فيض القدير شرح الجامع الصغير

1710 - (إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا وما بقي منها إلا القليل كالثغب) بمثلثة مفتوحة وغين معجمة ساكنة الغدير الذي قل ماؤه (شرب صفوه وبقي كدره) يعني أن مثل الدنيا كمثل حوض كبير ملئ ماء وجعل موردا للأنام والأنعام فجعل الحوض ينقص على كثرة الوارد حتى لم يبق منه إلا وشل كدر في أسفله بالت في الدواب وخاضت فيه الأنعام فالعاقل لا يطمئن إلى الدنيا ولا يغتر بها بعد ما اتضح له أنها زائلة مستحيلة وأنه قد مضى أحسنها وأنها وإن ساعدت مدة فالموت لا محالة يدرك صاحبها ويخترمه
(ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي

(2/221)


1711 - (إن الله جعل هذا الشعر) أي الإشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمه ويجعل ذلك علامة تعرف أنها هدى (نسكا) أي من مناسك الحج (وسيجعله الظالمون نكالا) ينكلون به الأنعام بل الأنام يقال نكل به تنكيلا أي جعله عبرة لغيره وما فهمه البعض من أن المراد شعر الرأس وأن المراد يجعل الظالمين له نكالا أي بحلقه فباطل لأن النسك هو حلق بعض الرأس وليس حلقها نكالا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن) الإمام العادل (عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه الخليفة الأموي (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وفيه مع إرساله ضعف

(2/221)


1712 - (إن الله جعل لكل نبي شهوة) أي شيئا يحبه (وإن شهوتي في قيام هذا الليل) أي في الصلاة فيه وهو التهجد (إذا قمت) إلى الصلاة فيه (فلا يصلين أحد خلفي) أي فإن التهجد واجب علي دونكم وبهذا أخذ جمع جم فعدوا من خصائصه من الواجبات عليه التهجد والأصح أنه كان كذلك ثم نسخ (وإن الله جعل لكل نبي) من الأنبياء (طعمة) [ص:222] بالضم أي رزقا (وإن طعمتي) جعلها الله (هذا الخمس) من الفيء والغنيمة (فإذا قبضت) بالبناء للمجهول أي قبضني الله أي أماتني (فهو) أي الخمس (لولاة الأمر من بعدي) جمع وال وهو من ولي أمورهم من الخلفاء فمن دونهم وقد سبق تقريره موضحا
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه وإسحاق لينه أبو حاتم وأبوه وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وغيره

(2/221)


1713 - (إن الله جعل للمعروف) أي لأجل القيام به ونشره في العالم وهو اسم جامع لما عرف من الطاعات وندب من الإحسان (وجوها) أي جماعات فكنى بالوجه عن الذات كما في قوله تعالى {ويبقى وجه ربك} (من خلقه) أي الآدميين بقرينة قوله (حبب إليهم المعروف) أي جبلهم عليه (وحبب إليهم فعاله) بكسر أوله أي أن يفعلوه مع غيرهم (ووجه طلاب) بالتشديد جمع طالب (المعروف إليهم) أي إلى قصدهم وسؤالهم لهم في فعله معهم (ويسر عليهم إعطاءه) أي سهل عليهم وهيأ لهم أسبابه (كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة) بجيم فدال مهملة اليابسة (ليحييها) فتخرج نباتها بإذن ربها (ويحيي بها (1) أهلها) أي بما تخرج من النبات (وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه) فهم بصدد منعه ما استطاعوا وعلى كل خير مانع (بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر) بالتشديد من الحظر وهو المنع والحرمان (عليهم إعطاءه) أي منعه عنهم وكف يدهم عنه وعسر عليهم أسبابه (كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك أهلها بها) بعدم النبات ووقوع القحط ويستفاد منه أن الله تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وقد جعل الله النفس مبدأ كل شيء أبداه في ذات ذي النفس فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ولا يجري الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة لله على خلقه (وما يعفو) الله (أكثر) أي أن الجدب يكون بسبب بغضهم للمعروف وشحهم وغير ذلك من أعمالهم القبيحة وأعمالهم الرديئة ونياتهم الخبيثة ومع ذلك فالذي يغفره الله لهم أكثر وأعظم مما يؤاخذهم به {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي في كتابه الذي ألفه في فضل قضائها (عن أبي سعيد) الخدري وفيه عثمان بن سماك عن أبي هارون العبدي قال في اللسان عن العقيلي حديثه غير محفوظ وهو مجهول بالنقل ولا يعرف به. وقال الزين العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي هارون ضعيف ورواه الحاكم من حديث علي وصححه انتهى ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم والديلمي من حديث أبي باللفظ المزبور
_________
(1) وفي نسخ به والظاهر رجوع الضمير للغيث لكن رجعه المناوي للنبات فنسخة بها على حذف مضاف أي بنباتها

(2/222)


1714 - (إن الله تعالى جعل السلام) بفتح السين المهملة (تحية لأمتنا) أمة الإجابة قال ابن حجر رحمه الله تعالى فيه [ص:223] دلالة على أن السلام شرع لهذه الأمة دون من تقدمهم لكن يجيء في حديث خلق آدم أته تحيته وتحية ذريته (وأمانا لأهل ذمتنا) لأن معنى السلام عليك سلامة لك مني وأمان ذكره القرطبي وسببه قال محمد بن زياد الألهاني: كان أبو أمامة يسلم على كل من لقيه فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة اختبأ خلف اسطوانة فخرج فسلم عليه فقال أبو أمامة ما حملك على ذلك قال رأيتك تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر قالت طائفة منهم ابن وهب وعون يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام استدلالا بهذا ونحوه ولقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} وقول إبراهيم عليه السلام لأبيه {سلام عليك} ولآية {فاصفح عنهم وقل سلام} وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن ابتدائهم أولى انتهى والجمهور على عدم جواز ابتدائهم به وحمل بعضهم المنع على ما إذا كان ابتداؤهم لغير سبب ولا ضرورة والجواز على اختياره قال النووي رضي الله عنه إذا اضطر إلى السلام بمن خاف ترتيب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم. قال ابن العربي رضي الله عنه وينوي حينئذ أن السلام اسم من أسماء الله فكأنه يقول هو رقيب عليكم (1)
(طب) وكذا في الأوسط (هب) كلاهما (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه عندهما بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وغيره
_________
(1) وكان نفطويه يقول إذا سلمت على ذمي فقلت أطال الله بقاءك وأدام سلامتك فإنما أريد الحكاية أي إن الله فعل به ذلك إلى هذا الوقت

(2/222)


1715 - (إن الله جعل البركة) أي الزيادة والنماء (في السحور) أي في أكل الصائم وقت السحر بنية التقوي على الصوم (والكيل) أي في ضبط الحبوب وإحصائها بالكيل كما يفسره خبر كلوا طعامكم يبارك لكم فيه وذكر الغزالي رحمه الله تعالى وتبعه المؤلف أن الدابة ينبغي أن تعلف مكيلا فإنها تنمو وتزيد
(الشيرازي) الحافظ محمد بن منصور (في) كتاب (الألقاب) له (عن أبي هريرة)

(2/223)


1716 - (إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل) أي يقتل بعضهم بأيدي بعض مع دعائهم إلى كلمة التقوى واجتماعهم على الصلاة وجعل القتل كفارة لما اجترحوه كما بينته أخبار أخرى
(حل) من حديث أحمد بن الحسين ابن إسحاق الصوفي عن عبد الرحمن بن صالح عن أبي بكر بن عياش عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد الأنصاري) قال أبو بردة: كنت عند زياد فجعلت الرؤوس تأتيه فأقول إلى النار فقال عبد الله: أو لا تدري يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال أبو نعيم غريب تفرد به ابن عياش عن أبي الحصين

(2/223)


1717 - (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه) أي في ظهره (وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (1)) قال الزمخشري: الذرية من الذر بمعنى التفريق لأن الله تعالى ذرهم في الأرض أو من الذره بمعنى الخلق فهو من الأول فعلية أو فعولة ذرورة قلبت الراء الثالثة ياء ومن الثاني فعولة أو فعيلة وهي نسل الرجل وقد أوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ومنه قول عمر حجوا بالذرية
(طب عن جابر) قال الهيثمي فيه يحيى بن العلاء وهو متروك وقال [ص:224] ابن الجوزي قال أحمد يحيى بن العلاء كذاب يضع وقال الدارقطني أحاديثه موضوعة اه. وذكر في الميزان نحوه في ترجمة العلاء وأورد له أخبارا هذا منها (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه ابن المرزبان قال ابن الكاتب كذاب ومن فوقه إلى المنصور ما بين مجهول وغير موثوق به انتهى وفي الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب لا يدري من ذا وخبره كذب رواه الخطيب ثم ساق هذا الخبر
_________
(1) أي جعل أولاده من فاطمة دون غيرها فمن خصائصه صلى تعالى الله عليه وآله وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه اه

(2/223)


1718 - (إن الله جعلها) يعني زوجتك (لك لباسا وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم) يعني زوجاتي تحل لهم مني ويحل لي رؤيتها فلا ينافي قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما رأيت منه ولا رأى مني ولما كانت المرأة والرجل يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلا منهما يستر صاحبه ويمنعه من الفجور
(ابن سعد) في الطبقات (طب عن سعد بن مسعود) صوابه ابن محيصة بن مسعود الأنصاري قال الذهبي له ذكر وصحبة وفي التقريب قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة اه. فالحديث مرسل

(2/224)


1719 - (إن الله جعلني عبدا كريما) أي متواضعا سخيا (ولم يجعلني جبارا) أي مستكبرا متمردا عاتيا (عتيدا) أي جائرا عن القصد مع العلم به
(د هـ) في الأطعمة (عن عبد الله بن بسر) بسين مهملة له ولأبيه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة قد أثرد فيها فالتقوا عليها فلما كثروا جثى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة فذكره ثم قال كلوا من جوانبها وذروا ذروتها يبارك فيها انتهى فهذا بقية المتن كما هو عند مخرجه أبي داود وابن ماجه قال النووي في رياضه إسناده جيد وقال غيره رواته ثقات

(2/224)


1719 - (إن الله تعالى جميل) له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من كل وجه ويحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإنه من لوازم كماله وهو وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء جواد يحب الجود قوي يحب القوي فالمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي يحب أهل الحياء والوفاء شكور يحب الشاكرين صدوق يحب الصادقين محسن يحب المحسنين إلى غير ذلك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه الجمال نعت إلهي ونبه بقوله جميل على أنا نحبه فانقسمنا فمنا من نظر إلى جمال الكمال وهو جمال الحكمة فأحبه في كل شيء لأن كل شيء محكم وهو صنعة حكيم ومنا من لم يبلغ هذه الرتبة وماله علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد الموقوف على الغرض وهو في الشرع موضع قوله اعبد الله كأنك تراه فجاء بكاف التشبيه فمن لم يصل فهمه إلى أكثر من الجمال المقيد قيده به فأحبه لكماله ولا حرج عليه لإتيانه بالمشروع على قدر وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فبقي حبه تعالى للجمال وهي رتبة أهل الكمال فأحبه في كل شيء فإن العالم خلقه الله في غاية الأحكام والإتقان كما قال حجة الإسلام ليس في الإمكان أيدع مما كان فالعام جمال الله وهو الجميل المحب للجمال فمن أحب العالم بهذا النظر فما أحب إلا جمال الله إذ جمال الصنعة لا يضاف إليها بل إلى صانعها
(م) في الإيمان (ت) في البر (عن ابن مسعود) قال قال رسول [ص:225] الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس هكذا سياق مسلم والترمذي (طب عن أبي أمامة) الباهلي (ك عن ابن عمر) ابن الخطاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عمر) قال ابن مسعود قلت يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحلة الحسنة فذكره قال الحاكم احتجا بروايته وأقره الذهبي وقد وهم أعني الحاكم في استدراكه

(2/224)


1721 - (إن الله جميل) أي جميل الذات والأفعال كما تقرر قال الزمخشري: والعرب تصف الشيء بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زيا وإنفاقا وشكرا لله تعالى فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة (فإن قلت) ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب في حديث (قلت) قد يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ولكل مقام مقال وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه ويلبس الثياب الفاخرة وفوقها فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه ثم رأيت الغزالي رضي الله تعالى عنه قال (فإن قلت) فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب أهو من الكبر فقال لا فكيف الجمع فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره فليس ذلك من الكبر فقول عيسى هو من خيلاء القلب يعني يورث ذلك وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليس من الكبر يعني الكبر لا يوجبه ويجوز أن يكون منه فالأحوال تختلف
(هب عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وسبق أنه وضاع ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور. قال الهيثمي: وفيه عطية الصوفي ضعيف وقد وثق

(2/225)


1722 - (إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء نظيف يحب النظافة) لما سبق أن من تخلق بشيء من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى كان محبوبا له مقربا عنده وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا وقد صرح الفقهاء بأن نحو الزيات والقصاب وغيرهما من الدنسة ثيابهم يكونون في أخريات المسجد ندبا قال الفاكهي: وقد كانت ثياب شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف رضي الله عنه في غاية النقاء والنظافة والبياض إلى حد لا يبلغه ثياب الملوك في عصره كأنه مع ثيابه قطعة نور والنظافة مما تزيد في العين مهابة وفي القلب جلالة وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلا وعرفا ويكاد يذم شرعا سول الشيطان لأحدهم فأقمده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها قيل لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يقمل ثوبه (فإن قلت) [ص:226] ما سبب تعبيره في هذه الثلاثة بالجمال دون الحسن (فالجواب) أن الحسن إنما يوصف به ما كان مفردا نحو خاتم حسن فإذا اجتمع من ذلك جمل وصف صاحبها بالجمال فالحسن يتعلق بالمفردات والجمال بالمركبات الجمليات ذكره السهيلي وغيره
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه

(2/225)


1723 - (إن الله جواد) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء (يحب الجود) الذي هو سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق وهو يقرب من معنى الكرم والجود يكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء بالدنيا والسماح (ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) أي رديئها وحقيرها وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي ومن إعظام إجلال الله عز وجل إكرام ثلاثة: الإمام المقسط وذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا المغالي فيه اه بحروفه
(هب) من حديث الحجاج بن أرطأة عن سليمان بن شحيم (عن طلحة بن عبيد الله) بن كريز قال الزين العراقي: هذا مرسل. اه. ولعل المصنف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم فكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتضاء كلامه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل تعقبه بما نصه في هذا الإسناد انقطاع بين سليمان وطلحة اه. والحجاج بن أرطأة ضعفوه (حل عن ابن عباس) مرفعا وقال ابن الجوزي لا يصح

(2/226)


1724 - (إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب (1)) فيه دلالة جلية على أن لبن الفحل يحرم وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه
(ت) في النكاح وقال حسن صحيح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة ثم ذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا له إلا الترمذي مع أن الشافعي رضي الله تعالى عنه خرجه بل عزاه في المنضد شرح المجرد لمسلم وللنسائي معا اه. والله أعلم
_________
(1) والتحريم بالرضاع له شروط مذكورة في كتب الفقه منها كون ذلك خمس رضعات وكون الطفل لم يبلغ حولين وكون اللبن انفصل من أنثى بلغت تسع سنين قمرية تقريبا

(2/226)


1725 - (إن الله حرم الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين (على كل) إنسان مرائي لإحباطه عمله وإضراره بدينه بشغله نفسه برعاية من لا يملك له بالحقيقة ضرا ولا نفعا فما دام أهل الرياء متلطخين بدنسه في كير التطهير حتى تنقى أوساخهم وأدرانهم ومن ثم كان السلف يعملون أعمال البر ويخافون أن لا تقبل منهم ويحافظون على استدامة إخلاص النية. قال الشريف السمهودي: كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر الشرف المناوي إذا أخرج إلى دهليزه ذاهبا للدرس يقف حتى يخلص النية ويستحضرها خوفا من الرياء ثم يخرج وكان كثير ما ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة. . . على غير ليلى فهو دمع مضيع
ثم يبكي بكاءا شديدا وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجيه أبي نعيم والديلمي معا ليس البر في حسن اللباس والزي ولكن البر السكينة والوقار
(حل فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه سليمان بن أبي داود الحرالي قال الذهبي ضعفوه

(2/226)


[ص:227] 1726 - (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات (1)) خصهن وإن كان عقوق الآباء عظيما لأن عقوقهن أقبح أو إليهن أسرع أو لغير ذلك فهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارا لعظم موقعه والعقوق صدور ما يتأذى به من قول أو فعل غير معصية. قال ابن حجر: ما لم يتعنت الأصل وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وندبا وندبها في المندوبات (ووأد) بفتح الواو وسكون الهمزة دفن (البنات) أحياء حين يولدن وكان أهل الجاهلية يفعلونه كراهة فيهن فخصهن لا لاختصاص الحكم بهن بل لأنه كان هو الواقع فوجه النهي إليه وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي أغار عليه عدوه فأسر بنته واستفرشها ثم اصطلحا فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها فتبعه العرب (ومنعا) بسكون النون مع تنوين العين وهذه رواية البخاري لأبي ذر وفي رواية للبخاري بالسكون أيضا بغير تنوين. قال البيضاوي: وإنما لم ينون وإن كان مصدرا لأن المضاف إليه محذوف منه مرادا أي كره منع ما عنده أو حرم منع الواجبات من الحقوق وفي رواية للبخاري أيضا منع بالتحريك على بناء الماضي (وهات) بالبناء على الكسر فعل أمر من الإيتاء: أي حرم أخذ ما لا يحل من أموال الناس. والحاصل أنه عبر بهما عن البخل والمسألة فكره أن يمنع الإنسان ما عنده ويسأل ما عند غيره وهو معنى قولهم يمنع الناس رفده ويطلب رفدهم (وكره لكم قيل) كذا (وقال) فلان كذا مما يتحدث به من فضول الكلام فهما إما مصدران أتى بهما للتأكيد وحذف التنوين لإرادة المضاف إليه المحذوف أي كره لكم قيل وقال ما لا فائدة فيه أو ماضيان ونبه به على وجوب تجنب التبرع بنقل الأخبار لما فيه من هتك الأستار وكشف الأسرار وذلك ليس من دأب الأخيار ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله سبحانه ستار والستر لا يحصل مع كثرة نقل الأخبار ودل على إرادة النهي عن الإكثار عطفه قال علي قيل وهو من حسن الاعتبار والقول بأن المراد الأقوال الواقعة في الدين كأن تقول قال أهل السنة كذا والحكماء ولا يبين الأقوى أو بقيل الجواب وقال الابتداء بعيد ويخص من هذا النقل لضرورة أو حاجة سيما إذا كان عن ثقة (وكثرة السؤال) عن أحوال الناس أو عن ما لا يعني فربما كره المسؤول الجواب فيؤدي لسكوته فيجر للحقد والضغائن أو يلجئه إلى الكذب قالوا ومنه أين كنت أو المراد السؤال عن المسائل العلمية امتحانا وإظهارا للمراء وادعاء وفخرا ولا يحمل على سؤال الناس من أموالهم لكراهته وإن قل (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبذله في غير وجهه المأذون فيه شرعا أو تعريضه للفساد والله لا يحب المفسدين أو السرف في إنفاقه بالتوسع في لذيذ المطاعم والمشارب ونفيس الملابس والمراكب وتمويه السقوف ونحو ذلك لما ينشأ عنه من غلط الطبع وقسوة القلب المبعدة عن الرب أما في طاعة فعبادة وقد نهى سبحانه عن التبذير وأرشد إلى حسن التدبير {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} ولا يخفى ما في هذا الحديث من المحسنات اللفظية باعتبار نسجها على أحسن منوال وكثرة معانيها مع ما في اللفظ من الإقلال
(ق عن المغيرة بن شعبة) ابن مسعود الثقفي الصحابي المشهور
_________
(1) العقوق بالضم من العق يقال عق والده إذا آذاه وعصاه وهو ضد البر والمراد به صدور ما يتأذى به الأصل من فرعه من قول أو فعل اه

(2/227)


1727 - (إن الله حرم علي الصدقة) فرضها وكذا نقلها (وعلى أهل بيتي) أي وحرم الصدقة فرضها فقط على مؤمني بني هاشم والمطلب لأنها أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد كما فسره في أحاديث أخر
(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن بن علي)

(2/227)


[ص:228] 1728 - (إن الله تعالى حيث خلق الداء) أي أوجده وقدره (خلق الدواء فتداووا) ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته
(حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عمران العمى وقد وثقه ابن حبان وغيره

(2/228)


1729 - (إن الله تعالى حيي) بكسر المثناة تحت الأولى أي ذو حياء عظيم وأصل الحياء كما سبق انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادىء (1) كما سبق (ستير) بالكسر والتشديد أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (يحب الحياء) أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر " إن الله لا يستحيي من الحق " (والستر (2)) من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه قال التوربشتي: وإنما كان الله يحب الحياء والستر لأنهما خصلتان يفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله وقال الطيبي: وصف الله بالحياء والستر تهجنا لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (3)) أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوبا إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندبا في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل الماء إلا بإزار وعد الشافعية من سنن الغسل أن يستر عورته بإزار إن لم يحضر من يحرم نظره إليه بأن كان بخلوة أو حضرة من يحل نظره إليه كحليلته قالوا: وأما غسله عليه السلام متجردا فلبيان الجواز فإن حضره من يحرم نظره لعورته وعلم منه أنه لا يغض بصره عنه لزمه الاستتار منه وحرم التكشف كما في الروضة والمجموع ويجوز كشف العورة في الخلوة لأدنى غرض كالتبرد فالغسل أولى
(حم د) في الحمام (ن) في الطهارة (عن يعلى) بفتح الياء واللام (بن أمية) تصغير أمة التميمي وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه وعبد الملك بن أبي سليمان قال في الكاشف عن أحمد ثقة يخطىء وأورده في الضعفاء وقال ثقة له حديث منكر
_________
(1) أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي لا يلحق الإنسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل فإذا ورد الحياء في حق الله فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه يل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه اه
(2) الستر بفتح السين أي يحب من فيه ذلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الإيمان وجاء أيضا من ستر مسلما ستره الله اه
(3) قال العلقمي وسببه كما في أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز - بفتح الباء الموحدة هو الفضاء الواسع - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن الله - فذكره اه

(2/228)


1730 - (إن الله تعالى) في رواية إن ربكم (حيي) بكسر الياء الأولى (كريم) أي جواد لا ينفد عطاؤه (يستحيي [ص:229] إذا رفع الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (إليه يديه) سائلا متذللا (أن يردهما صفرا) أي خاليتين (خائبتين) من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرما ويفعل ما يفعله تفضلا فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله فإذا رفع عبده يديه متذللا مفتقرا حاضر القلب موقنا بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول وقد يعطي الكافر ما يسأله لشدة كرمه. قال الزمخشري في الفائق: قوله يستحيي إلى آخره جملة مستأنفة بإعادة من استؤنف عنه الحديث يعني حياؤه وكرمه يمنعه أن يخيب سائله. اه. وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك. قال ابن حجر: وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلا. اه. لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة
(حم د) في الصلاة (ت هـ) في الدعوات (ك) كلهم (عن سلمان) الفارسي بفتح المهملة وسكون اللام. قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرطهما ونوزع بأن فيه كما بينه الصدر المناوي وغيره جعفر بن ميمون قال أحمد ليس بقوي لكن قال ابن حجر سنده جيد

(2/228)


1731 - (إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين) وهما من قوله {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل هن {لله ما في السماوات " إلخ فعلى الأول أول الآية الثانية {لا يكلف} وعلى الثانية أولها {آمن الرسول} فجعلها إلى آخر السورة آية واحدة (أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم) خصهم لأهمية تعليمهم لا لإخراج غيرهم (فإنهما صلاة) أي رحمة لما فيهما من رفع الخطأ والنسيان ورفع الإصر وتحميل ما لا يطاق وغير ذلك (وقرآن ودعاء) أي هما يشتملان على ذلك وقوله فتعلموهن بعد قوله آيتان من قوله تعالى {هذان خصمان اختصموا} {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}
(ك) في فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح عن معاوية عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير (عن أبي ذر) ثم قال على شرط البخاري فرده الذهبي بأن معاوية لم يحتج به البخاري قال ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا

(2/229)


1732 - (إن الله خلق الجنة) التي هي دار الثواب (بيضاء) أي نيرة مضيئة فترابها وإن كان من زعفران لكن ذلك الزعفران له لمعان وبريق يعلوه نور وإشراق وبياض وشجرها وإن كان أخضر لكنه يتلألأ نورا وإشراقا (وأحب شيء إلى الله) في رواية وأحب الزي إلى الله (البياض) فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وفي رواية خلق الله الجنة بيضاء وإن أحب اللون إلى الله البياض وسئل الحبر عن أرض الجنة فقال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل ما نورها قال أما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير رواه ابن أبي الدنيا بإسناد قال السمهودي حسن ولا ينافيه خبر إن ترابها الزعفران لأن الأرض نفسها بيضاء والتراب الذي هو فوق الأرض أصفر وفي خبر ابن ماجه ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ. واعلم أن الأشياء كلها من آثار الفضل والعدل والفضل من الجمال والعدل من الملك والقدرة فمن الجمال نشأت الرحمة وظهر العطف والفضل حتى اهتزت الجنة وربت وأشرقت بنور ربها وازينت فمن ثم كانت بيضاء نورانية مشحونة بالروح والريحان ومن الملك بدأ الغضب فاسعرت النار واسودت فهي سوداء مظلمة من غضبه وما هي إلا نظرة وجفوة فأهل الثواب سعدوا منه بنظرة واحدة وأهل العقاب شقوا بجفوة واحدة والخلق إيجاد الشيء على تقدير [ص:230] واستواء
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي عقب عزوه للبزار فيه هشام بن زياد وهو متروك وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ إن الله خلق الجنة بيضاء وأحب الزي إليه البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم انتهى بلفظه

(2/229)


1733 - (إن الله خلق خلقه) أي الثقلين فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور ولم يخلقوا من ظلمة الطبيعة والميل إلى الشهوة والغفلة عن معالم الغيب (في ظلمة) أي كائنين في ظلمة الطبيعة فالنفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة والركون إلى المحسوسات والغفلة عن معالم الغيب وأسرار عالم القدس (فألقى) وفي رواية للحكيم بدله رش والإلقاء في الأصل طرح الشيء حيث يلقاه ثم صار في التعارف إسما لكل طرح (عليهم من نوره) أي شيئا من نوره ومن إما للتبيين أو للتبعيض أو زائدة وكذا في من ذلك النور وهو ما نصب من الشواهد والرباهين وأنزل من الآيات والنذر (فمن) شاء الله هدايته (أصابه من ذلك النور يومئذ) فخلص من تلك الظلمة (واهتدى) إلى إصابة طرق السعداء (ومن أخطأه ذلك النور) أي جاوزه وتعداه لعدم مشاهدة تلك الآيات وإبصاره تلك البراهين الجليات (ضل) أي بقي في ظلمة الطبيعة متحيرا كالأنعام كما هو حال الفجرة المنهمكين في الشهوات المعرضين عن الآيات والنذر أو المراد خلق الذر المستخرج من صلب آدم فعبر بالنور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية وإشراق لمع برق العناية ثم أشار بقوله أصاب وأخطأ إلى ظهور أثر تلك العناية في الإنزال من هداية بعض وضلال بعض أو معنى في ظلمته جهالا عن معرفة الله لأن العبودية لا تدرك الربوبية إلا بإحداث المعرفة منها لها وهو معنى ألقى عليهم من نوره أي هدى من شاء فعبر عن الهدى بالنور فلا يعرف الله إلا بالله فالدلائل لإلزام الحجة لا سبب للهداية بمجردها وإلا لاهتدى بها كل ناظر وكم نظر فيها ذو عقل سليم وفهم قويم وفكر مستقيم ولم يزده ذلك إلا ضلالا. قال الطيبي: والتوفيق بين ما ذكر من معنى هذا الحديث وحديث كل مولود يولد على الفطرة أن الإنسان مركب من الحيوانية المقتضية العروج إلى عالم القدس وهي مستعدة لقبول فيضان نور الله الهادي ومهيؤ للتحلي بحلية الدين ومن النفسانية المائلة إلى الخلود في الأرض والانهماك في الشهوات والركون إلى المرديات فلاحظ في هذا الحديث أن الإنسان خلق على حالة لا ينفك عنها إلا من أصابه من ذلك النور الملقى عليه وذلك الحديث لمح إلى القضاء بقوله كل مولود يولد على الفطرة واختار بعض محققي الصوفية تبعا للحكيم الترمذي إجراء هذا الحديث على ظاهره وحمل الظلمة والنور على الحقيقة فقال: خلقهم كالنجوم الدراري ثم سلبهم الضوء فوضعهم في ترابية التربة التي أراد منها إنشاء خلق آدم وقد طمس ضوءهم فلبثوا في تلك الظلمة إلى أن مضى نحو خمسين ألف سنة فصاروا في طول ذلك اللبث في تلك الظلمة ثلاث أصناف فصنف منهم قال: الذي ملكنا لم يدم ملكه فعجز عنا وإلا لما تركنا هنا كالمنسي وصنف قالوا: نحن هنا ننتظر ما يكون وهو دائم وصنف صارت تلك الترابية في أفواههم فقال: ما الذي رأيتم مني حتى تنسبوني إلى العجز وانقطاع الملك فصارت هذه الكلمة ختما على أفواههم وهو قوله {ختم الله على قلوبهم} فالختم لا يرفع أبدا والصنف الثاني شكوا فهم ينتظرون لما يكون فما استقرت قلوبهم فتناثرت تلك الترابية على أفواه قلوبهم لتذبذبهم مرة إقبالا ومرة إعراضا فصار قفلا والقفل قد يفتح إن شاء فذلك قوله تعالى {أم على قلوب أقفالها} والصنف الثالث قالوا: مالكنا دائم إن شاء جعلها في ظلمة وإن شاء جعلها في نور فقال أنتم لي علمتم فصارت هذه الكلمة مكتوبة على قلوبهم فمن أصابته يمينه فهم الأولياء ومن أصابته يده الأخرى فعامة الموحدين فتناولهم فصيرهم في قبضته وصارت هذه الكلمة مكتوبة بين أعين أفئدتهم فذلك قوله {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} و {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} فهذه [ص:231] كانت صفتهم فلم يزل ينقلهم من حال إلى حال حتى ظهروا في طينة آدم وأعطاهم كلهم الصورة وظهرت في الطينة ثم لما نفخ فيه أخرج أصحاب اليمين من كتفه الأيمن كهيئة الذر في صفاء وتلألىء وأصحاب الشمال من كتفه الأيسر كالحمحمة السوداء والسابقين أمام الفريقين وهم الرسل والأنبياء والأولياء فقررهم كلهم وأخذ عهودهم وميثاقهم على الإقرار له بالعبودية ثم ردهم إلى الأصلاب ليخرجهم تناسلا من أرحام الأمهات فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي: أي لا أبالي بما يعملون من خير أو شر فأما أصحاب اليمين فصاروا بيضا من ذلك النور الذي أصابهم والآخرون سودا من الظلمة التي خلقهم فيها <فائدة> سأل عبد الله بن طاهر أمير خراسان المأمون الحسين بن الفضل عن قوله تعالى {كل يوم هو في شأن} مع هذا الخبر فقال: هي شؤون يبديها ولا يبتديها فقام إليه وقبل رأسه
(حم ت ك) وكذا ابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وصححه أيضا ابن حبان وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات وقال ابن حجر رحمه الله تعالى فتاويه: إسناده لا بأس به وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه لم يزيدوا فيه على ما ذكره والأمر بخلافه بل بقية الحديث عندهم فلذلك أقول جف القلم على علم الله انتهى لكن ادعى بعضهم أن قائل ذلك هو ابن عمرو فلعل المؤلف يميل إلى هذا القول فقوله ولذلك أي من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من إيمان وطاعة وكفر ومعصية أقول جف القلم

(2/230)


1734 - (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة) أصلها ما يضم عليه من كل شيء (قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) أي ابتداء خلقه من قبضته فمن ابتدائية إن كان من قبضة متعلقا بخلق وإن كان حالا من آدم تكون بيانية والقبضة هنا مطابقة الآية {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} في بيان تصوير عظمة الله وإن كل المكونات الآفاقية والأنفسية منقادة لإرادته ومسخرة بأمره أي فليس هنا قبضة بالحقيقة بل هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي لخلقه ذكره الطيبي وغيره وقال الكمال ابن أبي شريف أخذا من كلام بعضهم المراد بالقبض هنا حقيقة لكن إنما قبضها عزرائيل عليه السلام ملك الموت فلما كان القبض بأمره تعالى نسب إليه ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور وأبو حاتم عن أبي هريرة إن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوى ليأخذ منها قالت أسألك بالذي أرسلك لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب فتركها فلما رجع إلى ربه أخبره فأرسل آخر فقال مثل ذلك قال الذي أرسلني أحق بالطاعة فأخذ من وجهها ومن طيبها ومن خبيثها. الحديث. (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي على قدر لونها وطبعها فخلق من الحمراء الأحمر ومن البيضاء الأبيض ومن سهلها سهل الخلق اللين الرقيق ومن حزنها ضده ومن ثم (جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك) من الألوان {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} قيل خلق آدم من ستين نوعا من أنواعها وطبائعها فاختلفت بنوه كذلك ولذا وجب في الكفارة إطعام ستين ليكون بعدد هذه الأنواع ليعم الكل بالصدقة (والسهل) بفتح فسكون أي الذي فيه رفق ولين (والحزن) بفتح وسكون أي الذي فيه عنف وغلظة فالسهل من الأرض السهلة والفظ الغليظ الجافي من ضدها (والخبيث والطيب وبين ذلك) أي فالخبيث من الأرض السبخة والطيب من العذبة (1) ومن [ص:232] ثم اختلفت قوى الإنسان فتقبل كل قوة منها ما يأتيها من المواد فيزيد لذلك وينقص ويصلح لذلك ويفسد ويطيب ويخبث لما ذكر من أنه أنشئ من أشياء مختلفة وطبائع شتى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} ذكره البيضاوي. وقال الطيبي: ولما كانت الأوصاف الأربعة الأولى من الأمور الظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وتركت الأربعة الأخيرة مفتقرة إلى تأويل لأنها من الأخلاق الباطنة فإن المعنى بالسهل الرفق واللين وبالحزن الخرق والعنف وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضرر وخسار في الدارين والذي سبق له الكلام في الحديث هو الأمور الباطنة لأنها داخلة في حديث القدر من الخير والشر وأما الظاهرة من الألوان وإن كانت مقدرة فلا إعتبار لها
(حم د) في السنة (ت) في التفسير (ك هق عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وغيره
_________
(1) وما أحسن قول القائل:
الناس كالأرض ومنهاهم. . . من خشن في اللمس أو لين
فجندل تدمي به أرجل. . . والمد يجعل في الأعين
وكذا جميع الدواب والوحوش فالحية أبدت بجوهرها حيث خانت آدم حتى لعنت وأخرجت من الجنة وافأر قرض حبال سفينة نوح والغراب أبدى جوهره الخبيث حيث أرسله نوح من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فأقبل على جيفة وتركه

(2/231)


1735 - (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات ثم جعلهم فرقا (فجعلني) أي صيرني تعالى (في خير فرقهم) جمع فرقة أي أشرفها (وخير الفريقين) وفي نسخ الفرقتين (ثم تخير القبائل) أي اختار خيارهم فضلا (فجعلني في خير قبيلة) من القرب هذا بحسب الإيجاد أي قدر إيجادي في خيرها قبيلة (ثم تخير البيوت) أي اختارهم شرفا (فجعلني في خير بيوتهم) أي في أشرف بيوتهم قال ابن تيمية: وقوله خلق الخلق يحتمل شيئين أحدهما أن الخلق هم الثقلان أو هم جميع ما خلق في الأرض وبنو آدم خيرهم وإن قيل بعموم الخلق حتى تدخل الملائكة أفاد تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة قال والفريقان العرب والعجم ثم جعل العرب قبائل وجعل قريشا أفضلها بيوتا وجعل بني هاشم أفضلها ويحتمل أنه أراد بالخلق بنو آدم فكان في خيرهم أبا في ولد إبراهيم أبي العرب ثم جعل بني إبراهيم فرقتين بني إسماعيل وبني إسحاق وجعل العرب عدنان وقحطان فجعل بني إسماعيل في بني عدنان ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قبائل فجعل في خيرهم قبيلة وهم قريش وأيا ما كان فالحديث صحيح في تفضيل العرب على العجم (فأنا) بفضل الله علي ولطفه في سابق علمه (خيرهم نفسا) أي روحا وذاتا إذ جعلني نبيا رسولا فاتحا خاتما (وخيرهم بيتا) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح ولم يردفه بقوله ولا فخر كما في خبر أنا سيد ولد آدم ولا فخر لأن هذا بحسب حال المخاطبين في صفاء قلوبهم بما يعلمه من حالهم أو أن هذا بعد ذلك والتفاضل في الأنساب والقبائل والبيوت باعتبار حسن خلقة الذات والتفاضل فيما قام بها من الصفات حتى في الأقوات {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} وهذا جار في سائر المخلوقات أن فضل الله يؤتيه من يشاء فلا إتجاه لما عساه يقال الإنسان كله نوع واحد فما معنى التفاضل في الأنساب
(ت عن العباس بن عبد المطلب) قال: قلت يا رسول الله إن قريشا تذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة أي كناسة فذكره

(2/232)


1736 - (إن الله خلق آدم من طين الجابية) بجيم فموحدة تحتية فمثناة كذلك فاعلة من جباء موضع بالشام وباب الجابية بدمشق معلوم ويعارضه ما مر أنه خلقه من جميع أجزاء الأرض وقد يجاب بأنه قبض من الجابية قبضة ومن جميع أتراب الأرض قبضة ومزجهما (وعجنه بماء من ماء الجنة) إشارة إلى أنه وإن أخرج سيعود إليها فكان من بديع فطرته وعجيب صنعته فأعظم بها من إكرام فلم يكن يصلح له حينئذ مكان يليق به مع هذه المكارم إلا داره فتوجه بتاج الملك وكساه كمال الجمال وأجلسه على الأسرة بمهابة وإجلال حتى جاء وقت السقوط وغلب القضاء والقدر فكان [ص:233] ما كان <فائدة> قال بعض العارفين: إذا فتح عليك بالتصرف فأت البيوت من أبوابها وإياك والفعل بالهمة بغير آلة ألا ترى إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم وعجنها وسواه وعدله ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء فأوجد الأشياء على ترتيب ونظام ولو شاء أن يكون ابتداه بغير تخمر ولا عجن لفعل
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة)

(2/232)


1737 - (إن الله) أي الذي لا يستطيع أحد أن يقدر قدره (خلق لوحا محفوظا) وهو المعبر عنه في القرآن المجيد بذلك وبالكتاب المبين وبأم الكتاب وبإمام مبين (من درة بيضاء) لؤلؤة عظيمة كبيرة في نهاية الإشراق وغاية الصفاء وفي حديث البيهقي رضي الله تعالى عنه في الشعب إنه من زبرجدة خضراء وفي رواية لابن أبي حاتم إحدى وجهيه من ياقوت والآخر من زبرجدة خضراء فقد يقال إنه يتلون والبياض لونه الأصلي (صفحاتها) أي جنباتها ونواحيها. قال في الصحاح: صفح الشيء ناحيته وصفحة كل شيء جانبه وصفائح الباب ألواحه (من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه) أي مكتوبة (نور) بين به أن اللوح والقلم ليسا كألواح الدنيا المتعارفة ولا كأقلامها وكذا والكتابة وليس في هذا الخبر ذكر طول اللوح ولا عرضه ولا طول القلم وفي رواية للطبراني عن ابن عباس أن عرضه ما بين السماء والأرض وفي كنز الأسرار عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن طول اللوح ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو في حجر ملك يقال له ماطريون وفي تفسير الفخر الرازي من حديث البيهقي عن ابن عباس أيضا أن اللوح بين يدي إسرافيل فإذا أذن له في شيء ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فنظر فإذا كان الأمر من عمل جبريل عليه السلام أمره به أو من عمل ملك الموت أمره به الحديث وأما القلم ففي رواية لأبي الشيخ عن ابن عمران طوله خمس مئة عام (لله في كل يوم) أي أو ليلة كما في حديث ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا أي مقدارهما من الزمن وإلا فليس ثم ليل ولا نهار (ستون وثلاث مئة لحظة) على عدد أجزاء اليوم والليلة فإن ذلك مقسم على ثلاث مئة وستين جزءا كل جزء يسمى درجة فلما كان ذلك أقل ما يحسن بالنسبة إلينا عبر به تقريبا لأفهامنا (يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء) فإن كان العبد على حالة مرضية مهديا رشيدا أدركته اللحظة على حالة مرضية فوصل إلى الأمل من نوال الخير وصرف السوء وإذا كان غاويا فاللحظة بين القدرة والحلم فإما بطش جبار وإما عفو غفار فعلم أن الحديث إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا يقاس عليها غيرها فأخبر عليه السلام أن بيده تصريف الأمور وتكوينها على ما يشاء في أي زمن شاء وخصص الستة الأولى لأهميتها ووقوع أكثر الأفعال إليها ثم عمم
(طب) وكذا الحاكم والحكيم (عن ابن عباس) قال أعني ابن عباس لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا ولم ذلك فذكره قال الهيثمي: ورواه الطبراني من طريقين رجال أحدهما ثقات انتهى ولم يصب ابن الجوزي حيث حكم عليه بالوضع

(2/233)


1738 - (إن الله خلق الخلق) أي قدر المخلوقات في علمه السابق على ما هم عليه وقت وجودهم (حتى إذا فرغ من خلقه) أي قضاه وأتمه والفراغ تمثيلي وقول الأكمل خلق إن كان بمعنى أوجد فالفراغ على حقيقته رد بأن الفراغ الحقيقي بعد الشغل والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ثم إن ذا بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها للوجود أو بعد خلقها كتبا في اللوح أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله {ألست بربكم} (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسد وتتكلم والقدرة صالحة أو هو تمثيل وإستعارة إذ الرحم معنى وهو الإتصال القربي من النسب فشبهت بمن يحتاج إلى الصلة [ص:234] فاستعاذ من القطيعة والمراد تفخيم شأنها (فقال) تعالى لها (مه) بفتح فسكون استفهام أي ما تقولين كأنها قامت على هيئة الطالب لشيء والقصد به إظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه يعلم السر وأخفى وقيل زجر أي اكففي عن الالتجاء (قالت) بلسان القال أو الحال على ما تقرر (هذا مقام العائذ بك) أي مقامي هذا مقام المستجير بك من القطيعة والعائذ المعتصم بالشيء المستجير به (قال) تعالى (نعم) حرف إيجاب مقرر لما سبق إستفهاما كان أو خبرا (أما) بالتخفيف وفي رواية للبخاري ألا (ترضين) خطاب للرحم والهمزة للاستفهام على سبيل التقرير لما بعد لا النافية (أن أصل من وصلك) بأن أعطف عليه وأحسن إليه فهو كناية عن عظيم إحسانه (1) (وأقطع من قطعك) فلا أعطف عليه فهو كناية عن حرمان إنعامه وإمتنانه (قالت بلى يا رب) أي رضيت (قال) الله تعالى (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما أي الحكم السابق حصل لك وصلة الرحم بالمال ونحو عون على حاجة ودفع ضرر وطلاقة وجه ودعاء والمعنى الجامع إيصال الممكن من الخير ودفع الممكن من شر وهذا إنما يطرد إن استقام أهل الرحم فإن كفروا وفخروا فقطيعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ومن ثم قتل أمين هذه الأمة أباه كافرا غضبا لله ونصرة لدينه
(ق ن عن أبي هريرة) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}
_________
(1) وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده

(2/233)


1739 - (إن الله خلق) أي قدر (الرحمة) التي يرحم بها عباده ورحمته إرادة الإنعام أو فعل الإكرام فمرجعها صفة ذاتية أو فعلية فهي حادثة من حيث إنها فعل كائن عن الإرادة (يوم خلقها مئة رحمة) قال التوربشتي: رحمة الله غير متناهية فلا يعتريها التقسيم والتجزئة وإنما قصد ضرب المثل للأمة ليعرفوا التفاوت بين القسطين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الأولى فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمة في الدارين على الأقسام المذكورة تنبيها على المستعجم وتوفيقا على المستفهم ولم يرد به تجريد ما قد حلى عن الحد أو تعديد ما يجاوز العد (فأمسك عنده تسعا وتسعون رحمة وأرسل) وفي رواية وأنزل (في خلقه كلهم رحمة واحدة) تعم كل موجود فكل موجود مرحوم حتى في آن العذاب إذ الكف عن الآشد رحمة وفضل (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة (لم ييأس (1)) أي لم يقنط (من الجنة) أي من شمول الرحمة له فيطمع في أن يدخل الجنة (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها قال الطيبي: سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله فكما أن صفاته تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفة القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد هذا معنى وضع ضمير المؤمن ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن اختص [ص:235] بأن يطمع في الجنة فإذا انتفى منه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل انتهى. وقال المظهر: ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته لئلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه. وقال العلائي: هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط فينقله لحالة أشر من الذنوب
(ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما
_________
(1) وفي نسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بين حالتي الرجاء والخوف

(2/234)


1740 - (إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة (1)) أي أظهر تقديرها يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحدة في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما وقد مر معنى الطباق ومقصوده التعظيم والتكثير وورود ذلك بهذا اللفظ غير عزيز (فجعل في الأرض منها رحمة) قال القرطبي: هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم (فيها تعطف) أي تحن وترق وتشفق وفي الصحاح عطف عليه شفق وفي المصباح عطفت الناقة على ولدها عطفا حنت (الوالدة على ولدها) من الآدميين وكل ذي روح (والوحش والطير) أي وغيرهما من كل نوع من أنواع ذوات الأرواح ولعل تخصيص الوحش والطير لشدة نفورها والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وحكمة ذلك تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير حتى يتحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير (بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضا يوم القيامة. قال المهلب: الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي هذه وقال العارف البوني رضي الله تعالى عنه الذاتية واحدة ورحمته المتعدية متعددة وهي كما في هذا الخبر مئة ففي الأرض منها واحدة يقع بها الارتباط بين الأنواع وبها يكون حسن الطباع والميل بين الجن والإنس والبهائم كل شكل إلى شكله والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة يتصل بهذه الرحمة فتكمل مئة فيصعد بها في درج الجنة حتى ترى ذات الرحيم وتشاهد رجمته الذاتية
(حم م عن سلمان) الفارسي (حم هـ) عن أبي سعيد الخدري
_________
(1) حصره في مئة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله تعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فثبت أن نار الآخرة تفضل نار للدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فالرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي ويحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمة كلها للمؤمنين بدليل قوله تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما} وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها

(2/235)


1741 - (إن الله خلق الجنة) وجمع فيها كل طيب (وخلق النار) وجمع فيها كل خبيث (فخلق لهذه أهلا) وهم السعداء وحرمها على غيرهم (ولهذه أهلا) وهم الأشقياء وحرمها على غيرهم وجعلهما جميعا في هذه الدار سبعا فوقع الابتلاء والامتحان [ص:236] بسبب الاختلاط وجعلها دار تكليف فبعث إليهم الرسل لبيان ما كلفهم به من الأقوال والأفعال والأخلاق وأمرهم بجهاد الأشقياء فقامت الحرب على ساق فإذا كان يوم القيامة أي يوم الميعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله في دارهم والخبيث وأهله في دارهم فينعم هؤلاء بطيبهم ويعذب هؤلاء بخبثهم لانكشاف الحقائق. قال البيضاوي: وفيه أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآبائهم وأصول أكوانهم بعد في العدم <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: عن عقائد الإسلام أن تعتقد ان الله سبحانه أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسماءه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلاءه ولو أراد تعالى أن يكون العالم كله سعيد لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه لم يرد فكان كما أراد {فمنهم شقي وسعيد} هنا ويوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال في الصلاة وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وانفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي وجود رحمني لمن اعتنى به من عباده وسبق له ذلك بحضرة إشهاد فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم وأنه من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود بنفسه إلا إياه {والله خلقكم وما تعملون} و {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} . <تنبيه> قال بعضهم: خلق الله الجنة والنار وجعلهما دارين إحداهما جهة اليمين والأخرى جهة الشمال هذه كلها خير صرف وهذه كلها شر صرف وأنزل الدين للأمر والنهي على معنى الدارين ثم خلق دار الدنيا بين الدارين فالجنة من القبر إلى أعلى عليين والنار من القبر إلى أسفل سافلين روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فليس بعد الدنيا إلا الجنة والنار فالناس بعد الموت منهم معذب ومنهم منعم في جنة أو نار فالناس وقوف في الدنيا بين الجنة والنار حقيقة وهم لا يشعرون
(م) في الإيمان بالقدر وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم (عن عائشة) قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدرين وفي رواية أو غير ذلك فذكره فنهى عن الحكم على معين بدخول الجنة فلعله قبل علمه بأن أطفال المؤمنين في الجنة. قال في الزواجر: وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن أطفال المؤمنين لا يقطع لهم بدخول الجنة واشتد إنكار العلماء عليه في هذه المقالة الشنيعة المخالفة للقواطع والحديث ظاهره غير مراد إجماعا وإنما هو قبل أن يعلم بأنهم مقطوع لهم بالجنة وإنما الخلاف في أطفال الكفار والأصح أنهم في الجنة أيضا وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يروه إلا كما ذكر والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله ولهذه أهلا ما نصه: وهم في أصلاب آبائهم

(2/235)


1742 - (إن الله تعالى) لكمال رأفته (ورضي لهذه الأمة اليسر) فيما شرعه لها من أحكام الدين ولم يشدد عليها كما شدد على الأمم الماضية (وكره لها العسر) أي لم يرده بها ولم يجعله عزيمة عليها {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} قال الحراني: واليسر عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر ما يجهد النفس ويضر الجسم ومن رفق الله بهذه الأمة ومعاملتها باليسر والعطف أن شرع لها ما يوافق كتابها وصرف عنها ما تختان فيه لما جبلت عليه من خلافه وهكذا حال الأمر إذا شاء أن يطيعه مأموره يأمره بالأمور التي لو ترك ودواعيه لفعلها وينهاه عن الأشياء التي لو ترك ودواعيه لتجنبها وبه يكون حفظ المأمور من المخالفة وإذا شاء أن يشدد على أمة أمرها بما جبلها على تركه ونهاها عما جبلها على فعله وهو من الآصار المجعولة على الأولين مخفف عن هذه الأمة بإجراء شرعها على وفق جبلتها فجعل لهم حظا من هواهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم أدر الحق معه حيث دار ولهذا كان يأمر الشجاع بالحرب ويكف الجبان حتى لا يظهر فيمن معه مخالفة إلا عن سوء طبع لا يزعه وازع الرفق وذلك قصد العلماء الربانيين في تأديب [ص:237] كل مريد على اللائق بحاله وجبلته
(طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) بفتح الهمزة ودال مهملة ساكنة الأسلمي نزل البصرة واختط مسجدها قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

(2/236)


1743 - (إن الله رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر فيكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم ولا يجوز إطلاق الرفيق عليه سبحانه اسما لأن أسماءه سبحانه إنما تتلقى بالنقل المتواتر ولم يوجد ذكره بعض الشراح وأصله قول القاضي الرفق ضد العنف وهو اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها والظاهر أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لأنه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على قصد التسمية وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده انتهى لكن قال النووي: الأصح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الواحد (يحب الرفق) بالكسر لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض وزعم أن المراد يحب أن يرفق بعباده لا يلائم سياق قوله (ويعطي عليه) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل (مالا يعطي على العنف) بالضم الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادا وحثا لنا على تحري الرفق في كل أمر فهو خارج مخرج الأخبار لا التسمية كما تقرر
(خد د عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء (هـ حب عن أبي هريرة حم هب عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي: وفيه أبو خليفة ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وصدقه الجمهور وبقية رجاله ثقات (البزار) في مسنده (عن أنس) بإسنادين قال الهيثمي: رجال أحدهما ثفات وفي بعضهم خلاف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه مسلم من حديث هائشة رضي الله تعالى عنها ولفظه إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه. قال القاضي: وإنما ذكر قوله وما لا يعطي على سواه بعد قوله ما لا يعطي على العنف إيذانا بأن الرفق أبحج الأسباب وأنفعها بأسرها

(2/237)


1744 - (إن الله زوجني في الجنة) مضافا إلى زوجاتي اللاتي تزوجتهن في الدنيا (مريم بنت عمران) أي جعلها زوجتي فيها وأوقع الماضي موقع المستقبل لتحقق الوقوع (وامرأة فرعون) آسية بنت مزاحم (وأخت موسى) الكليم عليه السلام واسمها مريم كما قاله البيضاوي وغيره قال الحرالي: خلصهن الله من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء عربي علي حتى أنكحهن من محمد النبي العربي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الثلاثة مترتبات في الفضل على هذا الترتيب فأفضلهن مريم اتفاقا فآسية لأنه قيل بنبوتها فأخت موسى لأنه لم يذهب إلى القول بنبوتها أحد. والظاهر أن وقوع التزوج في الجنة
(طب عن سعد بن جنادة) بضم الجيم وخفة النون ودال مهملة والد عطية العوفي وفد من الطائف وأسلم قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه

(2/237)


1745 - (إن الله تعالى سائل) إشارة إلى تحقق وقوع ذلك (كل راع عما استرعاه) أي أدخله تحت رعايته [ص:238] (أحفظ ذلك أم ضيعه) بهمزة الاستفهام (حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أحفظهم أم ضيعهم فيعامل من قام بحق ما استرعاه عليه بفضله ويعامل من أهمله بعدله وما يعفو الله أكثر (1) قال الطيبي: فيه أن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فعليه أن لا يتصرف إلا بمأذون الشارع فيه وهو تمثيل ليس ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه وزاد في رواية فأعدوا للمسألة جوابا قالوا: وما جوابها قال: أعمال البر خرجه ابن عدي والطبراني قال ابن حجر: بسند حسن واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من في حكمه وفيه بيان كذب الحديث الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية ففي آداب القضاء للكرابيسي عن الشافعي رضي الله عنه بسنده دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث إن الله إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات فقال له كذب ثم تلا {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} إلى {بما نسوا يوم الحساب} فقال الوليد: إن الناس ليغروننا
(ن حب عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه معاذ بن هشام حديثه في الستة لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين صدوقا وليس بحجة وقال غيره له غرائب وتفردات
_________
(1) أي ويرضى خصماء من شاء بجوده وكما يسأله عن أهل بيته يسأل أهل بيته عنه فظاهر الحديث أن الحكام أولى بالسؤال عن أحوال الرعايا من سؤال الرجل عن أهل بيته

(2/237)


1746 - (إن الله سمى) وفي رواية إن الله أمرني أن أسمي ولا تعارض لأن المراد أنه أمره بإظهار تسميتها (المدينة طابة) بمنع صرفها وفي بعض روايات البخاري طابة بالتنوين بجعلها نكرة وهي تأنيث طاب من الطيب وأصلها طيبة قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكان اسمها يثرب فكرهه النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الثرب في معنى القبح فبين أن الله سماها طابة لتيطيب مكانها بالدين أو لخلوصها من الشرك وتطيبها منه أو لطيب رائحتها وأمورها كلها أو لحلول الطيب بها وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم أو لكونها تنفي خبثها ويبقى طيبها أو لغير ذلك (1) وتسميتها في التنزيل يثرب وقوله في حديث هذه يثرب باعتبار ما عند المنافقين أو نزول الآية سابق على التسمية
(حم م ن عن جابر بن سمرة) ولم يخرجه البخاري
_________
(1) أو لطيب ترابها وهوائها ومساكنها وطيب العيش بها قال بعض العلماء من أقام بالمدينة يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها

(2/238)


1747 - (إن الله تعالى صانع) بالتنوين وعدمه (كل صانع وصنعته) أي مع صنعته فهو خالق للفاعل والفعل لقوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون} وبهذا أخذ أهل السنة وهو نص صريح في الرد على المعتزلة وكمال الصنعة لا يضاف إليها وإنما يضاف إلى صانعها وهذا الحديث قد احتج به لما اشتهر بين المتكلمين والفقهاء من إطلاق الصانع عليه تعالى قال المؤلف فاعتراضه بأنه لم يرد وأسماؤه تعالى توقيفية غفلة عن هذا الخبر وهذا حديث صحيح لم يستحضره من اعترض ولا من أجاب بأنه مأخوذ من قوله {صنع الله} انتهى ومنعه بعض المحققين بأنه لا دليل لما صرحوا به من اشتراط إذ لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو {أم نحن الزارعون} {والله خير الماكرين} وهذا الحديث من ذلك القبيل وبأن الكلام في الصانع بأل بغير إضافة وما في الخبر مضاف وهو لا يدل على جواز غيره بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر لم يأخذوا منه أن الصاحب بغير قيد من أسمائه تقدس نعم صح من حديث الحاكم والطبراني اتقوا الله فإن الله فاتح لكم مصانع وهذا دليل واضح للمتكلمين والفقهاء لا غبار عليه ولم [ص:239] يستحضره المؤلف ولو استحضره لكان أولى له مما يحتج به في عدة مواضع قال الذهبي: واحتج به من قال الإيمان صفة للرحمن غير مخلوق كذا رأيته بخطه (تتمة) قال الراغب: سئل بقراط عن دلالة الصانع فقال دل الجسم على صانعه فجمع بهذه اللفظة دلالة حدوث العالم لأن الجسم يدل على أنه مصنوع ولا بد له من صانع ولم يصنع نفسه وصانعه حكيم
(خ في خلق أفعال) أي في كتاب خلق أفعال (العباد) وهو كتاب مفرد مستقل (ك) في الإيمان وصححه (والبيهقي في) كتاب الأسماء (والصفات) كلهم (عن حذيفة) مرفوعا لكن لفظ الحاكم إن الله خالق بدل صانع ثم قال على شرط مسلم وأقره الذهبي وتقييد المصنف العزو للبيهقي بكتاب الأسماء يؤذن بأنه لم يخرجه في كتابيه اللذان وضع لهما المصنف الرمز وهما الشعب والسنن وليس كذلك فقد خرجه في الشعب باللفظ المزبور عن حذيفة المذكور

(2/238)


1748 - (إن الله تعالى طيب) بالتلقيل أي منزه عن النقائص مقدس عن الآفات والعيوب وكل وصف خلا عن كمال أو طيب الثناء أو مستلذ الأسماء عند العارفين بها وكيف ما كان فهو من أسمائه الحسنى لصحة الخبرية كالجميل قال الراغب: وأصل الطيب ما تستلذه النفس والحواس والطيب من الناس من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال (يحب الطيب) أي الحلال الذي يعلم أصله وجريانه على الوجه الشرعي العاري عن ضروب الحيل وشوائب الشبه فلا تقبل ولا ينبغي أن يتقربوا إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو من خيار أموالكم (كريم يحب الكرم) أي في حياته لا البخل في حياته الكريم عند موته بدليل الخبر المار وقوله (جواد) بالتخفيف (يحب الجود) عطف خاص على عام (نظيف) أي منزه عن سمات الحدوث متعال في ذاته عن كل نقص (يحب النظافة) أي نظافة الباطن بخلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الهوى والأمراض القلبية من نحو غل وحقد وحسد وغيرهما ومجانبة كل مطعم وكل مشرب وكل ملبس من حرام وشبهة ونظافة الظاهر بترك الأدناس وملابسة العبادات ومفهومه أنه يبغض ضد ذلك وبه صرح في الخبر الآتي بقوله إن الله يبغض الوسخ الشعث ولا ينافيه خبر إن الله يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس إذ لا يلزم من كون الثوب خشنا أو باليا أن يكون وسخا فالمنهي عنه إنما هو التزين والتصنع والتغالي في اللباس (فنظفوا) ندبا (أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار قال الطيبي: الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي ما أمام الدار وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة كانت أدعى لجلب الضيفان وتناوب الواردين والصادرين
وإليه ينظر قول الحماسي:
فإن يمس مهجور الفناء فربما. . . أقام به بعد الوفود وفود
وفي رواية بدله عذراتكم وهو بمعناه قال الزمخشري: العذرة الفناء وبه سميت العذرة لإلقائها فبها كما سميت بالغائط وهو المطمئن (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف وأصله تتشبهوا (باليهود) في قذاراتهم وقذارة أفنيتهم ومن ثم كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه مزيد حرص على النظافة وقد اختار الحق سبحانه من كل جنس أطيبه فاختصه لنفسه والطيب من كل شيء هو مختاره دون غيره وأما خلقه فعام للنوعين وبه يعرف عنوان سعادة العبد وشقاوته فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا به وبين الطيب والخبيث كمال الانقطاع ومنع الاجتماع
(ت عن سعد) وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها شهر بن حوشب وهو ضعيف والأولى سالمة منه

(2/239)


1749 - (إن الله تعالى عفو) أي متجاوز عن السيئات (يحب العفو) لما سبق أنه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من اتصف بشيء منها ويبغض من اتصف بأضدادها ولهذا يبغض قاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم. قال [ص:240] العارف ابن أدهم رضي الله عنه خلا لي الطواف ليلة مطيرة فقلت بالملتزم يا رب اعصمني فقيل لي كل عبادي يطلبون العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر؟ قال الراغب رحمه الله: العفو والصفح صورتا الحلم ومخرجاه إلى الوجود فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح ترك التثريب واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه والإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان فيه وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يحب والعفو إنما يستحب إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله أو شتم عرضه فإن عادت بالضرر على الشرع أو الناس فله ترك العفو
(ك عن ابن مسعود) عبد الله (عد عن عبد الله بن جعفر)

(2/239)


1750 - (إن الله تعالى عند) وفي رواية ذكرها المطرزي: وراء (لسان كل قائل) أي يعلمه قال في المغرب هذا تمثيل والمعنى أنه تعالى يعلم ما يقوله الإنسان ويتفوه به فمن يكون عند الشيء مهيمنا لديه محافظا عليه (فليتق الله عبد) نكرة للوقوع أو إشارة إلى قلة المتقين (ولينظر) أي يتأمل ويتدبر (ماذا يقول) أي ما يريد للنطق به هل هو عليه أو له {وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فجميع ما ينطق به مكتوب عليه مسؤول عنه. قال الليث: مررنا براهب فنودي طويلا فلم يجب ثم أشرف فقال يا هؤلاء لساني سبع فأخاف أن أرسله فيأكلني. وقال بعض العارفين: إياك والمراء في شيء من الدين وهو الجدال فإنك لا تخلو أن تكون فيه محقا أو مبطلا كما يفعل الفقهاء اليوم في مجالس مناظراتهم يلتزم أحدهم في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يحاول به الحق الذي يعتقده أنه حق ثم تخدعه النفس بأن تقول له إنما تفعل ذلك لتنفتح الخواطر لا لإقامة الباطل وما علم أنه تعالى عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده أنه فقيه عمل على ذلك الباطل فلا يزال الإثم عليه ما دام ذلك السامع يعمل بما سمع منه
(حل) من حديث محمد بن إسماعيل العسكري عن صهيب بن محمد بن عباد عن مهدي عن وهب بن أبي الورد عن محمد بن زهير (عن ابن عمر) بن الخطاب ومحمد بن زهير قال الذهبي قال الأزدي ساقط (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور

(2/240)


1751 - (إن الله تعالى غيور) فعول من الغيرة الحمية والأنفة وهي محال على الله تعالى لأنها هيجان الغضب يسبب ارتكاب ما ينهى عنه فالمراد لازمها وهو المنع والزجر عن المعصية (يحب الغيور) في محل الربية كما يفيده قوله في الحديث الآتي غيرتان غيرة يحبها الله (وإن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (غيور) فهو لذلك يحبه لأن من لمح لمحا من وصف كان من الموصوف به باللطف لطف ووصف كل مرتبة بحسبها (رستة) بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني الحافظ
(في الإيمان) أي في كتاب الإيمان له (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي أفريقية (مرسلا) قال في الكاشف منكر الحديث مات سنة 113

(2/240)


1752 - (إن الله تعالى قال من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليا) (1) وهو من تولي الله بالطاعة فتولاه الله بالحفظ والنصر فالولي هنا القريب من الله باتباع أمره وتجنب نهيه وإكثار النفل مع كونه لا يفتر [ص:241] عن ذكره ولا يرى بقلبه سواه (فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته بأني سأحاربه {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} ومن حاربه الله أي عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال وهذا في الغاية القصوى من النهديد والمراد عادى وليا لأجل ولايته لا مطلقا فخرج نحو محاكمته لخلاص حق أو كشف غامض فلا يرد خصومة العمرين رضي الله عنهما لعلي والعباس رضي الله عنهما ومعاداته لولايته إما بإنكارها عنادا أو حسدا أو بسبه أو شتمه ونحو ذلك من ضروب الإيذاء وإذا علم ما في معاداته من الوعيد علم ما في موالاته من الثواب (وما تقرب إلي عبدي بشيء) أي بفعل طاعة (أحب إلي مما افترضه عليه (2) أي من آدابه عينا أو كفاية لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع والأمر بها جازم يتضمن أمرين الثواب على فعلها والعقاب على تركها فالفرض كالأس والنفل كالبناء عليه (ولا يزال عبدي) الإضافة للتشريف (يتقرب) وفي رواية يتحبب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع صنوف العبادة (حتى أحبه) بضم أوله وفتح ثالثه (فإذا أحببته) لتقربه إلي بما ذكر حتى قلبه بنور معرفتي (كنت) أي صرت (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) يعني يجعل الله سلطان حبه غالبا حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله عونا له على حماية هذه الجوارح عما لا يرضاه أو هو كناية عن نصرة الله وتأييده وإعانته له في كل أموره وحماية سمعه وبصره وسائر جوارحه عما لا يرضاه وحقيقة القول ارتهان كلية العبد بمراضي الرب على سبيل الاتساع فإنهم إذا أرادوا اختصاص شيء بنوع اهتمام وعناية واستغراق فيه ووله به ونزوع إليه سلكوا هذا الطريق قال:
جنوني فيك لا يخفى. . . وناري فيك لا تخبو. . . وأنت السمع والناظر. . . والمهجة والقلب
ولمشائخ الصوفية رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب فتوحات غيبية وإشارات ذوقية تهتز منها العظام البالية لكنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم فعلم مشربهم بخلاف غيرهم فلا يؤمن عليه من الغلط فيهوي في مهواة الحلول والاتحاد والحاصل أن من تقرب إليه بالفرض ثم النفل قربه فرقاه من درجة الإيمان مقام الإحسان حتى يصير ما في قلبه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته يمحي كل ما سواه فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نظر فيه أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد (وإن سألني لأعطينه) مسؤوله كما وقع لكثير من السلف (وإن استعاذ بي) روي بنون وروي بموحدة تحيتية والأول الأشهر (لأعيذنه) مما يخاف وهذا حال المحب مع محبوبه وفي وعده المحقق المؤكد بالقسم إيذان بأن من تقرب بما مر لا يرد دعاؤه (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن) أي ما أخرت وما توفقت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف عليه حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى انخراطه في سلك المقربين والتبوىء في أعلا عليين أو أراد بلفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن بما يبتلي به من نحو مرض وفقر فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب المذكورة يشبه فعل المتردد فعبر به عنه (يكره الموت) لصعوبته وشدته ومرارته وشدة ائتلاف روحه لجسده وتعلقها به ولعدم معرفته بما هو صائر إليه بعده (وأنا أكره مساءته) وأريده له لأنه يورده موارد الرحمة والغفران والتلذذ [ص:242] بنعيم الجنان فالمراد ما رددت شيئا بعد شيء مما أريد أن أفعله بعبدي كترددي في إزالة كراهة الموت عنه بأن يورد عليه حوادث يسأم معها الحياة ويتمنى الموت كما تمنى علي كرم الله وجهه الموت لاختلاف رعيته عليه وقتالهم له مع كونه الإمام الحق وقد يحدث الله بقلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه ما يشتاق به إلى الموت فضلا عن كراهته فيأتيه وهو له مؤثر وإليه مشتاق وذلك من مكنون ألطافه فسبحان اللطيف الخبير وهذا أصل في السلوك كبير
(خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال في الميزان غريب جدا ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد لغرابة لفظه وانفراد شريك به وليس بالحافظ ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه غير البخاري
_________
(1) المراد بالولي العارف بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته
(2) دخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية والفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه

(2/240)


1753 - (إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز قال الزمخشري: من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للإستفهام الإنكاري والإغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة والإجتراء الإنبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي: أم منقطعة أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد أكيد ووعيد شديد على النفاق العملي وكل الأمراض القلبية من غل وحقد وحسد وغيرها وفيه تحذير من الإغترار به تعالى ومن سوء عاقبة الجرأة عليه
(ت) في الزهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال حسن غريب

(2/242)


1754 - (إن الله تعالى قال أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده) وفي رواية يديه (الخير وويل لمن قدرت يده الشر) وذلك لأنه تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى ثم أوجب على العبد في هذه المدة القصيرة التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار أو كبلل ينال الأصبع حين يداخلها في بحر من البحار عصيان النفس الأمارة ومنعها من الركون إلى الدنيا ولذاتها لتنال حظها من كرامته فأمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم القيامة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن مالك بن يحيى البكري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي رواه ابن شاهين أيضا في شرح السنة من حديث أبي أمامة وسنده ضعيف

(2/242)


1755 - (إن الله تعالى قبض) حين شاء (أرواحكم) عن أبدانكم أيها الذين ناموا في الوادي عن صلاة الصبح وذلك بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالقبض مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية لأن النائم كمقبوض الروح [ص:243] في سلبها عنه فهو من قبيل {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط (حين شاء وردها عليكم) عند اليقظة (حين شاء) وحين شاء في الموضعين ليس لوقت واحد فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون فحين الأولى خبر عن أحيان متعددة والمراد بذلك أنه لا لوم عليكم في نومكم حتى خرج وقت الصلاة إذ ليس في النوم تفريط ولا ينافيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مر بعلي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهما نائمان حتى طلعت الشمس أنكر عليهما فقال علي رضي الله عنه إن نواصينا بيد الله إن شاء أنامها وإن شاء أقامها فولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وضرب بيده على فخده قائلا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} لأن قصده بذلك حثهما على عدم التفريط بالاسترسال في النوم وهذا قاله حين نام هو وصحبه عن الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس فسلاهم به وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا فلما خرجوا قال (يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة) كذا هو مشدد الذال أي أذن وبالموحدة فيهما في رواية البخاري وفي رواية له فآذن بالمد وحذف الموحدة من بالناس وأذن معناه أعلم والمراد به الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الآذان المشروع فإن مشروعيته كانت بعد ذكره عياض فلما اذن قام المصطفى صلى الله عليه وسلم فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى والأنبياء وإن كانوا لا تنام قلوبهم لكن صرف الله قلبه للتشريع وأما الجواب بأنه كان له حالات فتارة ينام قلبه وتارة لا: فضعفه النووي. والجواب الذي صححه أن رؤيا الشمس من وظائف البصر ضعفه جمع بأن النفوس القدسية تدرك الأشياء بلا واسطة آلة ألا ترى إلى خبر أتموا الصفوف فإني أراكم من خلف ظهري قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإن قلت: كيف أسند هذه الغفلة ابتداء إلى الله ثم أسنده إلى الشيطان ثانيا؟ قلت: هو من المسألة المشهورة في خلق أفعال العباد وكسبها وتقريرها أن الله أراد خلق الإنسان والنوم فيهم فمكن الشيطان من اكتساب ما هو جالب للغفلة والنوم من الهدوء وغيره. قال في المطامح: والكلام في الروح من وراء حجاب إلا في حق من كشف له عن عالم الملكوت والصحيح أن العلم بحقيقتها غير متعذر لكنه أغمض من كل المعلومات وأعسر من جميع المطلوبات جعله الله آية عظيمة من الآيات ودلالة من الدلالات يجب القطع به وأنه مخلوق وفيه الأذان للفائتة وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما في القديم وفي الجديد لا وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه واختار النووي رضي الله تعالى عنه الأول لهذا الحديث وندب الأذان قائما لقوله قم ذكره عياض ورده النووي رضي الله تعالى عنه بأن المراد بقوله قم اذهب إلى محل بارز فناد فيه للصلاة ليسمعك الناس ولا تعرض فيه للقيام حال الأذان
(حم خ د ن عن أبي قتادة) الأنصاري وهذا الحديث كثير الفوائد فمن أرادها فليراجع شروح الصحيح

(2/242)


1756 - (إن الله قد حرم النار) أي نار الخلود لما ثبت أن طائفة من الموحدين يعذبون ثم يخرجون بدليل أخبار الشفاعة (من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) أي يقولها خالصا من قلبه يطلب بها النظر إلى وجه الله تعالى وظاهر الخبر الاكتفاء بقولها مرة واحدة في أي وقت كان من العمر لكن بشرط الاستمرار على اعتقاد مدلولها إلى الموت المشار إليه بخبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأجرى بعضهم الحديث على ظاهره من إطلاق التحريم على النار وقال الكلام فيمن قالها بالإخلاص والصدق وهم فريقان أعلى وأدنى فالأدنى من يقف عند صنعه وأمره كالعبيد أما صنعه فهو حكمه عليه من عز وذل وصحة وسقم وفقر وغنى بأن يحفظ جوارحه السبع عن كل حكم به عليه وأما أمره فأداء الواجبات وتجنب المحرمات والإعلاء ان يكون في هذين حافظا لقلبه قد راض نفسه وماتت شهواته [ص:244] ورضي بأحكام الله وقنع بما أعطاه الله وفطم نفسه عن اللذات وانقاد لأمره ونهيه إعظاما لجلاله فخمدت نار شهوة النفس وخرج القلب من أسرها وقهرها فاستمسك بالعروة الوثقى فقوي واتصل بربه اتصالا لا يجد العدو إليه سبيلا لإلقاء شرك أو شك لما لزم قلبه من ذلك النور فإذا انتهى إلى الصراط صار ذلك النور وقاية من تحت قدمه ومن فوقه ومن حوله وأمامه فإذا مر بالنار قالت له يا مؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي فهو محرم عليها وهي محرمة عليه أما من قال لا إله إلا الله ونفسه ذات هلع وشره وشهوة غالبة فائرة بدخان لذاتها كدخان الحريق مضيعة لحقوق الله مشحونة بالكذب والغش والخيانة كثيرة الهواجس والاضطرار فليست النار محرمة عليه بل يدخلها للتطهير إلا أن يتداركه عفو إلهي وغفر رباني
(ق عن عتبان) بكسر العين المهملة وسكون المثناة فوق وبموحدة تحتية (ابن مالك) الخزرجي السالمي بدري روى عنه أنس وغيره مات زمن معاوية قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: أين مالك بن الدخشم فقال رجل: ذاك منافق لا يحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله: وإن الله قد حرم. إلى آخره

(2/243)


1757 - (إن الله قد أمدكم) بالتشديد أي زادكم كما جاء مصرحا به في رواية من مد الجيش وأمده إذا زاده وألحق به ما يكثره. قال القاضي: والإمداد اتباع الثاني للأول تقوية وتأكيدا له من المدد وروي زادكم (بصلاة هي خير لكم من حمر) بسكون الميم (النعم) بالتحريك الإبل وهي أعز أموال العرب وأنفسها فجعلت كناية عن خير الدنيا كأنه قيل هذه الصلاة خير مما تحبون من عرض الدنيا وزينتها لأنها ذخيرة للآخرة {والآخرة خير وأبقى} (الوتر) بالجر بدل من صلاة والرفع خبر مبتدأ محذوف قال القاضي: ولا دلالة فيه لوجوب الوتر إذ الإمداد والزيادة يحتمل كونه على سبيل الوجوب وكونه على سبيل الندب وقال غيره: ليس فيه دلالة على وجوبه إذ لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد ففي حديث البيهقي عن أبي سعيد مرفوعا إن الله زادكم صلاة على صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر وقال الطيبي: قوله إن الله أمدكم وارد على سبيل الامتنان على أمته مرادا به مزيد فضل على فضل كأنه قيل إن الله فرض عليكم الخمس ليؤجركم بها ويثيبكم عليها ولم يكتف بذلك فشرع التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان وثوابا على ثواب وإليه لمح بقوله {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} ولفظ لك يدل على اختصاص الوجوب به فدل مفهومه على أنه غير واجب على الغير (جعلها الله لكم) أي جعل وقتها (فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) تمسك به من ذهب إلى أن الوتر لا يقضى وبه قال مالك وأحمد وسفيان وعطاء وغيرهم
(حم د ت هـ قط ك) كلهم (عن خارجة بن حذافة) بن غانم القرشي العدوي الذي كان يعد بألف فارس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهو الذي قتله عمرو بن بكير الخارجي يظنه عمرو ليلة قتل علي ثم قال الحاكم صحيح تركاه لتفرد التابعي عن الصحابي وقال ابن حجر: ضعفه البخاري وقال ابن حبان: منقطع ومتن باطل وقال الفرياني في اختصار الدارقطني فيه عبد الله بن راشد عن أبي قرة لم يسمع منه وليس ممن يحتج به ولا يعرف لابن أبي قرة سماع من خارجة وقال ابن عدي: لم يسمع من أبيه وليس له إلا هذا الحديث وفي الميزان حديثه عن خارجة في الوتر لم يصح وقال ابن حجر ورواه أحمد عن معاذ وفيه ضعف وانقطاع والطبراني عن عمرو بن العاص وفيه ضعف والحاكم والطحاوي عن أبي نضرة وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن توبع الدارقطني عن ابن عباس وفيه النضر الخراز متروك وابن حبان عن ابن عمر وادعى أنه موضوع وقال البزار أحاديث هذا الباب كلها معلولة انتهى

(2/244)


[ص:245] 1758 - (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه) أي حظه ونصيبه الذي فرض له المذكور في آيات المواريث الناسخة للوصية للوالدين والأقربين (فلا وصية لوارث) ولو بدون الثلث إن كانت ممن لا وارث له غير الموصى له وإلا فموقوفة على إجازة بقية الورثة لقوله في الخبر الآخر إلا أن تجيز الورثة كذا قرره بعضهم وقال ابن حجر: المراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم لقوله لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة وقد كانت الوصية قبل نزول آية المواريث واجبة للأقربين فلما نزلت بطلت في الوصايا
(عن أنس) قال إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لعابها فسمعته يقول فذكره فظاهر صنيعه حيث اقتصر علي عزوه لابن ماجة أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه ابن حجر وغيره لأحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة ونحوه باللفظ المذكور بعينه قال ابن حجر: وهو حسن الإسناد. اه. وقال في موضع آخر: سنده قوي وقال في موضع آخر: ورد من طرق لا يخلو إسناد منها من مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم إلى أن هذا المتن متواتر إلى هنا كلامه وقال في تخريج المختصر رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن أبي سعيد فمختلف فيه فقيل هو المقبري فلو ثبت هذا كان الحديث على شرط الصحيح لكن الأكثر على أنه شيخ مجهول وذهب الذهبي قبله في التنقيح إلى صحته حيث قال رادا على ابن الجوزي بل حديث صحيح

(2/245)


1759 - (إن الله تعالى قد أوقع) أي صير (أجره) أي أجر عبد الله بن ثابت الذي تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قبل خروجه (على قدر نيته) أي فيكتب له أجر الشهادة وإن كان مات على فراشه وهذا يحتمل كونه خصوصية لذلك الصحابي ويحتمل العموم
(مالك) في الموطأ (حم د ن هـ حب ك) كلهم (عن جابر بن عتيك) وفي نسخة عبيد - فليحرر - ابن قيس الأنصاري من بني غنم بن سلمة صحابي جليل اختلف في شهوده بدرا وشهد ما بعدها

(2/245)


1760 - (إن الله تعالى قد أجار) في رواية بإسقاط قد (أمتي) أي حفظ علماءها عن (أن تجتمع على ضلالة) أي محرم ومن ثم كان إجماعهم حجة قاطعة فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله إذ الواحد منهم غير معصوم بل كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ونكر ضلالة لتعم وأفردها لأن الإفراد أبلغ
(ابن أبي عاصم) وكذا اللالكائي في السنة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: غريب ضعيف لكن له شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون

(2/245)


1761 - (إن الله كتب) أي أوجب أو طلب والأول هو موضوع كتب عند أكثر أهل العرف لكن الثاني أولى لشموله للمندوب ومكملاته (الإحسان) مصدر أحسن وهو هنا ما حسنه الشرع لا العقل خلافا للمعتزلة والمراد طلب تحسين الأعمال المشروعة باتباعها بمكملاتها المعتبرة شرعا (على) أي في كما في {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} أو إلى (كل شيء) غير الباري تقدس غني بذاته عن إحسان كل ما سواه فشمل الحيوان آدميا أم غيره والنبات لاحتياجه للنمو والملائكة بأن تحسن عشرتهم فلا يفعل ما يكرهه الحفظة ولا يأكل ماله ريح كريه والجن بنحو نيتهم بسلام الصلاة وغير ذلك والإحسان لشياطينهم بالدعاء لهم ككفار الإنس وبالإسلام وفي إفهام كتب إشعار بأنه لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم دينه كما ينشرم خرز القربة المكتوب فيها ذكره الحرالي (فإذا قتلتم) قودا أو حدا غير قاطع طريق وزان محصن لإفادة نص آخر التشديد فيهما وغيره نحو حشرات وسباع فلا حظ لهما في الإحسان على ما قيل لكنه عليل إذ وجوب قتلها لا ينافي إحسان كيفيته وفرع هذا وما بعده على ما قبله مع أن صور الإحسان لا تحصر لكونها الغاية في إيذاء الحيوان [ص:246] فإذا طلب الإحسان إليهما فغيرهما أولى (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف هيئة القتل بأن يختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها زهوقا لكن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن وإلا كلواط وسحر فالسيف (وإذا ذبحتم) بهيمة تحل (فأحسنوا الذبحة) بالكسر بالرفق بها فلا يصرعها بعنف ولا يجرها لتذبح بعنف وبإحداد الآلة وتوجيهها للقبلة والتسمية والإجهاز ونية التقرب بذبحها وإراحتها وتركها إلى أن تبرد وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا ولا يذبحها بحضرة أخرى سيما بنتها أو أمها (وليحد أحدكم) أي كل ذابح (شفرته) بالفتح وجوبا في الكالة وندبا في غيرها وهي السكين وشفرتها حدها فسميت به تسمية للشيء باسم جزئه وينبغي مواراتها منها حال حدها للأمر به في خبر (وليرح) بضم أوله من أراح إذا حصلت له راحة (ذبيحته) بسقيها عند الذبح ومر السكين عليها بقوة ليسرع موتها فترتاح وبالإمهال بسلخها حتى تبرد وعطف ذا على ما قبله لبيان فائدته إذ الذبح بآلة كالة يعذبها فراحتها ذبحها بآلة ماضية والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الإسمية قالوا وهذا الحديث من قواعد الدين
(حم م عد عن شداد بن أوس) الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان ممن أوتي العلم والحكمة

(2/245)


1762 - (إن الله تعالى كتب) أي قضى وقدر يقال هذا كتاب الله أي قدره ومنه {كتب عليكم الصيام} {كتب عليكم القصاص} . قال الزمخشري: سألني بعض المغاربة ونحن بالطواف عن القدر فقلت هو في السماء مكتوب في الأرض مكسوب (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات فمن للبيان وهو مع مجروره حال من حظه ذكره القاضي (أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم أي أصاب ذلك ووصل إليه البتة ولا لنفي الجنس قال الجوهري: حال كونه تغير وحال عن العهد انقلب وحال الشيء بيننا حجز والمحالة الحيلة يقال المرء يعجز لا محالة وقولهم لا محالة أي لا بد قال البيضاوي: وهذا استئناف جواب عمن قال هل يخلص ابن آدم عنه قال ابن رسلان كلما سبق في العلم لا بد أن يدركه لا يستطيع دفعه لكن يلام على صدوره منه لتمكنه من التمسك بالطاعة وبه تندفع شبه القدرية والجبرية وقال الطيبي: الجملة الثانية مترتبة على الأولى بلا حرف الترتيب تعويضا لاستفادته إلى ذهن السامع والتقدير كتب الله ذلك وما كتبه لا بد أن يقع (فزنا العين النظر) إلى ما لا يحل من نحو أجنبية وأمرد (وزنا اللسان المنطق) وفي رواية النطق بدون ميم أي بما لا يجوز وإطلاق الزنا على ما بالعين واللسان مجاز لأن كل ذلك من مقدماته (والنفس تمنى) أي تتمنى فحذف إحدى التاءين أي وزنا النفس تمنيها (وتشتهي) أي اشتهاؤها إياه (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أي إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء وإن ترك ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مكذبا ذكره القاضي وقال الطيبي: سمى هذه الأشياء باسم الزنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدق بالإتيان لما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه والترك قال الزمخشري في قوله كذب عليك الحج كذب كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم وهو في معنى الأمر يريد أن كذب هنا تمثيل لإرادة تلك ما سولت لك نفسك من التواني في الحج وكذا ما نحن فيه من الاستعارة التمثيلية شبه صورة حالة الإنسان من إرساله الطرف الذي هو رائد القلب إلى النظر إلى المحارم وإصغائه الأذن إلى السماع ثم انبعاث القلب إلى الإشتهاء والتمني ثم استدعائه منه فصار ما يشتهى وتمنى باستعمال الرجلين في المشي واليدين في البطش والفرج في تحقيق مشتهاه فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه وإذا امتنع عن ذلك خيبة فيه ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في جانب المشبه به من التصديق والتكذيب ليكون [ص:247] قرينة للتمثيل وقد نظر المحاسبي رضي الله عنه إلى هذا حيث قال:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا. . . لقلبك يوما تعنك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر. . . عليه ولا عن بعضه أنت صابر
قال الطيبي: والإسناد في قوله والفرج يصدقه أو يكذبه مجازي لأن الحقيقي هو أن يسند إلى الإنسان فأسنده إلى الفرج لأنه مصدر الفعل والسبب الأقوى وهذا ليس على عمومه لعصمة الخواص وقد يحتمل بقائه على عمومه بتكلف وبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج زنبه بزنا اللسان بالكلام على زنا الفم بالتقبيل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل ومكذبا له إن لم يحققه فكان الفرج هو الموقع وفيه أن العبد لا يخلق فعل لنفسه لأنه قد يريد الزنا فلا يطاوعه الذكر ولو كان خالقا لفعله لم يعجز عما يريده مع استحكام الشهوة
(ق د ن عن أبي هريرة) قال ابن حجر ورواه أحمد والطبراني أيضا

(2/246)


1763 - (إن الله تبارك) تعاظم (وتعالى) تنزه عما يليق بعلا كماله (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة بكتابتهما (ثم بين) الله تعالى (ذلك) للكتبة من الملائكة حتى عرفوه واستغنوا به عن استفساره في كل وقت كيف يكتبونه (فمن هم بحسنة) أي عقد عزمه عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله تعالى) للذي هم بها أي قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (عنده حسنة كاملة) لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم والعندية للتشريف ومزيد الاعتناء سواء كان الترك لمانع أم لا قيل: ما لم يقصد الإعراض عنها جملة وإلا لم تكتب واطلاع الملك على فعل القلب بإطلاع الله تعالى أو بأن يخلق له علما يدرك به أو بأن يجد للهم بها ريحا طيبة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم أي الحسنة (كتبها الله) أي قدر أو أمر (عنده) تشريفا لصاحبها (عشر حسنات) لأنه أخرجها من الهم إلى ديوان العمل و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبع مئة ضعف) بكسر الضاد أي مثل وقيل مثلين (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع والله يضاعف لمن يشاء قال في الكشاف: مضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل (وإن هم بسيئة فلم يعملها) بجوارحه ولا بقلبه (كتبها الله عنده) عندية تشريف (حسنة كاملة) ذكره لئلا يظن أن كونها مجرد هم ينقص ثوابها وفي خبر مسلم الكف عن الشر صدقة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم (كتبها الله تعالى) عليه (سيئة واحدة) لم يعتبر مجرد الهم في جانب السيئة واعتبره في جانب الحسنة تفضلا منه سبحانه واستثنى البعض الحرم المكي فتضاعف فيه وفيه (ولا يهلك على الله إلا هالك) أي من أصر على السيئة وأعرض عن الحسنات ولم ينفع فيه الآيات والنذر فهو غير معذور فهو هالك أو من حتم هلاكه وسدت عليه سبل الهدى أو من غلبت آحاده وهو السيئات عشراته وهي الحسنات المضاعفة إلى أضعاف كثيرة وأعظم بمضمون هذا الحديث من منة إذ لولاه لما دخل أحد الجنة لغلبة السيئات على الحسنات
(ق عن ابن عباس) ظاهره أن كلا من الشيخين روى الكل ولا كذلك بل الجملة الأخيرة رواها مسلم فقط دون البخاري كما نبه عليه ابن حجر

(2/247)


1764 - (إن الله كتب كتابا) أي أجرى [ص:248] القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به إرادته أزلا إثبات الكاتب على ما في ذهنه بقلمه على اللوح أو قدر وعين مقادير تعيينا بتا يستحيل خلافه (قبل أن يخلق السماوات والأرض) جمع السماوات دون الأرض وهن مثلهن لأن طبقاتها بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها (بألفي عام) كنى به عن طول المدة وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدد فلا ينافي عدم تحقيق الأعوام قبل السماء والأعوام مجرد الكثرة وعدم النهاية مجازا أو العدد من غير حصر فلا ينافي الزيادة ثم الظاهر أن المراد إحداث اللفظ أو ما يدل عليه في علم ملك أو في اللوح أو في كتاب كما قيل {في صحف مكرمة} الآية ولا إشكال وإن أراد الأمر الأزلي فتوجيهه أن المراد بالقبلية مجرد التقدم ومن البين تقدم الأزلي على حدوث كل حادث وما قيل إن الأزلي لا يتصف بالقبلية فهو بالمعنى المذكور ممنوع فإنه لا يقتضي وقوع المقدم في الزمن كتقدم الزمن الماضي على المستقبل فالمعنى أنه تحقق دون خلق السماء وقد تخلل بينهما مقدار كثير فتأمله ليظهر به اندفاع ما لكثيرين هنا (وهو عند) وفي رواية وهو عنده فوق (العرش) أي علمه عند العرش والمكتوب عنده فوق عرشه تنبيها على تعظيم الأمر وقيل لله ما في السماوات وعلى ما مر وجلالة قدر ذلك الكتاب فإن اللوح المحفوظ تحت العرش والكتاب المشتمل على الحكم فوق العرش قال القاضي: ولعل السبب فيه أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك وقضية هذا العالم وهو عالم العدل المشار إليه بقوله بالعدل قامت السماوات والأرض إثابة المطيع وعقاب العاصي حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة لكثرة موجبه ومقتضيه كما قال تعالى {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} الآية. وقبول إثابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه فيه كما قال {وإن ربك لذو مغفرة للناس} أمرا خارجا عنه مترقيا منه إلى عالم العقل الذي هو فوق العرش وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة انتهى وقيل كونه عند العرش عبارة عن كونه مستورا عن جميع الخلق مرفوعا عن حيز الإدراك (وأنه أنزل منه) أي من جملة الكتاب المذكور (الآيتين) اللتين (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلها خاتمتهما وأولهما {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل {لله ما في السماوات} على ما مر (ولا يقرآن في دار) يعني مكان دارا أو خلوة أو مسجد أو مدرسة أو غيرها (ثلاث ليال) في كل ليلة منها وكذا في ثلاث أيام فيما يظهر: إنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانشار الشياطين (فيقر بها شيطان) فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى ومن التقرير المار عرف أنه لا تعارض بين قوله هنا ألفي عام وفي خبر ابن عمر وخمسين ألف سنة على أن اختلاف الزمنين في إثبات الأمر لا يقتضي التناقض لجواز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة بل تدريجيا وفائدة التوقيت تعريفه إيانا فضل الآيتين إذ سبق الشيء بالذكر على غيره يدل على اختصاصه بفضيلته ذكره القاضي تلخيصا من كلام التوربشتي قال الطيبي: وخلاصة ما قرراه: الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ومن جملتها كتابة القرآن ثم خلق الله خلقا من الملائكة وغيرهم فأظهر كتابة القرآن عليهم قبل ان يخلق السماوات والأرض بألفي عام وخص من ذلك هاتين الآيتين وأنزلهما مختوما بهما أولى الزهراوين ونظير الكتابة بمعنى الإظهار على الملائكة قراءة طه ويس عليهم قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام تنبيها على جلالتهما وشرفهما قال: ويجوز أن لا يراد بالزمانين التجريد بل نفس السبق فالمبالغة فيه للشرف والله أعلم بحقيقة الحال قال: والفاء في قوله فيقربها للتعقيب أي لا يوجد ولا يحصل قراءتهما فيتعقبهما قربان الشيطان فالنفي مسلط على المجموع
(ت ن ك عن النعمان بن بشير) وفيه أشعث بن عبد الرحمن قال في الكاشف أبو زرعة وغيره غير قوي وأورده في الضعفاء وقال قال النسائي ليس بقوي ورواه الطبراني قال الهيثمي رجاله ثقات

(2/247)


[ص:249] 1765 - (إن الله تعالى كتب في أم الكتاب) اللوح المحفوظ أو علمه الأزلي (قبل أن يخلق السماوات والأرض: إنني أنا الرحمن) الرحيم أي الموصوف بكمال الإنعام بحلائل الالآء ودقائقها (خلقت الرحم) أي قدرتها (وشققت لها اسما من اسمي) لأن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن فهما من أصل واحد وهو الرحمة أو يقال الرحم مشتقة من الرحمة المشتق منها اسم الرحمن (فمن وصلها وصلته) أي أحسنت إليه وأنعمت عليه (ومن قطعها قطعته) أي أعرضت عنه وأبعدته عن رحمتي ولم أزد له في عمره كما سيجيء في خبر إن صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار قال الحكيم: خلق الله الرحم بيده وشق لها اسما من اسمه ثم أرسل حواشي قميص الرحمة من العرش ليتعلق الخلق بها فمن وصل الرحم فقد تعلق بحاشية القميص ومن قطعها قصرت يده عن حواشي القميص فانقطع عن رحمة الله ولم يبق له إلا رحمة التوحيد. <تنبيه> الرحم ضربان رحم قرابة وولادة ورحم إيمان وإسلام ورحم القرابة نوعان رحم يرث ورحم لا يرث ورحم تجب نفقته بالحكم كالأصول والفروع ورحم لا تجب نفقته بالحكم كالحواشي بل بالصلة والإحسان والصلة تكون بالمال وتكون بالزيارة والإحسان وبالصفح في الأقوال وبالعون في الأفعال وبالألفة بالمحبة والإجتماع وغير ذلك من معاني التواصل هذا في الدنيا وأما فيما بعد الموت فبالاستغفار لهم والدعاء ونحو ذلك ومن الصلة للرحمين تعليمهم ما يجهلون وتنبيههم على ما ينفعهم ويضرهم
(طب) وكذا الأوسط (عن جرير) قال الزين العراقي: وفيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع وهو متروك وتبعه الهيثمي

(2/249)


1766 - (إن الله تعالى كتب) أي فرض (عليكم السعي) بين الصفا والمروة في النسك فمن لم يسع لم يصح حجه عند الثلاثة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه واجب لا ركن فيجير بدم ويصح حجه (فاسعوا) أي اقطعوا المسافة بينهما بالمرور كما يرشد إليه قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية دن إذا نزل من الصفا يمشي فليس المراد بالسعي العدو كما وهم وأصل السعي الإسراع في المشي حسا أو معنى ذكره الحرالي
(طب عن ابن عباس) قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام حج عن الرمل فذكره قال الهيثمي: وفيه الفضل بن صدفة وهو ضعيف انتهى وفي الباب حديث صحيح وهو ما رواه جمع منهم ابن المبارك من حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية عن نسوة من بني عبد الدار قلن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد إلى السعي حتى إذا بلغ زقاق بني فلان استقبل الناس فقال يا أيها الناس اسعوا إن الله قد كتب عليكم السعي قال الذهبي في التنقيح: إسناده صحيح ورواه أيضا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لكن فيه عندهما عبد الله بن المؤمل فيه ضعف قال ابن حجر لكن إذا انضمت إلى رواية الطبراني تقوت

(2/249)


1767 - (إن الله كتب الغيرة) بفتح الغين أي الحمية والأنفة (على النساء) أي حكم بوجود الغيرة فيهن على رجالهن ومن ضرائرهن فليصبرن على جهاد أنفسهن عند ثورانها كما يصبر الرجال على جهاد الأعداء فإن لم تجاهد إحداهن نفسها وشيطانها ذهب كمال دينها وظفر بها شيطانها بتسخطها وظلمها زوجها فضرتها وربما جنت أو أهلكت نفسها فقد قالت امرأة لعمر زنيت فخذني فقال زوجها: ما فعلت بل حملتها الغيرة (والجهاد على الرجال فمن صبر) القياس [ص:250] صبرت لكن ذكره رعاية للفظ من (منهن إيمانا واحتسابا) أي لوجه الله تعالى وطلبا للثواب (كان لها مثل أجر الشهيد) أي إنسان قتل في معركة الكفار بسبب القتال فهذه تقابل وتجبر تلك النقيصة وهي عدم قيامهن بالجهاد الذي كتب على الرجال وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغير بما يصدر عنها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند قال ابن حجر رحمه الله لا بأس به عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه. وخرج بقوله من صبر من لم يصبر فإن أظهرت الضجر والسخط فلا أجر لها أصلا وبقوله إيمانا واحتسابا من صبرت ولم تحتسب صبرها فلا يكون لها أجر شهيد لكن لها أجر في الجملة
(طب) والبزار كلاهما من حديث عبيد بن الصباح عن كامل عن أبي العلاء عن الحكم عن إبراهيم بن علقمة (عن ابن مسعود) قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت امرأة عريانة فقام إليها رجل فألقى عليها ثوبا وضمها إليه فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسبها غيرى ثم ذكره قال البزار لا نعلمه إلا من هذا الوجه وعبيد لا بأس به وكامل كوفي مشهور على أنه لم يشاركه أحد فيه انتهى وقال الهيثمي: فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم ووثقه البزار وبقية رجاله ثقات وقال في الميزان عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وساق هذا الخبر من مناكيره وفي اللسان أورده العقيلي في الضعفاء ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به اه. لكنه في الفتح عزاه للبزار وحده ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم هكذا قال

(2/249)


1768 - (إن الله تعالى كره لكم ثلاثا) أي فعل خصال ثلاث أحدهما اللغو (عند) قراءة القرآن أي التكلم بالمطروح من القول عند تلاوته بل ينبغي الإنصات والاستماع {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وخرج باللغو الكلام لفائدة دينية كتفسير غريبه والبحث في نحو شيء من أحكامه (و) ثانيها (رفع الصوت في الدعاء) فإن من تدعونه يعلم السر وأخفى {وهو معكم أينما كنتم} وفي رواية عند الدعاء أي يسن الإنصات عند دعاء الداعي وعدم اللغو حالتئذ حيث كان ذلك الدعاء مشروعا (و) ثالثها (التخصر في الصلاة) أي وضع اليد على الخاصرة حال الصلاة فيكره تزينها ودعوى أن المراد يتوكأ على عصا فيها أو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين لا يكملها في فريضة بعيد من السياق ولو كثر اللغو حتى أدى إلى التخليط على القارىء أو كان الرفع يؤذي نحو مصل أو كان التخصر كبرا وإعجابا كانت الكراهة للتحريم
(عب عن) أبي نصر (يحيى بن أبي كثير) ضد القليل الطائي مولاهم اليمامي لإمام أحد الأعلام واسم أبيه صالح أو يسار أو دينار من كبار التابعين وعبادهم (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية الإرسال مع ما فيها من الإعلال وهو ذهول فقد خرجه الديلمي من حديث جابر مرفوعا

(2/250)


1769 - (إن الله تعالى كره لكم ستا) من الخصال أي فعلها أولها: (العبث في الصلاة) أي اللعب أي عمل ما لا فائدة فيه (و) ثانيها: (المن في الصدقة) فإنه محبط لثوابها {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن} (و) ثالثها: (الرفث في الصيام) أي الكلام الفاحش فيه (و) رابعها: (الضحك عند القبور) فإنه يدل على قسوة القلب الموجبة للبعد عن الرب بل اللائق إكثار البكاء والقراءة والدعاء (و) خامسها: (دخول المساجد) عبر بصيغة الجمع ليفيد عدم اختصاص النهي ببعضها كمسجده الشريف [ص:251] أو الحرم المكي أو الأقصى (وأنتم جنب) يعني دخولها بغير مكث فإنه مكروه تنزيها أو خلاف الأولى ومع اللبث حرام (و) سادسها: (إدخال العيون البيوت) عمدا (بغير إذن) من أهلها يعني نظر الأجنبي إلى من في داخل بيت غيره بغير إذنه فإنه يكره تحريما ومن ثم جاز لرب الدار أن يخذقه ويفقأ عينه أي إن لم يندفع إلا بذلك
(ص) وكذا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار الحمصي (عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) قال ابن حجر وهو في مسند الشهاب من هذا الوجه وقال ابن طاهر عبد الله بن دينار هو الحمصي وليس المدني وهذا منقطع

(2/250)


1770 - (إن الله تعالى كره لكم البيان كل البيان) أي التعمق والمبالغة في إظهار الفصاحة في النطق وتكلف البلاغة في أساليب الكلام لأنه يجر إلى أن يرى الواحد منا لنفسه فضلا على من تقدمه في المقال ومزية عليه في العلم أو الدرجة عند الله لفضل خص به عنهم فيحتقر من تقدمه ولا يعلم المسكين أن قلة كلام السلف إنما كان ورعا وخشية لله ولو أرادوا الكلام وإطالته لما عجزوا غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله تلاشت عقولهم وانكسرت قلوبهم وقصرت ألسنتهم والبيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة في المعنى <تنبيه> قال الزمخشري: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم والذكاء وأصله الكشف والظهور
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف قال الزين العراقي: ورواه ابن السني في رياض المتعلمين عن أبي أمامة بسند ضعيف

(2/251)


1771 - (إن الله تعالى كريم) أي جواد لا ينفذ عطاؤه (يحب الكرم) لأنه من صفاته وهو يحب من تخلق بشيء منها كما سبق (ويحب معالي الأخلاق) من الحلم ونحوه من كل خلق فاضل لما ذكر (ويكره) لفظ رواية أبي نعيم ويبغض (سفسافها) بفتح أوله المهمل أي رديئها. قال ابن عبد السلام: الصفات الإلهية ضربان: أحدهما يختص به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكون والثاني يمكن التخلق به وهو ضربان: أحدهما لا يجوز التخلق بها كالعظمة والكبرياء والثاني ورد الشرع بالتخلق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء فالتخلق به بقدر الإمكان مرض للرحمن مرغم للشيطان. <تنبيه> قال في الصحاح: السفساف الرديء من الشيء كله والأمر الحفير وقال الزمخشري: تقول العرب شعر سفساف وكل عمل لم يحكمه عامله فقد سفسفه. وكل رجل مسفسف لئيم العطية ومن المجاز قولهم تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف
وسام جسيمات الأمور ولا تكن. . . مسفا إلى ما دق منهن دانيا
(طب حل ك عن سهل بن سعد) قال الحافظ العراقي بعدما عزاه لمن ذكر خلا أبي نعيم إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات

(2/251)


1772 - (إن الله تعالى لم يبعث نبيا ولا) استخلف (خليفة) فضلا عن غيرهما وفي رواية من خليفة كالأمراء فإنهم خلفاء الله على عباده (إلا وله بطانتان) تثنية بطانة بالكسر وليجة وهو الذي يعرفه الرجل بأسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب هنا كما شبه بالشعار في خبر: الأنصار شعار والناس دثار ذكره القاضي (بطانة تأمره بالمعروف) أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه وفي رواية بدل بالمعروف بالخير (وتنهاه عن المنكر) ما أنكره الشرع ونهى [ص:252] عن فعله قال ابن حجر: البطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والمتعدد (وبطانة لا تألوه خبالا) أي لا تقصر في إفساد أمره وهو اقتباس من قوله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} واتستشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي لأنه وإن جاز عقلا أن يكون في من يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور من أن يصغي إليه ولا يعمل بقوله لعصمته وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك وهو قوله (ومن يوق بطانة السوء) بأن يعصمه الله تعالى منها (فقد وقى) أي وقي الشر كله فهذا هو منصب النبوة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يحصل لغيرهم بتوفيقه تعالى وهدايته وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وفيهم من يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء أخرى فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لظهوره وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال ابن التين وغيره يحتمل أن يريد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل الملك والشيطان ويحتمل النفس الأمارة واللوامة إذ لكل منهم قوة ملكية وقوة حيوانية والحمل على الأعم أتم لكن قد لا يكون للبعض إلا البعض وحينئذ فعلى الحاكم أن لا يبادر بما تلقى إليه حاشيته حتى يبحث عنه وأن يتخذ لسره ثقة مأمونا فطنا عاقلا لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبول قول غير موثوق به إذ كان هو حسن الظن فيلزمه التثبت والتدبر ويسأل الله الهداية والتبصر
(خد ت عن أبي هريرة) قال في الكبير صحيح غريب وفي الباب غيره أيضا وهو في البخاري بزيادة ونقص

(2/251)


1773 - (إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم) من الأمراض القلبية والنفسية أو الشفاء الكامل المأمون الغائلة (فيما حرم) بالبناء للفاعل ويجوز للمفعول (عليكم) لأنه سبحانه وتعالى لم يحرمه إلا لخيثه ضنا بعباده وحمية لهم وصيانة عن التلطخ بدنسه وما حرم عليهم شيئا إلا عوضهم خيرا منه فعدولهم عما عوضه لهم إلى ما منعهم منه يوجب حرمان نفعه ومن تأمل ذلك هان عليه ترك المحرم المؤذي واعتاض عنه النافع المجدي والمحرم وإن أثر في إزالة المرض لكنه يعقب بخبثه سقما قلبيا أعظم منه فالمتداوي به ساع في إزالة سقم البدن بسقم القلب وبه علم أنه لا تدافع بين الحديث وآية {منافع للناس} ومحل المنافع المنصوص عليها فيها على منفعة الإتعاظ فإن السكران هو والكلب واحد يلحس في ذا مرة وذا مرة تكلف بارد
(طب) وكذا أبو يعلى كما في الدرر للمصنف (عن أم سلمة) قالت: نبذت نبيذا في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال ما هذا قلت اشتكت ابنة لي فصنعت لها فذكره قال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان والبيهقي باللفظ المذكور قال في المهذب وإسناده صويلح انتهى وقال ابن حجر رحمه الله ذكره ابن خالد تعليقا عن ابن مسعود قال وقد أوردته في تعليق التعليق من طرق صحيحة

(2/252)


1774 - (إن الله تعالى لم يفرض الزكاة) أي لم يوجبها من الفرض وهو الجز في الشيء لينزل فيه ما يسد فريضته حسا أو معنى ذكره الحرالي (إلا ليطيب) بالتشديد ويخفف أي بإفرادها عن المال وصرفها إلى مستحقيها (ما بقي) بعد إخراج الفرض (من أموالكم) أي يخلصها من الشبه والرذائل فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل وهذا مأخوذ من قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ومعنى التطيب أن أداء الزكاة إما أن يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء وإما أن يزكي من تبعة ما لحقه به من إثم منع حق الله (وإنما فرض المواريث) زاد ابن أبي حاتم [ص:253] من أموالكم (لتكون) في رواية لتبقى (لمن بعدكم) من الورثة وقوله وإنما فرض إلخ معطوف على قوله إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ولم يفرض المواريث إلا لتكون لمن بعدكم والمعنى لو كان مطلق الجمع وضبطه محظورا لما افترض الله الزكاة ولا الميراث (ألا) حرف تنبيه (أخبركم بخير ما يكنز) بفتح أوله (المرء) فاعل يكنز (المرأة الصالحة) أي الجميلة العفيفة الدينة فإنها خير ما يكنز وادخارها أنفع من كنز الذهب والفضة قال الطيبي: المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف والجملة الشرطية بيان (إذا نظر إليها سرته) أي أعجبته لأنه أدعى لجماعها فيكون سببا لصون فرجها ومجيء ولد صالح (فإذا أمرها أطاعته) في غير معصية (وإذا غاب عنها) في سفر أو حضر (حفظته) في نفسها وماله كما في خبر آخر ولابن ماجه وإن أقسم عليها أبرته قال الطيبي: ووجه المناسبة بين المال والمرأة تصور الانتفاع من كل منهما وأنهما نوعا هذا الجنس ولذلك استثنى الله من أتى الله بقلب سليم من قوله {يوم لا ينفع مال ولا بنون} وقوله إذا غاب عنها حفظته مقابل لقوله إذا نظر إليها سرته وقوله إذا أمرها أطاعته دلالة على حسن خلقها وسبب الحديث أنه لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على المسلمين فقال عمر: أنا أفرج عنكم فقال: يا نبي الله كبر على أصحابك هذه الآية فقال: إن الله ما فرض الزكاة إلا لتتطيب ما بقي من أموالكم فكبر عمر رضي الله عنه فقال ألا أخبركم إلى آخره قال القاضي: لما بين لهم أنه لا حرج عليهم في كنز المال ما داموا يؤدون زكاته ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهو المرأة الصالحة الجميلة فإن الذهب لا ينفع الرجل ولا يغنيه إلى إن فر عنه والمرأة ما دامت معه رفيقته ينظر إليها فتسره ويقضي عند الحاجة منها وطره ويشاورها فيما يعن له فتحفظ سره ويستمد منها في حوائجه فتطيع أمره وإذا غاب عنها تحامي ماله وتراعي عياله ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذره وتربي زرعه فيحصل بسببها ولد يكون له وزيرا في حياته وخليفة بعد وفاته لكفى
(د ك هق) كلهم في الزكاة (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرطهما وأقر الذهبي في التلخيص في الزكاة ورده في التهذيب في التفسير فقال عثمان القطان أي أحد رجاله لا أعرفه والخبر عجيب انتهى وقال فيه المهذب فيه عثمان أبو اليقظان ضعفوه انتهى وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه

(2/252)


1775 - (إن الله) أي اعلم يا من جاءنا يطلب من الصدقة إن الله قد اعتنى بأمر الصدقة وتولى قسمتها بنفسه (لم يرض بحكم نبي) مرسل (ولا غيره) من ملك مقرب أو جهبذ مجتهد (في الصدقات) أي في قسمتها على مستحقيها (حتى حكم فيها هو) أي أنزلها مقسومة في كتابه واضحة جليلة قال الطيبي: وقوله هو تأكيد إذ ليس هنا صفة جرت على غير من هي له وحتى بمعنى إلى (فجزأها ثمانية أجزاء) مذكورة في قوله {إنما الصدقات} إلى آخر الآية وتمام الحديث فإن كست من تلك الأجزاء أعطيتك قال الحرالي: وإذا تولى الله سبحانه إدانة حكم أنهاه إلى الغاية في الإفصاح وفيه رد على المزني منا في صرفه خمسها لمن له خمس الغنيمة ورد على أبي حنيفة رضي الله عنه والثوري والحسن رضي الله عنهما في صرفها لواحد ومالك رضي الله عنه في دفعها لأكثرهم حاجة وفيه إشارة إلى أن الزكاة على هذا النمط من خصائص هذه الأمة وأنها علية الشأن عند الله لكونه تولى شرع قسمتها بنفسه ولم يكله إلى غيره وناهيك به شرفا وقد ورد مثل هذا الخبر للمواريث في خبر ضعفه ابن الصلاح بلفظه إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب ولكن قسمها بنفسه
(د) في الزكاة (عن زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد المهملة صحابي نزل من مصر فقال قال رجل يا رسول الله أعطني من هذه الصدقة فذكره ثم قال فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك وفيه كما قال الذهبي في المهذب عبد الرحمن بن زياد وهو الإفريقي ضعيف انتهى وكذا قال المناوي ثم هذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه

(2/253)


[ص:254] 1776 - (إن الله لم يبعثني معنتا) أي شقاء على عباده (ولا متعنتا) بتشديد النون مكسورة أي طالب للعنت وهو العسر والمشقة (ولكن بعثني معلما) بكسر اللام مشددة (ميسرا) من اليسر قال الحرالي: وهو حصول الشيء عفوا بلا كلفة وهذا قاله لعائشة رضي الله عنها لما أمره الله بتخيير نسائه فبدأ بها فخيرها فاختارته وقال يا رسول الله لا تقل إني اخترتك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه: لما كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة أو النار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطي علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة من غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلها وإن كانوا أذكياء وعلماء ألا ترى هذه الأمة ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجما ولم ينطلق عليه اسم الترجمة؟ فعلمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن لهم
(م عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في السنن وغيره

(2/254)


1777 - (إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا) أي في الرزق الذي رزقناه (أن نكسو الحجارة واللبن) بكسر الباء (والطين) قاله لعائشة رضي الله عنها وقد رآها أخذت غطاء فسترته على الباب فهتكه أو قطعه وفهم منه كراهة ستر نحو باب وجدار لأنه من السرف وفضول زهرة الدنيا التي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يمد عينيه إليها بقوله {ولا تمدن عينيك} الآية والكراهة للتنزيه عند جمهور الشافعية لا للتحريم إذا كان غير حرير خلافا لبعضهم وليس في قوله لم يأمرنا بذلك ما يقتضي التحريم إذ هو إنما يبغي الوجوب والندب
(م د) كلاهما في اللباس (عن عائشة) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد خرجه البخاري أيضا في اللباس وهو في مسلم مطولا ولفظه عن زيد بن خالد عن أبي طلحة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل قال أي زيد فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك قالت لا ولكن سأحدثكم بما رأيت رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال إن الله إلخ

(2/254)


1778 - (إن الله تعالى لم يجعل لمسخ) أي الآدمي ممسوخ قردا أو خنزيرا (نسلا ولا عقبا) يحتمل أنه لا يولد له أصلا أو يولد له لكن ينقرض في حياته يعني فليس هؤلاء القردة والخنازير من أعقاب من مسخ من بني إسرائيل كما توهمه بعض الناس ثم استظهر على دفعه بقوله (وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك) أي قبل مسخ من مسخ من الإسرائيليين فأنى لكم في أن هذه القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الممسوخ؟ هذا رجم بالغيب قال السهيلي: وفي الحديث رد على زعم ابن قتيبة أن أل في قوله تعالى {وجعل منهم القردة والخنازير} يدل على أن القردة والخنازير من نسل أولئك الذين مسخوا وقد أنكر بعض الحكماء المسخ وقال إن الإنسان هو الهيكل المشاهد والبينة المحسوسة فإذا بطل وتعلق في تلك الأجساد تركيب للقرد وشكله كان ذلك إعداما للإنسان وإيجادا للقرد ويرجع حاصل المسخ على هذا إلى أنه تعالى أعدم الإعراض التي باعتبارها كانت قردا فهذا يكون إعداما وإيجادا لا مسخا الثاني لو جوزنا ذلك لما أمنا في كل ما نراه قردا أو كلما أنه كان إنسانا عاقلا فيفضي إلى الشك في المشاهدات وأجيب [ص:255] عن الأول بأن الإنسان ليس هو تمام الهيكل لأن هذا الإنسان قيد يصير سمينا بعد أن كان هزيلا وبالعكس والأجزاء متبدلة والإنسان المعنى هو الذي كان موجودا والثاني غير الزائل فالإنسان أمر وراء هذا الهيكل المحسوس وذلك الأمر إما أن يكون جسيما ساريا في البدن أو حالا في بعض جوانبه كالقلب أو الدماغ أو موجود مجرد وعلى كل تقدير فلا امتناع في نفاذ ذلك السر مع تطرق المسخ إلى هذا الهيكل وعند الثاني بأن الأمان يحصل بإجماع الأمة فثبت بما قلنا جواز المسخ <تنبيه> قال ابن العربي رضي الله عنه: قوله الممسوخ لا ينسل دعوى وهذا أمر لا يعلم بالفعل وإنما طريق معرفته الشرع وليس في ذلك أثر يعول عليه انتهى وهو غفول عجاب مع ثبوته في أصح كتاب ثم رأيت الحافظ الزين العراقي قال قال ابن العربي قولهم الممسوخ لا ينسل دعوى غلط منه مع ثبوته في مسلم <فائدة> قال الحافظ الزين العراقي: لو تحقق أن آدميا مسخ في صورة ما يؤكل لحمه فهل يحرم أو يحل؟ لم أر لأصحابنا فيه كلاما وقد قال ابن العربي بحله لأن كونه آدميا زال انتهى. والحديث بإطلاقه يعارض هذا الحديث الآتي فقدت أمة من الأمم قال الجوهري والمسخ أي أصله تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها
(حم م عن ابن مسعود) قال قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك لقد سأت لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر شيء منه بعد حله ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب النار أو عذاب في القبر كان خيرا فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ فقال إن الله إلخ

(2/254)


1779 - (إن الله تعالى لم يجعلني لحانا) بالتشديد أي كثير الحن في الكلام بل لساني لسان عربي مبين مستقيم وصيغة المبالغة هنا ليست على بابها والمراد نفي اللحن مطلقا وإن قل (اختار لي خير الكلام كتابه القرآن) ومن كتابه القرآن كيف يلحن لا تنقضي آياته ولا تتناهى على مر الزمان معجزاته قل أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء ورفعوا رؤوسهم من بدائعه وصنائعه تعجبا فمن القرآن خلقه ولسانه كيف يلحن
(الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب له (عن أبي هريرة) قال: قلنا يا رسول الله ما رأينا أفصح منك فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يقف عليه لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور

(2/255)


1780 - (إن الله لم يخلق خلقا هو أبغض إليه من الدنيا) وإنما أسكن فيها عباده ليبلوهم أيهم أحسن عملا (وما نظر إليها) نظر رضى (منذ خلقها بغضا لها) كذا هو بخط المصنف وذلك لأن أبغض الخلق إلى الله من آذى أولياءه وشغل أحبابه وصرف وجوه عباده عنه وحال بينهم وبين السير إليه والإقبال عليه والدنيا مبغوضة لأوليائه شاغلة لهم عنه فصارت بغيضة له لخداعها وغرورها فهي فتنة ومحنة حتى لكبار الأولياء وخواص الأصفياء لكن الله ينصرهم ويظفرهم وقصد الخبر التنبيه على أنه لا ينبغي طلب الدنيا إلا لضرورة ولا يتناول منها إلا تناول المضطر من الميتة إذ هي سم قاتل فالعاقل يطلب منها قدر ما يصان الوجه به على تكره منها لكونها بغيضة لله وعلى توق من سمها وحذر من غدرها وغرورها
(ك في التاريخ) المشهور قال التاج السبكي ولا نظير له (عن أبي هريرة) وفيه داود بن المحبر قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان يضع الحديث على الثقات والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي متروك ورواه البيهقي في الشعب مرسلا

(2/255)


[ص:256] 1781 - (إن الله تعالى لم يضع) أي ينزل (داء إلا وضع له شفاء) فإنه لا شيء من المخلوقات إلا وله ضد فكل داء له ضد من الدواء يعالج به قال القرطبي رحمه الله: هذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر عن الصادق البشير عن الخالق القدير {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه والداء والدواء كلاهما بفتح الدال والمد وحكى كسر دال الدواء (فعليكم بألبان البقر) أي الزموا تناولها (فإنها ترم) بفتح المثناة وبضم الراء (من كل الشجر) أي تجمع منه وتأكله وفي الأشجار كغيرها من النبات منافع لا تحصى منها ما علمه الأطباء ومنها ما استأثر الله بعلمه واللبن يتولد منها ففيه بعض تلك المنافع فربما صادف الداء الدواء والمستعمل لا يشعر
(حم عن طارق) بالقاف (ابن شهاب) بن عبد شمس البجلي صحابي يعد في الكوفيين له

(2/256)


1782 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم) أي الكبر فإنه لا دواء له البتة قال ابن حجر رحمه الله: استثنى في الحديث الآتي الموت وهنا الهرم فكأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة أو القربة إلى الموت وإفضائه إليه ويحتمل أنه استثناء منقطع والتقدير لكن الهرم لا دواء له (فعليكم بألبان البقر) أي الزموها (فإنها ترم من كل الشجر) قد تضمن هذا الخبر وما قبله وبعده إثبات الأسباب والمسببات وصحة علم الطب وجواز التطيب بل ندبه والرد على من أنكره من غلاة الصوفية قال الحكماء: والطبيب معذور إذا لم يدفع المقدور
(ك عن ابن مسعود) عبد الله ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما

(2/256)


1783 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) فإذا شاء الله الشفاء يسر ذلك الدواء على مستعمله بواسطة أو دونها فيستعمله على وجهه وفي وقته فيبرأ وإذا أراد هلاكه أذهله عن دوائه وحجبه بمانع فهلك وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه وما أحسن قول من قال:
والناس يرمون الطبيب وإنما. . . غلط الطبيب إصابة المقدور
علق البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو الكمية نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمن صالحا للدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع منع تأثيره لم يحصل البرؤ ومتى تمت المصادفة حصل قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال:
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة. . . ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام مدته. . . حار الطبيب وخانته العقاقير [ص:257]
(إلا السام) بمهملة مخففا (وهو الموت) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه قال ابن القيم: والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم: وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل
(ك عن أبي سعيد) الخدري ونحوه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان

(2/256)


1784 - (إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها) بفتح المثناة تحت وشدة الطاء وكسر اللام كما في النهاية (منكم مطلع) مفتعل اسم مفعول أصله موضع الإطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض (1) والمراد أنه لم يحرم على البشر شيئا إلا وقد علم أنه سيطلع على وقوعه منهم (ألا) حرف تنبيه (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة بمهملة فجيم فزاي وهي محل العقدة من الإزار (أن تهافتوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تتهافتوا (في النار) من الهفت السقوط وأكثر ما يستعمل التهافت في الشر (كما بتهافت الفراش (2) والذباب) في نار الدنيا فالرسول بأوامره ونواهيه شبيه لمن يأخذ بعقدة الإزار التي هي مجمع الجذب والأخذ عادة لكونها أجمع شيء يقع الجذب به ومع ذلك تغلب الشهوة على النوع البشري ويسقط في الحرمة كما يتساقط الفراش والذباب في النار لتوهمه أنها نور {وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} قال الحرالي: والتحريم تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشيء لدناءته والحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه
(حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المسعودي وقد اختلط
_________
(1) ويحتمل أن مطلع اسم فاعل والمعنى لم يحرم الله على الآدميين حرمة إلا وقد علم الله أن بعضهم سيقع فيها
(2) جمع فراشة بالفتح دويبة تطير في الضوء وتوقع نفسها في النار أي أخاف عليكم إن ارتكبتم ما حرم الله عليكم أن تسقطوا في النار كما يسقط الفراش والذباب فيها فبالإمساك كناية عن الأمر والنهي

(2/257)


1785 - (إن الله تعالى لم يكتب على الليل (1) صياما فمن صام تعنى) بفتح المثناة فوق والمهملة ونون مشددة أي أدخل نفسه في العناء أي المشقة (ولا أجر له) لمخالفته للمشروع فيحل فيه الفطر بل يجب لحرمة الوصال علينا وذلك لأن النهار معاش فكان الأكل فيه أكلا في وقت انتشار الخلق وتعاطي بعضهم من بعض فيأنف عنه المرتقب والليل سبات ووقت توف وانطماس فبدأ فيه من أمر الله ما احتجب ظهوره في النهار وكان المطعم بالليل طاعم من ربه الذي هو وقت تجليه ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فكان الطاعم في الليل إنما أطعمه الله وسقاه فلم يقدح ذلك في معنى صومه وإن ظهر وقوع صورته في حسه كالناسي بل المأذون له أشرف رتبة منه ذكره الحرالي وغيره
(ابن قانع) في معجم الصحابة (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) كلاهما من حديث عبادة بن سني (عن أبي سعد الخير) [ص:258] صوابه كما في التقريب وغيره سعد وأبو سعيد الخير بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية الأنماري صحابي شامي وقيل اسمه عامر بن سعد له حديث واحد وهو هذا قال في التقريب: ووهم وصحف من خلطه بأبي سعيد الحبراني وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلا ولا أشهر ممن ذكره وهو عجيب فقد خرجه الترمذي في العلل عن أبي فروة الرهاوي عن معقل الكناني عن عبادة بن سني عن أبي سعد الخير أيضا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: ما أراه إلا مرسلا وما أرى عبادة سمع من أبي سعد قال البخاري: وأبو فروة صدوق لكن ابنه محمدا روى عنه مناكير ورواه ابن منده عن أبي سعد أيضا بلفظ إن الله لم يكتب عليكم صيام الليل فمن صام فليتعن ولا أجر له. قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه وفيه معقل الكناني قال ابن حجر: لا أعرفه إلا في هذا الحديث وقد ذكره البخاري وغيره ولم يعرفه إلا فيه
_________
(1) يحتمل أن الياء من على مشددة وأن صياما تمييز محول عن المفعول وأصله لم يكتب علي صيام الليل وإن كانت الرواية بعدم تشديد الياء فعلى بمعنى في

(2/257)


1786 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها) فيه خذف وتقديره لما خلقها نظر إليها ثم أعرض عنها بقرينة الحديث الآتي عقبه (فلم ينظر إليها) بعد ذلك نظر رضى وإلا فهو ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لاضمحلت فلم يبق لها أثر ولا خبر وذلك (من هوانها عليه) أي حقارتها لما أنها قاطعة طريق الوصول إليه وعدوة لأوليائه لأنها تزينت لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه فإنها استدرجتهم بمكرها واقنتصتهم بشبكتها فوثقوا بها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها. قيل لحكيم: ما مثل الدنيا قال: هي أحقر من أن يكون لها مثل وقال بعضهم: من نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوضي الله لم ينظر إليه منذ خلقه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) أرسل عن جمع كثير من الصحابة

(2/258)


1787 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها) بإنقضائها ولأوصافها الذميمة ولأفعالها القبيحة والنظر الثابت المذكور هنا هو نظر الخلق والتقدير والنظر المنفي فيما قبله نظر الرضى عنها (ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك (1) إلا في شرار خلقي) أي في قلوب شرارهم ومن ثم كان أكثر القرآن مشتمل على ذمها والتحذير منها وصرف الخلق عنها وتظافرت على ذلك الكتب الإلهية وتطابقت عليه الشرائع وتوامأت عليه الأمم حتى من أنكر البعث وأما أهل الثروة والغناء من الصدر الأول فلم تكن الدنيا في قلوبهم بل في أيديهم لصرفهم لها في وجوه الطاعات وعدم شغلهم بها عن الله <تنبيه> العارف تزداد محبته في الله سبحانه وتعالى كلما سلبه شيئا من أمور الدنيا والآخرة لأنه أوقفهم على حدود عبوديتهم ولا يتجاوز بهم إلى رؤية شركتهم له في شيء من الوجود فهم راضون عنه في حال سلبهم كرضاهم حال نسبة الأمور إليهم
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) بفتح الهمزة وسكون اللام وضم المثناة الفوقية أي كما أنزلت حبك والانهماك عليك إلخ ووجدت نسخة مضبوطة بالقلم لا أنزلنك بضم الهمزة وكسر الزاي وفتح اللام وشدة النون

(2/258)


1788 - (إن الله تعالى لما) أي حين (خلق الخلق كتب بيده على نفسه) أي أنبت في علمه الأزلي قال القاضي: يعني أنه لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه فشبه حكم الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق [ص:259] إليه تغيير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكام أمر عقد عليه سجلا وحفظة ليكون حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف (إن رحمتي تغلب غضبي) أي غلبت عليه بكثرة آثارها (1) ألا ترى أن قسط الخلق من الرحمة أكثر من قسطهم من الغضب لنيلهم إياها بلا استحقاق وأن قلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ ولا يعجل بالعقوبة عليهم إذا عصوه بل يرزقهم ويقبل توبتهم وما تعلق بالرحمة والفضل أحب إليه من فعل ما تعلق بالغضب
(ت هـ عن أبي هريرة) وورد بمعناه من عدة طرق
_________
(1) المراد بالغلبة سعة الرحمة وشمولها للخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادة عقوبة العاصي وإثابة المطيع وصفاته تعالى لا توصف بغلبة إحداهما للأخرى وإنما هو على سبيل المجاز للمبالغة وقال الطيبي الحديث على وزان قوله تعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله تعالى عفو كريم يتجاوز عنه بفضله وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته. . . لمخلف أيعادي ومنجز موعدي

(2/258)


1789 - (إن الله تعالى ليؤيد) يقوي وينصر من الأيد وهو القوة كأنه يأخذ معه بيده في الشيء الذي يقويه فيه وذكر اليد مبالغة في تحقق الوقوع (الإسلام برجال ما هم من أهله) أي من أهل الدين لكونهم كفارا ومنافقين أو فجارا على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام على الحد الذي حده وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمنه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والأول هو الملائم للسبب الآتي وقد يقال الأقرب الثاني لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب فيه

(2/259)


1790 - (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين) أي الدين المحمدي بدليل قوله في الخبر الآتي إن الله يؤيد هذا الدين (بالرجل الفاجر) واللام للعهد والمعهود الرجل المذكور أو للجنس ولا يعارضه خبر مسلم الآتي إنا لا نستعين بمشرك لأنه خاص بذلك الوقت وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مشركا كما قال ابن المنير فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام أنه مطروح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وخلعه لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع جوره وهذا قاله لما رأى في غزوة حنين رجلا يدعي الإسلام يقاتل شديدا: هذا من أهل النار فجرح فقتل نفسه من شدة وجهه فذكره والمراد بالفاجر الفاسق إن كان الرجل مسلما حقيقة أو الكافر إن كان منافقا أي الإمام الجائر أو العالم الفاسق أو المجاهد في سبيل الله
(طب عن عمر بن نعمان بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء وبالنون المزني. قال ابن عبد البر: له صحبة وأبوه من أجلة الصحابة قتل النعمان شهيدا بوقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين ولما جاء نعيه خرج عمر فنعاه على المنبر وبكى وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول شنيع وسهو عجب فقد قال الحافظ العراقي إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقال المناوي: رواه البخاري في القدر وغزوة خيبر ورواه مسلم من حديث أبي هريرة مطولا قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حنينا فقال لرجل مما يدعي الإسلام: هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا فأصابته جراحة قيل يا رسول الله الرجل الذي قلت آنفا إنه من أهل النار قاتل قتالا [ص:260] شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم في النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم كذلك إذ قيل إنه لم يمت لكن به جرحا شديدا فلما كان الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وممن رواه الترمذي في العلل عن أنس مرفوعا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال حديث حسن حدثناه محمد بن المثنى. اه. فغزو المصنف الحديث للطبراني وحده لا يرتضيه المحدثون فضلا عمن يدعي الاجتهاد

(2/259)


1791 - (إن الله تعالى لبتلي المؤمن) أي يختبره ويمتحنه (وما يبتليه إلا لكرامته عليه) لأن للابتلاء فوائد سنية وحكما ربانية منها ما لم يظهر إلا في الآخرة ومنها ما ظهر بالاستقراء كالنظر إلى قهر الربوبية والرجوع إلى ذل العبودية وأنه ليس لأحد مفر من القضاء ولا محيد عن القدر ولأن الله حرم الجنة على من في قلبه خبث فلا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين {وطبتم فادخلوها خالدين} فمن تطهر في الدنيا من البلايا والمصائب ولقي الله طاهرا من خبثه دخلها بغير تعوق ومن لم يتطهر منها فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت عارضية دخلها بعد تطهيره بالنار وفيه فضل الابتلاء ولا يلزم منه طلبه بل المأمور به طلب العفو والعافية كما في أخبار مر بعضها ويأتي بعضها (الحاكم) أبو أحمد (في) كتاب (الكنى) بضم الكاف وكذا ابن منده وابن أبي شيبة وقاسم بن أصبع كلهم من حديث عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة الضمري عن أبيه (عن) جده (أبي فاطمة الضمري) بصري روى عن كثير بن مرة وغيره قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يحب أن يصح ولا يسقم فابتدرنا فقلنا: نحن يا رسول الله فعرفنا في وجهه الكراهة فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمر الصيالة قالوا: لا قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب كفارات فوالذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء ما يبتليه إلا لكرامته عليه وعبد الله وأبوه قال أبو يعلى في مسنده لم أعرفها وأبو فاطمة يقال له الليثي ويقال له الدوسي الأزدي وقيل هما اثنان وقال الكمال بن أبي شريف تبعا لشيخه ابن حجر رحمه الله تعالى أبو فاطمة في الصحابة ثلاثة الأول الضمري الأزدي بصري روى عنه كثير بن مرة وغيره ولعله هذا والثاني الليثي بصري له صحبة وهذا أيضا يمكن أن يقال إنه المتقدم والثالث الأنصاري الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك بالصوم لم يصح حديثه وليس هو هذا وروى الحاكم في المستدرك بلفظ إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب وقال على شرطهما وأقره الذهبي

(2/260)


1792 - (إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن) أي المصدق بلسانه وقلبه (بالبلاء) فيصب عليه في الدنيا البلاء صبا ليصب عليه في الأخرى الأجر صبا والأمراض والمصائب في الظاهر نكبة وفي الباطن تحفة إذ بذلك يرجع العبد إلى ربه ويتفكر أن هذا صنعه وتدبيره فهي هدايا من الله سبحانه والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به والمراد هنا المراجعة والمعاودة مرة بعد أخرى (كما يتعاهد الوالد ولده بالخير) فيسلبه محبوبه العاجل الشاغل عنه ليصرف وجهه إليه ويحمله المكاره ليهرب منه إليه ويقبل بكلتيه عليه لأن الحبيب يحب مواجهة حبيبه ويفتح له المنهج إلى تقريبه (وإن الله ليحمي عبده) أضافه إليه للتشريف (المؤمن من الدنيا) أي يمنعه منها ويقيه أن يتلوث بدنسها كيلا يمرض قلبه بداء حبها وممارستها (كما يحمى المريض أهله الطعام) لئلا يزيد مرض بدنه بتناوله فهو إنما يحميه لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة وما تقول في الوالد المشفق الغني إذا منع ولده رطبة أو تفاحة يأكلها وهو أرمد ويسلمه إلى معلم غليظ يابس ويحبسه [ص:262] طول النهار عنده ويضجره ويحمله إلى الحجام ليحجمه فيوجعه ويقلقه: أتراه فعل ذلك به لبخل أو هوان به أو قصد إيذاء له؟ لكن لما علم أن صلاحه فيه وأن بهذا التعب القليل يصل إلى خير كثير ونفع عظيم وما تقول في الطبيب الحاذق المحب إذا منع المريض شربة ماء وهو ظمآن وسقاه شربة دواء كريه أقصده إيذاء بل هو نصح وإحسان لما علم أن في إعطائه شهوة ساعة هلاكه رأسا والغرض من التشبيه الواقع في هاتين الجملتين بيان كمال الاعتناء والشفقة والمحبة
(هب وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة ابن الأبيض (عن حذيفة) قال: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة والذي نفس حذيفة بيده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه اليماني بن المغيرة قال الذهبي: ضعفوه

(2/260)


1793 - (إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن) من (الدنيا) أي يحفظه من مال الدنيا ومناصها ويبعده عما يضر بدينه منها (وهو يحبه) أي والحال أنه يحبه (كما تحمون مريضكم الطعام) أي من تناول الطعام (والشراب تخافون عليه) أي لكونكم تخافون عليه من تناول ما يؤذيه منها أي والحال أنكم تخافون عليه من ذلك وذلك لأنه سبحانه وتعالى خلق عباده على أوصاف شتى فمنهم القوي والضعيف والوضيع والشريف فمن علم من قلبه قوة على حمل أعباء الفقر الذي هو أشد البلاء صبر على تجرع مرارته أفقره في الدنيا ليرفعه على الأغنياء في العقبى ومن علم ضعفه وعدم احتماله وأن الفقر ينسيه ربه صرفه عنه لأنه لا يحب أن عبده ينساه أو ينظر إلى من سواه فسبحان الحكيم العليم <تنبيه> قال في الحكم: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه <تنبيه> قال العارف الجيلاني: للنفس حالان ولا ثالث لهما حال عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالبا الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة لله بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من البلاء فربما ردت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من الله بها ليكفها عن المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها
(حم عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد) الخدري

(2/262)


1794 - (إن الله تعالى ليرفع) لفظ رواية الطبراني ليدفع بالدال (بالمسلم الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه البلاء) أي بسبب كونه بين أظهرهم لكرامته على ربه أو بسبب دعائه والأول أقرب وتمام الحديث عند مخرجه الطبراني {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ولا يعارضه مدح البلاء فيما قبله لأن المراد به هنا الشاغل عن الله أو عبادته أو العاري عن الصبر الموقع لصاحبه في التضجر والتسخط الموجب للخذلان والأول في خلاف ذلك ويظهر بأن المراد بالمئة التكثير لا التحديد فإن حد الجوار يزيد على ما ذكر إذ حد الجوار أربعون دارا من كل جانب
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وفال الهيثمي: فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف وفي الميزان يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أو داود وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن عدي بين الضعف ثم أورد له هذا الخبر

(2/262)


[ص:262] 1795 - (إن الله تعالى ليرضى عن العبد) المؤمن أي يرحمه ويثيبه (أن) علة ليرضى أي لأجل أن (يأكل) بفتح همزة أن أي بسبب أن يأكل أو وقت أكله (الأكلة) بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل أي الغدوة أو العشوة كذا اقتصر عليه جمع منهم النووي في رياضه لكن ضبطه بعضهم بالضم وقال هي اللقمة (أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها) يعني يرضى عنه لأجل أحد هذين الفعلين أيا كان وليس هو بشك من راو خلافا خلافا لزاعمه وفيه أن أصل سنة الحمد تحصل بأي لفظ اشتق مادة ح م د بل بما يدل على الثناء على الله والأولى كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحمد به وسيأتي وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى {ورضوان من الله أكبر} في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعارا بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جدا أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من الله شيئا وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها ويسن خفض صوته به إذا فرغ لم يفرغ رفقته لئلا يكون منعا لهم <تنبيه> قال بعض الأكابر: هذا فيمن حمد حمدا مطيعا له طالبا حسن العمل طاهر النفس غير ملتفت إلى رشوة من ربه خالصا من قلبه فإنه إذا كان كذلك وختمه بكلمة الصدق رضي الله عنه بصدقه وأما من حمد على خلاف ذلك فحمده مدحول يخشى أن لا يستوجب الرضى فإن رضى الله عن العبد خطب جليل وشأن رفيع والحمد مع استيلاء الغفلة وترك الأدب مع الله إنما هو حمد السكارى الحيارى الذين لا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم فهيهات هيهات
(حم م ت ن) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري

(2/262)


1796 - (إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة) عن كل شيء (حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر) هو كل ما قبحه الشرع كما سبق (أن تنكره) فمن رأى إنسانا يفعل معصية أو يوقع بمحترم محذورا ولم ينكر عليه مع القدرة فهو مسؤول عنه في القيامة معذب عليه إن لم يدركه العفو الإلهي والغفر السبحاني وفي خبر أبي نعيم عن ابن عباس مرفوعا لا يقفن أحدكم على أحد يضرب ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه (فإذا لقن الله العبد حجته (1)) أي ألهمه إياها (قال يا رب رجوتك) أن تسامحني من الرجاء وهو التوقع والأمل وهمزته منقلبة عن واو (وفرقت) أي خفت (من الناس) أي من أذاهم قال البيهقي هذا فيمن يخاف سطوتهم ولا يستطيع دفعها عن نفسه وإلا فلا يقبل الله معذرته بذلك قال الغزالي: فالعمل على الرجاء أغلب منه على الخوف وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله أوحى إليه فرقت بينك وبين يوسف لقولك {أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له
(حم هـ حب عن أبي سعيد) الخدري قال العلائي: إسناده لا بأس به وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد
_________
(1) قال في النهاية الحجة الدليل والبرهان

(2/262)


1797 - (إن الله تعالى ليضحك (1)) أي يدر رحمته ويجزل مثوبته يقال ضحك السحاب إذا صب ماء والمراد بضحكه [ص:263] سبحانه لازمه إذ الضحك في هذا وما أشبهه التجلي لمن ذكر حتى يراه في الدنيا بعين بصيرته وفي الآخرة رؤية عيان كما جاء به القرآن فالضحك بمعنى الظهور والتجلي كما يقال ضحك الشيب إذا ظهر قال:
لا تعجبي يا هند من رجل. . . ضحك المشيب برأسه فبكى
(إلى ثلاثة) من الناس الأول (الصف في الصلاة) أي الجماعة المصطفون في الصلاة على سمت واحد حسبما أمروا به (و) الثاني (الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان يقوم (يصلي في جوف الليل) أي بتهجد فيه (و) الثالث (الرجل يقاتل) الكفار (خلف الكتيبة (2)) أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائها يجعلها كالترس يتقي بها والمقصود بالحديث الحث على الاصطفاف في الصلاة لما فيه من عظيم الثواب وعلى التهجد والجهاد
(هـ عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) قال الدميري الضحك استعارة في حق الرب سبحانه لأنه لا يجوز عليه تغيير الحالات فهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وإنما المراد الرضى بفعل هؤلاء والثواب عليه وحمد فعلهم لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقة ما يرضيه وسروره به
(2) الكتيبة بمثناة فوقية فتحتية فموحدة أي يقاتل الكفار أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من وراءهم وفي نسخة وللرجل بلام الجر في الموضعين. اه

(2/262)


1798 - (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه) ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين يطلع معنى ينظر أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر وفيه كلام سيجيء (إلا لمشرك) بالله يعني كافر وخص الشرك لغلبته حينئذ (أو مشاحن) أي معاد والشحناء العداوة قال الطيبي: لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء قال في الكشاف: ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة
(هـ) من رواية ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب (عن أبي موسى) قال الزين العراقي وابن لهيعة حاله معروف والضحاك لا يعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير ابن لهيعة والضحاك بن عبد الرحمن لم يسمع من أبي موسى قاله أبو حاتم وقد اختلف على ابن لهيعة أيضا انتهى ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح

(2/263)


1799 - (إن الله ليعجب) من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشيء خارجا عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنفه قاله الحرالي (من الشاب) أي يعظم عنده قدرا فيجزل له أجره لكونه (ليست له صبوة) أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر قال حجة الإسلام: وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب وقال القونوي: سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنا وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب وهل الأفضل ما نشأ لا صبوة له لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحا لكونه قلع عن الشهوات لله بعد إلفه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوة لله؟ قولان وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول. ثم إنك قد عرفت معنى التعجب وعبر عنه بعضهم بعبارة أخرى فقال: أصله استعظام الشيء واستكباره لخروجه عن العادة وبعده من العرف وذلك مما ينزه عن مثله الباري فيؤول بما ذكر فكأنه أكبر ما أتى به هذا الشاب من الأمر البعيد عن أوصاف العبيد فهو على منهج المدح لمن لم يصب وقد يأتي التعجب من فعل المنكر إذا عظم وقعه وفحش قبحه على جهة الإنكار (تتمة) قال العارف ابن عربي: لما تعجب المتعجب مما خرج عن صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده وغضب لتوليه. وأبغض بعده وأحب قربه وتبشبش لتدليه فعبر بذلك تقريبا لأفهام العرب. فهذه [ص:264] أرواح مجردة تنظرها أشباح مسندة فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة تنسم الأرواح ويتجلى الفتاح ويتقد المصباح ويشعشع الراح ويظهر الورد الصراح ويزول الإلحاح
(حم طب) وكذا أبو يعلى (عن عقبة بن عامر) أي الجهني قال الهيثمي وإسناده حسن وضعفه ابن حجر في فتاويه لضعف ابن لهيعة راويه

(2/263)


1800 - (إن الله تعالى ليملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر (للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} فإمهاله عين عقابه (حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته (لم يفلته) أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبدا بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمنا لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبيا من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال
(ق) البخاري في التفسير ومسلم في الأدب (ت) في التفسير (هـ) في الفتن كلهم (عن أبي موسى) الأشعري

(2/264)


1801 - (إن الله ليتبع) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فباء موحدة أي يطالب كذا رأيته مضبوطا بالقلم في نسخ هذا الجامع لكن في تأليف للزين العراقي مضبوطا بالقلم بنفع بمثناة نحتية فنون ففاء من النفع ومثله في الحلية لأبي نعيم والميزان ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه من هذا الجامع ينفع بنون وفاء مبينة مضبوطة وحينئذ فمعناه ينفع (العبد بالذنب) الذي (يذنبه) لأن الذنب سبب فرار العبد إلى الله من نفسه ودنياه والاستعاذة به والالتجاء إليه من عدوه والذنب لا يسقط العبد من عين الله ولا يخرجه عن موالاته وإنما يسقط بالإصرار وبترك التوبة والإعراض عن الله بطلب ملاذ نفسه وشهواتها وإنما الذنب آفة تلحق العبد فينكب بها ويخجل من أجلها فينتعش من صرعته بتوبته وهي سبب الوصلة لخواص العباد والقرب إلى الله قال الداراني: ما عمل داود عملا أتم من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى ربه حتى وصل إليه وقال ابن عطاء الله: ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} وقال: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول رب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. اه. وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك
(حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ثم قال غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد لم نكتبه إلا من حديث مضر بن نوح السلمي اه ومضر قال في الميزان فيه جهالة وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ وعبد العزيز بن أبي رواد قد سبق بيان حاله ورواه أبو نعيم من طريق آخر فيه عبد الرحيم بن هارون وقد قالوا كان يكذب ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح والزين العراقي غير محفوظ

(2/264)


1802 - (إن الله تعالى محسن) أي الإحسان له وصف لازم ولا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد (فأحسنوا) إلى عباده بالقول والفعل فإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين. قال بعض العارفين: أصل العبودية لله ودوران أحوالها على أمرين تعظيم قدرة الله والإحسان إلى خلق الله وقال العارف ابن العربي: الإحسان صفة الله وهو المحسن المجمل والإحسان [ص:265] الذي به سمي العبد محسنا أن يعبد الله كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله {على كل شيء شهيد} {وهو معكم أينما كنتم} فشهوده لكل شيء هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل به العبد فهو من إحسانه تعالى إذ هو الذي نقله ولهذا سمي الإنعام إحسانا فإنه لا ينعم عليك إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن دائما وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن
(عد عن سمرة) بن جندب

(2/264)


1803 - (إن الله تعالى مع القاضي) بتأييده وتسديده وإعانته في أقضيته ومتعلقاتها فهي معية خاصة (ما لم يحف) أي يتجاوز حدود الله التي حدها لعباده وخرج بذلك ما لو اجتهد فأخطأ فإنه معذور حيث لم يقصر في اجتهاده (عمدا) فإنه حينئذ يتخلى عنه ويتولاه الشيطان لاستغنائه به عن الرحمن
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع (حم عن معقل بن يسار) قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب

(2/265)


1804 - (إن الله تعالى مع القاضي) بما ذكر (ما لم يجر) أي يظلم (فإذا جار) في حكمه (تبرأ الله منه) لفظ رواية الترمذي وابن ماجه تخلى الله عنه (وألزمه الشيطان) أي صيره قرينه ملازما له في سائر أقضيته لا ينفك عن إغوائه {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} وفي أصول صحيحة ولزمه الشيطان بدون همزة وبما تقرر من أن المعية في هذا وما قبله وبعده معنوية لا ظرفية علم أنه من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على وازن {إن الله مع المتقين} {إن الله مع الصابرين}
(ك) في الأحكام (هق) كلاهما (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يخرج في شيء من الكتب الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي وابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن أبي أوفى المذكور لكنهما قالا تخلى الله عنه بدل تبرأ منه قال المنذري: رووه كلهم من حديث عمران وصححه الحاكم وحسنه الترمذي والقطان فيه كلام معروف

(2/265)


1805 - (إن الله تعالى مع الدائن) أي من أخذ الدين على نفسه بإعانته على وفاء دينه (حتى يقضي دينه) أي يوفيه إلى غريمه ولا يعارضه استعاذة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الدين لأن كلامه هنا فيمن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قدرة على وفائه غالبا ويريد قضاءه كما يشير إليه قوله (ما لم يكن دينه فيما يكره الله) فهو الذي يكون الله في عونه على قضائه أما المستدين في مكروه لله كراهة تحريم أو تنزيه أو لا يجد لقضائه سبيلا أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه
(تخ هـ ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وله شواهد كثيرة

(2/265)


1806 - (إن الله تعالى هو الخالق) لجميع المخلوقات لا غيره (القابض) أي الذي له هذه الصفة وهي إيقاع القبض والإقتار بمن يشاء وإن اتسعت أمواله قال الحرالي: والقبض إكمال الأخذ أصله القبض باليد كلها (الباسط) لمن يشاء من عباده وإن ضاقت حاله والبسط توسعة المجتمع إلى حد غايته (الرزاق) من شاء من عباده ما شاء (المسعر) أي الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه قال الطيبي: هذا [ص:266] جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير وأكد بأن وضمير الفصل وتعريف الخبر ليدل على التأكيد ثم رتب الحكم على الوصف المناسب فمن حاول التسعير فقد عارض الخالق ونازعه في مراده ومنع العباد حقهم مما أولاهم الله في الغلاء والرخص فبين أن المانع له من التسعير ما في ضمن ذلك من كونه ظلما للناس في أموالهم لكونه تصرفا فيها بغير إذنهم بقوله (وإني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله تعالى) في القيامة (ولا يطلبني) أي يطالبني (أحد بمظلمة) بالفتح وكسر اللام اسم لما أخذ ظلما (ظلمتها إياه) أي ظلمته بها (في دم) أي في سفكه (ولا مال) أراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم قهرا وهو كأرش الجناية وإنما أتى بمظلمة توطئة له ذكره الطيبي قال: وعطف قوله ولا مال على قوله ولا دم وجيء بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي وهذا أصل في إيجاب الإمام الأعظم العدل على نفسه وأفاد أن التسعير حرام لأنه جعله مظلمة وبه قال مالك والشافعي وجوزه ربيعة وهو مذهب عمر لأن به حفظ نظام الأسعار وقال ابن العربي المالكي: الحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون ليس فيه مظلمة لأحد من الطائفتين وما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم لكن على قوم صحت نياتهم وديانتهم أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى. اه. وفصل قوم بين الغلاء والرخص ومن مفاسد التسعير تحريك الرغائب والحمل على الامتناع من البيع والجلب المؤدي إلى القحط والغلاء قال القاضي: والسعر القيمة التي يقدر بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع والتسعير تقديرها
(حم د ت هـ حب هب) في البيع كلهم (عن أنس) قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سعر لنا فذكره قال الترمذي حسن صحيح

(2/265)


1807 - (إن الله تعالى وتر) أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (يحب الوتر) أي صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولا حسنا قال القاضي: وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة قال ابن عربي: فتعين عليك أن تكون من أهل الوتر في جميع أفعالك حتى تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى بقوله في الخبر الآتي فأوتروا إلى آخره فإذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاث فإن كل عين عضو مستقل وإذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وإذا شربت الماء في حسواتك اجعله وترا حتى إنك إذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات تنقطع هكذا جربته وقال الحكيم الترمذي: خلق الله الأشياء على محبوب الوتر واحدا وثلاثا وخمسا وسبعا فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة ثم تزيد واحدا بمحمد صلى الله عليه وسلم باب الرحمة والتوبة وهو أصل الأبواب وأبواب السجن سبعة وعمال الله مقسومون على سبعة أجزاء وظلال الآدميين سبعة والأيام سبعة وأرزاقهم سبعة وعبادتهم على سبع جوارح ثم افترض على العباد خمس صلوات وهي وتر وعدد ركعاتها سبعة عشر وهي وتر وأم القرآن آياتها وتر وأدنى القراءة واحد وهي آية وأدنى التسابيح واحد في الركوع والسجود وفرض الحج في يوم تاسع الحجة والزكاة في كل مائتين خمسة دراهم والعشور من كل عشرة واحد وافترض على العباد حفظ سبع جوارح وجعل التقوى في سبعة وأسماءه تسعة وتسعون والقلب وتر وخالقه وتر فأظهر الله محبوبه في عامة الأشياء فللعبد في الوتر من النوال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فمن صلاه كان كمن دخل محل الملك من السرير يعتذر إليه من عمل نهاره ومن تقصيره
(ابن نصر) محمد في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة وعن ابن عمر) بن الخطاب قضية [ص:267] صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أو لأنه وجد كذلك لكن عدل عنه لكونه معلولا وهو ذهول فقد أخرجه احمد والبزار باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور وقال الهيثمي: ورجاله رجال موثوقون

(2/266)


1808 - (إن الله تعالى وتر) أي فرد لا من جهة العدد بل من حيث إنه غير مزدوج كما مر (يحب الوتر) أي يتقبله ويثيب عليه (فأوتروا) أي اجعلوا صلاتكم وترا بضم الوتر إليها أو صلوا الوتر والفاء جزاء شرط محذوف كأنه قال إذا هديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا فإن من شأن أهل القرآن الكدح في ابتغاء مرضات الله وإيثار محابه (يا أهل القرآن) أراد المؤمنين المصدقين له المنتفعين به وقد يطلق ويراد به القراءة ذكره القاضي قال العليمي: وإنما خص الثناء بهم في مقام الفردية لأن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد فكأنه قيل إن الله واحد يحب الوحدة فوحدوه يا أهل التوحيد انتهى
وزعم الخطابي أن فيه دلالة على عدم وجوب الوتر وإلا لعم غير أهل القرآن وهم عرفاء القراء والحفاظ دون العوام وأنت خبير بعدم إصابته للصواب إذ لم يذهب أحد إلى ما اقتضاه كلامه من اختصاص ندب الوتر بعرفاء القرآن وحفاظه دون غيرهم بل لو ذهب إليه ذاهب لكان خارقا للإجماع بلا دفاع والأولى أن يحمل الأمر على الندب جمعا بينه وبين خبر هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع
(ت) من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين وحسنه لكن ابن ضمرة تكلم فيه غير واحد (هـ عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم الهجري ضعفه ابن معين وغيره واقتصاره على غير هذين يؤذن بتفردهما به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي وغيره للأربعة جميعا

(2/267)


1809 - (إن الله تعالى وضع عن أمتي) أمة الإجابة (الخطأ والنسيان (1) وما استكرهوا عليه) قالوا فيه أن طلاق المكره لا يقع إلا إن نواه أو ظهرت منه قرينة اختيار قال ابن حجر حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه وهذا القسم معفو عنه اتفاقا وإنما اختلف هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فبدليل منفصل
(هـ) في الطلاق (عن ابن عباس) قال الزيلعي: سنده ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المذكور وقال الهيثمي وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر أخرجه الفضل التميمي في فوائده بإسناد ابن ماجه بلفظ رفع بدل وضع ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير فادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بن عطاء وابن عباس وأخرجه الحاكم والدارقطني انتهى
_________
(1) قال المحققون قاعدة الفقهاء أن النسيان والجهل يسقطا الإثم مطلقا أما الحكم فإن وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة

(2/267)


1810 - (إن الله تعالى وضع) أي أسقط (عن المسافر) من السفر وهو إزالة الكن عن الرأس (الصوم) أي صوم رمضان (وشطر) وفي رواية للنسائي ونصف (الصلاة) أي نصف الرباعية لما يحتاجه المسافر من الغذاء لوفور نهضة في عمله في سفره وأن وقت غذائه بحسب البقاع لا بحسب الاختيار إذ المسافر متاعه [ص:268] على قلة إلا من وقى الله والسفر قطعة من العذاب فخفف عنه لئلا يجتمع على العبد كلفتان فتتضاعف عليه المشقة دينا ودنيا فإذا خلف عنه الأمر من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه آخر ديني قال القاضي: والصوم منصوب عطف على شطر ولا يجوز عطفه على الصلاة لفساد اللفظ والمعنى أما لفظا فإنه لو عطف عليه لزم منه العطف على عاملين مختلفين وهو غير جائز وأما معنى فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره والمراد بالوضع وضع الأداء ليشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه فيصح نسبته إليهما إذ الصوم غير موضوع مطلقا فإن قضاءه واجب عليهم بخلاف شطر الصلاة قال الخطابي: وقد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر متفرقة في الحكم وذلك أن النظر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يقضى. قال الحافظ العراقي: وفيه جواز الفطر والقصر للمسافر وإطلاق الكل وإرادة البعض لأنه قال شطر الصلاة وإنما وضع عنه شطر ثلاث صلوات على أن الشطر قد يطلق على غير النصف وأن الصوم والإتمام كانا واجبين ثم نسخ
(حم 4 عن أنس بن مالك) الكعبي (القشيري) أبو أمية صحابي نزل البصرة قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إليه وهو يأكل فقال: اجلس فاصبر من طعامنا قلت: إني صائم قال: اجلس أحدثك عن الصلاة والصيام إن الله وضع إلخ صحح الترمذي حديثه هذا وقال ما له غيره. قال الحافظ العراقي: وهو كما قال لا يعرف له حديث رفعه إلا هذا وأما من أطلق أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث فغير صحيح فإنه روى له حديث آخر في جمع القرآن رواه الخطيب وغيره وفي هذا الحديث قصة وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: وعن المرضع والحبلى هذا نص الحديث ثم إنه ليس في رواية الترمذي الصوم

(2/267)


1811 - (إن الله تعالى وكل) بالتشديد من التوكل بمعنى التسليط والقيام بشأن تلك الخدمة (بالرحم) قال الحرالي: هو ما تشتمل على الولد من أعضاء التناسل يكون فيه تخليقه من كونه نطفة إلى كونه خلقا آخر (ملكا) بفتح اللام (يقول) الملك عند استقرار النطفة في الرحم التماسا لإتمام الخلقة (أي رب) أي يا رب هذه (نطفة) أي مني (أي رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (أي رب) هذه (مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكون فيها أم لا فيقول نطفة عند كونها نطفة ويقول علقة عند كونها علقة فبين القولين أربعون يوما وليس المراد أنه يقول في وقت واحد وإلا لزم كون النطفة علقة ومضغة في آن واحد (فإذا أراد الله) سبحانه وتعالى (أن يقضي خلقه) بفتح فسكون أي يأذن في إتمام خلقه (قال) الملك (أي رب شقي أو) وفي رواية أم (سعيد) من السعداء وقدم الاستفهام عن الشفاء لكثرة ما تراه الملائكة من مخالفة البشر المستحقة بها للعذاب (ذكرا أو أنثى) كذلك وقدم الذكر لشرفه وأصالته والخنثى ذكر أو أنثى عند الله فليس قسما ثالثا يسأل عنه (فما الرزق) أي أي شيء قدره فأكتبه (فما الأجل) يعني فأي مدة قدر أجله فأكتبه (فيكتب) بصيغة المجهول أو المعلوم (كذلك) أي مثل ما يؤمر به (في بطن أمه) أي وهو في بطنها أو والحال أنه في بطنها قبل بروزه إلى هذا العالم فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أم سعيد فيكتبه الملك في صحيفة فلا يزاد عليه ولا ينقص إلى يوم القيامة كما في رواية مسلم وفي حديث أنه يكتب بين عينيه ولا مانع من كتابته فيهما <تنبيه> وعلم مما تقرر أن قوله نطفة علقة مضغة بالرفع خبر مبتدأ محذوف وقال الكرماني: ويجوز النصب أي جعلت المني نطفة في الرحم أو صار نطفة أو خلقت أنت نطفة قال وقوله أذكر مبتدأ وقد يخصص بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصلح للابتداء به وروي أذكرا بالنصب أي أتريد
(حم ق عن أنس) بن مالك

(2/268)


[ص:269] 1812 - (إن الله تعالى وهب لأمتي) أمة الإجابة (ليلة القدر) أي خصهم بها (ولم يعطها من كان قبلهم) من الأمم السابقة فهذا كما ترى صريح في أنها من خصوصياتنا وأشار بقوله وهب إلى عظمها وكثرة المواهب والعطايا فيها وأنها خليقة أن يمتن بها
(فر عن أنس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني ممن يضع الحديث

(2/269)


1813 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون) من الوصل ضد القطع (الصفوف) بحيث لا يبقى فيها ما يسع واقفا أي يغفر لهم ويأمر ملائكته بأن يستغفروا لهم. قال الفخر الرازي: ولا يصح كونها بمعنى الدعاء لأنه غير معقول المعنى في حقه تعالى لأن الدعاء للغير يقتضي طلب نفعه من ثالث وهو هنا محال وتقييد الصف في الحديث الآتي بالأول للأكثرية لا لإخراج غيره كما يصرح به ما يأتي (ومن سد فرجة) بضم أوله خللا بين المصلين في صف (رفعه الله بها) أي بسبب سده إياها (درجة) في الجنة زاد في رواية ودرت عليه الملائكة من البر وهذا وارد على منهج تأكد سد الفرج في الصفوف وكراهة تركها مع عدم العذر. <تنبيه> قال ابن عربي: الخلل في الصفوف طرق الشيطان والطريق واحدة وهي سبيل الله فإذا انقطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراص لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الخط فصفوف المصلين لا تكون في سبيل الله حتى تتصل ويتراص الناس فيها فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيله ولا يكون السبيل إلا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارغ لا نقطة فيه وحينئذ يظهر صورة الخط فكذا الصف لا يظهر فيه سبيل الله حتى يتراص الناس فيه
(حم هـ حب ك) في الصلاة (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال مغلطاي حديث مختلف في إسناده لاختلاف حال رواية إسماعيل بن عياش

(2/269)


1814 - (إن الله وملائكته) أي عباده المقربين المصطفون المصفون من أدناس البشر الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (يصلون على الصف الأول) أي على أهله وهو الذي يلي الإمام أي يستغفرون لأهله قال تعالى {ويستغفرون لمن في الأرض} (1) وتمام الحديث عند أحمد وغيره قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني قال وعلى الثاني اه بلفظه
(حم د هـ) في الصلاة (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب ولفظ رواية أبي داود عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قال في الرياض إسناده حسن (هـ عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة (طب عن النعمان بن بشير) الأنصاري (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والبزار وغيرهما [ص:270] رجال أحمد موثقون
_________
(1) لما روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثا وللثاني مرتين وللثالث مرة فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه ثم الذي يليه وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها

(2/269)


1815 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف والمراد يستغفرون لهم أولا أو كثيرا اهتماما بشأنهم ثم يستغفرون لمن على اليسار لأن الاستغفار مخصوص بهم بدليل الخبر الآتي: من عمر ميسرة المسجد (1)
(د هـ حب عن عائشة) سكت عليه أبو داود قال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه سنده صحيح على شرط مسلم
_________
(1) قال الغزالي: ينبغي لداخل المسجد أن يقصد يمنة الصف فإنها يمن وبركة وإن الله تعالى يصلي على أهلها اه. قلت: وهذا إذا كان فيها سعة ولم يؤذ أهلها ولا تتعطل ميسرة المسجد فإن قلت: ينافي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازي ذلك أو يزيد وقد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بسبب نيته وإخلاصه وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات فلما حث النبي صلى الله عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك

(2/270)


1816 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) أي الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى فلذلك كان السحور متأكد الندب جدا
(حب طس حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الطبراني تفرد به يحيى بن زيد الخولاني قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه اه. وقال أبو نعيم غريب من حديث نافع لم يروه إلا عبد الله ابن سليمان المعروف بالطويل وعنه عبد الله بن عياش القتباني تفرد به إدريس بن يحيى الخولاني وهو عند أهل مصر كبشر بن الحارث عند أهل بغداد اه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا إلا لمن ذكر والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور وقد سبق أو يجيء قول الحافظ ابن حجر إذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره ممن دونه وخرجه أيضا الجوهري في أماليه من حديث ابن عمر بلفظ غذاء المؤمن السحور وإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين قال المصنف يحصل من مجموع الطرق حسن الحديث

(2/270)


1817 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم) جمع عمامة أي الذين يلبسون العمائم (يوم الجمعة) ويحضرون صلاتها وأخذ منه حجة الإسلام ندب التعميم وتأكده في هذا اليوم قال فإن كربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها لكن لا ينزعها في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر ولا في خطبته اه (1)
(طب) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمر الحنفي عن أيوب ابن مدرك عن مكحول (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي: أيوب بن مدرك كذبه ابن معين وقال تلميذه الهيثمي فيه أيوب بن مدرك. قال ابن معين كذاب اه وفي الميزان واللسان عن مرة كذاب وعن النسائي متروك له مناكير ثم عد من مناكيره هذا الحديث اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا أصل له تفرد به أيوب قال الأزدي: هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني اه ولم يتعقبه المؤلف بشيء سوى أنه قال اقتصر على تضعيفه الزين العراقي وابن حجر ولم يزد على ذلك وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب
_________
(1) ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة

(2/270)


[ص:271] 1818 - (إن الله تعالى لا يجمع أمتي) أي علماء أمتي ولفظ رواية الترمذي لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد وهو تردد من الراوي (على ضلالة) لأن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع في النوازل فاقتضت الحكمة حفظها. قال الطيبي: وقوله أمة محمد أظهر في الدراية لأن التخصيص يدل على امتياز أمته عن جميع الأمم بهذه الفضيلة فيلزم منه امتياز الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة من الفرق الضالة فلذلك عقبه بقوله (ويد الله على الجماعة) كناية عن الحفظ أي الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ورعايته (ومن شذ) انفرد عن الجماعة قال الطيبي: ومعنى على كمعنى فوق في قوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من بايع الإمام الحق فكأنما بايع الله ومن بايع الله فإنه ينصره ويخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم ومن فارقهم فقد خلع ربقة الطاعة من عنقه وخرج عن نصرة الله فدخل النار قالوا: وفي قوله ومن شذ للعطف على معنى الحصول في الوجود وتفويض ترتب الثانية على الأولى إلى فهم السامع الزكي الفطن ويحتمل لأن يضمن يد الله معنى الإحسان والإنعام بالتوفيق على استنباط الأحكام وعلى الإطلاع على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه من الاعتقاد (شذ إلى النار) أي إلى ما يوجب دخولها فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية فالشذوذ الانفراد وشذ عن الجماعة انفرد عنهم
(ت عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الضياء في المختارة بلفظ إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا وإن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار قال ابن حجر رحمه الله في تخريج المختصر: حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول فقد قال الحاكم لو كان محفوظا حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال فذكرها وذلك مقتضى للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف

(2/271)


1819 - (إن الله تعالى لا يحب الفاحش) أي ذا الفحش في قوله وفعله بل يبغضه كما صرح به الحديث الآتي بقوله إن الله يبغض الفاحش إلخ والفحش اسم لكل خصلة قبيحة. وقال الحرالي: اسم لكل ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث من الشرع والعقل والطبع (المتفحش) أي الذي يتكلف ذلك ويتعمده يعني الفاحش المتفحش صنعا (ولا الصياح) بفتح المهملة وشد المثناة تحت الصراخ (في الأسواق) أي كثير الصراخ في الشوارع والطرق ومجامع الناس كما يفعله السوقة والدلالون ونحوهم فيكره ذلك أما صياح نحو الدلال والمنادي ومعرف اللقطة ومنشد الضالة بقدر الحاجة فلا يكره
(خد) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر) قال الزين العراقي: وسنده ضعيف قال ولابن أبي الدنيا الطبراني عن أسامة بن زيد إن الله لا يحب الفاحش المتفحش وسنده جيد انتهى وفي مسلم من حديث عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش

(2/271)


1820 - (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) قال الزمخشري: هو استطراق النكاح وقتا بعد وقت كلما تزوج أو تزوجت مد عينه أو مدت عينها إلى آخر أو إلى أخرى قال: وهذا من المجاز وقول النهاية السريع النكاح السريع الطلاق فيه نظر لأن الحديث مصرح كما ترى بأن المذموم المبغوض أن يتزوجها أو تتزوجه بقصد ذوق عسليتها أو عسليته ثم تحصل المفارقة وقد يكون النكاح وسرعة الفراق لا لذلك وفيه أنه يكره التزوج بقصد ذلك لكنه يصح وذلك لأن مقصود النكاح النسل [ص:272] ودوام العشرة وحصول الألفة وسرعة المفارقة مفوتة لذلك مع ما فيه من كسر القلب وتولد الضغائن وتمسك به الحنفية على منع إباحة الطلاق إلا لضرورة
(طب عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن

(2/271)


1821 - (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) الذي يصافيه الود ويخلصه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول (من أهل الأرض) يعني أماته (فصبر) العبد المؤمن على قضاء الله تعالى (واحتسب) أي طلب بفقده الاحتساب أي الثواب عند الله تعالى (بثواب دون الجنة) أي دون إدخاله إياها مع السابقين الأولين أو من غير عذاب أو بعد عذاب يستحق ما هو فوقه وهذا مرشح لما ذهب إليه ابن عبد السلام في طائفة من أن المصائب لا ثواب فيها بل في الصبر عليها لكونها ليست من كسب العبد وذهب آخرون إلى خلافه وتأولوا هذا وما أشبهه
(ن عن ابن عمرو) بن العاص

(2/272)


1822 - (إن الله لا يستحيي) أي لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يفعل ما يفعله المستحيي من ترك ما يستحيا منه فالاستحياء هنا استعارة تبعية تمثيلية فالمراد أن الله لا يمتنع من بيان (الحق) أو من ذكره فكذا أنا لا أمتنع من إرشادي لكم وتعليمكم أمر دينكم وإن كان في لفظه استحياء وقدم ذلك توطئة وبسطا لعذره في ذكره ما يستحيا منه عادة بحضرة النساء (لا تأتوا النساء) نساءكم أي تجامعوهن (في أدبارهن (1)) لأنه ليس محل الحرث ولا موضع الزرع وإذا حرم وطء الحائض بعلة أن في فرجها أذى وهو دم الحيض فالدبر أولى لأن الفرج الحلال إذا حرم بطرق الأذى عليه فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم قال الطيبي: وفي جعل قوله " إن الله لا يستحيي " إلى آخره مقدمة وتمهيدا للنهي بعد إشعاره بشناعة هذا الفعل واستهجانه وكان من حق الظاهر إني لا أستحيي فأسند إليه تعالى للمبالغة والتأكيد ومن ثم اتفق الجمهور من السلف والخلف على تحريمه
(ن) في عشرة النساء (هـ) في النكاح (عن خزيمة) بضم المعجمة (ابن ثابت) قال المنذري: روياه بأسانيد أحدها جيد
_________
(1) قال الدميري اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوانات في حال من الأحوال قال العلماء وقوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي في موضع الزرع من المرأة وهو قبل المرأة التي ينزرع فيها المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء مكبوبة وأن الدبر ليس هو موضع حرث ولا موضع زرع ومعنى قوله {أنى شئتم} أي كيف شئتم

(2/272)


1823 - (إن الله تعالى لا يظلم) أي لا ينقص (المؤمن) وفي روايات مؤمنا (حسنة) أي لا يضع أجر حسنة المؤمن (يعطي) بالبناء للمفعول أي المؤمن (عليها) وفي رواية بها أي بتلك الحسنة أجرا في الدنيا وهو دفع البلاء وتوسعة الرزق وغير ذلك (ويثاب عليها في الآخرة) أي يثيبه الله أي يجازيه عليها برفع درجاته في الجنة فهو يجازي على حسناته في الدنيا وفي الآخرة (وأما الكافر) إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيرا وأنقذ غريقا (فيطعم بحسناته في الدنيا) أي يجازي فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك وقال في المؤمن يعطى وفي الكافر يطعم لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته (حتى إذا أفضى إلى الآخرة) أي صار إليها (لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا) قال الطيبي: قوله لا يظلم أي لا ينقص وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما [ص:273] مؤمنا والآخر حسنة والياء في قوله يعطى بها إن حملت على السيئة يحتاج إلى مقدر أي يعطى بسببها حسنة وإن حملت على البدل فلا. وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى ويفضل عليه في الدنيا وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب
(حم م) في التوبة (عن أنس) ولم يخرجه البخاري

(2/272)


1824 - (إن الله تعالى لا يعذب) بنار جهنم (من عباده إلا المارد المتمرد) أي العاتي الشديد المفرط في الاعتداء أو العناد (الذي يتمرد على الله) فأشرك معه غيره (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي مع قرينتها وبقية شروطها وهذا كخبر لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان وقد عورض بخبر أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ودفع التعارض بحمل الإيمان العاصم عن النار على الإيمان العلمي والعملي وخلافه على خلافه
(هـ عن ابن عمر) قال قالت امرأة يا رسول الله أليس الله أرحم الراحمين قال بلى قالت أوليس أرحم بعباده من الأم بولدها؟ قال بلى قالت فإن الأم لا تلقي ولدها في النار فأكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبكي ثم رفع رأسه فذكره وفيه هشام بن عمار وسبق قول أبي داود فيه وإبراهيم بن أعين قال في الكاشف ضعفه أبو حاتم وإسماعيل بن يحيى الشيباني قال متهم وقال في الضعفاء قال يزيد بن هارون كذاب انتهى

(2/273)


1825 - (إن الله لا يغلب) بضم أوله وفتح ثالثه إذ لا ضد له ولا ند ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فهو الغالب القاهر فوق عباده (ولا يخلب) بخاء معجمة أي لا يخدع (ولا ينبأ بما لا يعلم) أي لا يخبره أحد بشيء لا يعلمه {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} {لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} بل هو عالم بجميع الأمور ظاهرها وخفيها كليها وجزئها على المذهب المنصور وقول الحكماء يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي أطيل في رده وحق من علم أنه تعالى موصوف بذلك أن يقف على قدم الأدب ويعمل على قضية ما هو شأنه من العجز وعدم مقاومة قهر الربوبية في شيء ولا يخادعه فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه
(طب عن معاوية) قال الهيثمي فيه يزيد بن يوسف الصغائي ضعيف متروك

(2/273)


1826 - (إن الله لا يقبض العلم) المؤدي لمعرفة الله والإيمان به وعلم أحكامه إذ العلم الحقيقي هو ذلك (انتزاعا) مفعول مطلق قدم على فعله وهو ينتزعه أي محوا يمحوه قيل ولا يجوز تقديمه لأنه مؤكد ورتبته التأخير لأنه كالتابع فيكون إما منصوبا بفعل يفسره ما بعده وإما مفعول لقوله لا يقبض (من) صدور (العباد) الذين هم العلماء لأنه أكرم الأكرمين وهو وهبهم إياه فلا يسترجعه (ولكن يقبض العلم) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التعظيم كما في قوله تعالى {الله الصمد} بعد {قل هو الله أحد} (بقبض العلماء) أي بموتهم فيقبض العلم بتضييع [ص:274] التعلم فلا يوجد فيمن بقي من يخلف من مضى وفي رواية للبخاري بدل هذا لكن ينتزعه منهم بقبض العلماء بعلمهم وتقديره ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه نوع قلب وفي رواية لكن ذهابه قبض العلماء ومعانيها متقاربة قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة لكن الحديث دل على عدم وقوعه (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) بضم أوله وكسر القاف (عالما) وفي رواية يبق عالم بفتح الياء والقاف وفي رواية إذا لم يترك وعبر بإذا دون إن إيماء إلى أنه كائن لا محالة بالتدريج (اتخذ) أصله يتخذ قلبت الهمزة تاء ثم أدغمت التاء في التاء (الناس رؤساء) روي بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وروي بفتحها وهم آخره جمع رئيس قال النووي كلاهما صحيح لكن الأول أشهر والمراد بالناس جميعهم فلا يصح أن الناس اتخذوا رؤوسا جهالا إلا عند عدم العالم مطلقا فسقط ما توهم من أن إذا شرطية ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط ومن وجوده وجوده لكنه ليس كذلك لجواز حصول الإيجاد مع وجود العالم وهذا حث على لزوم العلم (جهالا) جهلا بسيطا أو مركبا (فسئلوا) بالبناء للمجهول وضميره يعود إلى رؤساء (فأفتوا بغير علم) في رواية برأيهم أي استكبارا وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل. وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم وأن قبض العلم موت حملته لا محوه منهم ولا يلزم من بقاء القرآن حينئذ بقاء العلم لأنه مستنبط منه ولا يلزم من المستنبط نفي المستنبط منه والعالم وإن كان قارئا فهو أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم وفيه جواز خلو الزمان عن مجتهد وعليه الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وترئيس أهل الجهل ويلزمه الحكم بالجهل وهذا كما قال الكرماني: تعم القضاة الجاهلين إذ الحكم بشيء يستلزم الفتوى به ثم إن ذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة إلخ محل ذا على أصل الدين وذاك على فروعه أو أنه لا يقبض العلم إلى زمن مبادىء الأشراط قبل استحكام نهايتها فإذا أزفت الآزفة وأفرط قرب قيام الساعة وما أمر الله زال الكل فيحمل الخبر على زمنين مختلفين يزول التعارض من البين (تتمة) قال الراغب: لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمن الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة الأنبياء وحكمهم على الخاصة ظاهرهم وباطنهم والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة وصلاح العالم برعاية أمر هذه الساسات لتخدم العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة وفساده في عكس ذلك ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصابا لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار
(حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال أحمد قال ذلك في حجة الوداع وفي الباب عن أبي أمامة أيضا وزاد فقال أعرابي يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد نعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا؟ فرفع رأسه وهو مغضب فقال هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلموا منها فيما جاءهم أنبياؤهم انتهى فأفاد أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا قال ابن حجر: قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام فوقع لنا من روايته أكثر من سبعين نفسا عنه

(2/273)


1827 - (إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي مرخيه إلى أسفل كعبيه أي لا يثيب رجلا على صلاة أرخى [ص:275] فيها إزاره اختيالا وعجبا وهذا قاله لمن رآه يصلي كذلك وأمره بأن يتوضأ أي ويعيد وذلك لأن الصلاة حال تواضع وإسبال الإزار فعل متكبر فتعارضا قال ابن عربي: وأمره له بإعادة الوضوء أدب وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه والله لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فلذلك لم يقبل صلاته بمعنى أنه لا يثيبه عليها وقال الطيبي: سر الأمر بالتوضىء وهو متطهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من الشناعة وأنه تعالى ببركة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم على أنه تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال
(د) في الصلاة واللباس (عن أبي هريرة) قال: بينما رجل يصلي إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ فقيل له في ذلك فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله تعالى لا يقبل إلخ قال النووي في رياضه: إسناده صحيح على شرط مسلم لكن أعله المنذري فقال فيه أبو جعفر رجل من المدينة لا يعرف

(2/274)


1828 - (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحدا (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة الله سببا من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمنا لا مقصودا وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطارىء. قال ابن حجر: ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معا فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه. <تنبيه> قال بعض العارفين: هذا الحديث قطع ظهور العاملين ولم يبق لهم معه تعلق بعمل وقد انكشف بالخبر والعيان ان شرط العمل الإخلاص وهذا الحديث من أقوى أدلة من قال لا ثواب في عمل إلا إن خلص كله من الرياء وأنه لا يعتبر غلبة الباعث الذي عليه الإمام الغزالي
(ن عن أبي أمامة) قال: قلت يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره قال العلاء والحديث صحيح صححه الحاكم وقال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ العراقي حسن وقال ابن حجر جيد وعدل المصنف عن عزوه لأبي داود كما فعل عبد الحق لقول ابن القطان إنه ليس عنده لكن أطلق ابن حجر في الفتح عزوه له

(2/275)


1829 - (إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض) في السجود فوضع الأنف واجب أو مندوب؟ على قولين فيه فمن أوجبه أجرى الحديث على ظاهره وأبطل الصلاة بالإخلال به ومن ندبه حمل الحديث على أن القبول المنفي هو كمال القبول لا أصله
(طب عن أم عطية) الأنصارية الخاتنة قال الهيثمي: فيه سليمان القافلاني وهو متروك

(2/275)


1830 - (إن الله لا يقدس) أي يطهر (أمة) أي جماعة (لا يعطون الضعيف منهم) في رواية فيهم (حقه) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحق ليقتضي الوفاء بقيام التوحيد والإنقياد له فإذا وجدهم الحق معظمين له قائمين بوفائه رجع إلى الله تعالى مثنيا عليهم فرجع من الله بالتقديس إليهم والإمداد بالإرشاد حتى يزدادوا قوة على القيام به ومن وجده الحق غير معظم له رجع إلى الله ليشكوه والرحمة تلقى الحق بين يدي الله تعالى مراقبة للحق فكلما جاء الحق يشكو من الخلق حنت الرحمة في محلها حنين الوالهة فيسكن سلطان الغضب ولولا شأن الرحمة ثار السلطان فدمر العباد والبلاد فإذا [ص:276] جاء الحق يشكو مؤذيا معاندا جبارا ثار السلطان بالعقوبات فاعتزلت الرحمة فإن المعاند مبارز فرب قوم تحل منهم العقوبة في طرفة عين ورب آخرين رأسهم مظلمة سنين حتى يقع عليهم وهم في غفلتهم لاهين
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في شيء من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه بلفظ لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ورواه الشافعي رضي الله عنه بلفظ الطبراني مصرحا بالسبب فقال إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة نكب عنا ابن أم معبد يعنون ابن مسعود أي اصرفه عنا يا رسول الله ويحتمل أن الأمر لابن مسعود على حذف حرف النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بعثني الله إذن؟ إن الله إلخ أي إن خفتم شره وأذى مجاورته فإنني آخذ للضعبف من القوي حقه أو أراد أن ابن مسعود هو الضعيف وهذا حقه فلم تأمرونه بالإنصراف عنكم انتهى قال ابن حجر: ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن جابر وغيرهما

(2/275)


1831 - (إن الله تعالى لا ينام) أي يستحيل عليه النوم لأنه انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس لاستراحة القوى والحواس وهو منزه عنه ومن كان بريئا من ذلك لا يشغله شأن عن شأن (لا ينبغي له أن ينام) قال الأشرفي: لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم منه سبحانه أكدها بالثانية الدالة على نفي جواز صدوره عنه إذ لا يلزم من عدم الصدور عدم جواز الصدور وذلك لأنه تعالى لو نام لم تستمسك السماء والأرض هكذا علله به في حديث رواه الموصلي عن أبي هريرة مرفوعا: وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام الله عز وجل فأرسل الله إليه ملكا أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يستحفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطكت يداه فانكسرت القارورتان فضرب الله مثله إن الله عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض انتهى وفيه أمية بن شبل ذكره في الميزان ولم يذكر أن أحدا ضعفه وإنما ذكر له هذا الحديث وضعفه به ورده الهيثمي بأن ابن حبان ذكره في الثقات وحينئذ فهو صحيح (يخفض القسط ويرفعه) أي ينقص الرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول فمحصوله يقلل لمن يشاء ويكثر لمن يشاء بالقسط أو أراد بالقسط العدل الذي يرفع بعدله الطائع ويخفض العاصي وهو إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا تقاس عليها غيرها فهو إخبار بأن بيده تصاريف الأمور وتكوينها على ما يشاء وأي زمن شاء وأشار بنوعي الرفع والخفض إلى أن قدرته لا تتعلق بشيء واحد بل يظهر عنها المتضادات والمختلفات والمتماثلات كذا في المطامح وقال التوربشتي: فسر بعضهم القسط بالرزق أي يقتره ويوسعه عبر به عنه لأنه قسط كل مخلوق وبعضهم بالميزان ويسمى قسطا لما يقع به من المعدلة في القسمة وهو أولى لخبر يرفع الميزان ويخفضه ويحتمل أن المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده وأعمالهم المرتفعة إليه ويحتمل أنه إشارة إلى أنه تعالى كل يوم هو في شأن وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا يناسب قوله ولا ينبغي له أن ينام أي كيف يجوز عليه ذلك وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل (يرفع) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى خزائنه كما يقال حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء أو يعرض عليه وإن كان أعلم به ليأمر ملائكته بإمضاء ما مضى لفاعله جزاء له على فعله (عمل الليل قبل عمل النهار) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار الذي بعده (وعمل النهار قبل عمل الليل) الذي بعده وبه خص عموم خبر ما في رواية لمسلم عمل
[ص:277] النهار بالليل ومعناه يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده وعمل الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل (1) وفيه تعجيل إجابته لمن دعاه وحسن قبوله من عمل له (حجابه النور) أي تحيرت البصائر والأبصار وارتجت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه فهي الحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها وفي رواية لمسلم النار بدل النور. قال الطيبي: وهذا استئناف جواب عمن قال لم لا نشاهد الله فقال: هو محتجب بنور عزته وأشعة عظمته وذلك الحجاب هو الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر فحجابه خلاف الحجب المعهودة فكيف يشاهد (لو كشفه) بتذكير الضمير أي النور هذه هي الرواية وفي بعض النسخ كشفها وهو تحريف من النساخ استئناف جواب لمن قال لم لا يكشف الحجب (لأحرقت سبحات) بضم السين والباء جمع سبحة وهي العظمة (وجهه) أي ذاته قال القاضي: وهي الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من الجلال والعظمة (وما انتهى إليه) أي إلى وجهه (بصره) الضمير فيه راجع إلى ما و (من خلقه) بيان له وقيل سبحات وجهه جلاله يعني لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلفه لعدم إطاقته وهو يعد في دار الدنيا منغمس في الشهوات متآلف بالمحسوسات محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرته والإتصال بها ومشاهدة جمالها ذكره القاضي وقال الزمخشري: السبحات جمع سبحة كغرفات وغرفة والسبحة اسم لما يسبح به ومنها سبح العجوز لأنها تسبح بهن والمراد صفات الله التي يسبح بها المسبحون من إجلاله وعظمته وقدرته والنور الآيات البينات التي نصبها إعلاما لتشهد له وتطرق إلى معرفته والإعتراف به فشبهت بالنور في إنارتها وهدايتها انتهى. وقال البعض: أراد بما انتهى إليه جميع المخلوقات من سائر العوالم السفلية والعلوية لأن بصره تعالى محيط بالكل يعني لو كشف الحجاب عن ذاته لاضمحلت جميع مخلوقاته وهذا كله تقريب لأفهام العباد لأن كون الشيء ذا حجاب من أوصاف الجسم والحق سبحانه منزه عن ذلك ثم إن هذا قد تمسك به بعض أهل الاعتزال لمذهبهم من عدم رؤية الله في الآخرة وأجيب بأن المراد منه مرتبة الألوهية والله تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية (تتمة) قال في الحكم: الحق ليس بمحجوب إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر {وهو القاهر فوق عباده} كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء في ظهور ذلك الشيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء
(م) في الأيمان (هـ) في السنة (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخمس كلمات فقال إن الله إلخ
_________
(1) ولا تعارض بينه وبين ما يأتي أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس لأن هذا العرض يوم الإثنين والخميس عرض خاص كما في خبر إن الله تكفل برزق طالب العلم فهو تكفل خاص وإلا فالبارىء يتكفل بأرزاق جميع الخلائق {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ووجه الجمع أن الأعمال تعرض كل يوم فإذا كان الخميس عرضت عرضا آخر يطرح منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب أي من الأعمال المباحة نحو أكل وشرب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب

(2/276)


1832 - (إن الله لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم)
[ص:278] {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة والله منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل. والجمال قسمان ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر الله من غيره وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود للعيان <تنبيه> قال الغزالي: قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه انتهى
(م) في الأدب وغيره (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم

(2/277)


1833 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر مثوبة أو رحمة أو لطف أو عناية فعبر عن المعنى الكائن عند النظر به لأن من نظر إلى متواضع رحمه أو إلى منكر مقته وفي رواية للشيخين زيادة يوم القيامة (إلى من يجر إزاره) وفي رواية ثوبه أي يسبله إلى تحت كعبيه (بطرا) أي للكبر فهو حرام متوعد عليه بالثأر في عدة أخبار ويفهم منه أن جره إذ لم يكن بطرا لا يحرم بل يكره وسبل الإزار والسراويل والقميص والجبة ونحو ذلك مثله قال العراقي: بل ورد في حديث دخول العمامة
(م) من حديث زياد (عن أبي هريرة) سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره فجعل يضرب على الأرض برجله وهو أمير على البحرين وهو يقول جاء الأمير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى الى أخره وظاهر صنيعه تفرد مسلم به عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا في اللباس وكذا مالك أخر الموطأ

(2/278)


1834 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى مسبل إزاره) إلى أسفل الكعبين أي بطرا كما قيده به في الرواية الأولى فإسباله لا للبطر ولا للخيلاء مكروه لا حرام والكلام في إسبال لغير ضرورة هذا في حق الرجل وأجمعوا على حل الإسبال للمرأة (1)
(حم ن عن ابن عباس)
_________
(1) وأما القدر المستحب في ما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد وبالجملة يكره كلما زاد على الحاجة المعتادة في اللباس من الطول والسعة وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء وقد صح الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهن في إرخاء ذيولهن ذراعا

(2/278)


1835 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى من يخضب) أي يغير لون شعر نحو لحيته أو رأسه لما ارتكبه من الغش والخديعة (بالسواد يوم القيامة) وهذا وعيد شديد يفيد التحريم وموضعه فيما لو خضبه به لغير الجهاد أما خضبه للجهاد فجائز وأخرج بالسواد غيره كصفرة فهو جائز بل مطلوب محبوب
(ابن سعد) في الطبقات (عن عامر مرسلا) عامر في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه

(2/278)


1836 - (إن الله لا يهتك) أي لا يرفع (ستر عبد) من عباده (فيه مثقال ذرة من خير) أي شيء قليل منه جدا بل يتفضل [ص:279] عليه بستر قبائحه في هذه الدار ومن ستره فيها لم يفضحه في يوم القرار كما جاء في عدة أخبار وقيل للفضيل: إن قال لك ربك يوم القيامة ما غرك بربك الكريم ما تقول؟ قال: أقول غرتني ستورك المرخاة. قال الزمخشري: ومن المجاز هتك الله ستر التاجر فضحه وقبحوهم فهتكوا أستارهم وتهتك في البطالة أعمل نفسه فيها ورجل متهتك لا يبالي بهتك ستره
(عد عن أنس) وفيه الربيع بن زيد وقال النسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب

(2/278)


1837 - (إن الله لا يؤاخذ المزاح) أي الكثير المزاح الملاطف بالقول والفعل المازح (الصادق في مزاحه) أي الذي لا يشوب مزاحه بكذب أو بهتان بل يخرجه على ضرب من التورية ونحوها كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز وذلك الذي في عينه بياض ونحو ذلك
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها

(2/279)


1838 - (إن الله تعالى يؤيد هذا الدين) دين الإسلام قال الحرالي: والأيد تضعيف القوة الباطنة وقال الراغب: الأيد القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد (بأقوام) جمع قوم (لا خلاق لهم) أي لا أوصاف حميدة يتلبسون بها قال حجة الإسلام ومنهم عالم طالب للرياسة والقبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعز والوقار وهو في نفسه هالك ويصلح بسببه الدين والخلق إذا كان يدعو إلى رفض الدنيا ظاهرا وينشر الشريعة ويقيم نواميس الشعائر الدينية فهو ممقوت عند الله ويظن أنه عنده بمكان اه. وقال بعضهم: العبد وإن وقع على يديه تأييد للدين ونفع للعباد بالإفتاء والتدريس والتأليف فهو جاهل بخاتمة أمره هذا إذا سلم حال حياته من نحو عجب وشفوف على الناس بعلمه وإلا فحاله ظاهر اه
(ن حب عن أنس) بن مالك (حم طب عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي أسناده جيد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات

(2/279)


1839 - (إن الله تعالى يباهي) ملائكته (بالطائفين) بالكعبة أي يظهر لهم فعلهم ويعرفهم أنهم من أهل الحظوة لديه وأهل المباهات المفاخرة والله سبحانه منزه عنها فيؤول بما ذكر
(حل هب) وكذا الخطيب (عن عائشة) قال أبو نعيم لم يروه عن عطاء إلا عائذ بن بشير ولا عنه إلا محمد بن السماك اه وابن السماك قال ابن نمير ليس حديثه بشيء

(2/279)


1840 - (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة) أي الواقفين بها ثم بين تلك المباهات بقوله (يقول انظروا إلى عبادي) أي تأملوا حالهم وهيأتهم (أتوني) أي جاؤوا إلى بيتي إعظاما لي وتقربا لما يقربهم مني (شعثا) أي متغيرين الأبدان والشعور والملابس لقلة تعهدهم بالأدهان والإصلاح والشعث الوسخ في بدن أو شعر (غبرا) أي من غير استحداد ولا تنظف قد ركبهم غبار الطريق قال في المطامح: وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر فينتج أن الحج يكفر حق الحق وحق الخلق حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على الله في فضله ولا حق بالحقيقة لغيره وفيه أفضلية عرفة [ص:280] حتى على النحر وهو ما عليه الأكثر فلو قال أنت طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه قال القاضي: وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر فلما رآه قال قد عرفت أو لأن آدم وحواء عليهما السلام التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه
(حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون

(2/279)


1841 - (إن الله تعالى يباهي بالشاب) هو الذي لم يصل إلى حد الكهولة (العابد) لله تعالى (الملائكة يقول انظروا إلى عبدي) هذا الشاب (ترك شهوته من أجلي) أي قهر نفسه فصام نهاره وقام ليله وشغل بالعبادة عن التبسط في الملاذ والتوسع في المطاعم والمشارب والملابس وكفها عن لذاتها ابتغاء لرضاي وأما أنتم أيها الملائكة فلا تقاسون تجرع مرارات مخالفة النفس والهوى لكونكم ليس في أحد منكم خلط ولا تركيب بل كل منكم وحداني الصفة مجبول على الطاعة
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (فر عن طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة وفيه يحيى بن بسطام قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ويزيد بن زياد الشامي قال في الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك

(2/280)


1842 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يختبر ويمتحن (عبده المؤمن) القوي على احتمال ذلك (بالسقم) بضم فسكون أي المرض (حتى يكفر عنه كل ذنب) فيجب على العبد أن يشكر الله على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخرة دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى قال القرطبي والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك <تنبيه> قال العارف الجيلاني رضي الله تعالى عنه قد يقرب الله عبده المؤمن ويجتبيه ويفتح قبالة عين قلبه باب الرحمة والمنة والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مطالعة الغيوب في ملك السماء والأرض ومن تقريب وكلام لطيف ووعد جميل ودلال وإدلال وإجابة دعاء وتصديق وعد وكلمات حكمة تومي إلى قلبه من بعد فتظهر على لسانه ويسبغ على قلبه نعمه الدنيوية والدينية ويديم ذلك عليه برهة حتى إذا اطمأن لذلك واغتر به وظن دوامه فتح عليه بابا من البلاء والمحن في نفسه وأهله وماله وقلبه فينقطع كلما كان فيه من نعيم فيبقى متحيرا حزينا مكسورا مقطوعا به إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه أو إلى قلبه وباطنه وجد ما يحزنه وإن سأل الله كشف ما به من البلاء لم ترج إجابته وإن طلب وعدا جميلا لم يجده سريعا وإن وعد بشيء لم يصل إليه وإن رأى رؤيا لم يظفر بتعبيرها وتصديقها وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إليه سبيلا وإن عمل برخصة تسارع إليه العقاب وسلطت أيدي الخلائق على جسمه وألسنتهم على عرضه وإن طلب الإقالة لم يقل أو الرضى أو التنعم بما هو فيه من البلاء لم يعط وحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والأمان والإرادات في الرحيل والأكوان كلها في التلاشي ويدام ذلك عليه مدة حتى تفنى جميع أوصافه البشرية فإذا صار روحا مجردا تعطف الحق عليه يسمع النداء من باطنه {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وحينئذ يمطر الله على قلبه ماء رحمته ورأفته ولطفه ومنته ويزيل عنه سائر البلاء ويطلق ألسنة خلقه بمدحه والثناء عليه وبذل له الرقاب وتسخر له الملوك والأرباب
(طب عن جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي في سند الطبراني عبد الرحمن بن معاوية ابن الحويرث ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان

(2/280)


[ص:281] 1843 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يمتحن ويختبر (العبد فيما أعطاه) من الرزق (فإن رضى بما قسم الله له) أي بالذي قسم له منه أو بقسمة الله (بورك له) بالبناء للمفعول يعني بارك الله له فيه (ووسعه) عليه (وإن لم يرضى) به (لم يبارك له) فيه (ولم يزده على ما كتب له) أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلا لأكثر مما قدر له واعترض على الله في حكمته. قال بعضهم: وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقلله ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائما فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلسا لا هو شاكر ولا نال ما طلب
(حم و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجم الصحابة (هب) كلهم (عن) عبد الله بن الشخير (عن رجل من بني سليم) قال عبد الله: لا أحبسه إلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإبهام الصحابي غير قادح لأنهم كلهم عدل كما مر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح

(2/281)


1844 - (إن الله تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه (ليتوب مسيء النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة (ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) يعني يقبل التوبة من العصاة ليلا ونهارا أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجيء في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة الله وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك (حتى تطلع الشمس من مغربها (1)) فإذا طلعت منه غلق باب التوبة قال في المطامح: ومن أنكر طلوعها من مغربها كفر وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنه ينكره نعوذ بالله من الخذلان انتهى وأنت خبير بأن جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحا سيما في حق العامة لأنه لم يبلغ مبلغ المعلوم من الدين بالضرورة ومجرد وروده في أخبار صحاح لا يوجب التكفير فتدبر
(حم م) في التوبة (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير ولم يخرجه اليخاري
_________
(1) قال النووي معناه يقبل التوبة من المسيئين نهارا وليلا حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يختص قبولها بوقت وبسط اليد استعارة في قبول التوبة للمسيء وقال المناوي يعني يبسط يد الفضل والإنعام لا يد الجارحة فإنها من لوازم الأجسام فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة

(2/281)


1845 - (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها (على رأس كل مئة سنة) من الهجرة أو غيرها على ما سبق تقريره والمراد الرأس تقريبا (من) أي رجلا أو أكثر (يجدد (1) لها دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر [ص:282] أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا: ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة. قال ابن كثير: قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم ومر تعيين المبعوث على كل قرن وأن المؤلف ذكر أنه المجدد التاسع وصرح به في قصيدة بقوله:
الحمد لله العظيم المنه. . . المانح الفضل لأهل السنة. . . ثم الصلاة والسلام نلتمس
على نبي دينه لا يندرس. . . لقد أتى في خبر مشتهر. . . رواه كل عالم معتبر
بأنه في رأس كل مئة. . . يبعث ربنا لهذى الأمة. . . منا عليها عالما يجدد
دين الهدى لأنه مجتهد. . . فكان عند المئة الأولى عمر. . . خليفة العدل بإجماع وقر
والشافعي كان عند الثانية. . . لما له من العلوم السامية. . . وابن سريج ثالث الأئمة
والأشعري عده من أمه. . . والباقلاني رابع أو سهل أو. . . الاسفرايني خلف قد حكوا
والخامس الحبر هو الغزالي. . . وعده ما فيه من جدال. . . والسادس الفخر الإمام الرازي
والرافعي مثله يوازي. . . والسايع الراقي إلى المراقي. . . ابن دقيق العيد بإتفاق
والثامن الحبر هو البلقيني. . . أو حافظ الأنام زين الدين. . . والشرط في ذلك أن تمضي المئة
وهو على حياته بين الفئة. . . يشار بالعلم إلى مقامه. . . وينصر السنة في كلامه
وأن يكون جامعا لكل فن. . . أن يعم علمه أهل الزمن. . . وأن يكون في حديث قد ورى
من أهل بيت المصطفى وقد قوى. . . وكونه فردا هو المشهور. . . قد نطق الحديث والجمهور
وهذه تاسعة المئين قد. . . أتت ولا يخلف ما الهادي وعد. . . وقد رجوت أنني المجدد
فيها بفضل الله ليس يجحد. . . وآخر المئين فيما يأتي. . . عيسى نبي الله ذو الآيات
يجدد الدين لهذي الأمة. . . وفي الصلاة بعضنا قد أمه. . . مقرر لشرعنا ويحكم
بحكمنا إذ في السماء يعلم. . . وبعده لم يبق من مجدد. . . ويرفع القرآن مثل ما بدى
وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي
(د) في الملاحم (ك) في الفتن وصححه (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) له كلهم (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح ومن ثم رمز المؤلف لصحته
_________
(1) قال العلقمي معنى التجديد إحياء ما ندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه

(2/281)


1846 - (إن الله يبعث ريحا من اليمن) وفي رواية من الشام ولا تنافي أنها ريح شامية يمانية أو لأن مبدأها من حد الإقليمين ثم تصل للآخر وتنشر عنه وزعم أن اليمن بضم فسكون وأن المراد البركة يرده ذكر الشام في الرواية الأخرى (ألين من الحرير) في هذا الوصف إشارة إلى الرفق بالمؤمنين في قبض أرواحهم وفيه أن استعمال الريح في الشر غالبي لا كلي (فلا تدع) أي تترك (أحدا في قلبه مثقال حبة) في رواية ذرة (من إيمان) أي وزنها منه والمثقال معروف لكن ليس المراد به هنا حقيقته بل عبر به لأنه أقل ما يوزن به عادة غالبا (إلا قبضته) أي قبضت روحه بمعنى أنه يحصل قبضة مع هبوبها فلا ينافي أن القابض ملك الموت عليه السلام ولا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي إلخ لأن معناه حتى يقبضهم الريح الطيبة قرب القيامة وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وأن المؤمنين يرفق بهم لكن هذا غالبي وإلا فكم من سعيد صعب عليه الموت وشقي سهل عليه
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح

(2/282)


[ص:283] 1847 - (إن الله تعالى ببعض السائل الملحف) أي الملح الملازم أخذا من اللحاف الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به للزومه ما يغطيه ومنه لاحفه أي لازمه قال الحرالي: هو لزوم ومدافعة في الشيء من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية انتهى وفي الفردوس قيل المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء وقد ذم الله تعالى السائل إلحافا في ضمن ثنائه على ضده بقوله {لا يسألون الناس إلحافا}
(حل عن أبي هريرة) وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معا الذهبي في الضعفاء

(2/283)


1848 - (إن الله تعالى يبغض الطلاق) أي قطع النكاح بلا عذر شرعي (ويحب العتاق) لما فيه من فك الرقبة وتثبت به من قال لا يحل الطلاق إلا لضرورة يعني عند قيام الحاجة إلى الخلاص وهو مذهب الحنفية وقال الشافعي هو مباح أصالة وقد تجري فيه الأحكام الخمسة
(فر) من جهة محمد بن الربيع عن أبيه عن حميد بن مكحول (عن معاذ بن جبل) قال السخاوي وهو ضعيف منقطع فمكحول لم يسمع معاذا وحميد مجهول وقيل عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيه كما قال الجوزي على حميد

(2/283)


1849 - (إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال) أي المظهر للتفصح تيها على الغير وتفاصحا واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها ولا يناقض هذا {خلق الإنسان علم البيان} لأن جعله من نعم الوهاب آية أن موضع البغض ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم فمن فهم تناقض الخبر والآية فقد وهم وإلى ذلك المعنى المراد يشير قوله (الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة) جماعة البقر (بلسانها) أي الذي يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة ووجه الشبه إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها ذكره جمع أخذا من قول التوربشتي ضرب للمعنى مثلا يشاهده الراؤون من حال البقرة ليكون أثبت في الضمائر وذلك أن كل دابة تأخذ النبات بأسنانها والبقرة بلسانها يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفا فكذا هؤلاء لا يميزون في مأكلهم بين الحلال والحرام {سماعون للكذب أكالون للسحت} وقال القاضي: شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحا بما يفعل البقر وما ذكر من أن الرواية يتخلل بخاء معجمة هو المشهور وفي بعض نسخ المصابيح يتجلل بالجيم قال القاضي فيكون تشبيها له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسات وبغض الله إرادته عقاب من أبغضه وإيقاع الهوان به قال الغزالي: مر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تتبالغ؟ ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق. قال في الأذكار: فيكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقامات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول فكله من التكلف المذموم وكذا تحري دقائق الأعراب ووحشي اللغة حال مخاطبة العوام قال بعض العارفين: لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات ألا ترى كيف جعل الله موسى أفضل من أخيه عليهما السلام لفصاحة ذاته وكان هارون عليه السلام [ص:284] أفصح منه في نطقه وبلاغته {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ولله در القائل:
سر الفصاحة كامن في المعدن. . . لخصائص الأرواح لا للألسن
وقال: يا من أعرب فما أغرب وعبر فما غبر وأثار المغنى وما أنار المعنى هل الجنان لمن أصلح الجنان أم لمن أتى بالإغراب في الإعراب؟ وقال بعضهم:
لسان فصيح معرب في كلامه. . . فيا ليته في موقف الحشر يسلم
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى. . . وما ضر ذا تقوى لسان معجم
<تنبيه> البلاغة عند المتقدمين أن يبلغ بعبارة لسنه كنه ما في جنانه أو إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ أو الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار في الكلام أو قليل لا يبهم وكثير لا يسأم أو إجمال اللفظ واتساع المعنى أو تقليل اللفظ وتكثير المعنى أو حسن الإيجاز وإصابة الحقيقة والمجاز أو سهولة اللفظ مع البديهة أو لمحة دالة أو كلمة تكشف البغية أو الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ أو النطق في موضعه والسكوت في موضعه أو معرفة الفصل والوصل أو الكلام الدال أوله على آخره وعكسه أقوال وفي عرف أهل المعاني والبيان مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة وهي خلوه عن التعقيد
(حم د) في الأدب (ن) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي حسن غريب اه. وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدمي قال في الكاشف: كان مدلسا موثقا وهذا الحديث رواه العسكري عن ابن عمر ونحوه وزاد في آخره لفظة فقال إن الله عز اسمه يبغض الرجل البليغ الذي يلغت لسانه كما يلغت الباقر بلسانها الحلاوة

(2/283)


1850 - (إن الله تعالى يبغض البذخين) بباء موحدة وذال وخاء معجمتين اسم فاعل من البذخ الفخر والتطاول (الفرحين) فرحا مطغيا لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه كما يدل عليه تعقيبه بقوله (المرحين) من الرمح وهو الخيلاء والتكبر الذين اتخذوا الشماخة والكبر والأشر والبطر والاستغراق في اللهو والفرح بما أوتوا ديدنا وشعارا ومن فرح بحظ الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ويحب كل قلب حزين
(فر عن معاذ بن جبل) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال في الميزان قال الدارقطني متروك يضع الحديث <تنبيه> علاج من استخفه الفرح إكثار ذكر الموت واستحضار قبح الدنيا وسرعة زوالها وكدحها

(2/284)


1851 - (إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب) بكسر الغين المعجمة أي الذي لا يشيب أو الذي يسود شيبه بالخضاب ذكره الزمخشري وعلى الأول فالمراد به من يعمل عمل من لحيته سوداء يعني عمل الشباب من اللهو واللعب والخفة والطيش والإكباب على الشهوات والاسترسال في اللذات
(عد) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه رشدين فإن كان ابن سعد فقد ضعفه الدارقطني أو ابن كريب فضعفه أبو زرعة

(2/284)


1852 - (إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم) أي كثير الظلم لغيره بمعنى أنه يعاقبه وليس المراد أنه لا يبغض الفقير الظلوم بل المراد أن كثرة الظلم مع الغنى أشد قبحا وأعظم جرما وأكثر عذابا وعبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن من وقع منه هفوة من ظلم لا يكون مبغوضا (والشيخ الجهول) أي الجاهل بالفروض العينية التي يلزمه تعلمها أو الذي يفعل فعل الجهال وإن كان عالما وليس المراد أنه لا يبغض الشاب الجهول بذلك بل بيان أن جهل الشيخ الذي وصل إلى حال الإنابة وأعذر الله إليه في العمر وأشرف على القدوم على الآخرة أقبح لاغتراره بالله تعالى وتماديه في غفلته (والعائل المختال) بخاء معجمة أي الفقير الذي له عيال محتاجون وهو يختال أي يتكبر عن تعاطي ما يقوم [ص:285] بأودهم ويهمل أمرهم ويضيعهم وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ولم يعبر فيه بصيغة المبالغة لعظم جرم التكبر وشر عاقبته لما فيه من منازعة الله في دائه فالقليل منه ليس في محل العفو كما في ذينك
(طس عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحارث الأعور وهو ضعيف

(2/284)


1853 - (إن الله يبغض الفاحش المتفحش) قال القرطبي: الفاحش المجبول على الفحش الذي يتكلم بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين أو الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي وهو الجفاء في الأقوال والأفعال والمفتحش المتعاطي لذلك المستعمل له وقيل الفاحش المتبلس بالفحش والمتفحش المتظاهر به لأنه تعالى طيب جميل فيبغض من لم يكن كذلك قال تعالى { {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال الفخر الرازي: وقد عاتب الله تعالى نوحا عليه الصلاة والسلام عند دعائه على قومه بالهلاك. وقال {المؤمنون بعضهم أولياء بعض} ولم يقل أعداء بعض وقال موسى وهارون عليهما الصلاة السلام {فقولا له قولا لينا}
(حم عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي رواه بأسانيد أحدها رجاله ثقات

(2/285)


1854 - (إن الله يبغض المعبس) بالتشديد (في وجوه إخوانه) أي الذي يلقاهم بكراهة عابسا وفي إفهامه إرشاد إلى الطلاقة والبشاشة مع الإخوان
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن هارون الهاشمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني ضعيف عن عيسى بن مهران قال في الضعفاء كذاب رافضي

(2/285)


1855 - (إن الله تعالى يبغض الوسخ) الذي لا يتعهد بدنه ولا ثيابه من الوسخ (والشعث) لأنه تعالى نظيف يحب النظافة ويحب من خلقه من تخلق بها ويكره أضدادها. قال في المصباح: والوسخ ما يعلو الثوب وغيره من قلة التعهد وتوسخت يده تلطخت بالوسخ. قال الزمخشري: ومن المجاز لا تأكل من أوساخ الناس ولا يعارضه خبر إن الله يحب المؤمن المتبذل لأن المراد به تارك التزين تواضعا كما يأتي
(هب عن عائشة) رضي الله عنها وفيه محمد بن الحسين الصوفي وقد سبق أنه كان وضاعا وخالد بن حجيج قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب

(2/285)


1856 - (إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا) أي بما يبعده عن الله من الإمعان في تحصيلها (جاهل بالآخرة) أي بما يقربه إليها وبدنيه منها لأن العلم شرف لازم لا يزول دائم لا يمل ومن قدر على الشريف الباقي أبد الآباد ورضي بالخسيس الفاني في أمد الآماد فجدير بأن يبغض لشقاوته وإدباره ولو لم يكن من شرف العلم إلا أنه لا يمتد إليه أيدي السراق بالأخذ ولا أيدي السلاطين بالعزل لكفى فكيف وهو بشرطه المتكفل بسعادة الدارين
(ك في تاريخه عن أبي هريرة) وفيه أبو بكر النهشلي شيخ صالح تكلم فيه ابن حبان

(2/285)


1857 - (إن الله تعالى يبغض البخيل) مانع الزكاة أو أعم (في حياته السخي عند موته) لأنه مضطر في الجود وحينئذ لا مختار لعلمه أن دنياه قد أدبرت وأن إمساك المال لا ينفعه حينئذ لكن إن فعل أثيب ثوابا أنقض من ثوابه حال الصحة
(خط في كتاب البخلاء) أي في الكتاب الذي ألفه في ذم البخلاء (عن علي) أمير المؤمنين وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه له على سنده

(2/285)


[ص:286] 1858 - (إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له) بزاي فموحدة فراء أي لا عقل له يزبره أي ينهاه عن الإثم أو لا عقل له يعتد به أو يحتفل به أو لا تماسك له عن الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا ينزجر عن محرم كذا قرره جمع لكن في الميزان يعني الشدة في الحق وروي بذال معجمة أي لا نطق له ولا لسان يتكلم به لضعفه أو لا فهم له أو لا إتقان له ذكره ابن الأثير وفي رواية بدل المؤمن الضعيف الذي لا زابر له
(عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسمع الأشعري وقال لا يتابع عليه ولا يعرف بالنقل وتبعه في اللسان كأصله

(2/286)


1859 - (إن الله يبغض ابن السبعين) من السنين (في أهله) كناية عن شدة التواني ولزوم التكاسل والتقاعد عن قضاء حوائجهم (ابن عشرين) من السنين (في مشيته) بكسر الميم (ومنظره) أي من هو في مشيته وهيئته كالشاب المعجب بنفسه الفرح بحياته الطائش في أحواله ولفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ بتعريف السبعين والعشرين
(طس) وكذا الديلمي (عن أنس) وقال: أعني الطبراني لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي: وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث وهو ضعيف

(2/286)


1860 - (إن الله تعالى يتجلى) بالجيم (لأهل الجنة) في الجنة (في مقدار كل) يوم (جمعة) من أيام الدنيا (على كثيب كافور) بالإضافة وبدونها (أبيض) فيرونه عيانا وذلك هو يوم عيد أهل الجنة وإنما قال في مقدار ولم يكتف بقوله في كل يوم جمعة لأن الجنة ليس فيها نهار ولا ليل كالدنيا. قال العارف ابن عربي: إذا وجد الشيء في عينه جاز أن يراه ذو العين بعينه المقيدة بوجهه الظاهر وجفنه ولو كانت الرؤية تؤثر في المرء لأحلناها فقد بانت المطالب كما ذكرناها. اه. وخص المؤلف الرؤية في الآخرة بالذكور وبدليل أنهم يرجعون إلى نسائهم فيعجبون بما زيد لهم من النور وخالف الشمس الجوهري وقال: ظاهر صحاح الأخبار العموم ووقع بينهما تنازع أدى إلى تقاطع وألف فيه المؤلف تأليفا سماه إسبال الكساء على النساء استدل فيه بأخبار وآثار ضعيفة لا يحتج بها
(خط) عن الحسن بن أبي الحسين الوراق عن عمر بن أحمد الواعظ عن جعفر بن محمد العطار عن جده عبد الله بن الحكم عن عاصم عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: لا أصل له جعفر وجده وعاصم مجهولون وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه

(2/286)


1861 - (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم) أيها المؤمنون (عملا أن يتقنه) أي يحكمه كما جاء مصرحا به في رواية العسكري فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصور والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه الله عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة كما ذكر أن صانعا عمل عملا تجاوز فيه ودفعه لصاحبه فلم ينم ليلته كراهة أن يظهر من عمله عملا غير متقن فشرع في عمل بدله حتى أتقن ما تعطيه الصنعة ثم غدا به لصاحبه فأخذ الأول وأعطاه الثاني فشكره [ص:287] فقال: لم أعمل لأجلك بل قضاء لحق الصنعة كراهة أن يظهر من عملي عمل غير متقن فمتى قصر الصانع في العمل لنقص الأجرة فقد كفر ما علمه الله وربما سلب الإتقان <تنبيه> ما ذكر في شرح هذا الحديث هو ما لبعض الأئمة لكني رأيت في رواية ما يدل على أن المراد بالإتقان الإخلاص ولفظها إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه. قالوا: يا رسول الله وما اتقانه قال: يخلصه من الرياء والبدعة
(هب عن عائشة) وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما

(2/286)


1862 - (إن الله يحب من العامل) أي من كل عامل (إذا عمل) عملا في طاعة (أن يحسن) عمله بأن لا يبقى فيه مقالا لقائل ولا مفرجا لغائب. قال الراغب: العاقل من تحرى الصدق في صناعته وأقبل على عمله وطلب مرضاة ربه بقدر وسعه وأدى الأمانة بقدر جهده ولم يشتغل عن عبادة ربه كما قال تعالى {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} <تنبيه> قال النووي: المحبة الميل ويستحيل أن يميل الله تعالى أو يمال إليه وليس بذي جنس ولا طبع فيوصف بالشوق الذي تقتضيه الطبيعة البشرية فمحبته للعبد إرادته تنعيمه أو هي إنعامه فعلى الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل وأما محبة العبد لله تعالى فإرادته أن يحسن إليه اه
(هب) من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب (عن) أبيه (كليب) بن شهاب الحري قال العلاء: قال لي محمد بن سوقة اذهب بنا إلى رجل له فضل فانطلقنا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أن قال حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول سووا في حد هذا حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن إن الله إلخ وقطبة ابن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به قال أعني الذهبي والده العلاء لا يعرف وعاصم بن كليب قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به اه وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال له ولأبيه شهاب صحبة لكن قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة وعليه فالحديث مرسل

(2/287)


1863 - (إن الله يحب إغاثة اللهفان) أي المكروب أي إعانته ونصرته يقال تلهف على الشيء ولهف إذا حزن وتحسر عليه فهو لهفان وملهوف ولهيف أي مكروب وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع فيها واستفراغ الجهد في المحافظة عليها وسيمر بك كثير من ذلك في أحاديث هذا الجامع
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لم يره ولا شهر ولا أحق بالعزو منه إليه وهو عجيب فقد رواه أبو يعلى وكذا الديلمي من حديث أنس باللفظ المزبور

(2/287)


1864 - (إن الله تعالى يحب الرفق) بكسر فسكون لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف (في الأمر كله) في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر وهذا قاله لما قالت اليهود لعائشة رضي الله تعالى عنها عندها السام عليك قالت بل عليكم السام واللعنة <تنبيه> عرف في شرح الرسالة العضدية الرفق بأنه حسن الانقياد إلى ما يؤدي إلى الجميل
(خ عن عائشة) قضية كلام المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم أيضا باللفظ المزبور عن عائشة المذكورة في كتاب الاستئذان لكن الإنسان محل النسيان

(2/287)


[ص:288] 1865 - (إن الله يحب السهل) في قوله وفعله أي المتهلل الوجه البسام والمتيسر في أمره غير المتعسر فتراه سهلا في دنياه في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه فيشعر بحقارة الدنيا وتراه سهلا في معاشرة الخلق لين الجانب حسن الصحبة ذا رفق لهم وكذا في أمر الدين سهل الانقياد إلى طاعة ربه. قال بعضهم: المؤمن أسهل شيء وأيسره فإذا تعرض لدينه كان كالجبل (المطلق) وفي نسخ الطليق والأول هو ما في خط المؤلف يعني طلق الوجه ظاهر البشر لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب التخلق بشيء منها والسهولة والطلاقة داخلان فيما تسمى به إذ هما من الحلم والرحمة وفي رواية الطلق يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه إذا كان في وجهه طلاقة وبشاشة وقال أبو زيد رجل طليق الوجه متهلل بسام
(الشيرازي) وكذا الديلمي (هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبيهقي وسنده ضعيف انتهى. وذلك لأن فيه أحمد بن عبد الجبار البلخي أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وحديثه مستقيم قال الدارقطني وغيره متروك

(2/288)


1866 - (إن الله يحب الشاب) وهو من بلغ ولم يتجاوز ثلاثين سنة (التائب) أي الراجع إلى الله تعالى عن قبيح فعله وقوله لأن الشبيبة حال غلبة الشهوة وحدة النفس وقوة الطبع وضعف العقل وقلة العلم فأسباب المعصية فيها قوية وأسباب العصمة ضعيفة فتغلب الشاب قيواقع المنهي فإذا تاب مع قوة الداعي استوجب محبة الله له ورضاه عنه مكايدة للنفس والشيطان
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أنس) قال الزين العراقي سنده ضعيف

(2/288)


1867 - (إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه) أي يصرفه كله (في طاعة الله تعالى) لأنه لما تجرع مرارة الصبر وحبس نفسه عن لذاتها في محبة الله ورجاء ما عنده من الثواب جوزي بمحبة الله له والجزاء من جنس العمل ومن ثم كان صبر السلطان على ترك الظلم والفتى على الشهوات أفضل من صبر غيرهما على ذلك
(حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء تركوه وأبهمه بعضهم وسالم الأفطس قال ابن حبان ينفرد بالمعضلات

(2/288)


1868 - (إن الله تعالى يحب الصمت) أي السكوت حيث لا ضرورة إلى الكلام (عند ثلاث) من الأشياء. الأول: (عند تلاوة القرآن) أي شيء منه ليتدبر معانيه ويتأمل أحكامه قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (و) الثاني: (عند الزحف) أي عند التقاء الصفوف في الجهاد لأن السكوت أهيب وأرهب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال كما يأتي وذلك لأن الساكن الساكت أهيب وأرهب (و) الثالث: (عند الجنازة) أي عند المشي معها والغسل والصلاة عليها وتشييعها إلى أن تقبر ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا شهد جنازة أكثر الصمات وأكثر حديث نفسه وكان إذا تبع جنازة علا كربه وأقل الكلام ولا يعارض ذلك خبر أكثروا في الجنازة من قول لا إله إلا الله لأن المراد أنه يقوله سرا
(طب) وكذا أبو يعلى (عن زيد بن أرقم) قال ابن الجوزي قال أحمد ليس بصحيح وقال ابن حجر في سنده راو لم يسم وآخر مجهول وقال الهيثمي فيه رجل لم يسم

(2/288)


1869 - (إن الله تعالى يحب العبد) المؤمن (التقي) بمثناة فوقية من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهي عنه وهو [ص:289] فعيل من الوقاية تاؤه مقلوبة عن واو وقيل هو المبالغ في تجنب الذنوب (الغني) غنى النفس كما جزم به في الرياض وهو الغني المحبوب وأشار البيضاوي وعياض والطيبي إلى أن المراد غنى المال والمال غير محذور لعينه بل لكونه يعوق عن الله فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير وعكسه (الخفي) بخاء معجمة أي الخامل الذكر المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد قال ابن حجر وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء وروى بمهملة ومعناه الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء قال الطيبي والصفات الثلاثة الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي والغني للفقير والخفي على الروايتين لما يضادها فإذا قلنا إن المراد بالغنى غنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر منهم وفيه على الأول حجة لمن فضل الاعتزال وآثر الخمول على الاشتهار. قال بعض العارفين: طريق القوم لا تصلح إلا لمن كنست بأرواحهم المزابل وقيل:
ليس الخمول بعار. . . على امرئ ذي كمال. . . فليلة القدر تخفى. . . وتلك خير الليالي
(حم م) في آخر صحيحه (عن سعد) بن أبي وقاص كان في إبله فجاء ابنه فقال نزلت ههنا وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره ولم يخرجه البخاري

(2/288)


1870 - (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المفتن) بفتح التاء مشددة مبنيا للمفعول أي الممتحن بالذنب (التواب) أي الكثير التوبة أي الذي يتوب ثم يعود ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا قال الحرالي وهذا تأنيس لقلوب المجروحين من معاودة الذنب بعد التوبة منه وقال ابن عربي: يريد أنك إذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان الله توابا عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فمن أساء إليه أحد من عباد الله تعالى فرجع عليه بالإحسان إليه في مقابلة إساءته فهو التواب المحبوب إلى الله هكذا فلتعرف حقائق الأمور لا أنه تعالى يختبر عبده بالمعاصي حاش الله أن يضاف مثل هذا إليه وإن كانت الأفعال كلها لله تعالى من حيث كونها أفعالا وما هي معاصي إلا من حيث حكم الله فيها بذلك فأفعال الله كلها حسنة من حيث هي أفعاله فافهم
(حم) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه انتهى وقال شيخه الزين العراقي سنده ضعيف

(2/289)


1871 - (إن الله تعالى يحب العطاس) أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كما في الفتح وهو يفتح المسام ويخفف الدماغ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه ويخفف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة ويسهل عليه الطاعة ومن ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق (ويكره التثاؤب) بالهمز وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل فيثبط صاحبه عن الطاعة فيضحك منه الشيطان ولهذا سن الشرع كظمه ورده ما أمكن
(خ) في آخر الأدب من الصحيح (د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وزاد في الصلاة وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا ثم إن هذا لفظ أبي داود أما البخاري فزاد عقب يكره التثاؤب وإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان انتهى فاقتصار المصنف على بعض وحذف بعض غير صواب

(2/289)


1872 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المبتذل) بالبناء للفاعل أي التارك للزينة تواضعا وزاد في رواية المحترف أي الذي [ص:290] له صناعة يكتسب منها فإن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وكان ابن مهران يحث أصحابه على الكسب ويقول لهم حصلوا قوتكم ثم أغلقوا عليكم بيوتكم وقالوا له مرة إن هنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا حتى يأتينا رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم: البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي: أخزى الله من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام إذ هو من صفة ربات الحجال. قال الغزالي: الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما ومن راعا في ثوبه شيئا غير كونه حلالا وطاهرا بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربا بنفسه عنه ويعيش مخشوشنا متمعددا أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام: البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل. روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى الله إليه يا يحيى آثرت علي الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان. وقال أحمد: بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما وعد على قميص عمر رضي الله عنه اثني عشر رقعة من أدم واشترى علي كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره
(هب) من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلا انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه

(2/289)


1873 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل. مر عمر رضي الله عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متآكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير الله ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن الله وكان قلبه محجوبا فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن الله تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شيء في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله توالدا أسرع من توالد كل حيوان ومن ثم قيل الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة وفي الحديث ذم لمن يدعي التصوف ويتعطل عن المكاسب ولا يكون له علم يؤخذ عنه ولا عمل في الدين يقتدي به ومن لم ينفع الناس بحرفة يعملها يأخذ منافعهم ويضيق عليهم معاشهم فلا فائدة في حياته لهم إلا أن يكدر الماء ويغلي الأسعار ولهذا كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل: أله حرفة؟ فإذا قيل: لا سقط من عينه ومما يدل على قبح من هذا صنيعه ذم من يأكل مال نفسه إسرافا وبدارا فما حال من أكل مال غيره ولا ينيله عوضا ولا يرد عليه بدلا؟ قال العارف البرهان [ص:291] المتبولي: حكم الفقير الذي لا حرفة له كالبومة الساكنة في الخراب ليس فيها نفع لأحد ولما ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة لم يأمر أحدا من أصحابه بترك الحرفة وقال العارف الخواص رضي الله عنه: الكامل من يسلك الناس وهم في حرفهم لأنه ما ثم سبب مشروع إلا وهو مقرب إلى حضرة الله تعالى وإنما يبعد الناس من الحضرة الإلهية عدم إصلاح نيتهم في ذلك الأمر علما أو عملا
(الحكيم) الترمذي (طب هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير والأوسط فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الميزان أبو الربيع السمان قال أحمد مضطرب الحديث والنسائي لا يكتب حديثه والدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الحديث انتهى ونقل الزين العراقي والزركشي تضعيفه عن ابن عدي وأقره. وقال المصنف في سنده متروك قال السخاوي لكن له شواهد

(2/290)


1874 - (إن الله تعالى يحب المداومة) أي الاستمرار والملازمة (على الإخاء) بكسر أوله والمد (القديم فداوموا عليه) ندبا بتعهد من آخيتموه في الله منذ زمان ولا تتسببوا في قطعه بالجفاء وعدم الوفاء وقال ابن الأثير وفي حديث معاوية عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وانتاطت البلاد أي بعدت ولذلك عدوا من حق الصحبة حفظ المودة القديمة والأخوة السالفة ودخلت امرأة على المصطفى صلى الله عليه وسلم فأدناها وقربها وسألها عن حالها فقالت له عائشة رضي الله عنها في ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وسيجيء ذلك. قال الحكيم: من أحب أن تدوم له المودة في القلوب فليحفظ مودة إخوانه القدماء وما أحسن مودة إخوان الصلاح وما أجل خدمة أرباب الفلاح فمن فاز بودهم حاز النجاح ومن حرمه فاته الرباح ولله در من قال من أهل الأدب في معنى هذا الأدب:
ما ذاقت النفس على شهوة. . . ألذ من حب صديق أمين
من فاته ود أخ صالح. . . فذلك المغبون حق اليقين
وقد أفاد هذا الحديث ندب زيارة الإخوان وتعهدهم ووفاء حقوقهم غيبة وحضورا لله تعالى حتى يعظم من انتسب إليهم بوجه من وجوه الطاعة واجتمع بهم برهة من الزمان ولو ساعة
(فر) من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر (عن جابر) قال في اللسان هذا منكر بمرة ولا أظن سفيان بن عيينة حدث به فقط

(2/291)


1875 - (إن الله تعالى يحب حفظ الود) أي الحب الشديد المتأكد (القديم) قدما نسبيا وهذا وارد على منهج تأكد زيارة الإخوان في الله وتفقد حالهم والإهداء إليهم واصطناع المعروف معهم ومعاملتهم بما يوجب دوام الوداد فإن ذلك مما يرضي رب العباد ويعامل فاعله بالإسعاد وعدم البعاد. قال الغزالي: وهذا وما قبله في حق الأصدقاء المتؤاخين أما المعارف فاحذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت وأبعد ما أمكن فإن ابتليت بهم في نحو مدرسة أو سوق فيجب ألا تستضعف منهم أحدا فإنك لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم فتهلك وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فلم يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم فإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنه يطول عناءك معهم وإياك وثناءهم عليك في وجهك وإظهارهم الود لك فإنك إن طلبت حقيقته لم تجد في المئة واحدا ولا تطمع أن يكونوا لك في العلن والسر سواء ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك كذلك حتى في أصدقائك وأقاربك
(عد) عن عائشة

(2/291)


[ص:292] 1876 - (إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) أي الملازمين له جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه ولا النعم عن الإقبال عليه لأن دعاء الملح دائم غير منقطع فهو يسأل ولا يرى إجابة ثم يسأل ثم يسأل فلا يرى وهكذا فلا يزال يلح ولا يزال رجاؤه يتزايد وذلك دلالة على صحة قلبه وصدق عبوديته واستقامة وجهته فقلب الملح معلق دائما بمشيئته واستعماله اللسان في الدعاء عبادة وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة فهو بين عبادتين سريتين ووجهتين فاضلتين فلذلك أحبه الله تعالى وهذا عام خص منه الخواص في مقام الابتلاء فمقام التسليم لهم فيه أفضل لكونه أدل على قوى أنفسهم ورضاهم بالقضاء والدعاء في مثل ذلك الموطن فيه من الهلع ما لا يخفى يرشدك إلى ذلك ما ذكره المفسرون إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا حسبي من سؤالي علمه بحالي هكذا فافهم
(الحكيم) الترمذي (عد هب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] كما في درر المصنف كلهم (عن عائشة) قال ابن حجر رحمه الله تعالى تفرد به يوسف بن سفر عن الأوزاعي وهو متروك وكأن بقية دلسه اه. وعزاه في موضع آخر إلى الطبراني في الدعاء ثم قال سنده رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة

(2/292)


1877 - (إن الله يحب الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فليس هو هنا للاحتراز (له الجار) يظهر أن المراد به هنا من قرب من منزلك عرفا لا ما عليه عرف الفقهاء من أنه أربعون دارا من كل جانب (السوء يؤذيه) بقول أو فعل (فيصبر على أذاه) امتثالا لأمر الله تعالى بالصبر في مثله (ويحتسب) أي يقول كلما آذاه حسبنا الله ونعم الوكيل وفي رواية ويحتسبه أي يحتسب صبره على آذاه (حتى) أي إلى أن ويجوز كونها عاطفة (يكفيه الله) إياه (بحياة أو موت) أي بأن ينتقل أحدهما عن صاحبه في حال الحياة أو بموت أحدهما
(خط) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي ذر) قال ابن الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى عيسى بن إبراهيم أي أحد رواته ليس بشيء وبقية كان مدلسا يسمع من المتروكين والمجهولين فيدلس

(2/292)


1878 - (إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه) أي واجباته هذا ما وقفت عليه في نسخ الجامع والذي رأيته في كلام الناقلين عن الكامل لابن عدي رخصه بدل فرائضه فليحرر وفي حديث آخر ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولعلهما حديثان
(عد عن عائشة) قال ابن طاهر وغيره ما محصوله رواه عنها بإسنادين في أحدهما الحكم بن عبيد الله بن سعد الأيلي وهو ضعيف جدا كما بينه ابن عدي نفسه وفي الآخر عمر بن عبيد البصري وعامة ما يرويه لا يتابع عليه

(2/292)


1879 - (إن الله تعالى يحب أن يؤتى رخصه) جمع رخصة وهي مقابل العزيمة (كما يجب أن تؤتى عزائمه) أي مطلوباته الواجبة فإن أمر الله تعالى في الرخصة والعزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله ولا الإتمام أولى من القصر في محله فيطلب فعل الرخص في مواضعها والعزائم كذلك فإن تعارضا في شيء واحد راعى الأفضل قال [ص:293] القاضي: والعزيمة في الأصل عقد القلب على الشيء ثم استعمل لكل أمر محتوم وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالإمالة كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات قال ابن تيمية ولهذا الحديث وما أشبهه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار والأغلال ويزجر أصحابه عن التبتل والترهب
(حم هق عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عباس) مرفوعا باللفظ المزبور (وعن ابن مسعود) بنحوه قال ابن طاهر وقفه عليه أصح

(2/292)


1880 - (إن الله يحب أن يرى) بالبناء للمجهول (أثر نعمته) أي إنعامه (على عبده) قيل معنى يرى مزيد الشكر لله تعالى العمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب {وأحسن كما أحسن الله إليك} والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجدة عليه زيا وانفاقا وشكرا هذا في نعمة الله أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به وتهذيب الأخلاق ولين الجانب والحلم على السفيه وتعليم الجاهل ونشر العلم في أهله ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية وإقامة نواميس العدل فيهم ومعاملتهم بالإنصاف وترك الإعتساف إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى
(ت ك عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن وفي الباب عمران بن الحصين وأبو هريرة وجابر وأبو الأحوص وأبو سعيد وغيرهم

(2/293)


1881 - (إن الله يحب أن تقبل) في رواية تفعل وهي مبينة للمراد بالقبول (رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه) أي ستره عليه بعدم عقابه فينبغي استعمال الرخصة في مواضعها عند الحاجة لها سيما العالم يقتدى به وإذا كان من أصر على مندوب ولم يعمل بالرخصة فقد أصاب منه الشيطان فكيف بمن أصر على بدعة فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر
(طب عن أبي الدرداء ووائلة) بن الأسقع (وأبي أمامة) الباهلي (وأنس) بن مالك قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به إسماعيل بن العطار

(2/293)


1882 - (إن الله يحب أن يرى عبده تعبا) بفتح فكسر أي عييا في (طلب) الكسب (الحلال) يعني أنه يرضى عنه ويضاعف له الثواب أي أن قصد بعمله التقرب لتضمنه فوائد كثيرة كإيصال النفع إلى الغير بإجراء الأجرة إن كان العمل نحو إجارة وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم إن كان نحو خياطة أو زرع وكالسلامة من البطالة واللهو وكسر النفس ليقل طغيانها وكالتعفف عن ذل السؤال وإظهار الحاجة لكن شرطه اعتقاد الرزق من الرزاق لا من الكسب قال ابن الأثير: وفي حديث أخر إني لأرى الرجل يعجبني فأقول له: هل لك حرفة فإن قال لا سقط من عيني <تنبيه> قال الراغب: الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحا من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلا بد أن يعوضهم تعبا له وإلا كان ظالما لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى
(فر عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي فيه محمد ابن [ص:294] سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه

(2/293)


1883 - (إن الله يحب أن يعفى) بالبناء للمفعول (عن ذنب السرى) أي الرئيس المطاع أو المطيع له والجمع سراة وهو جمع عزيز إذ لا يجمع فعيل على فعلة وقيل هو الشريف وفي خبر أم زرع فنكحت بعده سريا وأيا ما كان فهو بمعنى خبر أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود فيأتي هنا ما مر ثم العفو محو الجريمة من عفا إذا درس
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه المؤلف (في ذم الغضب وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق كلاهما (عن عائشة) وفيه هانئ بن يحيى بن المتوكل قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان ويزيد عياض قال النسائي وغيره متروك

(2/294)


1884 - (إن الله تعالى يحب من عباده الغيور) صيغة مبالغة أي كثير الغيرة والمراد الغيرة المحبوبة فإن غيرة العبد على محبوبه نوعان ممدوحة يحبها الله تعالى وهي ما كان عند قيام ريبة ومذمومة يكرهها وهي ما كان عند عدمها بل بمجرد سوء الظن وهذه تفسد الحيب وتوقع العداوة بين المحبين
(طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه المقدام بن داود وهو ضعيف

(2/294)


1885 - (إن الله تعالى يحب) من عباده رجلا (سمح البيع) أي سهله (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي كما سبق موضحا ومقصود الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات واستعمال الرفق وتجنب العسر قال ابن العربي: إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا وإفضاله على الخلق الذين هم عيال الله ونفعه لهم فلذلك استوجب محبة الله
(ت ك) في البيوع (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال هو حديث خطأ رواه إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه كذا قال

(2/294)


1886 - (إن الله تعالى يحب) من عباده (من يحب التمر) بمثناة فوقية أي آكله ولهذا كان أكثر طعامه يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء والتمر كما قاله حجة الإسلام وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء
(طب) وكذا الديلمي (عد) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حبيبة وهو متروك وقال غيره فيه يحيى بن خالد قال في الميزان مجهول وإبراهيم بن أبي حبيبة مختلف فيه وابن لهيعة وفيه ضعف

(2/294)


1887 - (إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف) أي المبالغ في العفة عن السؤال مع وجود الحاجة لطموح بصر بصيرته عن الخلق إلى الخالق وتوجهه إلى سؤال الرزق من الرزاق وإنما يسأل إن سأل على جهة العرض والتلويح الخفي كما كان أبو هريرة رضي الله عنه يستقرئ غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا [ص:295] المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها (أبا العيال) يعني كافلهم أبا كان أو جدا أو نحو أخ أو ابن عم أو أم أو جدة لكنه لما كان القائم على العيال يكون أبا غالبا خصه وفي ضمنه إشعار بأنه يندب للفقير ندبا مؤكدا أن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستره قال تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} وقال سفيان: أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم: ستر الفقر من كنوز البر. قال الغزالي رحمه الله تعالى: ومن آداب الفقير أن لا يتواضع لغني لغناه بل يتكبر عليه قال علي كرم الله وجهه: تواضع الغني للفقير رغبة في الثواب حسن وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله
(هـ) في الزهد (عن عمران بن حصين) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه حماد بن عيسى قال الذهبي ضعفوه وموسى بن عبيد قال في الكشاف ضعفوه وفي الضعفاء عن أحمد لا تحل الرواية عنه قال السخاوي لكن له شواهد

(2/294)


1888 - (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين) أي لين كثير العطف والرحمة أي منكسر من خشية الله تعالى ومهتم بأمر دينه خائف من تقصيره بأن يفعل معه من الإكرام فعل المحب مع حبيبه والله تعالى ينظر إلى قلوب العباد فيحب كل قلب تخلق بأخلاق المعرفة كالخوف والرجاء والحزن والمحبة والحياء والرقة والصفاء فلذلك يحب القلب ذا رأي فيه الحزن على التقصير والفرح بالطاعة وقيل توضأ داود عليه السلام فقال رب طهرت بدني بالماء فبم أطهر قلبي فأوحى الله إليه طهره بالهموم والأحزان وقيل عمارة القلب بالأحزان والقلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخرب فليس مراد المصطفى صلى الله عليه وسلم القلب الحزين على الدنيا فذلك يبغضه الله تعالى ففي خبر من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه قال والحزين هنا ضد القاسي قال حجة الإسلام قال ابن مذعور رأيت الأوزاعي في النوم فقلت له دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم المحزونين
(طب ك) في الرقائق من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة (عن أبي الدرداء) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه مع ضعف أبي بكر منقطع انتهى وقال الهيثمي إسناد الطبراني حسن

(2/295)


1889 - (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه (1) وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه <تنبيه> علم مما تقرر أن العبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها التي هي صفات الملائكة فحينئذ ترفع [ص:296] همته إلى العالم الرضواني وتنساق إلى الملأ الروحاني <تنبيه> قال بعض الحكماء: بالهمم العالية والقرائح الزكية تصفو القلوب إلى نسيم العقل الروحاني وترقى في ملكوت الضياء والقدرة الخفية عن الأبصار المحيطة بالأنظار وترتع في رياض الألباب المصفاة من الأدناس وبالأفكار تصفو كدر الأخلاق المحيطة بأقطار الهياكل الجسمانية فعند الصفو ومفارقة الكدر تعيش الأرواح التي لا يصل إليها انحلال ولا اضمحلال
(طب عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي رواه البيهقي متصلا ومنفصلا ورجالهما ثقات اه
_________
(1) والإنسان يضارع الملك بقوة الفكر والتمييز ويضارع البهيمة بالشهوة والدناءة فمن صرف همته إلى اكتساب معالي الأخلاق أحبه الله فحقيق أن يلتحق بالملائكة لطهارة أخلاقه ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الأخلاق التحق بالبهائم فيصير إما ضاربا ككلب أو شرها كخنزير أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو رواغا كثعلب أو جامعا لذلك كشيطان

(2/295)


1890 - (إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين) أي من بلغ من العمر ثمانين سنة من رجل وامرأة والمراد من المؤمنين كما هو بين
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/296)


1891 - (إن الله يحب أبناء السبعين) من السنين (ويستحيي من أبناء الثمانين) أي يعاملهم معاملة المستحيي فليس المراد هنا حقيقة الحياء الذي هو انقباض عن الرذائل لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الوصف به بل ترك تعذيبهم
(حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه محمد بن خلف القاضي قال الذهبي عن ابن المناوي فيه لبن وأبان بن ثعلب قال ابن عدي غال في التشيع لا بأس به

(2/296)


1892 - (إن الله يحب أن يحمد) بالبناء للمفعول أي يحب من عبده أن يثنى عليه بجميع صفاته الجميلة الجليلة من ملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق فأخبر أنه تعالى يحب المحامد وفي رواية إن الله تعالى يحب أن يمدح وفي أخرى لا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه واستنبط منه عبد اللطيف البغدادي جواز قول مدحت الله وتعقبه الزركشي بأنه غير صريح لاحتمال كون المراد إن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره. قال بعضهم: وما اعترض به على عدم الصراحة بإيداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره البهاء السبكي في شرح التلخيص
(طب عن الأسود بن سريع) بفتح السين ابن حمير عبادة التميمي السعدي أول من قص بجامع البصرة فكان شاعرا بليغا مفوها مات في أيام الجمل وقيل سنة اثنين وأربعين

(2/296)


1893 - (إن الله يحب الفضل) بضاد معجمة أي الزيادة (في كل شيء) من الخير (حتى في الصلاة) فإكثار العبد إياها محبوب عند الله إذ هي خير موضوع كما سيجيء في حديث وفي نسخ الفصل بصاد مهملة وعليه فالمعنى يحب الفصل بين الكلمات حتى في الصلاة بأن يقف إذا قرأ الفاتحة على رؤوس الآي كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل ويفصل الاعتدال عن الركوع والسجود عن الاعتدال وهكذا وقد ندبوا في الصلاة تسع سكتات
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاصي

(2/296)


1894 - (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) جمع رخصة وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذر حصل وقيل غير ذلك لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة ومن أنف ما أباحه الشرع وترفع عنه فسد دينه فأمر بفعل [ص:297] الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها ويقتل بذلك كبرها ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع ومفهوم محبته لإتيان الرخص أنه يكره تركه فأكد قبول رخصته تأكيدا يكاد يلحق بالوجوب بقوله (كما يكره أن تؤتى معصيته) وقال الغزالي رحمه الله: هذا قاله تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم اه. قال ابن حجر رحمه الله: وفيه دلالة على أن القصر للمسافر أفضل من الإتمام (1)
(حم حب هب) وكذا أبو يعلى والبزار كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي رحمه الله: رجال أحمد رجال الصحيح وسند الطبراني حسن انتهى
_________
(1) والرخص عند الشافعية أقسام: ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر والفطر لمن خاف الهلاك بعطش أو جوع وما يندب كالقصر في السفر وما يباح كالسلم وما الأولى تركه كالجمع والتيمم لقادر وجد الماء بأكثر من ثمن مثله وما يكره فعله كالقصر في أقل من ثلاث فالحديث منزل على الأولين

(2/296)


1895 - (إن الله تعالى يحب أن تعدلوا) من العدل ضد الجور (بين أولادكم) في كل شيء (حتى في القبل) بضم ففتح جمع قبلة أي حتى في تقبيل أحدكم لولده فلا يميز بعضهم على بعض ولو بقبلة فيتأكد التسوية بينهم لما في عدمها من إيراث الضغائن والتباغض والتحاسد
(ابن النجار) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) الأنصاري

(2/297)


1896 - (إن الله يحب الناسك) أي المتعبد (النظيف) أي النقي البدن والثوب فإنه تعالى نظيف يحب النظافة كما سلف تقريره والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر كما يحب أن يرى عليه الجمال الباطن بالتقوى قال في المواهب: الجمال في اللباس والهيئة ثلاثة نوع يحمد ونوع يذم ونوع لا ولاء فالمحمود ما كان لله تعالى وأعان على طاعته كالمتضمن غيظ عدوه وإعلاء كلمته ومنه التجمل للوفود ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يتجمل للوفود والمذموم ما فيه خيلاء وفخر وما عدا ذلك مباح لتجرده عن قصد مذموم شرعا وكتب بعضهم إلى ملك بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق فأجابه:
حسن ثيابك ما استطعت فإنها. . . زين الرجال بها تعز وتكرم
ودع التواضع في الثياب تخشنا. . . فالله يعلم ما تسر وتكتم
فرثاث ثوبك لا يزيدك رفعة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم
وجديد ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم
فينبغي لكل عاقل تنظيف ثوبه عن الدنس الحسي وقلبه عن الدنس المعنوي ويلحظ استحسان النظافة الحسية وحسن رونق المتصف بالنظافة المعنوية ويلحظ قولهم ما من أمر معنوي إلا وجعل له مثال حسي يدل عليه
(خط عن جابر) بن عبد الله

(2/297)


1897 - (إن الله تعالى يحب أن يقرأ) بالبناء للمجهول (القرآن) أي أن يقرأه عباده المؤمنون (كما أنزل) بالبناء للمفعول أو الفاعل أو من غير زيادة ولا نقص فلا يزيد للقارئ حرفا ولا ينقص حرفا ولا يقرأه بالألحان والتمطيط كما يفعله قراء زمننا
(السجزي) أبو نصر (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة عن أصول الديانة له (عن زيد بن ثابت)

(2/297)


[ص:298] 1898 - (إن الله يحب أهل البيت الخصب) ككتف أو كجمل أي الكثير الخير الذي وسع الله على صاحبه فلم يقتر على عياله بل واساهم بماله ولم يضيق عليهم وقرى الضيف وأطعم الجار
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قرى الضيف عن) عبد الملك بن عبد العزيز بن (جريج) بضم الجيم وفتح الراء المكي الفقيه أحد الأعلام أول من صنف في الإسلام (معضلا)

(2/298)


1899 - (إن الله تعالى يحب أن يرى) بضم الياء وفتحها فعلى الضم الرؤية تعود للناس وعلى الفتح تعود إلى الله لأنه يرى الأشياء على ما هي فيرى الموجود موجودا والمعدوم معدوما (أثر نعمته على عبده) لأنه سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليه ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل لعباده لباسا يجمل ظواهرهم ويقوي تجمل بواطنهم فهو يحب لعبده التجمل حتى (في مأكله ومشربه) أي مأكوله ومشروبه حتى يرى أثر الجدة عليه وعلى من عليه مؤنته من زوجة وخادم وغيرهما قوتا وملبسا ومسكنا وغير ذلك مما يليق بأمثاله وأمثالهم عرفا <تنبيه> كثير من أرباب النفوس يتعلق بهذا الخبر فيبرز منه تفاخر مذموم في قالب التحدث بالنعمة وهو باعتبار حاله ظاهر معلوم وإن خفي على أرباب الرسوم فلا يخفى على أرباب القلوب والفهوم نعم قد يصدر عن بعض فصحاء الحضرة الإلهية المترجمون عن لسان المواهب الإختصاصية نفثة مصدور لكونها مطابقة مقتضى الحال فيعذرون فمن ذلك قوله في الفتوحات شاهدت جميع الأنبياء وأشهدني الله جميع المؤمنين ورأيت مراتب الجماعة كلها فعلمت أقدارهم واطلعت على جميع ما آمنت به مجملا مما هو في العالم العلوي ولم أسأله أن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلا منه فلو أشرك جميع الخلق لم أتأثر فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده بل أتمنى أن يكون العالم كله في أعلى المراتب فخصني بخاتمة لم تخطر ببالي ولا أذكره للفخر بل للتحدث بالنعمة وليسمع صاحب همة فتحدث له همة استعمال نفسه فيما استعملها فينال درجتي ولا ضيف إلا في المحسوس انتهى
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (فيه) أي في قرى الضيف (عن علي بن يزيد بن) عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي البصري أصله حجازي ويعرف بعلي بن زيد بن جذعان ينسب أبوه إلى جد جده إذ هو علي بن يزيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جذعان بن عمر بن كعب الضرير أحد حفاظ البصرة (مرسلا) أرسل عن جمع من الصحابة قال الدارقطني فيه لين وفي التقريب ضعيف

(2/298)


1900 - (إن الله تعالى يحمي عبده المؤمن) أي يمنعه مما يضره (كما يحمي الراعي الشفيق) أي الكثير الشفقة أي الرحمة والرأفة (غنمه عن مراتع الهلكة) بالتحريك وذلك من غيرته تعالى على عبده فيحميه مما يضره في آخرته ويحتمل أن المراد يحميه من الدنيا ودوام الصحة ورب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ولو كثر ماله وصح لبطر وطغى {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} قال الغزالي رحمه الله تعالى: فتأمل إذا حبس عنك رغيفا أو درهما فتعلم أنه يملك [ص:299] ما تريد ويقدر على إيصاله إليك وله الجود وله الفضل ويعلم حالك لا يخفى عليه شيء فلا عدم ولا عجز ولا خفاء ولا بخل تعالى عن ذلك فإنه أغنى الأغنياء وأقدر القادرين وأعلم العلماء وأجود الأجودين فتعلم أنه لم يمنعك إلا لصلاح كيف وهو يقول {وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} وإذا إبتلاك بشدة فإنه غني عن امتحانك وابتلائك عالم بحالك بصير بضعفك وهو رؤوف رحيم فلم ينزله بك إلا لصلاح لك جهلته
(هب عن حذيفة) بن اليمان وفيه الحسين الجعفي قال الذهبي مجهول متهم

(2/298)


1901 - (إن الله تعالى يحشر) أي يجمع (المؤذنين) في الدنيا (يوم القيامة (1) أطول الناس أعناقا) أي أكثرهم رجاء (بقولهم لا إله إلا الله) أي بسبب إكثارهم من النطق بالشهادتين في التأذين في الأوقات الخمس وفيه إيماء إلى أن سبب نيلهم هذه المرتبة إكثار النطق بالشهادة فيفيد أن من دوام عليها حشر كذلك وإن لم يكن مؤذنا
(خط) في ترجمة عبيد الله الأنصاري (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن الوقاص قال الذهبي ضعفه الأزدي
_________
(1) يوم ظرف ليحشر ونصب أطول على الحال وأعناقا على التمييز أكثرهم رجاء أو هو كناية عن عدم الافتضاح

(2/299)


1902 - (إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده) المؤمنين (طول يوم القيامة) حتى يصير عنده في الخفة (كوقت صلاة مكتوبة) أي مقدار صلاة الصبح كما في خبر آخر وهذا تمثيل لمزيد السرعة والمراد لمحة لا تكاد تدرك وخص المثل بقدر وقت الصلاة لأن عادة البليغ الضارب للمثل أن ينظر إلى ما يستدعيه حال الممثل له ويستجره إليه وصفة حال السعداء في غالب الأحيان التلبس بأفضل العبادات بعد الإيمان وجاء في خبر أن بعضهم لا يقف في الموقف
(هب عن أبي هريرة) وفيه نعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ثقة وقال النسائي غير ثقة وقال ابن عدي والأزدي قالوا كان يضع الحديث

(2/299)


1903 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالسهم الواحد) الذي يرمي إلى أعداء الله بقصد إعلاء كلمة الله (ثلاثة نفر الجنة صانعه) دخل فيه صانع مفرداته كما يتناول صانع تركيبه فكل من حاول من أمره شيئا فهو من صناعه لكن إنما يدخل إذا كان (يحتسب في صنعته الخير) أي الذي يقصد بعمله الإعانة على جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله ويحتمل أن المراد المتطوع بعمله للمجاهد بغير أجرة. قال الزين العراقي: والأول أولى وقال ابن حجر رحمه الله: هذا أعم من كونه متطوعا أو بأجرة لكن لا يحسن إلا من متطوع (والرامي به) في سبيل الله (ومنبله) بالتشديد مناوله للرامي ليرمي به احتسابا منه يقوم بجنبه أو خلفه فيناوله إياه أو يجمع له السهام إذا رماها ويردها إليه وفيه فضل الرمي وأنه أولى ما استعد به للعدو بعد الإيمان
(حم 3) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) وفيه خالد بن زيد قال ابن القطان وهو مجهول الحال فالحديث من أجله لا يصح اه

(2/299)


1904 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه والذي وقفت عليه في الأصول الصحيحة ليدخل (بلقمة الخبز) أي بقدر ما يلقم منه (وقبضة التمر) بفتح القاف وضمها وسكون الموحدة وبصاد مهملة ما يناوله الإنسان برؤوس أنامله الثلاث للسائل ذكره المنذري (ومثله) أي ومثل كل مما ذكر (مما) أي من كل ما (ينفع المسكين) وإن لم [ص:300] يكفه كقبضة زبيب أو قطعة لحم أو غير ذلك ففي ذكر النفع إشارة إلى أن اللقمة والقبضة لابد أن يكون لهما وقع في الجملة وأن ما يثير الشهوة ولا يقع موقعه البتة لا أثر له (ثلاثة الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب أو شديد (صاحب البيت) أي المسكن الذي تصدق بذلك على الفقير منه (الآمر به) أي الذي أمر بالتصدق عليه به (والزوجة المصلحة) للخبز أو الطعام بالطبخ والطحن والتهيئة وغير ذلك ومن في معنى الزوجة نحو الأم كذلك (والخادم الذي يناول المسكين) أي الذي يناول الشيء المتصدق به إلى المتصدق عليه والخادم مثال وخصه نظرا إلى أنه المناول غالبا وإلا ففي معناه كل مناول وتمام الحديث كما في المستدرك ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحمد لله الذي لم ينس خدمنا اه. فحذف المصنف لذلك غير صواب وقوله لم ينس خدمنا أي من الثواب
(ك) في الأطعمة من حديث سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن المقبري (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم فتعقبه الذهبي فقال سويد متروك

(2/299)


1905 - (إن الله يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالحجة الواحدة) أي بسببها (ثلاثة نفر) بفتح النون والفاء (الجنة الميت) المحجوج عنه (والحاج عنه والمنفذ) بضم الميم ومعجمة مشددة (لذلك) قال البيهقي يعني الوصي وهذا فيه شمول لما إذا تطوع بالحج وما لو حج بأجرة على قياس ما قبله ويؤيده ما رواه ابن عدي من حديث معاذ مثل الذي يحج عن أمتي مثل أم موسى كانت ترضعه وتأخذ الكراء من فرعون قال ابن عدي مستقيم الإسناد منكر المتن قال الزين العراقي: ولا يشك أن من قصد الإعانة يكون شريكا في الأجر فإن المباح يصير قربة بالنية وفيه رد على من منع حج المرأة عن الرجل والحج عن الغير مطلقا وحكى عن مالك والذي عليه الشافعي جوازه كالجمهور عمن عليه فرض ولو قضاء أو نذرا وإن لم يوص به أو عمن أوصى به ولو تطوعا وعن حيي معضوب بي
(عد) عن علي أحمد بن حاتم عن إسحاق بن إبراهيم السختياني عن إسحاق بن بشر عن ابن معشر عن محمد بن المنكدر عن جابر (هب) من هذا الوجه (عن جابر) قال الذهبي فيه أبو معشر ضعيف اه. وسبقه ابن القطان فقال أبو معشر ضعفه الأكثر اه. وأورده ابن الجوزي من هذا الطريق في الموضوعات وقال: إسحاق يضع ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن البيهقي خرجه واقتصر على تضعيفه وبأن له شاهدا

(2/300)


1906 - (إن الله تعالى يدنو من خلقه) أي يقرب منهم قرب كرامة ولطف ورحمة لا قرب مسافة كما هو بين والمراد ليلة النصف من شعبان كما في رواية أخرى أو كل ليلة إذا بقي من الليل كما ثلثه في رواية أخرى ولا يصح حمله يوم القيامة إذ لا فائدة للاستغفار ولا للتوبة فيه (فيغفر لمن استغفر) أي طلب منه الغفران بأن تاب (إلا البغي بفرجها) أي الزانية وزاد قوله بفرجها دفعا لتوهم إرادة نحو زنا العين واللسان أي الزانية (والعشار) بالتشديد أي المكاس ويقال العاشر والعشور المكوس وهذا وعيد شديد يفيد أن المكس من أكبر الكبائر وأفجر الفجور ووجه استثنائهما أن الزانية سعت في إفساد الإنسان واختلاط المياه والمكاس قد قهر الخلق بأخذ ما ليس عليهم جبرا
(طب عد عن عثمان ابن أبي العاصي) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد فيه كلام وللحديث طرق تأتي فيما يناسبها

(2/300)


[ص:301] 1907 - (إن الله تعالى يدني المؤمن) أي يقربه منه بالمعنى المقرر فيما قبل (فيضع عليك كنفه) أي ستره فيحفظه (ويستره) به (من الناس) أهل الموقف صيانة له من الخزي والتفضيح مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه (ويقرره بذنوبه) أي يجعله مقرا بها بأن يظهرها له ويلجئه إلى الإقرار بها (فيقول) تعالى له (أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا) مرتين (فيقول) المؤمن (نعم) أعرفه وفي رواية أعرف (أي رب) أي يا رب أعرف ذلك وهكذا كلما ذكر له ذنبا أقر به (حق إذا قرره بذنوبه) أي جعله مقرا بها كلها بأن أظهر له ذنوبه وألجأه إلى الإقرار بها (ورأى في نفسه) أي علم الله في ذاته (أنه) أي المؤمن (قد هلك) باستحقاقه العذاب لاقراره بذنوب لا يجد لها مدفعا ولا عنها جوابا منجعا ويجوز كون الضمير في رأي للمؤمن والواو فيه للحال ذكره القاضي (قال) أي الله (فإني) أي فإذ قد أقررت وخفتني إني (قد سترتها) أي الذنوب (عليك في الدنيا) هذا إستئناف جواب عمن قال ماذا قال الله (وأنا أغفرها لك اليوم) قدم أنا ليفيد الاختصاص إذ الذنوب لا يغفرها غيره ولم يقل أنا سترتها عليك لأن الستر في الدنيا كان باكتساب من العبد أيضا. قال الغزالي رحمه الله تعالى: وهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون فهو جدير بأن يجازى بذلك (ثم يعطى) بالبناء للمجهول أي يعطي الله المؤمن إظهارا لكرامته وإعلاما بنجاته وإدخالا لكمال السرور عليه وتحقيقا لقوله تعالى {فأما من أوتي كتابه بيمينه} (كتاب حسناته بيمينه) أي بيده اليمنى (وأما الكافر) بالإفراد (والمنافق) بالإفراد وفي رواية للبخاري والمنافقون بالجمع (فيقول الأشهاد) جمع شهيد جمع شاهد أي الحاضرون يوم القيامة الأنبياء والملائكة والمؤمنون أو المراد أهل المحشر لأنه يشهد بعضهم على بعض (هؤلاء) إشارة إلى الكافرين والمنافقين (الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) وفيه رد على المعتزلة المانعين مغفرة ذنوب غير الكفار وعلى الخوارج حيث كفروا بالمعاصي والمراد بالذنوب هنا الحقوق المتعلقة بالخلق بدليل ما روي إذا خلص المؤمنون من النار احتبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت عليهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وأل في المؤمن عهدية لا جنسية والمعهود من لم يتجاهر في الدنيا بالمعاصي بل استتر بستر الله وإلا فلا بد من دخول جماعة من عصاة المؤمنين النار
(حم ق) البخاري في المظالم في التوبة (ن) في التفسير (هـ) في السنة كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/301)


1908 - (إن الله يرضى لكم ثلاثا) من الخصال (ويكره لكم ثلاثا) يعني يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث إذ الرضى بالشيء يستلزم الأمر والأمر بالشيء يستلزم الرضى به فيكون كناية وكذا الكلام في الكراهة وأتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم رمز إلى أن فائدة كل من الأمرين عائدة لعباده فالأولى ما أشار إليها بقوله (فيرضى لكم) الفاء فيه تفسيرية (أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا) في عبادته فهذه واحدة خلافا لقول النووي [ص:302] ثنتان (و) الثانية (أن تعتصموا بحبل الله جميعا) أي القرآن يرشدك إلى ذلك خبر القرآن حبل الله المتين والحديث يفسر بعضه بعضا فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك ولا عطر بعد عروس والاعتصام به التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها (ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين وهذا نفي عطف على تعتصموا أي لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب أو هو نهي عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر يعني اعتصموا ولا تفرقوا وكذا اللام في قوله ولا تشركوا (و) الثالثة (أن تناصحوا من ولاه الله أمركم) أي من جعله والي أمركم وهم الإمام ونوابه والمراد بمناصحتهم ترك مخالفتهم والدعاء عليهم والدعاء لهم ومعاونتهم على الحق والتلطف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق ولم يؤكد هنا بقوله ولا تخالفوا إشعارا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية (ويكره لكم قيل وقال) مصدران أريد بهما المقاولة والخوض في أخبار الناس أو ماضيان كما سبق (وكثرة السؤال) عن الأخبار وقيل من الأموال وقد سبق ما فيه (وإضاعة المال) (1) بصرفه في غير وجهه الشرعي وقد سبق من ذلك ما فيه بلاغ <فائدة> حكي أن الأصمعي لما أراد الرشيد مجالسته قال له: اعلم أنك أعلم منا ونحن أعقل منك فلا تعلمنا في ملأ ولا تذرنا في خلاء واتركنا حتى نبدأك بالسلام ثم إذا بلغت في الجواب حد الاستحقاق لا تزد إلا باستدعاء وإذا وجدتنا خرجنا عن الحق فأرجعنا ما استطعت من غير تقريع على خطيئتنا ولا إضجار بطول التردد إلينا لئلا تهون في أعيننا فلا نعتني بقولك يا أبا محمد إنه لن تهلك أمة مع التناصح ولن يهلك ملك مع الاستشارة ولن يهلك قلب مع التسليم
(حم م عن أبي هريرة)
_________
(1) وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب الفساد ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس

(2/301)


1909 - (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب) أي بالإيمان بالقرآن وتعظيم شأنه والعمل بمقتضاه مخلصا (أقواما) أي درجة أقواما ويشرفهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة (يضع) أي ويحقر ويخفض ويذل (به آخرين) وهم من لم يؤمن به أو آمن ولم يعمل به مخلصا وآخرين بفتح الخاء اسم على أفعل والأنثى أخرى أي يخفض ويذل به قوما آخرين وهم من أعرض عنه ولم يأتمر به أو قرأه أو عمل به مرائيا فيضعه أسفل السافلين لقوله تعالى {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} وعدل عن أن يضع به أقواما آخرين إشارة عن تأخرهم عن منازل القرب ودرجات الأبرار
(م) في الصلاة (هـ) في السنة (عن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري

(2/302)


1910 - (إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (ببره والديه) أي أصليه وإن عليا يعني بإحسانه إليهما وطاعته إياهما في كل مندوب أو مباح والمراد أنه يبارك له في عمره أو هو في المعلق كما يأتي
(ابن منيع) في معجم الصحابة (عد) كلاهما (عن جابر) وفيه الكلبي وهو محمد بن السائب قال في الكاشف: قال البخاري تركه القطان وابن مهدي وفي الضعفاء رماه بالكذب زائدة والتيمي والجوزجاني وابن معين وابن حبان وغيرهم

(2/302)


1911 - (إن الله تعالى يسأل العبد) يوم القيامة (عن فضل علمه) أي عما فضل منه العمل به لخاصة نفسه هل أغاث [ص:303] بجاهه الملهوف وأبلغ الحكام من لا يستطيع إبلاغ حاجته ونحو ذلك (كما يسأله عن فضل ماله) هل أنفق منه على المحتاج وأطعم الجائع وكسا العريان وفك العاني وفك الأسير ونحو ذلك وهذا حث شديد على تجنب البخل بعلمه أو بجاهه وأن عليه إعانة عيال الله بشفاعته وتعليمه وغير ذلك
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه يوسف بن يونس الأفطس قال الذهبي جرحه ابن عدي

(2/302)


1912 - (إن الله تعالى يسعر) أي يشدد لهب (جهنم كل يوم في نصف النهار) أي وقت الاستواء (ويخبتها في يوم الجمعة) لما خص به ذلك اليوم من عظيم الفضل وتفضيله على سائر الأيام ولعظم صلاة الجمعة الواقعة فيه حالتئذ ومن ثم ذهب الشافعية إلى عدم انعقاد صلاة لا سبب لها في وقت الاستواء وحرمتها إلا يوم الجمعة قتنعقد ولا تحرم وساعة الإجابة مبهمة في يوم الجمعة فلا يناسب المنع من العبادة والدعاء رجاء مصادفتها
(طب عن وائلة) بن الأسقع قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال يوم الجمعة يؤذن قبلها بالصلاة نصف النهار وقد نهيت في سائر الأيام فذكره قال الهيثمي فيه بشر بن عون قال ابن حبان روى مئة حديث كلها موضوعة انتهى فكان على المصنف حذفه من الكتاب

(2/303)


1913 - (إن الله يطلع في العيدين) الفطر والأضحى (إلى الأرض) أي إلى أهلها إطلاعا خاصا مقتضيا لشمول الرحمة وإدرار البر والمراد أهل الأرض من المؤمنين (فابرزوا من المنازل) إلى مصلى العيد ندبا (تلحقكم) أي لتلحقكم (الرحمة) فإن نظره إلى عباده نظر رحمة ومثوبة والخطاب للرجال وكذا للعجائز بإذن أزواجهن فيحضرن مصلى العيد مبتذلات لهذا الحديث
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس وفيه ضعف

(2/303)


1914 - (إن الله تعالى يعافي الأميين) أي الجاهلين الذين لم يقصروا في تعلم ما وجب عليهم (يوم القيامة) الذي هو محل الجزاء (ما) وفي رواية بما (لا يعافي العلماء) الذين لم يعملوا بما علموا لأن الجاهل يهيم على رأسه كالبهيم ليس عنده رادع يردعه ولا زاجر يكفه فإذا لم يقصر فهو معذور والعالم إذا ركب هواه ردعه علمه وكفه فإن لم يفد فيه ذلك فقد ألقى نفسه في المهالك كلما قبح من سائر الناس فهو من العلماء أقبح لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي تتبع المعصي وليس لأحد من الأنام مثل فضل العلماء الكرام ولا على أحد نعمة من النعم ما لله عليهم منها والجزاء يتبع الفعل وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا فمتى ازداد قبحا ازداد عقابه شدة فلذا كان العاصي العالم أشد عذابا من العاصي الجاهل ومن ثم فضل حد الحر على العبد حتى أن أبا حنيفة لا يرى رجم الكافر وعلمهم لا يغني عنهم شيئا وكيف يغني وهو سبب مضاعفة العذاب والداعي إلى تشديد الأمر عليهم؟ أفاده كله الزمخشري
(حل) من حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن سيار بن حاتم بن جعفر بن سليمان الضبي عن ثابت عن أنس (والضياء) المقدسي في المختارة من هذا الطريق (عن أنس) بن مالك ثم قال أبو نعيم حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر قال عبد الله قال أبي هذا حديث منكر انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأورده الضياء في المختارة وصححه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وهما طرفا نقيض انتهى ورواه عنه أيضا البيهقي ثم قال: قال عبد الله بن أحمد هذا حديث منكر حدثني به أبي وما حدثني به إلا مرة

(2/303)


[ص:304] 1915 - (إن الله تعالى يعجب) يعجب إنكار (من سائل) أي طالب (يسأل غير الجنة) التي هي أعظم المطالب وأجل المواهب (ومن معط يعطي لغير الله) من مدح مخلوق والبناء عليه في المحافل ونحو ذلك لأن ذلك لا يرضاه عاقل لنفسه فإن من كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك عجيبا وخسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وسفاهة الرأي وقلة العقل فما يناله العبد يعلمه من الخلق من مدحة وحطام بالإضافة إلى رضى مولاه وشكره وثنائه وثوابه أقل من فلس في جنب الدنيا وما فيها فعجيب أن تفوت نفسك تلك الكرامات الشريفة بهذه الأمور الدنيئة الحقيرة (ومن متعوذ يتعوذ من غير النار) التي قصم ذكرها الظهور وصفر الوجوه وقطع القلوب وأذاب الأكباد وأدمى عيون العباد. ذكر عند الحسن أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد أو غيره عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان فبكى الحسن وقال ليتني كنت هنادا فعجبوا منه قال ويحكم أليس يوما يخرج؟ فالطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود
(خط عن ابن عمرو) بن العاص

(2/304)


1916 - (إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا) ظلما بخلافه بحق كقود وحد وتعزيز والمراد أن لهم مزيد مزية على غيرهم من عصاة المؤمنين الذين يعذبهم بذنوبهم وقد يدرك العفو من شاء الله منهم فلا يعذب أصلا وذكر الدنيا مع أنه لا يكون إلا فيها تتميم أو للمقابلة
(حم م) في الأدب (عن هشام بن حكيم) بن حزام القرشي الأزدي صحابي ابن صحابي مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه قتل بأجنادين (حم هب عن عياض بن غنم) وسببه كما في مسلم مر هشام على أناس من الأنباط قد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا فقيل يعذبون في الخراج أو الجزية فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرجه البخاري وقال زين الحفاظ العراقي إسناد أحمد صحيح

(2/304)


1917 - (إن الله تعالى يعطي على نية الآخرة (1)) لأن أعمال الآخرة كلها محبوبة له تعالى فإذا أحب عبدا أحبه الوجود الصامت كله والناطق إذ الخلق كلهم تبع للخالق إلا من حقت عليه الشقاوة ومن جملة الصامت الدنيا فهي تهرول خلف الزاهد فيها الراغب في الآخرة ولو تركها لتبعته خادمة له والراغب في الدنيا بالعكس فتهرب الآخرة منه فإنه تعالى يبغض الدنيا وأهلها ومن أبغضه تعاصت عليه الدنيا وتعسرت وأتعبته في تحصيلها لأنها مملوكة لله فتهين من عصاه وتكرم من أطاعه {ومن يهن الله فما له من مكرم} فلذا قال (وأبى) أي امتنع أشد امتناع عن (أن يعطى الآخرة على نية الدنيا) {ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة جميعا وإن أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة حالا وربما تنال الدنيا كما تريد الآخرة وإن نلتها فلا تبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة قال الطيبي: أشار بالدنيا إلى الأرزاق وبالدين [ص:305] إلى الأخلاق يشعر بأن الرزق الذي يقابله الخلق هو الدنيا وليس من الدنيا في شيء وأن الأخلاق الحميدة ليست غير الدين انتهى وفي المدخل خبر من بدأ بحظه من الدنيا فاته حظه من الآخرة ولم ينله من دنياه إلا ما قسم له ومن بدأ بحظه من آخرته نال من آخرته ما أحب ولم ينل من دنياه إلا ما قسم له قال ابن عيينة: أوحى الله إلى الدنيا من خدمك فأتعبيه ومن خدمني فاخدميه
(ابن المبارك) في الزهد (عن أنس) ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في الفردوس مسندا باللفظ المزبور عن أنس
_________
(1) فمن اشتغل بأعمال الآخرة سهل عليه حصول رزقه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}

(2/304)


1918 - (إن الله تعالى يغار للمسلم) أي يغار عليه أن يتبع شيطانه وهواه وجمع دنياه لأنه حبيبه وغيرته زجره عن ذلك (فليغر) أي المسلم على جوارحه أن يستعملها في المعاصي فالله سبحانه يغار على قلب عبده المسلم أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه فإنه خلقه لنفسه واختاره من خلقه كما في الخبر الإلهي: ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب. ويغار على لسانه أن يتعطل عن ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل عن طاعته وتشتغل بمعصيته فيقبح بالعبد أن يغار مولاه على قلبه وجوارحه وهو لا يغار عليها وإذا أراد الله بعبد خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بغيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء واعلم أن ما ذكر من سياق الحديث هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب والذي وجدته في الطبراني إنما هو ظاهر بلفظ إن الله ليغار لعبده المؤمن فليعز لنفسه <تنبيه> قال ابن العربي: أشد المؤمنين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتقامه لله ولم يأخذه فيه لومة لائم وصحبه تابعوه في الغيرة
(طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عبد الأعلى علي بن عامر الثعلبي وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الدارقطني قال ابن القطان والحديث لا يصح فإن فيه أبا عبيدة عن أمه زوج ابن مسعود ولا يعرف لهما حال وليست زينب امرأة عبد الله الثقفية لأن تلك صحابية وابن مسعود عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة ثنتين وثلاثين فلا يبعد أن يتزوج غير صحابية

(2/305)


1919 - (إن الله تعالى يغار) على عبده المؤمن (وإن المؤمن يغار وغيرة الله) هي (أن يأتي المؤمن) أي يفعل (ما حرم الله عليه) ولذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات وأشنع القتلات وشدة غيرته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا ومن غيرته تعالى غيرته على توحيده ودينه وكلامه أن يحظى به غير أهله فحال بينهم وبينه غيرة عليه {وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} وما ذكر من أن الرواية أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه هو ما للأكثر لكنه في مسلم بلفظ ما حرم الله عليه بالبناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن وفي رواية أبي ذر أن لا يأتي بزيادة لا قال الصغائي: والصواب حذفها وقال الطيبي: تقديره غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وبتقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها كثيرا وفي الحديث تحذير شديد من اقتحام حمى المعاصي والآثام المؤدية للهلاك والطرد عن دار السلام <تنبيه> من غيرة الحق تعالى على الأكابر أنهم إذا ساكنوا شيئا سواه أو لاحظوا غيره شوش عليهم وامتحنهم حتى تصفوا أسرارهم له كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام حين قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي ملك مصر فلبث في السجن لذلك ما لبث وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أعجبه إسماعيل عليه السلام أمر بذبحه ونظر بعض الأولياء إلى شاب نظرة فإذا كف من الهوى [ص:306] قد لطمه وسقطت عينه وسمع صوتا لطمة بنظرة وإن زدت زدناك وذلك لعلو قدرهم عنده
(حم ق) في التوبة (ت) في النكاح (عن أبي هريرة) إطلاقه عزو الحديث بجملته إلى الشيخين غير سديد قال الحافظ العراقي لم يقل البخاري والمؤمن يغار اه. قال الصدر المناوي أخرجه البخاري إلا قوله وأن المؤمن يغار وكذا الترمذي اه. وقال ابن حجر: زاد مسلم أي على البخاري وأن المؤمن يغار

(2/305)


1920 - (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه) كناية عن حسن قبولها لأن الشيء المرضي يتلقى باليمين عادة قال:
ألم أك في يمنى يديك جعلتني. . . فلا تجعلني بعدها في شمالكا
ذكره القاضي وقال غيره ذكر اليمين لأنها عرفا لما عز والشمال لما هان والله تعالى منزه عن الجارحة وقيل المراد يمين الذي يدفع إليه الصدقة وأضيفت له تعالى لقصد الاختصاص أي أن الصدقة فيها لله تعالى (فيربيها لأحدكم) يعني يضعف أجرها أي يزيد في كميته عينها فيكون أثقل في الميزان
(هـ) كما يربي أحدكم تمثيل لزيادة التفهيم (مهره) صغير الخيل وفي رواية فلوه بفتح الفاء وضم اللام وشدة الواو ويقال بكسر فسكون مخففا وهو المهر وقيل كل عظيم من ذات حافر وفي رواية فصيله وذلك لأن دوام نظر الله إليها يكسوها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى حال تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين المهر إلى الخيل وخصه بضرب المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج عمله ولأنه حينئذ يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهده وإذا أحسن القيام به وأصلحه انتهى إلى حد الكمال وكذا عمل الآدمي سيما الصدفة التي يحاذيها الشيطان ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومة بنقائص لا يجبرها إلا نظر الرحمن فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح لها باب الرحمة فلا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين اللقمة كما أشار إليه بقوله (حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد) بضم الهمزة الجبل المعروف قال في الكشف: هذا مثل ضرب لكون أصغر صغير يصير بالتربية أكبر كبير اه. والقول بأنه يعظم ذاتها حقيقة ليثقل في الميزان غير سديد ألا ترى إلى خبر البطاقة التي فيها الشهادة حيث توضع في الميزان فتثقل على سائر الأعمال فلا حاجة في الرجحان إلى تعظيم الذوات وخص التربية بالصدقة وإن كان غيرها من العبادات يزيد أيضا بقبوله رمزا إلى أن الصدقة فرضا كانت أو نفلا أحوج إلى تربية الله وزيادة الثواب ومشقتها على النفوس بسبب الشح وحب المال <تنبيه> قال ابن اللبان نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءا وإعادة وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى وهو سبحانه منزه عن الجارحة
(ت عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن عائشة قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال الذهبي أخرجه الشيخان بمعناه

(2/306)


1921 - (إن الله يقبل توبة العبد) أي رجوعه إليه (ما لم يغرغر) أي تصل روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به لأنه لم يعاين ملك الموت ولم ييأس من الحياة فتصح توبته بشروطها فإن وصل لذلك لم يعتد بها لقوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} الآية ولأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المكتوب عنه وعدم المعاودة عليه وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري ذكره القاضي وكما أن من وصل لتلك الحالة لا تقبل توبته لا ينفذ نصرته وجزم الطيبي كالمظهر بصحة إيصائه ووصيته وتحليله ممنوع منهما كيف وقد عاين ملك [ص:307] الموت وليس من الحياة ومعاينته اليأس مثل الغرغرة ولذلك لم ينفع فرعون إيمانه حينئذ
(حم ت) في الدعوات (هـ) في الزهد (حب ك) في التوبة (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المزي: ووهم من قال ابن عمرو بن العاص اه. قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه أبو حاتم وقال أبو أحمد أحاديثه مناكير ونقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين وتوثيقه عن غيره ثم أورد من مناكيره أخبارا هذا منها

(2/306)


1922 - (إن الله تعالى يقول) يوم القيامة (لأهون) أي أسهل (أهل النار) وفي خبر سيجيء أنه أبو طالب (عذابا لو أن لك ما في الأرض من شيء) أي لو ثبت لأن لو تقتضي الفعل الماضي وإذا وقعت أن المفتوحة بعد لو وجب حذف الفعل لأن ما في أن من معنى التحقق والثبات منزل منزلة الفعل المحذوف (كنت تفتدي به) من النار وهو بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه وهذا إلماح لقوله {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} قال: عبر بالماضي لتحقق الوقوع (نعم) أفعل ذلك قال الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا) أي أمرتك بما هو أهون عليك منه وإلا يكون الشيء واقعا على خلاف إرادته وهو محال وبما تقرر من أن الإرادة بمعنى الأمر يسقط احتجاج المعتزلة به زاعمين أن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي قال الطيبي: والإرادة هنا أخذ الميثاق في قوله سبحانه {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} بقرينة قوله (وأنت في صلب) أبيك (آدم) عليه السلام حين أخذت الميثاق (أن) أي بأن (لا تشرك بي شيئا فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا (إلا الشرك) أي فامتنعت إلا أن تشرك بي من لا يستطيع لك ولا لنفسه نفعا ولا ضرا إشارة إلى قوله تعالى {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيا معنى أي ما اخترت إلا الشرك
(ق عن أنس)

(2/307)


1923 - (أن الله يقول إن الصوم لي) أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي (وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا الله فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين الله يفعله خالصا لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني: أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه لله أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد الله له من الكرامات (وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في خبر [ص:308] مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما (من ريح المسك) عند الخلق. قال البيضاوي: تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه. وقال غيره: خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحا تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك. قال ابن حجر: اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن الله يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا
(حم م ت) في الصوم (عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) بألفاظ متقاربة

(2/307)


1924 - (إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين) بالمعونة وحصول البركة والنماء (ما لم يخن أحدهما صاحبه) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خرجت من بينهما) بعني نزعت البركة من مالهما. قال الطيبي: فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثا لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة بشرط الأمانة وذلك لأن كلا منهما يسعى في نفع صاحبه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر
(د) في البيع (ك) وصححه (عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان في الثقات لكن أعله ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب نقله ابن حجر ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة نعم قال لم يسنده أحد إلا أبو همام الأهوازي وحده

(2/308)


1925 - (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي) أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قوتك وقوت ممونك فإنك إن اقتصرت على ما لا بد منه واشتغلت بعبادتي (أملأ صدرك) أي قلبك الذي في صدرك (غنى) وذلك هو الغني على الحقيقة لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه وممونه على وجه الكفاية كما تقرر (وأسد) بسين مهملة (فقرك) يعني تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقض مهماتك ومن قضى الله مهماته استغنى عن خلقه لأن الغني على الإطلاق وهو المعني بقوله أملأ صدرك غنى وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية علم أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر أعظم الناس هما الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته (وإن لم تفعل) ذلك (ملأت يديك شغلا) بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف وشغلت به بالبناء للمفعول تلهيت به وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما (ولم أسد فقرك) أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقرا على فقرك وهو المراد بقوله ملأت يديك إلخ ذكره الطيبي. قال العلائي: أمر الله في هذا الخبر بالتفرغ لعبادته ومن جملة ذلك أن لا يكون في القلب شاغل عن الإقبال على طاعته وقد صرح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر بأن الفراغ من النعم التي لا يليق إهمالها. قال ابن عطاء الله: فرغ قلبك من الأغبار يملأه من المعارف والأسرار ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشوا بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت لا تستنبط منه النوال ولكن استنبط من نفسك وجود الإقبال وقال الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ويقل عوائقك ثم لا ترحل إليه
(حم ت د ك عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في كتاب الزهد نقله عن التوراة بهذا اللفظ ثم قال: وروي مرفوعا ولا يصح انتهى وفيه عند الترمذي [ص:309] أبو خالد الوالبي عن أبيه وأبوه لا يعرف كما في المنار وزائد بن نشيط لا يعرف أيضا

(2/308)


1926 - (إن الله تعالى يقول إذا أخذت كريمتي عبدي) أي أعميت عينيه يعني جارحيته الكريمتين عليه وكل شيء يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك والإضافة للتشريف فيفيد أن الكلام في المؤمن وفي رواية عبدي المؤمن (في الدنيا لم يكن له جزاء عندي) يوم القيامة (إلا الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيرا وأما {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر " من مات على شيء بعثه الله عليه " فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة
(ت عن أنس) ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات

(2/309)


1927 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحا به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله (يوم لا ظل إلا ظلي) بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا (1)
(حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري
_________
(1) وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور قبله أي أظلهم في ظلي حال كونه كائنا يوم لا ظل إلا ظلي هذا هو الظاهر

(2/309)


1928 - (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) بالرحمة والتوفيق والهداية (ما ذكرني) أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية (و) ما (تحركت بي) أي بذكري (شفتاه) فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق
(حم هـ ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه

(2/309)


1929 - (إن الله تعالى يقول إن عبدي كل عبدي) أي عبدي حقا المتمحض في العبودية الفائز بشرف كمال العبودية [ص:310] (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر الكاف وسكون الراء أي عدوه المقارن له المكافئ له في القتال فلا يغفل عن ذكر ربه حتى في حالة معاينة الهلاك ولا يشغله ما هو فيه من الاستشراف إلى الموت عن لزوم ذكر ربه بقلبه ولسانه. والقرن من يقاومك في علم أو قتال أو غير ذلك والجمع أقرن كحمل وأحمال
(ت) من حديث عفيرة بن معدان (عن) أبي عدي (عمارة) بضم المهملة وفي آخره هاء (ابن زعكرة) قال في الأذكار: وزعكرة بفتح الزاي والكاف وسكون العين المهملة. قال في التقريب كأصله صحابي له حديث الأزدي وقيل الكندي الجمعي الشامي. قال ابن حجر: ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال أعني ابن حجر وهو حسن غريب وقول الترمذي ليس إسناده بقوي يريد ضعف عفير لكن وجدت له شاهدا قويا مع إرساله أخرجه البغوي فلذلك حسنته وقول الترمذي غريب أراد غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر. اه

(2/309)


1930 - (إن الله يقول إن عبدا) مكلفا (أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشه) أي فيما يعيش فيه من القوت وغيره (تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي) أي لا يزور بيتي وهو الكعبة (لمحروم) أي يقضي عليه بالحرمان من الخير أو من مزيد الثواب وعموم الغفران بحيث يصير كيوم ولدته أمه لدلالته على عدم حبه لربه وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام وعزى ذلك إلى الحسن قال ابن المنذر: كان الحسن يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ فيقول يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اه. وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به قال ابن العربي: قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به وقال البيهقي: ورد هذا موقوفا ومرسلا جاء عن أبي هريرة بسند ضعيف
(ع حب عن أبي سعيد) الخدري وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعفه أحمد وقال ابن حبان لا يجوز الاشتغال بحديثه ولا الاحتجاج به وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له في الميزان هذا الخبر وفي اللسان قال البخاري عقبه هذا منكر وكذا قال ابن عدي اه ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يقول إن عبدا أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق ثم لم يفد إلي بعد أربعة أعوام لمحروم قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على الطريق الذي آثره غير جيد

(2/310)


1931 - (إن الله تعالى يقول أنا خير قسيم) أي قاسم أو مقاسم (لمن أشرك بي) بالبناء للمفعول (من أشرك بي شيئا) أي في عمل من الأعمال (فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي) بالبناء للفاعل أو المفعول (أنا عنه غني) والله غني عن العالمين. قال أبو البقاء: قليله وكثيره بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكيد ويجوز رفعه على الابتداء ولشريكه خبره والجملة خبر إن وتمسك به ابن عبد السلام كالمحاسبي في ذهابهما إلى العمل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا خلص لله كله ومختار الإمام والغزالي اعتبار غلبة الباعث فإن غلب باعث الآخرة أثيب بقدره وإلا فلا وجرى عليه الفخر الرازي فقال: للعمل تأثير في القلب فإن خلا المؤثر عن العارض خلا الأثر عن الضعف وإن قارنه فإن تساويا تساقطا وإن غلب أحدهما فالحكم له قال والجواب عن الحديث أن لفظ الشرك محمول على تساوي الداعيين وعنده ينحبط كل بالآخر قال ابن عطاء الله [ص:311] وكما لا يحب الله العمل المشترك لا يحب القلب المشترك لأن القلب بيت الرب والرب يكره أن يكون في بيته غيره فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال الغزالي: قيل للخواص قدم ابن أدهم فأته قال: لا لأن ألقى شيطانا ماردا أحب إلي من لقائه فاستنكروا ذلك فقال: إذا لقيته أخاف أن أتزين له فإذا لقيت شيطانا أمتنع منه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: ولقي شيخي الإمام بعض العارفين فتذاكرا مليا. فقال الإمام: ما أظنني جلست مجلسا أنا له أرجى من هذا. فقال العارف: ما جلست مجلسا أنا له أخوف من مجلسي هذا ألست تعمد إلى أحسن علومك فتظهرها لدي وأنا كذلك فقد وقع الرياء فبكى الإمام مليا حتى أغمي عليه. قال البعض: ومن أدوية الرياء التفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه الله له ولا على غيره ما لم يقدره الله له
(الطيالسي) أبو داود (حم عن شداد بن أوس) قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره وضعفه غير واحد وبقية رجاله ثقات

(2/310)


1932 - (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة) وهم فيها (يا أهل الجنة فيقولون لبيك) أي إجابة بعد إجابة لك يا (ربنا) من ألب بالمكان أقام أي نقيم لامتثال أمرك إقامة كثيرة (وسعديك) بمعنى الإسعاد وهو الإعانة أي نطلب منك إسعادا بعد إسعاد (والخير في يديك) أي في قدرتك ولم يذكر الشر لأن الأدب عدم نسبته إليه صريحا (فيقول) سبحانه وتعالى لهم (هل رضيتم) بما صرتم إليه من النعيم المقيم (فيقولون وما لنا) أي أي شيء لنا (لا نرضى) وهو حال من الضمير في الظرف والاستفهام لتقدير رضاه (وقد أعطيتنا) وفي رواية وهل شيء أفضل مما أعطيتنا؟ أعطيتنا (ما لم تعط أحدا من خلقك) الذين لم تدخلهم الجنة (فيقول) تعالى (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة وفي رواية أنا أعطيكم (أفضل من ذلك) الذي أنتم فيه من النعيم (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك) قال يا رب في الموضعين ولم يقل ربنا مع كون الجمع مذكورا قبله إشعار بأن ذلك قول كل واحد منهم لا أن طائفة تكلموا وطائفة سكتوا إذ الكلام من كل واحد على حصول الرضى (فيقول أجل) بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل (عليكم رضواني (1)) بكسر أوله وضمه أي رضاي ورضاه سبب كل سعادة وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى الله (فلا أسخط عليكم بعده أبدا) مفهومه أن الله تعالى لا يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء وأجيب بأنه لم يقل أفضل من كل حال بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أن السعادة أي الروحانية أفضل من الجسمانية ونعم للمؤمنين عظيمة وهي سماع كلام رب العالمين وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نعمه عليهم وتعريفه إياهم فضله لديهم وإن رضى الله أفضل من نعيم الجنة
(حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) في حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى {ورضوان من الله أكبر} لأن الله رضاه سبب كل نول وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه اه

(2/311)


[ص:312] 1933 - (إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي) أي أعامله على حسب ظنه وأفعل به ما يتوقعه مني فليحسن رجاءه أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به فالمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف والظن على بابه ذكره الفاضي قال: ويمكن تفسيره بالعلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت من خير وشر فلا مرد له لا معطي لما منعت ولا راد لما أعطيت أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في مقام الإيمان والوثوق به سبحانه وتعالى قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب وإذا سأله استجاب إلى هنا كلامه وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه فقال: معناه عند يقينه بي فالاعتماد علي والوثوق بوعدي والرهبة من وعيدي والرغبة فيما عندي أعطيه إذا سألني وأستجيب له إذا دعاني كل ذلك على حسب ظنه وقوة يقينه والظن قد يرد بمعنى اليقين قال الله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} أي يوقنون (إن خيرا فخير وإن شرا فشر) أي إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا وإن ظن بي شرا أفعل به شرا. قال ابن القيم: وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره فقال {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم} وقال {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} قال الكرماني: وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف أي لأن العاقل إذا سمعه لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف بل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال المحققون مقيد بالمحتضر وفي غيره أقوال ثالثها الاعتدال (تتمة) قال ابن عطاء الله: بخ بخ لحسن الظن به لمن من به عليه فمن وجده لم يفقد من الخير شيئا ومن فقده لم يجد منه شيئا لا تجد غدا عند الله لك أنفع منه ولا أجدى ولا تجد الآن أدل على الله ولا أهدى بعلمك عن الله بما يريد أن يصنعه معك ويبشرك ببشائر لا يقرأ سطورها العينان ولا يترجم عنها لسان <فائدة> قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا قال الأمير نحن أحسن ظنا بالله منكم فقال أقسم على الأمير بالله هل تعلم أحدا أحسن ظنا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فهل علمت أنه أخذ شيئا قط من غير حله ووضعه في غير حقه قال اللهم لا قال حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(طس حل عن واثلة) بن الأسقع وهو في الصحيحين بدون قوله إن إلخ

(2/312)


1934 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم) خطاب معاتبة لا مناقشة ومعاقبة (مرضت فلم تعدني) أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفا له وتقريبا (قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) حال مقرر للإشكال الذي تضمنه معنى كيف أي أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وذلك على المالك الحقيقي محال فكيف أعودك وأنت القادر القاهر القوي المتين (قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته قال في المطامح: هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند [ص:313] ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين) أي كيف أطعمك والإطعام إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به فيقيم به صلبه ويصلح به عجزه وأنت مربي العالمين (قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام وكذا السقي لوجدت ذلك عندي إرشادا إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثوابا منهما وقال السبكي رضي الله عنه: سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله لوجدتني عنده بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس (يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين) أي كيف أسقيك وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه وطبيعته وأنه غني منزه متعال عن ذلك كله (قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه وقال الكلاباذي: جعل الله أوصاف المؤمنين صفة فقال مرضت واستسقيتك واستطعمتك لأن الوصلة إذا استحكمت والمودة إذا تأكدت صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر وكلما فعله الحبيب فهو يسر حبيبه ألا ترى قيسا المجنون كان إذا أراد أن يسكن ما به ذكرت له ليلى فينجلي ما هو فيه ويتكلم بأحسن كلام فيقال له: أتحب ليلى فيقول: لا فيقال: لم فيقول: المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فسقطت الذريعة فأنا ليلى وليلى أنا وقال:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا. . . نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته. . . وإذا أبصرته كنت أنا
(تتمة) سئل بعض العارفين عن تنزلات الحق في إضافة الجوع والظمأ لنفسه هل الأولى إبقاؤها على ما وردت أو تأويلها كما أولها الحق لعبده حين قال أطعمك إلخ؟ فقال الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه الله لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص ولا تلحقه صفة تشبيه لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه فقد لا يكون مرادا للحق فالأدب إضافتنا إليه كل ما أضافه لنفسه تعالى كما قيل:
إذا نزل الحق من عزه. . . إلى منزل الجوع والمرحمه
فخذه على حد ما قاله. . . فإن به تحصل المكرمه
ولا تلقينه على جاهل. . . فتحصل في موطن المذممه
(م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي في الزهد ولم يخرجه البخاري

(2/312)


1935 - (إن الله تعالى يقول إني لأهم بأهل الأرض عذابا) كقحط وجوع وفتن توجب قتلا ونحو ذلك (فإذا نظرت [ص:314] إلى عمار بيوتي) أي عمار المساجد التي هي بيوت الله بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة (والمتحابين في) أي لأجلي لا لغرض دنيوي (والمستغفرين بالأسحار) أي الطالبين من الله المغفرة فيها (صرفت عذابي عنهم) أي عن أهل الأرض إكراما لهؤلاء ويحتمل عود الضمير إلى هؤلاء فقط لكن يؤيد الأول خبر لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وليس المراد بالهم هنا حقيقته من العزم على الشيء ولا الإرادة والألم يتخلف وقوعه بل ذكر تقريبا لأفهامنا وحبا لنا على هذه الخصال الفاضلة وخصها لما في الأولى من إقامة شعائر الدين وفي الثانية من الائتلاف والاجتماع على نصره وفي الثالثة من محو الذنوب أو فأولا ولأن الاستغفار ممحاة للذنوب كما في خبر يأتي فلذلك كانت صارفة للعذاب
(هب عن أنس) وفيه صالح المري أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال النسائي وغيره متروك

(2/313)


1936 - (إن الله تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم أقبل) أي أثيب (ولكن أقبل على همه) أي عزمه ونيته (وهواه) أي ما يميل إليه (فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى) جمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما كاف (جعلت صمته) أي سكوته (حمدا لله) أي بمنزلة ثنائه على الله تعالى باللسان (ووقارا وإن لم يتكلم) أي وإن كان همه وهواه فيما لا يحبه ولا يرضاه فلا أجعل صمته كذلك بل إنما يعاتب أو يعاقب عملا بنيته وحذف الشرط الثاني وجزاءه لفهمه مما قبله ولم يأت به بالمنطوق تحقيرا لشأن من قام به وفيه إيماء إلى علو مقام الفكر ومن ثم قال الفضيل: الفكر مخ العبادة وقال الحسن: من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته فكرة فهو سهو وقال وهب: ما طال فكر امرئ قط إلا علم وما علم إلا عمل. وقال الداراني: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب. وقال الجنيد: أشرف المجالس الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد والتسنيم تنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر وصحة النظر في الأمور نجاة من الغرور
(ابن النجار) في التاريخ (عن المهاجر بن حبيب) لم أره في الصحابة في أسد الغابة ولا في التجريد

(2/314)


1937 - (إن الله يكتب للمريض) أي يأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له حال مرضه (أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه) أي مرضه (والمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره) إذا شغله السفر عن ذلك العمل والمراد السفر الذي ليس بمعصية بل كان سفر طاعة كحج وغزو وكذا المباح كسفر لتجارة حسبما شمله الحديث قال ابن حجر رحمه الله: هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها لأنه أعاقه
(طب عن أبي موسى) الأشعري

(2/314)


[ص:315] 1938 - (إن الله يكره فوق سمائه) خص الفوقية إيماء إلى أن كراهته لذلك أمر متعارف مستفيض بين الملأ الأعلا وسكان السماوات العلى ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصور المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه تعالى مباين لجميع خلقه متسلط على كل شيء بقهره وقدرته سبحانه (أن يخطأ) بالبناء للمجهول (أبو بكر الصديق) أي يكره أن ينسبه أحد من الأمة إلى الخطأ (في الأرض) لكمال عقله وإصابته للصواب فيما يشير به ويراه ومناصحته لنبيه صلى الله عليه وسلم وإخلاص سريرته كيف وقد انتصب لمناوأة المشركين وذب عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحده ولم يهب شرق الدنيا وغربها وجاد بمهجته في الله تعالى ولما مات أبو طالب انتهزت قريش الفرصة واجتمعوا على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه قائلين أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فلم يعنه إلا الصديق رضي الله تعالى عنه فنادى بأعلا صوته أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فمؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه الله كان يكتم إيمانه وأبو بكر رضي الله عنه بذل نفسه فحاول إظهاره وإعلائه. وكراهته لتخطئته إنما هو في حق غير المعصوم فلا ينافي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعبيره للرؤيا كما في البخاري أصبت بعضا وأخطأت بعضا
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده عن أحمد بن يونس عن أحمد بن أبي الحرث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عبادة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ (طب) عن الحسن بن العباس عن سهل بن عثمان عن أبي يحيى الحماني عن أبي العطوف جراح بن المنهال عن الوضين عن عطاء عن عبادة عن ابن غنم عن معاذ (وابن شاهين) في كتاب (السنة) عن إبراهيم بن حماد عن عبد الكريم بن هيثم عن الحماني فما فوقه ممن ذكر (عن معاذ) بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرحني إلى اليمن استشار ناسا من أصحابه فتكلم كل برأي فقال ما ترى يا معاذ قلت أرى ما قال أبو بكر رضي الله عنه فذكره قال الهيثمي: وفيه أبو العطوف لم أر من ترجمه يروي عن الوضين بن عطاء وبقية رجاله موثوقون انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال تفرد به أبو الحارث نصر بن حماد عن بكر بن جيش وقال يحيى نصر كذاب ومحمد بن سعيد هو المصلوب كذاب يضع إلى هنا كلامه ونازعه المؤلف على عادته فلم يأت بطائل

(2/315)


1939 - (إن الله يكره من الرجال الرفيع الصوت) أي الشديد الصوت (ويحب الخفيض من الصوت) ولهذا أوصى الله نبيه به صلى الله عليه وسلم في قوله {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان ذكره الزمخشري وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى
(هب عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله تفرد به مسلمة بن علي وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي في الضعفاء المتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك وفيه أيضا نعيم بن حماد وثقه أحمد وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع الحديث

(2/315)


1940 - (إن الله تعالى يلوم على العجز (1)) أي على التقصير والتهاون في الأمور وهذا قاله لمن ادعى عليه عنده فحسبل (2) [ص:316] تعريضا بأنه مظلوم أي أنت مقصر بتركك الاحتياط وعدم رعاية ما أقام الله لك من الأسباب وترك التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة وغير ذلك مما يوجب الغلبة وثبوت الحق والعجز وإن كان صفة وجودية قائمة بالعاجز لكن العبد ملام عليه لما ذكر (ولكن عليك بالكيس) بفتح فسكون ويطلق على معان منها الرفق فمعناه عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه كذا قرره في الأذكار وقال غيره ضد الحمق يعني التيقظ في الأمر وإتيانه من حيث يرجى حصوله (فإذا غلبك أمر) بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلا (فقل) حينئذ (حسبي الله ونعم الوكيل) أي الموكول إليه لعذرك حينئذ وحاصل معنى الاستدراك لا تكن عاجزا وتقول حسبي الله ولكن كن يقظا حازما فإذا غلبك أمر فقل ذلك إذ ليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور بل على العاقل أن يتكيس في الأمور بأن يتيقظ فيها ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة الله على ارتباط تلك المطالب بها ويدخل عليها من أبوابها ثم إن غلبه أمر وعسر عليه مطلوب ولم يتيسر له طريق كان معذورا فليقل حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله تعالى يأخذ بثأرك وينصرك على خصمك
(د) في القضاء عن بحير عن ابن معدان عن سيف (عن عوف بن مالك) قال الذهبي في المهذب سيف لا يعرف ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال في المنار وفيه سيف الشامي وهو لا يعرف
_________
(1) أي عدم الداعية الحازمة التي يسمى بها مكتسبا وإن كانت القدرة لله تعالى
(2) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فذكره أي أنت مقصر بترك الإشهاد والاحتياط

(2/315)


1941 - (إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة ثلث وفي رواية الثلث الأول وأخرى النصف وجمع باختلاف الأحوال يعني يكون أوقات الليل في الزمان والآفاق تقدم الليل عند قوم وتأخره عند آخرين (نزل) وفي رواية للبخاري ينزل (إلى السماء الدنيا) أي القربى قيل المراد نزول رحمة ومزيد لطف وإجابة دعوة وقبول معذرة كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادات الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم مستضعفين ملهوفين لا نزول حركة وانتقال لاستحالته عليه تقدس فهو نزول معنوي ويمكن حمله على الحس ويكون راجعا إلى أفعاله لا ذاته وقيل المراد بنزوله نزول رحمته وانتقاله من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام المقتضية للرحمة والإنعام (فنادى هل من مستغفر) فأغفر له (هل من تائب) فأتوب عليه (هل من سائل) فيعطى وفيه توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال (هل من داع) فأستجيب له ولا يزال كذلك (حتى ينفجر الفجر) جمع بينهما للتأكيد إن كانتا بمعنى وإلا فلأن المطلوب دفع ما لا يلائم أو جلب الملائم وهو إما دنيوي أو ديني فأشير بالاستغفار إلى الأول وبالسؤال إلى الثاني وبالدعاء إلى الثالث وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء
(حم م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه أيضا البخاري في مواضع من صحيحه بألفاظ متقاربة المعنى

(2/316)


1942 - (إن الله تعالى ينزل) بفتح أوله (ليلة النصف من شعبان) أي ينزل أمره أو رحمته على ما تقرر قال القاضي: لما ثبت بالقواطع العقلية أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع [ص:317] أعلا إلى أخفض منه بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم كما هو ديدن الملوك والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين فقوله (إلى سماء الدنيا) أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال المقتضية للأنفة من الأرذال وعدم المبالاة وقهر العداوة والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرحمة والرأفة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج واستعراض الحوائج والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي والتركيب في سماء الدنيا من قبيل مسجد الجامع والقياس السماء الدنيا كما في الحديث المتقدم <تنبيه> قال بعض العارفين رضي الله عنه ما من ليلة إلا وينزل من السماء في الثلث الأخير فتوح رباني ومدد فيلتقطه هل التسليم ثم أهل التفويض ثم تقع الإفاضة من هؤلاء على أصحاب الدوائر العلية أقطاب الأفلاك الكلية ثم تقع منهم على الحفظة والنواب وولاة الأمر ثم منهم على الملكين والصالحين والعلماء العاملين ممن حضر فتح الباب وتنزل الأمداد فإن الهدية لمن حضر قال وأما النائمون في الثلث الآخر فتصيبهم عند أخذ الرجال الخمس المعروفين بين الأولياء فإنه يأخذ لكل من غاب نصيبا عند صلاة الصبح إما قبل فراغه أو معه ومن تخلف عن اليقظة عند صلاة الصبح فإن نصيبه يعطاه في أسبابه الدنيوية إذا رضى بإقامة الله له فيها وما بقي بعد ذلك فهو حظ الأنعام وأمثالهم من العوام الغافلين عن الأسباب (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) قال الزين العراقي مزية ليلة نصف شعبان مع أن الله تعالى ينزل كل ليلة أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب وليس ذا في نزول كل ليلة ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم وورد في حديث آخر استثناء جماعة من المغفرة <تنبيه> قال المجد ابن تيمية: ليلة نصف شعبان روي في فضلها من الأخبار والآثار ما يقتضي أنها مفضلة ومن السلف من خصها بالصلاة فيها وصوم شعبان جاءت فيه أخبار صحيحة أما صوم يوم نصفه مفردا فلا اصل له بل يكره قال وكذا اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها اه
(حم ت) في الصوم (هـ) في الصلاة من حديث الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كبير عن عروة (عن عائشة) قال لا يعرف إلا من حديث الحجاج وسمعت محمدا يعني البخاري يضعف هذا الحديث وقال يحيى لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى اه قال الدارقطني إسناده مضطرب غير ثابت وقال الزين العراقي ضعفه البخاري بالانقطاع في موضعين قال ولا يصح شيء من طرق هذا الحديث قال ابن دحية رحمه الله لم يصح في ليلة نصف شعبان شيء ولا نطق بالصلاة فيها ذو صدق من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في زي المجوسية اه

(2/316)


1943 - (إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد) أي (مسجد مكة) وفي رواية ينزل على هذا البيت. قال الطبري: ولا تضاد بين الروايتين فقد يراد بمسجد مكة البيت ويطلق عليه مسجد بدليل {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أو أراد بالتنزيل على البيت التنزيل على أهل المسجد اه. وقوله مسجد مكة يحتمل كونه تفسيرا من راويه أدرجه ويحتمل أنه من المرفوع قيل ويصدق على ما هو عليه اليوم من السعة والزيادة (في كل يوم وليلة عشرين ومئة رحمة ستين) منها (للطائفين) بالبيت (وأربعين للمصلين) بالمسجد (وعشرين للناظرين) إلى الكعبة وفي رواية للطبراني في الكبير عن ابن عباس أيضا مرفوعا ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت وعشرون منها للناظرين للبيت وفي [ص:318] رواية للبيهقي في الشعب عنه أيضا ينزل الله كل يوم مئة رحمة ستين منها للطائفين بالبيت وعشرين على أهل مكة وعشرين على سائر الناس قال في الإتحاف: والأحاديث في ظاهرها تخالف ويحتمل أنه أراد بالعاكفين المصلين فلا تخالف وأما حديث المئة ففيه إثبات عشرين لأهل مكة وعشرين للناس وهو لا ينافي الخبرين قبله إذ فيه إثبات ستين للطائفين ولا تعرض فيه لعاكف ولا مصل ولا ناظر ويحتمل أن للطائف أربعين وللمصلي أربعين ويكون كل حديث على ظاهره ولا يلزم من عدم التعرض لذكره في الحديث الآخر أنه ليس له شيء كما لا يلزم من عكسه العكس وليس في الحديث صيغة حصر فتكون الرحمات النازلة مئة وستين وهذا أقرب والقسمة على كل فريق على قدر العمل لا على مسماه على الأظهر اه وقال المحب الطبري: في القسمة وجهان الأول على المسمى بالسوية لا على العمل قلة وكثرة وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه الثاني قسمتها على العمل لأن الحديث ورد في سياق الحث والتحضيض فلا يستوي فيه عامل الأقل والأكثر ولأن الرحمات متنوعة بعضها أعلا من بعض فرحمة يعبر بها عن المغفرة وأخرى عن العصمة وأخرى عن الرضى وأخرى عن القرب وأخرى عن تبوء مقعد صدق وأخرى عن النجاة من النار إلى غير نهاية إذ لا معنى للرحمة إلا العطف فتارة يكون بنعمة وتارة بدفع نقمة وكلاهما ينوع إلى غير نهاية ومع ذلك يفرض التساوي بين مقل ومكثر ومخلص وغيره وحاضر القلب وساه وخاشع وغيره فالأرجح أن ينال كل بقدر عمله ما يناسبه من الأنواع قال ويحتمل أن يحصل لكل طائف ستون ويكون العدد بحسب عمله في ترتيب أعلى الرحمات وأوسطها وأدناها ويحتمل أن جميع الستين بين كل الطائفتين والأربعين بين المصلين والعشرين بين الناظرين وتكون القسمة على حسب أحوالهم في العدد والوصف حتى يشترك الجم الغفير في الرحمة الواحدة وينفرد الواحد برحمات وفي الحديث فضل الطواف على الصلاة والصلاة على النظر إذا تساووا في الوصف فيخص به عموم خبر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة والصلاة خير موضوع وخرج بقوله إذا تساووا في الوصف ما لو اختلف وصف المتعبدين فكان الطائف ساهيا غافلا والمصلي أو الناظر خاشعا فالخاشع أفضل وقال كثير في توجيه الحديث إن المئة وعشرين قسمت ستة أجزاء فجعل جزء للناظرين وجزآن للمصلين لأن المصلي ناظر غالبا والطائف لما اشتمل على النظر وصلاة ركعتيه كان له ثلاثة أجزاء وفيه نظر لأن الطائف الأعمى وكذا المصلي لهما ما ثبت لهما وإن لم ينظرا وكذا لو تعمد ترك النظر فيهما لا ينقص حظه وأما النظر في الطواف فإن لم يقترن بقصد تعبد فلا أثر له وإن قصده نال به أجر الناظرين زائدا على أجر الطواف
(طب) وكذا الخطيب في التاريخ والبيهقي في الشعب (والحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عبد الرحمن بن السفر من حديثه ونقل عن ابن منده أنه متروك وتبعه الذهبي وقال ابن الجوزي حديث لا يصح ففيه من طريق يوسف بن السفر تفرد به وهو كما قال الدارقطني والنسائي متروك وقال الدارقطني يكذب وابن حبان لا يحل الاحتجاج به وقال يحيى ليس بشيء انتهى ومنه أخذ الهيثمي قوله بعد ما عزاه للطبراني فيه يوسف بن السفر وهو متروك

(2/317)


1944 - (إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة) وشاهده ما في الكتب القديمة أخرج البيهقي أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة (وينزل الصبر) أي حبس النفس على المكاره (على قدر البلاء) لأن صفة العبد الجزع والصبر لا يكون إلا بالله فمن عظمت مصيبته أفيض عليه الصبر بقدرها وإلا لهلك هلعا
(عد وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا البيهقي في الشعب وكأن المؤلف أغفله ذهولا كلهم (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن وافد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الخطيب عن وهب بن وهب قال أحمد وغيره [ص:319] كذاب لكن يأتي ما يقويه بعض قوة

(2/318)


1945 - (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) لأن الحلف بشيء يقتضي تعظيمه والعظمة حقيقة إنما هي لله وحده ولا يعارضه خبر أفلح وأبيه إن صدق لأن تلك كلمة جرت على لسانهم للتأكيد لا للقسم فيكره الحلف بغير الله تنزيها عند الشافعية وعلى الأشهر عند المالكية وتحريما عند الظاهرية وعلى الأشهر عند الحنابلة قال في المطامح: وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة وإلا فحقيقة النهي عامة في كل معظم غير الله وظاهر إضافة النهي إلى الله تعالى أنه تلقاه عنه لا دخل للاجتهاد فيه
(حم ق) في الأيمان والنذور (4 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فذكره

(2/319)


1946 - (إن الله يوصيكم بأمهاتكم) أي من النسب قاله (ثلاثا) أي كرر الله الوصية بهم ثلاث مرات لمزيد التأكيد (1) ثم قال في الرابعة (إن الله يوصيكم بآبائكم) من النسب وإن علو قاله (مرتين) إشارة إلى تأكده لما لهم من التربية والنصرة وأن ذلك التأكد دون تأكد حق الأمهات لتعبهن وخدمتهن ومقاساة المشاق في الحمل والوضع والرضاع والتربية ثم قال (إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب) من النسب قال ذلك مرة واحدة إشارة إلى أن حقهن وإن كان متأكدا فهو دون تأكد حق الأبوين وكرر الفعل مع المؤكد حثا على الاهتمام بالوصية ولم ينص في الأخيرة على عدد لفهمه مما قبله قال الشافعية فيقدم في البر الأم فالأب فالأولاد فالأجداد فالجدات فالإخوة والأخوات ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم وتقدم منهم المحارم على غير المحارم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجوار وهذا الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة كما مر وإنما قدم الولد الصغير في النفقة لأن مبنى التقديم فيها على الأحوجية مع الأقربية بدليل عدم دخول حجب النقصان فيه مع وجود الأبوين
(خد هـ طب ك عن المقدام) بن معد يكرب وفيه إسماعيل بن عياش قال الحاكم إنما نقم عليه سوء الحظ فقط وقال الهيثمي هو ضعيف قال ابن حجر وأخرجه البيهقي بإسناد حسن
_________
(1) وسبب تقدم الأم في البر كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها وحصول المشاق من حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك

(2/319)


1947 - (إن الله يوصيكم بالنساء خيرا (1)) كرره ثلاثا ووجهه بقوله (فإنهن أمهاتكم) أي منهن أمهاتكم وكذا ما بعده (وبناتكم وخالاتكم) اقتصر عليه إشارة إلى أن جهة الأم آكد وإن شاركتهن العمات في أصل الوصية (إن الرجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل يعني من اليهود والنصارى (يتزوج امرأة وما تعلق (2) يداها الخيط) كناية عن شدة فقرها بحيث لا تملك حتى ما لا قيمة له كالخيط والقصد به المبالغة (فما يرغب واحد منهما عن صاحبه) (3) حتى [ص:320] يموت كما في رواية إن أهل الكتاب يتدينون بذلك يتزوج الواحد منهم المرأة من صغرها وقلة رفقها فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فأراد حث أصحابه على الوصية بالنساء والصبر عليهن كذا في النهاية
(طب) من حديث يحيى بن جابر (عن المقدام) بن معد يكرب قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال الهيثمي رجاله ثقات إلا أن يحيى لم يسمع من المقدام ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى فاقتصار المصنف على الطبراني غير حميد
_________
(1) أي بأن تحسنوا إليهن بإحسان معاشرتهن وتوفوهن ما يجب لهن
(2) تعلق بفتح المثناة الفوقية وضم اللام أي لا يكون في يدها شيء من الدنيا حتى يموتا كما في رواية يعني أهل الكتاب يتزوج أحدهم المرأة الفقيرة جدا فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فافعلوا ذلك ندبا إلا لعذر كأن كانت سيئة الخلق فلا تكره المفارقة
(3) [فعلينا التخلق بمكارم الأخلاق حيثما وجدت وما وجد عند أهل الكتاب منها فنحن أولى به. ولا يخفى أن أهل الكتاب اليوم قد تزايد فيهم الطلاق والزنى مع أن الإخلاص الموصوف في هذا الحديث لا يزال يوجد في بعضهم. دار الحديث]

(2/319)


1948 - (إن الإبل) بنوعيها عرابا وبخاتى (خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا) قال ابن جرير: معناه أنها خلقت من طباع الشياطين وأن البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفره ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟ انتهى (1) وقال الزمخشري عن الجاحظ: زعم بعضهم أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن بهذا الحديث وغلطوا وإنما ذلك لأن للشيطان فيها متسعا حيث سبقت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرهم أغرتهم أيضا على إغفال ما لهم من حق جميل الصبر على الرزية بها وسولت لهم في الجانب الذي يستعملون فيه نعمتي الركوب والحلب أنه الآثام وهو بالحقيقة الأيمن انتهى
(ص عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي ثقة عابد ناسك مخلص يسبح الله كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وعمرو وثوبان وغيرهم
_________
(1) إذا أدركتم ركوبا فسموا الله فإن التسمية تطرد ذلك الشيطان. اه

(2/320)


1949 - (إن الأرض لتعج إلى تعالى) بعين مهملة مكسورة وجيم أي لترفع صوتها بالشكاية إليه بلسان الحال أو القال والقدرة صالحة (من الذين يلبسون الصرف رياء) أي القوم الذي يلبسونه إيهاما للناس أنهم من الصوفية الصلحاء الزهاد ليعتقدوا ويفتقدوا ويحترموا ويعظموا ولذلك كره مالك كما قال ابن بطال لبس الصوف لمن وجد غيره لما فيه من الشهوة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه لكن يأتي في أخبار الترغيب في لبسه أي إذا خلا عن الرياء واقترن به قصد صالح وبه يرتفع التعارض ويحصل الجمع والحديث المشروح فيما اقترن برياء أو جعله مصيدة للحطام أو طريقا للتوقير والإعظام أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة. دخل فرقد السنجي على الحسن وعليه كساء صوف وعلى الحسن حلة فجعل يلمسها فقال له الحسن: مالك؟ ثيابي ثياب أهل الجنة وثيابك ثياب أهل النار بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ثم قال الحسن: جعلوا الزهد في ثيابهم والكبر في صدورهم والذي يحلف به لأحدهم أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطروفه. ولذلك أشار ذو النون بقوله:
تصوف فازدهى بالصوف جهلا. . . وبعض الناس يلبسه مجانه
يربك مهانة ويريد كبرا. . . وليس الكبر من شأن المهانة
تصوف كي يقال له أمين. . . وما معنى تصوفه الأما
ولم يرد الإله به ولكن. . . أراد به الطريق إلى الخيانة
قال في عين العلم الملخص من الإحياء: والرياء طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة وفي لباب الأحياء والقول الحق فيه أنه طلب الجاه ويكون الرياء بالقول والعمل والهيئة والملبس كإظهار النحول وإبقاء أثر السجود ولبس الصوف [ص:321] والوعظ وتطويل الصلاة وتكثير التلامذة وقد أجمع على تحريمه
(فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي مصرحا فعزو المصنف الحديث للفرع واضرابه عن الأصل صفحا تقصير أو قصور وفي الميزان ما محصوله أنه خبر باطل. اه. ولعله لأن فيه سهل بن عمار قال في الضعفاء رماه الحاكم بالكذب وعباد بن منصور وقد ضعفوه

(2/320)


1950 - (إن الأرض لتنادي كل يوم) من على ظهرها من الآدميين (سبعين مرة) بلسان الحال ولا مانع من كونه بلسان القال إذ الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في كل جزء من الجماد وقياس نظائره أنه أراد بالسبعين التكثير لا التحديد جريا على عادتهم في أمثاله (يا بني آدم كلوا ما شئتم) أن تأكلوا من الأطعمة اللذيذة (واشتهيتم) أي توسعوا في الاسترسال مع الشهوات والإكباب على اللذات فالعطف من قبيل علفتها تبنا وماءا باردا وهذا أمر وارد على منهج التهكم نحو {اعملوا ما شئتم} (فو الله) إذا صرتم في بطني (لآكلن لحومكم وجلودكم) أي لآذيبن لحومكم وجلودكم وجميع أجزائكم واقتصر عليهما لأنهما المعظم فهذا متسخط متوعد والأرض لا تنسخط على الأنبياء والأولياء بل تفخر بكونهم على ظهرها فإذا صاروا ببطنها ضمتهم ضمة الولدة الوالهة الواجدة على ولدها فالنداء لمن أكل منها بشهوة ونهمة لأنها سخرت لنا لنشكر لا لنكفر فالشكور محبوب والكفور ممقوت فإذا غفل عن ذلك فقد أكل منها بغير حق فسلطت عليه لتأكله كما أكل منها بغير حق فمن أكل بالله ولله وفي الله فالأرض أذل وأقل من أن تجترئ عليه
(الحكيم) الترمذي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2/321)


1951 - (إن الإسلام بدأ) ضبطه النووي بالهمز من الابتداء في تاريخ قزوين للرافعي إن قرئ بغير همز فظاهر يقال بدا الشيء يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفورهم عن عقر الديار يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة ما كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ذكره جمع وقال الطيبي: إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين [ص:322] الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم قيل وهم أصحاب الحديث يعني كون الإسلام غريب ليس منقصة عليهم بل سبب لتقريبهم في الآخرة اه وهو تخصيص بغير مخصص قال الكلاباذي: وإذا صار الأمر إلى هذا كان المؤمن في زمن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق لأهله ووطنه
(م هـ عن أبي هريرة) لكن لفظة رواية مسلم في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وفي رواية له من حديث ابن عمر إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها انتهى بنصه وبتأمله يعرف أن المؤلف تساهل في عزوه لمسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة (ت هـ عن ابن مسعود) عبد الله (هـ عن أنس) بن مالك (طب) عن سلمان الفارسي (وسهل بن سعد) الساعدي (وابن عباس) ترجمان القرآن ولم يخرجه البخاري وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن

(2/321)


1952 - (إن الإسلام بدأ جذعا) بجيم وذال معجمة أي شابا فتيا والفتي من الإبل ما دخل في الخامسة ومن بقر ومعز في الثانية وضأن ما تم له عام (ثم ثنيا) هو من الإبل ما دخل السادسة ومن البقر الثالثة (رباعيا) بالتخفيف وهو من الإبل ما دخل في السابعة (ثم سديسا) من الإبل ما دخل في الثامنة (ثم بازلا) من الإبل ما دخل في التاسعة وحينئذ تكمن قوته قال عمر وما بعد البزال إلا النقصان أي فالإسلام استكمل قوته وبعد ذلك يأخذ في النقص واعلم أن الأرض كانت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مظلمة مطبقة وأنوار الإيمان غائبة عن الأرض موجودة عند الملائكة وأهل الإيمان بالغيب فلما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم طلعت بظهوره شمس الإيمان بمكة فاستنار به من قبل من نوره بالإيمان به فلم يزل الدين يظهر شيئا فشيئا لكن بحكم الضعف لأنه طلع في سحاب متراكم بعضه على بعض فلم يزل كذلك مرة يظهر ومرة يخفى حتى هاجر من هاجر من أصحابه وبقي المستضعفون بمكة حتى ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وافتتح الأقطار شيئا بعد شيء حتى فتح مكة واتصل النور وانفتح حتى توفي وبقي الفتح ظاهرا حتى غمر الأرض بوجود نوره عند خلفائه والقائمين به من بعده فلما ضعف الإيمان الذي هو النور بقبضه عن الخلق لمخالفتهم ظهر سلطان الليل حتى يأتي وعيد الله
(حم) من حديث علقمة بن عبد الله المزني (عن رجل) أي قال حدثني رجل قال كنت في مجلس فيه عمر بالمدينة فقال لرجل من القوم كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام قال سمعته يقول فذكره قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات

(2/322)


1953 - (إن الإسلام نظيف) نقي من الدنس (فتنظفوا) أي نقوا ظواهركم من دنس نحو مطعم وملبس حرام وملابسة قذر وبواطنكم بإخلاص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء وقلوبكم من نحو غل وحقد وحسد (فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) أي طاهر الظاهر والباطن ومن لم يكن كذلك طهرته النار ثم لا بد من حشر عصاة الموحدين مع الأبرار في دار القرار فالمنفي الدخول الأولى
(خط عن عائشة) وفيه ضعف

(2/322)


1954 - (إن الأعمال) أي الأعمال القولية والفعلية (ترفع) إلى الله تعالى (يوم الاثنين و) يوم (الخميس) أي ترفع في كل اثنين وخميس (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) أخذ منه القسطلاني تبعا لشيخه البرهان ابن أبي شريف مشروعية عنه الاجتماع للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة والاثنين كما يفعل في الجامع الأزهر ورفع الصوت بذلك لأن الليلة ملحقة باليوم ولأن اللام في الأعمال للجنس فيشمل الذكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء [ص:323] لا سيما في ليلة الاثنين فإنها ليلة مولده صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن مرزوق: إنها أفضل من ليلة القدر انتهى وأقول لا يخفى ما في الأخذ المذكور من البعد والتعسف
(الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب (عن أبي هريرة هب عن أسامة بن زيد) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي بلفظ تعرض الأعمال في يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم

(2/322)


1955 - (إن الإمام) الأعظم (العادل) بين رعيته وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم والعدل القصد في الأمور (إذا) مات و (وضع في قبره) على شقه الأيمن (ترك على يمينه) أي لم تحوله عنه الملائكة ما دام فيه (فإذا كان جائرا نقل من يمينه على يساره) أي وأضجع على يساره فإن اليمين يمن وبركة وهو مختار الله ومحبوبه فهو للأبرار والشمال يتشاءم به فهو للفجار والظاهر أن المراد بالإمام العادل ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر بن عبد العزيز) الأموي الإمام العادل (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك

(2/323)


1956 - (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم وعن ابن مسعود أنه قيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن ظهر لنا شيء نأخذ به قال النووي حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين
<تنبيه> عدوا من ثمرات سوء الظن المنهي عنه التجسس فإن القلب المريض لا يقع بالظن فيتطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس فيقع في سوء الظن بالذم
(د) في الأدب (ك) في الحدود كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش (عن جبير بن نفير) بنون وفاء مصغرا ابن مالك الحضرمي الحمصي ثقة جليل أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باليمن وروى عن أبي بكر وعمر ولأبيه صحبة قال في التقريب لأنه ما وفد إلا في عهد عمر وقال أبو زرعة: جبير هذا عن أبي بكر مرسل (وكثير بن مرة) الحضرمي الجهيني الحمصي قال الذهبي أورده عبدان في الصحابة وهو تابعي مشهور قد أرسل انتهى وسبقه ابن الأثير في الأسد فقال عن أبي موسى كثير هذا حديثه مرسل ولم يذكره في الصحابة غير عبدان وفي التقريب كثير ثقة من الثالثة (والمقدام وأبي أمامة) ورواه أيضا أحمد والطبراني عنهما ورجاله ثقات ذكره الهيثمي

(2/323)


1957 - (إن الإيمان ليخلق) أي يكاد أن يبلى (في جوف أحدكم) أيها المؤمنون (كما يخلق الثوب) وصفه على طريق [ص:324] الاستعارة شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكرا يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا الله فقلت كذا لا إله إلا الله فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به
(طب) عن ابن عمر بن الخطاب قال الهيثمي وإسناده حسن (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم ورواته ثقات وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه حديث حسن من طريقيه

(2/323)


1958 - (إن الإيمان ليأرز) بلام التوكيد ثم همزة ساكنة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة أي لينضم ويلتجي (إلى المدينة) النبوية يعني يجتمع أهل الإيمان فيها وينضمون إليها وفيه أن الإيمان يزيد وينقص (كما تأرز الحية إلى جحرها) بضم الجيم أي كما تنضم وتلجأ إليه إذا انتشرت في طلب ما تعيش به فراعها شيء فرجعت إلى جحرها فكذلك أهل الإيمان يقال أزرت الحية إذا رجعت إلى ذنبها القهقرى شبه انضمامهم إليها بانضمام الحية إذا رجعت لأن حركتها أشق لمشيها على بطنها والهجرة إليها كانت مشقة كما يشير إليه لفظ يأرز الذي حروفه شديدة دون تنضم قال القاضي: معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة لأن في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه جاء المدينة مهاجرا متوطنا أو متشوقا إلى رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومستقربا ثم بعد هذا في زمن الخلفاء كذلك ثم من بعدهم من العلماء لأخذ السنن عنهم ثم في كل وقت إلى زمننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه فلا يأتيها إلا مؤمن ثابت الإيمان وفي التشبيه رمز إلى أنهم ينضمون إليها بلا عوج كدخول الحية جحرها فإنه بلا عوج قيل وأراد بالمدينة جميع الشام لأنها منه وخصها لشرفها ثم قيل إن ذا يعم كل زمن وقيل يختص بحياته ثم القرون الثلاثة بعده وفيه صحة مذهب أهلها وسلامتهم من البدع إلى آخر زمن الخلفاء الراشدين
(حم ق هـ عن أبي هريرة) ورواه مسلم من طريق أخرى بلفظ ليأرز بين المسجدين ورواه البغوي في المعجم بلفظ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين وفي الباب سعد بن أبي وقاص وغيره

(2/324)


1959 - (إن البركة تنزل في وسط الطعام) بسكون السين قال الحافظ العراقي يحتمل إرادة الإمداد من الله تعالى (فكلوا) ندبا (من حافاته) أي جوانبه وأطرافه كل يأكل مما يليه (ولا تأكلوا من وسطه (1)) ندبا لكونه محل تنزلات البركة قال ابن العربي: البركة في الطعام تكون بمعان كثيرة منها استمراء الطعام ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه فتتقذر النفس منه ومنها أنه إذا أخذ الطعام من الجوانب يتيسر عليه شيئا فشيئا وإذا أخذ من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب ومنها ما يخلق الله من الأجزاء الزائدة فيه
(ت ك) في الأطعمة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) أي في ابتداء الأكل أي يكره ذلك تنزيها والخطاب للجماعة أما المنفرد فيأكل من الحافة التي تليه وعليه تنزل رواية حافته بالإفراد

(2/324)


1960 - (إن البيت) يعني الموضع (الذي فيه الصور) أي ذوات الأرواح وإن لم يكن لها ظل عند الجمهور لا صورة [ص:325] ما لا روح فيه كشجر (لا تدخله الملائكة) ملائكة الرحمة والبركة لا الحفظة فإنهم لا يفارقون وذلك زجر لصاحب البيت ولأن في اتخاذها تشبها بالكفار فإنهم يتخذونها في بيوتهم ويعظمونها فتصوير ما له روح حرام كما مر ويجيء وشمل الحديث الصور الممتهنة كالتي على البسط وبه صرح الخطابي لكن نازع فيه بعضهم وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لم تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فهو أولى
(مالك) في الموطأ (ق عن عائشة) قالت اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرف أو عرفت في وجهه الكراهة فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة؟ قلت اشتريتها لك تقعد عليها وتتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون فيقال لهم أحييوا ما خلقتم ثم قال إن البيت إلخ

(2/324)


1961 - (إن البيت الذي يذكر الله فيه) بأي نوع من أنواع الذكر (ليضيء لأهل السماء) أي الملائكة (كما تضيء النجوم لأهل الأرض) أي كإضاءتها لمن في الأرض من الآدميين وغيرهم من سكانها ثم يحتمل أن المراد يضيء حالة الذكر فيه ويحتمل دوام الإضاءة وعبر بالمضارع ليفيد التجدد والحدوث وهذه الإضاءة إما حقيقة أو من مجاز التشبيه كما حكي عن القرطبي والإضاءة فرط الإنارة والإشراق فهي أعلى من النور بدليل {جعل الشمس ضياء والقمر نورا}
(أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن سابط) بن أبي حميصة بن عمرو بن وهب بن حذفة بن نجيح القرشي والد عبد الرحمن

(2/325)


1962 - (إن الحجامة في الرأس) أي في وسطه (دواء من كل داء) وأبدل منه قوله (الجنون والجذام) بضم الجيم الداء المعروف (والعشا) بفتح العين والقصر أي ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلا والظاهر أن المراد هنا الأول قال في الصحاح وغيره العشا مقصور الأعشى وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والعشوى الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء وركب فلان العشوى إذا خبط أمره على غير بصيرة وعشا إلى النار إذا استدل عليها ببصر ضعيف وعشا عنه أعرض ومنه قوله تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن} وفسر بعضهم الآية بضعف البصر يقال عشا يعشو إذا ضعف بصره (والبرص) الأبيض والأسود على ما اقتضاه الإطلاق وهو بثر يعرض في البشرة يخالف لونها وسببه سوء مزاج الإنسان وخلل في طبيعته كما ذكر الأطباء أن من افتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه (والصداع) وجع الرأس كما في الصحاح وغيره يروى أن هذا ونحوه مخصوص بأهل الحجاز وما يجري مجراهم من الأقطار الحارة
(طب عن أم سلمة) أم المؤمنين

(2/325)


1963 - (إن الحياء والإيمان في قرن) لا ينفك أحدهما عن الآخر أي مجموعان متلازمان (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) أي إذا نزع من العبد الحياء تبعه الإيمان وعكسه وأصل السلب بالسكون الأخذ قال في البارع والسلب بالفتح كل ما على الإنسان من لباس قال الزمخشري: ومن المجاز سلبه فؤاده وعقله واسلبه وهو مسلوب العقل وشجرة سليب أخذ ورقها وثمرها وناقة سلوب أخذ ولدها
(هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن حبان كان يضع على الثقات قال الذهبي قلت انكشف عندي حاله والمعلى بن الفضل أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير

(2/325)


[ص:326] 1964 - (إن الحياء والإيمان قرنا جميعا) ببناء قرنا للمفعول أي جمعهما الله تعالى ولازم بينهما فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر قال في الصحاح وغيره قرن الشيء بالشيء وصله به وقرن بينهما جمعهما والاسم القران بالكسر قال الزمخشري: ومن المجاز هي قرينة فلان لامرأته وهن قرائنه أي زوجاته (فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) ومن أمثالهم وجه بلا حياء عود قشر ليطة أو سراج في سليطة ومحصول الخبر أن عدم الحياء يدل على عدم الإيمان وقلته تدل على ضعفه وكثرته على قوته
(ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه جرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال تغير قبل موته

(2/326)


1965 - (إن الخصلة) بفتح الخاء المعجمة (الصالحة) من خصال الخير (تكون في الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان في هذا وفيما بعده (فيصلح الله له بها عمله كله (1) وطهور الرجل) بضم الطاء أي وضوؤه وغسله من الجنابة ومن الخبث (لصلاته) أي لأجلها (يكفر الله به ذنوبه) أي صغائره (وتبقى صلاته له نافلة) أي زيادة في الأجر وإذا كان هذا في خصلة واحدة فكيف إذا اجتمع فيه خصال كثيرة ومقصود الحديث أن الطهارة من حدث أو خبث للقيام إلى الصلاة فرضها ونفلها يكفر الله به الخطايا والمراد بها الصغائر لا الكبائر كما سيجيء تحقيقه وظاهر الحديث أن الوضوء المجدد ليس من المكفرات والنفل التطوع ومنه نافلة الصلاة كما في الصحاح وغيره وقال الزمخشري: تنفل المصلي تطوع وهو يصلي النافلة والنوافل وتنفل على أصحابه أخذ من النفل أكثر مما أخذوا
(ع طس هب عن أنس) قال الهيثمي فيه بشار بن الحكم ضعفه أبو زرعة وابن حبان وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به
_________
(1) كما يصلح النحاس ونحوه بالاكسير يوضع عليه ولينظر كيف الإصلاح هل هو ترك المؤاخذة على السيئات بسبب الخصلة الحميدة أم قلبها حسنات والإثابة عليها؟ كل محتمل وظاهر قوله تعالى {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} يرجح الثاني وإذا كان هذا فيمن حوى خصلة واحدة من الخصال الحميدة فما بالك بمن حوى على خصال كثيرة من ذلك اه

(2/326)


1966 - (إن الدال على الخير كفاعله) يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف كما يأتي قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء وقال الزمخشري: دللته على الطريق أهديته إليه قال ومن المجاز الدال على الخير كفاعله ودله على الصراط المستقيم اه. ويدخل في ذلك دخولا أوليا أولويا من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس أو افتاء
(ت) واستغربه (عن أنس) قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد ما يحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فذكره وهذا رواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وفيه ضعف ومع ضعفه لم يسم الرجل (1)
_________
(1) قيل أوحى الله جل جلاله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ذكره الفشني

(2/326)


1967 - (إن الدنيا ملعونة (1)) أي مطرودة مبعودة عن الله تعالى فإنه ما نظر إليها منذ خلقها (ملعون ما فيها) مما شغل عن [ص:327] الله تعالى وأبعد عنه لا ما قرب إليه فإنه محمود محبوب كما أشار إليه قوله (إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله من الدنيا وهو العمل الصالح والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا (وعالما أو متعلما) بنصبهما عطفا على ذكر الله تعالى ووقع للترمذي عالم أو متعلم بلا ألف لا لكونهما مرفوعين لأن الاستثناء من موجب بل لأن عادة كثير من المحدثين اسقاط الألف من الخط قال الحكيم نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة
(ت هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب قال المناوي وسندهما جيد
_________
(1) قال العلقمي قال الدميري قال أبو العباس القرطبي لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا لما روينا من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعدا عن الله وشاغلا عنه كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه على ذمه بقوله تعالى {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله جل جلاله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إلا ذكر الله وما والاه اه

(2/326)


1968 - (إن الدين) بكسر الدال وهو دين الإسلام (النصيحة) (1) أي هو عماده وقوامه: كالحج عرفة فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تبق من الدين شيئا كما سيجيء قال بعض وهي تحري الإخلاص قولا وفعلا وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له وهذه الكلمة مع وجازتها في كلامهم أجمع منها ثم لما حكم بأن النصيحة [ص:328] هي الدين قال مفسرا مبينا (لله) بالإيمان به ونفي الشريك ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك فمن النصيحة لله أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم وجاهلة وهو عليم وعاجزة وهو قدير وعبيده وهو رب وفقيرة وهو غني ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه فمن شبهه بشيء من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته ولم ينصح له ومن أضاف شيئا إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها (ولكتابه) مفرد مضاف فيعم سائر كتبه وذلك يبذل جهده في الذب عنه من تأويل الجاهلين وانتحال المطالبين بالوقوف عند أحكامه. (ولرسوله) بالإيمان بما جاء به ونصرته حيا وميتا وإعظام حقه وبث دعوته ونشر سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتأدب بآدابه وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه (ولأئمة المسلمين) الخلفاء ونوابهم بمعاونتهم على الحق وإطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين وترك الخروج عليهم والدعاء بصلاحهم (وعامتهم) بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عورتهم وسد خلتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولا بالله لأن الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الأمر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم <تنبيه> قال ابن عربي: إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها قال فمن قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة (2)
(حم م) في الإيمان (د) في الأدب (ن) في البيعة كلهم (عن تميم) بن أوس (الداري) نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانيا فوفد على النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر (ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس) قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظا أطنب معنى لأن سائر الأحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلا وفرعا وعملا واعتقادا فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسرها {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ولم يوفه حقه من جعله ربع الإسلام بل هو الكل
_________
(1) ما ذكر من الأوصاف في النصيحة لله فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله غني عن نصح الناصح ولكتابه: أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته ولرسوله صلى الله عليه وسلم أي بالإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء طريقته وسنته ونفي التهمة عنها والتفهم في معانيها والدعاء إليها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عند الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه رضوان الله عليهم ولأئمة المسلمين أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم وأداء الصدقات لهم كما ذكر المناوي وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم وعامتهم كما في الشرح إلى أن قال وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل قال النووي والنصيحة فرض كفاية وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة الله اه
(2) وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي الله تعالى عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه وقال الفضيل: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا والله الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ

(2/327)


[ص:329] 1969 - (إن الدين) بكسر الدال (يسر) أي دين الإسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للأديان قبله لرفع الإصر عن الأمة (ولن يشاد) أي يقاوم (الدين أحد إلا غلبه) (1) أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق كالرهبان في الصوامع إلا عجز فغلب عليه العبد من العجز والمعبود من عظم الأمر وليس المراد ترك طلب الأكمل في العبادة فإنه محمود بل منع الإفراط المؤدي للملال وأعلم أن لفظة أحد ثابتة في خط المؤلف وهي ساقطة في جمهور نسخ البخاري قال ابن حجر في روايتنا بإسقاط الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفي رواية الأصيلي وعليه فالدين منصوب وأما على رواية الجمهور فروي بنصبه على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وروي برفعه وبناء يشاد لما لم يسم فاعله ذكره في المطالع ورده النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بأنه بالنسبة لرواية المغاربة والمشارقة (فسددوا) الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط (وقاربوا) بموحدة تحتية لا بنون أي لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (وأبشروا) بهمزة قطع قال الكرماني: وجاء في لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قل وأبهم المبشر به تعظيما وتفخيما (واستعينوا بالغدوة والروحة) بفتح أولهما أي واستعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في وقت النشاط كأول النهار وبعد الزوال وأصل الغدوة السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال (وشيء من الدلجة) بضم وسكون قال الزركشي والكرماني كذا الرواية ويجوز فتحهما لغة أي واستعينوا عليها بإيقاعها آخر الليل أو والليل كله بدليل تعبيره بالتبعيض وهذه أطيب أوقات المسافر لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا فنبهه على أوقات نشاطه وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا بالحقيقة دار نقلة للآخرة وهذه الأوقات أروح ما يكون فيها البدن للعبد بعض الشراح وقال البيضاوي الروحة والغدوة والدلجة استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة ومن الطبيعة إلى الشريعة ومن الغيبة إلى الحضور وقال الكرماني كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب مسافرا انقطع طريقه إلى مقصده فنبهه إلى أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله لأن هذه أوقات المسافر على الحقيقة فالدنيا دار نقلة وطريق إلى الآخرة فنبه الأمة على اغتنام أوقات فرضهم
(خ ن) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال جمع هذا الحديث من جوامع الكلم
_________
(1) قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل منتطع في الدين ينقطع اه قال في الفتح وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة إلى أن خرج الوقت وفي حديث محمد بن الأذرع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسره وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا التعصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلاميهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة

(2/329)


[ص:330] 1970 - (إن الذكر في سبيل الله يضعف) بالتضعيف وتركه (فوق النفقة سبع مئة ضعف) أي أجر ذكر الله في الجهاد يعدل ثواب النفقة فيه ويزيد سبع مئة ضعف وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله فإنه أحد السلاحين بل أحد السنانين
(حم طب عن معاذ بن أنس) الجهني والد سهل

(2/330)


1971 - (إن الرجل) (1) بضم الجيم وفيه لغة بسكونها وذكر الرجل وصف طردي والمراد المكلف رجلا أم امرأة إنسيا أم جنيا وكذا يقال فيما بعده (ليعمل عمل) أهل (الجنة) من الطاعات (فيما يبدو للناس) أي فيما يظهر لهم (2) قال الزركشي وهذه زيادة حسنة ترفع الإشكال من الحديث (وهو من أهل النار) بسبب دسيسة باطنة لا يطلع الناس عليها (3) (وإن الرجل ليعمل عمل) أهل (النار) من المعاصي (فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة) لخصلة خير خفية تغلب عليه آخر أثر عمره فتوجب حسن الخاتمة أما باعتبار ما في نفس الأمر فالأول لم يصح له عمل قط لأنه كافر باطنا وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج لنية صحيح وما يحتاجها باطل من حيث عدم وجودها قال النووي فيه التحذير من الاغترار [ص:331] بالأعمال وأن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط من رحمة ربه
(ق عن سهل) بن سعد الساعدي (زاد خ) في روايته على مسلم (وإنما الأعمال بخواتيمها) فعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها قيل ولا تنكشف إلا بدخول الجنة وقيل بل تستبين في أول منازل الآخرة وقال الزمخشري: هذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقدير أي إن العمل السابق غير معتبر والمعتبر العمل الذي ختم به اه
_________
(1) وسببه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال أي رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وبعد فراغ القتال في ذلك اليوم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه وشاذة وفاذة بتشديد المعجمة: ما انفرد عن الجماعة وهما صفة لمحذوف أي نسمة شاذة ولا فاذة - فقال - أي بعض القوم - ما أجزأ اليوم أحد كما أجزأ فلان - أي ما أغنى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل أنا أصاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه فإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فجعل نصل سيفه بالأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل الذي تبعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم وما ذاك؟ قال الرجل الذي ذكرته آنفا إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل فذكره وقد استشكل ما ذكر من كون الرجل من أهل النار بأنه لم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطلع على كفره في الباطن وأنه استحل قتل نفسه اه
(2) قال العلقمي قال شيخ شيوخنا هو محمول علي المنافق والمرائي اه
(3) كما وقع لبرصيصا العابد حكي أنه كان له ستون ألفا من التلامذة وكانوا يمشون في الهواء وكان يعبد الله تعالى حتى تعجبت منه الملائكة فقال لهم الله تعالى لماذا تتعجبون منه إني أعلم ما لا تعلمون في علمي أنه يكفر ويدخل النار أبد الآبدين فكان الأمر كما قال الله تعالى وقصته مشهورة. وكسحرة فرعون عاشوا كفارا ثم ختم لهم بالإيمان قال قتادة كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة ثم إن من لطف الله تعالى وسعة رحمته أن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندرة ونهاية القلة ولا يكون إلا لمن أصر على الكبائر. قال بعضهم ومن علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعا ومن علامات السوء والعياذ بالله أن تحمر عيناه وتزبد شفتاه ويغط كغطيط البكر اه

(2/330)


1972 - (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار) أي يعمل عمل أهل النار في آخر عمره فيدخلها قال الأكمل والزمن الطويل هو مدة العمر وهو منصوب على الظرفية (وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة) أي يعمل عمل أهل الجنة في آخر عمره فيدخلها واقتصر هنا على ذين مع أن الأقسام أربعة لظهور حكم القسمين الآخرين من عمل بعمل أهل الجنة والنار من أول عمره إلى آخره وقد اختلف السلف فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينه ومنهم من راعى حكم الخاتمة وجعلها نصب عينه قيل والأول أولى لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل وفساده عندها وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها
(م عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وابن عمر وعائشة وغيرهم

(2/331)


1973 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه (ما) نافية (يظن أن تبلغ ما بلغت) من رضى الله بها عنه (فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) أي بقية عمره وحتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط) بضم فسكون (الله) أي مما يسخط الله أي يغضبه (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) من سخط الله (فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة بأن يختم له بالشقاوة ويصير معذبا في قبره مهانا في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار وبئس الورد المورود قال الطيبي: ومعنى كتبه رضوانه توفيقه لما يرضي الله من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات فيعيش في الدنيا حميدا وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيدا ويظله الله في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم في الجنة ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه وعكسه قوله فيكتب الله عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى لإبليس {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} قال الشافعي: ينبغي للمرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به ويتدبر عاقبته فإن ظهر له أنه خير محقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى منهي عنه أتى به وإلا سكت واختلف في قوله سبحانه وتعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فقيل يشمل المباح فيكتب وقيل لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب
(مالك) في الموطأ (حم ت ن حب ك) من حديث علقمة بن أبي وقاص (عن بلال بن الحارث) المزني الصحابي وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم في مزينة وأقطعه العتيق وأصل ذلك أن علقمة مر برجل من أهل المدينة له شرف وهو جالس بسوق المدينة فقال علقمة [ص:332] يا فلان إن لك حرمة وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء فتتكلم عندهم وإني سمعت بلال بن الحرث يقول فذكره ثم قال علقمة انظر ويحك ما تقول وما تتكلم به فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من ذلك

(2/331)


1974 - (إن الرجل ليوضع الطعام) ومثله الشراب (بين يديه) ليأكل أو يشرب (فما يرفع يده حتى يغفر له) قيل يا رسول الله وبم ذاك قال (يقول بسم الله إذا وضع الحمد لله إذا رفع) أي يغفر له بسبب قوله عند ابتداء الأكل بسم الله وعند فراغه منه الحمد لله غفران الصغائر عند الشروع في الأكل والحمد عند الفراغ منه سنة مؤكدة وإنما أناطهما في الحديث بالوضع والرفع لكون الوضع يعقبه الشروع في الأكل بلا فاصل غالبا والفراغ يعقبه الرفع كذلك لأن التسمية والحمد يطلبان عند الوضع والرفع <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أن المائدة توضع بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم (الضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الوارث مولى أنس
(عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي وعبد الوارث ضعيف وفيه أيضا عبيد بن العطار ضعفه الجمهور

(2/332)


1975 - (إن الرجل) يعني الإنسان (ليحرم) بالبناء للمفعول أي يمنع وحذف الفاعل في مقام منع الرزق أنسب (الرزق) أي بعضه يعني ثواب الآخرة أو نعم الدنيا من نحو صحة ومال بمعنى محق البركة منه (بالذنب يصيبه) وفي رواية بذنبه أي بشؤم كسبه للذنب ولو بأن تسقط منزلته من القلوب ويستولي عليه أعداؤه أو ينسى العلم حتى قال بعضهم إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري وقال آخر أعرفه من تغير الزمان وجفاء الإخوان ولا يقدح فيه ما يرى من أن الكفرة والفسقة أعظم مالا وصحة من العلماء لأن الكلام في مسلم يريد الله رفع درجته في الآخرة فيعقبه من ذنوبه في الدنيا فاللام في الرجل للعهد والمعهود بعض الجنس من المسلمين ذكره المظهر وبه عرف أنه لا تناقض بينه وبين خبر إن الرزق لا ينقصه المعصية ولهذا وجه بعضهم الخبر بأن لله لطائف يحدثها للمؤمن ليصرف وجهه إليه عن اتباع شهوته والانهماك في نهمته فإذا اشتغل بذلك عن ربه حرم رزقه فيكون زجرا له إليه عما أقبل عليه وتأديبا له أن لا يعود لمثله كطفل دعته أمه فأعرض عنها فيعدو إلى لهو فيعثر فيقوم ويعدو إليها راجعا قال بعضهم: واعلم أن من الحوادث ما ظاهره عنف وباطنه لطف كحرمان الرزق بما يصيبه من الذنب فإن العبد إذا أعرض عن ربه واشتغل بما أسبغ عليه وأحب إقباله عليه حرمه سعة ما بسط له ليخاف فيرتدع ويضيق عليه جهات الرزق فيلجأ إليه ويقبل بالتضرع إليه ومن أراد غير ذلك زاده على ذنبه نعما ليزداد إعراضا وشغلا فإن قيل كيف يحرم الرزق المقسوم؟ قلنا يحرم بركته أو سعته أو الشكر عليه ذكره بعضهم وقال القونوي الذنوب كلها نجاسات باطنه وإن كان لبعضها خواص تتعدى من الباطن إلى الظاهر وهو ما أشار إليه بهذا الحديث ولهذا الحديث سر آخر وهو أن الحرمان قد يكون بالنسبة إلى الرزق المعنوي والروحاني وقد يكون من الرزق الظاهر المحسوس (ولا يرد القضاء إلا الدعاء (1)) [ص:333] بمعنى أن الدوام على الدعاء يطيب ورود القضاء فكأنه رده ذكره أبو حاتم وهو معنى قول البعض رده للقدر تهوينه حتى يصير القضاء النازل كأنه ما نزل ثم المراد أن الدعاء أعظم أسباب رده فبالنسبة لذلك حصره فيه وإلا فالصدقة تشاركه بدليل باكروا بالصدقة فأن البلاء لا يتخطاها ويأتي نظيره في الحصر المذكور في قوله (ولا يزيد في العمر إلا البر) لأن البر يطيب عيشه فكأنه يزيد في عمره والذنب يكدر صفاء رزقه فكلما فكر في عاقبة أمره فكأنه حرمه أو المراد الزيادة بالنسبة لملك الموت أو اللوح لا لما في علمه تقدس فإنه لا يتبدل
(حم ن هـ حب ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ثم العراقي وقال المنذري رواه النسائي بإسناد صحيح
_________
(1) بمعنى تهويته وتيسير الأمر فيه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل وفي الحديث الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه ورضاه ومما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو عنده قبل النزول بتأييد من عنده حتى يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به فينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء قال الغزالي فإن قيل ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن البذر سبب خروج النبات من الأرض وكما أن الترس يرد السهم

(2/332)


1976 - (إن الرجل) الإنسان (إذا نزع ثمرة من) ثمار أشجار (الجنة) أي قطفها من شجرها ليأكلها والنزع القلع أي بقوة كما يفيده قول الزمخشري نزع الشيء من يده جذبه ورجل منزع شديد النزع (عادت مكانها أخرى) حالا بأن يخلق الله تعالى مكان كل ثمرة تقطف ثمرة أخرى ابتداء أو بأن يتولد من الشجرة مثلها حالا لتصير الأشجار مزينة بالثمار أبدا موفرة بها دائما لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا وذلك أفرط لابتهاج أهلها واغتباطهم حيث يتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها وبذلك يتحقق مقدار الغبطة ويتبين موقع النعمة حق التبيين
(طب) وكذا الحاكم (عن ثوبان) وكذا رواه عنه البزاز لكنه قال أعيد في مكانها مثلاها على التثنية قال الهيثمي رجال الطبراني وأحد إسنادي البزار ثقات

(2/333)


1977 - (إن الرجل إذا نظر إلى امرأته) بشهوة أو غيرها على ما اقتضاه الإطلاق والأقرب أن المراد نظر إليها شاكرا لله تعالى أن أعطاه إياها من غير حول منه ولا قوة أو نظر إليها لتتحرك عنده داعية الجماع فيه فيجامعها فتعفه عن الزنا أو تأتي بولد يذكر الله تعالى ويتكثر به الأمم امتثالا لأمر الشارع إلى غير ذلك من المقاصد الدينية التي يترتب عليها الثواب ويظهر أن المراد الحليلة الموطوءة هنا زوجة أو سرية (ونظرت إليه) كذلك (نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة) أي صرف لهما حظا عظيما منها (فإذا أخذ بكفها) ليصافحها أو يقبلها أو يعانقها أو يجامعها وعبر عن ذلك بالأخذ باليد استحياء لذكره لأنه أشد حياء من العذراء في خدرها (تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما) أي من بينهما قال الراغب: والخلل الفرجة بين الشيئين أو الأشياء ومنه {فجاسوا خلال الديار} وتساقط الذنوب من بين الأصابع كناية عن كونه لا يفارق كفه كفها إلا وقد شملت ذنوبهما المغفرة والمراد الصغائر لا الكبائر كما يجيء
(ميسرة بن علي في مشيخته) المشهورة (والرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه

(2/333)


1978 - (إن الرجل لينصرف) من الصلاة (وما كتب له) من الثواب (إلا عشر صلاته تسعها) بضم التاء أوله وهو وما بعده بدل مما قبله بدل تفصيل (ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) أراد أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بحسب الخشوع والتدبر ونحو ذلك مما يقتضي الكمال كما في صلاة الجماعة خمس وعشرون وسبع وعشرون [ص:334] وبدأ بالعشر لأنه أقل الكسور قال الغزالي: والصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دل عليه هذا الخبر والفقيه يقول الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر وفي بعض الروايات إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل أي فيكتب له منها ما عقل فقط وذلك فضل عظيم عند الله لأن صلاته كانت في موجب الأدب أسرع إلى العقوبة منها إلى أن يكتب له ما عقل إذ لا يدري بين يدي من هو حتى يلتفت إلى غيره بقلبه وهو واقف راكع ساجد بجسده قال الحسن البصري: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وقال بعضهم: كل صلاة كانت منك عن ظهر غيب مختلط بأنواع العيوب وبدن نجس بأقذار الذنوب ولسان متلطخ بأنواع المعاصي والفضول لا تصلح أن تحمل إلى تلك الحضرة العلية وقال إمام الحرمين: انظر أيها العاقل هل وجهت قط صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعثتها إلى بيوت الأغنياء وقال الوراق: ما فرغت قط من صلاة إلا استحيت حين فرغت منها أشد من حياء امرأة فرغت من الزنا وعلم مما تقرر أن مقصود الخبر الزجر عن كل ما ينقص الثواب أو يبطله بالأولى وتمسك به من جعل الخشوع شرطا للصحة كالغزالي وأجيب بأن الذي أبان عنه الخبر هو أنه لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح (1)
(حم د حب عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة قال العراقي إسناده صحيح ولفظ رواية النسائي إن الرجل يصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد وفي رواية له أيضا منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر قال الحافظ الزين العراقي رجاله رجال الصحيح وسبب الحديث كما في رواية أحمد أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخف بها فقيل له يا أبا القطان خففت فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا لا قال قد بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
_________
(1) وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة وحضور القلب مع الله تعالى ونص على الإتيان للسنن والآداب الزائدة على الفرائض والشرط فإن الصلاة لا تقع صحيحة ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع إلا إذا أتى بهما أي بالفرائض والشروط كاملين فمتى أخل بفرض أو شرط منها لم تصح ولم يكتب له أجر أصلا ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث هل رأيتموني تركت شيئا من حدودها وقوله إني بادرت سهو الشيطان يدل على أن ذهاب تسعة أعشار فضل الصلاة من وسوسة الشيطان وذكره شيئا من الأمور الدنيوية واسترساله في ذكره ومن أعرض عما يذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شيء كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة أعشار من التطوعات كما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يحاسب به الصلاة يقول الله انظروا في صلاة عبدي فإن كانت كاملة حسب له الأجر وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من التطوع فإن كان له تطوع تمت الفريضة من التطوع وهذا كله حيث لا عذر له فأما من سمع بكاء صبي فخفف لأجله فله الأجر كاملا

(2/333)


1979 - (إن الرجل إذا دخل في صلاته) أي أحرم بها إحراما صحيحا (أقبل الله عليه بوجهه (1)) أي برحمته وفضله [ص:335] (فلا ينصرف عنه حتى ينقلب) بقاف وموحدة أي ينصرف من صلاته قال في الصحاح المنقلب يكون زمانا ومصدرا كالمنصرف وقلبهم صرفهم قال الزمخشري: قلبه قلبا حوله من وجهه ومن المجاز قلب المعلم الصبيان صرفهم إلى بيوتهم (أو يحدث) أي يحدث أمرا مخالفا للدين أو المراد الحدث الناقض والأول أولى بقرينة قوله (حدث سوء) فالمعنى ما لم يحدث سوءا قال الغزالي: وإقبال الله عليه كناية عن مكاشفة كل مصل على قدر صفاته عن كدرات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة والجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء وللبعض مثال ويختلف بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله وبعضهم من أفعاله وبعضهم من دقائق علوم المعاملة إلى غير ذلك وقال القونوي: الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة والله تعالى هو النور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة إذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذاة صحيحة فإنها تكتسب من أنوار الذات النيرة ألا ترى القمر الذي هو في ذاته مظلم كثيف كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل في المحاذاة والمقابلة فإذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور فإن تفطنت لذلك عرفت نفاوت حظوظ المصلين من ربهم في صلاتهم وعرفت سر قوله عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عيني في الصلاة
(هـ عن حذيفة) ابن اليمان
_________
(1) بلطفه وإحسانه وحق من أقبل الله عليه برحمته أن يقبل عليه بطرح الشواغل الدنيوية والوسواس المفوت لثواب الصلاة

(2/334)


1980 - (إن الرجل لا يزال في صحة رأيه) أي عقله المكتسب (ما نصح لمستشيره) أي مدة دوام نصحه له قال الزمخشري: المشورة والمشاورة استخراج الرأي من شرف العسل استخرجته (فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه) فلا يرى رأيا ولا يدبر أمرا إلا انعكس عليه وكان تدميره في تدبيره عقوبة له على خبث ما ارتكبه من غش أخيه المسلم الذي فوض أمره إليه وجعل معوله عليه
(ابن عساكر) في ترجمة مالك بن الهيثم أحد دعاة بني العباس (عن ابن عباس) ثم نقل أعني ابن عساكر عن بعضهم ما محصوله أن مالكا هذا كان من الإباحية الذين يرون إباحة المحارم ولا يقولوا بصلاة ولا غيرها وفيه علي بن محمد المدائني قال الذهبي قال ابن عدي ليس بقوي

(2/335)


1981 - (إن الرجل ليسألني الشيء) أي من أمور الدنيا. كذا قيل ولا دليل عليه (فأمنعه حتى تشفعوا فتؤجروا) الظاهر أنه أراد بالمنع السكوت انتظارا للشفاعة لا المنع باللفظ كما سيجيء في عدة أخبار أنه ما سئل في شيء فقال لا قط والمنع ضد الإعطاء والشفاعة المطالبة بوسيلة أو زمام والأجر الإثابة والمثيب هو الله تعالى
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان

(2/335)


1982 - (إن الرجل ليعمل أو المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) مثلا (ثم يحضرهما الموت فيضاران) بالتشديد أي يوصلان الضرر إلى وارثيهما (في الوصية) بأن يزيدا على الثلث أو يقصدا حرمان الأقارب أو يقرا بدين لا أصل له (فتجب لهما النار) أيستحقان دخول نار جهنم إن لم يدركهما الله بعفوه ثم قرأ أبو هريرة {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار} وأخذ بظاهره مالك فأبطل المضارة فيها وإن لم يقصدها قال البعض والمضارة في الوصية من الكبائر
(د ت) في الوصية حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب انتهى وشهر أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي لا يحتج به ووثقه ابن معين

(2/335)


[ص:336] 1983 - (إن الرجل ليتكلم الكلمة) الواحدة (لا يرى بها بأسا) أي سوءا يعني لا يظن أنها تعد عليه ذنبا ولا أنه يؤاخذ بها {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (يهوي بها) أي يسقط بسببها (سبعين خريفا في النار) لما فيها من الأوزار التي ليس عند الغافل المسكين منها إشعار والمراد أنه يكون دائما في الصعود والهوى ذكره القاضي والهروي فعلى العاقل أن يميز بين أشكال الكلام قبل نطقه فما كان من حظوظ النفس وإظهار صفات المدح ونحو ذلك تجنبه ومن آمن بهذا الخبر حق إيمانه اتقى الله في لسانه وقلل كلامه حسب إمكانه سيما فيما ينهى عن الكلام فيه كبعد العشاء إلا في خير قال الغزالي: اللسان إنما خلق لك لتكثر به ذكر الله وتلاوة كتابه وترشد به الخلق إلى طريقه أو تظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك فإذا استعملته لغيسر ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه وهو أغلب أعضائك عليك ولا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستظهر الغاية تؤتك حتى لا يكبك في قعر جهنم انتهى والهوي بضم الهاء وفتحها السقوط من أعلى إلى أسفل ذكره أبو زيد وغيره والخريف هنا عبارة عن السنة والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد
(ت هـ ك عن أبي هريرة)

(2/336)


1984 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا ليضحك بها القوم) أي يريد أن يضحكهم (وإنه ليقع بها أبعد من السماء) أي يقع بها في النار أبعد من وقوعه من السماء إلى الأرض قال الغزالي: المراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاؤه دون محض المزاح انتهى فعلى العاقل ضبط جوارحه فإنها رعاياه وهو مسؤول عنها جارحة جارحة {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وإن من أكثر المعاصي عددا وأيسرها وقوعا آثام اللسان إذ آفاته تزيد على العشرين ومن ثم قال تعالى {وقولوا قولا سديدا} <تنبيه> أخذ الشافعية من هذا الخبر وما أشبهه أن اعتياد أكثر حكايات تضحك أو فعل خيالات كذلك خارم للمروءة راد للشهادة وصرح بعضهم بأنه حرام وآخرون بأنه كبيرة تمسكا بهذا الخبر وفرضه البعض في كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه لأن فيه حينئذ من الإيذاء ما يربو على كثير من الكبائر
(حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه أبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة وهو ضعيف

(2/336)


1985 - (إن الرجل إذا مات بغير مولده) أي بأرض غير الأرض الذي ولد بها يعني مات غريبا (فليس له) بالبناء للمفعول يعني أمر الله الملائكة أن تقيس أي تذرع له من مولده أي المكان الذي ولد فيه (إلى منقطع) بفتح الطاء (أثره) أي إلى موضع قطع أجله سمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال:
والمرء ما عاش ممدود له أجل. . . لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأجل
وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر فلا يرى لأقدامه أثر وقوله (في الجنة) متعلق بقيس يعني من مات في غربة يفسح له في قبره مقدار ما بين قبره وبين مولده ويفتح له باب إلى الجنة ومن البين أن هذا الفضل العظيم لمن لم يعص بغربته
(ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص قال مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليته مات في غير مولده فقيل له لم؟ فقال ذلك

(2/336)


1986 - (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي افتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه. ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا [ص:337] الفضل بقيام رمضان لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة
(حم ت عن أبي ذر حب) قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى مضى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم شيئا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة فذكره وهو بعض حديث طويل قال الترمذي حسن صحيح

(2/336)


1987 - (إن الرجل من أهل عليين) أعلى الجنة وأشرفها من العلو وكلما علا الشيء وارتفع عظم قدره ولذا قال تعالى معظما قدره {وما أدراك ما عليون} ويدل عليه قوله (ليشرف) بضم الياء وكسر الراء (على) من تحته من (أهل الجنة) ويدل له خبر الترمذي إن أهل الجنة العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب قال الراغب: عليون اسم أشرف الجنان (فتضيء الجنة) أي يستنير استنارة مفرطة (بوجهه) أي من أجل إشراق إضاءة نور وجهه عليها (كأنها) أي كأن وجوه أهل عليين (كوكب) أي كالكوكب (دري) نسبة للدر لبياضه وصفائه أي كأنها كوكب من رد في غاية الإشراق والصفاء والإضاءة وعلم من هذا أن الجنة طبقات بعضها فوق بعض وأن أنفسها وأغلاها أعلاها في الإضاءة والإضاءة فرط الإنارة كما مر والكوكب النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة وكوكب الروضة نورها ذكره في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز در لكوكب طلع كأنه بدر الظلام ودارت النار أضاءت
(هـ عن أبي سعد) الخدري قال في التقريب إسناده صحيح

(2/337)


1988 - (إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مئة رجل في الأكل والشرب والشهوة) خصها لأن ما عداها راجع إليها إذ الملبس والمسكن من الشهوة (والجماع) فإن قلت: كثرة الأكل والشرب في الدنيا مجمع على ذمه فكيف تمدح أهل الجنة فيها بكثرته؟ قلت: إنما كان مذموما في الدنيا لما ينشأ عنه من الفتور والتواني والتثاقل عن فعل العبادات ولما ينشأ عنه من الأمراض من تخمة وقولنج وغيرهما ولما يكسبه كثرة الأكل من الضراوة وأهل الجنة مأمونون من ذلك كله وكل ما في الجنة من أكل وغيره لا يشبه شيئا مما في الدنيا إلا في مجرد الاسم ألا ترى إلى قوله (حاجة أحدهم) كنى عن البول والغائط (عرق) بفتح أوله (يفيض من جلده) أي يخرج من مسامه (فإذا بطنه قد ضمر) بفتحات أي انهضم وانضم جعل الله سبحانه لهم أسبابا لتصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض - بفتح أوله - من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذلك سبب إنضاحه وقد جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه عرقا أو جشاء إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تتم المعيشة إلا بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء والأسباب مظهر أفعاله وحكمه لكنها مختلفة الأحكام في الدارين فأفعاله في الآخرة واردة على أسباب غير الأسباب المعهودة والمألوفة في الدنيا وربما لا يتأمل القاصر ذلك فينكره جهلا وظلما إذ ليست قدرته قاصرة علي أسباب آخر ومسببات تنشأ منها كما لم تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس ذا بأهون عليه من ذلك بل النشأة التي أنشأها بالعيان أعجب من النشأة الثانية الموعود بها إخراج الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن فم ذباب أعجب من إجراءها أنهارا في الجنة بأسباب أخر وإخراج جوهر الذهب [ص:338] والفضة في عروق الجبال أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر وإخراج الحرير من لعاب دود القز وبنائها على نفسها القباب الملونة أعجب من إخراجه من شجرة هناك وجريان البحار بين السماء والأرض فوق السحاب أعجب من جريانها في الجنة بغير أخدود ومن تأمل آيات الله الدالة على كمال قدرته وبديع حكمته ثم وازن بينها وبين ما أخبر في الآخرة وجدهما عن مشكاة واحدة
(طب عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي رواته ثقات

(2/337)


1989 - (إن الرجل) في رواية إن المؤمن (ليدرك بحسن خلقه درجة) أي مثل درجة أي منزلة (القائم بالليل) أي المتهجد فيه (الظامئ الهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم لأنهما يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما من الطعام والشراب والنكاح والنوم والصيام يمنع من ذلك والنفس أمارة بالسوء تدعو إلى ذلك لأن الطعام يتقوى وبالنوم ينمو فالصائم والقائم مجاهدان بذلك ومن جمعهما فكأنه يجاهد نفسا واحدة ومن حسن خلقه يجاهد نفسه في تحمل أثقال مساوئ أخلاق الناس لأن الحسن الخلق لا يحمل غير خلقه وأثقاله ويتحمل أثقال غيره وخلقه وهو جهاد كبير فأدرك ما أدركه القائم الصائم فاستويا في الدرجة قال الغزالي رضي الله عنه: ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك يتم إيمانه ويطيع ربه ويعصي عدوه إبليس
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان وهو ضعيف انتهى ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه

(2/338)


1990 - (إن الرجل) وفي رواية الطبراني وأبي يعلى الكافر (ليلجمه العرق) أي يصل إلى فيه فيصير كاللجام قال النووي: يحتمل عرق نفسه وغيره ويحتمل عرقه فقط لتراكم الأهوال ودنو الشمس من الرؤوس (يوم القيامة) من شدة الهول وذلك يختلف باختلاف الناس فبعضهم يكون ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة وبعضهم يكون عليه لحظة لطيفة لصلاة الصبح كما زاد في رواية الطبراني وأبي يعلى والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو وغيره أن هذا في الكافر وعورض بما في بعض الطرق من أن الناس يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم والأخبار كالصريح في ذلك كله في الموقف وقد ورد أنه يقع مثله لمن يدخل النار. قال ابن أبي جمر: وظاهر الخبر تعميم الناس بذلك لكن دلت أحاديث أخر على تخصيصه البعض ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار وأصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة للكفار (فيقول رب) بحذف حرف النداء للتخفيف وفي رواية بإثبات حرف النداء (أرحني) من طول الوقوف على تلك الحالة (ولو) بإرسالي (إلى النار) زاد في رواية وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب وفيه إشارة إلى طول وقوفهم في ذلك الموقف في مقام الهيئة وتمادي حبسهم في مشهد الجلال والعظمة
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري إسناده جيد

(2/338)


1991 - (إن الرجل ليطلب الحاجة) أي الشيء الذي يحتاجه ممن جعل الله حوائج الناس إليه كالإمام الأعظم أو بعض نوابه (فيزويها) بتحية فزاي أي يصرفها الله (عنه) فلا يسهل له قال الزمخشري: زوى الميراث عن ورثته عدل به عنهم [ص:339] (لما هو خير له) وهو أعلم بما يصلح به عبده {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (فيتهم الناس ظلما لهم) بذلك الاتهام وفي نسخ فيتهم الإنسان ظالما له وهو تحريف فإن الأول هو الذي وقفت عليه في نسخة المصنف بخطه (فيقول من شبعني) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والعين بضبط المصنف بخطه يعني من تزين بالباطل وعارضني فيما سألته من الأمير مثلا ليغبطني بذلك ويدخل الأذى والضرر علي بمعارضته ففي لسان العرب وغيره ما محصوله تشبع تزين بالباطل كالمرأة تكون للرجل ولها ضرائر فتشبع بما تدعى من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ جارتها وإدخال الأذى عليها قال وكذلك هذا في الرجال ومقصود الحديث أنه ليس بيد أحد من الخلق نفع ولا منع وإنما الفاعل هو الله
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الغفور أبو الصياح وهو متروك

(2/338)


1992 - (إن الرجل) يعني الإنسان المؤمن ولو أنثى (لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا) أي من أين لي هذا ولم أعمل عملا يقتضيه وفي نسخة أنى لي ولفظ لي ليس في خط المصنف (فيقال) أي تقول له الملائكة أو العلماء هذا (باستغفار ولدك لك) من بعدك دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى وكان الظاهر أن يقال لاستغفار ليطابق اللام في لي لكن سد عنه أن التقدير كيف حصل لي هذا فقيل حصل لك باستغفار ولدك وقيل إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع وكذلك الأب إذا كان أرفع وذلك قوله سبحانه وتعالى {لا تدرون أيهم أقرب نفعا}
(حم هـ هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني بسند رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث

(2/339)


1993 - (إن الرجل أحق بصدر دابته) بأن يركب على مقدم ظهرها ويردف خلفه ولا يعكس (وصدر فراشه) بأن يجلس في أرفع تكرمته فلا يتقدم عليه في ذلك نحو ضيف ولا زائر إلا بإذنه (وأن يؤم في رحله) أي أن يصلي إماما بمن حضر عنده في منزله الذي يسكنه بحق فإذا دخل إنسان على آخر في منزله لنحو زيارة أو ضيافة وحضرت الصلاة فصاحب المنزل أولى بالتقدم للإمامة ويستثنى الوالي في محل ولايته والفراش بالكسر فعال يعني مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش ككتاب وكتب وهو فرش أيضا تسمية بالمصدر والرحل مسكن الإنسان ومأواه كما في الصحاح وغيره
(طب عن عبد الله بن حنظلة) بن أبي عامر الراهب الأنصاري له رواية وأبوه أصيب يوم أحد استشهد عبد الله يوم الحرة وكان أمير الأنصار فيها

(2/339)


1994 - (إن الرجل ليبتاع الثوب بالدينار والدرهم) الواو بمعنى أو (أو بنصف الدينار) مثلا والمراد بشيء حقير وفي نسخة المصنف بخطه أو بالنصف الدينار بزيادة ال والظاهر أنه سبق قلم (فيلبسه فما يبلغ كعبيه) أي ما يصل إلى عظميه الناتئتين عند مفصل الساق والقدم وفي رواية بدل كعبيه ثدييه (حتى يغفر له) أي يغفر الله له ذنوبه والمراد الصغائر (من [ص:340] الحمد) أي من أجل أو بسبب حمده لله على ذلك وفيه منقبة عظيمة حيث أوقع في مقابلته هذا الجزاء العظيم وهو المغفرة فيسن مؤكدا لمن لبس ثوبا جديدا أن يحمد الله على تيسيره له وأولى صيغ الحمد هنا ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي في الكاف وتحصل السنة بأي شيء كان من صيغه ولو بلفظ الحمد لله فقط (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري

(2/339)


1995 - (إن الرجل إذا رضي هدي الرجل) بفتح الهاء وكسرها وسكون الدال أي وصفه وطريقته وفي الصحاح يقال ما أحسن هديته بكسر الهاء وفتحها أي سيرته ومنه خبر اهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه (وعمله) أي ورضي عمله (فهو مثله) في الخير أو ضده فإن كان محمودا فهو محمود أو مذموما فمذموم واستعمال الهدي في الثاني مجاز ومقصود الحديث الحث على التباعد عن أهل الفسوق ومهاجرتهم بالقلوب والتصريح بعدم الرضى بأفعالهم
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه عبد الوهاب الضحاك وهو متروك

(2/340)


1996 - (إن الرجل ليصلي الصلاة) أي في آخر وقتها (ولما فاته منها) من أول وقتها (أفضل من أهله وماله) اللذين هما أعز الأشياء عليه وفي رواية بدله خير من الدنيا وما فيها. قال الغزالي: فينبغي المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت لهذا الحديث
(ص عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن حبيب) العنزي بفتح المهملة والنون الزاهد البصري قال في الكاشف: روى عن جندب وابن عباس وغيرها قال أبو حاتم صدوق يرى الإرجاء وفي التقريب كأصله صدوق عابد رمي بالإرجاء من الطبقة الثالثة انتهى فالحديث مرسل وكان الأولى للمصنف التنبيه عليه وقضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو قصور فقد خرجه ابن منيع والديلمي من حديث أبي هريرة باللفظ المزبور قال في الفردوس وفي الباب ابن عمر أيضا

(2/340)


1997 - (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) أي قرابة له بنحو إيذاء وهجر أراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعتها ولا ينكرون عليه وهو على العموم والمراد بالرحمة المطر فيحبس عنهم بشؤم القاطع وهذا وعيد عظيم مؤذن بأن قطيعة الرحم من الكبائر ومن ثم عدها كثيرون منها وفي رواية بدل الرحمة إن الملائكة إلى آخر ما ذكروا وعليه قال في الإتحاف: المراد بهذا ملائكة الزيارة والرحمة الذين يسبحون في الأرض لمثل ذلك ثم يحتمل تخصيص هذا بما إذا علموا حاله فلم يمنعوه ولم يخرجوه من بينهم ويحتمل أنه لحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب وهو أقرب لظاهر الخبر وسره أن شأن القاطع غالبا يظهر سرائره فعدم العلم بحاله لا يكون عذرا بل هو دليل على عدم اعتناء أولئك القوم بالأمور الدينية وأنهم لا يفتقدون بعضهم بأمره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه إشارة إلى طلب هجر القاطع في المجلس وينبغي ترك مجاورته لمن تيسر له ذلك وأنه لا يرافق في سفره ونحوه
(خد عن ابن أبي أوفى) ورواه عنه أيضا الطبراني وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه أبو داود المحاربي وهو كذاب

(2/340)


1998 - (إن الرزق ليطلب العبد) أي الإنسان (أكثر مما يطلبه أجله) أي غاية عمره قال البيهقي: معناه أن ما قدر من الرزق يأتيه ولا بد فلا يجاوز الحد في طلبه فالاهتمام بشأنه والحرص على استزادته ليس نتيجته إلا شغل القلوب عن خدمة علام الغيوب والعمى عن مرتبة العبودية وسوء الظن بالحضرات الرازقية. قال ابن عطاء الله: اجتهادك فيما تضمن لك [ص:341] وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك. ومما عزاه الطوسي رحمه الله وغيره لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه:
حقيق بالتواضع من يموت. . . ويكفي المرء من دنياه قوت
صنيع مليكنا حسن جميل. . . وما أرزاقه عنا تفوت
فيا هذا سترحل عن قليل. . . إلى قوم كلامهم السكوت
وهذا الخبر لا تعارض بينه وبين خبر استنزلوا الرزق بالصدقة لأن ما هنا في المتحتم في العلم الأزلي وذلك بالنظر لما في صحف الملائكة أو اللوح
(طب عد عن أبي الدرداء) وكذا البيهقي في الشعب والدارقطني في العلل وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب والعسكري والبزار رجاله ثقات وقال الدارقطني والبيهقي: وقفه أصح من رفعه وقال ابن عدي هو بهذا الإسناد باطل

(2/340)


1999 - (إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة) بالنسبة لما في العلم القديم الأزلي كما سبق تقريره موضحا وعدم تنقيص الرزق بالمعصية أمر مستفيض بين الملتين وغيرهم. حكي أن كسرى غضب على بعض مرازبته فاستؤمر في قطع عطائه فقال: يحط من مرتبته ولا ينقص من صلته فإن الملوك تؤدب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان (وترك الدعاء) أي الطلب من الله (معصية) لما في خبر آخر إن من لم يدع الله يغضب عليه. ولذا قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
والمراد أنه يقرب من المعصية لكراهته
(طص عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي وفيه عطية العوفي وهو ضعيف قال السخاوي سنده ضعيف

(2/341)


2000 - (إن الرسالة والنبوة) وفيه أنهما متغايران (قد انقطعت) أي كل منهما (فلا رسول بعدي) يبعث إلى الناس بشرع جديد فخرج عيسى عليه السلام (ولا نبي) يوحى إليه ليعمل لنفسه قال أنس راوي الحديث لما قال ذلك شق على المسلمين فقال (ولكن) الذي لا ينقطع هو (المبشرات) بكسر المعجمة فقالوا يا رسول الله وما المبشرات؟ قال (رؤيا الرجل) يعني الإنسان رجلا أو غيره (المسلم في منامه) وفي رواية بدل المسلم الصالح (وهي جزء من أجزاء النبوة) أي خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي ومر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا وأقل وأكثر وجمع باختلاف قرب الأشخاص من أخلاق الحضرة النبوية وهذه قاعدة لا يحتاج في إثباتها إلى شيء لانعقاد الإجماع عليها ولا التفات إلى ما زعمه بعض فرق الضلال من أن النبوة باقية إلى يوم القيامة وبنوا ذلك على قاعدة الأوائل أن النبوة مكتسبة ورمى بذلك جمع من عظماء الصوفية كالإمام الغزالي افتراه عليه الحسدة وقد تبرأ رحمه الله من القول به وتنصل منه في كتبه وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد أجمعوا على نزوله نبيا لكنه بشريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وذكر ابن بزيزة عن عصرية بن عربي أن زوجة عيسى عليه الصلاة والسلام ولدت في زمنه انتهى أقول وهذه دعوى قد تبين بطلانها فإن ابن عربي من القرن السادس ونحن الآن فيما بعد الألف وهذا مما يقوي الريبة في أقاويل ابن عربي
(حم ت ك) في الرؤيا (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي

(2/341)


2001 - (إن الرؤيا تقع على ما تعبر) بالتشديد أي تفسر قال في الصحاح: عبر الرؤيا فسرها وعبرها أيضا تعبيرا (ومثل [342] ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها (فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما) أي بتأويلها وسيجيء توجيهه <تنبيه> قال ابن عربي: لله تعالى ملك موكل بالرؤيا يسمى الروح وهو دون السماء الدنيا وبيده صورة الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكوان فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غيبة وفناء أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوسات في يقظته عز إدراك ما بيد هذا الملك من الصور فيدرك ما يدركه النائم لأن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوس إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدم الدماغ فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم ومن ذكر معه من المعاني متجسدة في الصور التي بيد هذا الملك فمنها ما يتعلن بالله وما يوصف به من الأسماء فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه فيما يحدث للرأي ثلاث مراتب أو إحداها (أحدها) أن يكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من منازله أو صفاته الراجعة إليه فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه (الثانية) أن تكون الصورة المرئية راجعة لحال الرائي في نفسه (الثالثة) أن تكون راجعة إلى الحق المشروع والناموس الموضوع أي ناموس كان في تلك البقعة التي رأى تلك الصورة فيها في ولاية أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه وما ثم رتبة رابعة فالأولى حسية كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص والأخيران قد تظهر الصورة فيها بحسب الأحوال من حسن وقبح ونقص وكمال فإن كان من تلك الصورة خطاب فهو بحسب ما يكون الخطاب وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ولا يعول على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى الحس إلا إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما به وينظر حركة الرائي مع تلك الصورة من أدب واحترام وغير ذلك فإن حاله بحسب ما يصدر عنه من معاملته لتلك الصورة فإنها صورة حق بكل وجه وقد يشاهد الروح الذي بيده الصورة وقد لا وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان إن كان فيه تحزين أو مما يحدث به المرء نفسه في يقظته فلا يعول عليها ومع ذلك إذا عبرت كان لها حكم ولا بد يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها وذلك أن الذي يعبرها ولا يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم فقد انتقلت تلك الصورة عن المحل التي كانت فيه حديث نفس أو تحزين شيطان إلى حال العابر لها وما هي له حديث نفس فيتحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر كما جاء في نفس قصة يوسف عليه السلام مع الرجلين وكانا كذبا فلما تخيلا ذلك وقصاه على يوسف عليه السلام حصل في خياله صورة من ذلك ولم يكن يوسف حدث بذلك نفسه وصارت حقا في حقه فكأنه هو الرائي لتلك الرؤية لذلك الرجل وقاما له مقام الملك الذي بيده صورة الرؤيا فلما عبرها لهما قالا ما رأينا شيئا فقال " قضى الأمر " فخرج الأمر في الحس كما عبر
(ك) عن أنس بن مالك

(2/341)


2002 - (إن الرقى) أي التي لا يفهم معناها إلا التعوذ بالقرآن ونحوه فإنه محمود ممدوح (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) بكسر التاء وفتح الواو كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر (شرك) أي من الشرك سماها شركا لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي. وقال الطيبي رحمه الله: المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله [ص:343] وكلامه ولا من علقها بذكر تبركا الله عالما أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به
(حم د هـ ك هب) في الطب عن ابن مسعود قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي

(2/341)


2003 - (إن الركن والمقام) مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بحذاء الكعبة (ياقوتتان من ياقوت) وفي نسخة يواقيت والأول ما هو في خط المؤلف (الجنة) أي أصلهما ذلك (طمس الله تعالى نورهما) أي ذهب به لكون الخلق لا يتحملونه كما أطفأ حر النار حين أخرجت من جهنم بغسلها في البحر مرتين (ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي والخلق لا تطيق مشاهدة ذلك كما يدل له قوله ابن عباس في الحجر لولا ذلك ما استطاع أحد النظر إليه فطمس نورهما من ضرورة بقاء أهل الأرض والطمس المحو والتغيير كما في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء
(حم ت حب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم تفرد به أيوب بن سويد وتعقبه الذهبي بأن أيوب ضعفه أحمد وتركه النسائي اه وأشار الترمذي إلى أن وقفه على ابن عمرو أشبه

(2/343)


2004 - (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فينبغي تغيمضه لئلا يقبح منظره قال القاضي: يحتمل أن الملك المتوفى للمحتضر يتمثل له فينظر إليه نظرا شزرا ولا يرتد إليه طرفه حتى تفارقه الروح وتضمحل بقايا القوى ويبطل البصر على تلك الهيئة فهو علة للشق ويحتمل كونه للإغماض لأن الروح إذا فارقته تتبعه الباصرة في الذهاب فلم يبق لانفتاح بصره فائدة انتهى. وقول النووي معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا أين تذهب تعقبه السيوطي بأنه يبصر ما دام الروح في البدن فإذا فارقه تعطل الإبصار كما يتعطل الإحساس. قال: والذي ظهر لي بعد النظر ثلاثين سنة أن يجاب بأحد أمرين: الأول أن ذلك بعد خروج الروح من أكثر البدن وهي بعد باقية في الرأس والعين فإذا خرج من الفم أكثرها ولم تنته كلها نظر البصر إلى القدر الذي خرج وقد ورد أن الروح على مثال البدن وقدر أعضائه فإذا خرج بقيتها من الرأس والعين سكن النظر فيكون قوله إذا قبض معناه إذا شرع في قبضه ولم ينته الثاني أن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة عنه يرى ويسمع ويعلم ويرد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك اه وقد مرت الإشارة إلى ذلك وبيان الأصوب فيه والروح قد خاض سائر الفرق غمرة الكلام فيها فما ظفروا بطائل ولا رجعوا بنائل وفيها أكثر من ألف قول قال ابن جماعة: وليس فيها قول صحيح بل هي قياسات وتخييلات عقلية وجمهور أهل السنة على أنها جسم لطيف يخالف الأجسام بالماهية والصفة متصرف في البدن حال فيه حلول النار في الفحم والزيت في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وذهب الإمام والغزالي وكبير من الصوفية إلى أنه مجرد غير حال في البدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق ويدبر أمره على وجه لا يعلمه إلا الله
(حم م هـ عن أم سلمة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم ذكره فضج الناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم

(2/343)


2005 - (إن الزناة يأتون) يوم القيامة إلى الموقف (تشتعل) أي تضطرم (وجوهم) أي ذواتهم والتعبير بالوجه عن الذات [ص:344] شائع غير عزيز ولا مانع من إرادة الوجه فقط وإن كان الأول أشبه (نارا) لأنهم لما نزعوا لباس الإيمان عاد تنور الشهوة الذي كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه بالنار لوجوههم التي كانت ناظرة إلى المعاصي وهذا تهديد شديد قصد به الردع لكون القوم كانوا حديثي العهد بجاهلية وكان الزنا في الجاهلية متعارفا لا نكير فيه ولا عار عليه بينهم مع أن في طيه فساد الجمهور وخراب المعمور وخلط الأنساب
(طب عن عبد الله بن بسر) بباء موحدة مضمومة وسين مهملة وعبد الله بن بسر في الصحابة اثنان مازني وبصري والمراد هنا الثاني وكان ينبغي للمؤلف تمييزه قال الهيثمي: وفيه محمد بن عبد الله بن بسر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري في إسناده نظر

(2/343)


2006 - (إن الساعة) أي القيامة (لا تقوم حتى تكون) أي يوجد فتكون تامة (عشر آيات) أي علامات بل أكثر من ذلك بكثير كما في أخبار آخر وإنما اقتصر عليها هنا لأنها أكبرها (الدخان) بالتخفيف بدل من عشرا أو خبر مبتدأ محذوف وفي رواية يملأ ما بين المشرق والمغرب (والدجال) من الدجل وهو السحر أي المسيح فإنه سياح يقطع نواحي الأرض في زمن قليل (والدابة) التي تجلو وجه المؤمن بالعصي وتخطم أنف الكافر (وطلوع الشمس من مغربها) لا يقدح فيه قول الهيوليين إن الفلكيات بسيطة لا تختلف ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه لأنه لا مانع من انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه (وثلاثة خسوف) جمع خسف وخسف المكان ذهابه في الأرض وغيوبته فيها (خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) مكة والمدينة واليمامة واليمن على ما حكي عن مالك رضي الله تعالى عنه سميت به لأنه يحيط بها بحر الهند وبحر القلزم ودجلة والفرات (ونزول عيسى) عليه السلام من السماء إلى الأرض حكما عدلا (وفتح يأجوج ومأجوج) أي سدهما - بالهمز - صنف من الناس (ونار تخرج من قعر عدن) أي من أسفلها وأساسها قال في المصباح: قعر الشيء نهاية أسفله وعدن بالتحريك مدينة باليمن وقعرها أقصى أرضها (تسوق الناس) وفي رواية ترحل الناس وفي أخرى تطرد الناس (إلى المحشر) أي محل الحشر للحساب وهو الشام قال الخطابي: هذا قبل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام بدليل قوله (تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) وهذا الحشر آخر الأشراط كما في مسلم وما ورد مما يخالفه مؤول. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ويترجح من مجموع الأخبار أن أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي الدجال فنزول عيسى عليه السلام فخروج يأجوج ومأجوج وكلها سابقة على طلوع الشمس وأولها المؤذن بغير أحوال العالم العلوي طلوع الشمس وخروج الدابة في يومه أو يقرب منه وأول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق
(حم م عد عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبي سريحة بمهملتين مفتوح الأولى صحابي بايع تحت الشجرة ومات بالكوفة وروى له الجماعة قال حذيفة: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرفة ونحن في أسفل منه فاطلع علينا فقال ما تذكرون؟ قلنا الساعة فذكره

(2/344)


2007 - (إن السحور بركة) بفتح السين وضمها أي زيادة خير ونمو وعظم ثواب (أعطاكموها الله) أي خصكم بها على جميع الأمم (فلا تدعوها) أي لا تتركوها لمزيد فضلها فالتسحر سنة مؤكدة بل هذا الحديث يدل على كراهة تركه [ص:345] قال عياض: وكان في صدر الإسلام ممنوعا اه. وقضية قاعدته أن ما كان ممنوعا ثم جاز وجب أنه واجب ولعل الصارف عن الوجوب الإجماع أو عدم مواظبة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
(حم عن رجل) من الصحابة لم يبين اسمه وإبهامه غير قادح لأن الصحابة عدول

(2/344)


2008 - (إن السعادة كل السعادة طول العمر) بضم العين وتفتح (في طاعة الله) أي السعادة التامة العظيمة الكاملة قال فيه الكمال التي في ضمنها كل السعادة فإنه كل ما طال عمره ازداد من الطاعة فتكثر حسناته وتضاعف درجاته في الجنان وازداد قربا من رضى الرحمن وفي إفهامه أن الشقاوة كل الشقاوة طول العمر في معصية الله تعالى فإنه كلما طال ازداد من المعاصي فتكثر ذنوبه فتورده النار وبئس الورد المورود
(خط عن المطلب) بن ربيعة بن الحارث الهاشمي (عن أبيه) ربيعة وله ولأبيه كما في الكاشف وسبقه بذلك ابن الحارث مع الإيضاح فقال ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر شعره وشمر ثوبه وابنه المطلب كان غلاما على عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان رجلا سكن دمشق وقدم مصر ثم إن فيه ابن لهيعة وفيه ضعف

(2/345)