بصرفهم
عن نعيم الجنة تلك المدة ثم يحبسون في النار بلا إحساس ما
شاء الله كالمسبحون بدار عذاب الملك والإيمان على باب
النار ينتظرهم (حتى إذا) بعثهم الله من تلك النوبة قد
(صاروا فحما) أي كالحطب الذي أحرق حتى اسود في الصحاح
الفحم معروف قال في المصباح: وقد تفتح الحاء وفحمت وجهه
بالتثقيل سودته بالفحم (أذن) بالبناء للمفعول والفاعل الله
تعالى (بالشفاعة) فيهم فحملوا وأخرجوا (فجيء بهم) أي فتأتي
بهم الملائكة إلى الجنة بإذن ربهم (ضبائر ضبائر) بفتح
الضاد المعجمة نصب على الحال هكذا وقعت مكررة في الروايات
أي يحملون كالأمتعة جماعات منفردين في تفرقة عكس أهل الجنة
فإنهم يدخلون يتحاذون بالمناكب لا يدخل آخرهم قبل أولهم
ولا عكسه كما في خبر. وهؤلاء يدخلون متفرقين إظهارا لأثر
المخالفة عليهم ومع ذلك ففصل الله شملهم والضبائر جمع
ضبارة بفتح الضاد المعجمة وكسرها الحزمة. قال في المصباح:
ضبر الفرس جمع قوائمه وعنده إضبارة من كيت بكسر الهمزة
جماعة وهي الحزمة انتهى (فبثوا) بباء موحدة مضمومة ثم
مثلثة أي فرقوا (على أنهار الجنة) أي على حافاتها (ثم قيل)
أي قالت الملائكة بأمر الله أو قال الله (يا أهل الجنة
أفيضوا) صبوا (عليهم) من الماء ماء الحياة فيفيضون منه
فيحيون (فينبتون نبات الحبة) ولفظ رواية مسلم فينبتون منه
كما تنبت الحبة وهو بكسر الحاء وشدة الموحدة حب الرياحين
والعشب وبزر البقول ونحوه مما ينبت في البرية والصحراء ما
ليس بقوت يكون (في حميل السيل) بفتح الحاء وكسر الميم ما
حمله السيل من نحو طين أو غثاء في معناه محمول السيل وزعم
إرادة حب البقلة الحمقاء وهي الرجلة لأنها تنبت سريعا على
جانب السيل فيتلفه السيل ثم تنبت فيتلفه وهكذا ولهذه سميت
بالحمقاء كأنه لا تمييز لها يرده رواية البخاري فينبتون
كما تنبت الحبة في جانب السيل [ص:170] ألم تر أنها تخرج
صفراء ملتوية وبقلة الحمقاء ليست صفراء وإنما كانت صفراء
لأنها أحسن ألوان الرياحين ولهذا تسر الناظرين وسيد رياحين
الجنة الحناء وهو أصفر والمراد التشبيه في سرعة النبات
وطراوته وحسن لونه وضعف النبات فهو كناية عن سرعة نباتهم
وحسن ألوانهم وضعف حالهم ثم يشتد قواهم بعد ويصيرون إلى
منازلهم شبه سرعة عود إنباتهم بسرعة نباتها وفي خبر يكتب
على جباههم هؤلاء عتقاء الرحمن قيل وماء الحياة معنوي ولا
مانع من كونه حسيا وفيه رد على المرجئة حيث أفاد دخول
طائفة من الأمة النار وعلى المعتزلة لدلالته على عدم تخليد
العاصي فيها
(حم م هـ عن أبي سعيد) الخدري قال العارف ابن عربي رضي
الله عنه وهو صحيح كشفا
(2/169)
1601 - (أما أول أشراط الساعة) أي علاماتها
التي يعقبها قيامها (فنار تخرج من المشرق) أي جهة شروق
الشمس (فتحشر الناس) أي تجمعهم مع السوق (إلى المغرب) قيل
لعله أراد نار الفتن وقد وقعت كفتنة التتار سارت من المشرق
إلى المغرب وقيل بل تأتي واستشكل جعل النار أول العلامات
بأن بعثة نبينا من الأشراط والنار لم تتقدمه وفي خبر أول
الآيات طلوع الشمس من مغربها (وأجيب بأن) بعض علاماتها
علامات لقربها وبعضها علامة غاية قربها وبعضها علامة
وقوعها ومن الأول البعثة ومن الثاني النار والدخان والدجال
ويأجوج ومأجوج والثالث طلوع الشمس وخروج الدابة سمي أولا
لأنه مبدأ ذلك القسم (وأما أول ما) أي طعام (يأكله أهل
الجنة) أي فيها (فزيادة كبد حوت) أي زائدته وهي القطعة
المنفردة المعلقة بالكبد وهي ألذه وأهناه وأمرأه (1) (وأما
شبه الولد أباه) تارة (وأمه) تارة أخرى (فإذا سبق ماء
الرجل ماء المرأة) في النزول والاستقرار في رحمها (نزع
إليه) أي نزع إلى الرجل (الولد) بنصبه على المفعولية أي
جذب السبق إليه الولد (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع)
أي الولد (إليها) أي إلى المرأة. قال في الصحاح: نزع إلى
أبيه في الشبه أي ذهب وفي المصباح نزع إلى الشيء ذهب إليه
وإلى أبيه ونحوه أذهبه أشبهه
(حم خ ن عن أنس) قال بلغ ابن سلام مقدم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاثة لا
يعلمها إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله
أهل الجنة ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع
الولد إلى أخواله فقال النبي صلى الله عليه وسلم خبرني بهن
آنفا جبريل ثم ذكره فأسلم
_________
(1) والحكمة في ذلك أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول
الحرارة التي حصلت للناس في الموقف
(2/170)
1602 - (أما صلاة الرجل في بيته) أي في محل
إقامته من بيت أو خلوة أو غيرهما (فنور) أي منورة للقلب
بحيث يشرق فيه أنوار المعارف والمكاشفات وتكون نورا يوم
القيامة في تلك الظلم (فنوروا بها بيوتكم) فإنها تمنع
المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن
النور يستضاء به
(حم هـ عن عمر) بن الخطاب
(2/170)
1603 - (أما) بالتشديد (في ثلاثة مواطن) أي
أماكن من يوم القيامة. قال في الصحاح: الوطن محل الإنسان
والموطن المشهد من مشاهد الحروب. وقال الزمخشري: من المجاز
هذه أوطان الإبل لمرابضها وثبت في موطن القتال ومواطنه وهي
مشاهدة (فلا يذكر أحد أحدا) لعظم هولها وشدة روعها (عند
الميزان (1)) أي إذا وضع لوزن الأعمال [ص:171] (حتى يعلم)
الإنسان (أيخف ميزانه) فيكون من الهالكين (أم يثقل) فيكون
من الناجين (وعند الكتاب) أي نشر صحف الأعمال (حين يقال
هاؤم (2) اقرؤوا كتابيه (3) حتى يعلم أين يقع كتابه أفي
يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره) قال ابن السائب: تلوى
يده خلف ظهره ثم يعطى كتابه وقيل تنزع من صدره إلى خلف
ظهره ثم يعطاه قال ابن رسلان: وظاهره أن من يؤتى كتابه
بشماله قسمان قسم يؤتاه بشماله لا من وراء ظهره وقسم
بشماله من ورائه وقال غيره: يعطى المؤمن العاصي كتابه
بشماله والكافر من ورائه (وعند الصراط) الجسر الممدود على
متن جهنم ليمر الناس عليه (إذا وضع بين ظهراني جهنم) بفتح
الظاء أي على ظهرها أي وسطها كالجسر فزيدت الألف والنون
للمبالغة والياء لصحة دخول بين على متعدد وقيل لفظ ظهراني
مقحم (حافتاه كلاليب (4)) جمع كلاب بالضم أو كلوب بالفتح
وشد اللام فيهما حديدة معوجة الرأس أو عود في رأسه اعوجاج
(كثيرة وحسك) جمع حسكة شوكة صلبة معروفة تسمى شوك السعدان
تشبه حلمة الثدي (كثير يحبس الله بها من يشاء من خلقه)
يعني يعوق من شاء ويصرعه بكلاليب الصراط حتى يهوي إلى
النار (حتى يعلم أينجو أم لا) قال الحليمي: في الحديث
إشعار بأن للمارين عليه مواطئ الأقدام فما ورد من أنه أدق
من الشعر معناه أن يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي
ولا يعلم حدود ذلك إلا الله لخفائها وغموضها وقد اعتيد ضرب
المثل للغامض الخفي بدقة الشعر وأنه أحد من السيف معناه
أدق دقيق اه. وهذا كله إلهاب وتهييج وتذكير للمرء بما
أمامه من القدوم على أهوال لا يخلصه منها إلا لطف الرحمن
(د) في السنة (ك) في الأهوال (عن عائشة) قالت ذكرت النار
فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قالت ذكرت
النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فذكره قال
الحاكم على شرطهما لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة اه.
ورواه أحمد رضي الله تعالى عنه بأتم من هذا وفيه ابن لهيعة
وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي
_________
(1) قال النووي وهي واحدة ذات لسان وكفتين وكفة الحسنات من
نور وكفة السيئات من ظلمة
(2) هاؤم اسم فعل بمعنى خذوا
(3) كتابيه تنازعه هاؤم واقرؤوا فهو مفعول اقرؤوا لأنه
أقرب العاملين ولأنه لو كان مفعول هاؤم لقيل اقرؤه إذ
الأولى إضماره حيث أمكن أي يقول ذلك الناجي لجماعته لما
يحصل له من السرور والظاهر أن قوله هاؤم إلخ معترض بين
قوله وعند الكتاب وقوله حتى يعلم إلخ
(4) أي هما نفسهما كلاليب وهو أبلغ من كونهما فيهما
(2/170)
1604 - (أما بعد) قال الطيبي: أما وضع
للتفصيل فلا بد من التعدد ونقل عن أبي حاتم أنه لا يكاد
يوجد في التنزيل أما وما بعدها إلا وتثنى وتثلث كقوله
تعالى {أما السفينة وأما الجدار} وعامله مقدر أي مهما يكن
بعد تلك القضية (فإن أصدق) وفي رواية بدله خير (الحديث
كتاب الله) اقتباس من قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث
كتابا متشابها} فهو لإعجازه وإفهامه ما اشتمل عليه من
أخبار الأمم والأحكام والمواعظ ومنفعة الخلق وتناسب
الألفاظ وتناسقها في التخير والإصابة وتجاذب نظمه وتآليفه
في الإعجاز والتبكيت أحسن حديث (وإن أفضل) وفي رواية وإن
خير (الهدي هدي محمد) بفتح الهاء وسكون الدال فيهما أي
أحسن الطرق طريقته وسمته وسيرته من هدى هديه سار بسيرته
وجرى على طريقته ويقال فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب
ومنه خبر " اهتدوا بهدي عمار " وبضم ففتح فيهما وهو بمعنى
الدعاء والرشاد ومنه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} إن هذا
القرآن يهدي. وقال القاضي: هو من تهادت المرأة في مشيها
إذا تبخترت ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة وسنة مرضية
ولامه للاستغراق لأن أفعل [ص:172] التفضيل لا يضاف إلا إلى
متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد
المعنى المقصود وهو تفضيل دينه وسنته على جميع السنن
والأديان (وشر الأمور محدثاتها) جمع محدثة بالفتح وهي كما
سبق ما لم يعرف من كتاب ولا سنة ولا إجماع. قال القاضي:
روي شر الأمور بالنصب عطف على اسم إن وهو الأشهر وبالرفع
عطف على محل إن مع اسمه (وكل بدعة ضلالة) أي وكل فعلة
أحدثت على خلاف الشرع ضلالة لأن الحق فيما جاء به الشارع
فما لا يرجع إليه يكون ضلالة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال
(وكل ضلالة في النار) فكل بدعة فيها وقد سبق ذا موضحا بما
منه أن المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له
في الشرع والحامل عليه مجرد شهوة أو إرادة بخلاف محدث له
أصل فيه إما بحمل النظير على نظيره أو لغير ذلك وقوله وكل
إلى آخره عام مخصوص (أتتكم الساعة بغتة) بنصبه على
المفعولية وجوز رفعه. قال في الكشاف: الساعة القيامة سميت
به لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع
بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها
كالنجم للثريا والكوكب للزهرة (بعثت أنا والساعة هكذا)
وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. قال القاضي: يحتمل أنه
تمثيل لمقارنتها وأنه ليس إصبع أخرى كما لا شيء بينه وبين
الساعة ويحتمل أنه تقريب لما بينهما في المدة وأن التفاوت
بينهما كنسبة التفاوت بين الأصبعين تقريبا لا تحديدا
(صبحتكم الساعة ومستكم) أي توقعوا قيامها فكأنكم بها وقد
فجأتكم على بغتة صباحا أو مساء فبادروا إلى التوبة لتسقط
عنكم المعاصي وازهدوا في الدنيا ليخف حسابكم وتذكروا
الآخرة وأهوالها وما هو إلا من نفس إلى نفس فتصيرون إليها
{إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} (أنا أولى بكل مؤمن من
نفسه) أي أحق. كان إذا احتاج لنحو طعام وجب على صاحبه بذله
له {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (من ترك مالا فلأهله)
الذين يرثونه (ومن ترك دينا) عليه لم يوفه في حياته (أو
ضياعا) بفتح الضاد أي عيالا وأطفالا (فإلي وعلي) أي فأمر
كفاية عياله إلي وعلي قضاء دينه فهو لف ونشر غير مرتب
(وأنا ولي المؤمنين) جميعا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
لا يصلي على مدين مات ولم يخلف وفاء زجرا للناس عن
الاستدانة وإهمال الوفاء فلما فتح الله تعالى على المسلمين
قال: من ترك دينا فعلي وفاؤه أي قضاؤه وهل كان يقضيه تكرما
أو وجوبا؟ وجهان الأصح الثاني ثم قيل إن ذا من خصائصه وقيل
بل يقضى في كل زمن من المال وفيه أنه يسن أن يقال في الخطب
أما بعد
(حم م ن هـ عن جابر) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش
يقول أما بعد إلى آخره
(2/171)
1605 - (أما بعد) أي حمد الله والثناء عليه
قال عياض: هي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه
من حمد وثناء والانتقال إلى ما يريد التكلم فيه ويعوض عنها
لفظتين هذا ولما كان كذا وأول من قالها داود أو يعقوب أو
يعرب بن قحطان أو كعب بن لؤي أو سحبان أو وائل أو قس بن
ساعدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح والأول أشبه ويجمع
بينه وبين غيره بأنه بالنسبة للأولية المحضة والبقية
بالنسبة إلى العرف خاصة ثم يجمع بينهما بالنسبة إلى
القبائل (فو الله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة فعين
ساكنة فطاء مكسورة بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي
(الرجل وأدع) بفتح الهمزة والدال أي اترك (الرجل) الآخر
فلا أعطيه شيئا (والذي أدع) إعطاءه (أحب إلي من الذي أعطى)
عائد الموصول محذوف (ولكن) وفي رواية للبخاري ولكني (أعطي
أقواما لما) بمسر اللام (أرى) [ص:173] من نظر القلب لا من
نظر العين (في قلوبهم من الجزع) بالتحريك أي الضعف عن تحمل
ما نزل بهم من الإملاق (1) (والهلع) بالتحريك أيضا شدة
الجزع أو أفحشه أو هما بمعنى وهو شدة الحرص فالجمع للاطناب
(وأكل أقواما) بفتح الهمزة وكسر الكاف (إلى ما جعل الله في
قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى
التصبر والتعفف عن المسألة والشره (منهم) أي من الأقوام
الذين لهم غنى النفس (عمرو بن تغلب) بفتح المثناة فوق
وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بالتحريك
وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في
الآخرة وأما في الدنيا فتقع العطية والمنع بحسب السياسة
الدنيوية وأن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع وأن
المنع قد يكون خيرا للممنوع {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير
لكم} واستئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من
يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه
(خ عن عمرو بن تغلب) هذا قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بمال فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين تركوا
عتبوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال عمرو: فو
الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر
النعم (2) انتهى
_________
(1) أي الفقر
(2) أي ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر وهذه صفة تدل
على قوة إيمانه ويكفيه هذه المنقبة الشريفة
(2/172)
1606 - (أما بعد) قال القاضي: أما حرف يذكر
لفصل الخطاب ويستدعي جوابا صدر بالفاء الجزائية لما فيها
من معنى الشرط. قال سيبويه: إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك
قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق (فما) وفي رواية البخاري
ما بدون فاء في الجواب. قال الزركشي: وهو عتد اللغويين
نادر (بال أقوام) أي ما حالهم أي أهل بريرة. أرادت عائشة
شراءها منهم وتعتقها فشرطوا كون الولاء لهم ولم يشرط الله
في كتابه ذلك فخطب فنبه على تقبيح فعلهم حيث (يشترطون
شروطا) جمع شرط وهو إلزام الشيء والتزامه (ليست في كتاب
الله) أي في حكمه الذي كتب على عباده وشرعه لهم (ما كان من
شرط ليس في كتاب الله) أي ليس في حكمه الذي يتعبد به عباده
من كتاب أو سنة أو إجماع فليس المراد الفرقان لأن كون
الولاء للمعتق ليس منصوصا في القرآن وقال ابن خزيمة: أي
ليس في حكمه جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق
به القرآن باطل لأنه قد يشترط في البيع (فهو باطل وإن كان
مئة شرط) مبالغة وتأكيدا لأن العموم في قوله ما كان من شرط
إلى آخره دل على بطلان جميع الشروط وإن زاد على المئة
فالعدد خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة
وإن كثرت (قضاء الله) المشروط أي حكمه (أحق) باتباع من
غيره يعني هو الحق لا غيره (وشرط الله أوثق) أي هو القوي
وما سواه باطل واه فافعل لا تفضيل فيه في الموضعين إذ لا
مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) لا إلى
غيره من مشترط أو غيره فهو منفي عنه شرعا وفيه أنه لا ولاء
لمن أسلم على يده رجل أو خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط
خلافا لإسحاق
(ق 4 عن عائشة) وهي قصة بريرة المشهورة
(2/173)
[ص:174] 1607 - (أما بعد) أي بعد الحمد
والثناء (فما بال العامل) أراد به عبد الله بن اللتيبة بضم
اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة وياء النسب استعمله على
عمل فجاء حين فرغ فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي
فخطب موبخا له على تأويله الفاسد مبينا له بطلان رأيه
الكاسد فقال (نستعمله) أي نوليه عاملا (فيأتينا) عند
انتهاء عمله (فيقول هذا من عملكم) أهدي إلي لخاصة نفسي
(أفلا قعد) في رواية للبخاري فهلا جلس (في بيت أبيه وأمه
فنظر) بضم النون ولأبي ذر بفتحها (هل يهدى له) بالبناء
للمفعول (أم لا فوا الذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتدبيره
(لا يغل أحدكم) بغين معجمة مضمومة من الغلول وهي الخيانة
في الغنيمة (منها) أي الصدقة (شيئا إلا جاء به يوم
القيامة) حال كونه (يحمله على عنقه) {ومن يغلل يأت بما غل
يوم القيامة} (إن كان بعيرا جاء به) يومها (له رغاء) بضم
الراء والتخفيف ومد له صوت (وإن كانت بقرة جاء بها لها
خوار) بضم أوله المعجم صوت (وإن كانت شاة جاء بها تيعر)
بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة صوت شديد (فقد
بلغت) بشد اللام أي بلغت حكم الله الذي أرسلت به في هذا
إليكم وبقية الحديث ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه
وفيه أن الإمام يخطب في الأمر المهم واستعمال أما بعد في
الخطبة ومحاسبة المؤتمن ومنع العامل من قبول الهدية ممن له
عليه حكم وإبطال كل طريق يتوصل به من يأخذ المال إلى
محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ مع وجود الفاضل وأن
من وجد متأولا خطأ يشهر خطأه ليحذر
(حم ق د عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد (الساعدي) بكسر
العين المهملة وذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد
الصلاة
(2/174)
1608 - (أما بعد ألا أيها الناس) الحاضرون
أو أعم (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي) يعني ملك
الموت (فأجيب) أي أموت كنى عنه بالإجابة إشارة إلى أنه
ينبغي تلقيه بالقبول كأنه مجيب إليه باختياره (وأنا تارك
فيكم ثقلين) سميا به لعظم شأنهما وشرفهما (أولهما كتاب
الله) قدمه لأحقيته بالتقدم (فيه الهدى) من الضلال (والنور
من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل) أي أخطأ
طريق السعادة وهلك في ميادين الحيرة والشقاوة (فخذوا بكتاب
الله واستمسكوا به) فإنه السبب الموصل إلى المقامات العلية
والسعادة الأبدية (وأهل بيتي) أي وثانيهما أهل بيته وهم من
حرمت عليهم الصدقة من أقربائه قال الحكيم: حض على التمسك
بهم لأن الأمر لهم معاينة فهم أبعد عن المحنة وهذا عام
أريد به خاص وهم العلماء العاملون منهم فخرج الجاهل
والفاسق وهم بشر لم يعروا عن شهوات الآدميين ولا عصموا
عصمة النبيين وكما أن كتاب الله منه ناسخ ومنسوخ فارتفع
الحكم بالمنسوخ هكذا ارتفعت القدرة بغير علمائهم الصلحاء
وحث على الوصية بهم لما علم مما سيصيبهم بعده من البلايا
والرزايا انتهى. (أذكركم الله في أهل بيتي) أي في الوصية
بهم واحترامهم وكرره ثلاثا للتأكيد. قال الفخر الرازي: جعل
الله تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء في المحبة
[ص:175] وتحريم الصدفة والطهارة والسلام والصلاة ولم يقع
ذلك لغيرهم (تتمة) قال الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم
درر السبطين ورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أنه عليه
الصلاة والسلام قال من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتنع
بما خلفه الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني
فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه
(حم وعبد بن حميد م) في المناقب كلهم (عن زيد بن أرقم)
قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء
يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه
ووعظ وذكر ثم قال أما بعد فذكره وتتمته في مسلم من عدة طرق
لفظه في أحدها قيل لزيد أليس نساؤه من أهل بيته قال ليس
نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وفي
رواية له إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم
يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته
الذين حرموا الصدقة
(2/174)
1609 - (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب
الله) القرآن لأنه يستحيل الكذب في خبره وإنما تكذب الظنون
في فهم خطابه وإنما ينتفي الريب عن سامعه بقدر قوة إيمانه
ومتانة إبقائه وسماه حديثا لنزوله منجما لا لكونه ضد
القديم (وأوثق العرى كلمة التقوى) كلمة الشهادة إذ هي
الوفاء بالعهد ومعنى إضافتها إلى التقوى انها سبب التقوى
وأسها وقيل كلمة أهل التقوى ذكره في الكشاف وقوله اوثق
العرى من باب التمثيل مثلت حال المتقي بحال من أراد التدلي
من شاهق فاحتاط لنفسه بتمسكه بعروة من حبل متين مأمون
انقطاعه (وخير الملل ملة إبراهيم) الخليل ومن ثم أمر صلى
الله عليه وسلم باتباعها {أن اتبع ملة إبراهيم} (وخير
السنن سنة محمد) صلى الله عليه وسلم وهي قوله أو فعله أو
تقريره لأنها أهدى من كل سنة وأقوم من كل طريقة (وأشرف
الحديث ذكر الله) لأن الشيء يشرف بشرف من هو له (وأحسن
القصص هذا القرآن) لأنه برهان ما في سائر الكتب ودليل
صحتها لأنه معجزة وليس تلك بمعجزة فهي مفتقره إلى شهادته
على صحة ما فيها افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة ذكره
الزمخشري (وخير الأمور عوازمها (1) وشر الأمور محدثاتها)
بضم فسكون جمع محدثة (2) وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا
سنة ولا إجماع (وأحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال
المهملة السمت والطريقة والسيرة أي خير السيرة والطريقة
سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقته وروي أيضا بضم الهاء
وفتح الدال ومعناه الدلالة والرشاد (هدي الأنبياء) لأنه
تعالى تولى هدايتهم وتأديبهم وعصمتهم عن الضلال والإضلال
والهدي بضم الهاء وفتح الدال والقصر الارشاد واللام في
الهدي للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى متعدد
وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى
المقصود (وأشرف الموت قتل الشهداء) لأنه في الله ولإعلاء
كلمة الله فأعقبهم الحياة بالله ولهذا نهى الله الخلق عن
إطلاق الموت عليهم (وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى) أي
الكفر بعد الإسلام فهو العمى على الحقيقة (وخير العلم ما
نفع) وفي رواية بدل العلم العمل بأن صحبه إخلاص فإن العلم
الذي لا ينفع لا خير فيه لصاحبه بل هو وبال عليه
[ص:176] (وخير الهدى ما اتبع) بالبناء للمجهول أي اقتدي به
كنشر العلم للمريدين وتهذيب المشايخ لأحوال السالكين وهي
سيرة المرسلين وشر العمى عمى القلب لأن عماه يفقد نور
الإيمان بالغيب فيثمر الغفلة عن الله والآخرة {ومن كان في
هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} فعمى البصيرة أشد
من عمى البصر لأنه عظيم الضرر {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور} (واليد العليا خير من اليد
السفلى) أي اليد المعطية خير من اليد الآخذة (3) (وما قل)
من الدنيا (وكفى) الإنسان لمؤنته ومؤنة من عليه مؤنته (خير
مما كثر وألهى) عن الله والدار الآخرة لأن الاستكثار من
الدنيا يورث الهم والغم وقسوة القلب وشدة الحرص وينسي
الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة (وشر المعذرة
حين يحضر الموت) فإن العبد إذا اعتذر إلى الله بالتوبة عند
احتضاره ووقوعه في الفزع لا يفيده فمراده الاعتذار عند
الغرغرة ومعاينة ملك الموت وهي حالة كشف الغطاء واليأس من
البقاء {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر
أحدهم الموت قال إني تبت الآن} (وشر الندامة) أي الحزن.
وقال الراغب: الندم التحسر على ما فات (يوم القيامة) فإنها
لا تنفع يومئذ ولا تفيد. (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا
دبرا) بفتح أو ضم المهملة كذا ذكره بعضهم وقال العسكري:
الصواب بضمتين ونصبه على الظرف أي بعد فوت الوقت (ومنهم من
لا يذكر الله إلا هجرا) أي تاركا للإخلاص كأن قلبه هاجر
للسانه {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} لا
يدعوهم إلى موافقة العاملين إلا استقباح المذمة من الناس
والسطوة من السلطان أو العيب من الإخوان والجيران {ولا
يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}
(وأعظم الخطايا اللسان الكذوب) وهو الذي تكرر كذبه حتى صار
صفة له حتى يأتي بالكبائر كلها كالقذف والبهتان وشهادة
الزور وغيرها وربما أفضى إلى الكفر فإن اللسان أعظم عملا
من سائر الجوارح فإذا تعود الكذب أورد صاحبه المهالك.
(وخير الغنى غنى النفس) فإنه الغنى على الحقيقة وفقير
النفس لا يزال في هم وغم على تحصيل الدنيا والحرص على
جمعها بقوله أخاف الفقر في الكبر وغير ذلك (وخير الزاد)
إلى الآخرة (التقوى) {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال
الغزالي: جمعت خيرات الدنيا والآخرة تحت هذه الخصلة التي
هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير
ووعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة ومدار العبادة
على ثلاثة أصول: الأول: التوفيق والتأييد وهو للمتقين قال
الله تعالى {أن الله مع المتقين} . الثاني: إصلاح العمل
واتقاء التقصير وهو للمتقين. قال الله تعالى {يصلح لكم
أعمالكم} . الثالث: قبول العمل وهو للمتقين قال الله تعالى
{إنما يتقبل الله من المتقين} فالتقوى هي الجامعة للخيرات
الكافية للمهمات الرافعة للدرجات (ورأس الحكمة مخافة الله)
أي الخوف منه أصلها واسمها فمن لم يخف الله فباب الحكمة
عليه مسدود (وخير ما وقر في القلب اليقين) أي خير ما سكن
فيه نور اليقين فإنه المزيل لظلمة الريب. قال الزمخشري: من
المجاز وقر في قلبه كذا وقع وبقي أثره وكلمته وقرت في إذنه
ثبتت (والارتياب) أي الشك في شيء مما جاء به الرسول (من
الكفر) بالله تعالى (والنياحة من عمل الجاهلية) أي النوح
على الميت بنحو واكهفاه واجبلاه من عادة الجاهلية وقد جاء
الإسلام بتحريمه (والغلول) أي الخيانة الخفية (من جثا
جهنم) جمع جثوة بالضم الشيء المجموع كذا في النهاية وفي
التقريب الجثوة مثلثة الحجارة المجموعة وقيل معنى
[ص:177] من جثاء جهنم من جماعتها وفي رواية للقضاعي من جمر
جهنم. قال شارحه: لأن الغلول يصير على الغال جورا لقوله
صلى الله عليه وآله وسلم في الذي غل شملة إنها تضرم عليه
نارا (والكنز) أي المال الذي لم تؤد زكاته (كي من النار)
أي يكوي صاحبه في نار جهنم (والشعر) بكسر الشين الكلام
المقفى الموزون قصدا (من مزامير إبليس) أي الشعر المحرم لا
الجائز (والخمر جماع الإثم) أي مجمعه ومظنته والجماع اسم
لما يجمع ويضم يقال هذا الباب جماع الأبواب من جمعت الشيء
ضممته كالكفات من كفت الشيء إليه إذا ضمه وجمعه ذكره
الكشاف. وفي الفائق جماع كل شيء مجمتمع أصله يقال لما
اجتمع في الغصن من النور هذا جماع الثمر (والنساء حبالة
الشيطان) أي مصائده وفخوخه واحدها حبالة بالكسر وهي ما
يصاد بها من أي شيء كأن دعى رجل إلى قتل نفس فأبى ثم إلى
الزنا فأبى ثم إلى الخمر فشرب فزنا فقتل وقيل ما أيس
الشيطان من آدمي من قبل النساء ومن ثم قال سليمان عليه
الصلاة والسلام: امش وراء الأسد ولا تمش وراء المرأة وسمع
عمر رضي الله عنه تعالى امرأة تقول:
إن النساء رياحين خلقن لكم. . . وكلكم يشتهي شم الرياحين
فقال:
إن النساء شياطين خلقن لنا. . . نعوذ بالله من شر الشياطين
وقال بعض الحكماء: إياك ومخالطة النساء فإن لحظات المرأة
سهم ولفظها سم (والشباب شعبة من الجنون) لأن الجنون يزيل
العقل وكذا الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة
الميل إلى الشهوات والإقبال على المضار لحداثة السن سيما
مع الجدة
إن الشباب والفراغ والجده. . . مفسدة للمرء أي مفسدة
(وشر المكاسب كسب الربا) أي التكسب به لأن درهما منه أشد
من ثلاث وثلاثين زينة كما يجىء في أخبار (وشر المآكل أكل
مال اليتيم) ظلما {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (4) ولذا كان
من أكبر الكبائر (والسعيد من وعظ بغيره) أي السعيد من تصفح
أفعال غيره فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها قال:
إن السعيد له من غيره عظة. . . وفي التجارب تحكيم معتبر
وقال حجة الإسلام: المراد أن الإنسان يشاهد من خبائث من
اضطر إلى مرافقته وأحواله وصفاته ما يستقبحه فيجتنبه وقيل
لعيسى عليه الصلاة والسلام من أدبك فقال ما أدبني أحد رأيت
جهل الجاهل فجانبته. قال الحجة: ولقد صدق فلو اجتنب الناس
ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن مؤدب فاطلع
في القبور واعتبر بالنشور وانظر إلى مصارع آبائك وفناء
إخوانك ومن أمثالهم كم قذف الموت في هوة من جمجمة من هوة
وكفى بالموت واعظا ونظر الحسن رضي الله عنه إلى ميت يقبر
فقال: والله إن أمرا هذا أوله لحري أن يخاف آخره وإن أمرا
هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله. وقال مطرف: أفسد الموت
على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه. وقال
الحكماء: للباقين بالماضين معتبرا وللآخرين بالأولين مزدجر
والسعيد من لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع. وقالوا:
السعيد من اعتبر بأمه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره
وبخل على نفسه (والشقي من شقي في بطن أمه) فلا اختيار
للسعيد في تحصيل السعادة ولا اقتدار للشقي على تبديل
الشقاوة. قال ابن الكمال: ومعنى الحديث أن السعيد مقدر
سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه
وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز
[ص:178] ضرورة السعادة كما دل عليه خبر كل مولود يولد على
الفطرة (وإنما يصير أحدكم) إذا مات (إلى موضع أربع أذرع)
وهو اللحد وانظر إلى ما تصير وفيم تسكن وقيل في آية {وكان
تحته كنز لهما} هو لوح من ذهب فيه: عجبا لمن أيقن بالموت
كيف يفرح ولمن يعرف النار كيف يضحك ولمن يعرف الدنيا
وتحويلها كيف يطمئن إليها؟ وقال ثابت: أي عبد أصعب حالا
ممن يأتيه ملك الموت وحده ويقبر بلحده وحده وقيل لبشر بن
الحارث: عظنا قال: ما أقول فيمن القبر مسكنه والصراط جوازه
والقيامة موقفه والله مسائله فلا يعلم إلى جنة فيهنئ أم
إلى نار فيعزى (والأمر بآخره) بالمد إنما الأعمال
بخواتيمها (وملاك العمل) بكسر الميم وفتحها أي قوامه
ونظامه وما يعتمد عليه فيه (خواتمه) وأصل الملاك استحكام
القدرة ومعناه أن أحكام عمل الخير وثباته موقوفة على سلامة
عاقبته إنما الأعمال بالخواتيم قفد يبتدىء بالصلاة وغيرها
بنية خالصة ثم يعرض له آفة تمنع صحته أو تبطل أجره من نحو
عجب أو رياء أو عزم على تركه فإن لم يعرض آفة قبل تمامه أو
عرضت وردها بالعلم وختم بما بدأ استحكم عمله باستدراكه ما
فرط في الأثناء بإخلاص خاتمته. قال ابن بطال: في تغييب
خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم
وكان ناجيا أعجب وكسل وإن كان هالكا زاد عتوا فحجب عنه ذلك
ليكون بين خوف ورجاء. إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى
ما يكون بينه وبينها إلا مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل
النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا سوى مقدار شبر أو ذراع
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة كما سيجىء في
الخبر (وشر الروايا (5) روايا الكذب وكل ما هو آت) من
الموت والقيامة والحساب والوقوف (قريب) وأنت سائر على
مراحل الأيام والليالي إليه {إنهم يرونه بعيدا ونراه
قريبا} فالجاهل يراه بعيدا لعمى قلبه والمؤمن الكامل يراه
بنور إيمانه قريبا كأنه يعاينه فبذل دنياه لأخراه وسلم
نفسه لمولاه فلا تغرنك الدنيا فجديدها عما قليل يبلى
ونعيمها يفنى ومن لم يتركها اختيارا فعما قريب يتركها
اضطرارا ومن لم تزل نعمته في حياته زالت بمماته قال ابن
عطاء رضي الله عنه: لا بد لهذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن
تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أوثق منه بما هو
يفنى. وقال بعض الحكماء: من كان يؤمل أن يعيش غدا فهو يؤمل
أن يعيش أبدا. قال الماوردي: ولعمري إنه صحيح إذ كل يوم
غدا فإذا يفضى به الأمل إلى الفوت من غير ويؤديه الرجاء
إلى الإهمال بغير تلاف. وقال الحكماء: لا تبت على غير وصية
وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن
وكل ما هو آت كائن (وسباب المؤمن) بكسر السين المهملة أي
سبه وشتمه (فسوق) أي فسق (وقتال المؤمن) بغير حق (كفر) إن
استحل قتله بلا تأويل سائغ (وأكل لحمه من معصية الله) أي
غيبته وهي ذكره بما يكرهه حرام {أيحب أحدكم أن يأكل لحم
أخيه ميتا} (وحرمة ماله كحرمة دمه) فكما يمتنع سفك دمه
بغير حق يمتنع أخذ شيء من ماله بغير حق. قال في الكشاف:
الحرمة ما لا يحل هتكه (ومن يتأل على الله) أي يحكم عليه
ويحلف كقوله والله ليدخلن فلان النار من الألية وهي اليمين
(يكذبه) بأن يفعل خلاف ما حلف عليه مجازاة له على جراءته
وفضوله (ومن يغفر يغفر الله له) أي ومن يستر على أخيه
فضيحة اطلع عليها يستر الله ذنوبه فلا يؤاخذه بها (ومن
يعف) أي عن الجاني عليه (يعف الله عنه) أي ومن يمحو أثر
جناية غيره يمحو الله سيئاته جزاءا وفاقا (ومن يكظم الغيظ)
أي يرده ويكتمه مع قدرته على إنفاذه (يأجره الله) أي يثيبه
الله لأنه [ص:179] محسن يحب المحسنين وكظم الغيظ إحسان.
قال الزمخشري: كظم البعير جرته ازدردها وكف عن الاجترار
وكظم القربة ملأها وشد كظم الباب سده ومن المجاز كظم الغيظ
وعلى الغيظ انتهى (ومن يصبر على الرزية) أي المصيبة
احتسابا لله (يعوضه الله) عنها خيرا مما فاته منها (ومن
يتبع الشمعة يسمع الله به) قال في الفردوس: قال العسكري
هكذا يروى من هذا الطريق الشمعة بشين معجمة وهي المزاح
والضحك ومنه امرأة شموع كثيرة الضحك والمعنى أن من عبث
بالناس واستهزأ بهم يعبث به ويستهزأ منه ومن رواه بسين
مهملة أراد من يرائي بعمله يفضحه الله (ومن يصبر يضعف الله
له) الثواب أي ثوابه جزاء صبره أي يؤته أجره مرتين (ومن
يعص الله يعذبه الله) إن شاء وإن شاء عفى عنه فهو تحت
المشيئة (اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم
اغفر لي ولأمتي) المراد أمة الإجابة وكرره ثلاثا لأن الله
سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء (أستغفر الله لي
ولكم) هذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال
وفيه أنه ينبغي للإنسان إذا دعا لغيره أن يبدأ بنفسه
(البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن
عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في
غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان
منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم
أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال: يا رسول الله ذهب بي
الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد الله ثم أثنى
عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد الله بن سعيد
(السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على
غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي
الدرداء) مرفوعا (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في
الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفا)
ورواه العسكري والديلمي عن عقبة
_________
(1) أي فرائضها التي فرض الله على الأمة فعلها
(2) أي ما أحدث من البدع بعد الصدر الأول
(3) أي إذا لم يكن الآخذ محتاجا لخبر ما المعطي من سعة
بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا
(4) قوله في بطونهم أي ملئها نارا لأنه يؤول إليها وسيصلون
بالبناء للفاعل أي يدخلون سعيرا أي نارا شديدة
(5) الروايا بفتح الراء المهملة جمع راوية بمعنى ناقل وفي
حديث: والراوية أحد الشانمين: أي وشر النافلين نافلي الكذب
(2/175)
1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة
والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة)
في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفردا
فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع
السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها
حسن المنظر يعجب الناظر (وإن الله مستخلفكم فيها) أي
جاعلكم خلفا في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال
التي في أيديكم إنما هي أموال الله خلقها وخولكم إياها
وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفا بالتصرف فيها فليست هي
بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل
تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا
والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم
فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه
نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من
زخرف الدنيا وزهرتها (فاتفوا الدنيا واتقوا النساء) خصص
بعد ما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية
فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها
وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة
سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها
وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي
موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقا إياك
أن تجالس أمرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها
انتهى. ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في
النساء) يريد قتل النفس التي أمر [ص:180] بنو إسرائيل فيها
بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه
ليتزوج ابنته أو زوجته. وقال في المطامح: يحتمل كونه أشار
إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني
إسرائيل ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه
إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهن هلك كثير من العلماء (ألا
إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح:
أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتا أي
متفرقون وقال الزمخشري: تقول تفرقوا شتى وأشتاتا (منهم من
يولد ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا) وهذا الفريق هم سعداء
الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت
كافرا) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمنا
ويحيا مؤمنا ويموت كافرا) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له
بالكفر (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا) أي
يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة
(ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين
للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند
الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق
الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد
أيضا وذلك لأن الله خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما
نوزع في شيء من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا
يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن
ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا
منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه
الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت
أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه
حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره
فإنه عنوانه الناشىء عنه. قال الغزالي: قال بعض الأنبياء
لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند
الهوى وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك
قال الحدة فإذا كان العبد حديدا قلبناه كما تقلب الصبيان
الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئا من ذلك) يعني من
بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه
فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه وفي رواية فليلزق بالأرض
وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا
يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه ولاستحالة هذا
المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة
ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال)
ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكورا أو إناثا (من
كان بطيء الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك
(سريع الغضب بطيء الرضا فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء
الفيء) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفيء فإنها بها) أي
فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحا ولا ذما
ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس
مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود
وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم سريع
[ص:181] الوقود بطيء الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما
لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون
بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارا يابسا يكثر غضبه ومن كان
بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من
تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين
ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب
يسمع حسا فيعوي قبل أن يعرف ما هو فأسرع الناس غضبا
الصبيان والنساء وأكثرهم ضجرا الشيوخ وأجل الناس شجاعة
وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من كظم الغيظ. (ألا إن خير
الناس التجار) بضم التاء جمع تاجر (من) أي تاجر (كان حسن
القضاء) أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة ونحوها (حسن
الطلب) أي سهل التقاضي يرحم المعسر وينظره ولا يضايق
الموسر في الأشياء التافهة ولا يلجئه إلى الوفاء في وقت
معين ولا من مال معين (وشر التجار من كان سيء القضاء) أي
لا يوفي لغريمه دينه إلا بكلفة ومشقة وتماطل مع يساره (سيء
الطلب) أي ملح على مديونه بالطلب من غير مرحمة ولا شفقة بل
بصعوبة مع علمه باعساره إذ ذاك (فإذا كان الرجل) التاجر
وذكر الرجل وصف طردي لأن غالب المتجر إنما يتعاناه الرجال
لا لإخراج النساء (حسن القضاء سيء الطلب أو كان) بعكسه
(سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها) أي فإحدى الخصلتين تقابل
بالأخرى نظير ما تقدم ويجري ذلك كله في كل من له حق أو
عليه حق وإنما خص التجار لأكثرية القضاء والتقاضي فيما
بينهم (ألا إن لكل غادر لواء) أي ينصب له (يوم القيامة)
لواء حقيقة (بقدر غدرته) فإن كانت كبيرة نصب له لواء كبير
وإن كانت صغيرة فصغير وفي خبر أنه يكون عند إسته وقيل
اللواء مجاز والمراد شهرة حاله وإذاعته بين الملأ في ذلك
الموقف الأعظم (ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير عامة)
بالإضافة (ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق
إذا علمه) فإن ذلك يجب عليه وليست مهابة الناس عذرا في
التخلف بشرط سلامة العاقبة (ألا إن أفضل الجهاد) أي أنواعه
(كلمة حق) يتكلم بها كأمر بمعروف أو نهي عن منكر (عند
سلطان جائر) أي ظالم فإن ذلك أفضل من جهاد العدو لأنه أعظم
خطرا كما سلف تقريره عما قريب (ألا إن مثل ما بقي من
الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى
منه) يعني ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها فهي
ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإذا كانت
بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه
كانت خليقة بأن توصف بالقلة ذكره الزمخشري
(حم ت ك هب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال صلى رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم العصر ثم قام خطيبا فلم يدع
شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه
ونسيه من نسيه وكان فيما قال أما بعد إلى آخره وفيه علي بن
زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ويحيى ليس
بشيء
(2/179)
1611 - (أمامكم) بفتح الهمزة (حوض) كي
تردونه يوم القيامة قيل هو الكوثر والأظهر أنه غيره وهل هو
بعد الصراط وقبله قولان وجمع بالتعدد (كما بين جرباء) بفتح
الجيم وسكون الراء وموحدة يقصر ويمد قرية بالشام (وأذرح)
بفتح [ص:182] الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وحاء
مهملة قرية بالشام أيضا وفي الحديث حذف بينته رواية
الدارقطني وهو ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وبين
جرباء وأذرح. فالمسافة بين المدينة وبينهما ثلاثة أيام لا
بينهما وقد غلط من قال بينهما ثلاثة أيام كما بينه صاحب
القاموس اقتداء ببعض الأعلام لأن بين جرباء وأذرح ميل بل
أقل بل الواقف في هذه ينظر هذه كما حرره بعض الثقات
(خد عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الطبراني نحوه
(2/181)
1612 - (أمان لأهل الأرض من الغرق) بفتح
الراء مصدر (القوس) أي ظهور القوس المسمى بقوس قزح. قال
ابن القيم: سمي به لأنه أول ما رؤي في الجاهلية على جبل
قزح بالمزدلفة أو لأن قزح اسم شيطان ويوضح المراد بقوله
القوس ما رواه السدي أن عليا رضي الله عنه نظر إلى السماء
فرأى قوس قزح فقال ما هذا؟ قالوا قوس قزح قال لا تقولوا
هذا قولوا قوس الله وأمان من الغرق وفي أجوبة علي كرم الله
وجهه لابن الكواء أن القوس علامة كانت بين نوح وربه أمان
لأهل الأرض من الغرق (وأمان لأهل الأرض) أي كلهم أو المراد
جزيرة العرب (من الاختلاف) تفرق الكلمة والفتن (الموالاة)
المناصرة والموادة (لقريش) (1) القبيلة المعروفة أي ما
داموا على سنن الاستقامة ومنهج العدالة كما يفيده قوله في
الحديث المار استقيموا لقريش ما استقاموا لكم إلى آخره
(فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا) أي المخالفون (حزب
ابليس) أي جنده {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (قريش
أهل الله) أي المؤمنون منهم خواص عباده أضيفوا إليه تشريفا
(طب) عن أحمد الابار عن إسحاق بن سعيد بن الأركون عن خليد
بن دعلج عن عطاء عن ابن عباس (ك) في المناقب عن مكرم عن
الابار عن إسحاق بن الأركون عن خليد عن قتادة عن عطاء (عن
ابن عباس) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه واه وفي
إسناده ضعيفان ابن الأركون وخليد انتهى. وحكم ابن الجوزي
بوضعه ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شاهدا من كلام ابن
عباس
_________
(1) قال الحكيم أراد بقريش أهل الهدى منهم وإلا فبنو أمية
وأضرابهم حالهم معروف وإنما الحرمة لأهل التقوى
(2/182)
1613 - (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا
البحر) في رواية الطبراني بدله السفينة وفي رواية ابن
مردويه سفينة وفي رواية الفلك لكن لفظ رواية ابن السني
التي عزى المؤلف إليها ركبوا ولم يذكر بحرا ولا سفينة كما
ذكره النووي (أن يقولوا) أي يقرؤوا عند دخول السفينة أو
عند سيرها قوله تعالى (بسم الله مجريها ومرساها) أي حيث
تجري وحيث ترسي (الآية) أي إلى آخرها وقوله تعالى (وما
قدروا الله حق قدره الآية) بكمالها أي إلى {تشركون} وترجم
عليه النووي في الأذكار باب ما يقوله إذا ركب سفينة وساق
الحديث عازيا لابن السني ثم قال عقبه هكذا هو في النسخ إذا
ركبوا لم يقل السفينة ونقل بعضهم عن ابن عباس من قرأ
الآيتين فعطب أو غرق فعلي ذلك
(ع وابن السني) من طريق أبي يعلى المذكور قال حدثنا أبو
يعلى أنبأنا جنادة حدثنا يحيى بن العلاء أنبأنا مروان بن
سالم أنبأنا طلحة العقيلي (عن الحسين) بن علي يرفعه قال
ابن حجر وجنادة ضعيف وشيخه أضعف منه وشيخ شيخه كذلك
بالاتفاق فيهما وطلحة مجهول انتهى وفي الميزان يحيى بن
العلاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ثم ساق له أخبارا هذا
منها
(2/182)
1614 - (أم القرآن) الفاتحة سميت به لكونها
مفتتح القراءة قال الخليل كل شيء ضم إليه ما يليه سمي أما
وهي مشتملة على [ص:183] كليات معاني القرآن وهو الثناء على
الله والمعاش وهو العبادة والمعاد وهو الجزاء وقال القاضي:
سماها أما (1) لأنها بينة في نفسها مبينة لما عداها من
المتشابهات فهي كالأصل له (هي السبع المثاني) اللام للعهد
قال تعالى {وقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم}
سميت سبعا لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة آية وهو
المتصور والمثاني لتكررها في الصلاة أو الإنزال أو لأن
غيرها يضم إليها أو لتكرر مضمونها في السور أو مقاصدها جمع
مثنى أو مثناة من التثنية بمعنى التكرار فتكرر على مرور
الأوقات فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس وقيل جمع مثنى بمعنى
الثناء كالمحمدة بمعنى الحمد لاشتمالها على الثناء فهي
تثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أو لأنها أبدا
تدعو بوصفها المعجز إلى غرابة النظم وغزارة المعنى إلى
الثناء عليها ثم على من يتعلمها ويعمل بها ولا اختلاف بين
قوله في الحديث السبع المثاني وقوله في القرآن سبعا من
المثاني لأن من للبيان ذكره التوربشتي (والقرآن العظيم)
عطف على السبع عطف صفة الشيء على صفة أخرى له فليس هو من
عطف الشيء على نفسه أو عطف على أم القرآن وإفراد الفاتحة
بالذكر في الآية مع كونها جزءا من القرآن يدل على مزيد
اختصاصها بالفضيلة وفيه رد كما قال السهيلي على الحسن وابن
سيرين في كراهة تسمية الفاتحة بذلك
(خ عن أبي بكر) الصديق
_________
(1) واستشكل بأن كثيرا من السور مشتمل على هذه المعاني مع
أنها لم تسم بأم القرآن وأجيب بأنها سابقة على غيرها وضعا
بل نزولا عند الأكثر فنزلت من تلك السور منزلة مكة من جميع
القرى حيث مهدت أولا ثم دحيت الأرض من تحتها وكما سميت أم
القرى سميت هذه أم القرآن على أنه لا يلزم اطراد وجه الشبه
(2/182)
1615 - (أم القرآن) قال الحرالي سميت به
لأنها له عنوان وهو كله لها بسط وتبيان وقال القاضي:
لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله
بما هو أهله وذكر الذات والصفات والأفعال والتعبد بالأحكام
والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة
والمطيعين (عوض من غيرها) من القرآن وغيره (وليس غيرها
منها عوض) وحينئذ فلا يقوم مقامها في الصلاة سورة من
القرآن غيرها عند القدرة ولذلك لم يكن لها في الكتب
الإلهية عديل
(قط) وتقدمه إليه الكرماني (ك عن عبادة) بن الصامت وصححه
قال ابن القطان ولا ينبغي تصحيحه ففيه محمد بن خلاد لا
يعرف من حاله ما يعتمد عليه وعميد يروي مناكير منها هذا
الخبر الذي لا يعرف إلا من روايته
(2/183)
1616 - (أم الولد حرة) أي حكمها حكم الحرة
في كونها لا تباع ولا ترهن ولا توهب ولا يتصرف فيها بإزالة
ملك (1) (وإن كان) الولد (سقطا) لم تنفخ فيه الحياة بل ولو
كان مخططا خفي التخطيط بحيث لا يعرفه إلا القوابل وهذا
مجمع عليه الآن وما كان من خلاف فيه من الصدر الأول فقد
مضى وانقضى
(طب عن ابن عباس) وفيه الحسين بن عيسى الحنفي قال الذهبي
في الضعفاء له مناكير عن الحكم بن إبان قال ابن المبارك
ارم به ووثقه غيره ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن
عباس قال الفرياني في اختصار الدارقطني وفيه الحسين بن
عيسى الحنفي ضعيف قال ابن عدي عامة أحاديثه غرائب وفي
بعضها مناكير وشيخه الحكم بن إبان قال ابن المبارك أرم
_________
(1) ويصح بيعها إذا اشترت نفسها أو كانت مرهونة أو جانية
تعلق برقبتها مال وكان المالك فيهما معسرا حال الاستيلاد
(2/183)
1617 - (أم ملدم) مفعل من لدمه إذا لطمه
ويروى بالذال المعجمة من لذم بمعنى الزم وهي الحمى (تأكل)
مضارع أكل (اللحم) أي إذا لازمت الإنسان أنحلته (وتشرب
الدم) يعني تحرقه (بردها وحرها من جهنم) أي بدل من جهنم
لمن أصابته من المؤمنين كما يوضحه خبر الحمى حظ المؤمن من
النار فليس المعنى على الغشية كما قد يتوهم. قال الزمخشري:
العرب تقول الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم قال
المصنف ولذلك كانت شهادة وحصل المؤمن منها على الحسنى
وزيادة وقد جاءت إلى خدمة [ص:184] المصطفى صلى الله تعالى
عليه وسلم واستأذنت بالباب وهي واقفة لديه وسألته يبعثها
إلى أحب قومه فبعثها إلى الأنصار لأنهم ذوو النهى وأولوا
الأبصار لتكون وقاء ووقاء لهم من النار
(طب عن شبث) بشين معجمة وموحدة فمثلثة (ابن سعيد) البلوي
شهد فتح مصر وله صحبة قال الهيثمي فيه بقية بن الوليد وهو
مدلس
(2/183)
1618 - (أم أيمن) بركة حاضنة المصطفى صلى
الله تعالى عليه وسلم ودايته وهي أم أسامة بن زيد (أمي بعد
أمي) أي في الاحترام وفي حضنها إياه فإن أمه ماتت وهو ابن
ست أو سبع أو ثمان سنين فاحتضنته أم أيمن. قال الزمخشري:
جعلها أما لأن الداية تدعى أما لقيامها مقام الأم انتهى
ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر
(ابن عساكر) في التاريخ في ترجمة أسامة بن زيد (عن سليمان
بن أبي شيخ مرسلا معضلا) (1)
_________
(1) هو ما سقط من اثنان من أي موضوع كان وإن تعددت المواضع
سواء كان الساقط الصحابي أو التابعي أم غيرهما
(2/184)
1619 - (أمتي يوم القيامة غر) بضم المعجمة
وشد الراء جمع أغر أي ذووا غرة (من السجود) أي من أثر
السجود في الصلاة قال تعالى {سيماهم في وجوههم من أثر
السجود} نصب على الظرفية (محجلون من الوضوء) أي من أثر
وضوئهم في الدنيا وقد سجدت الأمم قبلهم فلم يظهر على
جباههم وتطهروا فلم يظهر على أطرافهم من ذلك شيء فتلك
إشارة هذه الأمة في الموقف يعرفون بها. ذكره الحكيم وهذا
لا تدافع بينه وبين خبر الشيخين الآتي إن أمتي يدعون يوم
القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وما ذاك إلا لأن المؤمن
يكسى في القيامة نورا من أثر السجود ونورا من أثر الوضوء
نور على نور فمن كان أكثر سجودا أو أكثر وضوءا في الدنيا
كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقا من غيره فيكونون فيه على
مراتب من عظم النور والأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو
أدخل سراج في بيت ملأه نورا فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر
امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول ولا الثالث
الثاني وهكذا؟ والوضوء هنا بالضم وجوز ابن دقيق العيد
الفتح على أنه الماء وجوز في من أن تكون سببية أو لابتداء
الغاية قال الراغب: والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما دين أو
زمان أو مكان سواء كان الجامع تسخيرا أو اختيارا وأصل
الغرة لمعة بيضاء بجبهة الفرس ثم استعملت في الجمال
والشهرة وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه
هذه الأمة والتحجيل بياض في ثلاث من قوائم الفرس أصله
الحجل بكسر الحاء الخلخال والمراد به أيضا هنا النور. ذكره
جمع وقال الأشرف: غر جمع أغر وهو الأبيض الوجه والمحجل من
الدواب ما قوائمه بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنه مقيد
بالبياض وأصله في الخيل ومعناه إذا دعوا إلى الجنة كانوا
على هذا الشبه وتمسك به الحليمي على أن الوضوء من خصائصنا
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن في البخاري في قصة سارة قامت
تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب قام فتوضأ قال: فالظاهر
أن الخاص بنا الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء قال: وقد صرح
بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال: سيما ليت
لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وقد اعترض بعضهم على
الحليمي بخبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وهو حديث ضعيف
لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال كون الوضوء من خصائص
الأنبياء دون الأمم إلا هذه الأمة إلى هنا كلام الحافظ
وتقدمه إليه الكرماني وقد انتهبه سميه الشهاب ابن حجر
الهيثمي ولنفسه عزاه ولا قوة إلا بالله
(ت عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة وقال
حسن صحيح غريب
(2/184)
1620 - (أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها
خير) من آخرها (أو آخرها) خير من أولها لتقارب أوصافهم
وتشابه أفعالهم كالعلم والجهاد والذب عن بيضة الإسلام وقرب
نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم فلا يكاد يميز الناظر بينهم
وإن [ص:185] تفاوتوا في الفضل في نفس الأمر فيحكم بالخير
لأولهم وآخرهم ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين
طرفاها ثم إن هذا لا يناقضه خبر خير الناس قرني لأنهم إنما
كانوا خيرا لأنهم نصروه وآووه وجاهدوا معه وقد توجد نحو
هذه الأفعال آخر الزمان حين يكثر الهرج وحتى لا يقال في
الأرض الله. قال الكلاباذي وغيره: وأما خبر خير الناس قرني
فخاص بقوم منهم والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم وأما
سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة كالذين
ينصرون المسيح ويقاتلون الدجال فهم أنصار النبي وإخوانه اه
<تنبيه> الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير
ذلك فإنه مجمل يطلق تارة ويراد بها كل من كان مبعوثا إليهم
نبي آمنوا به أو لم يؤمنوا ويسمون أمة الدعوة وأخرى ويراد
بهم المؤمنون به المذعنون له وهم أمة الإجابة وهذا المراد
هنا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن عثمان) بن عفان بن
العاص الأموي (مرسلا) قال الذهبي وهو ثقة
(2/184)
1621 - (أمتي) المجتمعون على ملتي (أمة
مرحومة) أي من الله أو بعضهم لبعض (مغفور لها) من بارئها
(متاب عليها) أي يتوب الله عليها ولا بتركها مصرة على
الذنب ذكره المؤلف لأنهم جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا مع
اجتماعهم على الإيمان والصلاة وأذاقهم الله بأسهم بينهم
يقتل بعضهم بعضا وكفارة لما اجترحوه وأخرج ابن عساكر عن
وهب في الزبور يا داود سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد سيد
صادق ولا أغضب عليه ولا يغضبني وأمته مرحومة أعطيهم من
النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي
افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم
كالأنبياء <تنبيه> قال الزركشي: ما كان مجتمعا في المصطفى
صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في
أمته بدليل أنه كان معصوما وأمته إجماعها معصوم وقد أكمل
الله عليهم النعمة وجعلهم شهداء على الأمم قبلهم وحكم أنهم
خير أمة أخرجت للناس فلا فضل يوازي فضلهم وهم الآخرون
السابقون يوم القيامة أكثر أهل الجنة وإن كانوا في الأمم
كالشامة
(الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أنس) قال ابن
الجوزي: قال النسائي هذا حديث منكر اه ورواه عنه الطبراني
في الأوسط وزاد تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا
ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها اه قال
الهيثمي: فيه شيخ الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذاب
(2/185)
1622 - (أمتي هذه) أي الموجودين الآن كما
عليه ابن رسلان وهم قرنه ويحتمل إرادة أمة الإجابة (أمة
مرحومة) أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة
موسومة بذلك في الكتب المتقدمة (ليس عليها عذاب في الآخرة)
بمعنى أن من عذب منهم لا يحس بألم النار لأنهم إذا دخلوها
أميتوا فيها وزعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء
لكون أعضاء الوضوء لا تمسها النار تكلف مستغنى عنه (إنما
عذابها في الدنيا الفتن) التي منها استيفاء الحد ممن يفعل
موجبه وتعجيل العقوبة على الذنب في الدنيا أي الحروب
والهرج فيهما بينهم (والزلازل) جمع زلزلة وأصلها تحرك
الأرض واضطرابها من احتباس البخار فيها لغلظه أو لتكاثف
وجه الأرض ثم استعملت في الشدائد والأهوال. قال الومخشري:
تقول العرب جاء بالإبل يزلزلها يسوقها بعنف وأصابته زلازل
الدهر شدائده انتهى. (والقتل والبلايا) لأن شأن الأمم
السابقة يجري على طريق العدل وأساس الربوبية وشأن هذه
الأمة يجري على منهج الفضل والألوهية فمن ثم ظهرت في بني
إسرائيل النياحة والرهبانية وعليهم في شريعتهم الأغلال
والآصار وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية ففك عنهم
الأغلال ووضع عنهم الآصار
(د طب ك هب عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم صحيح وأقره
الذهبي قال الصدر المناوي رضي الله عنه وفيه نظر فإن في
سند أبي داود والحاكم وغيرهما المسعودي عبد الرحمن [ص:186]
ابن عبد الله الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط
حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي تغير فاضطرب حديثه
(2/185)
1623 - (أمثل ما تداويتم به) أي أنفعه
وأفضله (الحجامة) لمن احتمل ذلك سنا ولاق به قطرا ومرضا
(والقسط) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب (البحري)
بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان
والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله
واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود
والأول هو الأجود قال بعض الأطباء: القسط ثلاثة أنواع مكي
وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو
حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء
العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف
لطوفا بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي
تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر
لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان
الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون
ذلك
(مالك) الإمام المشهور في الموطأ (حم ق ت ن عن أنس) بن
مالك
(2/186)
1624 - (امرؤ القيس) سليمان بن حجر الملك
الضليل عظيم شعراء الجاهلية (صاحب لواء الشعر) أي حامل
راية شعراء الجاهلية والمشركين. قال دعبل: ولا يقود الناس
إلا أميرهم ورئيسهم (إلى النار) لأنه زعيمهم وعظيمهم في
الدنيا فيكون قائدهم في العقبى. قال ابن سلام: ليس لكونه
قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعوه
عليها واقتدوا به فيها وأخرج ابن عساكر أنه ذكر امرؤ القيس
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك رجل مذكور في الدنيا
منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم
إلى النار. قال أبو عبيد: سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء
ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء منها استباق صحبه
والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه
النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد
وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى هذا لواء
الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ثم ألوية للعز والمجد
والإفضال كما يجيء أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده
لواء الحمد فثم ألوية خزي وفضيحة قال الزبير بن بكار: قيل
لحسان بن ثابت من أشعر الناس قال النابغة قال ثم من قال
حسبك بي مناضلا قيل فأين أنت عن امرؤ القيس قال لنا إنما
أنا في ذكر الأنس
(حم) وكذا البزار كلاهما من حديث هشيم عن أبي الجهم عن
الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه أبو
الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال
الصحيح. اه. وأقول أبو الجهم ضعيف جدا قال الذهبي في
الضعفاء أبو الجهم عن الزهري قال أبو زرعة واهي الحديث
(2/186)
1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن
الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد
القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم
(لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها
ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد قيل كان إذا قيل
أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر
المراقسة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر
وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا
ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم
الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم
من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل
يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرىء القيس
وختم بذي الرمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس
إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص:187] إذا رغب والنابغة
إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعرا
فقال أبوه هذا ليس با بني إذ لو كان كذلك لقال شعرا فقال
لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه
فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. . . بسقط اللوا بين الدخول
فحومل
فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف
واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام
إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقا وآخر شعر قاله امرؤ
القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر
فأخبر بأنها بنت ملك فقال:
أجارتنا إن المزار قريب. . . وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا. . . وكل غريب للغريب نسيب
قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها
عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن
أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد
القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل
الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة
للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل. فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . حتى إذا جاء الشتاء
أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره
وقال:
اقتربت الساعة وانشق القمر. . . من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها. . . وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها. . . ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل. . . فإما عليها وإما لها
(أبو عروية في) كتاب (الأوائل) له (وابن عساكر) في تاريخه
من حديث الحسين بن فهم عن يحيى بن أكثم (عن أبي هريرة) قال
يحيى: قال لي المأمون: أريد أن أحدث فقلنا: من أولى بهذا
منك فصعد المنبر فأول حديث حدثنا هذا ثم نزل فقلنا: كيف
رأيت مجلسنا قلت: أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال:
وحياتك ما رأيتم له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الحلقات
والمحابر اه. والحسين بن فهم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء
وقال: قال الحاكم ليس بقوي ويحيى بن أكثم قال الأزدي
يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد: كانوا لا يشكون أنه يسرق
الحديث. <تنبيه> قال القرطبي: هذا الحديث وما قبله يدل على
أن من كان إماما دراسا في أمر ما هو معروف به فله لواء
يعرف به خيرا كان أو شرا فللأولياء الصالحين ألوية تنويه
وإكرام وإفضال كما أن للظالمين فضيحة وخزي ونكال
(2/186)
1626 - (امرأة ولود) أي تزوج امرأة كثيرة
الولادة غير حسناء كما يدل عليه تقييده بالحسن في مقابله
وتعرف البكر بأقاربها (أحب إلى الله تعالى) أي أفضل عنده
(من) تزوج (امرأة حسناء لا تلد) لعقمها (إني مكاثر بكم)
تعليل للترغيب في نكاح الولود وإن لم تكن جميلة وتجنب
العقيم وإن كانت في نهاية الجمال (الأمم) السالفة (يوم
القيامة) أي أغاليهم بكم كثيرة وهذا حث عظيم على الحرص على
تكثير الأولاد وفي ضمنه نهى عن العزل وتوبيخ على فعله وأنه
ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات
النفسانية
(ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق محمد بن سوقة ميمون بن
أبي شبيب (عن حرملة بن النعمان)
(2/187)
[ص:188] 1627 - (أمر النساء) في التزويج أي
ولاية العقد (إلى آبائهن) أي الأب وأبيه وإن علا (ورضاهن
السكوت) أي رضى البكر البالغ منهن سكوتها إذا زوجها الأب
أو الجد بولاية الإجبار حيث لم يقترن السكوت بنحو بكاء وفي
غير ذلك لا بد من إذنها بالنطق
(طب خط عن أبي موسى) الأشعري وفيه علي بن عاصم قال الذهبي
قال النسائي متروك وضعفه جمع
(2/188)
1628 - (أمرا) سوغ الابتداء به تنوينه
المفيد للتعظيم أي عظيم والخبر قوله (بين أمرين) أي بين
طرفي الإفراط والتفريط كما قال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة
إلى عنقك} الآية (وخير الأمور أوساطها) أي الذي لا ترجيح
لأحد جانبيه على الآخر لأن الوسط العدل الذي نسبته الجوانب
كلها إليه سواء فهو خيار الشيء والعدل هو التوسط بين طرفي
الإفراط والتفريط والآفات إنما تطرق إلى الافراط والأوساط
محمية بأطرافها قال:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت. . . بها الحوادث حتى أصبحت
طرفا
ومالك الوسط محفوظ الغلط ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور
الموقع في الضلال عن القصد. قيل: دخل عمر بن عبد العزيز
على عبد الملك فتكلم فأحسن فقال ابنه: هو كلام أعد لهذا
المقام ثم دخل بعد أيام فسأله عبد الملك عن نفقته فقال:
الحسنة بين السيئتين يريد الآية فقال عبد الملك لابنه:
أهذا مما أعده آنفا
(حب عن عامر بن الحارث بلاغا) أي قال بلغنا ذلك عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ورواه البيهقي في السنن عنه أيضا
وقال الذهبي في المهذب هو منقطع أيضا وعمرو بن الحارث في
التابعين والصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه
(2/188)
1629 - (أمر الدم) أي أسله واستخرجه قال
القاضي إمرار الدم إسالته وإجراؤه بشدة وهلى هذا فقوله أمر
بكسر الميم وشدة الراء من أمر أي أجرى وقول الخطابي هو غلظ
والصواب سكون الميم وخفة الراء من أمرى يمري وهو الغلظ لأن
أصله أمرر براءين كما هو رواية ابن داود وقال شراحه أي
اجعله يمر أي يذهب وحينئذ فمن شدد أدغم فلا غلط (بما شئت)
مخصوص بما استثناه في حديث رافع بقوله ليس السن والظفر
ذكره البيضاوي (واذكر اسم الله عز وجل) أي على الذبح ندبا
بأن تقول بسم الله فقط ويزيد في الأضحية والله أكبر اللهم
هذا منك وإليك فتقبل مني وترك التسمية عمدا مكروه والذبيحة
حلال
(حم د هـ ك عن عدي بن حاتم) قال: قلت يا رسول الله إنا
نصيد فلا نجد سكينا إلا الظرازة وشقة العصا فذكره والظرازة
جمع ظرز الحجر الصلب محددا وشقة العصا ما شق منها وهو محدد
(2/188)
1630 - (أمرت) أي أمرني الله إذ لا آمر
سواه وحذف الفاعل تعظيما وتفخيما (أن) أي بأن (أقاتل) وحذف
الجار من أن غير عزيز (الناس) أي بمقاتلة الناس وهذا عام
خص منه من أقر بالجزية (حتى) أي إلى أن (يشهدوا) ويقروا
ويبينوا أن (لا إله إلا الله) استثناء من كثرة متوهمة
وجودها محال إذ مفهوم الإله كلي (وأني رسول الله) غاية
لقتالهم فكلمة التوحيد هي التي خلق الحق الخلق لها وهي
العبارة الدالة على الإسلام فكل من تلفظ بها مع الإقرار
بالرسالة المحمدية فمسلم وظاهره بل صريحه أن قائلها مسلم
وإن قلد بالمعنى الآتي في مبحث الإيمان. قال النووي رضي
الله عنه وهو مذهب المحققين واشتراط معرفة أدلة المتكلمين
خطأ وفي رواية للشيخين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
(فإذا) آثرها على إن مع أن المقام لها لأن فعلهم متوقع
لأنه علم إصابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلا نحو غفر
الله لك (قالوها) أي كلمة الشهادتين والتزموا أحكامها
(عصموا) حفظوا (مني دماءهم وأموالهم) أي منعوها إذ العصمة
المنعة والاعتصام [ص:189] الاستمساك افتعال منه فلا يحل
سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم وهي كلما صح إيراد نحو البيع
عليه وأريد به هنا ما هو أعم ليشمل الاختصاص (إلا بحقها)
أي الدماء والأموال يعني هي معصومة إلا عن حق يجب فيها
كقود وردة وحد ترك صلاة وزكاة بتأويل باطل وحق آدمي فالباء
بمعنى عن أو من أي فقد عصموها إلا عن حقها أو من حقها أو
إلا بحق كلمة التوحيد وحقها ما تبعها من الأفعال والأقوال
الواجبة التي لا يتم الإسلام إلا بها فالمتلفظ بكلمة
التوحيد يطالب بهذه الفروض بعد ففائدة النص عليه دفع توهم
أن قضية جعل غايته المقاتلة وجود ما ذكر أن من شهد عصم دمه
وإن جحد الأحكام وقول أبي حنيفة إن تارك الصلاة كسلا لا
يقتل لظاهر هذا الحديث ولخبر لا يحل دم امرىء مسلم ولأنها
أمانة بينه وبين الله ولأنها عبادة تقضى وتؤدى كصوم وزكاة
وحج ولأن الاختلاف شبهة تدرأ بها الحدود ورد الأول بقوله
في الحديث إلا بحقها والصلاة من حقها والثاني أن خلف
الخارج بالثلاث أمرا آخر والثالث بالنقص بالعفة فإنها
أمانة ويرجم بتركها وترك الصلاة أعظم والرابع بأن استيفاء
الصوم وكل عبادة ممكن بخلاف الصلاة كالإيمان ولأنه يقتل
بفعل منهي عنه كزنا المحصن فيقتل بترك ما أمر به ولأن كسل
الاستهانة يبيح القتال ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في
الاسم والمعنى فكما يقتل بترك الإيمان يقتل بترك الصلاة
والخامس بأنه لا شبهة للقاطع وإن سلم فضعيفة ومثلها مطروح
لا يسقط استحقاق القتل عنه إذ لم يعد بالاستتابة ومن قتله
قبلها عذر ثم دليلنا النص المزبور فإنه يدل على أنه كافر
واستحق عقوبة الكافر فالأول منتف فتعين الثاني والجمع أولى
وتاركها كسلا بالنسبة إلى تاركها جحودا غير معصوم بالنسبة
إلى فاعلها ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر
أما باعتبار الباطن فأمرهم ليس إلى الخلق بل (حسابهم على
الله) فيما يسرونه من كفر ومعصية يعني إذا قالوها بلسانهم
وباشروا الأفعال بجوارحهم قنعت منهم به ولم أفتش عن قلوبهم
وعلى بمعنى اللام فما أوهمه العلاوة من الوجوب غير مراد
ولئن سلم فهو للتشبيه أي هو كالواجب في تحقق الوقوع
فالعصمة متعلقة بأمرين كلمة التوحيد وحقها أي حق الدماء
والأموال على التقديرين والحكم إذا تعلق بوجوده شرطان لا
يقع دون استكمال وقوعهما وصدره بلفظ الأمر إيذانا بأن
الفعل إذا أمر به من جهة الله لا يمكن مخالفته فيكون آكد
من فعل مبتدأ من الإنسان. قال الرافعي: وبين الشافعي أن
الحديث نخرجه عام ويراد به الخاص والقصد به أهل الأوثان
وهو أصل من أصول الإسلام (تتمة) ذكر الفخر الرازي عن بعضهم
هنا أنه تعالى جعل العذاب عذابين أحدهما السيف من يد
المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار
في غلاف لا ترى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف
المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في
الغمد الذي يرى ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى
وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في
غمد الرحمة حتى يكون واحد الواحد لا ظلم ولا جور
(ق 4 عن أبي هريرة) قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب
قال عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما كيف تقاتل الناس
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرت إلخ فقال أبو بكر
رضي الله تعالى عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة
والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا
يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على
منعه (وهو متواتر) لأنه رواه خمسة عشر صحابيا
(2/188)
1631 - (أمرت) أمرا ندبيا (بالوتر) أي
بصلاته بعد فعل العشاء وقبل الفجر (والأضحى) أي بصلاة
الضحى وبالتضحية (ولم يعزم) كل منهما (على) أي لم يفرض ولم
يوجب علي وعزائم الله تعالى فرائضه التي أوجبها يقال عزمت
عليك أي [ص:190] أمرتك أمرا جدا فهذا الحديث يعارضه ما
يأتي من رواية البيهقي وغيره مرفوعا ثلاث هن علي فريضة (1)
ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى وكلا الخبرين ضعيف
والشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور أصحابه على الوجوب لكن
ذهب بعضهم إلى عدمه تمسكا بأن الخصائص لا تثبت إلا بحديث
صحيح
(قط عن أنس) قضية تصرف المؤلف أن مخرجه الدارقطني خرجه
وسلمه والأمر بخلافه بل تعقبه ببيان علته فقال هو من رواية
بقية وقد تقدم تدليسه وتليينه عن عبد الله بن محرز وضعفه
غير واحد وقال منكر الحديث وقال ابن أبي شبيبة متروك انتهى
وقال الذهبي إسناده واه
_________
(1) ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره وقياسه
في الوتر كذلك ووجوب هذه الثلاثة عليه صلى الله عليه وسلم
صححه الفيخان وغيرهما وهو خصوصية له صلى الله عليه وسلم
(2/189)
1632 - (أمرت بيوم الأضحى عيدا) قال
الطيبي: عيدا منصوب بفعل مقدر تفسيره ما بعده أي اجعله
عيدا وقال ابن رسلان: فيه حذف تقديره بالأضحية في يوم
الأضحى إذ لا يصح الكلام إلا به إذ أمرت يتعلق الأمر فيه
بالأضحية لا باليوم وفهم التقدير من إضافة يوم إليه انتهى.
والمراد الأمر الندبي (جعله الله لهذه الأمة) تمامه كما في
أبي داود فقال رجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي
بها؟ قال: لا ولكن تأخذ من شعرك وتقص من شاربك وتحلق عانتك
فتلك تمام أضحيتك عند الله وفيه أن عيد الأضحى من خصائصنا
وكذا الفطر كذا قيل وقد تمسك بظاهر الحديث قوم منهم داود
كابن سيرين فذهبوا إلى اختصاص النحر باليوم العاشر دون ما
بعده
(حم د ن ك عن ابن عمرو) بن العاص وصححه ابن حبان وغيره
(2/190)
1633 - (أمرت) على لسان جبريل بالإلهام أو
الرؤيا (بالسواك) بكسر السين الفعل ويطلق على العود ونحوه
(حتى خشيت أن يكتب علي) أي يفرض وفيه حجة لمن ذهب إلى عدم
وجوب السواك عليه قال الزين العراقي: والخصائص لا تثبت إلا
بدليل صحيح
(حم عن وائلة) بن الأسقع قال في شرح التقريب سنده حسن وقال
المنذري والهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد
عنعنه
(2/190)
1634 - (أمرت) أي أمرني الله قال القاضي:
إذا قال الرسول أمرت فهم أن الله تعالى أمره وإذا قاله
الصحابي فهم أن الرسول أمره فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا
قال ذلك فهم أن الرئيس أمره (بالسواك حتى خفت على أسناني)
أراد ما يعم الأضراس واعلم أن لفظ رواية الطبراني في
الكبير والأوسط فقد أمرت إلخ ولم أر فيه أمرت مجردا فإن
كان فيه غير مظنته وإلا فإثبات المصنف له في هذا الحرف وهم
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب وفيه
كلام
(2/190)
1635 - (أمرت بالنعلين) أي بلبسهما خشية
تقذر الرجلين (والخاتم) أي بلبسه في الإصبع وباتخاذه للختم
فيه فلبس النعلين مأمور به ندبا خشية تنجس القدمين أو
تقذيرهما وكذا الخاتم ولو لغير ذي سلطان خلافا لبعض
الأعيان
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب خد خط) في ترجمة وكيع بن
سفيان (والضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني الكبير
والأوسط (عن أنس) قال الخطيب وتبعه ابن الجوزي ولم يروه عن
يونس بن زيد إلا عمر بن هارون وعمر تركه أحمد وابن مهدي
وقال ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم
يرهم انتهى. وقال الهيثمي: فيه [ص:191] عمرو بن هارون
البلخي وهو ضعيف وفي الضعفاء للذهبي عمرو تركوه وكذبه ابن
معين انتهى وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي والخطيب خرجاه
وسكتا عليه وهو غير صواب فأما الخطيب فقد سمعت ما قال وأما
ابن عدي فخرجه وقال هو باطل فإنه أورده في ترجمة ابن
الأزهر وقال إنه باطل فاقتصار المصنف على عزوه تلبيس فاحش
(2/190)
1636 - (أمرت أن) بضم الهمزة مبنيا للمفعول
أي أمرني الله بأن (أبشر خديجة) بنت خويلد زوجته (ببيت في
الجنة) أعد لها (ومن قصب) بفتح القاف والصاد يعني قصب
اللؤلؤ هكذا جاء مفسرا في رواية الطبراني في الأوسط وله
فيه أيضا من القصب المنظومة بالدر واللؤلؤ والياقوت انتهى
وقال هنا أيضا من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب
لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان. قال ابن
حجر: وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه
وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة
على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها
انتهى (لا صخب فيه) أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما
من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز
كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد
المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب (ولا نصب) أي لا تعب
أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب
ينغصها ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل
زيادة بعد الجزاء على أعمالها (فإن قيل) كيف لم يبشرها إلا
ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام (فالجواب) أن
البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في
لسانهم فلما كانت خديجة رضي الله عنها أول من بنى بيتا في
الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر
بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد
لها وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة
(حم حب ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم على شرط مسلم
وأقره الذهبي وقال الهيثمي: أحمد رجاله رجال الصحيح غير
محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع
(2/191)
1637 - (أمرت) بالبناء للمفعول والآمر هو
الله تعالى قال القاضي: عرف ذلك بالعرف والأمر للوجوب في
أحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهما والثاني أنه للندب
لأن المعطوف على اسجد مندوب اتفاقا ولأنه عليه السلام
اقتصر على الجبهة في قصة رفاعة انتهى وبقوله عرفا سقط
النزاع فيه يخلوه من صيغة أفعل (أن أسجد على سبعة أعظم)
سمي كل واحد عظما نظرا للجملة وإن اشتمل كل على عظام فهو
من تسمية الكل باسم البعض وفي رواية على سبعة أعضاء وفي
أخرى آراب جمع إرب بكسر فسكون وهو العضو ثم أبدل من ذلك
قوله (على الجبهة) فعلى الثانية بدل من الأولى التي في حكم
الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي أسجد على الجبهة حال
كون السجود على سبعة أعضاء ذكره الكرماني دافعا به ما عساه
يقال كيف يكون حرفا واحدا بمعنى واحد متعلق بفعل واحد
مكررا قال الشافعية: ويكفي جزء منها ويجب كشفه (واليدين)
أي باطن الكفين لئلا يدخل تحت المنهي من افتراش السبع ويدل
له رواية مسلم بلفظ الكفين (والركبتين وأطراف) أصابع
(القدمين) بأن يجعل قدميه قائمتين على بطن أصابعهما وعقبيه
مرتفعتين ليستقبل بظهور قدميه القبلة فلو أخل المصلي
بواحدة من السبعة بطلت صلاته قطعا في الجبهة وعلى الأصح في
البقية عند الشافعية وهو مذهب أحمد ويكفي وضع جزء من كل
منها (ولا نكفت) بكسر الفاء وبالنصب أي لا نضم [ص:192] ولا
نجمع فهو بمعنى ولا نكف ومنه {ألم نجعل الأرض كفاتا}
(الثياب) عند الركوع والسجود في الصلاة (ولا الشعر) الذي
للرأس والأمر بعدم كفهما للندب وإن كان الأمر بالسجود على
السبعة للوجوب فالأمر مستعمل في معنييه وهو جائز عند
الشافعي رضي الله عنه قال الطيبي: جمع الحديث بعضا من
الفرض والسنة والأدب تلويحا إلى إرادة الكل <تنبيه> جاء في
حكمة النهي عن كف الشعر أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان
حالة الصلاة ففي سنن أبي داود بإسناد قال ابن حجر جيد أن
أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي وقد غرز ضفيرته في قفاه
فخلعها وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك
مقعد الشيطان ولا يجب كشف غير الجبهة بل يكره كشف الركبتين
لما يحذر من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل
لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها
الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي
لنقض الطهارة فتبطل الصلاة ذكره ابن دقيق العيد قال في
الفتح وفيه نظر
(ق د ن هـ عن ابن عباس) ورواه عند أيضا أحمد وغيره
(2/191)
1638 - (أمرت بالوتر وركعتي الضحى ولم
تكتبا) أي تفرضا وفي نسخة ولم يكتب بمثناة تحت بغير ألف أي
ذلك وفيه أن ذلك من خصائصه على أمته
(حم عن ابن عباس) قال في المطامح: فيه جابر الجعفي كذاب
وقال الذهبي واه قال ابن حجر لكن له متابع آخر من رواية
وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة قال ابن
حبان وضاح لا يجتمع به يروي أحاديث كلها معمولة ومندل ضعيف
(2/192)
1639 - (أمرت بقرية) أي أمرني الله بالهجرة
إليها إن كان قاله بمكة أو باستيطانها إن كان قاله
بالمدينة ذكره السمهودي (تأكل القرى) أي تغلبها في الفضل
حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في
جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب
بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها
فيأكلونه تسلطا عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل
لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه (يقولون يثرب) أي
تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه
كانت تسمى قبل الإسلام (وهي) أي والحال أن اسمها اللائق
إنما هو (المدينة) إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب
الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار
إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب. والتثريب
الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي الله تعالى عنه
فيكره تسميتها به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب
الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما
هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي (تنفي
الناس) أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي
الكير) فإنه ينفي (خبث الحديد) رديئه والكور بضم الكاف
موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ
فيه والمراد ما بني من طين والخبث يفتحتين ما تبرزه النار
من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشيء الخبيث جعل مثل
المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز
به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في
زمن عمر رضي الله عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل
والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه
أنها أفضل من مكة ورجح واعترض
(ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي
(2/192)
1640 - (أمرت الرسل) الظاهر أن المراد به
ما يشمل الأنبياء (أن لا تأكل إلا طيبا) أي حلالا متيقن
الحل فلا تأكل [ص:193] حراما ولا ما فيه شبهة وإن جاز
الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات
الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى {يا أيها
الرسل كلوا من الطيبات} (ولا تعمل إلا صالحا) فلا يفعلون
غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمدا أو سهوا قبل النبوة أو
بعدها لعصمتهم قال حكيم لآخر: أوصني. قال: اعمل صالحا وكل
طيبا
(ك) في الأطعمة (عن أم عبد الله بنت أوس) الأنصاري (أخت
شداد بن أوس) قالت: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم
أنى لك هذا قالت من شاة لي قال أنى لك الشاة قالت اشتريتها
من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا
بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضا الطبراني
باللفظ المزبور وفيه أيضا ابن أبي مريم
(2/192)
1641 - (أمرنا) بالبناء للمفعول أي أنا
وأمتي (بإسباغ الوضوء) أي بإكماله على ما شرع فيه من السنن
لا إتمام فروضه فإنه غير مخصوص بهم فإن إتمامه على غيرهم
أيضا على ما عليه التعويل وما تقرر من أن المأمور هو وأمته
هو ما قرره جمع لكن الأوجه أن المراد الأنبياء كما أفصح به
في خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. قال المؤلف في
الخصائص: لم يكن الوضوء إلا للأنبياء دون أممهم
(الدارمي) في مسنده (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا
(2/193)
1642 - (أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات)
أي أعقاب الصلوات المفروضة بحيث ينسب إليها عرفا والأمر
هنا للندب (ثلاثا وثلاثين تسبيحة) أي قول سبحان الله
(وثلاثا وثلاثين تحميدة) أي قول الحمد لله (وأربعا وثلاثين
تكبيرة) أي قول الله أكبر بدأ بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص
عنه تعالى ثم بالتحميد لتضمنه إثبات الكمال له ثم بالتكبير
لإفادته أنه أكبر من كل شيء وإفراد كل من الثلاثة أولى من
جمعها وثواب العدد المذكور يحصل وإن زاد عليه على الأصح
المنصور (1)
(طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن وقال صحيح
_________
(1) فيه زيادة على المشروع وقد قال صلى الله عليه وسلم من
عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
(2/193)
1643 - (أمرني جبريل) أي عن الله تعالى
(أن) أي بأن (أكبر) أي أن أقدم الأكبر في السن في مناولة
السواك وترجم له البخاري " باب دفع السواك إلى الأكبر "
وذكر فيه فقيل لي كبر قال شراحه قائل ذلك جبريل عليه
السلام وقوله كبر أي قدم الأكبر في السن ورواه في
الغيلانيات بلفظ أمرني جبريل أن أقدم الأكابر وخرجه أحمد
والبيهقي بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن
فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني أن أكبر وروى أبو
داود بإسناد قال النووي صحيح وابن العراقي رد على من نازع
الراجح صحته عن عائشة رضي الله عنها أوحي الله إلي في فضل
السواك أن أكبر وبذلك يعلم أن حمل التكبير على قول الله
أكبر في العيدين غير قويم وفيه أن السن من الأوصاف التي
يقدم بها فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه سيما في مورد
النص وهو الإرفاق بالسواك ثم يطرد في جميع وجوه الإكرام
كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب ومحله ما إذا لم يعارض فضيلة
السن أرجح منها وإلا قدم الأرجح كإمامة الصلاة والإمامة
العظمى وولاية النكاح وإعطاء الأيمن في الشرب ولا منافاة
بين ذلك والحديث لأنه لم يدل على أن السن يقدم به على كل
شيء بل إنه شيء يحصل به التقديم قال الحكيم: السواك من حق
الأسنان. [ص:194] لأنه يشد اللثة ويذهب الحفر فأكبرهم سنا
أقدمهم خروج أسنان ومن كان أقدم فهو أحق
(الحكيم) الترمذي (حل) من حديث نعيم بن حماد عن ابن
المبارك عن أسامة بن زيد عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب
ظاهره أن المؤلف لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجب فقد
خرجه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور
(2/193)
1644 - (امسحوا) جوازا (على الخفين) في
الوضوء حضرا وسفرا ولو بلا حجة ولم ينسخ ذلك حتى مات وقد
بلغت أحاديث المسح التواتر حتى قال الكمال بن الهمام قال
أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه
مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على
الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر قال ابن
تيمية: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله
التي هو عليها بل إن كانت رجلاه في الخف مسح عليهما ولم
ينزعهما وإلا غسل قدميه ولم يلبس الخف قال وهذا أعدل
الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل (والخمار) أي
وامسحوا على الخمار أي العمامة كما في النهاية قال: لأن
الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا
اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يمكنه نزعها كل وقت
فتصير كالخفين لكن لا بد من مسح بعض الرأس ثم يكمل عليها.
<تنبيه> عدوا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته
المسح على الخف
(حم) من حديث مكحول بن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل
(عن بلال) بن رباح بموحدة مولى أبي بكر قال مكحول: كان
الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن فذكر
المسح على الخفين فمر بهما بلال المؤذن فسألاه عن ذلك
فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول
فذكره
(2/194)
1645 - (امسح) ندبا (رأس اليتيم) أل فيه
للعهد الذهني على وزان {وأخاف أن يأكله الذئب} والمراد بعض
من الحقيقة غير معينة ولهذا كان في المعنى كالنكرة إذ ليس
المراد يتيما معينا ولا كل فرد من أفراد اليتامى ولا ذئبا
معينا ولا كل ذئب (هكذا إلى مقدم رأسه) أي من المؤخر إلى
المقدم (ومن) كان (له أب هكذا إلى مؤخر رأسه) أي من المقدم
إلى المؤخر والأمر للندب لا للوجوب كما تقرر
(خط) في ترجمة محمد بن سليمان الهاشمي (وابن عساكر) في
التاريخ (عن ابن عباس) ثم قال الخطيب: لا يعرف لمحمد بن
سليمان غير هذا الحديث. وقال ابن القطان: هو محمد بن
سليمان عن أبيه عن جده الأكبر ابن عباس وسليمان لا يعرف
حاله في الحديث وكان أمير البصرة وجاء في حديث البزار عن
ابن عباس أنه وضع كفه على مقدم رأس اليتيم مما يلي جبهته
ثم أصعدها إلى وسط رأسه ثم أحدرها إلى مقدم أوائل جبهته
ومن كان له أب وضع كفه على مقدم رأسه مما يلي جبهته ثم
أصعدها إلى وسط رأسه. ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه لكنه
قال إذا لقيتم الغلام يتيما فامسحوا رأسه هكذا إلى قدام
فإذا كان له أب فامسحوا رأسه هكذا إلى خلف من مقدمته قال
الحافظ العراقي وفيه محمد بن سليمان بن علي ضعيف
(2/194)
1646 - (أمسك عليك) يا كعب بن مالك الذي
جاءنا تائبا معتذرا عن تخلفه عن غزوة تبوك مريدا للانخلاع
من جميع ماله صدقة (بعض مالك) وانخلع عن بعضه بأن تتصدق به
(فهو خير لك) من التصدق بكله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر
على الفاقة فالتصدق بجميع المال غير محبوب إلا لمن قوي
يقينه كالصديق ومن قاربه ممن له شدة صبر وكمال وثوق وقوة
توكل وقليل ما هم فلذلك منع كعبا من التصدق بجميع ماله دون
أبي بكر رضي الله عنه وفيه دلالة على صحة التصدق بالمشاع
إذ لم يفرق فهو حجة على مانعه
(ق 3 عن كعب بن مالك) قلت: يا رسول الله إن من توبتي
[ص:195] أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فذكره
(2/194)
1647 - (امش) يعني اذهب وخص المشي لكونه
أولى (ميلا) ثلاثة فراسخ (عد مريضا) مسلما (امشي) بدل مما
قبله (ميلين أصلح بين اثنين) رجلين أو فئتين يعني حافظ على
فعل ذلك ولو كان عليك فيه مشقة كأن يمشي إلى محل بعيد فإنه
قربة مؤكدة ينبغي الاعتناء بها لمزيد فضلها (امش ثلاث
أميال زر أخا في الله) تعالى وإن لم يكن من النسب وبين به
أن الثالث أفضل وأهم وأكد من الثاني وأن الثاني أفضل من
الأول والأمر في الكل للندب فالميل للتكثير والمراد امش
مسافة طويلة لعيادة المريض وامش ولو ضعفها للصلح وامش ولو
ضعفيها للزيارة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر الفرشي (في الكتاب) فضل زيارة
(الإخوان عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه
لم يقف عليه مسندا وهو عجب فقد خرجه البيهقي عن أبي إمامة
لكن فيه علي بن يزيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث
وعمر بن واقد متروك
(2/195)
1648 - (امشوا أمامي) أي قدامي (خلوا)
فرغوا (ظهري للملائكة) ليمشوا خلفي وهذا كالتعليل للأمر
بالمشي أمامه وبه يعرف أن غيره من الأمة ليس مثله في ذلك
لفقد المعنى المعلل به ومن ثم عد ذلك من خصائصه ولهذا
صرحوا بأن الطالب إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل
وورائه نهارا إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لنحو زحمة. قال
المؤلف: ومن خصائصه سير الملائكة معه حيث سار يمشون خلف
ظهره
(ابن سعد) في الطبقات (عن جابر) بن عبد الله قال: خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه امشوا إلى آخره
ورواه عنه أيضا بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية وقال تفرد
به الجارود بن يزيد عن سفيان
(2/195)
1649 - (امط) أزل ندبا (الأذى عن الطريق)
من نحو شوك وحجر وكل ما يؤذي السالك فيه (فإنه لك صدقة) أي
تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة فإنه تسبب إلى سلامة من يمر
عليه من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة
وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة
على النفس فإماطته مندوبة ندبا مؤكدا والظاهر أن المراد
الطريق المسلوك أما المهجور فليس مثله في أصل الندب أو
تأكده وأنه لو كان الطريق مختصا بنحو قطاع أو حربيين أنه
لا يندب فيه ذلك بل لو قيل يطلب أن يلقى فيه ما يؤذي لكان
قريبا
(خد عن أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة
الأسلمي فضلة بن عبيد على الصحيح مات سنة ستين وكذا رواه
عنه الديلمي كالطبراني
(2/195)
1650 - (أمك) (1) قال ابن السيد: سميت أما
لأنها أصل الولد وأم كل شيء أصله كما قالوا لمكة أم القرى
(ثم أمك ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر
يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولا. قال الزين العراقي: هذا هو
المعروف في الرواية فهو من قبيل {يسألونك ماذا ينفقون قل
العفو} ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله
الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى.
والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعارا
بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه
من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة
المتطاولة فهو [ص:196] إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصا
وتذكير لحقها العظيم مفردا إذ لها من الحقوق مالا يقام به
كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء (ثم)
قدم (أباك) فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض: نصب
بفعل محذوف أي ثم برأ أباك قال في رواية ثم أبوك قال: وهذا
واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن
بطال: وهذا إذا طلبا فعلا في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا
وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية
(ثم) بعد الأب وأبيه أن علا قدم (الأقرب) منك (فالأقرب)
فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي
الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي: وجاء في حديث
بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان
حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما
قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب
وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر
كذلك انتهى. ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما
هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب
<تنبيه> من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال
في شرح النوابغ: وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن
خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريبا من القلب
وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر قال
الإمام المرغيناني: وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق
من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن
والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه
العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك
نسب إليه دونها. وقال الحكيم: إنما صيرنا الحكم للأب لأن
أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم
اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب
الجسد واللحم كسوة قال تعالى {فكسونا العظام لحما} فلذلك
العصوبة والولاية له دونها
(حم ت د) كلهم (عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون
التحتية وفتح المهملة ابن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم.
قال الترمذي: حسن صحيح. (هـ عن أبي هريرة) قال: قلت يا
رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من
حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك
_________
(1) وسببه كما في الترمذي عن بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن
جدي قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك فذكره وأبر بفتح
الهمزة والياء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع أي من أحق
بالبر
(2/195)
1651 - (أملك يدك) أي اجعلها مملوكة لك
فيما عليك وباله وتبعته واقبضها عما يضرك وابسطها فيما لا
ينفعك. قال الطيبي: هذا وما بعده من أسلوب الحكيم سأله رجل
عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأخرجه على
سبيل الأمر المقتضي للوجوب زيادة في التقرير والتقريع
(تخ عن أسود) ضد أبيض (بن أصرم) المحاربي عداده في أهل
الشام وروايته فيهم ورواه عنه أيضا الطبراني. قال الهيثمي:
وإسناده حسن
(2/196)
1652 - (أملك عليك) يا من سألت منا النجاة
(لسانك) بأن لا تحركه في معصية بل ولا في فيما لا يعنيك
فإن أعظم ما تطلب استقامته بهذا القلب اللسان فإنه
الترجمان وقد سبق أن اللسان فاكهة الإنسان وإذا تعود
اللسان صعب عليه الصبر عنها فبعد عليه النجاة منها ولهذا
تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن استناده إلى
وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة ولسانه
يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصا وإزراءا ويرمي
الأفاضل بالجهل ويتفكه بأعراضهم ويقول على ما لا يعلم
وكثيرا ممن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس
إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم وما
هنالك وما هو إلا كأهل العراق السائلين ابن عمر عن دم
البعوض وقد قتلوا الحسين رضي الله تعالى عنه
(ابن قانع) أحمد في المعجم (طب عن الحارث بن هشام) بن
المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وهو الذي [ص:197] أجارته أم
هانئ يوم الفتح وقيل غيره مات بالشام مرابطا قال قلت يا
رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به فذكره. قال الهيثمي: رواه
الطبراني بإسنادين إحداهما جيد
(2/196)
1653 - (أملك عليك لسانك) أي احفظه وصنه
لعظم خطره وكثرة ضرره. قال ذو النون رضي الله عنه: أصوم
الناس لنفسه أملكهم للسانه. وقال ابن مسعود أو عمر: ما على
الأرض أحوج إلى طول سجن من اللسان. قال حجة الإسلام رضي
الله عنه: معنى حفظ اللسان من الكذب فلا ينطق به في جد ولا
هزل لأنه إن نطق به هزل تداعى إلى الجد والخلف بالوعد بل
ينبغي أن يكون إحسانك فعلا بلا قول والغيبة فإنها أشد من
ثلاثين زنية والمراد الجدال والمنافسة وتزكية النفس واللعن
والدعاء على الخلق والمزاح والسخرية والاستهزاء بالخلق
ونحو ذلك انتهى. قال بعض الحكماء: لا شيء أحق بالسجن من
اللسان وقد جعله خلف الشفتين والأسنان ومع ذلك يكثر القول
ويفتح الأبواب (وليسعك بيتك) سيما في زمن الفتن. قال
الطيبي: الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على
المخاطبة أي تعرض لما هو سبب لزوم البيت من الاشتغال بالله
والمؤانسة بطاعته والخلو عن الأغيار (وابك على خطيئتك) أي
ذنوبك ضمن بكى معنى الندامة وعداه بعلى أي اندم على خطيئتك
باكيا فإن جميع أعضاءك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان
طلق ذلق تفضحك به على ملإ من الخلق {يوم تشهد عليهم
ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (تتمة) قال في
الحكم: ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل فيها ميدان فكره
كيف يشرق القلب وصور الأكوان منطبع في مرآته أم كيف يرحل
إلى الله وهو مكبل بشهواته أم كيف يطمع من يدخل حضرة الله
وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته أم كيف يرجو أن يفهم دقائق
الأسرار وهو لم يتب من هفواته. <فائدة> قال ابن الحاج: عذل
بعضهم عن الانعزال في خلوته فقال: وجدت لساني كلبا عقورا
قل أن يسلم منه من خالطه فحبست نفسي ليسلم المسلمون من
آفاته
(ت) في الزهد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال: لقيت رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ما النجاة فقال:
أملك إلخ وهذا الجواب من أسلوب الحكيم سأل عن حقيقة النجاة
فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأولى وكان حق الظاهر أن
يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب
مزيدا للتقرير والاهتمام كذا قاله المصنف تبعا لعبد الحق
في أحكامه. قال ابن القطان: وهو خطأ إنما هو عن أبي أمامة
وسكت عنه والترمذي إنما قال حسن وهو إلى الضعف أقرب فإنه
من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد
عن القاسم عن أبي أمامة قال في المنار وكلهم متكلم فيه
(2/197)
1654 - (املكوا العجين) أي أنعموا عجنه
وأجيدوه (فإنه أعظم للبركة) أي أكثر لزيادة الخير والنمو
فيه يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته. قال
ابن الأثير: أراد أن خبزه يزيد بما يحتمل من الماء بجودة
العجن انتهى. وفي رواية ذكرها في النهاية املكوا العجين
فإنه أحد الربيعين
(عد عن أنس) ظاهر كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره
والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة سلامة بن روح الأبلي
وقال: قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة: منكر الحديث
(2/197)
1655 - (أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم
المؤذنون) أي هم حافظون عليهم دخول الوقت لأجل الصلاة
والصوم فيه فمتى قصروا فيما عليهم من رعاية الوقت بتقدم أو
تأخر فقد خانوا ما ائتمنوا عليه من أوقات الصلوات وما
يتبعها من وظائف العبادات
(هق عن أبي محذورة) الجمحي المكي المؤذن أوس وقيل سمرة
(2/197)
1656 - (أمنع الصفوف) أي أحوطها وأحرزها
(من الشيطان) أي من وسوسته (الصف الأول) أي الذي يلي
الإمام ولعله لكثرة الملائكة حول الإمام فبذلك يضعف سلطان
الشيطان وهذا مسوق للحث على تأكد الاهتمام بإيثاره
والمحافظة على ملازمته
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر في الثواب وكذا
الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سنان قال الذهبي في
الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني لا بأس به
وحكيم بن سيف قال أبو حاتم صدوق ولا يحتج به ووثق وهشام
أبو المقدام قال النسائي وغيره متروك
(2/197)
1657 - (أمنوا) بالتشديد أي قولوا آمين
ندبا (إذا قرئ) بالبناء للمفعول وفي نسخة للفاعل أي قرأ
الإمام في الصلاة أو قرأ أحدكم خارجها (غير المغضوب عليهم
ولا الضالين) أي إذا انتهى في قراءته إلى ذلك وورد في غير
ما حديث تعليله بأن الملائكة تؤمن على قراءته فمن وافق
تأمينه تأمين الملائكة غفر له
(ابن شاهين) عمر (في السنة) أي في كتاب السنة له (عن علي)
أمير المؤمنين
(2/197)
1658 - (أميران) تثنية أمير وهو صاحب الأمر
والولي وكل من ترغب في مشاورته أو مؤامرته فهو أميرك
(وليسا بأميرين) الإمرة المتعارفة وهما (المرأة تحج مع
القوم) الحجاج (فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة
فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها) واستنبط منه
شافعيون أن على أمير الحاج الإمساك عن الرحيل عن مكة لأجل
حائض لم تطف للإفاضة ولم ترد الإقامة بمكة. قال المحب
الطبري: كالمجموع سكت عنه أصحابنا وهو مذهب مالك ويلزم
الجمال حبس الجمال لها أكثر مدة الحيض (والرجل يتبع
الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها)
يعني لا ينبغي له أن يرجع حتى يستأذنهم وانتزع منه بعض
العلماء أنه لا يجوز له الانصراف بدون إذن ولي الميت وحكى
عن مالك وقيده بعض أتباعه بما إذا لم يطل وذهب الجمهور إلى
خلافه محتجين بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم جعل لمن لم
يشهد الدفن قيراطا فدل على جواز الانصراف قبل الدفن بغير
إذن وأقول ما استدلوا به لا ينهض شبهة فضلا عن حجة إذ ليس
في خبر القيراط ما يؤذن بأن شرطه أن لا ينصرف إلا بإذن
وبفرض تسليمه فالجهة منفكة
(المحاملي) بفتح الميم والحاء وسكون الألف وكسر الميم نسبة
إلى المحامل التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد
الله الحسين بن إسماعيل الضبي سمع البخاري والدروقي وابن
الصباح وخلقا وعنه الطبراني والدارقطني وغيرهما. قال
السمعاني: ثقة كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل مات سنة
ثلاث وثلاثين وثلاث مئة (في أماليه) الحديثية وكذا البزار
وأبو نعيم والديلمي كلهم (عن جابر) قال في الميزان تفرد به
عمرو بن عبد الغفار الفقيمي وعمرو متهم بالوضع وقد سرقه
آخر من الفقيمي أو الفقيمي سرقه منه وقال ابن القطان عمرو
متهم بالوضع وخرجه العقيلي من حديث أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه. قال في المطامح: ومداره على أبي سفيان وغيره من
الضعفاء الذين لا يحتج بهم
(2/197)
1659 - (إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا)
(1) ظلما يعني سألته أن يقبل توبته فامتنع أشد امتناع قال
ذلك (ثلاثا) أي [ص:199] كرره ثلاث مرات للتأكيد هذا إن كان
ثلاثا من لفظ الصحابي فإن كان من الحديث فالمعنى سألته
ثلاث مرات فامتنع وفي رواية للخطيب ما يقتضي الأول وهذا
يخرج مخرج الزجر والتهويل كأنه علم أن ذلك القاتل ليس ممن
أناب حق الإنابة أو المراد من استحل القتل ظلما
(حم ن ك عن عقبة بن مالك) الليثي له صحبة قال: بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل
منهم فاتبعه رجل من السرية فقال: إني مسلم فلم ينظر إليه
فقتله فنمى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه
قولا شديدا فأتاه القاتل وهو يخطب فقال ما قال الذي قال
إلا تعوذا فأعرض ثم أخذ خطبته فقال الثالثة فأقبل عليه
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تعرف المساء في وجهه
فقال: إن الله إلى آخره قال الهيثمي: رجال أحمد رجال
الصحيح غير بشر بن عاصم الليثي وهو ثقة. وقال العراقي في
أماليه حديث صحيح وقال الذهبي في الكبائر على شرط مسلم
_________
(1) [إذ هو كفر كمن استحل شرب الخمر أو منع الزكاة أو ترك
الصلاة. دار الحديث]
(2/197)
1660 - (إن الله أبى لي أن أتزوج) امرأة أو
(أزوج) من أهلي امرأة (إلا من أهل الجنة) يعني منعني من
مصاهرة من يختم له بعمل أهل النار فيخلد فيها وهذه بشارة
جليلة لأصهاره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن هند بن أبي هالة) التميمي ولد
خديجة قتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل شهد أحدا
وغيرها وإسناده ضعيف لكن يعضده خبر الحاكم وغيره سألت ربي
أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج مني أحد من أمتي
إلا كان معي في الجنة
(2/199)
1661 - (إن الله تبارك وتعالى) قال
التوربشتي: تبارك تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع
وتبارك أي بارك مثل قاتل لكن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى
ومعناه تعالى وتعظم وكثرت بركاته في السماوات والأرض إذ به
تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه
بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية (اتخذني خليلا) قال
الحرالي: من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى
يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف
الرضى والسخط فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه
رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد (كما اتخذ إبراهيم خليلا) لأن
الله تعالى لما علم من كل منهما أحوالا بديعة وأسرارا
غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته. قال
ابن القيم: وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة
وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة
والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة
(وأن خليلي) من البشر (أبو بكر) (1) وأما خبر لو كنت متخذا
خليلا لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجه
بعد: {كما اتخذ الله إبراهيم خليلا} فمنزلي ومنزل إبراهيم
يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين
خليلين وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال (طب
عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه
الهيثمي وقال: فيه يحيى الحماني وهو ضعيف وأقول لم أر يحيى
في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد الله بن زحر
ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية
_________
(1) أي الصديق رضي الله عنه فهو أفضل الناس على الإطلاق
بعد الأنبياء
(2/199)
1662 - (إن الله تعالى) حال لازمة أي
متعاليا عما لا يليق بعلى جناب قدسه (أجاركم) حماكم ومنعكم
وأنقذكم وحفظكم (من ثلاث خلال) أي خصال: الأولى (أن لا
يدعو عليكم نبيكم) كما دعي نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر
اللام (جميعا) أي بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير
الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة
والثانية (أن لا يظهر) [ص:200] بضم أوله وكسر ثالثه (أي لا
يغلب أهل) دين (الباطل) وهو الكفر وإن كثر أنصاره (على)
دين (أهل الحق) وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق
بحيث يمحقه ويطفىء نوره قال التوربشتي: ولم يكن ذلك بحمد
الله مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى
بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج
والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها وقال
القاضي: المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله
بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا
على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين
انتهى ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل
الحق مطلقا يحتاح لحمله على الظهور وكل الظهور وقيل هو عند
نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج
المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن
أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول
والثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) قال الطيبي: حرف النفي
في القرائن زائد كقوله تعالى {ما منعك ألا تسجد} وفائدته
توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا
إذا كانت الخلال مثبتة لا منفية وفيه أن إجماع أمته حجة
وهو من خصائصهم وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه
والأمر بخلافه بل بقيته فهؤلاء أجاركم الله منهن وأن ربكم
أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن منه كالزمكة ويأخذ الكافر
فينتفخ والثانية الدابة والثالثة الدجال هكذا ساقه الحافظ
ابن حجر في تخريج المختصر وتبعه الكمال بن أبي شريف مختصره
فليعتمد
(د) في الفتن وكذا الطبراني وغيره (عن أبي مالك الأشعري)
قال في المنار: هذا الحديث منقطع ثم اندفع في بيانه وأطال
وقال المناوي: فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال
أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير
واحد وقال ابن حجر في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد
منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن
عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات
لكن فيه راو لم يسم وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي
مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل
منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعازف وهو مشهور
بكنيته وفي اسمه خلف. الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه
أكثر. الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته حتى قال
المزني في ترجمته لا يعرف له كنية وتعقب بأن الشيخين
والنسائي كنوه وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة الثاني. قال
الحافظ: وصح لي أنه الثالث لأن ابن أبي عاصم لما خرج
الحديث المذكور عن محمد بن عوف قال في سياق سنده عن كعب بن
عاصم الأشعري بدل أبي مالك الأشعري فدل على أنه هو إلا أن
يكون ابن أبي عاصم تصرف في التسمية بظنه وهو بعيد
(2/199)
1663 - (إن الله احتجر التوبة) منعها
والحجر المنع وفي رواية للبيهقي احتجب وفي رواية له حجب
(عن كل صاحب بدعة) وإن كان زاهدا متعبدا فعاقبته خطرة جدا
والمراد بالبدعة هنا أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله
خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه نظرا وتقليدا فإذا
قرب موته فظهرت له ناصية ملك الموت اضطرب قلبه بما فيه
وانكشف له بطلان بعض معتقده وكان قاطعا به فيكون سببا
لبطلان بقية اعتقاداته أو شكه فيها فإن خرجت روحه قبل أن
يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فهو من أهل النيران
(ابن فيد) وفي نسخ ابن فيل أي في جزئه كما في الكبير (طب
هب والضياء) في المختارة (عن أنس)
(2/200)
1664 - (إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه
كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد عليها فيطغيه ولا ينقص
عنها فيؤذيه فإن الغنى مبطرة مأشرة والفقر مذلة مأسرة. قال
الغزالي رحمه الله تعالى: مر موسى عليه الصلاة والسلام
برجل نائم على التراب متوسدا لبنة وهو متزر بعباءة فقال:
يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع قال أما علمت أني إذا نظرت
إلى عبدي بوجهي كله زويت [ص:201] عنه الدنيا وقالوا قل من
تكثر عليه الدنيا وإلا وتكثر غفلته عن الله لأن العبد كلما
كان أكثر حاجة إلى الله كان الحق على باله بخلاف ما لو
أعطاه قوت سنة مثلا فإن غفلته تكثر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) وكذا الديلمي (عن علي) أمير
المؤمنين وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم
غال في التشيع وعبيد الله بن الوليد ضعفوه
(2/200)
1665 - (إن الله تعالى) تفاعل من علو القدر
والمنزلة هنا وأصل تفاعل التعاطي العقل كتخاشع وكذا تفعل
كتكبر وهما في حق الباري تعالى بمعنى التفرد لا بمعنى
التعالي ذكره العكبري (إذا أحب إنفاذ) بمعجمة (أمر) أي
أراد إمضاءه (سلب كل ذي لب لبه) حتى لا يدرك به مواقع
الصواب ويتجنب ما يوقعه في المهالك والأعطاب فهو إشارة إلى
أن قضاء الله لا بد من وقوعه ولا يمنع منه عقل ولا غيره
(أنشد غلام ثعلب)
إذا أراد الله أمرا بامرئ. . . وكان ذا رأي وعقل وبصر. . .
وحيلة يعملها في كل ما
يأتي به محتوم أسباب القدر. . . أغراه بالجهل وأعمى عينه.
. . وسل منه عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه. . . رد عليه عقله ليعتبر
(خط) وكذا أبو نعيم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أن
الخطيب خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل أعله بلاحق بن
حسين وقال إنه يضع وقال في موضع آخر كان كذابا إذ كان يضع
الحديث على الثقات ويسند المراسيل انتهى فعزوه له مع حذف
ما عقبه به من هذه العلة التي هي أقبح العلل غير صواب
(2/201)
1666 - (إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع)
أي قلع وأذهب (عقول الرجال) أي الكاملين في الرجولية
الراسخين في العقل فلذا لم يقل الناس مثلا (حتى يمضي أمره
فإذا أمضاه رد إليهم عقولهم) ليعتبروا بهم (ووقعت الندامة)
منهم على ما كان فإذا أنت أحكمت باب اليقين وجزمت بأنه لا
بد من وقوع القضاء المبرم هان عليك الأمر وارتفعت الندامة
ورضيت النفس بما أصابها هذا هو الكمال ومن لم يصل إليه
فليستعمل الصبر ويمرن نفسه على الرضى بالقضاء وينتظر وعد
الله بأن عليه صلوات من الله ورحمة وفي الصبر خير كثير
(تنبيهات) قال بعضهم لا بد للعبد من إسدال الحجاب عليه حتى
يقع في المعصية وإلا فعصيانه ربه مع الكشف وشهوده أنه يراه
لا يكون أبدا وهذا من رحمته تقدس بعصاة الموحدين فإن
مجاهرة الحق بمحرم مع شهود أنه يراه قلة احترام للجناب
الإلهي يوجب تشديد العقاب <فائدة> سأل نافع بن الأزرق ابن
عباس عن الهدهد كيف ينظر الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ تحت
التراب قال إذا جاء القضاء عمي البصر فصار ذلك من الأمثال
عند العرب
(أبو عبد الرحمن السلمي في) كتابه (سنن الصوفية) الذي وضعه
لهم (عن جعفر بن محمد) الصادق وأمه فروة بنت القاسم بن
محمد وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فكان يقول
ولدني الصديق مرتين وثقه ابن معين وقال أبو حنيفة رضي الله
عنه ما رأيت أفقه منه (عن أبيه) محمد الصادق (عن جده) وسبق
عن الخطيب أن السلمي هذا وضاع لكن فيه نزاع
(2/201)
1667 - (إن الله تعالى إذا أنزل سطواته)
جمع سطوة (1) قهره وشدة بطشه وفي رواية ابن حبان سطوته
بالإفراد (على أهل نقمته) أي المستوجبين لها (فوافت آجال
قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على) حسب (نياتهم
وأعمالهم) [ص:202] أي بعث كل واحد منهم على حسب أعماله من
خير وشر فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا
فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق فالصالح
ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته فلا يلزم من الاشتراك في
الموت الاشتراك في الثواب والعقاب بل يجازى كل واحد بعمله
على حسب نيته ومن الحكم العدل أن أعمالهم الصالحة إنما
يجازون عليها في الآخرة أما في الدنيا فمهما أصابهم من
بلاء فهو تكفير لما قدموه من عمل سيء والنقمة عقوبة المجرم
والفعل من نقم بالفتح والكسر ذكره القاضي وذهب ابن أبي
جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر اه. وذهب بعضهم إلى التعميم
تمسكا بآية {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم
إذا مثلهم} وأخذ منه مشروعية الهرب من الكفار والظلمة لأن
الإقامة معهم من إلقاء النفس في التهلكة
(هب عن عائشة) وهو صحيح ورواه عنها أيضا ابن حبان في صحيحه
بلفظ إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون
قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم
_________
(1) يقال سطا عليه يسطو سطوا قهره وأذله وهو البطش بشدة اه
(2/201)
1668 - (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة)
وهي كل ملائم تحمد عاقبته كما سبق (يحب أن يرى أثر النعمة
عليه) لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه ليبرزه إلى جوارحه
ليكون مهابا بها مكرما فإذا منعه فقد ظلم نفسه وضيعها
(ويكره البؤس) وهو شدة الحال والفاقة والذلة (والتباؤس)
إظهار الفقر وشدة الحاجة (ويبغض السائل الملحف) أي الملازم
الملح (ويحب الحيي العفيف) أي المنكف عن الحرام والسؤال
للناس (المتعفف) أي المتكلف العفة قال الحرالي: التعفف
تكلف العفة وهو كف ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه
ووجهه وفيه أنه يندب لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به
تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بجميع
أنواعه لكن التوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله تعالى
أفضل من الأرفع إلا إن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها
كما اقتضاه هذا الحديث والتوسعة على العيال لكن بغير تكلف
كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر
الوفاء منه إذا طولب
(هب عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب إسناده جيد
(2/202)
1669 - (إن الله تعالى إذا رضي عن العبد
أثنى) أي أعلم ملائكته فيثنون عليه ثم يقذف ذلك في قلوب
أهل الأرض فيثنون (عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله)
يعني أنه يقدر له التوفيق لفعل الخير في المستقبل ويثني
عليه به قبل صدوره منه بالفعل. قال في الكشاف في تفسير
{ولينصرن الله من ينصره} وعن عثمان هذا والله ثناء قبل
بلاء يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير
ما أحدثوا. إلى هنا كلامه وقال الصوفية الجناية لا تضر مع
العناية وفي تفسير البغوي أن داود عليه السلام سأل الله أن
يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب فقال:
يا رب ومن يستطيع يملأ هذه حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا
رضيت على عبدي ملأتها بتمرة (وإذا سخط على العبد أثنى عليه
بسبعة أصناف من الشر لم يعمله) هذا ينبئك بأن الثناء من
الله على عبده بسريرته فيما بينه وبينه وبما قسم له بعد
لأن الخلق إنما عاينوا علانية والحق يثني عليهم بما غاب
عنهم وبما [ص:203] سيكون منه وإنما يثني عليه بأضعاف ما لم
يعمله لما سيكون منه وذلك لأنه كما بين الرزق تفاوت في
القسمة بين الثناء والثناء فقسمة الرزق على التدبير في
الظاهر وقسمة الثناء ومقابلة على منازل العباد عند خالقهم
في الباطن قال ابن أقبرس: الثناء أعم من المدح والحمد
ومقتضاه كونه ذكرا لسانيا كالمدح والحمد أو لسانيا وخارجيا
كالشكر وكل ذلك محال عليه تعالى فالثناء منه بضرب تجوز
وفيه حجة لمن قال إن الثناء استعمل في الخير والشر (تتمة)
قال الدقاق رحمه الله تعالى: مر بشر بجمع من الناس فقالوا
هذا رجل لا ينام الليل ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة
فبكى وقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة ولا صمت يوما
لم أنظر من ليلته ولكن الله يلقي في القلوب أكبر مما يفعله
العبد تفضلا وتكرما
(حم حب) وكذا أبو يعلى (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي:
رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم انتهى وقال ابن الجوزي حديث
لا يصح
(2/202)
1670 - (إن الله إذا قضى على عبد قضاء) أي
مبرما من سعادة أو شقاوة (لم يكن لقضائه مرد) أي راد يعني
ليس هم كملوك الدنيا بحال بينهم وبين بعض ما يريدونه
لشفاعة أو غيرها فمن قضى له بالسعادة فهو من أهلها
وبالشقاوة فمن أهلها لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه
بالرد وهو القادر على كل شيء وغيره عاجز عن كل شيء وأما
خبر الدعاء يرد القضاء فمحله في غير السعادة والشقاوة وهو
الذي قيل فيه للمصطفى صلى الله عليه وسلم {ليس لك من الأمر
شيء} <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه:
القدرة من شرطها الإيجاد إذا ساعدها القضاء والإرادة فإياك
والعادة وكلما أدى إلى نقص الألوهية مردود ومن جعل في
الوجود الحادث ما ليس بمراد الله فهو عن المعرفة مردود
مطرود وباب التوحيد في وجهه مسدود
(ابن قانع) في معجمه (عن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء
وسكون المهملة (ابن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم وقيل
بفتح المهملة وكسر الميم الكندي الشامي قال في الكاشف
مختلف في صحبته وجزم ابن سعد بأن له وفادة وهو ضعيف مات
بصفين
(2/203)
1671 - (إن الله إذا أراد بالعباد نقمة)
بكسر أوله عقوبة (أمات الأطفال وعقم النساء) أي منع المني
أن ينعقد في أرحامهن ولذا قال في الصحاح: أعقم الله رحمها
فعقمت إذا لم تقبل الولد ورحم معقومة أي مسدودة لا تلد
(فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم) لأن سلطان الانتقام
إذا ثار حنت الرحمة في محلها بين يدي الله تعالى حنين
الوالهة فتطفئ تلك الثائرة فإذا لم يكن فيهم مرحوم ثار
السلطان بالعقوبات واعتزلت الرحمة فحلت بهم النقمة فافهم
أسرار كلام الشارع (1) . وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر
بمعناه من غير عزو ثم قال: ليس له أصل وعموم حديث مسلم
الآتي العجب أن ناسا من أمتي إلخ يرده وقد شوهدت السفينة
ملآى من رجال ونساء وأطفال تغرق فيهلكون جميعا ومثله الدار
الكبيرة تحترق والرفقة الكثيرة يخرج عليها القطاع فيهلكون
جميعا أو أكثرهم والبلد تهجمها الكفار فيبذلون السيف في
المسلمين وقد وقع ذلك من الخوارج فالقرامطة فالتتر والله
المستعان. إلى هنا كلامه. ومما يقوي ما رواه خبر البخاري
أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب له عن حذيفة) بن اليمان
(وعمار بن ياسر معا) دفع به توهم أنه عن واحد منهما على
الشك
_________
(1) فينبغي التلطف بالأطفال والشفقة عليهم فإن دعت الحاجة
إلى التأديب فالتأديب أولى من تركه اه
(2/203)
1672 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يهلك
عبدا) من عباده (نزع منه الحياء) منه تعالى أو من الخلق أو
منهما جميعا (فإذا [ص:204] نزع منه الحياء لم تلقه) أي لم
تجده (إلا مقيتا) فعيل بمعنى فاعل أو مفعول من المقت وهو
أشد الغضب (ممقتا) بالتشديد والبناء للمجهول أي مبغوضا بين
الناس كثيرا مغضوبا عليه عندهم وحاصله يبغض الناس ويبغضونه
جدا (فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا) أي إلا موسوما بذلك
(نزعت منه الأمانة) وأودعت فيه الخيانة (فإذا نزعت منه
الأمانة لم تلقه إلا خائنا) فيما جعل أمينا عليه (مخونا)
بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوبا إلى الخيانة بين الناس
محكوما له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف (نزعت منه الرحمة)
التي هي رقة القلب والعطف على الخلق (فإذا نزعت منه الرحمة
لم تلقه إلا رجيما) أي مطرودا وأصل الرجم الرمي بالحجارة
فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم (ملعنا) بضم الميم وفتح اللام
والتشديد أي مطرودا عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو
يلعنه الناس كثيرا وإذا صار كذلك (نزعت منه ربقة الإسلام)
بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في
حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد
به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم:
بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه
انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس
خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن
منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن
لا حياء ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في
خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي: أي حياء مذموما
(هـ عن ابن عمر) ابن الخطاب وضعفه المنذري
(2/203)
1673 - (إن الله تعالى إذا أحب عبدا) أي
رضي عنه وأراد به خيرا وهداه ووفقه (دعا جبريل) أي أذن له
في القرب من حضرته (فقال) له (إني أحب فلانا فأحببه) أنت
يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك
(فيحبه جبريل) فالضمير في نادى إلى الله تعالى يعني إذا
أراد الله تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولا (ثم ينادي) أي
جبريل (في السماء) أي في أهلها (فيقول إن الله) وفي رواية
بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند
البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول (يحب
فلانا فأحبوه) بتشديد الموحدة أنتم (فيحبه أهل السماء) أي
الملائكة (ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض) أي يحدث له
في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى
عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب
لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو
اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما
يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا
لمكانهم ذكره الزمخشري. قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر
له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له {ولله
العزة ولرسوله وللمؤمنين} قال العارف ابن عربي رضي الله
تعالى عنه: وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن
أنكرته الظواهر من بعض الناس فلأغراض قامت بهم وهم في هذا
كسجودهم لله كل من في العالم ساجد وكثير من الناس ما قال
كلهم وهكذا حال هذا العبد تحبه بقاع الأرض كلها وجميع ما
فيها وكثير من الناس على أصلهم في السجود لله تعالى وفي
تاريخ الخطيب في ترجمة خير النساج عنه إذا أحبك ذلك وعافاك
وإذا أحببته أتعبك وأبلاك. قال ابن الأثير: والقبول بفتح
القاف المحبة والرضى بالشيء وميل النفس إليه. قال الغزالي
رضي الله تعالى عنه: لا تستبعد رضى الله عن العبد مما يغضب
به على غيره ألا ترى إلى قول موسى عليه [ص:205] الصلاة
والسلام {إن هي إلا فتنتك} {ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون}
وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لكن من أقيم
مقام الأنس يتلاطف ويحتمل ولم يحتمل من يونس عليه الصلاة
والسلام ما دون ذلك لكونه أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب
بما عوقب به وذلك الاختلاف إما لاختلاف المقامات أو لما
سبق في الأزل من التفاضل. وانظر كيف احتمل إخوة يوسف عليه
السلام ما فعلوه بيوسف عليه السلام ولم يحتمل للعزيز كلمة
واحدة سأل عنها في القدر وكان بلعم بن باعوراء من أكابر
العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل له ذلك وكان آصف من
المسرفين فعفى عنه أوحى الله إلى سليمان عليه الصلاة
والسلام يا رأس العابدين ويا محجة الزاهدين إلى كم يعصيني
ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه لئن أخذته لأتركنه مثلة لمن
معه ونكالا لمن بعده فخرج آصف حتى علا كثيبا ثم رفع رأسه
وقال إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب علي
وكيف أعتصم إن لم تعصمني فأوحى الله إليه صدقت يا آصف قد
تبت عليك وأنا التواب الرحيم. قال الغزالي رضي الله عنه:
هذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه فهذه سنة الله في
عباده بالتقديم والتأخير على ما سبقت به المشيئة الأزلية
(وإذا أبغض عبدا) أي أراد به شرا أو أبعده عن الهداية (دعا
جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل) يحتمل أن
يريد عدم استغفاره له وعدم دعائه له ويحتمل إرادة المعنى
الحقيقي وهو عدم الميل القلبي والنفرة منه (ثم ينادي في
أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع
له البغضاء في الأرض) أي فيبغضه أهل الأرض جميعا فلا تميل
إليه قلوبهم بل تميل عنه وينظرون إليه بعين النقص والإزراء
وتسقط مهابته من النفوس وإعزازه من الصدور من غير صدور
إيذاء منه لهم ولا جناية عليهم. وقيل: إن بغضه يلقى في
الماء فلا يشربه أحد إلا أبغضه (1)
<تنبيه> قال في الحكم: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق
العمل فيك ونسبه إليك لا نهاية لمذامك إذا أرجعك إليك ولا
تفرغ مدابحك إن أظهر جوده عليك لو أنك لا تصل غليه إلا بعد
فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبدا إذا أراد أن
يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه
إليك لا بما منك إليه
(م) في الأدب (عن أبي هريرة) زاد الطبراني ثم قرأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم {سيجعل لهم الرحمن ودا} ورواه
البخاري بدون ذكر البغضاء
_________
(1) قال العلماء محبة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته
وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادته عقابه وشقاوته ونحوه وجب
جبريل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما استغفارهم له وثناؤهم
عليه ودعاؤهم له والثاني أنه على ظاهره المعروف من الخلق
وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب ذلك كونه
مطيعا لله محبوبا له ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي
الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه
(2/204)
1674 - (إن الله إذا أطعم نبيا طعمة) بضم
الطاء وسكون العين المأكلة يقال جعلت هذه الضيعة طعمة فلان
والطعمة أيضا وجه المكسب يقال فلان عفيف الطعمة وخبيث
الطعمة إذا كان رديء الكسب وأما ضبط الكمال ابن أبي شريف
رضي الله تعالى عنه الطعمة هنا بكسر الطاء وسكون العين
وفتح الميم فلا يظهر وجهه وزاد في رواية بعد قوله طعمة ثم
قبضه والمراد هنا الفيء ونحوه (فهي للذي يقوم) بالخلافة
(من بعده) أي يعمل فيها ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
يعمل لا أنها تكون له ملكا كما ظن فلا تناقض بينه وبين خبر
ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي صدقة ذكره ابن جرير.
قال: وفيه أن من كان مشتغلا بشيء من مصالح المسلمين كعالم
وقاض وأمير له أخذ الرزق من الفيء على اشتغاله به وأنه مع
ذلك مأجور وفيه رد على من حرم على القسام آخذ الأجر انتهى.
وقال ابن حجر: تمسك بالحديث من قال إن سهم المصطفى صلى
الله عليه وسلم يصرفه له والفاضل يصرفه في المصالح وعن
الشافعي رضي الله تعالى عنه [ص:206] يصرف للمصالح وهو لا
ينافي ما قبله وقال مالك يجتهد فيه الإمام وأحمد يصرف في
الخيل والسلاح وفي وجه يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر:
كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع
الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي رضي الله
تعالى عنه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يرد مع سهم
القربى إلى الثلاثة
(د) وكذا أحمد وكأنه أهمله لذهول فإنه محافظ على العزو له
وتقدمه فيه حتى على الشيخين من طريق أبي الطفيل (عن أبي
بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال أبو الطفيل: أرسلت
فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه
أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال: لا بل
أهله قالت: فأين سهمه قال: سمعته يقول فذكره قال ابن حجر
رحمه الله: فيه لفظة منكرة وهي قوله بل أهله فإنه معارض
للحديث الصحيح أنه قال لا نورث انتهى وقال في تخريج
المختصر: رجاله ثقات أخرج لهم مسلم لكنه شاذ المتن لأن
ظاهره إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم يورث وهو مخالف
للأحاديث الصحيحة المتواترة انتهى وفيه محمد بن فضيل أورده
الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة شيعي قال ابن سعد بعضهم لا
يحتج به وقال أبو حاتم كثير الخطأ والوليد بن جميع قال ابن
حبان فحش تفرده فبطل الاحتجاج به
(2/205)
1675 - (إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة)
قال ابن الكمال: إذا ذكر الرحمة خصوصا في مقابلة الهلاك
يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي
المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده)
جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال
في الأساس: ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة الله تعالى. قال
المولى ابن الكمال: وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن
(قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطا) بفتحتين بمعنى
الفارط المتقدم إلى الماء ليهيء السقي في القاموس يقال
للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني:
السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر الطيبي يريد
أنه شفيع يتقدم قال بعض المحققين: والظاهر منه المرجو أن
له صلى الله عليه وسلم شفاعة ونفعا غير مأمنه يوم القيامة
فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهيء قبل
الورود يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن
احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله
فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا
انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلا بعد نسل مستغنى عنه
مع أن فيه ما فيه (وسلفا بين يديها) وهو المقدم وكل عمل
صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في
القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة
التقديم الإنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا
بلغت بلدا مخوفا ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة
وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى
وفي الكشاف في تفسير {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}
حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين
المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين
لكونهما على سمت اليدين مع القرب منها توسعا كما يسمى
الشيء باسم غيره إذا جاوزه وداناه قال ابن الكمال: وقد جرت
هذه العبارة هنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسميه أهل
اللسان تمثيلا (وإذا أراد هلكة أمة) بفتح الهاء واللام
هلاكها (عذبها ونبيها حي) أي وهو مقيم بين أظهرها قيدها في
قيد الحياة (فأهلكها) الفاء للتعقيب (وهو ينظر) أي والحال
أن نبيها ينظر إلى إهلاكهم قال الجوهري: النظر تأمل الشيء
بالعين (فأقر عينه) الفاء للتفريع أي فرحه الله وبلغه الله
أمنيته. وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد
فيقر (بهلكتها) في حياته (حين كذبوه) في دعواه النبوة
والرسالة (وعصوا أمره) بعدم إتباع ما جاء به عن الله وإنما
كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة [ص:207]
لأنه يكون مصيبة عظيمة لهم ثم يتمسكون بشرعه بعده فتضاعف
أجورهم وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم
ومخالفتهم أمره كما فعل بقوم نوح عليه السلام فالمراد من
الأمة الأولى أمة الإجابة وبالثانية أمة الدعوة وفيه بشرى
عظيمة لهذه الأمة حيث كان قبضه رحمة لهم كما كان بعثه كذلك
(م) في فضائل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(عن أبي موسى الأشعري) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة
عشر حديثا المنقطعة (1) الواقعة في مسلم لأنه قال في أول
سنده حدثنا عن أبي أسامة
_________
(1) قلت وليس هذا حقيقة الانقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد
وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد
بن المسيب الأرغباني قال ثنا إبراهيم بن سعد الجوهري هذا
الحديث عن أبي أسامة بإسناده
(2/206)
1676 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق)
وفي نسخة يجعل (عبدا للخلافة) هي المرتبة التي يصلها من
يقوم مقام الذاهب أي من تقدمه (مسح يده على جبهته) يعني
ألقى عليه المهابة والقبول ليتمكن من إنفاذ الأوامر ويطاع
فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل التهيء لمراتب
الاستعداد وإيداع القابل فيه من رب العباد محال فمسح
الجبهة كناية عن ذلك. قال الراغب: والخلافة والنيابة عن
الغير لغيبة المنوب عنه أو موته أو عجزه أو تشريف المستخلف
وعلى الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض
(خط عن أنس) قضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه
وهو تلبيس فاحش فإنه خرجه وأعله فقال عقبة مغيث بن عبد
الله أي أحد رجاله ذاهب الحديث انتهى
(2/207)
1677 - (إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا
للخلافة مسح يده على ناصيته) أي مقدم رأسه ولفظ رواية
الحاكم مسح على ناصيته بيمينه (فلا تقع عليه عين) أي لا
تراه عين إنسان (إلا أحبته) وفي نسخة أحبه بالتذكير على
إرادة صاحبها ومن لازم محبة الخلق له امتثال أوامره وتجنب
نواهيه وتمكن هيبته من القلوب وإجلاله في الصدور. ثم إن
بعضهم قد حمله على ظاهر هذا الخبر فحمل الخليفة على الإمام
والذي عليه أهل الحقيقة أن المراد به القائم بالحجة من أهل
علم الظاهر والباطن أي ظهر بأسماء الحق على تقابلها قال
ابن عطاء الله: من أراد الله به كونه داعيا إليه من
أوليائه فلا بد من إظهاره للعباد ثم لا بد أن يكسوه الحق
كسوتين الجلالة والبهاء فالجلالة لتعظمه العباد فيقفوا على
حدود الأدب ويمتثلوا أمره ونهيه ويقوموا بنصره والبهاء
ليجملهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين المحبة ليبعث
الهمم على الانقياد إليهم {وألقيت عليك محبة مني} ثم إن
العالم وإن كان مشحونا بالعلوم والمعارف لا يقبل كلامه إلا
إن أذن الله له في الكلام فإذا أذن له فيه بهت في مسامع
الخلق عبارته وجلت إشارته وخرج كلامه وعليه كسوة وحلاوة
ومن لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى أن الرجلين
ليتكلمان بالكلمة الواحدة فيقبل من أحدهما ويرد على الآخر
<تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه: إذا أعطي الإنسان
التحكم في العالم فهي الخلافة فإذا شاء تحكم وظهر كعبد
القادر الكيلاني رضي الله عنه وإن شاء سلم وترك التصرف
لربه في عباده مع التمكن منه كابن شبل رضي الله عنه إلا أن
يقترن به أمر إلهي كداود عليه الصلاة والسلام فلا سبيل إلى
رد الأمر وكعثمان رضي الله عنه الذي لم يخلع ثوب الخلافة
حتى قتل لعلمه بما ألحق فيه ونهي المصطفى صلى الله عليه
وسلم له عن ذلك وحينئذ يجب الظهور ولا يزال مؤيدا ومن لم
يؤمن به فهو مخير إن ظهر ظهر بحق وإن استتر استتر بحق
والستر أولى وفي هذه الدار إعلاء فمن أمر بالظهور فهو
كالرسول وغيره كالنبي
(ك) عن أبي بكر بن أبي دارم عن محمد بن هارون عن موسى بن
عبد الله الهاشمي عن يعقوب بن جعفر عن أبيه عن أبي جعفر
المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ثم قال [ص:208]
الحاكم رواته هاشميون معروف بشرف الأصل. قال الحافظ ابن
حجر رحمه الله في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من
الحفاظ
(2/207)
1678 - (إن الله تعالى إذا أنزل عاهة) أي
بلاء (من السماء) أي من جهتها (على أهل الأرض) أي ساكنيها
من إنس وجن وغيرهما (صرفت) بالبناء للمفعول أي صرفها الله
(عن عمار المساجد) قال الحكيم: ليس عمارها كل من أنفق على
مسجد فبناه أو من رمه بل من عمرها بذكره (1) وإنما يعمر
مساجد الله من آمن بالله أما من عمرها وهو منكب على دنياه
معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام نفسه فضلا عن
الدفع عن غيره لآجله وإن عمر ألف مسجد قال القاضي: عامر كل
شيء حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال ومنه سمي
الساكن والمقيم في البلد عامرا يقال عمرت المكان إذا أقمت
فيه وسمي زوار البيت عمارا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وكذا رواه عنه في
النوادر
_________
(1) كصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومذاكرة علم قال
بعضهم: ويؤخذ منه أن من عمل صالحا فقد أحسن إلى جميع الناس
أو سيئا فقد أساء إلى جميعهم لأنه تسبب في نزول البلاء
والبلاء عام والرحمة خاصة
(2/208)
1679 - (إن الله تعالى إذا غضب على أمة ولم
ينزل بها) أي والحال أنه لم ينزل بها (عذاب خسف) بالإضافة
أي ولم يعذبها بالخسف بها ومن زعم أن المراد بالخسف هنا
النقصان والهوان فقد خالف الظاهر (ولا مسخ) أي ولم يعذبها
بمسخ صورها قردة أو خنازير أو نحوهما (غلت أسعارها) أي
ارتفعت أسعار أقواتها أي (ويحبس) أي يمسك ويمنع (عنها
أمطارها) فلا يمطرون وقت الحاجة إلى المطر (ويلي عليها
أشرارها) أي يؤمر عليه أشرهم سيرة وأقبحهم سريرة
فيعاملونهم بالظلم والجور والعسف والقسوة والفظاظة
والغلظة. قال القاضي: والمراد من رحمته وغضبه إصابة
المعروف والمكروه اللازمين لمعنيهما
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الديلمي بأوضح من
هذا ولفظه إن الله تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل عليها
العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارتها وحبس
عنها أمطارها ولم تغزر أنهارها ولم تربح وسلط عليها
أشرارها اه
(2/208)
1680 - (إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك) أي
عن عظمة جثة ديك من خلق الله تعالى يعني عن ملك في صورة
ديك وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية إن لله
تعالى ملكا في السماء يقال له الديك إلخ (قد مرقت رجلاه
الأرض) أي وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر قال في
الصحاح مرق السهم خرج من الجانب الآخر (وعنقه مثنية تحت
العرش) أي عرش الإله (وهو يقول) أي هجيراه وشعاره قوله
(سبحانك ما أعظمك) زاد في رواية الطبراني ربنا (فيرد عليه)
أي فيجيبه الله الذي خلقه بقوله (لا يعلم ذلك) أي لا يعلم
عظمة سلطاني وسطوة انتقامي (من حلف بي كاذبا) (1) فإنه لو
نظر إلى كمال الجلال وتأمل بعين بصيرته في عظم المخلوقات
الدالة على عظم الخالق لم [ص:209] يتجرأ على اسمه ويقسم به
على خلاف الواقع فالجرأة على اليمين الكاذبة إنما تنشأ عن
كمال الجهل بالله تعالى ومن ثم كانت اليمين الغموس من أكبر
الكبائر وإن كانت على قضيب من أراك
(أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن
محمد بن العباس عن الحسن بن الربيع عن عبد العزيز بن عبد
الوارث عن حرب (طس) عن محمد بن العباس عن الفضل بن سهل عن
إسحاق السلولي عن إسرائيل عن معاوية عن سعيد بن أبي سعيد
عن أبي هريرة (ك) في الأيمان من طريق عبيد الله بن موسى عن
إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد (عن أبي
هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما
عزاه للطبراني رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد
بن العباس بن سهل الأعرج لم أعرفه وأعاده في موضع آخر وقال
رجاله رجال الصحيح ولم يستثن
_________
(1) فأزجر شيء وأمنعه عن اليمين الكاذبة استحضار هذا
الحديث
(2/208)
1681 - (إن الله استخلص هذا الدين لنفسه)
وناهيك به تفخيما لرتبة دين الإسلام فهو حقيق بالإتباع
لعلو رتبته عند الله في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا
السخاء (1)) بالمد الكرم فإنه لا قوام لشيء من الطاعات إلا
به (2) (وحسن الخلق) بالضم السجية والطبع (ألا) بالتخفيف
حرف تنبيه (فزينوا) من الزين ضد الشين (بهما دينكم) زاد في
رواية ما صحبتموه فالسخاء السماح بالمال وحسن الخلق السماح
بالنفس فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ومالت إليه النفوس
وتلقت ما يبلغه عن الله. قال الزمخشري: معنى ذلك أن مع
الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته
فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا رافقا كما
قال تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} والمعرض عن الدين مسبول
عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى ازدياد من الدنيا
مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحالته
مظلمة اه. وقال الحكيم: الإسلام بني اسمه على السماحة
والجود لأن الإسلام تسليم النفس والمال لحقوق الله وإذا
جاء البخل فقد ذهب بذل النفس والمال ومن بخل بالمال فهو
بالنفس أبخل ومن جاد بالنفس فهو بالمال أجود فلذلك كان
البخل يمحق الإسلام ويبطله ويدرس الإيمان وينكسه لأن البخل
سوء ظن بالله وفيه منع لحقوقه وعليه الاعتماد دون الله
ولذلك جاء في خبر ما محق الإسلام محق البخل شيء قط وكما أن
في السخاء الخير كله ففي البخل الشر كله قال الحرالي: كل
ما اجتمعت فيه استقباحات الشرع والعقل والطبع فهو فحش
وأعظمها البخل الذي هو أدوأ داء وعليه ينبني شر الدنيا
والآخرة ويلازمه ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله (3)
(طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي فيه عمرو بن الحصين
العقيلي وهو متروك اه وله طرق عند الدارقطني في المستجاد
والخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد وغيره أمثل من هذا
الطريق وإن كان فيها أيضا لين كما بينه الحافظ العراقي فلو
جمعها المصنف أو آثر ذلك لكان أجود
_________
(1) أي التلطف بالناس والرفق بهم وتحمل أذاهم وكف الأذى
عنهم
(2) وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا والثانية سخى من
باب تعب والثالثة سخو من باب قرب
(قال في ذيل لب الألباب في الأنساب الحرالي بفتح الحاء
المهملة والراء المشددة وبعد الألف لام نسبة إلى حرالة من
أعمال مرسية بالأندلس منها أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن
المفسر وفي القاموس حرالة مشدد اللام بلد بالمغرب أو قبيلة
بالبربر منها علي بن أحمد بن الحسن ذو التصانيف المشهورة
وفي تفسير البقاعي: الحرالي بمهملتين مفتوحتين ومد وتشديد
اللام اه وقد سبق أن كتب " الحراني " في بعض مواضع تقدمت
وهو خطأ والصواب " الحرالي " باللام اه
(2/209)
[ص:210] 1682 - (إن الله اصطفى) اختار
واستخلص (كنانة) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة بن
خزيمة (من ولد إسماعيل) فيه فضل إسماعيل عليه السلام على
جميع ولد إبراهيم عليه السلام حتى إسحاق عليه السلام ولا
يعارضه {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} {تلك الرسل
فضلنا بعضهم على بعض} وفي الروض الأنور كان لإبراهيم عليه
الصلاة والسلام ستة بنين سوى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام
وعبر هنا بولد وفيما يجيء بلفظ نبي: إشعارا بأنه أفضل
الأفضل لأن لفظ نبي مختص بالذكور بخلاف الولد ومن ثم لو
أوصى لولده دخل البنات ولبنيه لا (واصطفى قريشا من كنانة)
لأن أبا قريش مضر بن كنانة. قال ابن حجر: وهذا ذكره لإفادة
الكفاءة والقيام بشكر النعم ونهيه عن التفاخر بالآباء
موضعه مفاخرة تفضي لتكبر أو احتقار مسلم (واصطفى من قريش
بني هاشم) وهاشم هو ابن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم)
فإنه محمد بن عبد الله بن الله بن عبد المطلب بن هاشم
ومعنى الاصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار
الديانة بل باعتبار الخصال الحميدة وفيه أن غير قريش من
العرب ليس كفؤا لهم ولا غير بني هاشم كفؤا لهم أي إلا بني
المطلب وهو مذهب الشافعية. قال ابن تيمية: وقد أفاد الخبر
أن العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشا أفضل العرب وأن بني
هاشم أفضل قريش وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل بني
هاشم فهو أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني
هاشم بمجرد كون النبي منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في
أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل
نفسا ونسبا وإلا لزم الدور
(م ت) في المناقب عن (واثلة) ابن الأسقع ولم يخرجه البخاري
وخرجه عنه أبو حاتم وغيره قال ابن حجر: وله طرق جمعها
شيخنا العراقي في محجة القرب في محبة العرب
(2/210)
1683 - (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم)
وكانوا ثلاثة عشر (إسماعيل) إذ كان نبيا رسولا إلى جرهم
وعماليق الحجاز (واصطفى من ولد إسماعيل كنانة) بن ثابت
(واصطفى من كنانة قريشا) بن النضر (واصطفى من قريش بني
هاشم) فهو أفضلهم وأخيرهم (واصطفاني من بني هاشم) (1) .
فأودع ذلك النور الذي كان في جبهة آدم عليه السلام في جبهة
عبد المطلب ثم ولده وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح
الجاهلية. واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا
باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقا وأطيبهم نفسا
يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال {واجعلنا
مسلمين لك} ثم قال {ومن ذريتنا} فإنما سأل في ذرية إسماعيل
خاصة. ألا ترى لتعقيبه بقوله {وابعث فيهم رسولا منهم}
<تنبيه> قال ابن تيمية: قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة
ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد
إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة
والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا
جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو
المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني
إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على
غيرهم إذا كان [ص:211] أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض
فيقال لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل
فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا
التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق
(ت) في المناقب (عن واثلة) بن الأسقع ثم قال الترمذي حديث
صحيح
_________
(1) وبالمصطفى شرفت بنو هاشم وقال بعضهم في تفضيل الولد
على الوالد:
كم من أب قد علا بابن ذرى شرف. . . كما علا برسول الله
عدنان
(2/210)
1684 - (إن الله اصطفى من الكلام أربعا)
وهي قول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) فهي مختار الله من جميع كلام الآدميين (فمن قال) أي
دبر الصلاة أو غيرها (سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت
عنه عشرون سيئة ومن قال الله أكبر مثل ذلك ومن قال لا إله
إلا الله مثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل
نفسه) (1) يحتمل أن المراد به قصدية الإنشاء أو الإخبار أو
قالها لا من جهة نعمة تجددت أو نقمة اندفعت (كتبت له
ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة) وفي رواية أن الله
اصطفى لملائكته من الكلام أربعا إلخ. قال الطيبي: لمح به
إلى قوله تعالى {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} ويمكن أن تجعل
هذه الكلمة مختصرة من قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر لما مر أن سبحان الله تنزيه لذاته عما
لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى
قوله لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد
لله لأن الإضافة بمعنى اللام في الحمد ومستلزم بمعنى الله
أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من
غيره فلا يكون أحد أكبر منه ولا يلزم منه أن يكون التسبيح
أفضل من التهليل إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح
متضمن له ولأن نفي التهليل في قوله لا إله نفي لمصححاتها
من الخالقية والرازقية وكونه مثيبا ومعاقبا من الغير وقوله
إلا الله إثبات له ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها
من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق
لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تقديس فإذا اجتمعا دخلا في
مفهوم الطرد والعكس. إلى هنا كلام الطيبي. وأخذ منه بعضهم
أن الحمد أفضل من التسبيح لأن في التحميد إثبات سائر صفات
الكمال. والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من
السلب وادعى بعضهم أن الحمد أكثر ثوابا من التهليل ورد بأن
في خير البطاقة المشهور ما يفيد أن لا إله إلا الله لا
يعدلها شيء
(حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي
سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) قال الحاكم على شرط مسلم
وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح
_________
(1) أي لأن الحمد لا يقع غالبا إلا بعد سبب كأكل أو شرب أو
حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه فلما حمد لا
في مقابلة شيء زاد في الثواب
(2/211)
1685 - (إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام)
أي بالتكليم له وهو في الأرض (1) وأما محمد فوقع له ذلك في
العالم العلوي [ص:212] فتلك هي المختصة بموسى. ذكره بعض
المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل
عند خليله كما مر ذلك مبينا
(ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط
البخاري وأقره الذهبي
_________
(1) أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة
والسلام كلام الله حقيقة لا مجازا فلا يكون محدثا فلا يوصف
بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما
ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا
يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسما ولا عرضا كذلك لا
يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفا ولا صوتا وذهب الشيخ أبو
منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني أن موسى
إنما سمع صوتا دالا على كلام الله أي دالا على ذلك المعنى
لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما
نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت
فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول
(2/211)
1686 - (إن الله اطلع على أهل بدر) الذين
حضروا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة
الجبار وهم ثلاث مئة وثلاثة أو أربعة عشر رجل (1) يعني نظر
الله إليهم نظرة رحمة وعطف وقد ارتقوا إلى مقام يقتضي
الإنعام عليهم بمغفرة ذنوبهم السابقة واللاحقة (فقال) لهم
(اعملوا ما شئتم) أن تعملوا (فإني قد غفرت لكم) ذنوبكم (2)
أي سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه
والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه
بإكرامهم والإعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل
فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو على ظاهره والخطاب
لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنبا وإن قارفوه لم
يصروا بل يوفقون لتوبة نصوح فليس فيه تخييرهم فيما شاؤوا
وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفا وحذرا مما كانوا
قبله وبذلك سقط ما قيل إن هذا سقط من المشكل لأنه إباحة
مطلقة وهو خلاف عقد الشرع وأما الجواب بمثل أن المراد
الأعمال الماضية لا المستقبلة فكما أنه لا يلائم السياق
يدفعه لفظ اعملوا
(ك عن أبي هريرة) وراوه عنه أيضا أحمد وأبو داود باللفظ
المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي
وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل الله اطلع على
أهل بدر فقال إلخ قالوا والترجي في كلام الله تعالى ورسوله
صلى الله عليه وسلم للوقوع
_________
(1) وخرج صلى الله عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها
قد سبقت ونزل جبريل وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما
العير وإما قريشا وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى
الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو
بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن
عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله
ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك
فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا
معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك
الغماد يعني مدينة الحبشة لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس
وإنما يريد الأنصار فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا
يا رسول الله قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما
جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على
السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك
بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف
منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند
الحرب صدق اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر
بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه
ذلك وقال سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى
الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم
(2) قال القرطبي هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت
لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما
يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء
وقوعه فقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل
ما أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل
الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قدر صدور شيء من أحدهم
لبادر إلى التوبة
(2/212)
[ص:213] 1687 - (إن الله تعالى أعطاني فيما
من به علي) أن قال لي أو قائلا ففيه التفات (إني أعطيتك
فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة
المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن
كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهما نصفا وإن كان بينهما تفاوت
كما يقال الإيمان هو العلم والعمل نصف الإيمان ولا يدل ذلك
أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي وجه التقسيم في
الأحاديث القدسية
(ابن الضريس) بضم المعجمة وشد الراء الحافظ يحيى البجلي
(عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره
(2/213)
1688 - (إن الله أعطاني السبع مكان التوراة
وأعطاني الراءات) أي السور التي امتازت بالراء فكأن الراء
هي التي عينتها ولم يقل المرء اللمراءات لثقله وعدم إلفه
(إلى الطواسين مكان الإنجيل) قال البقاعي: تأخيره في الذكر
يفيد تعظيمه بأن ما قبله مقدمات لتلقيه انتهى وظاهره أنه
أفضل من التوراة وفي كلام جمع ما يخالفه (وأعطاني ما بين
الطواسين) أي مع الطواسين وما بعدها (إلى الحواميم مكان
الزبور وفضلني) على أصحاب هؤلاء الكتب المنزلة (بالحواميم)
أي بإعطائي زيادة عليهم الحواميم (والمفضل ما قرأهن نبي
قبلي) ما أنزلت على نبي من قبلي فقرأهن فهن من خصوصياته
على الأنبياء
(محمد بن نصر) المروزي في كتاب الصلاة (عن أنس) بن مالك
وإسناده ضعيف لكن مما يشهد له
(2/213)
1689 - (إن الله أعطى موسى الكلام) أي
التكليم بمعنى أنه خصه به وهو في الأرض كما مر (وأعطاني
الرؤية) لوجهه تقدس بعيني بصري يعني خصه بها في مقابلة ما
خص به موسى (وفضلني) عليه (بالمقام المحمود) الذي يحمده
فيه الأولون والآخرون يوم القيامة (والحوض المورود) الذي
يرده الخلائق في المحشر وإشعاره بأن الحوض من خصوصياته غير
مراد لما سيجيء في خبر إن لكل نبي حوضا فتعين أن الخصوصية
في الكوثر لا في مطلق الحوض
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) ورواه الديلمي باللفظ
المزبور عن جابر وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال
الذهبي قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن الجوزي الحديث
موضوع فيه الكريمي
(2/213)
1690 - (إن الله افترض صوم رمضان) على هذه
الأمة بقوله {كتب عليكم الصيام فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
وكان كتبه على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله
وعشرا بعده فجعلوه خمسين وقيل وقع في برد وحر شديد فجعلوه
بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين كفارة للتحويل وبالجملة
فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها
عليهم ذكره الزمخشري (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة
فيه ليلا سنة (فمن صامه وقامه) سالما من المعاصي قولا
وفعلا (إيمانا) أي تصديقا بأنه حق وطاعة (واحتسابا) لوجهه
تعالى لا رياء (ويقينا) تأكيدا لقوله [ص:214] إيمانا أو
أراد احتسابا مجزوما به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه
والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر كما سيجيء نظائره. وقال
ابن عطاء الله: وقد رأينا فنظرنا كل مأمور به أو مندوب من
الشارع يستلزم الجمع على الله وكل منهي عنه أو مكروه يتضمن
التفرقة عنه فإذا مطلوبه من عباده وجود الجمع عليه لكن
الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية
أسباب التفرقة ووسائلها فلذا نهى عنها
(ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن
(2/213)
1691 - (إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما
علمني وأن أؤدبكم مما أدبني) لأني بعثت كالأنبياء طبيبا
للأمراض القلبية والأخلاق الوحشية (إذا قمتم على أبواب
حجركم) جمع حجرة (فاذكروا اسم الله) أي قولوا بسم الله
والأكمل إكمال البسملة فإنكم إذا ذكرتم ذلك (يرجع الخبيث)
أي الفاسد المفسد الشيطان الرجيم (عن منازلكم) أي مساكنكم
(وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام) ليأكله (فليسم الله) أي
فليقل بسم الله الرحمن الرحيم (حتى لا يشارككم الخبيث)
إبليس أو أعم (في أرزاقكم) فإنكم إذا لم تسموا أكل معكم.
قال الحراني: وذلك لأن كل شيء لله فما تناوله الإنسان
باسمه أخذه بإذنه وما تناوله بغير اسمه أخذه على غير وجهه
بغير إذنه فيشاركه الشيطان في تناوله فيتبعه المتناول معه
في خلواته {وشاركهم في الأموال والأولاد} . (ومن اغتسل)
منكم (بالليل) أي فيه (فليحاذر عن) أي عن كشف (عورته فإن
لم يفعل) بأن لم يستر عورته (فأصابه لمم) طرف من الجنون
كما في الصحاح (فلا يلومن إلا نفسه ومن بال في مغتسله) أي
المحل المعد للاغتسال فيه (فأصابه الوسواس) أي مما تطاير
من البول والماء (فلا يلومن إلا نفسه) إذ هو فاعل السبب
(وإذا رفعتم المائدة) التي أكلتم عليها (فاكنسوا ما تحتها)
من فتات الخبز وبقايا الطعام (فإن الشياطين يلتقطون ما
تحتها) من ذلك (فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم) أي لا
ينبغي ذلك فإنهم أعداؤكم قال الحكيم: الشيطان ممنوع من
مشاركة المؤمن في مطعمه ومشربه وملبسه وسائر أموره ما دام
يسمي الله على كل حال فإذا ترك التسمية وجد فرصة فشاركه
حتى في ضحكه. وفيه أن من حق الصالح أن لا يألو نصحا
للأجانب فضلا عن المتصلين به وأن يحظيهم بالفوائد الدينية
ولا يفرط في ذلك وأن شأن الأدب والاهتمام به متعين وقد
تطابقت على ذلك الملل <تنبيه> كان المصطفى صلى الله عليه
وسلم على الأمة شفوقا ولله ناصحا وبالمؤمنين رحيما {عزيز
عليه ما عنتم} الآية حريص على المؤمنين أن يوصلهم إلى
الإيمان مع زينة الإسلام وبهاء الإيمان فعلمهم تناول
الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من كل ما للنفس فيه حق
وقال في التنزيل {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
فطهره الله وأدبه وأحيا قلبه فقبل أدبه فصار مؤدبا مهذبا
مطهرا فأمرنا بالإقتداء به
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) لكنه لم يسنده كما يوهمه
صنيع المؤلف بل قال حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق البصري
يرفعه إلى أبي هريرة هذه عبارته
(2/214)
1692 - (إن الله أمرني بحب أربعة) من
الرجال (وأخبرني أنه يحبهم) قيل: بينهم لنا يا رسول الله
قال (علي) بن [ص:215] أبي طالب (منهم) العلم الذي لا يلتبس
والفرد الذي لا يشتبه فلا حاجة لوصفه قال السعد التفتازاني
لم يرد في الفضائل ما روي لعلي رضي الله عنه (وأبو ذر)
الغفاري جندب بن جنادة من السابقين الأولين كان عظيما
طويلا زاهدا متقللا مات بالربذة سنة اثنين وثلاثين
(والمقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي اشتهر بابن الأسود
لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وهو قديم الإسلام
والصحبة مات سنة ثلاث وثلاثين عن سبعين سنة (وسلمان)
الفارسي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يعرف بسلمان
الخير أصله من فارس كان مجوسيا ساد في الإسلام وسبب إسلامه
مشهور وصار من خيار الصحابة وفضلائهم وزهادهم وكفى بهذا
الحديث له شرفا قالوا عاش ثلاث مئة وخمسين سنة ومات في
خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما
(ت) وقال غريب حسن (هـ ك) في فضائل الصحب عن شريك عن أبي
ربيعة الإبادي عن ابن بريدة (عن بريدة) الأسلمي قال الحاكم
على شرط مسلم وتعقبه الذهبي بأنه لم يخرج لأبي ربيعة وهو
صدوق
(2/214)
1693 - (إن الله أمرني أن أزوج فاطمة)
الزهراء رضي الله تعالى عنها (من علي) بن أبي طالب كرم
الله وجهه قاله لما خطبها غيره كأبي بكر وعمر رضي الله
تعالى عنهما فرده وزوجه إياها والمختار أنه زوجها في غيبته
فلما جاء أخبره بأن الله أمره بذلك فقال: رضيت. ومن خصائص
المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء لمن شاء
واختلف في صداقها كيف كان قال المحب الطبري في كتاب ذخائر
العقبى في فضائل ذوي القربى: يشبه أن يكون عقد فاطمة على
علي رضي الله عنهما وقع على الدرع وبعث بها علي ثم ردها
إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها وأتاه
بثمنها من غير أن يكون بين الحديثين الواردين في ذلك تضاد
وقد ذهب إلى مدلول كل منهما قائل به فقال بعضهم كان مهرها
الدرع ولم يكن إذ ذاك لا بيضا ولا صفرا وقال بعضهم كان
أربع مئة وثمانين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل
ثلثها في الطيب <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الخبر أن نكاح
القرابة القريبة ليس خلاف الأولى كما يقول الشافعية وأجيب
بأن عليا كرم الله وجهه قريب بعيد إذا المراد بالقرابة
القريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة وفاطمة رضي
الله تعالى عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من
الأجنبية وأما الجواب بأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يكن
إذ ذاك كفؤا لفاطمة سواه فمطعون فيه بأن أباه كافر وأبوها
سيد البشر
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي رجاله ثقات
(2/215)
1694 - (إن الله أمرني أن أسمي المدينة
طيبة) بالفتح والتخفيف مؤنث طيب بالفتح لغة في طيب بكسر
الطاء الرائحة الحسنة أو صاحبها أو تخفيف الطيب تأنيث
الطيب بالفتح والتشديد أي الطاهرة التربة أو من النفاق أو
من الشرك سماها بذلك لأنه سبحانه طيبها بهجرته إليها
وجعلها محل نصرته وموضع تربته ولها أسماء كثيرة قال ابن
القيم ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة وإنما حكاه الله عن
المنافقين
(طب عن جابر بن سمرة)
(2/215)
1695 - (إن الله أمرني بمداراة الناس (1)
أي بملاطفتهم وملاينتهم ومؤاخاتهم والتحبب إليهم ويهمز ولا
يهمز والأمر [ص:216] للوجوب بدليل قوله (كما أمرني بإقامة
الفرائض) وفي رواية بدله القرآن أي أمرني بملاطفتهم قولا
وفعلا والرفق بهم وتألفهم ليدخل من يدخل منهم في الدين
ويتقي المسلمون شر من قدر عليه الشقاء ومن ثم قال حكيم:
هذا الأمر لا يصلحه إلا لين من غير ضعف وشدة من غير عنف
وهذه هي المداراة أما المداهنة وهي بذل الدين لصلاح الدنيا
فمحرمة مذمومة وعلم مما تقرر أن أمره بالمداراة لا يعارض
أمره بالإغلاظ على الكفار وبعثه السيف لأن المداراة تكون
أولا فإن لم تفد فالإغلاظ فإن لم يفد فالسيف
(فر عن عائشة) وفيه أحمد بن كامل أورده الذهبي في الضعفاء
وقال الدارقطني كان متساهلا وبشر بن عبيد الدارمي قال
الذهبي ضعيف جدا وقال في الميزان بشر بن عبيد كذبه الأزدي
وقال ابن عدي منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر
_________
(1) وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فبلغ في
المداراة النهاية التي لا ترتقى وبالمداراة واحتمال الأذى
يظهر الجوهر النفسي وقد قيل لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان
العقل وجوهر العقل المداراة فما من شيء يستدل به على قوة
عقل الشخص ووفور علمه وحلمه كالمداراة والنفس لا تزال
تشمئز ممن يعكس مرادها ويستفزها الغضب وبالمداراة تنقطع
حمية النفس ويرد طيشها ونفورها
(2/215)
1696 - (إن الله أنزل الداء والدواء) أي ما
أصاب أحد داء إلا قدر له شفاء قال الحرالي: والداء ما يوهن
القوى ويغير الأفعال الغامة للطبع والاختيار والبرؤ تمام
التخلص من الداء والمراد بإنزاله إنزال الملائكة الموكلين
بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل لكل داء
دواء) أي خلق ذلك وجعله شفاء يشفي من الداء وحكمة تعلق
الأسباب بالمسببات لا يعلم حقيقتها إلا عالم الخفيات
(فتداووا) ندبا أمر بالتداوي لمن أصابه مرض أما السليم فلا
ينبغي له التداوي (1) لأن الدواء إذا لم يصادف داء ضر. قال
الطيبي: وقوله فتداووا مطلق له شيوع فلذلك قال (ولا تداووا
بحرام) (2) يعني أنه تعالى خلق لكل داء دواء حراما كان أو
حلالا فلا تداووا بالحرام أي يحرم عليكم ذلك {إن الله لم
يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} فالتداوي بمحرم محرم
والأصح عند الشافعية حل التادوي بكل نجس إلا الخمر والخبر
موضعه إذا وجد دواء طاهرا يغني عن النجس جمعا بين الأخبار
<فائدة> أخرج حميد بن زنجوية أن أناسا جاؤوا إلى المصطفى
صلى الله عليه وسلم من الأنصار فقالوا إن أخانا استسقى
بطنه أفتأذن لنا أن نداويه قال بماذا قال يهودي هنا يشق
بطنه فكره ذلك وقال لا آذن حتى جاؤوه مرتين أو ثلاثا وفي
كل ذلك يأبى حتى قال افعلوا فدعوا له اليهودي فشق بطنه
ونزع منه فرخا عظيما ثم غسل بطنه ثم خاطه ثم داواه فصح
وبرئ فرآه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مار
بالمسجد فقال أليس ذلك بفلان قالوا بلى فقال ادعوه إلي
فنظر إلى بطنه فوجده قد صح فقال إن الذي خلق الداء جعل له
دواء إلا السام
(د) في الطب (عن أبي الدرداء) قال الصدر المناوي فيه
إسماعيل بن عياش وفيه مقال
_________
(1) أي لأن الدواء إذا لم يجد في البدن ما يحلله أو وجد
داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث
بالصحة وعبث بها في الإفساد والتحقيق أن الأدوية من جنس
الأغذية فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي فأمراضهم
قليلة جدا وطبهم بالمفردات ومن غالب أغذيتهم مركبات كأهل
المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة أو سبب ذلك أن أمراضهم
في الغالب مركبة وهذا برهان بحسب الضيافة الطبية
(2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وحديث إن الله لم
يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها على أنه لا يجوز التداوي
بمحرم ولا بشيء فيه محرم كألبان الإتن واللحوم المحرمات
والترياق
(2/216)
1697 - (إن الله تعالى أنزل بركات) أي
كرامات (ثلاثا) من السماء كما في رواية وهي (الشاة والنخلة
والنار) سماها بركات وساقها في معرض الامتنان لأن الشاة
عظيمة النفع في الدر والنسل وتلد الواحدة اثنين وثلاثا بل
وأربعا في بطن [ص:217] وثمر النخل هو الجامع بين التلذذ
والتغذي وبذلك تميز عن سائر الفواكه. والنار لابد منها
لقيام نظام هذا العالم
(طب عن أم هانئ) قالت: دخل صلى الله عليه وسلم فقال ما لي
لا أرى عندك من البركات شيئا قلت وأي بركات تريد فذكره قال
الهيثمي وفيه النضر بن حميد وهو متروك
(2/216)
1698 - (إن الله تعالى أوحى إلي) وحي إرسال
وزعم أنه وحي إلهام خلاف الأصل والظاهر بلا دليل والوحي
إعلام في خفاء (أن) أي بأن (تواضعوا) بخفض الجناح ولين
الجانب وأن مفسرة (حتى لا يفخر أحد) منكم (على أحد) بتعدد
محاسنه كبرا ورفع قدر نفسه على الناس تيها وعجبا (1) قال
ابن القيم: والتواضع انكسار القلب لله (2) وخفض جناح الذل
والرحمة للخلق حتى لا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند
أحد حقا بل والحق له. والفخر ادعاء العظم قال الطيبي: وحتى
هنا بمعنى كي (ولا يبغي) بنصبه عطفا على تواضعوا أي لا
يجوز ولا يتعدى (أحد) منكم (على أحد) ولو ذميا أو معاهدا
أو مؤمنا والبغي مجاوزة الحد في الظلم قال الطيبي: المراد
أن الفخر والبغي شحناء الكبير لأن المتكبر هو الذي يرفع
نفسه فوق منزلته فلا ينقاد لأحد قال المجد ابن تيمية: نهى
الله على لسان نبيه عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر
والبغي لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر أو بغير حق
فقد بغى فلا يحل هذا ولا هذا فإن كان الإنسان من طائفة
فاضلة كبني هاشم أو غيرهم فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه
والنظر إليها فإنه مخطئ إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص
فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش ثم هذا النظر يوجب
نقصه وخروجه عند الفضل فضلا عن استعلائه بهذا واستطالته
به. وأخذ منه أنه يتأكد للشيخ التواضع مع طلبته {واخفض
جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وإذا طلب التواضع لمطلق
الناس فكيف لمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة لكن
لا يتواضع معهم مع اعتقاد أنهم دونه فقد قال ابن عطاء الله
رضي الله عنه: من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا
فالتواضع لا يكون إلا عن رفعة مع عظمة واقتدار ليس
المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل الذي إذا
تواضع رأى أنه دون ما صنع اه
(م د هـ عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتية وآخره معجمة
(بن حمار) بكسر المهملة وخفة الميم المجاشعي تميمي عد في
البصريين له وفادة وعاش إلى حدود الخمسين
_________
(1) قال أبو زيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر
منه فهو متكبر قال بعضهم: رأيت في المطاف إنسانا بين يديه
شاكريه يمنعون الناس لأجله عن الطواف ثم رأيته بعد ذلك على
جسر بغداد يسأل الناس فعجبت منه فقال إني تكبرت في موضع
يتواضع فيه الناس فابتلاني الله بالذل في موضع ترتفع فيه
الناس وقال بعضهم: الشرف التواضع والعز في التقوى والحرية
في القناعة
(2) وقيل التواضع في الاستسلام للحق وترك الاعتراض على
الحكم من الحاكم وقيل قبول الحق ممن قاله صغيرا أو كبيرا
شريفا أو وضيعا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى
(2/217)
1699 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا
ولا يبغي بعضكم على بعض
[الحديث بدون شرح. انظر شرح الحديث السابق: 1698 - إن الله
تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا
يبغي أحد على أحد]
(خد هـ) عن أنس
(2/217)
1700 - (إن الله أيدني) أي قواني والتأييد
التقوية ومنه {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة (بأربعة
وزراء) قيل من هؤلاء الأربعة يا رسول الله قال: (اثنين من
أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر
وعمر) [ص:218] فأبو بكر رضي الله عنه يشبه بميكائيل عليه
السلام للينه ورأفته: وعمر رضي الله عنه يشبه بجبرائيل
عليه السلام لشدته وصلابته في أمر الله وناهيك بها منزلة
للشيخين قامعة للرافضة قاصمة ظهورهم ناعية عليهم
(طب حل) وكذا الخطب كلهم (عن ابن عباس) وفيه عندهم محمد بن
محبب الثقفي قال الخطيب: سئل عنه ابن معين فقال كذابا عدو
الله
(2/217)
1701 - (إن الله تبارك وتعالى بارك ما بين)
أي فيما بين (العريش) على وزن فعيل مدينة بالشام على البحر
الرومي حده عرضا من مدينة برقاء التي على ساحل البحر
الرومي إلى أيلة التي على ساحل بحر القلزم وينسب إلى مصر
وقيل إن حد مصر ينتهي إليه (والفرات) بضم الفاء وتخفيف
الراء النهر المشهور الذي هو أحد أنهار الجنة ويكفي في حقه
شرفا هذا الخبر والخبر الآتي أنه ينزل فيه كل يوم مثاقيل
من الجنة (وخص فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين
المهملة وكسر الطاء ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام
فيها عدة مدن منها بيت المقدس والرملة وعسقلان ذكره
السمعاني وقال ابن الأثير: كورة معروفة ما بين الأردن
وديار مصر وأم بلادها بيت المقدس (بالتقديس) أي بالتطهير
لبقعتها لأنها أول بلادها أو قاعدتها وتحتها بيت المقدس
(ابن عساكر) في تاريخه (عن زهير بن محمد) ابن قمير المروزي
قال البغوي: ما رأيت ببغداد بعد أحمد أفضل منه (بلاغا) أي
أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ذلك
(2/218)
1702 - (إن الله بعثني) أرسلني (رحمة
مهداة) للمؤمنين وكذا الكفار بتأخير العذاب والهدية ما
تبعث على وجه الإكرام ونحوه (بعثت برفع قوم) بالسبق إلى
الإيمان وإن كانوا من ضعفاء العباد (وخفض آخرين) وهم من
أبى واستكبر وإن بلغ من الشرف المقام الأفخر لكنه لم ينجع
فيه الآيات والنذر بمعنى أنه يضع قدرهم ويذلهم باللسان
والسنان وكان عنده مزيد الرحمة للمؤمنين وغاية الغلظة على
الكافرين فاعتدل فيه الإنعام والانتقام ولم يكن له همة سوى
ربه فعاشر الخلق بخلقه وباينهم بقلبه <تنبيه> قال ابن عربي
رضي الله تعالى عنه: إن العقل يستقل بنفسه في أمر وفي أمر
لا يستقل فلا بد من موصل إليه مستقل فلذلك بعثت الرسل وهم
أعلم الخلق بالغايات والسبل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب
(2/218)
1703 - (إن الله بنى الفردوس) أي جنته
وأصله بستان فيه شجر ملتف غالبه عنب جمعه فراديس رومي معرب
(بيده) تأمل هذه المناسبة كيف جعل الجنة التي بناها بيده
لمن خلقه بيده ولأفضل سلالته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل
ما خلقه بيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره فهذه الجنة في
الجنان كآدم عليه السلام في نوع من الحيوان (وحظرها) أي
منعها وحرم دخولها (على كل مشرك) يعني كافر بأي كفر كان
وخص المشرك لغلبة الإشراك في العرب (وعلى كل مدمن خمر
سكير) بالكسر والتشديد أي كل ملازم للخمر مداوم عليها
مبالغ في تعاطي ما يسكره ولا حاجة لتنزيله هنا على المستحل
لأن الجنان كثيرة زلا مانع من حرمانه لأعلاها
(هب وابن عساكر) في تاريخه عن (أنس) وفيه أي عند البيهقي
عبد الرحمن بن عبد الحميد قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن
يونس أحاديثه مضطربة ويحيى بن أيوب فإن كان الغتافقي فقد
قال النسائي وغيره غير قوي أو البلخي فضعفه ابن معين
(2/218)
1704 - (إن الله تجاوز) أي عفا من جازه
يجوزه [ص:219] إذا تعداه وعبر عليه (لأمتي) أمة الإجابة
وفي لفظ رواية البخاري تجاوز لي عن أمتي (عما) وفي رواية
لمسلم ما (حدثت) في رواية للبخاري وسوست (به أنفسها) وفي
رواية له صدورها مع أنفسها قال النووي رحمه الله عقب
إيراده هذا الحديث قال العلماء المراد به الخواطر التي لا
تستقر قالوا وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره
فمن خطر له الكفر مجرد خطور من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه
في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه اه وقوله أنفسها رفع على
الفاعلية أي قلوبها قيل وهو أصوب ويدل عليه حديث إن أحدنا
يحدث نفسه بل قال القرطبي إنه الرواية أي لم يؤاخذهم بما
يقع في قلوبهم من القبائح قهرا وقال الأكمل أنفسها بالرفع
والنصب والرفع أظهر والنصب أشهر ووجهه محادثة المرء نفسه
المسماة عند البلغاء بالتجريد (1) (ما لم تتكلم به) أي في
القوليات باللسان على وفق ذلك (أو تعمل به) في العمليات
بالجوارح كذلك وفي رواية لمسلم ما لم يتكلموا به أو يعملوا
به أي فيؤاخذوا حينئذ بالكلام أو بالعمل فقط ويحتمل أن
يؤاخذوا به وبحديث النفس أيضا وعليه السبكي في الحلبيات
وإذا لم يحصل كلام ولا عمل فلا مؤاخذة بحديث النفس ما لم
يبلغ حد الجزم وإلا أوخذ به حتى لو عزم على ترك واجب أو
فعل محرم ولو بعد سنين أثم حالا وقال ابن العربي رضي الله
تعالى عنه: خلق الله القلوب سيالة مطربة على الخواطر ميالة
إلى كل طارئ عليها حاضرا أو غائبا محالا أو جائزا حقا أو
باطلا معقولا أو متخيلا ولله الحكمة البالغة والحجة
الغالبة ثم عطف بفضله فعفى عن كل ما يخطر للمرء بقلبه حتى
يكون به مرتبطا وعليه عازما فحينئذ يكون به نفسه متكلما
وهو الكلام الحقيقي فإن خالفه القول كان هذيانا اه. وفيه
أن المجاوزة خصوصية لهذه الأمة وأنه إذا حدث نفسه بطلاق
ولم ينطق به لا يقع وعليه الشافعي رضي الله تعالى عنه
خلافا لمالك وأنه لو عزم على الظهار فلا كفارة وأنه لو حدث
نفسه في صلاته لم تبطل وغير ذلك
(ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمران بن حصين) بالتصغير وفيه من
طريق الطبراني المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح
ذكره الهيثمي
_________
(1) وفي العلقمي قلت والذي تحصل عندي من مجموع كلامهم أن
الهاجس والخاطر لا يؤاخذ بهما وأما حديث النفس والهم فإن
صحبهما قول أو فعل يؤاخذ بهما وإلا فلا وهذا هو الذي ينبغي
اعتماده بل هو الوجه الذي لا يعدل عنه إلى غيره وأما العزم
فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم اه
(2/218)
1705 - (إن الله تجاوز لي) أي لأجلي (عن
أمتي الخطأ) أي عن حكمه أو عن إثمه أو عنهما. وهو أقرب
لفقد المرجح وعموم التناول ولا ينافيه ضمان المخطئ للمال
والدية ووجوب القضاء على المصلي محدثا أو يحدث ناسيا وإثم
المكره على القتل لخروجها بدليل منفصل والمراد بالخطأ ضد
العمد وهو أن يقصد شيئا فيخالف غير ما قصد لا ضد الصواب
خلافا لزاعمه لأن تعمد الإثم يسمى خطئا بالمعنى الثاني ولا
تمكن إرادته هنا ولفظه يمد ويقصر (والنسيان) بكسر النون ضد
الذكر والحفظ ويطلق على الترك وليس مرادا هنا (وما
استكرهوا) أي الأمة وذكره نظرا للمدلول لا للفظ (عليه) أي
حملوا على فعله قهرا وشرطه قدرة المكره على تحقيق ما هدد
به مما يؤثر العاقل الإقدام على المكره عليه والمراد رفع
الإثم وفي ارتفاع الحكم خلف والشافعي في الجمهور على
الارتفاع
(هـ عن أبي ذر) الغفاري (طب ك) كلاهما (عن ابن عباس) وقال
الحاكم صحيح على شرطهما (طب عن ثوبان) الهاشمي مولى
المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسنده كما قال
الهيثمي فالإسناد الأول صحيح دون الثاني
(2/219)
[ص:220] 1706 - (إن الله تصدق) بفتح الصاد
وشد الدال (بفطر رمضان) أي يتعاطى المفطر فيه نهارا ترخيصا
(على مريض أمتي) أي مرضا يشق معه الصوم لحاجته للدواء
والغذاء بحسب تداعي جسمه فكان فطره رخصة لموضع تداويه
واغتذائه (ومسافرها) (1) لما يحتاجه المسافر من اغتذائه
لوفور نهضته في عمله في سفره ولئلا يجتمع عليه كلفتان
فتتضاعف عليه المشقة {وما جعل عليكم في الدين من حرج}
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وهو حسن
_________
(1) أي سفرا يباح فيه قصر الصلاة فيباح لكل منهما الفطر مع
وجوب القضاء لكن المسافر بعد تلبسه بالصوم فلا يباح الفطر
في اليوم الأول إلا إن تضرر اه
(2/220)
1707 - (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم
بثلث أموالكم) أي مكنكم من التصرف فيها حالتئذ بالوصية
وغيرها فتصح الوصية بالثلث ولو مع وجود وارث خاص ومخالفته
(وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم) فأجر الوصية بذلك من
أعمال الميت التي يثاب عليها إن قبلت وأخذ جمع من مخاطبة
الصحب بذلك وجعله زيادة في العمل أنه خاص بالمسلمين
لاختصاصهم بزيادة الأعمال ومذهب الشافعية خلافه ومن خصائص
نبينا صلى الله عليه وسلم أن له أن يوصي بالتصدق بجميع
ماله في سائر أحواله من غير حرمة ولا كراهة لأنه لا يورث
كسائر الأنبياء
(هـ عن أبي هريرة) وفيه حفص بن عمر الأيلي قال ابن عدي
أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وساق هذا منها (طب عن
معاذ) بن جبل قال الهيثمي: وفيه عتبة بن أحمد الضبي وثقه
ابن حبان وضعفه أحمد (وعن أبي الدرداء) وكذا رواه عنه أحمد
والبزار قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط
انتهى وساق الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث ثم قال
وإسناده ضعيف
(2/220)
1708 - (إن الله جعل الحق) يعني أجراه (على
لسان عمر) فكان كالسيف الصارم والحسام القاطع. قال الطيبي:
جعل بمعنى أجرى فعداه بعلى وفيه معنى ظهور الحق واستعلانه
على لسانه ووضع جعل موضع أجراه إيذانا بأن ذلك كان خلقيا
ثابتا لازما مستقرا (وقلبه) فكان الغالب على قلبه جلال
الله فكان الحق معتمله حتى يقوم بأمر الله وينفذ بقاله
وحاله وفاء بما قلده الله الخلق من رعاية هذا الدين الذي
ارتضاه لهم ومن ثم جاء في خبر إن غضبه عز ورضاه حكم وذلك
لأن من غلب على قلبه سلطان الحق فغضبه للحق عز للدين ورضاه
عدل لأن الحق هو عدل الله فرضاه بالحق عدل منه على أهل
ملته ومعنى رضاه حكم أنه إذا رضي رضي للحق. قال القاضي:
والحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يعم الأعيان الثابتة
والأخلاق الصائبة والأقوال الصادقة من حق الأمر إذا ثبت
ومنه ثوب محقق محكم النسج
(هـ حم ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي
حسن صحيح اه. وقال المناوي رضي الله عنه فيه عنده يعني
الترمذي خارجة بن عبد الله ضعفه أحمد (حم د ك) في فضائل
الصحب وصححه (عن أبي ذر) الغفاري لكن لفظ رواية هؤلاء
الثلاثة من حديث أبي ذر هذا يقول به بدل قوله وقلبه كما
قاله ابن حجر في الفتح فإطلاق عزو المؤلف لهم غير قويم (ع
ك) في الفضائل (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم
وأقره الذهبي (طب عن بلال) بن رباح بفتح الراء وخفة
الموحدة العبد الحبشي المؤذن أسلم فعذب فاشتراه أبو بكر
رضي الله عنه فأعتقه. قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي
مريم وقد اختلط (وعن معاوية) بن أبي سفيان قال الهيثمي:
فيه ضعفاء سليمان الشاذكوني وغيره
(2/220)
1709 - (إن الله جعل) لفظ رواية أحمد
والطبراني ضرب (ما يخرج من ابن آدم) من البول والغائط
(مثلا للدنيا) قال [ص:221] الزمخشري: معناه أن المطعم وإن
تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه فإنه لا
محالة عائد إلى حال يستقذر فكذا الدنيا المحروص على
عمارتها ونظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار اه. وقال
الديلمي هذا كناية عن البول والغائط يعني ما يخرج منه كان
قبل ذلك ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا فصارت عاقبته
ما ترون فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل
بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى
انتهى. فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة
وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من
الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت
إلى المعدة غايتها وكما أن في الأطعمة كلما كانت ألذ طعما
وأكثر دسما وحلاوة كان رجيعها أقذر فكذا كل شهوة في النفس
ألذ وأقوى فالتأذي بها عند الموت أشد كما أن تفجع الإنسان
بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب وقد كان بعض
الصوفية يقول لصحبه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب إلى
المزابل فيقول انظروا إلى ثماركم ودجاجكم وسكركم
(حم طب هب عن) أبي سعيد (الضحاك بن سفيان) بن عوف بن كعب
الكلابي صحابي معروف من عمال المصطفى صلى الله عليه وعلى
آله وسلم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
طعامك قلت اللحم واللبن قال ثم يصير إلى ماذا قال إلى ما
قد علمت فذكره. قال الهيثمي كالمنذري رجال أحمد والطبراني
رجال الصحيح غير علي بن جدعان وقد وثق انتهى والضحاك بن
سفيان في الصحب اثنان فكان ينبغي تمييزه
(2/220)
|