فيض القدير شرح الجامع الصغير

2009 - (إن السعيد لمن جنب) بضم الجيم وتشديد النون (الفتن) يعني بعد عنها ووفق للزوم بيته وكرره ثلاثا مبالغة في تأكد المباعدة عنها (ولمن ابتلى) أي بتلك الفتن هو بفتح اللام جواب قسم في صدر الحديث ومن بفتح الميم شرطية وابتلي في محل جزم بها (فصبر) معطوف عليه أي صبر على ما وقع في الفتن وصبر على ظلم الناس له وتحمل أذاهم ولم يدفع عن نفسه وقضية كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند أبي داود فواها ثم واها أي طوبى له لما حصل أي فواها له ما أطيبه
(د) الفتن (عن المقدام) بن معد يكرب الكندي وفي نسخة المقداد قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره

(2/345)


2010 - (إن السقط) بتثليث السين الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه وفي الإحياء بدله الطفل قالوا ولا أصل له (ليراغم) بتحتية وغين معجمة أي يحاج ويغاضب (ربه) يعني يتدلل على ربه والمراغمة المغاضبة قال الفارسي: وأما بالزاي فهو الغضب مع كلام (إذا دخل أبواه النار) نار جهنم قال الطيبي: هذا تخييل على نحو حديث الشيخين إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقوق الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ من القطيعة. الحديث. (فيقال) أي تقول الملائكة أو غيرهم بإذن ربهم (أيها السقط المراغم ربه) المدلل عليه (أدخل أبويك الجنة) أي أخرجهما من النار وأدخلهما الجنة (فيخرجهما بسرره) بفتح السين والراء ما يبقى بعد القطع من السرة بأن يعاد المقطوع إليه فيتمسكان به فيجرهما به (حتى يدخلهما الجنة (1)) ويحتمل أن الارتباط المعنوي والكلام في المسلمين قال الطيبي: هذا تتميم ومبالغة للكلام السابق ولهذا صدره المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم أي إذا كان السقط الذي لا يؤبه به يجر أبويه بما قد قطع من العلاقة بينهما فكيف الولد المألوف الذي هو فلذة الكبد وقرة العين وشقيق النفس؟ وهل مثل الأبوين الجدات والأجداد؟ لم أر في الروايات ما يدل عليه وفضل الله واسع
[ص:346] (هـ عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه جزم الحافظ العراقي بضعفه وسببه أن فيه مندل العنزي قال في الكاشف ضعفه أحمد
_________
(1) أي يشفع لأبويه المسلمين فيقبل الله شفاعته فيأمر بإخراجهما من النار وإدخالهما الجنة

(2/345)


2011 - (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضع) بالبناء للمفعول أي وضعه الله (في الأرض) لتعملوا به (فأفشوا السلام بينكم) أي أظهروه ندبا مؤكدا فإن في إظهاره الإيذان بالأمان والتحابب والتواصل بين الإخوان وإرغام الشيطان. وللسلام فوائد كثيرة أفردت بالتأليف ثم قيل معنى السلام عليكم أي معكم وقيل معناه الله مطلع عليكم فلا تغفلوا وقيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتقاء عوارض الفساد عنه وقيل معناه السلامة لكم كأن المسلم بسلامه على غيره معلم له بأنه مسالم له لا يخافه وقيل معناه الدعاء له بالسلامة
(خد عن أنس) وفي اللباب عن أبي هريرة بلفظ إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا وأمانا لأهل ملتنا رواه الطبراني في الصغير

(2/346)


1012 - (إن السماوات السبع والأرضين السبع والجبال لتلعن الشيخ الزاني) يعني يدعون عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله بلسان الحال والقال بأن يخلق الله لها قوة النطق بذلك على الخلاف المعروف في نظائره والذي خلق النطق في جارحة اللسان قادر على خلقه في غيرها ومثل الزاني اللائط بالأولى وسر ذلك أن الزنا من الشيخ لا عذر له فيه البتة لأن شهوته قد ضعفت وقواه انحطت فوقوع الزنا منه ليس إلا لكونه مفسدا بالطبع فالفساد ذاتي له يستحق بسببه الطرد والإبعاد وأما الشاب فله فيه عذر ما لمنازعته الطبيعة وغلبة الشهوة عليه والشيخة الزانية كالشيخ الزاني (وإن فروج الزناة) من الرجال والنساء (ليؤذي أهل النار نتن ريحها) وإذا آذى أهل النار مع شغل حواسهم بما هم فيه من العذاب عن الشم وغيره فما بالك بغيرهم لو شموه؟ وكفى بذلك وعيدا
(البزار) في مسنده (عن بريدة) بن الخصيب وضعفه المناوي وقال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف انتهى وأورده في اللسان من حديث أبي هريرة بلفظ إن السماوات السبع والأرضين السبع تلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني وقال إنه من منكرات حسين بن عبد الأول

(2/346)


2013 - (إن السيد) أي المقدم في الأمور والمعطى الولايات قال في الكشاف: السيد الذي يفوق قومه في الشرف (لا يكون بخيلا) أي لا ينبغي له ذلك أو لا ينبغي أن يسود ولهذا قال الماوردي عن الحكماء سؤدد بلا جود كملك بلا جنود وقال الجود حارس الأعراض ومن جاد ساد ومن أضعف ازداد وجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وخير الأموال ما استرق حرا وخير الأعمال ما استحق شكرا قال الراغب: البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود والبخيل هو الذي يكثر من البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بمقتنيات نفسه وبخل بمقتنيات غيره وهو أكثره ذما انتهى وقيل إنما يستحق السيادة من لا يشح ولا يشاحح فلا يصانع ولا يخادع ولا تغيره المطامع وقال الغزالي: البخل منع الواجب والواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والواجب بالمروءة ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال [ص:347] فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد برئ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات
(خط في كتاب البخلاء) أي الكتاب الذي ألفه فيما ورد في ذمهم (عن أنس) بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم؟ قالوا حر بن قيس وإنا لنبخله فذكره

(2/346)


2014 - (إن الشاهد) أي الحاضر (يرى) من الرأي في الأمور المهمة لا من الرؤيا (ما لا يرى الغائب) أي الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب إذ ليس الخبر كالمعاينة وهذا قاله لعلي كرم الله وجهه لما أرسله لقتل العلج الذي كان يتردد إلى مارية ليقتله فقال له علي: يا رسول الله أمض كيف كان فقال له إن الشاهد إلخ فكشف له عن سوءته فرآه خصيا مجبوبا فتركه
(ابن سعد) في الطبقات (عن علي) أمير المؤمنين

(2/347)


2015 - (إن الشمس والقمر ثوران) بالثاء المثلثة (عقيران) أي معقوران يعني يكونان كالزمنين (في النار) لأنهما خلقا منها كما جاء في خبر آخر فردا إليها أو يجعلان في النار ليعذب بهما أهلها فلا يبرجان كأنهما زمنان عقيران فسقط قول بعض المشككين على الأصول الإسلامية ما ذنبهما حتى يعذبا وما هذا إلا كرجل قال في قوله سبحانه {واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} ما ذنب الحجارة؟ والثور الذكر من البقر والأنثى ثورة والمعقور المثبت بالجراحات
(الطيالسي) أبو داود في مسنده (ع) كلاهما معا عن درست بن زياد بن يزيد بن أبان الرقاشي (عن أنس) بن مالك وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال درست ليس بشيء وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بكذب وبأن له متابعا

(2/347)


2016 - (إن الشمس والقمر) آيتان من آياته تعالى (لا ينكسفان) بالكاف وفي رواية للبخاري بالخاء وهو بفتح الياء قال الزركشي عن ابن الصلاح وقد منعوا أن يقال يكسفان بالضم (لموت أحد) من الناس أو من العظماء وهذا قاله يوم مات ابنه إبراهيم فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموته (ولا لحياته) ذكره دفعا لتوهم أنه إذا لم يكن لموت أحد من العظماء فيكون لإيجاده قال الأكمل كغيره وانكسافهما عبارة عند عدم إضاءتهما عالم العناصر مما يلينا في الوقت الذي من شأنهما أن لا يغيبا فيه وسبب كون كسوف الشمس توسط القمر بينهما وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد مظلم فيحجب ما وراءه عن الأبصار وفلكه دون فلك الشمس فإذا وجدنا الشمس بأبصارنا والقمر بيننا وبينها اتصل مخروط الشعاع الخارج عن الأبصار أولا بالقمر ثم يتعدى إلى الشمس فتنكسف كلا أو بعضا وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين نور الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى ظلامه الأصلي فيرى منخسفا (ولكنهما آيتان) أي علامتان لقرب يوم القيامة أو لعذاب الله أو لكونهما مسخرين بقدرته (من آيات الله) الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته (يخوف الله بهما) أي بكسوفهما (عباده) من سطوته وكونه تخويفا لا ينافي ما قدره أهل الهيئة فيه لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنه وقدرته حاكمة على كل سبب ومسبب بعضهما على بعض فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة إذا وقع شيء غريب خافوا لقوة ذلك الاعتقاد وذا لا يمنع أن ثم أسباب [ص:348] تجري عليها العادة إلا إن شاء الله خرقها (فإذا رأيتم) أي علمتم (ذلك) أي كسوف واحد منهما لاستحالة تقارنهما في الوقوع عادة وفي رواية للبخاري رأيتموها أي الكسفة أو الآية وفي أخرى رأيتموها بالتثنية (فصلوا) صلاة الكسوف بكيفيتها المبينة في الفروع ويجزئ عنهما ركعتان كسنة الصبح (وادعوا) الله ندبا (حتى) غاية للمجموع من الصلاة أو الدعاء (ينكشف ما بكم) بأن يحصل الانجلاء التام والأمر فيهما للندب وإنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة الخارق تعرض عن الدنيا وتتوجه للحضرة العليا فيكون حينئذ أقرب للإجابة لا يقال هذا يدل على تكرر صلاة الكسوف إذا لم ينجل وهو غير مشروع لأنا نقول المراد مطلق الصلاة وقد يراد صلاة الكسوف وتكون الغاية لمجموع الأمرين بأن يمتد الدعاء إلى الانجلاء وفيه أنه يسن عند الكسوف الدعاء بكشفه وصلاة تخصه وأنها تسن جماعة وأن الكواكب لا أصل لها ولا تأثير استقلالا بل بأمر الله تعالى
(خ ن عن أبي بكرة ق ن هـ عن أبي مسعود) البدري (ق ن عن ابن عمر ق عن المغيرة) قال ابن حجر: هذه طرق كلها تفيد القطع لمن اطلع عليها من أهل الحديث فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف لموت أحد أو حياته

(2/347)


2017 - (إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئا) نكره للتقليل أي شيئا قليلا جدا إذ لا يطيق مخلوق النظر إلى كثير منها وإلا لفنى وتلاشى (حاد عن مجراه) أي مال وعدل عن جهة جريه (فانكشف) لشدة ما غلب عليهما من الجلال قال الطبري في إحكامه وللكسوف فوائد منها ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين وإزعاج القلوب الغافلة وإيقاظها وليرى الناس أنموذج القيامة وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان فيكون تنبيها على خوف المكر ورجاء العفو والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له فكيف من له ذنب وقال الزمخشري: قالوا حكمة الكسوف أنه تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييره أو تبديله ليستدل بذلك على أن له مسيرا ومبدلا ولأن النيرين يعبدان من دون الله تعالى فقضى عليهما بسلب النور عنهما لأنهما لو كانا معبودين لدفعا عن نفسهما ما يغيرهما ويدخل عليهما
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك

(2/348)


2018 - (إن الشهر) أي العربي الهلالي (يكون تسعة وعشرين يوما) كما يكون ثلاثين ومن ثم لو نذر شهرا معينا فكان تسعا وعشرين لم يلزمه أكثر واللام في الشهر عهدية والمعهود أنه حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فمضى تسع وعشرون فدخل فقيل له فقال إن الشهر أي المحلوف عليه يكون إلخ وسبب الحلف قصة مارية وتحريم العسل في قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم} الآية أو أهديت له هدية فقسمها فلم ترض زينب نصيبها فزادها فلم ترض فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قد أعمت وجهك ترد عليك أو أنهن سألنه النفقة أو غير ذلك فحلف لا يدخل عليهن وجلس في مشربة له قال الخطابي: إنما لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه كان عين الشهر وإلا فلو نذر صوم شهر بغير تعيين لزمه ثلاثون وهذا نص في الحلف على البعد من النساء قال الحرالي: والشهر هو الهلال الذي شأنه أن يدور دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيا سواء كانت عدة أيامه تسعا وعشرين أو ثلاثين كلا العددين في صحة التسمية بالشهر واحد فهو شائع في فردين متزايدي العدد <تنبيه> قال جمع من خصائص هذه الأمة الأشهر الهلالية
(خ ت عن أنس) بن مالك (ق عن أم سلمة) أم المؤمنين (م عن جابر) بن عبد الله (وعائشة) أم المؤمنين لكن لفظهما إن الشهر تسع وعشرون بحذف يكون ولا بد من تقديرها ليكون عشرين خبرها ذكره أبو زرعة

(2/348)


[ص:349] 2019 - (إن الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الرحمة أو الصلاح أو شاط يعني احترق (تغدو براياتها) أي تذهب أول النهار بألويتها وأعلامها إلى (الأسواق) أي مجامع البيع والشراء (فيدخلون) ها (مع أول داخل) إليها (ويخرجون) منها (مع آخر خارج) منها فلما كانت عادة الراية استعمالها في معركة القتال استعيرت هنا لتعارك الناس عند البيع والشراء وحلفهم الأيمان الكاذبة لرواجها واحتمال أنها رايات حقيقية حجبت ورؤيتها عنا بعيدة والمراد أنهم لا يفارقون السوق ما دام الناس فيه لإغوائهم أهله ووسوتهم لهم بالغش والخديعة والخيانة ونفاق السلعة باليمين الكاذب ونحو ذلك ولهذا مزيد يأتي على الأثر والقصد التحذير من دخوله إلا لضرورة
(طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك

(2/349)


2020 - (إن الشيخ) أي من وصل إلى حد الشيخوخة (يملك نفسه) أي يقدر على كف شهوته وقمع لذته فيصير حاكما عليها ومن قدر على منع نفسه مما لا ينبغي فلا حرج عليه في التقبيل وهو صائم
(حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا فجاء شيخ فقبال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال قد علمت لم نظر بعضكم لبعض إن الشيخ إلخ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف

(2/349)


2021 - (إن الشيطان) من شطن بعد أو شاط هلك والمراد إما إبليس فاللام للعهد وإما نوعيه فللجنس (يحب الحمرة) أي يميل ميلا شديدا إليها (فإياكم والحمرة) أي احذروا لبس المصبوغ بها لئلا يشاركم الشيطان فيه لعدم صبره عنه (وكل ثوب ذي شهرة) أي صاحب شهرة يعني المشهور بمزيد الزينة والنعومة أو مزيد الخشونة والرثاثة فإن قلت قد ذكر علة النهي عن لبس الأحمر وهو محبة الشيطان فما باله لم يذكر علة ذي الشهرة قلت إنه تركه لعلمه من ذلك بالأولى فإنه إذا كان الأحمر محبوبا للشيطان فذو الشهرة محبوب له أكثر لأنه أعرق في الزينة وفيه مفاسد لا توجد في الأحمر البحت القاني والخطاب للرجال وهذا من أدلة من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر
(الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى وكذا ابن السكن وابن منده (وابن قانع) في معجم الصحابة (عد هب) من طريق أبي بكر الهزلي قال ابن حجر رحمه الله تعالى وهو ضعيف (عن رافع بن يزيد) كذا بخط المصنف وهو الموجود في الشعب وغيرها وفي نسخة رافع بن خديج وهو خطأ بل هو رافع بن يزيد الثقفي قال ابن السكن لم يذكر في حديثه سماعا ولا رؤية ولست أدري أهو صحابي أم لا ولم أجد له ذكرا إلا في هذا الحديث وقال الجوزقاني في كتاب الأباطيل هذا حديث باطل وإسناده منقطع قال ابن حجر في الإصابة وقوله مردود فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع وقد وافقه سعيد بن بشير وغايته أن المتن ضعيف أما حكمه عليه بالوضع فمردود انتهى وقال في الفتح الحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل وقد وقفت على كتاب الجوزقاني وترجمه بالأباطيل وهو بخط ابن الجوزي وقد تبعه على أكثره في الموضوعات لكن لم يوافقه على هذا الحديث ولم يذكره فيها فأصاب انتهى ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن رافع المذكور قال الهيثمي وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف ثم إن فيه يوسف بن سعيد. قال الذهبي: مجهول

(2/349)


[ص:350] 2022 - (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) أي مفسد للإنسان أي بإغوائه ومهلك له كذئب أرسل في قطع من الغنم (يأخذ الشاة القاصية) أي البعيدة عن صواحباتها وهو حال من الذئب والعامل معنى التشبيه وهو تمثيل مثل حالة مفارقة الجماعة واعتزاله عنهم ثم تسلط الشيطان عليه بحالة شاة شاذة عن الغنم ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها ووصف الشاة بصفات ثلاث فالشاذة هي النافرة والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير (والناحية) بحاء مهملة التي غفل عنها وبقيت في جانب منها فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض ولما انتهى التمثيل حذر فقال (وإياكم والشعاب) أي احذروا التفرق والاختلاف ففي الصحاح شعب الشيء فرقه وشعبه أيضا جمعه فهو من الأضداد وفي الأساس الشعب الطريق والنهر وظبي أشعب متباين القرنين جدا وتشعبتهم الفتنة (وعليكم بالجماعة) تقرير بعد تقرير وتأكيد بعد تأكيد أي الزموها وكونوا مع السواد الأعظم فان من شذ شذ إلى النار (والعامة) أي السواد الأعظم من المؤمنين (والمسجد) أي لزومه فإنه مجمع الأخيار وموطن الأبرار وأحب البقاع إلى الله تعالى ومنه ينفر الشيطان فيعدو إلى السوق وينصب كرسيه وسطه ويركز رايته ويبث جنوده ويقول دونكم من رجال مات أبوهم وأبوكم حي فمن بين مطفف في كيل وطائش في وزن ومنفق سلعته بيمين مفتراه ويحمل عليهم بجنوده حملة فيهزمهم ويقلبهم إلى المكاسب الرديئة وإضاعة الصلوات ومنع الحقوق فلا يزال هذا دأب الشيطان مع أهل الغفلة من أول دخول أولهم إلى آخر خروج آخرهم فهذا ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث السابق والدواء النافع من ذلك لداخله تقوى الله ولزوم الذكر المشهور المندوب لداخل السوق الذي يكتب لقائله فيه ألف ألف حسنة ويحط عنه ألف ألف خطيئة ويرفع له ألف ألف درجة
(حم) من حديث العلاء بن زياد (عن معاذ) ابن جبل قال الحافظ العراقي رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا اه وبينه تلميذه الهيثمي فقال العلاء لم يسمع من معاذ والرجال ثقات

(2/350)


2023 - (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) أي من أمره الخاص به أو المشارك فيه غيره فإنه بصدد أن يغايظ الإنسان المؤمن ويكايده ويناقضه حتى يفسد عليه شأنه في كل أموره قال ابن العربي: لا يخلو أحد من الخلق عن الشيطان وهو موكل بالإنسان يداخله في أمره كله ظاهرا وباطنا عبادة وعادة ليكون له منه نصيب (حتى يحضره عند طعامه) أي عند أكله للطعام وشربه للشراب (فإذا سقطت) أي وقعت (من أحدكم اللقمة) حال الأكل (فليمط ما كان بها من أذى) أي فليزل ما عليها من تراب أو غيره والإماطة التنحية. قال في الصحاح: إماطه نحاه ومنه إماطة الأذى عن الطريق (ثم ليأكلها) ندبا أو يطعمها غيره (ولا يدعها للشيطان) أي لا يتركها له (فأذا فرغ) من الأكل (فليلعق أصابعه) أي يلحسها (2) قال في الصحاح: لعق الشيء لحسه وبابه فهم والملعقة بالكسر واحدة الملاعق واللعقة بالضم اسم ما تأخذه الملعقة واللعقة بالفتح المرة الواحدة واللعوق اسم ما يلعق اه وزاد في روايات أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أفي الساقط أم في ما في القصعة أم في ما على الأصابع؟ قال المحقق أبو زرعة الظاهر أن المراد هنا وفيما مر ويجيء بالشيطان الجنس فلا يختص بواحد من الشياطين والشيطان [ص:351] كل عات متمرد وهبه من الجن والإنس والدواب لكن المراد هنا شياطين الجن خاصة ويحتمل اختصاصه بالشيطان الأكبر إبليس وفيه الكبر وتغيير عادة الأكابر إماطة الأذى عن المأكول والمشروب وإرغام الشيطان بلعق الأصابع وأكل المتناثر وإطابة المطاعم حسا ومعنى
(م عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره
_________
(2) والأمر بالأكل للندب ومحله إذا لم تتنجس أما إذا تنجست وتعذر غسلها فينبغي له أن يطعمها لنحو هرة

(2/350)


2024 - (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته) أي وهو فيها (فيلبس) بتخفيف الباء الموحدة المكسورة أي يخلط (عليه حتى لا يدري) أي يعلم (كم صلى) من الركعات (فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد) (1) للسهو ندبا عند الشافعي ووجوبا عند أبي حنيفة وأحمد (سجدتين) فقط وإن تعدد السهو (هو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم) من الصلاة وبعد أن يتشهد سواء كان سهوه بزيادة أو نقص وهذا كما ترى نص صريح شاهد للشافعي في ذهابه إلى أن محل سجود السهو قيل السلام ورد على أبي حنيفة في جعله بعده مطلقا ومالك رضي الله تعالى عنه في قوله للزيادة يكون بعده وللنقص قبله وفيه أن سجود السهو سجدتان فقط وهو إجماع وأما الخبر الآتي كل سهو سجدتان بعد ما يسلم فضعيف لا يقاوم هذا الحديث الصحيح
(ت هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده جيد
_________
(1) أي فليبن على اليقين وهو الأقل ويكمل صلاته ويسجد

(2/351)


2025 - (إن الشيطان) لفظ رواية أحمد إن إبليس بدل الشيطان (قال وعزتك) أي وقوتك وشدتك (يا رب لا أبرح أغوي (1) أي لا أزال أضل (عبادك) الآدميين المكلفين يعني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن (ما دامت أرواحهم في أجسادهم) أي مدة دوامها فيها (فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) أي طلبوا مني الغفران أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم والإقلاع والخروج من المظالم والعزم على عدم العود إلى الاسترسال مع اللعن وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى {ممن اتبعك} أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان ووعد كريم من الرحمن بالغفران قال حجة الإسلام: لكن إياك أن تقول إن الله يغفر الذنوب للعصاة فأعصى وهو غني عن عملي فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر: الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيها في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة وقال إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها والله يقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} {وإنما تجزون ما كنتم تعملون}
(حم ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي أبي يعلى ورواه عنه الحاكم أيضا وقال صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) بفتح همزة أبرح وضم همزة أغوي أي لا أزال أضل بني آدم أي إلا المخلصين منهم ويحتمل العموم ظنا منه إفادة ذلك

(2/351)


[ص:352] 2026 - (إن الشيطان لم يلق عمر) بن الخطاب (منذ أسلم إلا خر) أي سقط (لوجهه) هيبة منه ومخافة له لاستعداده له ومناصبته إياه لأنه لما طلعت عليه شمس النبوة وأشرقت عليه أنوار الرسالة لبس لأمة الحرب وتحلى بأنواع الأسلحة وحل في حومة الحرب بين باعث الدين وداعي الهوى والشيطان فكان القهر والغلبة لداعي الدين فرد جيش الشيطان مغلوبا فكان إذا لقيه بعد ذلك استسلم له فالخبر عبارة عن ذلك يحتمل الحقيقة وهكذا حال الأكابر معه حتى قال أبو حازم: ما الشيطان حتى يهاب فوالله لقد أطيع وعصي فما ضر وكان بعض العارفين يتمثل له الشيطان بصورة حية في محل سجوده فإذا أراد السجود نحاه بيده ويقول والله لولا نتنك لم أزل أسجد عليك وقال بعض العلماء: لولا أن الحق سبحانه أمرنا بالاستعاذة منه ما استعذت منه لحقارته
(طب) من طريق الأوزاعي وكذا ابن منده وأبو نعيم (عن سديسة) بالتصغير الأنصارية قيل هي مولاة حفصة بنت عمر قال الهيثمي ولا يعلم للأوزاعي سماع من أحد من الصحابة ورواه في الأوسط عن الأوزاعي عن سالم عن سديسة وهو الصواب وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا

(2/352)


2027 - (إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى) أي يظن المصلي (أنه أحدث) بخروج ريح من دبره فإذا وقع ذلك (فلا ينصرف) من صلاته أي لا يتركها ليتطهر ويستأنف (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح يخرج منه (أو يجد ريحا) أو يشم رائحة خرجت منه وهذا مجاز عن تيقن الحدث لأنها سبب للعلم به فالمدار على تيقن الحدث بذلك أو بغيره ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين كما في الديباج لأنه قد يكون أصم أو أخشم فذكر ذلك إنما هو جري على الغالب أو خروج على سؤال وفيه أن خروج الخارج من قبل أو دبر يوجب الحدث بخلاف الشك فيه وهذا أصل قاعدة عظيمة وهي أن التيقن لا يرفع بالشك والمراد به مطلق التردد الشامل للظن والوهم فيعمل باليقين استصحابا له فمن تيقن الطهر وشك في ضده أخذ بالطهر هبه في صلاة أم لا وإنما ذكر الصلاة لذكرها في سؤال سائل فلا يعتبر في الحكم كما لا يعتبر فيه كونه في المسجد كما جاء في رواية والكلام على القاعدة المذكورة مبسوط في كتب الفقه وهذا أصل قاعدة إن اليقين لا يرفع بالشك <تنبيه> قال الغزالي: الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصح حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرج عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فيميل قلبه إليهم ويعجب بنفسه وبه يهلكه وعنده يشد حاجه لأنه آخر درجاته ويعلم أنه لو جاوزه أفلت منه إلى الجنة
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه علي بن زيد اختلف في الاحتجاج به

(2/352)


2028 - (إن الشيطان) في رواية مسلم إن إبليس وهو نص صريح في أن المراد بالشيطان هنا إبليس ولا اتجاه لترديد أمير المؤمنين في الحديث: الحافظ ابن حجر بقوله المراد بالشيطان إبليس أو جنس الشيطان لأنه الشيطان الأكبر كما قاله الحافظ العراقي (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (حال) قال في المصباح حال حولا من باب قال إذا مضى [ص:353] ومنه قيل للعام ولو لم يمض حول لأنه سيمضي وقال الزمخشري رحمه الله: حال عن مكانه يحول (له) أي حالة كونه له وفي رواية حوله بحاء مهملة أي ذهب هاربا كذا في نسخة المؤلف وفي نسخ أحال بالهمزة (ضراط) حقيقي يشغل نفسه به عن سماع الأذان والجملة حال وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} (حتى) أي كي (لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام والقول بأن المراد حتى لا يشهد للمؤذن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة اعترضوه (فإذا سكت) أي فرغ المؤذن من الأذان (رجع) الشيطان (فوسوس) للمصلين والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق على إفسادها على فاعلها وإفساد خضوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلام وعموم الرحمة لهم مع يأسه من رد ما أعلنوا به عليهم ويذكر عصيانه ومخالفته فلا يملك الحدث (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب) أي وله ضراط وتركه اكتفاء بذكره فيما قبله فيشغل نفسه به لثقل الأذان والإقامة عليه (حتى لا) أي لئلا (يسمع صوته فإذا سكت) المقيم (رجع) الشيطان (فوسوس) إليهم وفيه فضل الأذان والإقامة إذ لولاه لما تأذى منهما الشيطان وحقارة الشيطان وهوائه على أهل الإيمان ولو ناصبوه واستعدوا له لأعيوه تعبا وأبعدوه هربا لأنه إذا حصل له من الأذان ما ذكر وهو بلا قصد له فكيف بمن قصده واستعد له بيد أن الأكابر لا يبالون به لعدم السلطان له عليهم فهو يروض نفسه على ضرهم فلا يقدر ويضر نفسه كالفراش بأمن النار فيلم بها فتحرقه قال أبو زرعة والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته وقال الغزالي: قوت الشيطان الشهوات فمن كان قلبه خاليا عنها انزجر عنه بمجرد كرم الله كما لو وقف عليك كلب جائع وليس عندك ما يؤكل فبمجرد أن تقول له اخسأ اندفع وإن كان عندك ذلك هجم ولم يندفع بمجرد الكلام فالشهوة إذا غلبت على القلب تدفع حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ولم يتمكن من سوء يداه فيستقر الشيطان فيه والقلوب الخالية من الهوى والشهوات يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان وإن كنت تقول الحديث ورد مطلقا بأن الذكر والصلاة يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط يعرفها علماء الدين فانظر لنفسك فليس الخبر كالمعاينة وتأمل أن منتهى ذكرك صلاتك فراقب قلبك وانظر كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب المعاملين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تتذكر ما نسيت من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا فيها والصلاة محك القلوب وكما أن الله تعالى قال {ادعوني أستجب لكم} وأنت تدعو فلا يستجيب فكذا تذكر الله ولا يهرب الشيطان عنك لفقد الشروط في الذكر والدعاء
(م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا

(2/352)


2029 - (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول) موسوسا مستدرجا من رتبة إلى رتبة ليوقع المكلف في الشك في الله تعالى (من خلق السماء؟ فيقول الله فيقول من خلق الأرض؟ فيقول الله فيقول من خلق الله؟) رواية البخاري من خلق ربك (فإذا وجد ذلك أحدكم) في نفسه (فليقل) بقلبه ولسانه رادا على الشيطان (آمنت بالله ورسوله) فإذا لجأ الإنسان إلى الله في دفعه اندفع بخلاف ما لو اعترض إنسان بذلك فإنه يمكن قطعه بالبرهان والفرق أن الآدمي يقع منه سؤال وجواب والحال معه محصور بخلاف الشيطان كلما ألزم حجة زاغ لغيرها <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: لا مناسبة [ص:354] بين الواجب والممكن وأنى للمقيد معرفة المطلق وذاته لا تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والافتقار فلو جمع بين الواجب لذاته وبين الممكن بوجه جاز على الواجب ما جاز على الممكن من ذلك الوجه وذلك في حق الواجب محال فإثبات وجه جامع بينهما محال فلم نصل إلى معرفته سبحانه إلا بالعجز عن معرفته لأنا طلبنا أن نعرفه كما نطلب معرفة الأشياء كلها من جهة الحقيقة التي المعلومات عليها فلما علمنا أن ثم موجودا لا مثل له ولا صورة في الذهن ولا يدرك فكيف يضبطه العقل فنحن نعلم أنه موجود واحد في ألوهيته وهذا هو العلم الذي طلب منا غير عالمين بحقيقة ذاته التي يعرف سبحانه عليها
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن محمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسوله

(2/353)


2030 - (إن الشيطان يأتي أحدكم) أيها المخاطبون بأي صفة كنتم (فيقول من خلقك فيقول الله فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله) أي قل أخالف عدو الله المعاند وأومن بالله وبما جاء به رسوله (فإن ذلك يذهب عنه) لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها ومنها ما يندفع بقلعه من أصله يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها فلذا أحالهم على الإعراض عنها قال الغزالي من مكايد الشيطان حمل العوام ومن لم يمارس العلم ولم يتبحر فيه على التفكر في ذات الله وصفاته في أمور لا يبلغها حد عقله حتى يشككه في أمر الدين أو يخيل إليه في الله خيالا يتعالى الله عنه فيصير به كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور متبجح بما وقع في صدره يظن أن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله وأشد الناس حمقا أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثقب الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه وظنه وأحرصهم على السؤال من العلماء والنبي لم يأمره في علاج هذا الوسواس بالبحث فإن هذا وسواس يجده العوام دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعاشهم ويتركوا العلم للعلماء فإن العامي إذا زنى أو سرق خير له من أن يتكلم في العلم بالله بغير إتقان وإلا وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن يركب لجة البحر ولا يعرف السباحة ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب لا تحصر
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتابه (مكايد الشيطان عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة عازيا لابن أبي الدنيا وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار قال الحافظ العراقي ورجاله ثقات

(2/354)


2031 - (إن الشيطان واضع خطمه) أي فمه وأنفه والخطم من الطير منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها (على قلب ابن آدم فإن) وفي نسخة فإذا والأولى هي الثابتة بخط المصنف (ذكر الله تعالى خنس) انقبض وتأخر (وإن نسي الله التقم قلبه) فبعد الشيطان من الإنسان على قدر ملازمته للذكر والناس في ذلك متفاوتون ولهذا تجنب أولياء الرحمن [ص:355] قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس فأخذ عني ناحية فقلت تعال فقال إبش أعمل بكم لزمتم الذكر وطرحتم ما أخادع به قلت ما هو قال الدنيا فولى عني ثم التفت وقال بقي لي فيكم لطيفة قلت ما هي قال السماع وصحبة الأحداث قال الغزالي: مهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأكثر القلوب قد افتتحها جند الشيطان وملكوها ومبدأ استيلائه اتباع الهوى ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات وعمارته بذكر الله وقال الحكيم: قد أعطي الشيطان وجنده السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طعما في غوايته فهو يهيج النفوس إلى تلك الزينة تهييجا يزعزع أركان البدن ومستقر القلب حتى يزعجه عن مقره ولا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأنه إذا هاج الذكر من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار وهيج العدو نار الشهوات فإذا رأى العدو هيجان الذكر من القلب ولى هاربا وخمدت نار الشهوة وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده <تنبيه> قال الغزالي: أهل المكاشفة من أرباب القلوب يتمثل لهم الشيطان بمثال في اليقظة فيراه الواحد منهم بعينه ويسمع كلامه ويقوم ذلك بمقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام للصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في النوم فيرى في اليقظة ما يراه النائم كما روي عن ابن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب الآدمي يرى في النوم جسد رجل يشبه البلور يرى داخله من خارجه والشيطان بصورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر له خرطوم طويل أدخله في منكبه إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس ومثل هذا قد يشاهد في اليقظة وقد رآه بعض المكاشفين بصورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها أو لقصد أن يصدق بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب وكذا الملك إلى هنا كلامه
(ابن أبي الدنيا) في المكائد (ع هب) كلهم (عن أنس) قال الهيثمي فيه عند أبي يعلى عدي بن أبي عمارة وهو ضعيف

(2/354)


2032 - (إن الشيطان) أي عدو الله إبليس كما جاء مصرحا به في رواية مسلم (عرض لي) أي ظهر وبرز لي أي في صورة هر كما جاء في رواية أخرى (فشد) أي حمل (علي) في رواية إن عفريتا من الجن تفلت علي بمروره بين يدي وإليه ذهب أحمد لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حكم بقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود فقيل ما بال الأحمر والأبيض من الأسود قال الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن يتصورون بصورته ويحتمل كون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال تحوج إلى دفع منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال (ليقطع الصلاة) الليلية وأخر لفظ علي ليفيد أن التسليط على إرادة القطع إنما هو على ظاهر الصلاة (علي فأمكنني الله تعالى منه) أي جعلني غالبا عليه (فذعته) بذال معجمة وعين مهملة مخففة وفوقية مشددة أي خنقته خنقا شديدا قال ابن الأثير: والذعت بذال ودال الدفع العنيف والعكر في التراب وإنكار الشافعي رضي الله تعالى عنه رؤية الجن محمول على رؤيتهم على صورهم الأصلية بخلاف رؤيتهم بعد التصور في صورة أخرى على أن الكلام في غير المعصوم (ولقد هممت) أي أردت (أن أوثقه) أي أقيده (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح (فتنظروا إليه) موثقا بها وفي رواية أو تنظروا إليه على الشك (فذكرت قول) زاد في رواية أخي (سليمان) عليه السلام قال الحرالي: يقال هو من السلامة وأنه من سلامة مقدرة من تعلقه بما خوله الله من ملكيه {هذا من فضل ربي ليبلوني [ص:356] أأشكر أم أكفر} وهو واحد كمال في ملك العالم المشهور من الأركان الأربعة وما فيها من المخلوقات (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فاستجيب دعاؤه (فرده الله) أي دفعه الله وطرده (خاسئا) أي صاغرا مهينا ولم أحب أن أشارك سليمان عليه السلام في ذلك لتكون دعوتي مدخرة لأمتي وهي من خسأت الكلب فانخسأ أي زجرته فانزجر قال الحكيم: وجه خصوصية سليمان عليه الصلاة والسلام أن غيره من الحكام أمر أن يحكم بالظاهر بشاهدين ويمين المنكر وربما شهد زورا وحلف كاذبا والذي سأله سليمان عليه الصلاة والسلام فأعطيه الحكم بما يصادف الحق باطنا فكان يحكم بين الوحش والطير والإنس والجن قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى: والجن أجسام لطيفة فيحتمل أن تصور بصورة يمكن ربطه معها حتى يعود لما كان عليه قال الغزالي: وفي الحديث إشارة إلى أنه لا يخلو قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة
(خ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه بل روياه معا في الصلاة عن أبي هريرة عنه بلفظ أن عفريتا من الجن تلفت البارحة ليقطع علي صلاتي إلى آخر ما هنا

(2/355)


2033 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء والمد بلد على نحو ستة وثلاثين ميلا أو أربعين من المدينة أي يبعد الشيطان من المصلي بعد ما بين المكانين أو التقدير يكون الشيطان مثل الروحاء في الخمود والبعد ذكره الطيبي وذلك لئلا يسمع صوت المؤذن وقصد الشارع بهذا الحديث الإرشاد إلى طريق محاربة الشيطان فإن الإنسان بصدد عبادة الحق ودعوة الحق إليه بفعله والشيطان أبدا بصدد أن يناقضك ويكايدك وعليك أن تنتصب لمحاربته وقهره وإبعاده فمن أعظم ما يقهره ويبعده ويزجره الأذان وملازمة الذكر في جميع الأحيان <تنبيه> قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن الله تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه {أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما تشركون} فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه الله
(م عن أبي هريرة)

(2/356)


2034 - (إن الشيطان قد يئس) في رواية أيس (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام {يا أبت لا تعبد الشيطان} قال البيضاوي رحمه الله تعالى: عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضا أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يحمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي: والتحريش الإغراء على الشيء بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية قال بعض الأئمة: إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الشعري إلى أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية [ص:357] من طريق الشام عرضا وسميت جزيرة لأن البحار والأنهار اكتنفتها من أكثر الجهات كبحر البصرة وعمان وعدن وبحر الشام والنيل ودجلة والفرات قال أهل الهيئة: جملة ولاية العرب وأحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم واقعة بين الضلع الغربي من بحر فارس والشرقي من بحر القلزم فلهذا تسمى العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وقال الطيبي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه أيس أن يعبد فيها لكن طمع في التحريش وكان كما أخبر فكان معجزة والتحريش الإغراء على الشيء كما مر من حرش الصياد أي يخدعهم ويغري بعضهم على بعض لما ذكر العبادة أولا سماهم المصلين تعظيما لهم ولما ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش وهو الإغراء بين البهائم توهينا وتحقيرا لهم قال حجة الإسلام: روي أن إبليس تمثل لعيسى عليه السلام فقال قل لا إله إلا الله فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك وذلك لأن له تحت الخير تلبيسات لا تتناهى وبه تهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا يرضون لنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة قال الحجة: وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة ملك أو لمة شيطان وأن يمضي النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى من الطبع بل بنور اليقين {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
(حم م) في صفة عرش إبليس (ت) في الزهد (عن جابر) ولم يخرجه البخاري وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يخرجه إلا هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله المصلون في جزيرة العرب ذكره في أواخر صحيحه وكأنه سقط من القلم

(2/356)


2035 - (إن الشيطان حساس) بحاء مهملة وتشديد السين بضبط المصنف قال الحافظ الزين العراقي: المشهور في الرواية بحاء مهملة أي شديد الحس والإدراك كما في النهاية ويجوز من جهة المعنى كونه بالجيم من تجسس الأخبار تفحص ومنه الجاسوس وفرق بعضهم بينهما بأنه بالجيم أن يطلب لغيره وبالحاء لنفسه وقيل بالجيم في الشر وبالحاء في الخير (لحاس) بالتشديد بضبط المصنف أي يلحس بلسانه ما يتركه الآكل على يده من الطعام (فاحذروه على أنفسكم) أي خافوه عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام غسلا جيدا فإنه (من بات وفي يده ريح غمر) بغين معجمة وميم مفتوحتين ريح اللحم وزهومته (فأصابه شيء) للبزار فأصابه خبل ولغيره لمم وهو المس من الجنون وفي أخرى فأصابه وضح أي برص والمراد فساد شيء من أعضائه إما بالخبل أو اللمم أو الوضح (فلا يلومن إلا نفسه) فإنا قد أوضحنا له البيان حتى صار الأمر كالعيان ومن حذر فقد أنذر فمن لم ينته بعد ذلك فهو الضار لنفسه قال ابن عربي رضي الله عنه: أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يتصل بالإنسان بسبب الغمر فيتحسس به ويتلحسه ويتصل به فلا يسلم من أن يشاركه في بدنه فيصيبه منه داء أو جنون فليجتهد في إزالة الغمر <تنبيه> قال في البحر: أخبر أنه يلحس الرائحة والغمر دون العين وعليه فمشاركته للناس في الأكل إنما هي مشاركة في رائحة طعامهم دون عينه وقد يكون مشاركته لهم بذهاب البركة منه لعدم التسمية عليه إلى هنا كلامه وشنع عليه ابن العربي رضي الله عنه فقال: من زعم أن أكله إنما هو الشم فقد حاد ووقع في حبالة الإلحاد بل يأكل ويشرب وينكح ويوله له قال: ومن زعم أن الجن والشياطين بسائط فإنما أراد أنهم لا يفنون وهم يفنون وقول الحديث إنه حساس لحاس ليس فيه ما يقتضي عدم الأكل بل يشم ويأكل وله لذة في الشم كلذتنا في اللقمة في كل طعمة
(ت ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرطهما واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه ردا شنيعا بل هو موضوع فإن فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد والناس انتهى وقال الذهبي في موضع آخر يعقوب بن الوليد [ص:358] الأزدري هذا كذاب واتهم فلا يحتج به قال: لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقال البغوي في شرح السنة حديث حسن وهو كما قال سهيل بن أبي صالح وإن كان قد تكلم فيه لكنه مقارب فهو من هذا الوجه حسن

(2/357)


2026 - (إن الشيطان) أي كيده (يجري من ابن آدم) أي فيه (مجرى الدم) في العروق المشتملة على جميع البدن قال القاضي: وهذا إما مصدر أي يجري مثل جريان الدم في أنه لا يحس بجريه كالدم في الأعضاء ووجهه الشبه شدة الاتصال فهو كناية عن تمكنه من الوسوسة أو ظرف ليجري ومن الإنسان حال منه أن يجري مجرى الدم كائنا من الإنسان أو بدل بعض من الإنسان أي يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم انتهى. وقال الطيبي: عدى يجري بمن على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم وقوله مجرى الدم يجوز كونه مصدرا ميميا وكونه اسم مكان وعلى الأول فهو تشبيه شبه كيد الشيطان وجريان وسوسته في الإنسان بجريان دمه وعروقه وجميع أعضائه والمعنى أنه يتمكن من إغوائه وإضلاله تمكنا تاما ويتصرف فيه تصرفا لا مزيد عليه وعلى الثاني يجوز كونه حقيقة فإنه تعالى قادر على أن يخلق أجساما لطيفة تسري في بدن الإنسان به سريان الدم فيه فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال وحمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه بدليل خبر البخاري معلقا الشيطان جائم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ويجوز كونه مجازا يعني أن كيد الشيطان ووسوسته تجري في الإنسان حيث يجري منه الدم من عروقه والشيطان إنما يستحوذ على النفوس وينفث وساوسه في قلوب الأخيار بوسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي أسلحة الشيطان وقال ابن الكمال: هذا تمثيل وتصوير أراد تقرير أن للشيطان قوة التأثير في السرائر فإن كان متفردا منكرا في الظاهر فإليه رغبة روحانية في الباطن بتحريكه تنبعث القوى الشهوانية في المواطن قال أعني ابن الكمال ومن لم يتنبه لحسن هذا التمثيل ضل في رد ذلك المقال وأضل حيث قال {فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} كالدلالة على بطلان ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي ويخالطه لأنه إذا أمكنه ذلك لكان ما يذكره في باب المبالغة أحق أما إنه ضل فلأنه لم يدر أن الكلام المذكور مأخوذ من مشكاة النبوة مصبوب في قالب التمثيل والغرض منه بيان أن الشيطان منفور محذور منه في الظاهر مطبوع متبوع في الباطن والغرض من التمثيل المنقول عنه بيان كمال اهتمامه في أمر الإغواء وتصوير قوة استيلائه على ابن آدم من جميع الجهات وكل من التمثيلين على أبلغ نظام وأحسن وجه من الانطباع على مقتضى التمام وأما أنه أضل فلأن الفخر الرازي ذلك الإمام الهمام نقله عنه نقل قبول حيث قال قال القاضي هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان على ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي اه وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب إنفاء التهمة الذنوب في مواقعها ووجود الشياطين وهم مردة الجن وقد نطق القرآن العظيم به وإنما خالف فيه الفلاسفة الضالون ومن اقتفى فيه أثرهم كالمعتزلة
(حم ق د هـ عن أنس) بن مالك (ق د عن صفية) بنت حيي النضرية أم المؤمنين من ذرية هارون عليه السلام وهذا قاله وقد انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال إنها صفية قالا سبحان الله فذكره قال الغزالي: فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضى بعضهم وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار

(2/358)


[ص:359] 2038 - (إن الصائم إذا أكل) بالبناء للمفعول أي أكل أحد (عنده) نهارا (لم تزل تصلي عليه الملائكة) أي تستغفر له (حتى يفرغ) الأكل عنده (من طعامه) أي من أكل طعامه فإن حضور الطعام يهيج شهوته للأكل فلما قمع شهوته وكف نفسه امتثالا لأمر ربه ومحافظة على ما يقربه إليه ويرضيه عنه عجبت الملائكة من إذلاله لنفسه في طاعة ربه فاستغفروا له وفي الحديث شمول لصوم الفرض والنفل وقصره على الفرض لا دليل عليه ولا ملجأ إليه
(حم ت هب عن أم عمارة) بنت كعب الأنصارية صحابية روى عنها حفيدها عباد بن تميم وغيره قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه طعاما فقال كلي فقالت إني صائمة فذكره قال الترمذي حسن صحيح وقضية صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي وابن ماجه

(2/359)


2039 - (إن الصالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق خلقه وقول القاضي البيضاوي هو الذي صرف عمره في طاعة الله وماله في مرضاته ليس على ما ينبغي لاقتضائه أنه من صرف صدرا من عمره في عمل المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بحق خدمة ملك الملوك لا يسمى صالحا ومن البين أنه في حيز السقوط (يشدد عليهم) بالبناء للمفعول أي يشدد الله عليهم ويبتليهم ليرفع درجتهم لما مر غير مرة أن أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل (وإنه) أي الشأن (لا يصيب مؤمنا نكبة) أي مصيبة كما في المصباح (من شوكة فما فوقها إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة وقد تقدم أنه لا بدع في كون الشيء الواحد حاطا ورافعا قال الطيبي: والصلاح استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح لا تخلو من شوب فساد وخلل والاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى
(حم حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات

(2/359)


2040 - (إن الصبحة) بالضم أي تناول ما لا ينبغي وقت الصباح أو النوم وقته ولو بعد الصلاة (تمنع بعض الرزق) أي حصوله حقيقة أو بمعنى عدم البركة فيه على ما مر وفي رواية بإسقاط بعض ما على الأول فإن من افتتح النهار بخير كان في بقيته ميمونا مباركا له من الله عون على رزقه وأما على الثاني فلأنه قد ورد أن ما بين الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب عنها ولأن من نام حتى أصبح أصبح وهو خبيث النفس كسلان ليس له نهضة في تعاطي معاشه فينقص بذلك محصوله وهكذا يكاد أن يكون محسوسا
(حل) من حديث الحسن بن علي الطوسي عن محمد بن أسلم عن حسين بن الوليد عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن ابن المسيب (عن عثمان بن عفان) وهكذا رواه عن العطريف

(2/359)


[ص:360] 2041 - (إن الصبر) أي المحمود صاحبه أو الكامل ما كان (عند الصدمة الأولى) أي الوارد على القلب غب المصيبة إذ لفجأتها روعة تزعج القلب بصدمتها فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا أوردت بعد طول الأمل فقد توطن عليها ويطبعها ويصير صبره كالاضطراري فمعنى الخبر كما قال أبو عبيد إن كل ذي رزية قصاراه الصبر لكن إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها والصبر حبس النفس على مقتضى الشرع وهو لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فحبس النفس لمصيبته يسمى صبرا لا غير ويقابله الجزع وحبسها في محاربة تسمى شجاعة ويقابله الجبن في إمساك عن كلام يسمى صمتا وكتمانا ويقابله القلق وهكذا
(حم ق 4 عن أنس) قال مر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر فذكره وكلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه

(2/360)


2042 - (إن الصخرة) بسكون الحاء وفتحها الحجر العظيم كما يفيده قول الصحاح وغيره الصخر الحجارة العظام والواحدة صخرة بسكون الخاء وفتحها اه فقوله العظيمة صفة كاشفة (لتلقى من شفير جهنم) أي حرفها وساحلها وشفير كل شيء حرفه ومنه شفر النفس الفرج كما في المصباح وشفير النهر والبئر والقبر كما في الأساس (فتهوي بها) وفي نسخة فيها والأول هو ما في خط المصنف (سبعين عاما) وفي نسخة خريفا والأول هو الأثبت في خط المصنف (ما تفضي إلى قرارها) أي ما تصل إلى قعرها أراد وصف عمقها لأنه لا يكاد يتناهى فالسبعين للتكثير لا للتحديد جريا على عادتهم في تخاطبهم من إرادة مجرد التكثير لا خصوص العدد
(ت عن عتبة) بضم أوله فمثناة فوقية ساكنة (ابن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاي المازني صحابي جليل بدري أسلم بعد ستة رجال وكان أحد الرماة وهو الذي اختط البصرة

(2/360)


2043 - (إن الصداع) أي وجع بعض أجزاء الرأس أو كله فما منه في أحد شقيقه لازما سمي شقيقة أو شامل لكلها لازما سمي بيضة وخوذة وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتقان البخار فيها وهو مرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان أكثر مرض المصطفى صلى الله عليه وسلم منه والمليلة فعيلة من التملل وأصلها من الملة التي يخبز فيها فاستعيرت لحرارة الحمى ووهجها وقال المنذري: المليلة الحمى التي تكون في العظم (لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف (فما يدعانه) أي يتركانه (وعليه من ذنوبه مثقال) أي ما يثاقل أي يوازن (حبة من خردل) بل يكفر الله عنه جميع ذنوبه وخص الخردل بالذكر لكمال المبالغة وهو أصغر الحبوب قدرا ولما نظر إلى هذا أبي بن كعب قال لعواده وقد قالوا له كيف نجدك يا أبا إسحاق قال بخير جسد أذيب وأخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه وإن بعثه بعثه خلقا جديدا لا ذنب له قال ابن العربي: من فضله سبحانه على عباده أن خلق المعصية وقدرها ثم محصها وكفرها بحكمته وكفارة الأمراض والأوصاب للسيئات إن كانت صغائر مسحا مسحا وإن كانت كبائر وزنا وزنا وإن كان الكل بالميزان لكن الصغائر لا ثبات لها مع الحسنات وأما الكبائر فلا بد فيها من فضل الله تعالى في تقديره اسم الذنب وأجر الطاعة ويقابل بينهما [ص:361] في الوزن بحسب عمله فيسقط ما يسقط ويبقى ما يبقى بحسب الكبيرة
(حم طب عن أبي الدرداء) قال المنذري فيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف

(2/360)


2044 - (إن الصدق) الذي هو الإخبار على وفق الواقع وقال الحرالي: مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه (يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى البر) بالكسر اسم يجمع الخير كله وقيل هو التوسع في الخير وقيل اكتساب الحسنات واجتناب السيئات (وإن البر يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي يدعو إلى ما يكون برا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب دخولها ومصداقه {إن الأبرار لفي نعيم} (وإن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان المؤمن (ليصدق) أي يلازم الصدق (حتى يكتب عند الله صديقا) بكسر فتشديد للمبالغة والمراد يتكرر منه الصدق ويداوم عليه حتى يستحق اسم المبالغة فيه ويشتهر بذلك عند الملأ الأعلى قولا وفعلا واعتقادا ثم يوضع له ذلك في قلوب أهل الأرض كما في رواية فالمراد بالكتابة الكتابة في اللوح أو في صحف الملائكة. قال الطيبي: حتى للتدريج (وإن الكذب) أي الإخبار بخلاف الواقع (يهدي إلى الفجور) الذي هو هتك ستر الديانة والميل إلى الفساد والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببا لدخولها وذلك داع لدخولها (وإن الرجل ليكذب) أي يكثر الكذب (حتى يكتب عند الله كذابا) (1) بالتشديد صيغة مبالغة أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم في الأولى أو الكذابين وعقابهم في الثاني فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة فيما ذكر ليشتهر في الملأ الأعلى وتلقى في قلوب أهل الأرض كما تقرر ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض ذكره العلاء وغيره وعزوه لابن حجر رحمه الله قصور قال البعض فالمضارعان وهما يصدق ويكذب للاستمرار ومن ثم كان الكذب أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا ولهذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وفيه كما قال النووي حث على تحري الصد والاعتناء به فإنه إذا اعتنى به أكثر منه فعرف به وتحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به (تتمة) قال الراغب: الصدق أحد أركان بقاء العالم حتى لو توهم مرتفعا لما صح نظامه وبقاؤه وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ومن عرف بالكذب لم يعتمد نطقه وإذا لم يعتمد لم ينفع صار هو والبهيمة سواه بل يكون شرا من البهيمة فإنها وإن لم تنتفع بلسانها لا تضر والكاذب يضر ولا ينفع
(ق عن ابن مسعود) ووهم الحاكم حيث استدركه
_________
(1) قال في الفتح المراد بالكتابة بالحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض

(2/361)


2045 - (إن الصدقة) الفرض أو النفل (لا تزيد المال إلا كثرة) في الثواب بإضعافه أضعافا كثيرة أو في البركة ودفع العوارض فهو تنبيه على ما يفاض عليه من الخيور الإلهية فالمراد الزيادة المعنوية لما أن الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس إلا الحسية كما ظنه بعض الخاسرين الضالين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/361)


[ص:362] 2046 - (إن الصدقة على ذي قرابة) أي صاحب قرابة وإن بعد (يضعف) لفظ رواية الطبراني يضاعف (أجرها مرتين) لأنها صدقة وصلة وفي كل منهما أجر على حدته والمقصود أن الصدقة على القريب أولى وآكد من الصدقة على الأجنبي وإن كان القريب كاشحا كما صرح به في عدة أخبار
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عبد الله بن زحر وهو ضعيف

(2/362)


2047 - (إن الصدقة لتطفىء غضب الرب) أي سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم بأن يموت مصرا على ذنب أو قانطا من رحمة الله أو مختوما له بسيء عمل أو نحو لديغ أو غريق أو حريق أو نحوهما مما استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكره الحكيم وعزوه للعراقي فيه قصور
(ت) في الزكاة (حب عن أنس) بن مالك قال الترمذي غريب قال عبد الحق ولم يبين المانع من صحته وعلته ضعف راويه أبي خلف إذ هو منكر الحديث قال ابن القطان فالحديث ضعيف لا حسن انتهى وجزم العراقي بضعفه قال ابن حجر: أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان وقال ابن عدي لا يتابع عليه

(2/362)


2048 - (إن الصدقة) عرفها باللام العهدية لتفيد أن المراد الصدقة المعهودة وهي الفرض (لا تنبغي) أي لا تستقيم ولا تحسن ولفظ ينبغي في استعمالهم صالحة للندب وللوجوب ولا ينبغي للكراهة والتحريم فتارة يريدون به هذا وأخرى هذا والقرينة محكمة وهو هنا للتحريم (لآل محمد) أي محمد وآله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وإطلاق الآل على الإنسان وآله شائع سائغ ونبه على أن علة التحريم الكرامة بقوله (إنما هي أوساخ الناس) أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تطهر أدرانهم وتزكي أموالهم ونفوسهم {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فهي كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن زعم استثناءه فقد أبعد ومستنده خبر مرسل ضعيف وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت رفغيه فشربته فغضب وقال أتقول لي هذا قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها قال الطيبي: وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى حيث جعل المشبه به أوساخ الناس للتهجين والتقبيح بتغير أو استقذار وجل حضرة الرسالة ومنبع الطهارة أن ينسب إلى ذلك ولذلك جرد عن نفسه الطاهرة من يسمى محمدا كأنه غيره وهو هو فإن الطيبات للطيبين ولا يقال كيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطرارا وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميت {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
(حم م) في الزكاة (عن المطلب) بضم الميم وشد الطاء (بن ربيعة) ابن الحارث الهاشمي له صحبة وفيه قصة ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن المطلب لكنه أخرج تحريم الصدقة على الآل عن أبي هريرة

(2/362)


2049 - (إن الصدقة لتطفىء عن أهلها) أي عن المتصدقين بها لوجه الله تعالى (حر القبور) أي محل الدفن خصها بذلك لأنها إذا وقعت في يد جيعان أطفأت عنه تلهب الجوع وتحرقه وإيلام الجوع البالغ أشد من إيللام حرق النار فكما أخمد المتصدق حر الجوع يجازى بمثله إذا صار مجندلا في القبور جزاء وفاقا ولأن الخلق عيال الله وهي إحسان إليهم والعادة أن الاحساس إلى عيال الإنسان يطفىء غضبه وإنما حر النار من غضبه (وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة) [ص:363] من وهج الشمس في الموقف (في ظل صدقته) كأن صدقته تجسد كالطود العظيم فيكون في ظله أو هو مجاز وقال العامري: ليس المراد بها ظله من حر الشمس فقط بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته وتوصله إلى جميع المحاب من قولهم فلان في ظل فلان وتمسك به من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولو لم يكن في فضل الصدقة إلا أنها لما تفاخرت الأعمال كان لها الفضل عليهن لكفى
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف

(2/362)


2050 - (إن الصداقة يبتغي) بالبناء للمجهول أي يراد (بها) من المتصدق (وجه الله تعالى) من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه فمن أخلص في تلك الإرادة فقد قر عينا بالجزاء عليها وجعلها كالغسالة لذنوبه (والهدية يبتغي بها وجه الرسول) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وقضاء الحاجة) التي قدم الوفد عليه فيها فهي من أجل حق المال لأنها من فوق رتبة المهدي والهبة للمثل أو الدون والهبة تمليك عين في الحياة مجانا فإن انضم إلى التمليك قصد إكرام المعطي فهو هدية أو قصد ثواب الآخرة فصدقة وكلها مندوبة
(طب عن عبد الرحمن بن علقمة) بفتح المهملة والقاف ويقال ابن أبي علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال ما هذه قالوا صدقة قال إن الصدقة يبتغى بها وجه الله وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة فقال لا بل هدية فقبلها منهم انتهى وبه يتضح معنى الحديث ولولاه لكان مغلقا وعبد الرحمن هذا ذكر أنه كان في وفد ثقيف وقال أبو حاتم هو تابعي لا صحبة له ذكره ابن الأثير وغيره واختصره الذهبي فقال مختلف في صحبته

(2/363)


2051 - (إن الصدقة) أي المفروضة وهي الزكاة كما يدل عليه تعريفها (لا تحل لنا) أهل البيت لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والمقامات الرفيعة السنية (وإن مولى القوم) أي عتيقهم والمولى أيضا الناصر والحليف والمعتق وغير ذلك لكن المراد هنا الأول (منهم) أي حكمه حكمهم وكما لا تحل الزكاة لنا لا تحل لمعتقنا قال في المظهر هذا ظاهر الحديث لكن قال الخطابي موالي بني هاشم لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يحرمون الصدقة وإنما نهى عن ذلك تنزيها لهم وقال مولى القوم منهم على سبيل التسبيه في الاستنان منهم والافتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكفيه مؤونته فنهاه عن أخذ الزكاة
(ت ن ك) في الزكاة (عن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة فقال استصحبني كما تصيب منها فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد أعلى من الثلاثة وهو عجيب فقد رواه الإمام أحمد وكأنه ذهل عنه

(2/363)


2052 - (إن الصعيد الطيب) أي التراب الخالص الطاهر (طهور) بفتح الطاء أي مطهر أي كاف في التطهير (للمرء المسلم) واحتج به داود على مذهبه أن التيمم يرفع الحدث وقال الباقون المراد به أنه قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ولو كان طهورا حقيقة لم يحتج الجنب بعد التيمم أن يغتسل (ما لم يجد الماء) بلا مانع حسي أو شرعي (ولو إلى عشر حجج) أي سنين قاله لمن يعزب عن الماء ومعه أهله فيجنب (فإذا وجدت الماء) بلا مانع (فامه) كذا بخط المصنف وفي رواية [ص:364] فأصبه (بشرتك) أي أوصله إليها وأسله عليها في الطهارة من وضوء أو غسل وفي رواية الترمذي فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير فأفاد أن التيمم ينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية الطهور بالتراب والمراد بالصعيد في هذا الحديث وما أشبهه تراب له غبار فلا يجزىء التيمم بغيره عند الشافعية لخبر جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ولم يشترط الحنفية الغبار بل أجازوا الضرب على الصخر
(م د ت عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح

(2/363)


2053 - (إن الصفا) بالقصر أي الحجارة المليس واحدتها صفاة كحصى وحصاة أو الحجر الأملس فهو يستعمل في الجمع والمفرد فإذا استعمل في الجمع فهو الحجارة أو في المفرد فالحجر (الزلال) بتشديد اللام الأولى بضبط المؤلف أي مع فتح الزاي وكسرها والكسر كما في المصباح أفصح أرض مزلة تزل بها الأقدام والمزلة المكان الرحب (الذي لا تثبت عليه) أي لا تستقر (أقدام العلماء الطمع) (1) فإنه يذهب الحكمة من قلوبهم كما يأتي في خبر الشيطان طلاع رصاد لدعائهم له يشغلهم عن ذكر الله وصرف زمنهم بعلمهم في المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات حتى تنقضي أعمارهم وهم على تلك الحال فيكون علمهم عليهم وبالا {حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا} وعدم الطمع والزهد في الدنيا لما كان ملكا حاضرا حسدهم الشيطان عليه فصدهم عنه وصيرهم بالطمع عبيدا لبطونهم وفروجهم حتى صار أحدهم مسخرا له كالبهيمة يقوده بزمام طمعه إلى حيث يهوي قال الشافعي رضي الله تعالى عنه كتب حكيم لحكيم قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب والطمع فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم وقال الراغب: العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره وقال: من أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة فيه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر وقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبد الله بن حنظلة وقال احفظ عني شيئا قال لا حاجة لي به قال تنظر فإن كان خيرا أقبله وإلا فلا: لا تسأل إلا الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت وقال بعضهم: الطمع هو الذي يذل الرقاب ويسود الوجه ويميت القلوب وعلاجه سلوك طريق القناعة ويحصل بسد باب التوسعات والاقتصار على ما لا بد منه مأكلا ومشربا ومسكنا وملبسا ونحو ذلك. قال أبو جعفر البغدادي: ست خصال لا تحسن بست رجال لا يحسن الطمع في العلماء ولا العجلة في الأمراء ولا الشح في الأغنياء ولا الكبر في الفقراء ولا السفه في المشايخ ولا اللؤم في ذوي الأحساب
(ابن المبارك) في الزهد (وابن قانع) في المعجم كلاهما عن ابن معين (عن سهيل) بالتصغير وفي نسخة سهل والأول هو ما في خط المصنف (ابن حسان) الكلبي (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله ورواه ابن عدي والديلمي موصولا من حديث أسامة بن زيد وابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات
_________
(1) وهذا كناية عما يزلهم ويمنعهم الثبات على الاستقامة فالعلماء أحق الخلق بترك الطمع وبالزهد في الدنيا لأن الخلق يتبعونهم ويقتدون بهم

(2/364)


2054 - (إن الصلاة والصيام والذكر) أي التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (يضاعف) ثوابه (على) ثواب [ص:365] (النفقة في سبيل الله تعالى (1)) أي في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله (بسبع مئة ضعف) على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا الله لأنه أفضل أنواع الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي خبر من قال سبحان الله كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جوابا لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فغير ليس معه ما ينفقه فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر
(د ك) في الجهاد عن (معاذ بن أنس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله

(2/364)


2055 - (إن الصلاة قربان المؤمن) أي يتقرب بها إلى الله تعالى ليعود بها وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهي أعظم العبادات المتعلقات بالإيمان المثابر عليها سابق الخوف المبادر لها تشوقا بصدق المحبة فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب إليها وهي بناء وعمود وأركان وخطيرة محوطة فالعمود الإيمان وإفراد التذلل إلى الله تعالى توحيدا {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} وهو أول ما أقام الله من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو عشر سنين ثم لما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب على الصلاة فرضت الخمس فاستوى في فرضها المحب والخائف وسن النبي صلى الله عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها ذكره الحرالي قال القاضي: والقربان اسم لما يتقرب إلى الله تعالى كما أن الحلوان اسم لما يحل أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن اه. وغير الصلاة من العبادات يتقرب به أيضا لكن المراد هنا أن شأن المؤمن الكامل وهو المتقي أن يكون اهتمامه بالتقرب بها لكونها أفضل القرب وأعظم المثوبات وبذلك تحصل الملاءمة بين قوله هنا المؤمن وقوله في الخير الآتي الصلاة قربان كل تقي (1)
(عد عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف لكن يقويه الخبر الآتي الصلاة قربان كل تقي
_________
(1) ولا يعارض عموم قوله هنا المؤمن قوله في حديث كل تقي لأن مراده أنها قربان للنافص والكامل وهي للكامل أعظم لأنه يتسع فيها من ميادين الأبرار ويشرق له من شوارق الأنوار ما لا يحصل لغيره ولذلك رؤي الجنيد فقيل له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم وبليت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر

(2/365)


2056 - (إن الضاحك في الصلاة) فرضها ونقلها (والملتفت) فيها عن يمينه أو يساره بعنقه (والمفقع أصابعه) أصابع يديه أو رجليه (بمنزلة واحدة) حكما وجزءا ومذهب الشافعي أن الثلاثة مكروهة تنزيها ولا تبطل بها الصلاة ما لم يظهر من الضحك حرفان أو حرف مفهم أو يتوالى مما بعده ثلاثة أفعال وما لم يتحول صدره عن القبلة ولا بطلت صلاته وتفقيع الأصابع فرقعتها وقد كرهه السلف كابن عباس وغيره وصرح النووي بكراهته لقاصد المسجد أيضا قياسا على التشبيك
(حم طب هق عن معاذ بن أنس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه ابن لهيعة يرويه عن زياد بن فائد ضعيف قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن زياد بن فائد وهو ضعيف

(2/365)


[ص:366] 2057 - (إن الطير) بسائر أنواعها (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (سبحت ربها) بلسان القال كما يعلم من خطاب الطير لسليمان وفهمه وفهم غيره أيضا من بعض الأولياء لكلامهما {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} (وسألته قوت يومها) أي طلبت منه تيسير حصول ما يمسك رمقها ويقوم بأودها من الأكل ذلك اليوم لعلها بالإلهام الإلهي أن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وأنه لا رزاق غيره ومفهوم الحديث أنه إذا كانت الطير كذلك فالآدمي العاقل ينبغي أن يسأل الله تعالى ذلك في كل صباح ومساء وأن يبكر في طلب رزقه فإن الصبحة تمنع الرزق قال القاضي: والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب
(خط) في ترجمة عبيد بن الهيثم الأنماطي عن الحسين بن علوان عن ثابت بن أبي صفية عن علي بن الحسين عن أبيه (عن علي) أمير المؤمنين قال ثابت: كنا مع علي بن الحسين بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر بنا عصافير يصحن فقال أتدرون ما تقول قلنا لا قال أما إني لا أعلم الغيب لكن سمعت أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره والحسين بن علوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم متروك

(2/366)


2058 - (إن الظلم) في الدنيا (ظلمات) بضم اللام وتفتح وتسكن وجمعها لكثرة أسبابها (يوم القيامة) حقيقة بحيث لا يهتدي صاحبه يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا وأن المؤمن يسعى بنوره المسبب عن إيمانه في الدنيا أو مجازا عما يناله في عرصاتها من الشدائد والكروب أو هو عبارة عن الأنكال والعقوبات بعد دخول النار ويدل على الأول قول المنافقين للمؤمنين {انظرونا نقتبس من نوركم} ووحد المبتدأ وجمع الخبر إيماء إلى تنوع الظلم وتكثر ضروبه كما سبق ثم هذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه وقد تطابقت الملل والنحل على تقيبح الظلم (1) ومن أحسن ما قيل:
إذا ظالم استحسن الظلم مذهبا. . . ولج عتوا في قبيح اكتسابه
فكله إلى ريب الزمان فإنه. . . ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متجبرا. . . يرى النجم تيها تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بظلمه. . . أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي. . . وصب عليه الله سوط عذابه
ويكفي في ذمه {وقد خاب من حمل ظلما}
(ق ت عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) قال العلقمي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا

(2/366)


2059 - (إن العار) أي ما يتعير به الإنسان زاد في رواية والتخزية (1) (ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي) وفي نسخة لي والأول هو ما في خط المصنف (إلى النار) نار جهنم (أيسر علي مما ألقى) من الفضيحة والخزي مغروز في أسته (وإنه ليعلم ما فيها من شدة [ص:367] العذاب) لكنه يرى أن ما هو فيه أشد وأكثر إيلاما لكثرة ما يقاسيه من نشر فضائحه على رؤوس الأشهاد في ذلك الوقف الحافل الهائل الجامع للأولين والآخرين وهذا فيمن سبق عليه الكتاب بالشفاء والعذاب وأما من كتب في الأزل من أهل السعادة فيدنيه الله تعالى منه ويعرفه ذنوبه ويقول له ألست عملت كذا في يوم كذا وكذا في وقت كذا فيقول بلى يا رب حتى إذا قرره بها واعترف بجميعها يقول له فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم كما جاء في خبر آخر فلا يلحقه عار ولا فضيحة
(ك) في الأهوال من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال صحيح وتعقبه الذهبي بأن الفضل واه فأبى له الصحة؟ وفي الميزان عن بعضهم لو ولد الفضل أخرس لكان خيرا له ثم ساق الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وقال الهيثمي رواه أبو يعلى أيضا وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو مجمع على ضعفه
_________
(1) أي من القبائح التي فعلها في الدنيا كغادر ينصب له لواء غدره عند إسته والغال من الغنيمة نحو بقرة يأتي وهو حامل لها وغير ذلك

(2/366)


2060 - (إن العبد) أي الإنسان حرا أو قنا (ليتكلم) في رواية يتكلم بحذف اللام (بالكلمة (1)) اللام للجنس حال كونها (من رضوان الله) أي من كلامه فيه رضى الله تعالى ككلمة يدفع بها مظلمة (لا يلقى) بضم الياء وكسر القاف حال من الضمير في يتكلم (لها بالا) أي لا يتأملها ولا يلتفت إليها ولا يعتد بها بل يظنها قليلة وهي عند الله عظيمة (يرفعه الله بها) أي بسببها (درجات) استئناف جواب عمن قال ماذا يستحق المتكلم بها (وإن العبد ليتكلم بالكلمة) الواحدة (من سخط الله) أي مما يغضبه ويوجب عقابه (لا يلقى) بضبط ما قبله (لها بالا يهوى بها) بفتح فسكون فكسر أي يسقط بتلك الكلمة (في جهنم) {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وهذا حث على التدبر والتفكر عند التكلم فإن الشيطان يزين الشر في صورة الخير <تنبيه> قال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر عند كل قول وفعل فقد يكون في جزع فتظنه تضرعا وابتهالا وتكون في رياء محض وتحسبه حمدا وشكرا ودعوة للناس إلى الخير فتعد على الله المعاصي بالطاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس الفرار
(حم خ) في الرقاق (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي ورواه الحاكم متعرضا لبيان السبب فقال كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم فإني سمعت بلال بن الحارث يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
_________
(1) أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة

(2/367)


2061 - (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبن ما فيها) بمثناة تحتية مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة تحتية مشددة مكسورة فنون هكذا ضبطها الزمخشري قال وتبن دقق النظر من التبانة وهي الفطنة والمراد التعمق والإغماض في الجدل وأدى ذلك إلى التكلم بما ليس بحق ومنه حديث سالم كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها إنه يتفق عليها من كل المال حتى ما تبتنتم ما تبتنتم أي دققتم النظر حتى قلتم غير ذلك إلى هنا كلامه قال بعض المحققين أخذا من كلام القاضي وتبتن حال لأن الكلمة معرفة والجملة نكرة فلا تكون صفة للمعرفة انتهى وما ذكر من أن الرواية يتبين هو ما في كلام هؤلاء الأجلة الأكابر لكني وقفت على نسخة المصنف بخطه فوجدتها يتبين وكذا أوردها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يتبين ما فيها وقال معناه لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره حتى يثبته فيها فلا يقولها إلا إن [ص:368] ظهرت المصلحة في القول بعضهم ما يتثبتها بعبارة واضحة وفي رواية مسلم ما يتبين ما فيها قال وهذه أوضح وما الأولى نافية والثانية موصولة أو موصوفة (يزل) بفتح أوله وكسر الزاي يسقط وفي رواية مسلم بدل يزل يهوي (بها في النار) نار جهنم (أبعد ما) وفي رواية مما (بين المشرق والمغرب) يعني أبعد قعرا من البعد الذي بينهما والقصد به الحث على قلة الكلام وتأمل ما يراد النطق به فإن كثيرا من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يسيره الهوى وتحول بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان ويزينا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام وأن كلامه كله في نهاية التمام قال أهل السلوك: وطريق التوبة منها أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيعه أو ذنب ركبه ويتأمل في منطقه ولحظه واستماعه وبطشه وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره <تنبيه> قال ابن عربي: الحروف نوعان رقمية فإذا رقمت صحبتها أرواحها وحياتها وإذا محي الحرف انتقلت روحه إلى البرزخ مع الأرواح فموت الشكل زواله بالمحو ولفظية تتشكل في الهوى فإذا تشكلت قامت بها أرواحها ولا يزال الهوى يمسك عليها تشكلها وإن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول التشكل ثم تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها بتسبيح ربها ولو كانت كلمة كفر فوبالها يعود على المتكلم بها لا عليها وهذا معنى ما نطق به هذا الحديث فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها وما يعرض إليها فهذا القرآن يقرأ على جهة القربة إلى الله وفيه ما قالت اليهود والنصارى في حق الله تعالى من الكفر وهي كلمات يتعبد بتلاوتها وتتولى يوم القيامة عذاب أصحابها والحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بخلاف الرقمية لأن شكل الرقمي يقبل التغير والزوال لأنه بمحل يقبل ذلك واللفظي في محل لا يقبله فلهذا كان له البقاء فالجو كله مملوء من كلام العالم يراه صاحب الكشف صورا قائمة
(حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا

(2/367)


2062 - (إن العبد) أي الإنسان المؤمن (إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (أتي) بالبناء للمفعول أي جاءه الملك أو من شاء الله من خلقه بأمره (بذنوبه كلها) ظاهره يشمل الكبائر وقياس ما يجئ في نظائره استثناؤها (فوضعت على رأسه وعاتقيه) تثنية عاتق وهو ما بين المنكب والعنق وهو محل الرداء ويذكر ويؤنث ثم يحتمل أن الموضوع الصحف التي هي فيها ويحتمل أن تجسد ويحتمل أنه مجاز على التشبيه (فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) حتى لا يبقى عليه ذنب وذكر الركوع والسجود ليس للاختصاص بل تحقيقا لوجه التشبيه فإن من وضع شيء على رأسه لا يستقر إلا ما دام منتصبا فإذا انحنى تساقط فالمراد أنه كلما أتم ركنا من الصلاة سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن به لفظ العبد والقيام إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد حقير ذليل ومن لم يكن كذلك فصلاته التي هي أعظم الطاعات أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر
(طب حل هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد لله بن صالح كاتب الليث ضعفه الجماعة أحمد وغيره

(2/368)


2063 - (إن العبد) أي القن (إذا نصح لسيده) أي قام بمصالحه عن وجه الخلوص وامتثل أمره وتجنب نهيه ويقال نصحته ونصحت له قال الطيبي: واللام مزيدة للمبالغة. قال الكرماني: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح وهي إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفية الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها وواجباتها وما يمكنه من مندوباتها بأن لم يفوت حق السيد (كان له أجره مرتين) لقيامه بالحقير وانكساره بالرق قال البعض وليس الأجران متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوق ورده أبو زرعة بأن طاعة المخلوق هنا من طاعة الله ثم التضعيف يختص بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا يؤجر عليه [ص:369] باعتبارين أما العمل المختلف الجهة فلا يختص العبد بتضعيف الأجر فيه على الحر فالمراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأجرهما
(مالك) في الموطأ (حم ق د عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/368)


2064 - (إن العبد) أي الإنسان (ليذنب) أي يوقع ويفعل (الذنب فيدخل به) بسببه (الجنة) لأن الذنب مستجلب للنوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله {إن الله يحب التوابين} والله لا يدخل من يحبه النار (يكون نصب عينيه) أي مستحضرا استحضارا تاما كأنه يشاهده أبدا تائبا إلى الله تعالى فارا منه إليه حتى يدخل به الجنة لأنه كلما ذكره طار عقله حياء وحشمة من ربه حيث فعله وهو بمرأى منه ومسمع فيجد في توبته ويتضرع في إنابته بخاطر منكس وقلب حزين والله يحب كل قلب حزين كما مر في خبر ومن أحبه أدخله جنته ورفع منزلته قال الداراني: ما عمل داود عملا أنفع له من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى الله حتى اتصل بالله وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليوصله إلى هذه الدرجة ويحله هذه الرتبة فيجذبه إلى نفسه ويؤديه في كنفه ويصونه عمن سواه ولا يعارض ما تقرر خبر الذنب شؤم لأنه شؤم على من لم يوفق للتوبة والإنابة
(ابن المبارك) في الزهد عن المبارك بن فضالة (عن الحسن) يعني البصري (مرسلا) ولأبي نعيم نحوه

(2/369)


2065 - (إن العبد إذا كان همه الآخرة) أي عزمه أي ما يقربه إليها (كف الله تعالى) أي جمع (عليه ضيعته) أي ما يكون منه معاشه كصنعة وتجارة وزراعة أو راد رد الله عليه ما ضاع له أي ما هو منزل منزلته (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا) بالله (ولا يمسي إلا غنيا) به لأن من جعل غناه في قلبه صارت همته للآخرة وأتاه ما قدر له من الدنيا في راحة من بدنه وفراغ من سره والصباح والمساء كناية عن الدوام والاستمرار (وإذا كان همه الدنيا أفشى الله) أي يكثر تعالى (عليه ضيعته) ليشتغل عن الآخرة فيصير قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره فيبقى متحيرا ضائعا لا يدري ممن يطلب رزقه ولا ممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع (جعل فقره بين عينيه) يشاهده (فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) خص المساء والصباح لأنهما وقت الحاجة للتقوت غالبا وإلا فالمراد أن غناه يكون حاضرا أبدا وفقره كذلك والدنيا فقر كلها لأن حاجة الراغب فيها لا تنقضي فهي كداء الظمأ كلما زاد صاحبه شربا ازداد ظمأ فمن كانت الدنيا نصب عينيه صار الفقر بين عينيه وتفرق سره وتشتت أمره وتعب بدنه وشرهت نفسه وازدادت الدنيا منه بعدا وهو لها أشد طلبا فمن رأى نفسه مائلة إلى الآخرة فليشكر ربه على ذلك ويسأله الازدياد من توفيقه ومن وجد نفسه طامحة إلى الدنيا فليتب إلى الله ويستغيث به في إزالة الفقر من بين عينيه والحرص من قلبه والتعب من بدنه. قال ابن القيم: ولولا سكرة عشاق الدنيا لاستغاثوا من هذا العذاب على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه ومن عذابهم اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة أهلها إياها ومقاساة معاداتهم ومن أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي
(حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري

(2/369)


2066 - (إن العبد إذا صلى) فرضا أو نفلا (في العلانية) بالتخفيف كما في المصباح أي حيث يراه الناس وإعلان الشيء [ص:370] إظهاره وعلن ظهر وأمر علان ظاهر (فأحسن) صلاته (1) (وصلى في السر) أي حيث لا يراه الناس وهو ضد العلن (فأحسن قال الله تعالى) مظهرا لثنائه على ذلك العبد الملأ الأعلى ناشرا لفضله منوها برفع درجته إلى مقام العبودية الذي هو أفخر المقامات وأسنى الدرجات (2) (هذا عبدي حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا وأراد بالإحسان فيها أن يصليها محتملا لمشاقها محافظا على ما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوسواس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصب بين يدي جبار السماوات ليسأل فك الرقاب من سخطه
(هـ عن أبي هريرة) وفيه بقية وقد سبق عن ورقاء اليشكري وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال لينه ابن القطان
_________
(1) بأن أتى بما يطلب فيها من أركان وشروط ومستحبات من خشوع ونحوها كان وافقا عند حدود الله ممتثلا لأوامره مجتنبا لمناهيه
(2) أي فيحبونه ثم تقع محبته في قلوب أهل الأرض فهذا هو العبد الذي يوصف بأنه قائم على قدم الطاعة

(2/369)


2067 - (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها) أي فيما ينفقه على نفسه وعلى من عليه مؤونته (إلا في البناء) الذي لا يحتاجه أو المزخرف أما بيت يقيه من نحو حر وبرد ولص أو جهة قريبة كمسجد ومدرسة ورباط وحوض ومصلى عيد ونحوها فمطلوب محبوب وفاعله على الوجه المطلوب شرعا محتسبا مأجورا لأن المسكن كالغذاء في الاحتياج إليه وفضل بناء المساجد ونحوها معروف وعلى الزائد على الحاجة ينزل خبر القبة السابق وما ذكر من أن اللفظ إلا في البناء هو ما في خط المصنف فمن زعم أنه إلا في البنيان لم يصب وإن كانت رواية
(هـ عن خبات) بن الأرت

(2/370)


2068 - (إن العبد ليتصدق بالكسرة) من الخبز ابتغاء وجه الله (تربو) أي تزيد (عند الله حتى تكون) في العظم (مثل أحد) بضمتين الجبل المعروف قال في المطامح: المراد به كثرة جزائها والثواب المترتب عليها لا أنها تكون كالجبل حقيقة لأنها تفنى وتنقضي عند تناولها ويحتمل أن يخلق الله مثلها من جنسها على صفة خبز الجنة
(طب عن أبي برزة) قال الهيثمي فيه سوار بن مصعب وهو ضعيف

(2/370)


2069 - (إن العبد إذا لعن شيئا) آدميا أو غيره بأن دعى عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله تعالى (صعدت) بفتح فكسر (اللعنة إلى السماء) لتدخلها (فتغلق أبواب السماء دونها) لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} (ثم تهبط) أي تنزل (إلى الأرض) لتصل إلى سجين (فتغلق أبوابها دونها) أي تمنع من النزول (ثم تأخذ يمينا وشمالا) أي تتحير فلا تدري أين تذهب (فإذا لم تجد مساغا) أي مسلكا وسبيلا تنتهي إليه لمحل تستقر فيه (رجعت إلى الذي لعن) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (فإن كان لذلك) أي اللعنة (أهلا) رجعت إليه فصار مطرودا مبعودا فإن لم يكن أهلا لها (رجعت) بإذن ربها (1) (إلى قائلها) لأن اللعن طرد عن رحمة الله فمن طرد ما هو أهل لرحمته [ص:371] عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
(هـ) في الأدب عن أبي الدرداء ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط وفيه عنده داود بن المحبر ضعيف ولما عزاه ابن حجر في الفتح إلى أبي داود وقال سنده جيد وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس ورواته ثقات لكنه أعل بالإرسال هكذا قال
_________
(1) قوله بإذن ربها: والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وقعت عليه وإلا قالت يا رب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا فيقال ارجعي من حيث جئت يعني إلى قائلها

(2/370)


2070 - (إن العبد) في رواية إن المؤمن (إذا أخطأ خطيئة) في رواية أذنب ذنبا (نكتت) بنون مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة (في قلبه) لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه (نكتة) أي أثر قليل كنقطة (سوداء) في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه قال الحرالي: وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر (فإن هو نزع) أي قلع عنه وتركه (واستغفر الله وتاب) إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما (صقل) وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي (قلبه) بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت (وإن عاد) إلى ذلك الذنب أو غيره (زيد) بالبناء للمفعول (فيها) نكتة أخرى وهكذا (حتى تعلو على قلبه) أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيرا قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان وليا من دون الله فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلا {ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا} (رهو الران) أي الطبع (1) (الذي ذكره الله) تعالى في كتابه بقوله عز قائلا (كلا بل ران) أي غلب واستولى (على قلوبهم) الصدأ والدنس (ما كانوا يكسبون) من الذنوب قال القاضي: المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحه هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعا وهو الران وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة. إلى هنا كلامه قال الطيبي: وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري: وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفا للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم: الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا [ص:372] أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم وقال الغزالي: القلب كالمرآة ومنه الآثار المذمومة كدخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب فلا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى حتى يسود ويظلم ويصير محجوبا عن الله تعالى وهو الطبع والرين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك يعمى عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويهتم بها وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وأخطارها دخل من أذن وخرج من أخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة {أولئك يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} <تنبيه> قيل لحكيم: لم لا تعظ فلانا قال ذاك على قلبه قفل ضاع مفتاحه فلا سبيل لمعالجة فتحه <فائدة> قال حجة الإسلام: لا يذنب العبد ذنبا إلا ويسود وجه قلبه فإن كان من السعداء ظهر السواد على ظاهره لينزجر وإلا أخفى عنه لينهمك ويستوجب النار
(حم ت ن) في التفسير (هـ) في الزهد (هب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) وصححه الترمذي وقال الذهبي في المهذب إسناده صالح
_________
(1) قال العلقمي هو شيء يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم

(2/371)


2071 - (إن العبد) أي المؤمن (ليعمل الذنب) الصادق بالكبيرة والصغيرة (فإذا ذكره أحزنه) أي أسف على ما كان منه وندم (وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع) من الذنب (قبل أن يأخذ في كفارته) أي يشرع فيما يكفره (بلا صلاة ولا صيام) لأن العبد المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى ذنوبه كذباب يقع على أنفه قال به هكذا فطار ومن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يكون في غاية الحذر منها فإذا صدرت منه هفوة اشتعلت نار الخوف والحزن في قلبه ومع ذلك لا يرجو لغفرها سوى ربه فهذا عبد أواه مقبل على ربه متبريء مما سواه نازح عن المظالم فار من المآثم وهو الذي أراده الله من عباده ليغفر له قبل الاستغفار اللساني هكذا فافهم
(حل وابن عساكر) في التاريخ كلاهما عن عيسى بن خالد اليماني عن صالح المري عن هشام بن محمد (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث هشام وصالح لم يكتبه من حديث عيسى انتهى وقال الحافظ العراقي فيه صالح المري رجل صالح لكنه مضعف في الحديث

(2/372)


2072 - (إن العبد) المؤمن المخلص (إذا وضع في قبره) بالبناء للمفعول (وتولى عنه) أي أعرض (أصحابه) المشيعون له من أهله وأصدقائه (حتى إنه) بكسر همزة إن لوقوعها بعد حتى الابتدائية (يسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند الرؤوس قال القاضي: يعني لو كان حيا فإن جسده قبل أن يأتيه الملك فيقعده ميت لا حس فيه انتهى وسيجيء ما ينازع فيه قال الطيبي: وقوله (أتاه) جواب الشرط والجملة خبر إن وقوله وإنه يسمع قرع نعالهم إما حال بحذف الواو أو كأحد الوجهين في قوله تعالى {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا} الآية (ملكان) بفتح اللام منكر ونكير بفتح كاف الأول وكلاهما ضد المعروف سميا به لأنهما لا يشبه خلقهما خلق آدمي ولا ملك ولا غيرهما وهما أسودان أزرقان (1) جعلهما الله نكرة للمؤمن ليبصره ويثبته وعذابا على غيره (فيعقدانه) (2) حقيقة بأن [ص:373] يوسع اللحد حتى يجلس فيه زاد في رواية فتعاد روحه في جسده وظاهره في كله ونقله المصنف في أرجوزته عن الجمهور لكن قال ابن حجر: ظاهر الخبر في النصف الأعلى وجمع بأن مقرها في النصف الأعلى ولها اتصال بباقيه وقيل وجزم به القاضي والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه أجرى الإقعاد مجرى الإجلاس وقد يقال أجلسه من نومه إذا أيقظه والحديث ورد بهما والظاهر أن لفظ الرسول فيجلسانه وبعض الرواة أبدله بيقعدانه فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع وهو في ذلك تابع للأثر حيث قال عقب قوله يقعدانه وفي حديث البراء فيجلسانه وهو أولى بالاختيار لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام فيقولون القيام والقعود ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس يقال قعد عن قيامه وجلس عن مضجعه واستلقائه وحكى أن نصر بن جميل دخل على المأمون فسلم فقال له اجلس فقال يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس فقال كيف أقول قال اقعد فالمختار من الروايتين الإجلاس لموافقته لدقيق المعنى وتصحيح الكلام وهو الأجدر ببلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل من روى فيقعدانه ظن أن اللفظين بمعنى ولهذا أنكروا رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد ورده الطيبي بأن الأقرب الترادف وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية ونحن نقول به إذا كانا مذكورين معا نحو {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} لا إذا لم يكن أحدهما مذكورا ألا ترى إلى حديث مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله إذ طلع علينا ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم وكذا لم يرد في نص الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس (فيقولان له) الظاهر أن أحدهما يقول (3) لحصول الاكتفاء به لكن لما كان كل منهما بصدد القول نسب إليهما جميعا (ما كنت) في حياتك (تقول) أي أي شيء تقوله (في هذا الرجل (4) لمحمد) أي في محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله لمحمد بيان من الراوي للرجل أي لأجل محمد ولم يقولا رسول الله أو النبي امتحانا له واغرابا على المسؤول لئلا يتلقى تعظيمه منهما فيقول تقليدا لا اعتقادا وفهم بعض من لفظ الإشارة أنه يكشف له عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه عيانا فيقال ما تقول في هذا وأبطله ابن جماعة بأن الإشارة تطلق في كلامهم على الحاضر والغائب كما يقول المرء لصاحبه ما تقول في هذا السلطان وهما لم يرياه (فأما المؤمن) أي الذي قبض على الإيمان (فيقول) بعزم وجزم من غير تلعثم ولا توقف (أشهد أنه عبد الله ورسوله) إلى كافة الثقلين (فيقال) أي فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما (انظر إلى مقعدك من النار) أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك (قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة) أي محل قعودك فيها (فيراهما جميعا) أي يرى مقعده من النار ومقعده من الجنة فيزداد فرحا إلى فرح ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار وإدخاله الجنة وأما الكافر فيزداد غما إلى غم وحسرة إلى حسرة بتفويت الجنة وحصول النار له (ويفسح له في قبره) أي يوسع له فيه (سبعون ذراعا) (5) يعني شيئا كثيرا جدا فالسبعين
[ص:374] للتكثير لا للتحديد كما في نظائره (ويملأ عليه خضرا) أي ريحانا ونحوه ويستمر كذلك (إلى يوم يبعثون) من القبور (وأما الكافر) أي المعلن بكفره (أو المنافق) الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهذا شك من الراوي أو بمعنى الواو قال ابن حجر: والروايات كلها مجمعة على أن كلا منهما يسأل انتهى وفيه رد لقول ابن عبد البر لا يسأل الكافر لكن رجحه المصنف في أرجوزته قيل والسؤال من خصائص هذه الأمة وقيل لا وقيل بالوقف وقيل والمؤمن يسأل سبعا والمنافق أربعين صباحا (فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له (6) لا دريت) بفتح الراء (ولا تليت) من الدراية والتلاوة أصله تلوت أبدلت الواو ياء لمزاوجة دريت ومجموع ذلك دعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا (7) أو أخبار له أي لا علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون ذكره ابن بطال وغيره وقال الخطابي: هكذا يرويه المحدثون وهو غلط وصوابه أتليت بوزن أفعلت من قولك أي ما أتلوته أي ما استطعته (ثم يضرب) بالبناء للمجهول يعني يضربه الملكان اللذان يليان فتنته (بمطراق) في رواية بمطرقة بكسر الميم أي بمرزبة كما عبر بها في سنن أبي داود (من حديد) (8) ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه) ظاهره الملكان فقط وليس مرادا بقرينة قوله (غير الثقلين) الجن والإنس وبقرينة خبر أحمد فيسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين والمنطوق مقدم على المفهوم وحكمة عدم سماع الثقلين الابتلاء فلو سمعا صار الإيمان ضروريا وأعرضوا عن نحو المعايش مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع فيبطل معاشهم (ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه) وأصل الثقل المتاع المحمول على الدابة وقيل لهما الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها ذكره الزمخشري قال القاضي: وظاهر الخبر أن السؤال إنما يكون فيمن قبر أما غيره فبمعزل عنه ويشهد له خبر لولا أن لا تدافنوا لدعوات الله أن يسمعكم من عذاب القبر قلت بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم حتى من أكله سبع أو طير وتفرق شرقا وغربا فإنه تعالى يعلق روحه الذي فارقه يجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول الذي تتعلق به الأرواح أولا فيحيى ويحيى بحياته سائر أجزاء البدن ليسأل فيثاب أو يعذب ولا يستبعد ذلك فإنه تعالى عالم بالجزئيات فيعلم الأجزاء انفصالها ومواقعها ومحالها ويميز بين الأصلي وغيره ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع فإن البينة عندنا ليست شرطا للحياة بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخص الواحد في آن واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول وفيه حل المشي بين القبور بنعل لكن يكره كذا قيل واستثنى من السؤال جماعة (9) ووردت أخبار بإعفائهم عنه <تنبيه> قال جدي نقلا عن شيخه العراقي
[ص:375] ظاهر الخبر أن الملكين يأتيان المؤمن والمنافق على صفة واحدة وهو اللائق بالامتحان والاختبار <تنبيه> قال ابن عربي: من أفسد شيئا بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه
(حم ق د ن عن أنس) بن مالك
_________
(1) أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها
(2) قوله فيقعدانه: زاد في حديث البراء. فتعاد روحه في جسده ظاهره في جميع الجسد لكن سئل الحافظ عن ذلك فأجاب بأن ظاهر الخبر أنها تحمل في النصف الأعلى انتهى قلت ويمكن أن يقال قوة حلولها في النصف الأعلى ولها اتصال بالنصف الأسفل لكن مقرها وقوتها في الأعلى
(3) أي مع حضور الآخر
(4) قوله " في هذا الرجل ": زاد أبو داود في أوله ما كنت تعبد فإن هداه الله قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فالاقتصار على البعض من بعض الرواة قال ابن مردويه فما يسأل عن شيء غيرهما من التكليفات ويؤيده ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا} الآية قال الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم قيل لعكرمة ما هو قال يسألون عن الإيمان بمحمد وأمر التوحيد انتهى
(5) زاد ابن حبان في سبعين أي توسعه عظيمة جدا
(6) أي يقول له الملكان أو غيرهما
(7) والمعنى لا فهمت ولا قرأت القرآن أو لا دريت ولا اتبعت من يدري
(8) أي متخذة منه وتقدم أنه لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها
(9) الأول الشهيد. الثاني المرابط. الثالث المطعون وكذا من مات في زمن الطاعون بغير الطعن إذا كان صابرا محتسبا الرابع الصديق. الخامس الأطفال. السادس الميت يوم الجمعة أو ليلتها. السابع القارئ كل ليلة تبارك الذي بيده الملك وبعضهم ضم إليها السجدة. الثامن من قرأ في مرضه الذي يموت فيه قل هو الله أحد

(2/372)


2073 - (إن العبد) أي المؤمن ذا البصيرة (آخذ عن الله أدبا حسنا) وهو أنه (إذا وسع عليه) أي وسع الله عليه في رزقه (وسع) على نفسه وعياله (وإذا أمسك) الله (عليه) أي ضيق (أمسك) لعلمه بأن مشيئة الله في بسط الأرزاق وإضاقتها تابع للحكمة والمصلحة فهو يتلقى ما قسم له بالرضى ويجري على منواله في الاتساع والإنجماع قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد (1) أي في الإنفاق فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ما ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأولن {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن هذا في الآخرة
(حل) من حديث جعفر بن كزال بن إبراهيم بن بشير المكي عن معاوية بن عبد الكريم عن أبي حمزة (عن ابن عمر) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث معاوية مسندا متصلا مرفوعا وإنما يحفظ من قبل الحسن انتهى وجعفر بن محمد بن كزال قال الذهبي قال الدراقطني ليس بقوي وإبراهيم بن بشير المكي ضعيف ومعاوية قال أبو حاتم لا يحتج به ورواه البيهقي أيضا من هذا الوجه ثم قال هذا حديث منكر
_________
(1) أي ينبغي له أن ينفق بقدر ما رزقه الله من غير ضجر ولا قلق ويعلم أن مشيئة الله في بسط الرزق وضيقه لحكمة ومصلحة

(2/375)


2074 - (إن العجب) بضم فسكون وهو نظر الإنسان إلى نفسه بعين الاستحسان (ليحط) بضم التحية أي يفسد ويهدم (عمل سبعين سنة) أي مدة طويلة جدا فالمراد بالسبعين التكثير على وزان ما قيل {في سسلسلة ذرعها سبعون ذراعا} وذلك لأن المعجب يستكثر فعله ويستحسن عمله فيكون كمن أصابه عين فأتلفته ولهذا قال الحكماء: العجب إصابة العمل بالعين وسيجيء خبر إن العين تدخل الرجل القبر فكما أن العين تميت الإنسان فكذا تميت أعماله وتبطل أفعاله وربما استحكمت الغفلة على الإنسان فرأى طاعته بحوله وقوته ولا يرى لله عليه منة في إحداث القوة لها وخلق الاستطاعة لكسبها فإن الذي يدخل عليه في اعتقاده أكثر مما يدخل عليه من العجب بأفعاله قال بعض العارفين: من أعجبته نفسه وأحوالها لا بثبت له قدم في العبودية لأنه مراء في أفعاله وأحواله فهو واقف مع وجوده وإيجاده وعزه في نفسه فهو لا ينتفع بعلم ولا ينفعه عمل قال الغزالي: والناس في العجب ثلاثة أصناف صنف هم المعجبون بكل حال وهم القدرية والمعتزلة الذين لا يرون لله عليهم منة في أحوالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص لشبه استولت عليهم وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشيء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به وصنف مخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله وتارة يغفلون فيعجبون لمكان الغفلة العارضة والقترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة إلى هنا كلام الغزالي ثم نقل بعد ذلك عن شيخه إمام الحرمين أن العجب يذهب إضعاف العمل فقط <تنبيه> قال في المناهج وعرف بعضهم العجب بأنه استعظام النعمة مع نسيان إضافتها للمنعم ويتولد الكبر منه ومن آفاته نسيان الذنوب لظنه الاستغناء بسبب إعجابه بنفسه والعمى عن آفات الأعمال فيضيع عمله لأنه إذا لم يفتقده لم يخرج من شوائب الإبطال فلذلك قال إنه يحبطه قالوا والمعجب يمنعه إعجابه من الاستفادة والاستشارة واستماع النصح ويجره إلى احتقار الخلق والعمى عن وجه الصواب في دينه ودنياه
(فر) عن الحسين بن علي أمير المؤمنين وفيه موسى بن إبراهيم المروزي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك

(2/375)


[ص:376] 2075 - (إن العرافة) بالكسر وهي تدبر أمر القوم والقيام بسياستهم والعريف هو القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك وشهر (حق) أي أمر ينبغي أن يكون لما تدعو إليه المصلحة بل الضرورة (ولا بد للناس) في انتظام شملهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) ليتعرف الأمير من العريف حال من جعل فيما عليه من قبيلة أو أهل محلة ليرتب البعوث والأجناد (ولكن العرفاء في النار) أي عاملون فيما يقودهم إليها أو المراد الذين لم يعدلوا وعبر بصيغة العموم إجراء للغالب مجرى الكل ومقصوده التحذير من التعرض للرياسة والتأمر على الناس لما فيه من الفتنة التي قلما يسلم منها عريف ووضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن العرافة على خطر ومباشرها على شفا جرف هار
(د) في الخراج من حديث غالب القطان (عن رجل) من الصحابة وفيه قصة قال الصدر المناوي فيه مجاهيل

(2/376)


2076 - (إن العرق) بالتحريك الرشح من البدن (يوم القيامة) في الموقف (ليذهب في الأرض سبعين باعا) أي ينزل فيها من كثرته شيء كثير جدا فالسبعين للتكثير لا للتحديد على ما مر (وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس) أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام فيمنعهم من الكلام (وإلى آذانهم) بأن يغطي الأفواه ويعلو عليها إذ الأذن أعلى من الفم فيكون الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يلجمه فقط ومنهم من يزيد فيبلغ إلى أذنيه ثم يحتمل أن المراد عرق نفسه خاصة ويحتمل غيره كما مر فيشدد على بعض ويخفف عن بعض وهذا كله لتزاحم الناس وانضمام بعضهم لبعض حتى صار العرق يجري كالسيل واستشكل بأن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة فتغطيهم على السواء وأجيب بأن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة وسبب كثرته تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم. قال الغزالي: وكل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة
(م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا

(2/376)


2077 - (إن العين) أي عين العائن من الإنسان أو الجان (لتولع) بالبناء للمفعول أي تعلق (بالرجل) أي الكامل في الرجولية فالمرأة ومن هو في سن الطفولية أولى (بإذن الله تعالى) أي بتمكينه وإقداره (حتى يصعد حالقا) بحاء مهملة أي جبلا عاليا (ثم يتردى) أي يسقط (منه) لأن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل به فتضره وقد خلق الله تعالى في الأرواح خواص تؤثر في الأشباح لا ينكرها عاقل ألا ترى الوجه كيف يحمر لرؤية من يحتشمه ويصفر لرؤية من يخافه وذلك بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة بل التأثير للروح فحسب قال ابن القيم: ومن وجه بأن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالف جميع العقلاء
(تتمة) قالوا قد تصيب الإنسان عين نفسه قال الغساني نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صديقا وعمر فاروقا وعثمان حبيبا ومعاوية حليما ويزيد صبورا وعبد الملك سائسا والوليد جبارا وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات
(حم ع عن أبي ذر) قال الهيثمي رجال أحمد ثقات [ص:377] ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما

(2/376)


2078 - (إن الغادر) أي المغتال لذي عهد أو أمان (ينصب) في رواية يرفع (له لواء) أي علم (يوم القيامة) خلفه تشهيرا له بالغدر وإخزاء وتفضيحا على رؤوس الأشهاد (فيقال) أي ينادي عليه في ذلك المحفل العظيم (ألا) إن (هذه غدرة فلان) أي علامة على غدرة فلان (ابن فلان) ويرفع في نسبه حتى يتميز عن غيره تمييزا تاما وظاهره أن لكل غدرة لواء فيكون للواحد ألوية بعدد غدراته وحكمة نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب والعذر خفي فاشتهرت عقوبته بإشهار اللواء
(مالك) في الموطأ (ق د ت عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/377)


2079 - (إن الغسل يوم الجمعة) بنيتها لأجلها (لسيل) أي يخرج (الخطايا) أي ذنوب المغتسل لها (من أصول الشعر استلالا) أي يخرجها من منابتها خروجا وأكده بالمصدر إشارة إلى استقصائه جميع الذنوب بحيث لا يبقى منها شيئا إلا أنه سيمر بك ما تعلم منه أن هذا ومثاله منزل على الصغائر فلا تغفل والاستلال الإخراج قال في الصحاح وغيره انسل من الهم خرج وسل السيف من غمده واستله أخرجه
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجاله ثقات

(2/377)


2080 - (إن الغضب من الشيطان) بمعنى أنه المحرك له الباعث إليه ليردي الآدمي ويغويه ويبعده عن نعمة الله ورحمته (وإن الشيطان خلق) بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم به (من النار) لأنه من الجان الذي قال الله تعالى فيهم {وخلق الجان من مارج من نار} وكانوا سكان الأرض قبل آدم عليه الصلاة والسلام وإبليس أعبدهم فلما عصى جعل شيطانا (وإنما تطفئ) أي تخمد (النار بالماء) لأنه ضدها (فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ندبا مؤكدا وضوءه للصلاة وإن كان متوضئا والغسل أفضل قال الطيبي: أراد أن يقول إذا غضب أحدكم فليستعذ من الشيطان فإن الغضب من الشيطان قصور حالة الغضب ومنشأه ثم أرشد إلى تسكينه فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع وللموانع أزجر وأردع وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية. قال ابن رسلان: وورد الأمر بالاغتسال فيحمل على الحالة التي يشتد الغضب فيها جدا وهذا تحذير شديد من الغضب ولا ينافيه قول إمامنا الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو جبار لأن القوة الغضبية محلها القلب ومعناها غليان دمه لطلب الانتقام فمن فرط فيها حتى انعدمت بالكلية أو ضعفت أو أفرط حتى جاوز حدها الشرعي ذم ذما شديدا ومحمل كلام الشافعي الأول والحديث الثاني وسبب ذم الأول استلزامه انعدام الغيرة والحمية والأنفة مما يؤلف منه
(حم د) في الأدب (عن عطية) بفتح أوله وكسر المهملة الثانية وشد المثناة تحت ابن عروة (العوفي) صحابي نزل الشام قال في التقريب له ثلاثة أحاديث وسكت عليه هو والمنذري

(2/377)


2081 - (إن الفتنة) أي البلاء والشر والمحنة (تجيء فتنسف العباد نسفا) أي تهلكهم وتبيدهم واستعمال النسف في ذلك ونحوه مجاز قال الزمخشري: من المجاز نسفت الريح التراب ونسفوا البناء قلعوه من أصله (وينجو العالم منها بعمله) [ص:378] الفتنة الاختبار والعلم الذي ينجي من هذه الفتنة قد يكون بأنواع فتن النفوس بأسباب الدنيا كمال ونساء وجاه فهذه أصول الفتن فتن الدنيا وقد تكون فتنة القلوب بالبدع والأهواء فيتنوع إلى بضع وسبعين فرقة كل فرقة تدعو إلى هوى وكلها في النار إلا واحدة فتجيء فتن الدنيا إلى النفوس وفتن الدين إلى القلوب فكاد يستأصل إهلاكها والعالم الناجي بعلمه العالم بالله العامل بتقواه وعلمه الذي ينجو به العلم بعظمة الله علم وجد بالقلب لا علم عقيدة فحسب علامته دوام الهيئة والخشية وثمراته تقوى الله بالعمل بالكتاب والسنة وترك الهوى أي العالم بعلم طريق الآخرة فإن الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات فالأولى من ضعف البصيرة وقلة العلم سيما إذا قارنه نوع هوى ومن هذا القسم فتنة أهل البدع فإنما ابتدعوا لاشتباه الحق عليهم بالباطل والهوى بالضلال ولو أتقنوا العلم بما بعث الله به رسوله وتجردوا عن الهوى لما ابتدعوا. والثانية: من النفس فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات وأصل كل منهما من تقديم الرأي على الشرع فالأول أصل فتنة الشبهة والثاني أصل فتنة الشهوة ففتنة الشبهات إنما تدفع بكمال البصيرة واليقين وفتنة الشهوات إنما تدفع بكمال العقل والصبر والدين فمن ثم كان العالم من الناجين وما عداه من الهالكين
(حل) من حديث عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن إبراهيم بن أدهم عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة الأنصاري (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث أبي إسحاق لم يكتبه إلا من حديث عطية

(2/377)


2082 - (إن الفحش والتفحش) أي تكلف إيجاد الفحش أي القبح شرعا (ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا) بالضم لأن الخلق شعار الدين وحلية المؤمنين فكلما ارتقى الإنسان في درجات حسن الخلق ارتقى في معارج الإيمان ولهذا قال التاج ابن عطاء الله رضي الله تعالى عنه: ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقرب الخلق إلى الله تعالى السالكون آثاره بحسن الخلق
(حم ع طب) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر بن سمرة) قال: كنت في مجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال إن الفحش إلخ قال الحافظ العراقي إسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله ثقات وقال المنذري بعد عزوه لهم إسناد أحمد جيد

(2/378)


2083 - (إن الفخذ عورة) أي من العورة سواء كان ذكر أو أنثى حرا أو قينا فيجب ستر ما بين السرة والركبة (1) ويحرم النظر إليه من ذكر أو أنثى إلا الحليل لكن يحل نظر العورة من صغير أو صغيرة لا تشتهى إلا الفرج عند الشافعية
(ك) في اللباس (عن جرهد) بضم الجيم وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه برد فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو عجيب فقد رواه أبو داود في الحمام عن جرهد المذكور وكان من أصاب الصفة قال جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا وفخذي مكشوفة قال أما علمت أن الفخذ عورة وخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في الاستئذان [ص:379] فإضراب المصنف عن ذا كله صفحا واقتصاره على الحاكم وحده قصور وتقصير مستبين فلا تكن من المتعصبين
_________
(1) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في حق الذكر والأمة في الصلاة وأما الحرة فيجب ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين في الصلاة ومطلقا خارجا وكذا الأمة والرجل أي عورة كل منهما جميع بدنه بالنسبة للأجانب في حق الأنثى والأجنبيات في حق الذكر وأما في الخلوة فعورة الأنثى ولو أمة ما بين السرة والركبة وعورة الذكر السوءتان

(2/378)


2084 - (إن القاضي العدل) أي الذي يحكم بالحق (ليجاء به يوم القيامة) إلى الموقف (فيلقى من شدة الحساب ما) أي أمرا عظيما (يتمنى أن لا يكون قضى) أي حكم (بين اثنين) أي خصمين حتى ولا (في) شيء تافه جدا نحو (تمرة) أو حبة بر أو زبيب لما يرى من ذلك الهول لكن ذلك لا يدل على انحطاط درجة العادل فمنزلة الولاية منزلة شديدة المقاساة أولا والسلامة والغنيمة آخرا للعادل ومنزلة العطب لغيره
(قط) (1) (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن عائشة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عمران بن حطان قال العقيلي لا يتابع على حديثه
_________
(1) قوله قط أي فيما مضى من عمره فهي ظرف لما مضى من الزمان وفيها لغات أشهرها فتح القاف وضم الطاء المشددة وإذا كان هذا في القاضي العدل وفي الشيء اليسير فما بالك بغير العدل والشيء الكثير وكون قط ظرفا هو ما في كثير من السنخ وظاهر ما في كلام المتن أنها رمز للدارقطني فإنه ذكر قط والشيرازي بواو العطف

(2/379)


2085 - (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا) الميت (منه) أي من القبر أي من عذابه ونكاله (فما بعده) من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها (أيسر) عليه (منه وإن لم ينج منه) أي من عذابه (فما بعده) مما ذكر (أشد منه) عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى {وإنما توفون أجوركم} أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور ذكره في الكشاف
(ت هـ ك) في الجنائز عن عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان (عن عثمان بن عفان) صححه الحاكم فاعترضه الذهبي بأن ابن بجير ليس بعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عن جمع لكن لا ذكر له في الكتب الستة

(2/379)


2086 - (إن القلوب) أي قلوب بني آدم جمع قلب وليس المراد بها هنا اللحم الصنوبري الشكل القار في الجانب الأيسر من الصدر فإنه موجود في البهائم بل لطيفة ربانية روحانية لها بذلك القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك والمخاطب والمطالب والمعاقب ولهذه اللطيفة علاقة بالقلب الجسداني وقد تحيرت عقول الأكثر في كيفية التعلق وأن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وتحقيق التعلق متعلق بعلوم المكاشفة لا بالعلوم النظرية (بين أصبعين من أصابع الله يقلبها) حيث شاء أي يصرفها إلى ما يريد بالعبد بحسب القدر الحاوي عليه المستند إلى العلم الأزلي بحسب خلق تلك الدواعي والصوارف فتصرفه سبحانه وتعالى في خلقه إما ظاهر بخلق يخرق العادات كالمعجزة أو بنصيب الأدلة كالأحكام التكليفية وإما باطن بتقدير الأسباب نحو {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أو يخلق الدواعي والصوارف نحو {كذلك زينا لكل أمة عملهم} {ونقلب أفئدتهم} " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " أي طاعتك وعبر بالتثنية دون الجمع إشارة إلى أن الأصبعين هما ظهور القدرة الربانية بمظهري الخير والشر في قلب العبد لا أن لله جارحة تعالى عن ذلك وعبر بالأصبعين دون اليدين لأن أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيرها فلما [ص:380] كان تقليب الله قلوب عباده أسرع شيء خاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم العرب بما تعقل قال الكمال ابن أبي شريف وقوله كيف يشاء نصب على المفعول المطلق من قوله يقلبها والتقدير تقليبا يريده وهذا من أحاديث الصفات وللناس في تلقيتها مذهبان أحدهما أن الإيمان بها وجب كالإيمان بمتشابه القرآن والبحث فيها بدعة وعليه أكثر السلف الثاني أن البحث عنها واجب وتأويلها بنحو ما تقرر متعين فرارا من التعطيل وإمام هذه الطائفة المرتضى والحبر ومن على قدمهما من فقهاء الصدر الأول لأن الله سبحانه لم ينزل من المتشابه ما أنزل إلا ليعلم ورسوله لم يقل ما قال إلا ليفهم وبمعرفة المتشابه يتميز الفاضل من المفضول والعالم من المتعلم والحكيم من المتعجرف ومن آمن بالأخبار على ما جاءت به حيث ألبس عليه كنه معرفتها لا تجب عليه أن يردها رد منكر لها بل يؤمن ويسلم ويكلها إلى الله ورد متشابه التنزيل والسنة طريق هين يستوي فيه العالم والجاهل والسفيه والعاقل وإنما يظهر الفضل بالبحث واستخراج الحكمة والحمل على ما يوافق الأصول والعقول
(حم ت ك عن أنس) بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله آمنا بذلك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم فذكره قال الصدر المناوي رجاله رجال مسلم في الصحيح

(2/379)


2087 - (إن الكافر ليسحب لسانه) أي يجره وخص لتلفظه بكلمة الكفر (يوم القيامة وراءه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس) أي أهل الموقف فيكون ذلك من العذاب قبل دخوله دار العقاب والقصد بهذا الخبر بيان عظم جثة الكافر في الموقف وأن له من العذاب ألوانا والسحب الجر على الأرض يقال سحبته على الأرض سحبا من باب نفع جررته فانسحب وسمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وهو فارسي معرب والوطء الدوس بالرجل يقال وطئته برجلي أطؤه وطأ إذا علوته ووطئ زوجته جامعها لأنه استعلاء. قال الزمخشري: ومن المجاز وطئه العدو وطأة منكرة وفلان وطئ الخلق
(حم ت) في صفة جهنم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال الترمذي غريب قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأنه من رواية الفضل بن يزيد وهو ثقة عن أبي المخارق عن ابن عمر وأبو المخارق هو معن العبدي وهو ضعيف انتهى وقال العراقي سنده ضعيف إذ أبو المخارق لا يعرف وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف

(2/380)


2088 - (إن الكافر ليعظم) أي لتكبر جثته في الآخرة (حتى إن ضرسه لأعظم من أحد) أي حتى يصير ضرسه أكبر من جبل أحد (وفضيلة جسده) أي زيادته وعظمه (على ضرسه كفضيلة جبل أحد على ضرسه) (1) فإذا كان ضرسه مثل جبل أحد فجثته مثله سبعين مرة أو أكثر وقد استبعد هذا الخبر وما قبله قوم من الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ولا هدى إعجابا برأيهم وتحكما على السنة بعقول ضعيفة وأفهام سخيفة وما دروا أن الله سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول البشر بل أمر ونهى بحكمته ووعد وواعد بمشيئته ولو كان كل ما لا تدركه [ص:381] العقول غير مقبول لاستحالت أكثر واجبات الشرائع ألا ترى أنه تعالى أوجب غسل جميع البدن من المني وهو طاهر وأوجب غسل الأعضاء الأربعة من الغائط فقط وهو نجس منتن وأوجب بخروج يسير ما أوجب بخروج ريح يسير فبأي عقل يساوي ما لا عين له ما له عين قائمة بمحل واحد وأوجب قطع يد السارق في ربع دينار وقطعه في مئة ألف قنطار والقطع فيهما سواء وأوجب للأم الثلث فإذا كان للولد أخوة فالسدس من غير أن يرث الإخوة من ذلك شيئا فبأي عقل يدرك هذا إلا تسليما للشارع؟ وهذا باب واسع يطول تتبعه وإذا كان هذا في أمور الدنيا فما بالك بأمر الآخرة التي ليس معها شيء على نمط ما في الدنيا ولا يشبهه إلا في مجرد الاسم
(هـ عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) أي نسبة زيادة جسد الكافر على ضرسه كنسبة زيادة أحدكم على ضرسه وأمر الآخرة وراء طور العقول فتؤمن بذلك ولا نبحث عنه

(2/380)


2089 - (إن) المرأة (التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب) هذه (الأمة) يعني المرأة إذا زنت وأتت بولد ونسبته إلى حليلها ليلحق به ويثبت بينهما التوارث وغيره من الأحكام عليها عذاب عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه وليس المراد أن عليها نصف عذاب هذه الأمة حقيقة بالتحديد بل المراد مزيد الزجر والتهويل ووصف عظيم عذابها وإلا فمعلوم أن إثم من قتل مئة مسلم ظلما أشد عذابا منها ومن دل الكفار على عقورات المسلمين فاستأصلوهم بالقتل والسبي والزنى بالنساء عالما بأن ذلك كله سيكون من دلالته كابن العلقمي وزير الخليفة المعتصم الذي أغرى التتار عليه وعلى أهل الإسلام حتى كان منهم ما كان في بغداد وما والاها أعظم عذابا منها
(هب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم

(2/381)


2090 - (إن الذي أنزل الداء) وهو الله تعالى (أنزل الشفاء) أي أنزل ما يحصل به الشفاء من الأدوية أو أنزل ما يستشفى به منه وما من شيء إلا وله ضد وشفاء الضد بضده وإنما يتعذر استعماله بالجهل بعينه أو بفقده أو قيام موانع أخر وكذا المرض والدواء ما يتداوى به كما مر والشفاء البرء من العلة
(ك عن أبي هريرة) وصححه

(2/381)


2091 - (إن) الرجل (الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة) عند جلوسهم بمحلها لاستماع الخطبة والصلاة (ويفرق بين اثنين) قعدا لذلك بجلوسه بينهما (بعد خروج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (كالجار قصبه) بضم القاف أي أمعاءه والجمع أقصاب وقيل هو ما أسفل البطن من الأمعاء (في النار) أي له في الآخرة عذاب شديد مثل عذاب من يكون في النار وهو يجر أمعاءه فيها بمعنى أنه يستحق ذلك وقد يعفى عنه وهذا وعيد شديد يفيد تحريم التخطي والتفريق بين اثنين فإن رأى فرجة لا يبلغها إلا به جاز له أن يتخطى صفين لا أكثر فيحرم كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه واختار في الروضة خلاف ترجيحه في المجموع الكراهة (1) والتفريق صادق بأن يزحزح رجلين عن مكانهما [ص:382] ويجلس بينهما
(حم طب ك) في المناقب (عن الأرقم) بن أبي الأرقم قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن هشام بن زياد أحد رجاله واه وتعقب الهيثمي على أحمد والطبراني بأن فيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه اه وساقه في الميزان من مناكير رشدين
_________
(1) واعتمد الرملي في التفريق أنه مكروه ووافقه الخطيب الشربيني فقال يكره تخطي الرقاب إلا لإمام أو رجل صالح لأن الصالح يتبرك به ولا يتأذى بتخطيه وألحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا قال لأن الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به أو وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو أكثر وإن لم يرج سدها فلا يكره له وإن وجد غيره لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى فإن رجى سدها كأن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره

(2/381)


2092 - (إن) المكلف (الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب) عبر بفي دون من لأن المحرم الأكل أو الشرب واضعا فاه فيه لا متباعدا منه (1) (إنما يجرجر) بضم التحتية وفتح الجيم (2) (في بطنه نار جهنم) أي يرددها فيه من جرجر الفحل إذ ردد صوته في حنجرته ذكره في الفائق وفي رواية نارا أي قطعة هائلة من نار جهنم جعل صوت شرب الإنسان الماء في هذه الآنية لكون استعمالها محرما موجبا لاستحقاق العقاب كجرجرة نار جهنم في بطنه وفي رواية نارا من جهنم وهي أبلغ بزيادة التنوين الذي للتهويل
<تنبيه> قال الغزالي: النقد ليس في عينه غرض وخلق وسيلة لكل غرض فمن اقتناه فقد أبطل الحكمة وكان كمن حبس الحاكم في سجن وأضاع الحكم وما خلق النقد لإنسان فقط بل لتعرف به المقادير فأخبر تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا حرف قبله ولا صوت له الذي لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه وفهموه من رسوله حتى وصلوا إليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذي عجزوا عن إدراكه فقال {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية وكل من اتخذ النقد آنية فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنزه فإنه كمن سخر الحاكم في نحو حياكة أو كنس فالحبس أهون فإن الخزف يقوم مقامه في حفظ الأطعمة والمائعات ففاعله كافر للنعمة بالنقد فمن لم ينكشف له هذا قيل له الذي يأكل أو يشرب فيه إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وأفاد حرمة استعماله على الذكور والإناث وعلة التحريم العين مع الخيلاء
(م هـ عن أم سلمة) ورواه عنه البخاري في الأشربة بدون ذكر الأكل والذهب (زاد طب) في روايته (إلا أن يتوب) توبة صحيحة عن استعماله فإنه لا يجرجر حينئذ في نار جهنم
_________
(1) هذا التعليل فيه نظر فتدبر. اه
(2) أي الأولى وسكون الراء بعدها جيم مكسورة أي يردد أو يصيب في بطنه نار جهنم بنصب نار على أنه مفعول به والفاعل ضمير الشارب والجرجرة بمعنى الصب وجاء الرفع على أنه فاعل والجرجرة تصويت في البطن أي تصوت في بطنه نار جهنم وفي الحديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلا كان أو امرأة ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه بدون استعماله

(2/382)


2093 - (إن) الإنسان (الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) قال الطيبي: أراد بالجوف هنا القلب إطلاقا لاسم المحل على الحال قال تعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} . <فائدة> ذكره تصحيح التشبيه بالبيت الخرب كجوف الإنسان الخالي عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله ومحبته
(حم ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وفاتهما أن فيه قابوس ابن أبي ظبيان ضعيف كما بينه ابن القطان والراوي عن قابوس جرير وفيه مقال فالصحة له محال ومن ثم استدركه الذهبي على الحاكم وقال قابوس لين وقال النسائي غير قوي

(2/382)


2094 - (إن) المصورين (الذين يصنعون هذه الصور) أي التماثيل ذوات الأرواح (يعذبون يوم القيامة) في نار جهنم [ص:383] (فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) أمر تعجيز أي اجعلوا ما صورتم حياته ذا روح (1) ونسب الخلق إليهم تهكما واستهزاء وهذا يؤذن بدوام تعذيب المصور لتكليفه نفخ الروح وليس بنافخ وهو على بابه إن استحل التصوير لكفره وإلا فهو زجر وتهديد إذ دوام التعذيب إنما للكفار
(ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق على أن غير الله ليس بخالق حقيقة وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخص

(2/382)


2095 - (إن الماء طهور) أي طاهر في نفسه مطهر لغيره (لا ينجسه شيء) مما اتصل به من النجاسات قال الرافعي: أراد مثل الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة كانت واسعة كثيرة الماء وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيرها فإن فرض تغير الكثير بنجس نجسه إجماعا. وقال الولي العراقي رحمه الله تعالى: أل للاستغراق أو للعهد أي الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة ويعلم حكم غيره بالأولى أو لبيان الجنس أي أن هذا هو الأصل في الماء وطهور بفتح الطاء على المشهور لأن المراد به الماء وجاء في رواية ولا بإثبات الواو واستدل به المالكية على قولهم الماء لا ينجس إلا بالتغير وخصه الشافعية والحنابلة بخبر القلتين كما مر وأجمعوا على نجاسة المتغير
(حم 3 قط هق عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله إنا نتوضأ من بئر بضاعة (1) وهي تلقى فيها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن فذكره وحسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والبغوي وابن حزم وغيرهم من الجهابذة قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فنفي الدارقطني أي في العلل ثبوته باطل
_________
(1) بضم الباء وكسرها بثر معروفة بالمدينة والضاد معجمة والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وشدها أي خرق الحيض وفي رواية بالصاد المهملة أي الخرق التي يمسح بها دم الحيض وعذر الناس بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة وهي الغائط

(2/383)


2096 - (إن الماء) في رواية طهور (لا ينجسه شيء) نجس وقع فيه (إلا ما) أي نجس (غلب على ريحه وطعمه ولونه) الواو مانعة خلو لا جمع وفيه كالذي قبله أن الماء يقبل التنجيس وأنه لا أثر لملاقاته حيث لا تغير أي إن كثر الماء والتمسك بالأصل حتى نتيقن بتحقق رافعه <تنبيه> هذا الحديث كالذي قبله قد مثل به من أصحابنا في الأصول إلى أن العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه عند الأكثر ولا يقصر على السبب لوروده فيه فإن سبب الحديث ما تقرر من أنه سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي يلقى فيها ما ذكر فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره
(هـ عن أبي أمامة) ورواه الدارقطني والبيهقي بدون ولونه وظاهر عدم رمز المصنف إليه بالضعف يوهم أنه لا ضعف فيه وليس كذلك بل جزم بضعفه جمع منهم الحافظ العراقي ومغلطاي في شرح ابن ماجه نفسه فقال ضعيف لضعف رواته الذين منهم رشدين بن سعد الذي قال فيه أحمد لا يبالي عمن روى وأبو حاتم منكر الحديث وقال النسائي متروك ويحيى واه وأشار الشافعي إلى ضعفه واستغنى عنه بالإجماع

(2/383)


2097 - (إن الماء لا يجنب) بضم أوله (1) أي لا ينتقل له حكم الجنابة وهو المنع من استعماله باغتسال الغير منه وحقيقته لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل وأما تفسير لا يجنب بلا ينجس فرده ابن دقيق العبد بأنه تفسير للأعم [ص:384] بالأخص ويحتاج إلى دليل وأل في الماء للاستغراق خص منه المتغير بدليل وهو الإجماع أو للعهد أي الماء المعهود بالتطهر منه فإنه قال لميمونة لما اغتسلت في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت إني كنت جنبا (2) وفيه حذف أي كنت جنبا حالة استعمال الماء ثم حذف منه أيضا مقصود هذا الإخبار وهو أنه هل يمنع استعماله أم لا قال الولي العراقي: وقوله الماء لا يجنب نكرة في سياق النفي فيعم والقياس يخصصه بالجنابة أي لا تحصل له بسبب الجنابة منع من التطهير كما مر عن الخطابي ومع ذلك لا يختص الحكم بالجنابة بل بكل حدث وخبث كذلك لأن العبرة بعموم اللفظ قال: وقوله لا يجنب كالتصريح بالرد على من قال العلة في إفساد الماء باستعماله انتقال المنع إليه وفيه جواز العمل بالأصل وطرح الاحتمال فإنه ينبغي لمن علم حال شيء خفي على غيره بيانه له وإن عظم قيل وطهورية المستعمل وهو غير سديد إذ الاغتسال كما يحمل كونه فيها يحتمل كونه منها والدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال على أنه صرح في رواية البيهقي والدارقطني وغيرهما بأنه كان منها ونصه فضل من غسلها فضل فأراد أن يتوضأ به فقالت يا رسول الله إني اغتسلت منه فذكره وفيه صحة التطهير بفضل المرأة وإن حلت به وبه قال الأئمة الثلاثة وخالف أحمد وأن الشرط في الطهر الإسباغ فلا يقدر ماؤه إلا ندبا قال القشيري: والعام لا يخص بسببه على المختار فإذا حمل لا يجنب على أنه لا يعلق به منع بسبب الجنابة دل على حل استعماله في حدث وخبث معا وإن كان سبب الحكم طهر الحدث
(د ت هـ حب ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عباس) قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت إني كنت جنبا فذكره وقال الترمذي حسن صحيح وصححه النووي في شرح أبي داود وظاهر اقتصار المصنف على عزوه لهؤلاء أنه لم يره مخرجا لغيرهم وهو عجب فقد خرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه والدارمي وغيرهم كلهم عن الحبر
_________
(1) أي وكسر النون ويجوز فتحها مع ضم النون. قال النووي والأول أفصح وأشهر
(2) توهما منها أن الماء صار مستعملا وفي رواية أبي داود ونهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قال الخطابي وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت هذا أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال أو فضل عن أعضائها عند التطهير به دون الفضل الذي يستقر في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرة فلا بأس به

(2/383)


2098 - (إن المؤمن) وفي رواية إن العبد (ليدرك بحسن الخلق) أي ببسطة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى (درجة القائم الصائم) في أشد الحر والمتهجد ليلا وهو راقد على فراشه لأنه قد رفع عن قلبه الحجب فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه ويعد نفسه ضيقا في بيته وروحه عارية في بدنه لكن لا يكون حسن الخلق محمودا في كل حال ولا الغضب مذموما كذلك بل كل منهما محتاج إليه في حينه فمن رزق كمالا يضع كل شيء في محله فطوبى له وإلا فليعالج نفسه ويهذبها بالرياضة فمن جبل على قلة الغضب ورزانة الطبع والرأفة فلا يجفو ولا يغلظ وعلى البذل فلا يمسك وكذا سائر الأخلاق لزيادة بعض الأمشاج من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة على بعض فالرياضة محتاج إليها لتعديل الأخلاط فالمجبول على الرزانة وقلة الغضب عليه أن يروض نفسه على اكتساب الحركة والغضب كما كان على الطائش أن يروضها على اكتساب الحلم والرزانة فالواجب أن لا يستخف الرذائل فيميل إليها ولا يستثقل الفضائل فيحيد عنها بل يكون فيه حلم وغضب ورزانة وخفة وجد وهزل ولا يجري على طبعه وعادته
(د) في الأدب (حب) كلاهما (عن عائشة) ورواه عنها أيضا البغوي في شرح السنة وغيره وعزاه المنذري إلى أبي الشيخ عن علي وضعفه

(2/384)


[ص:385] 2099 - (إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه) أي تزهق روحه من جسده فيموت (وهو) أي والحال أنه (يحمد الله تعالى) إنما حمده حال قبض أعز شيء منه لموت شهواته حالتئذ إذ هو إنما يحب الحياة بالشهوة المركبة فيه فيتلذذ بها فإذا انقطعت الشهوة وخلصت الروح من آفات النفس حمد الله على خلاصه من السجن
(هب عن ابن عباس) رضي الله عنه وفي الباب غيره

(2/385)


2100 - (أن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير) هذا عبارة عن كثرة إيراد أنواع المصائب وضروب المحن والفتن فضرب الوجه هنا مجاز عن ذلك قال الزمخشري: ومن المجاز ضرب على يده إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه. ثم أعلم أنه تعالى إنما يصير المؤمن عرضة للبلاء لكرامته عليه لما في الابتلاء من تمحيص الذنوب ورفع الدرجات والحكيم لا يفعل شيئا إلا لغرض صحيح وحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل لإدراكها العاقلون
(خط) في ترجمة أبي القاسم الصفار (عن ابن عباس) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي قال ابن حبان يضع ومطير الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة لين

(2/385)


2101 - (إن المؤمن ينضي) بنون ساكنة وضاد معجمة مكسورة وفي رواية لينضي (شيطانه) أي يهزله ويجعله نضوا أي مهزولا لكثرة إذلاله له وجعله أسيرا تحت قهره وتصرفه ومن أعز سلطان الله أعزه الله وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور قلت ولم ذا؟ قال أذبتني بكتاب الله. وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة
(حم والحكيم) الترمذي (وابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (مكائد الشيطان) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضا سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود

(2/385)


2102 - (أن المؤمن إذا أصابه سقم) بضم فسكون وبفتحتين أي مرض (ثم أعفاه الله عنه) أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول (كان) مرضه (كفارة لما مضى من ذنوبه) فيه شمول للكبائر والصغائر (وموعظة له فيما [ص:386] يستقبل) لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيها على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق (1) المذكور في قوله (وإن المنافق) الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (إذا مرض ثم أعفي) من مرضه (كان كالبعير عقله أهله) أي أصحابه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم عقلوه) أي لأي شيء فعلوا به ذلك (ولم يدر لم أرسلوه) أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر حسرة الموت فلذا شبهه بالبعير المرسل بعد القيد في كونه لا يدري فيم قيد وفيم أرسل فحقه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ذنوبه فإذا عوفي لم يعد فلما لم يتنبه جعل كالبهيمة {أولئك كالأنعام بل هم أضل} ثم إن للحديث عند مخرجه أبي داود تتمة وهي: فقال رجل ممن حوله يا رسول الله وما الأسقام والله ما مرضت قط قال قم عنا فلست منا
(د) في الجنائز (عن عامر الرام) أخي الخضر قال محمد بن سلمة قال إني لببلادنا إذ رفعت لنا رايات وألوية فقلنا ما هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا وهو جالس تحت شجرة قد بسط له كساء وقد اجتمع إليه أصحابه فجلست إليهم فذكر الأسقام فقال إن المؤمن إلخ وفيه زيادة ذكره البغوي في الدعوات في المصابيح قال المنذري في إسناده راو لم يسم
_________
(1) أي النفاق في الحقيقة ويحتمل أن المراد العملي

(2/385)


2103 - (إن المؤمن) في رواية المسلم (لا ينجس) زاد الحاكم حيا ولا ميتا (1) أما الحي فإجماعا قال الفاكهي حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها وأما الميت فعلي الصحيح عند الشافعية والمالكية انتهى وذكر المؤمن وصف طردي فالكافر كذلك خلافا لنعمان والمراد بنجاسة المشركين في الآية نجاسة الاعتقاد أو تجنبهم كالنجس ومفهوم الخبر متروك لمانع (2)
<تنبيه> قال القاضي يمكن أن يحتج بالحديث على من قال الحدث نجاسة حكمية وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما
(ق 4 عن أبي هريرة) قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى بعد فانسللت أي مضيت بتمهل فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت قلت لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك فذكره ولفظ رواية مسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وفيه حل مصافحة الجنب ومخالطته وطهارة عرقه وجواز تأخيره للغسل وأن يسعى في حوائجه. (حم د ن هـ عن حذيفة) بن اليمان (ن عن ابن مسعود طب عن أبي موسى) الأشعري واللفظ للبخاري
_________
(1) فيه رد على من قال إنه ينجس بالموت
(2) وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى {إنما المشركون نجس} وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة كما يجتنب النجس وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي ليس نجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء

(2/386)


2104 - (إن المؤمن يجاهد بسيفه) الكفار (ولسانه) الكفار وغيرهم من الملحدين والفرق الزائغة بإقامة الحجة ونصب [ص:387] البراهين وغير ذلك أو أراد بالجهاد باللسان هجو الكفر وأهله وهذا إلى ظاهر الأخبار أقرب ومقصود الحديث أن المؤمن شأنه ذلك فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء الله بالسنان بل يضم إليه الجهاد باللسان
(حم طب عن كعب بن مالك) قال لما نزلت {والشعراء يتبعهم الغاوون} أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما ترى في الشعر فذكره قال الهيثمي رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح

(2/386)


2105 - (إن المؤمنين يشدد) بضم أوله (عليهم) لفظ رواية الحاكم إن المؤمن يشدد عليه (لأنه لا يصيب المؤمن نكبة) بنون وكاف موحدة (من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة) في الجنة (وحط عنه) أي محى عنه بسببه (خطيئة) من خطاياه وسبق أنه لا مانع من كون الشيء الواحد رافعا وحاطا ومر أن النكبة ما يصيب الإنسان من المصائب والشوكة معروفة
(ابن سعد) في الطبقات (ك) في الجنائز (هب) كلهم (عن عائشة) قالت طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع فجعل يتقلب على فراشه فقلت يا رسول الله لو صنع هذا بعضنا لخشي أن تجد عليه فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي

(2/387)


2106 - (إن المتحابين في الله) يكونون (في ظل العرش) يوم القيامة زاد الحاكم في روايته يوم لا ظل إلا ظله ومعلوم أن الكلام في المؤمنين
(طب عن معاذ) بن جبل ورواه الحاكم أيضا وقال على شرطهما وقال العراقي وهو عند الترمذي عن معاذ بلفظ آخر

(2/387)


2107 - (إن المتشدقين) بمثناة فوقية وشين معجمة أي المتوسعين في الكلام من غير احتياط وتحرز أو الذين يلوون أشداقهم به (في النار) أي سيكونون يوم القيامة في نار جهنم جزاء لهم بتفحصهم على ربهم وازدرائهم بخلقه أي أنهم يستحقون دخولها وقد يدركهم العفو
(طب عن آبى أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان ضعيف

(2/387)


2108 - (إن المجالس) أي أهلها (ثلاثة) أي ثلاثة أنواع (سالم وغانم وشاجب) بمعجمة وجيم أي هالك يقال شجب يشجب إذا هلك يعني إما سالم من الإثم وإما غانم للأجر وإما هالك آثم ذكره الزمخشري وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تتمته كما في الميزان واللسان وغيرهما فالغانم الذاكر والسالم الساكت والشاجب الذي يشغب بين الناس
(حم ع حب عن أبي سعيد) الخدري

(2/387)


2109 - (إن) النساء (المختلعات) أي اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع ويبذلن لأجله المال بلا عذر (والمتنزعات) أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق يقال نزع الشيء من يده جذبه ويحتمل أن المراد النساء اللاتي يأبين التزوج من قومهن ويؤثرن عليهن الأجانب. قال الزمخشري: من المجاز نساء نزائع تزوجن في غير عشائرهن وعنده نزيع ونزيعة نجيب ونجيبة من غير بلادة اه (هن المنافقات) أطلق عليهن اسم النفاق لمزيد الزجر والتهويل والتحذير من الوقوع في ذلك فيكره للمرأة الخلع إلا لعذر كالشقاق وكراهتها للزوج لقبح خلق أو خلق دنيوي أو ديني أو [ص:388] خوف تقصيرها في بعض حقه أو قصدها سفرا أو نحو ذلك
(طب عن عقبة بن عامر) الجهني وفيه قيس بن الربيع وثقه النووي وضعفه شعبة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي

(2/387)


2110 - (إن المرء كثير بأخيه وابن عمه) أي يتقوى بنصرتهما ويعتضد بمعونتهما فهو وإن كان قليلا في نفسه بانفراد فإنه يكثر بأخيه وابن عمه إذا ظاهراه على الأمر وساعداه عليه فكأنه كان قليلا حين انفراده كثيرا باجتماعه معهما وسيأتي لهذا مزيد بيان
(ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب المشهور بالجود الخارق للأجانب والأقارب

(2/388)


2111 - (إن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول أي خلقها الله (من ضلع) بكسر ففتح واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى (لن تستقيم لك) أيها الرجل (على طريقة) واحدة (فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج) (1) ليس منه بد (وإن ذهبت تقيمها) أي قصدت أن تسوي اعوجاجها وأخذت في الشروع في ذلك (كسرتها) قال في المصباح ذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقته وذهب في الدين مذهبا رأى فيه رأيا قال الزمخشري: ومن المجاز ذهب فلان مذهبا حسنا وفلان يذهب إلى قول الحنفية أي يأخذ به ثم فسر كسرها بقوله (وكسرها) هو (طلاقها) إشعارا باستحالة تقويمها أي إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها وهذا حث على الرفق بالنساء والصبر على عوجهن وتحمل ضعف عقولهن وأنه لا مطمع في استقامتهن وفيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه على عوجه وإلى ذلك يشير قوله سبحانه وتعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فلا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو بترك الواجب بل المراد تركها على عوجها في الأمور المباحة فقط وفيه ندب المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر عليهن وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها <تنبيه> قال ابن عربي: لما خلق الله جسم آدم ولم يكن فيه شهوة نكاح وقد سبق في علم الحق إيجاد التناسل في هذه الدار لبقاء النوع استخرج من ضلعه القصير حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل {وللرجال عليهن درجة} فلا تلحق بهم أبدا وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو على ولدها وزوجها فحنو الرجل عليها حنوه على نفسه لأنها جزؤه وحنوها عليه لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعمر الله المحل من آدم الذي خرجت منه الشهوة إليها لئلا يبقى في الوجود خلاه فلما عمره بالهوى فلذلك حن إليها حنينه على نفسه لأنها جزء منه فحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه فحبها حب وطنها وحبه حب نفسه فلذلك ظهر حب الرجل لها لكونها عينه وأعطيت القوة المعبر عنها بالحياء في محبة الرجل فقويت على الإخفاء وصور في ذلك الضلع جميع ما صور في جسم آدم ونفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة محلا للحرث لوجود الإنبات فسكن إليها وسكنت إليه فكانت لباسا له وكان لباسا لها {فتبارك الله أحسن الخالقين}
(م) في النكاح (ت) كلاهما (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) وبها عوج: ضبط بالفتح وبالكسر وهو أرجح قال شيخنا قال أهل اللغة العوج بالفتح في الأجسام المرئية وبالكسر في المعاني غير المرئية كالرأي والكلام

(2/388)


2112 - (إن المرأة خلقت من ضلع) بفتح اللام وقد تسكن (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) فإن ترد إقامة [ص:389] المرأة تكسرها وكسرها طلاقها (فدارها تعش بها) أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة
(حم حب ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه

(2/388)


2113 - (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة فنسبتها للشيطان لكون الشهوة من جسده وأسبابه والعقل من جند الملائكة والكل جند الله والعقل حزب الله {ألا إن حزب الله هم المفلحون} فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي: جعل صورة الشيطان ظرفا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر (وتدبر في صورة شيطان) لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضا بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فسادا لحصول المواجهة به (فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته) أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه (فليأت أهله) أي فليجامع حليلته (فإن ذلك) أي جماعها (يرد ما في نفسه) بمثناة تحتية أي يعكسه ويغلبه ويقهره وقال في النهاية: وروي بموحدة من البر وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينا لها وجمعا لقلبه ودفعا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب رضي الله تعالى عنها فقضى حاجته منها وخرج فذكره قال ابن العربي: هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سرا لم يعلمه إلا الله تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما وقد كان آدميا وذا شهوة لكنه كان معصوما عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة قال ابن العربي: وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين
(حم م) كلهم في النكاح (عن جابر) ورواه عنه النسائي ولم يخرجه البخاري

(2/389)


2114 - (إن المرأة تنكح لدينها) أي صلاحها (ومالها وجمالها فعليك بذات الدين) ولا تلتفت لدينك في جنبه لأنه الأهم الواجب التقديم (تربت يداك) أي افتقرتا إن لم تفعل قال الزمخشري: من المجاز تربت يداك أي خابت وخسرت انتهى قالوا وهذه الكلمات التي جاءت عن العرب صورتها دعاء ولا يراد بها الدعاء بل الحث والتحريض وأخذ منه المالكية أن المرأة تجبر على أن تجهز بقدر صداقها وزعموا أن عليا رضي الله تعالى عنه قضى بذلك
(حم م ت ن عن جابر) قال تزوجت امرأة ثيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال فذاك إذن ثم ذكره

(2/389)


2115 - (إن المسألة) أي الطلب من الناس أن يعطوه من أموالهم شيئا [ص:390] (لا تحل) حلا مستوي الطرفين وقد تجب (إلا لأحد ثلاثة لذي دم موجع) اسم فاعل من أوجع يعني ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل (أو لذي غرم مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة مكسورة وعين مهملة: شديد شنيع والمراد به ما استدانه لنفسه وعياله (أو لذي فقر مدقع) بالقاف أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر وقيل هو سوء احتمال الفقر وهذا قاله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأخذ أعرابي بطرف رداءه فسأله إياه فأعطاه ثم ذكره قال النووي: اتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة وفي سؤال القادر على الكسب وجهان أصحهما يحرم والثاني يجوز بكراهة بشرط أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل السؤال ولا يؤذي فإن فقد شرط منها حرم
(حم 4 عن أنس) قال المناوي وغيره: فيه الأخضر بن عجلان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم يكتب حديثه

(2/389)


2116 - (إن المسجد لا يحل) المكث فيه (لجنب ولا حائض) ومثلهما النفساء فيحرم مكث كل منهم فيه عند الأئمة الأربعة ويباح عبوره وهو حجة على المزني وداود وابن المنذر في زعمهم جوازه مطلقا أو بشرط الوضوء على الخلاف بينهم
(هـ عن أم سلمة) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلا صوته فذكره

(2/390)


2117 - (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم) في مرضه أي زاره فيه وتعهد حاله (لم يزل في مخرقة (1) الجنة) أي بساتينها الزهية وروضاتها البهية شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر قال شمر: المخرقة سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء والخريف بفتح فكسر البستان من نخل (حتى يرجع) أي حتى يذهب إلى العيادة ثم يعود إلى محله وفيه إيذان بأنه كل ما كان محل المريض أبعد كانت العيادة أكثر ثوابا لكن ما يوهمه من فضل طول المكث عند المريض غير مراد كما بينته أخبار الأمر بالتخفيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم وغيره قيل يا رسول الله وما مخرقة الجنة قال جناها
(حم م) في الأدب (ت) في الجنائز (عن ثوبان) ولم يخرجه البخاري ولا خرج في صحيحه عن ثوبان
_________
(1) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وقيل المخرقة الطريق أي أنه على طريق يؤديه إلى طرق الجنة

(2/390)


2118 - (إن المظلومين) في الدنيا (هم المفلحون) أي الفائزون (يوم القيامة) بالأجر الجزيل والنجاة من النار ورفع الدرجات في دار الاختيار والانتقام لهم ممن ظلمهم والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب) له (ورسته) بضم الراء بضبط المصنف (في) كتاب (الإيمان) له كلاهما (عن أبي صالح) عبد الرحمن بن قيس تابعي جليل (الحنفي) بفتح الحاء والنون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار ينسب إليها خلق كثير (مرسلا)

(2/390)


2119 - (إن المعروف) قال في المصباح وهو الخير والرفق والإحسان (لا يصلح إلا لذي دين) بكسر الدال أي لصاحب قدم [ص:391] راسخ في الإسلام (أو لذي حسب) بفتحتين أي لصاحب مآثر حميدة ومناقب شريفة (أو لذي حلم) بكسر فسكون أي صاحب تثبت واحتمال وغفر وأناة والظاهر أن مقصود الحديث أن المعروف لا يصدر إلا ممن اتصف بهذه الأوصاف أو ببعضها ويحتمل أن المراد لا يليق فعله إلا مع من اتصف بذلك بخلاف نحو فاسق ودنيء ولئيم وأحمق
(طب وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الجنابري وهو متروك انتهى فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه واستيعاب مخرجه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة إذ منهم البيهقي رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال في إسناده من يجهل

(2/390)


2120 - (إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة) يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة تلزمه مؤونته شرعا فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتحملها على قدر طاقته وقام بحقها وعاين من فنون الدنيا ما أمر به لأجلها أمده الله بمعونته ورزقه من حيث لا يحتسب بقدرها وعماد ذلك طلب المعونة من الله تعالى بصدق إخلاص فهو حينئذ مجاب فيما طلب من المعونة فمن كانت عليه مؤونة شيء فاستعان الله عليها جاءته المعونة على قدر المؤونة فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبدا وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول الله وقوته وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال (1) (وإن الصبر يأتي من الله) للعبد المصاب (على قدر المصيبة) فإن عظمت المصيبة أفرغ الله عليه صبرا كثيرا لئلا يهلك جزعا وإن خفت خفف بقدرها. أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما والمعونة كما في الصحاح وغيره الإعانة وفي المصباح كغيره العون الظهر والاسم المعونة والمعانة أيضا بالفتح ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية وقيل هي فعولة وقال الزمخشري: تقول أي العرب إذا قلت المعونة كثرت المؤونة وفي الصحاح المؤونة تهمز ولا تهمز ومانت القوم احتملت مؤونتهم وفي المصباح المؤونة الثقل وفيها لغات والمراد أن من احتاج إلى مؤونة كثيرة لكثرة عياله يفاض عليه من المعونة ما يقوم بهم ومن قلت عياله اقتصر عليه بقدر حاجياتهم
(الحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه طارق بن عمار قال البخاري لا يتابع على حديثه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك قال والحديث غريب
_________
(1) أي فلا يخشى الإنسان الفقر من كثرة العيال فإن الله يعينه على مؤونتهم بل يندب له أن يعمل على ما فيه تكثيرهم اعتمادا على الله

(2/391)


2121 - (إن المقسطين) أي العادلين يقال قسط أي جار وهو أن يأخذ قسط غيره أي نصيبه وأقسط إذا عدل والهمزة للسلب (عند الله) عندية تعظيم وتكريم لا عندية مكان تعالى الله عما يقول الظالمون (يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء ومحل التجلي (على منابر) جمع منبر سمي منبرا لارتفاعه (من نور) من أجسام نورانية حقيقة أو هو كناية عن الدرجات العلية الرفيعة (عن يمين الرحمن) شبههم في دنوهم من الله وعلو منزلتهم بمن يجلس على الكراسي عن يمين [ص:392] الملك فإنه يكون أعظم الناس قدرا وأرفعهم منزلة ثم نزهه سبحانه عما يسبق إلى فهم من لم يقدر الله حق قدره من مقابلة اليمين باليسار وكشف عن حقيقة المراد بقوله (وكلتا يديه يمين) أي ليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال وتثنية اليدين للاستيعاب كقوله {ثم ارجع البصر كرتين} لبيك وسعديك والخير كله بيديك. وقال القاضي: إنما قال وكلتا يديه يمين دفعا لتوهم من يتوهم أن له يمينا من جنس أيماننا التي يقابلها يسار وأن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من الله فاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلى محل من مجلس السلطان بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء (الذين يعدلون) صفة كاشفة للمقسطين أو صفة مادحة أو بدل منه أو استئناف كأنه قيل من هؤلاء الذين فازوا بالقدح المعلى قيل الذين يعدلون (في حكمهم) أي فيما قلدوا من خلافة أو إمارة أو قضاء (وأهلهم) أي وفي القيام بالواجب لأهلهم من الحقوق على أي تفسير فسر الأهل من أزواج وأولاد وأرقاء وأقارب وأصحاب أو المجموع قال البعض: والعدل عبارة عن التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وذلك واجب الرعاية في كل شيء (وما ولوا) بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية كنظر على وقف أو يتيم أو صدقة وأصله وليوا فاعل وروي ولوا بشد اللام على بناء المجهول أي جعلوا والين عليه فقدم قوله في حكمهم ليشمل من بيده أزمة الشرع ثم أردفه بالأهل لتناول كل من في مؤونته أقارب أو عيال وختم بقوله وما ولوا ليستوعب كل من تولى شيئا من الأمور فيشمل نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر به <تنبيه> قال الطيبي: قوله عند الله خبر إن أي المقسطين مقربون عند الله وعلى منابر يجوز كونه خبرا بعد خبر وحالا من الضمير المستقر في الظرف ومن نور صفة مخصصة لبيان الحقيقة وفي عن يمين الرحمن صفة أخرى لمنابر ويجوز كونه حالا بعد حال على التداخل
(حم م) في المغازي (ن) في القضاء (عن ابن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري

(2/391)


2122 - (إن المكثرين) مالا (هم المقلون) ثوابا وفي رواية إن الأكثرين هم الأقلون (يوم القيامة) وحذف تمييز المكثرين والمقلين ليعم هذا المقدر وغيره مما يناسب المقام وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصدق كما دل عليه بقوله (إلا من أعطاه الله خيرا) أي مالا حلالا لقوله تعالى {إن ترك خيرا} (فنفح) بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بلا تكلف (فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) يعني ضرب يديه بالعطاء لفقر الجهات الأربع ولم يذكر ما بقي من الجهات وهو فوق وتحت لندرة الإعطاء من قبلهما وإن كان ممكنا وفسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل القصد الصحيح الإخفاء (وعمل فيه خيرا) أي حسنة بأن صرفه في وجوه البر وضروب القربات وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول المال والثاني القربة فمن وفق لذلك هو الذي يرجى له الفلاح والنجاح وأما من أعطى مالا ولم يلهم فيه ذلك فهو من الهالكين وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقليل ما هم
(ق عن أبي ذر) الغفاري

(2/392)


2123 - (إن الملائكة) يحتمل أن المراد الكل ويحتمل من في الأرض منهم (لتضع أجنحتها) جمع جناح بالفتح وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان (1) قال الزمخشري: ومن المجاز خفض له جناحه (لطالب العلم) الشرعي للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه الله تعالى (رضى بما يطلب) وفي رواية بما يصنع ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه [ص:393] أو توقيره وتعظيمه. أو إعانته على بلوغ مقاصده أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم أو عن تواضعها ودعائها له يقال للرجل المتواضع خافض الجناح قال السيد السمهودي: والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات وذلك لأنه سبحانه وتعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام لما أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة فسألته على جهة الاستعظام لخلقه أن خلقا يكون منهم الفساد وسفك الدماء كيف يكون خليفة فقال {إني أعلم ما لا تعلمون} وقال لآدم عليه السلام {أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم} تصاغرت الملائكة فرأت فضل آدم فألزمها الخضوع والسجود لفضل العلم فسجدت فتأدبت فكلما ظهر علم في بشر خضعت له وتواضعت إعظاما للعلم وأهله هذا في طلابه فكيف بأخباره
<فائدة> روى النووي في بستانه بإسناده عن زكريا الساجي كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض المحدثين فأسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها - كالمستهزئ - فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأي العين لأن رواتها أعلام وراويها إمام ثم قال النووي بالإسناد إلى الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن أبي داود قال كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث إن الملائكة تضع أجنحتها إلخ فجعل في نعله ورجله مسامير حديد وقال: أريد أطؤ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله قال: وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في شرح مسلم هذه الحكاية وقال فيها فشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه
(الطيالسي) أبو داود (عن صفوان بن عسال) بمهملتين مشدد: المرادي نزيل الكوفة روى عنه ابن مسعود مع جلالته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لغير الطيالسي ممن هو أشهر وأحق بالعزو وهو تقصير أو قصور بل الصديق الثاني للإمام أحمد الشيباني وابن حبان والحاكم
_________
(1) لكن لا يلزم أن تكون أجنحة الملائكة كأجنحة الطائر

(2/392)


2124 - (إن الملائكة لتصافح) أي بأيديها أيدي (ركاب) جمع راكب (الحجاج) حجا مبرورا وسبق أن المصافحة إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال بالوجه على الوجه (وتعتنق) أي تضم وتلتزم (المشاة) منهم مع وضع الأيدي على العنق والظاهر أن هذا كناية عن مزيد ابتهالهم لهم في الاستغفار والدعاء وأنهم للمشاة أكثر استغفارا ودعاء ولا مانع من كونه حقيقة ولا يقدح فيه عدم مشاهدتنا لأن الملائكة أنوار هفافة وفيه إيذان بأن الحج ماشيا أفضل وبه قال جمع وفضل آخرون الركوب ومقصود الحديث الترغيب في الحج والازدياد منه وهل مثل الحاج المعتمر؟ فيه تأمل
(هب عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا إسناد فيه ضعف هذه عبارته فحذفه لذلك من كلامه من سوء التصرف وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي وإن كان المحاربي فمتروك الحديث كما قال الأزدي وإن كان القرشي فوضاع كذاب كما قال ابن حبان

(2/393)


2125 - (إن الملائكة لتفرح) أي تسر وترضى من الفرح وهو لذة القلب بنيل مراده (بذهاب الشتاء) أي بانقضاء فصل الشتاء (رحمة) منهم (لما يدخل على فقراء المسلمين) وفي رواية رحمة للمساكين وفي رواية لما يدخل على فقراء أمتي (فيه من الشدة) أي من شدة مقاساة البرد لفقدهم ما يتقون به ولما يلحقهم من مشقة التطهر بالماء البارد فيه ولذلك قال الزمخشري عن بعض التابعين وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها وعن بعضهم البرد عدو الدين وتقول العرب الشتاء ذكر والصيف أنثى لقسوة الشتاء وشدة غلظته ولين الصيف وسهولة شكيمته قال الزمخشري: وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس والصيف وإن تلظى قيظه وحمى صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء لما يلقونه فيه من الترح والبؤس ولهذا قيل لبعضهم ما أعددت للبرد قال: [ص:394] طول الرعدة وفظاظة الشدة وقال الأصمعي رأيت أعرابيا قد حفر قربوصا وقعد فيه في أول الشتاء قلت ما صيرك كذلك قال شدة البرد ثم قال:
يا رب هذا البرد أصبح كالحا. . . وأنت بصير عالم ما نعلم
لئن كنت يوما في جهنم مدخلي. . . ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
وقال بعضهم:
شتاء تقلص الأشداق منه. . . وبرد يجعل الولدان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها. . . فما يمشي بها إلا الدبيبا
وقال أبو عوانة: الشتاء في أوله أضر منه في آخره قال علي كرم الله وجهه توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله في الأشجار أوله يحرق وآخره يورق وأخرج المقريزي بسنده عن ابن عمر يرفعه خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم وأخرج أيضا عن قتادة لم ينزل عذاب قط من السماء على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء وعن عمر بن العلاء إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الضعفاء. دخل أعرابي خرسان فلقيه الشتاء فأقام بسمرقند فلما طاب الزمان عاد إلى البصرة فسأله أميرها عن خراسان فقال جنة في الصيف جهنم في الشتاء فقال: صف لي الشتاء بها قال: تهب الرياح وتضجر الأرواح وتدوم الغيوم وتسقط الثلوج ويقل الخروج وتفور الأنهار وتجف الأشجار والشمس مريضة والعين غضيضة والوجوه عابسة والأغصان ناعسة والمياه جامدة والأرض هامدة وأهلها يفرشون اللبود ويلبسون الجلود نيرانهم تنور ومراجلهم تفور لحاهم صفر من الدخان وثيابهم سود من النيران فالمواشي من البرد كالفراش المبثوث والجبال من الثلج كالعهن المنفوش فأما من كثرت نيرانه وخفت ميزانه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية فقال الأمير: ما تركت عذابا في الآخرة إلا وصفته لنا في الدنيا. وقال كعب الأحبار: أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن تأهب للعدو وقد أضلك قال يا رب ومن عدوي وليس يحضرني قال الشتاء. وعن الأصمعي كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم: القيظ أم القر؟ فقالت يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى. ثم إن هذا الحديث لا يعارضه خبر الديلمي عن أنس إن الملائكة لتفرح للمتعبدين في أيام الشتاء نهار قصير للصائم وليل طويل للقائم. اه. لأن جهة الفرح والترح مختلفة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي في رجاله معلى بن ميمون متروك وفي الميزان معلى بن ميمون ضعيف الحديث قال النسائي والدارقطني متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث وابن عدي أحاديثه مناكير ثم ساق منها هذا الحديث وفيه أيضا في ترجمة سعيد بن دهيم إنه خبر منكر وفي اللسان عن العقيلي غير محفوظ قال ولا يصح في متنه شيء

(2/393)


2126 - (إن الملائكة) أي ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر ونحوهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف طرفة عين وكذا ملائكة الموت لا تدخل بيتا يعني مكانا بينا أو غيره فيه تماثيل جمع تمثال وهي الصورة المصورة كما في الصحاح وغيره فالعطف للتفسير في قوله (أو صورة) أي صورة حيران تام الخلقة لحرمة التصوير ومشابهته بيت الأصنام وذلك لأن المصور يجعل نفسه شريكا لله في التصوير وهذا يفيد تحريم اتخاذ ذلك وتشديد النكير في شأنه وقد ورد في النهي أحاديث كثيرة
(حم ت حب عن أبي سعيد) الخدري

(2/394)


2127 - (إن الملائكة لا تدخل بيتا) يعني محلا (فيه كلب) لنجاسته فأشبه المبرز وهم منزهون عن محل الأقذار إذ هم أشرف خلق الله وهم المكرمون المتمكنون في أعلى مراتب الطهارة ويبنهما تضاد ما بين النور والظلمة ومن سوى نفسه بالكلاب فحقيق أن تنفر منه الملائكة وتعليلهم بذلك يعرفك أنه لا اتجاه لزعم البعض أنه خاص بكلب يحرم [ص:395] اقتناؤه بخلاف كلب نحو صيد أو زرع والكلب في الأصل اسم لكل سبع عقور ومنه خبر أما يخاف أن يأكله كلب الله فجاء الأسد فاقتلع هامته ثم غلب على هذا النوع النابح (ولا صورة) لأن الصورة فيها منازعة لله تعالى وهو الخالق المصور وحده فعدم دخولهم مكانا هما فيه لأجل عصيان أهله <تنبيه> قال الغزالي: القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأين تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب قال: ولست أقول المراد بلفظ البيت القلب وبالكلب الغضب والصفات المذمومة بل أقول هو تنبيه عليه ودخول من الظواهر إلى البواطن مع تقرير الظواهر فبهذه الدقيقة فارق الباطنية فإن هذا طريق الاعتبار ومسلك الأئمة الأبرار ومعنى الاعتبار أن تعبر مما ذكر إلى غيره فلا تقتصر عليه أي ما ذكر قال ولا تظن أن هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في دفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله {اخلع نعليك} وحاش لله فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ولم يفهموا وجهه كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ولذلك ورد للقرآن ظاهر وباطن وحد ومفطع بل أقول فهم موسى عليه السلام من الأمر بخلع النعلين إطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا لخلع نعليه وباطنا بطرح العالمين فهذا هو الاعتبار أي العبور من الشيء إلى غيره ومن الظاهر إلى السر وفرق بين من يسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول الكلب ليس كلبا لصورته بل لمعناه وهو السبعية والضراوة وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية أولى فأنا أجمع بين الظاهر والسر فهذا هو الكمال وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه انتهى كلام الغزالي وذكر الدخول والبيت غالبي وهذا اللفظ عام لكن خص بما هو غير منبوذ يوطأ ويداس فإن الرخصة وردت فيه
(هـ عن علي) أمير المءمنين رضي الله تعالى عنه وهو بمعناه في مسلم من حديث ابن عباس

(2/394)


2128 - (إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر) الإنسان (بخير) (1) فعل معه فجحده (ولا المتمضخ) أي الإنسان المتلطخ (بالزعفران) لحرمة ذلك على الرجل لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء وقرن بالكافر لاتباعه هواه ومخالفته (ولا الجنب) الذي اعتاد ترك الغسل تهاونا به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير الله تغليظ لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته فليس المراد أي جنب كان [ص:396] لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبا ويطوف على نسائه بغسل واحد وزعم أن المراد بالجنب من زنا: بعيد من السياق وتقييد للإطلاق بلا دليل. قال القاضي: والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر
(حم د عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة مكسورة (2)
_________
(1) قوله بخير أي ببشر بل يوعدونه بالعذاب الشديد والهوان الوبيل ويحتمل أن الباء في قوله بخير ظرفية بمعنى في كقوله تعالى {نجيناهم بسحر} أي في سحر أي لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حضور شر ونزول بؤس به وقال المناوي لا تحضر جنازة الكافر بخير فعل معه فستره وأنكره وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءا كاملا وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ بالله من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة للهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة
(2) قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي أي من كثرة العمل فخلقوني بزعفران فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه درع - بالدال والعين المهملتين - أي لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كل الغسل فسلمت عليه فرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وقال إن الملائكة: فذكره

(2/395)


2129 - (إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم) أي تستغفر له (ما دامت مائدته موضوعة) أي مدة دوام وضعها للأضياف ونحوهم والمائدة ما يمد ويبسط عليه الطعام كمنديل وثوب وسفرة قال القاضي: المائدة الخوان إذا كان عليه طعام من ماد الماء يميد إذا تحرك أو ماده إذا أعطاه كأنه يميد من يقدم عليه ونظيره شجرة مطعمة انتهى وظاهر الخبر أن الأكل على المائدة محبوب لا مرهوب وكأني بك تقول يشكل بقولهم لم يأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم على خوان فنقول كلا لا إشكال إذ المائدة ما يمد للأكل عليه كما تقرر وأما الخوان فهو المرتفع من الأرض بقوائمه والسفرة ما أسفر عما في جوفه لأنها مضمونة بمعاليقها ثم إن سؤال الملائكة ربهم أن يغفر لعبده من الأسباب الموجبة للمغفرة له فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يشاء بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإذ أشكل عليك فانظر إلى الأسباب الموجبة لمحبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب والكل منه وإليه وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد وفيه حث على الجود وكثرة الإطعام
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عائشة) ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن عائشة فاقتصار المؤلف على الحكيم غير مرضي وجزم الحافظ العراقي كالمنذري بضعفه وقال البيهقي في الشعب بعد ما خرجه تفرد به بندار بن علي

(2/396)


2130 - (إن الملائكة صلت على آدم) أي بعد موته صلاة الجنازة (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات وهذا يوضحه ما رواه الحاكم عن رفعة لما أحضر آدم قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة وقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم فلما رأتهم حواء ذعرت وجعلت تدنو إلى آدم عليه الصلاة والسلام وتلتصق به فقال إليك عني فمن قبلك أتيت خلي بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فافعلوا وفيه أن صلاة الجنازة ليست من خصائصنا لكن حمله بعضهم على الأصل لا الكيفية
(الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الخطيب باللفظ المذكور ورواه الطبراني بلفظ إن الملائكة غسلت آدم عليه الصلاة والسلام وكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم ورواه الدارقطني عن أبي بن كعب بلفظ إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم. قال الفرياني: وفيه داود بن المحبر وضاع عن رحمة بن مصعب قال ابن معين ليس بشيء وله طريق أخرى فيها خارجة

(2/396)


2131 - (إن الموت فزع) بفتح الزاي قال البيضاوي: مصدر وصف به للمبالغة أو تقديره ذو فزع أي خوف قال [ص:397] ويؤيد الثاني رواية إن للموت فزعا أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس قال وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلل الأمل من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) ندبا لتهويل الموت قال القاضي: الباعث على القيام أحد أمرين إما ترجيب الميت وتعظيمه وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتا استشعارا منه ورعبا ويشهد للثاني قوله فإذا رأيتم إلخ لأن ترتب الحكم على الوصف سيما إذا كان بالغا يدل على أن الوصف علة للحكم انتهى وفي رواية إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة فقالوا: يا رسول الله يهودي قال أليس نفسا قال النووي في شرح مسلم ومشهور ومذهبنا أن القيام غير مستحب قالوا هو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوم ثم تركه وبه أي بمذهب الشافعي قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يكره القعود حتى توضع وفي المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب
(حم م هـ) في الجنائز (عن جابر) قال مرت جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية فذكره ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ

(2/396)


2132 - (إن الموتى ليعذبون) أي من يستحق العذاب منهم (في قبورهم) فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير (لتسمع أصواتهم) وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه الله: وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين وليس في آية {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله {لا يذوقون فيها} الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله {لا يذوقون فيها} الآية. وجوابه أن معنى قوله {لا يذوقون فيها الموت} أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح

(2/397)


2133 - (إن الميت ليعذب ببكاء الحي) والمعنى هو البكاء المذموم بأن اقترن بنحو ندب أو نوح وكان متسببا عن وصيته (1) أو أراد بالميت المشرف على الموت والتعذيب أنه إذا احتضر والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت فيصير معذبا به قال العراقي: والأولى أن يقال سماع صوت البكاء هو نفس العذاب كما أنا نعذب ببكاء الأطفال فالحديث على ظاهره بغير تخصيص وصوبه الكرماني وقال في باقي الوجوه تكلف وقيل أراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يوصفه أهله به أو تألمه بما يقع من أهله قال بعض الأعاظم وبما تقرر عرف خطأ من حمد عندما سمع {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أو غلط رواة هذا الخبر وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما قال ابن تيمية: وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد واعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك إلى هنا كلامه
(ق عن عمر) بن الخطاب لكنه في البخاري بعض حديث ولفظه " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ومسلم رواه مستقلا بهذا اللفظ فجعله في الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم سهو نشأ عن عدم تأمل ما في البخاري لكونه في ذيل حديث قال المصنف هذا متواتر
_________
(1) أي كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة بن العبد لزوجته: إذا مت فانعيني بما أنا أهله. . . وشقي علي الجيب يا أم معبد

(2/397)


[ص:398] 2134 - (إن الميت) ولو أعمى (يعرف من يحمله) من محل موته إلى مغتسله (ومن يغسله) ومن يكفنه (ومن يدليه في قبره) ومن يلحده فيه وغير ذلك وإنما نبه بالمذكورات على ما سواها وذلك لأن الموت ليس بعدم محض والشعور باق حتى تمام الدفن حتى أنه يعرف زائره كما في عدة آثار بل في بعض الأخبار ونقل القرطبي عن ابن دينار أنه ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى بدنه كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به وكيف يقبر قال ويقال له على سريره اسمع ثناء الناس عليك ذكره أبو نعيم وحكى النووي في بستانه أن الفقيه محمدا النووي مات فقرأ له ختمة قرآن فرآه فقال له أنت في الجنة قال اليوم لا ندخلها بل نتنعم في غيرها أي وإنما ندخلها بعد الساعة فلا يدخلها اليوم إلا الأنبياء والشهداء قال فقلت له جاء أن الروح ترجع للبدن قبل سؤال منكر ونكير فهل رجوعها للبدن بعد الوضع في القبر أو قبله حال حمل الميت على النعش قال بعد الوضع في القبر فإن قلت هذا يناقضه خبر إن الروح إذا قبض صعد بها الملائكة حتى تجاوز السماوات السبع فتوقف بين يدي الله وتسجد له قلت لا تعارض لإمكان أن يصعد بها حتى يقضي الله فيها قضاءه ثم يهبط ليشهد غسله وحمله ودفنه وإنما يغلط أكثر الناس في هذا وأمثاله حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكانا لا يمكن أن تكون بغيره بل الروح لها اتصال بالبدن والقبر وجرمها في السماء كشعاع الشمس ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس <تنبيه> قال الغزالي: إنما يشاهد غسله ودفنه من كان على شريعتنا أما المشرك فلا يرى شيئا من ذلك لأنه قد هوى به وأخرج ابن أبي الدنيا عن امرأة أيوب بن عتبة قالت رأيت سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخي أيوب عني خيرا فإنه يزورني كثيرا وقد كان عندي اليوم فقال أيوب نعم حضرت اليوم جنازة فوهبت لقبره وأفتى الحافظ ابن حجر أن الميت يعلم من يزوره فإن الأرواح مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين ومن يستبعد ذلك قياسه له على المشاهدة من أحوال الدنيا وأحوال البرزخ لا تقاس على ذلك
(حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه رجل لم أجد من ترجمه اه وظاهر حاله أنه لم ير فيه ممن يحمل عليه إلا ذلك للمجهول وهو غير مقبول ففيه إسماعيل بن عمرو البجلي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه عن فضيل بن مرزوق وقال أعني الذهبي وضعفه ابن معين عن عطية فإن كان العوفي فضعفوه أيضا وابن عارض فلا يعرف أو الطفاوي فضعفه الأزدي وغيره

(2/398)


2135 - (إن الميت إذا دفن سمع حفق نعالهم) أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له (إذا ولوا عنه منصرفين) في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم: والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه <تنبيه> أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعدا وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شيء به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر
(طب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال الهيثمي رجاله ثقات

(2/398)


[ص:399] 2136 - (إن الناس) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العافية (إذا رأوا الظالم) أي علموا بظلمه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول. قال ابن جرير: وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى {عليكم أنفسكم} فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل الله السلامة. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها
(د ت هـ) كلهم في الفتن (عن أبي بكر) الصديق قال أبو بكر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} الآية وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إلخ قال النووي رضي الله عنه في الأذكار والرياض أسانيده صحيحة رواه عنه أيضا النسائي في التفسير واللفظ لأبي داود
_________
(1) أي ومما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي

(2/399)


2137 - (إن الناس دخلوا في دين الله) أي طاعته التي يستحقون بها الجزاء (أفواجا) جمع فوج وهو الجماعة من الناس وقيل زمرا أمة بعد أمة وقيل قبائل (وسيخرجون منه أفواجا) كما دخلوا فيه كذلك وهذا من جنس الخبر المار إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء
(حم) من حديث شداد بن أبي عمار قال: حدثني جار لجابر (عن جابر) قال: قدمت من سفر فجاءني جابر ليسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح

(2/399)


2138 - (إن الناس لكم تبع (1)) أي تابعون فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو رجل عدل ذكره الطيبي وقال المظهر: لكم خطاب للصحب (وإن رجالا يأتونكم) عطف على إن الناس (من أقطار الأرض) أي جوانبها ونواحيها جمع قطر بالضم وهو الجانب والناحية (يتفقهون في الدين) جملة استئنافية لبيان على الإتيان أو حال من الضمير المرفوع في يأتوكم (فإذا أتوكم فاستوصوا بهم [ص:400] خيرا) أي اقبلوا وصيتي فيهم يعني الناس يأتوكم من أقطار الأرض وجوانبها يطلبون العلم منكم بعدي لأنكم أخذتم أفعالي وأقوالي واتبعتموني فيها فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا وأمروهم بالخير وعظوهم وعلموهم علوم الدين. والاستيصاء قبول الوصية وبمعنى التوصية أيضا وتعدى بالباء. قال البيضاوي: وحقيقة استوصوا اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم. وقال الطيبي: هذا من باب التجريد أي ليجرد كل واحد منكم شخصا من نفسه ويطلب منه الوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم والمراد حق على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها متابعتكم وحق عليهم أن يأتوكم جميعا ويأخذوا عنكم أمر دينهم فإذا لم يتمكنوا منه فعليهم أن يستنفروا رجالا يأتوكم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فالتعريف في الناس لاستغراق الجنس والتنكير في رجالا للنوع أي رجالا صفت نياتهم وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم وإرشاد الخلق وفي تصدير الجملة الشرطية بإذا التحقيقية تحقيق للوعد وإظهار للإخبار عن الغيب ولهذا قال العلائي: ذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد حفظ الله بذلك الدين وكان بعض الصحب إذا أتاه طالب قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون الطالب عنده أعز الناس عليه وأقرب من أهله إليه ولذلك كان علماء السلف يلقون شبك الإجتهاد لصيد طالب ينفع الناس في حياتهم وبعدهم وأن يتواضع مع طلبته ويرحب بهم عند إقبالهم عليه ويكرمهم ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم ويعاملهم بطلاقة وجه وظهور بشر وحسن ود ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ومن ظهرت أهليته من ذوي البيوت ونحوهم (2)
(ت هـ عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان ضعيف فيه أبو هارون العبدي كذاب قال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون العبدي وقال الذهبي تابعي ضعيف وقال مغلطاي: ورد من طريق غير طريق الترمذي حسن بل صحيح انتهى وبذلك يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره هذا الطريق المعلول واقتصاره عليه
_________
(1) وأوله كما في الترمذي عت هارون قال كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الناس إلخ
(2) فائدة: روى البيهقي في الشعب والبخاري في التاريخ عن أيوب بن المتوكل قال: كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئا أراه أنه استفاد منه وإذا افاد غنسانا شيئا لم يره أنه أفاده وثيت ايضا عن الشافعي كان يقول: وددت أن يؤخذ هذا العلم عني ولا ينسب إلي
تنبيه: هذه الحاشية موجودة في أصل الكتاب (ص 400) ولم يذكر هناك رقمها ضمن الشرح فأبقينا الحاشية وجعلنا رقمها (2) في أنسب مكان وجدناه ملائما لهذه الفائدة ضمن شرح المناوي والله أعلم بالصواب. دار الحديث

(2/399)


2139 - (إن الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات) أي على حسب غدوهم إليها والرواح يكون بمعنى الغدو كما هنا وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في آية {غدوها شهر ورواحها شهر} أي ذهابها ورجوعها ومن فهم أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار فقد وهم فالمبكرون إليها في أول الساعة أقربهم إلى الله تعالى ثم من يليهم على الترتيب المعروف وهذا حث عظيم على التبكير للجمعة ورد لقول من زعم عدم سن التبكير لها كمالك ونص على تفاوت مراتب الناس في الفضل بقدر أعمالهم (الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع) وهذا قال أبو زرعة فيه إن مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وهو من بات قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وهو صريح في رد ذهاب مالك إلى أن تأخير الذهاب إلى الزوال أفضل وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة منهم أحمد بل وبعض أتباعه كابن حبيب
(هـ) عن كثير عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود) قال علقمة خرجت مع ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة نفر سبقوه فقال رابع أربعة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وعبد المجيد هذا خرج له مسلم والأربعة لكن أورده الذهبي في [ص:401] الضعفاء وقال قال ابن حبان يستحق الترك وقال أبو داود داعية إلى الإرجاء ثقة

(2/400)


2140 - (إن الناس لا يرفعون شيئا) أي بغير حق أو فوق منزلته التي يستحقها (إلا وضعه الله تعالى) أي في الدنيا والآخرة هذا هو المتبادر من معنى الحديث مع قطع النظر عن ملاحظة سببه وهو أن ناقة المصطفى صلى الله عليه وسلم العضباء أو القصوى كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فذكره فالملائم للسبب أن يقال في قوله لا يرفعون شيئا أي من أمر الدنيا وبه جاء التصريح في رواية
(هب عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على المشهور وقيل بكسرها المخزومي أحد الأعلام (مرسلا) أرسل عن عمر وغيره وجلالته معروفة وإسناده صحيح

(2/401)


2141 - (إن الناس لم يعطوا) بالبناء للمفعول (شيئا) من الخصال الحميدة (خيرا من خلق) بالضم (حسن) فإن حسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجات الأخيار في هذه الدار ودار القرار. قال حجة الإسلام: لا سبيل إلى السعادة الأخروية إلا بالإيمان وحسن الخلق فليس للإنسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا وأفضل زادها بعد الإيمان حسن الخلق وبحسن الخلق ينال الإنسان خير الدنيا والآخرة. وقال بعض الحكماء: لحسن الخلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة ولسيء الخلق من نفسه في عناء والناس منه في بلاء. وقال بعضهم: عاشر أهلك بحسن الأخلاق فإن السوء فيهم قليل وإذا حسنت أخلاق المرء كثر مصادقوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب وقال الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق قال الماوردي وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلام
(طب عن أسامة بن شريك) الثعلبي بالمثلثة والمهملة الذبياني الصحابي قال ابن حجر تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح

(2/401)


2142 - (إن النبي) صلى الله عليه وسلم أل عهدية أو جنسية أراد به هنا الرسول بقرينة قوله (لا يموت حتى يؤمه بعض أمته) والنبي غير الرسول لا أمة له والمراد لا يموت حتى يصلي به بعض أمته إماما وقد أم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق بل وعبد الرحمن بن عوف في تبوك في الصبح
(حم ع عن أبي بكر) الصديق

(2/401)


2143 - (إن النذر) (1) بمعجمة وهو كما قال الراغب إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر (لا يقرب) بالتشديد أي يدني (من ابن آدم) وفي رواية البخاري لا يقدم (شيئا لم يكن الله تعالى قدره له) هذا إشارة إلى تعليل النهي عن النذر (ولكن النذر يوافق القدر) أي قد يصادف ما قدره الله في الأزل (فيخرج ذلك من) مال (البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج) قال البيضاوي: عادة الناس النذر على تحصيل نفع أو دفع ضر فنهى عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد التقرب بادر والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا بعوض فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له فيعلقه على جلب نفع أو دفع ضر فلا يعطي إلا إذا لزمه النذر والنذر لا يغني من ذلك شيئا فلا يسوق له قدرا لم يكن مقدورا ولا يرد شيئا من القدر
(م هـ) في الأيمان والنذور (عن أبي هريرة) وخرجه [ص:402] البخاري بمعناه
_________
(1) النذر لغة الوعد بخير أو شر وشرعا قبل الوعد بخير خاصة وقبل التزام قربة لم تكن واجبة عينا

(2/401)


2144 - (إن النذر) قال الحرالي: وهو إبرام العدة بخير مستقبل فعله أو يرتقب له ما يلتزم به وهو أدنى الإنفاق سيما إذا كان على وجه الإشتراط (لا يقدم شيئا ولا يؤخر (1)) شيئا من المقدور (وإنما يستخرج به من البخيل) بل مثاله في موافقة القدر الدعاء فإن الدعاء لا يرد القضاء لكن منه القدر لكن الدعاء منذور والنذر مندوب
(حم ك) في النذر (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) وقال النووي إنه منهي عنه قال المتولي إنه قربة وهو قضية قول الرافعي إنه قربة فلا يصح من الكافر وقول النووي النذر عمدا في الصلاة: لا يبطلها لأنه مناجاة لله كالدعاء وأجيب عن النهي بحمله على ما ظن أنه لا يلتزم بما التزمه وقال ابن الرفعة هو قربة في البر

(2/402)


2145 - (إن النهبة) كفرقة اسم للمنهوب من الغنيمة أو غيرها لكن المراد هنا الغنيمة (لا تحل) لأن الناهب إنما يأخذ على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه ويبخس بعضهم حظه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم فإذا انتهبوا الغتيمة بطلت الغنيمة وفاتت التسوية واستثنى من ذم النهبة انتهاب النثار في العرس لخبر فيه (1)
(هـ حب ك عن ثعلبة) بفتح المثلثة بلفظ الحيوان المشهور (بن الحكم) الليثي صحابي شهد حنينا ونزل الكوفة قال أصبنا غنما للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم ذكره ورواه الطبراني بلفظه عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات
_________
(1) هو ما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك - أي نكاح - فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا أيدينا فقال ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فخذوا على اسم الله قال فجاذبنا وجاذبناه

(2/402)


2146 - (إن النهبة) من القيامة ومثلها غيرها من كل حق للغير إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ليست بأحل من الميتة) أي ما يأخذه فوق حقه باختطافه من حق أخيه الضعيف عن مقاومته حرام كالميتة فليس بأحل منها أي أقل إثما منها في الأكل بل هما سيان ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره قدم الميتة
(د عن رجل) من الأنصار وسبق أن جهالة الصحابي لا تضر لأنهم عدول

(2/402)


2147 - (إن الهجرة) أي النقلة من دار الكفر إلى دار الإسلام (لا تنقطع) أي لا ينتهي حكمها (ما دام الجهاد) باقيا كذا هو بخط المصنف ما دام والذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في افصابة معزوا لأحمد ما كان ولعله الصواب فيكره الإقامة بدار الكفر إلا لمصلحة دينية
(حم) من طريق يزيد عن أبي الخير عن حذيفة البارقي (عن جنادة) بضم الجيم وخفة النون بضبط المصنف كغيره وهو ابن أبي أمية الأزدي قال جنادة إن رجالا من الصحابة قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الهجرة إلخ قال في الكاشف: جنادة مختلف في صحبته وفي الإصابة بعد ما ساق له هذا الحديث وحديث آخر والخبران صحيحان دالان على صحة صحبته اه وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح

(2/402)


2148 - (إن الهدى الصالح) بفتح الهاء وقد تكسر وسكون الدال الطريقة الصالحة قال الخطابي: وهدى الرجل حاله [ص:403] وسيرته (والسمت الصالح) الطريق المنقاد (والاقتصاد) أي سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق وعلى سبيل تمكن إدامته (جزء من خمسة وعشرين جزءا) وفي رواية أكثر وفي أخرى أقل وسيجيء (من النبوة) أي هذه الخصال منحها الله أنبيائه فهي من شمائلهم وفضائلهم فاقتدوا بهم فيها لا أن النبوة تتجزأ ولا أن جامعها يكون نبيا إذ النبوة غير مكتسبة (1) وتأنيث خمس على معنى الخصال
(حم د عن ابن عباس) قال في المنار: فيه قابوس بن ظبيان ضعيف محدود في القربة وفي المهذب فيه قابوس ضعيف
_________
(1) أي بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد خنمت بمحمد صلى الله عليه وسلم وانقطعت بعده ويحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله تعالى لباس التقوى الذي يلبسه أنبياءه فكأنها جزء من النبوة

(2/402)


2149 - (إن الود) أي المودة يعني المحبة (يورث والعداوة تورث) أي يرثها الأبناء عن الآباء وهكذا ويستمر ذلك في السلالة جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وهذا شيء كالمحسوس وإطلاق الإرث على غير المال ونحوه من التركة التي يخلفها المورث مجاز كما يفيده قول الزمخشري: من المجاز أورثه كثرة الأكل التخم والأدواء وأورثته الحمى ضعفا وهو في إرث مجد والمجد متوارث بينهم
(طب عن عفير) بالتصغير رجل من العرب كان يغشى أبا بكر فقال له أبو بكر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الود فذكره ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك

(2/403)


2150 - (إن الولد مبخلة مجبنة) بفتح الميم فيهما مفعلة أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه حتى يبخلا بالمال لأجله ويتركا الجهاد بسببه. قال الماوردي: أخبر بهذا الحديث أن الحذر على الولد يكسب هذه الأوصاف ويحدث هذه الأخلاق وقد كره قوم طلب الولد كراهة لهذه الحالة التي لا يقدر عليها دفعها من نفسه للزومها طبعا وحدوثها حتما. قيل ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ما لك تكره الولد قال: ما لي وللولد إن عاش كدني وإن مات هدني
(هـ عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن مرة) بضم الميم وشد الراء ابن وهب بن جابر الثقفي ويقال العامري قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما وذكره قال الحافظ العراقي إسناده صحيح

(2/403)


2151 - (إن الولد مبخلة) بالمال عن إنفاقه في وجوه القرب (مجبنة) عن الهجرة والجهاد (مجهلة) لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له (محزنة) يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا وإن طلب شيئا لا قدرة لهما عليه حزنا فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه فإن شب وعق فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي اللازم
(ك) في الفضائل (عن الأسود بن خلف) ابن عبد يغوث القرشي من مسلمة الفتح قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح (طب عن خولة) بفتح المعجمة ويقال لها أيضا خويلة بالتصغير (بنت حكيم) ابن أمية السلمية يقال لها أم شريك صحابية مشهورة يقال لها الواهبة نفسها وقيل بل غيرها قالت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حسنا فقبله ثم ذكره قال الذهبي إسناده قوي

(2/403)


[ص:404] 2152 - (إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه) أي تخضع وتذل كما يخضع ويذل الوجه (فإذا وضع أحدكم وجهه) يعني جبهته على الأرض في السجود (فليضع يديه) على الأرض في سجوده (فإذا رفعه فليرفعهما) فوضع اليدين واجب في السجود وهو الأصح عند الشافعية وأراد باليدين بطون الراحتين والأصابع ويجب أيضا وضع الركبتين وأطراف القدمين كما مر
(د ن ك) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي

(2/404)


2153 - (إن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي أصله اليهوديين حذفت ياء النسبة (والنصارى) جمع نصراني بفتح النون قال الملوي: اليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام والنصارى من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام (لا يصبغون) لحاهم وشعورهم وهو بضم الباء وفتحها لغتان (فخالفوهم) بأن تصبغوها ندبا وقيل وجوبا بنحو حناء أو غيره مما لا سواد فيه ولا يعارضه النهي عن تغيير الشيب لأن الأمر بالتغيير لمن كان شيبه نقيا كأبي قحافة والد الصديق والنهي لمن شمط فقط وكان شعره بشعا وعليه نزل اختلاف السلف وفيه ندب خضب الشيب للرجل والمرأة لكن بحمرة أو صفرة لا بسواد فيحرم إلا للجهاد
(ق) في اللباس (د) في الترجل (ت) في الزينة (هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا

(2/404)


2154 - (إن آدم قبل أن يصيب الذنب) وهو أكله من الشجرة التي نهى عن قربها بقوله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة} (كان أجله) أي كان دنو أجله واستحضاره للموت (بين عينيه) وكان الموت نصب عينيه (وأمله خلفه) أي لا يشاهده ولا يستحضره (فلما أصاب الذنب جعل الله تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت) وهكذا حال بنيه وطول الأمل موقع في الزلل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده ضعيف

(2/404)


2155 - (إن آدم خلق) بالبناء للمفعول أي خلقه الله (من ثلاث تربات) بضم فسكون جمع تربة (سوداء وبيضاء وحمراء) فمن ثم جاء بنوه كذلك فيهم الأسود والأحمر والأبيض يتبع كل منهم الطينة التي خلق منها
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي ذر) الغفاري

(2/404)


2156 - (إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي) أي يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام وقد جاء البخيل ليس من يبخل بماله ولكن من بخل بمال غيره فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه فمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى فهل تجد أحدا أبخل من هذا؟
(الحارث) بن أبي أسامة [ص:405] وكذا الديلمي (عن عوف بن مالك) وفيه رجل مجهول وآخر مضعف رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضا

(2/404)


2157 - (إن أبخل الناس من بخل بالسلام) ابتداءا أو جوابا لأنه لفظ قليل لا كلفة فيه وأجر جزيل فمن بخل به مع عدم كلفة فهو أبخل الناس ومن ثم قيل:
إذا ما بخلت برد السلام. . . فأنت ببذل الندا أبخل
(وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى حيث سمع قول ربه في كتابه {ادعوني} فلم يدعه مع حاجته وفاقته وعدم المشقة عليه فيه والله سبحانه وتعالى لا يخيب من سأله واعتمد عليه فمن ترك طلب حاجاته من الله تعالى مع ذلك فهو أعجز العاجزين
(ع) وكذا ابن حبان والإسماعيلي والبيهقي في الشعب كلهم (عن أبي هريرة) موقوفا وفيه إسماعيل بن زكريا أورده الذهبي في الضعفاء قال مختلف فيه وهو شيعي غال

(2/405)


2158 - (إن أبر) وفي رواية من أبر (البر) أي الإحسان جعل البر بارا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازا والمراد منه أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة قال الأكمل: أبر البر من قبيل جل جلاله وجد جده بجعل الجد جادا وإسناد الفعل إليه (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة (بعد أن يولي الأب) بكسر اللام المشددة أي يدبر بموت أو سفر قال التوربشتي: وهذه الكلمة مما تخبط الناس فيها والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه أي بعد أن يموت أو يغيب أبوه من ولى يولي قال الطيبي: وفي جامع الأصول والمشارق: يولي بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم فإنه من تمام الإحسان إلى الأب قال الحافظ العراقي رحمه الله: جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته وكذا بعد غيبته فإنه إذا لم يظهر له شيء يوجب ترك المودة فكأنه حاضر فيبقى وده كما كان وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة وزوال الوحشة وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة فيكون من عموم المشترك أو من التواطىء أو بعضها فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ونبه بالأب على بقية الأصول وقياس تقديم الشارع الأم في البر كون وصل أهل ودها أقدم وأهم ومن البين أن الكلام في أصل مسلم أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام نعم إن كان حيا ورجا ببر أصدقائه تألفه للإسلام تأكد وصله وفي معنى الأصول الزوجة فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصل صويحبات خديجة بعد موتها قائلا حسن العهد من الإيمان وألحق بعضهم بالأب الشيخ ونحوه
(حم خد م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب مر به أعرابي وهو راكب على حمار فقال ألست ابن فلان قال بلى فأعطاه حماره وعمامته فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لمسلم أنه أعطاه حمارا كان يركبه وعمامة كانت على رأسه فقالوا له أصلحك الله إنه من الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لأبي داود عن أبي أسيد بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليها والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما

(2/405)


[ص:406] 2159 - (إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم بيت الله) الكعبة وما حولها من الحرم كما بينه رواية مسلم بدله حرم مكة (وأمنه) بالتشديد أي صيره مأمنا يعني حرمها بإذن الله أي أظهر حرمتها بأمره فإسناد التحريم إليه من حيث التبليغ والإظهار لا من حيث الإيجاد فإن الله تعالى حرمها قبل ذلك كما يصرح به خبر الشيخين أو أنه دعى الله تعالى فحرمها بدعوته ولا ينافيه خبر إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لأنها كانت محرمة يومئذ فلما رفع البيت المعمور من الطوفان اندرست حرمتها ونسيت معاهدتها فأظهر الله إحياءها على يد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبدعوته (1) (وإني حرمت المدينة) فعيلة من مدن بالمكان أقام والمراد البلدة النبوية كما سبق (ما بين لابتيها) تثنية لابة وهي الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها حرقت بنار وأراد بهما هنا حرتان يكتنفانها (لا يقطع عضاهها) بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة جمع عضاهة شجرة أم غيلان أو كل شجر له شوك (ولا يضاد صيدها) في أبي داود ولا ينفر صيدها أي لا يزعج فإتلافه أولى لكن لا يضمن صيد المدينة ولا نباتها لأن حرمها غير محل للنسك (2)
(م) في الحج (عن جابر) ولم يخرجه البخاري
_________
(1) وحرم مكة من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق والطائف على سبعة ومن طريق الحعرانة على تسعة ومن طريق جدة على عشرة كما قال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة. . . ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه
وسبعة أميال عراق وطائف. . . وجدة عشر ثم تسع جعرانة
وزاد الدميري:
ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى. . . فلم يعد سبل الجل إذ جاء تبيانه
(2) وللمدينة لابتان شرقية وغربية فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها طولا وهما عير وثور

(2/406)


2160 - (إن إبراهيم ابني) من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال: هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر (وإنه مات في الثدي) أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر قال القرطبي: هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن (وإن له ظئرين) بكسر الظاء مهمورا أي مرضعتين (1) (يكملان رضاعه في الجنة) بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين بإن واللام تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعددا إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلا وظئر نهارا والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية [ص:407] بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال {أحياء عند ربهم يرزقون} قال القرطبي: وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيدا ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارىء إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره
(حم م عن أنس) قال ما رأيت أحدا رحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره
_________
(1) أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا

(2/406)


2161 - (إن أبغض الخلق إلى الله العالم) الذي (يزور العمال) عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك الله قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو لك وأيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك أنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك منه اتخذوك قطبا يدور عليك رحا باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقودون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا عليك في جنب ما خربوا عليك فدا ودينك فقد دخله سقم ولا يخفى على الله من شيء والسلام وقال حكيم: الذئاب على العذرة أحسن من عالم على أبواب هؤلاء <تنبيه> قال الغزالي: العالم المحتاج غليه في الدين محتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين أحدهما صبر طويل وحلم عظيم ونظر لطيف واستغاثة بالله دائمة الثاني أن يكون في هذا المعنى منفردا عنهم فإن كان بالشخص معهم وإن كلموه كلمهم أو زاروه وعظهم وشكرهم أو أعرضوا عنه اغتنتم ذلك فإن كانوا في خير وحق ساعدهم وإن صاروا إلى لغو وشر هاجرهم بل زجرهم إن رجى قبولهم ثم يقوم بحقهم من نحو زيارة وعيادة وقضاء حاجة ما أمكنه ولا يطالبهم بما فاته ولا يرجوها منهم ولا يريهم من نفسه استيحاشا لذلك ويباسطهم بالبذل إذا قدر وينقبض عنهم في الأخذ إن أعطى ويتحمل أذاهم ويظهر لهم البشر ويتجمل لهم بظاهره ويكتم حاجته عنهم فيقاسيها ويعالجها في سره ثم يحتاج مع ذلك أن ينظر لنفسه خاصة ويجعل لها حظا من العبادة وله في المعنى أبيات وهي:
فإن كنت في هدي الأئمة راغبا. . . فوطن على أن ترتكبك الوقائع
لسانك مخزون وطرفك ملجم. . . وسرك مكتوم لدى الرب ذائع
بنفس وقور عند كل كريهة. . . وقلب صبور وهو في الصدر قانع
وذكرك مغموم وبابك مغلق. . . وثغرك بسام وبطنك جائع
وقلبك مجروح وسوقك كاسد. . . وفضلك مدفون وطعنك شائع
وفي كل يوم أنت جارع غصة. . . من الدهر والإخوان والقلب طائع
نهارك شغل الناس من غير منة. . . وليلك سوق غاب عنه الطلائع
(ابن لال) أبو بكر أحمد بن علي الفقيه وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه قال الذهبي قال البرقاني سألت عنه الدارقطني فقال كذاب وعصام بن رواد العسقلاني قال في الميزان لينه الحاكم وبكير الدامعاني منكر الحديث

(2/407)


2162 - (إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت) بكسر أوله أي الشرير الخبيث من بني آدم (النفريت) أي القوي في شيطنته. [ص:408] قال الزمخشري: العفر والعفرية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في العفريت والعفارية للإلحاق وحرف التأنيث فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق كقنديل (الذي لم يرزأ) أي لم يصب بالرزايا (في مال ولا ولد) بل لا يزال ماله موفورا وولده باقون وذلك لأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه قال كعب في بعض الكتب السماوية لولا أن يحزن عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبدا وخرج ابن أبي الدنيا وغيره أن رجلا قال يا رسول الله ما الأسقام قال أو ما سقمت قط قال لا قال قم عنا فلست منا قال ابن عربي: هذا إشارة إلى أنه ناقص المرتبة عند ربه وعلامة ذلك صحة بدنه على الدوام وهذا خرج مخرج الغالب أو علم من حال ذلك في نقصانه ما أخبر عنه وطلق خالد بن الوليد زوجته ثم أحسن عليها الثناء فقيل لم طلقتها قال ما فعلته لأمر رابني ولا ساءني لكن لم يصبها عندي بلاء والرزية كما في المصباح المصيبة. وقال الزمخشري: النقصان والضرر
(هب عن أبي عثمان النهدي مرسلا) واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشدة اللام ابن عمرو بن عدي والنهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة أسلم على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يجاهد ولم يره

(2/407)


2163 - (إن إبليس) أي الشيطان من أبلس إذا أيس {فإذا هم مبلسون} (يضع عرشه) أي سرير ملكه يحتمل أن يكون سريرا حقيقة يضعه (على الماء) ويجلس عليه وكونه تمثيلا لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه وجيوشه (والمراد جنوده وأعوانه أي يرسلهم إلى إغواء بني آدم وافتتانهم وإيقاع البغضاء والشرور بينهم.) وأيا ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله عرشه تهكما وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب {وكان عرشه على الماء} والقصد أن إبليس مسكنه البحر (ثم يبعث سراياه) جمع سرية وهي القطعة من الجيش (فأدناهم منه) أي أقربهم (منزلة) وهو مبتدأ (أعظمهم فتنة) خبره (يجيء أحدهم) بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد (فيقول فعلت كذا وكذا) أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب (فيقول) له (ما صنعت شيئا) استخفافا بفعله فنكره في سياق النفي (ويجيء أحدهم فيقول) له (ما تركته) يعني الرجل (حتى فرقت بينه وبين أهله) أي زوجته (فيدنيه منه) أي يقربه منه وأوقعه مخبرا عنه وحذف الخبر وهو صنعت شيئا لإدعاء أنه هو المتعين لإسناد الصنع الععظيم المدلول بالتنوين عليه أيضا (ويقول) مادحا شاكرا له (نعم أنت) بكسر النون وسكون العين على أنه أفعال المدح كذا جرى عليه جمع. قال بعض المحققين: ولعله خطأ لأن الفاعل لا يحذف وإضماره في أفعال المدح لا ينفصل عن نكرة منصوبة مفسرة وإنما صوابه بفتح النون على أنه حرف إيجاب ثم إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله {يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}
(حم م) في أواخر صحيحه (عن جابر) زاد مسلم في روايته بعد قوله نعم أنت قال أراه قال فيلتزمه ولم يخرجه البخاري

(2/408)


2164 - (إن إبليس) عدو آدم وبنيه (يبعث) أي يرسل (أشد أصحابه) في الإغواء والإضلال (وأقوى أصحابه) على الصد عن سبيل الهدى (إلى من يصنع المعروف) أي ما ارتضاه الشرع وندب إليه (في ماله) كأن يتصدق منه أو [ص:409] يصلح ذات البين أو يعين في نائبة أو يفك رقبة أو يبني مسجدا أو نحو ذلك من وجوه القرب فيوسوس إليه ويخوفه عاقبة الفقر ويمد له في الأمل ويحذره من عاقبة الحاجة إلى الناس حتى يصده عن الصرف منه في الطاعات
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك اه. وأورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم تركوه

(2/408)


2165 - (إن ابن آدم لحريص على ما منع) أي شديد الحرص على تحصيل ما منع منه باذلا للجهد فيه لما جبل وطبع عليه من شدة محبته للممنوع وهذا شيء كالمحسوس معروف بالوجدان لا يحتاج إلى برهان
(فر) من حديث يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني وعبد الله بن أحمد ومن طريقهما أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليهما لكونهما الأصل أولى ثم إن يوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة والدارقطني وهارون بن كثير مجهول كما ذكره أيضا ولهذا قال السخاوي سنده ضعيف قال وقوله ابن أسلم تحريف والصواب سالم والثلاثة مجهولون ولهذا قال أبو حاتم هذا باطل اه

(2/409)


2166 - (إم ابن آدم إن أصابه حر قال حس) بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كاوه (وإن أصابه برد قال حس) يعني من قلقه وجزعه أنه إن أصابه الحر تألم وتشوش وتضجر وقلق وإن أصابه البرد فكذلك ومن ثم قال امرىء القيس:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . فإذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره
(حم طب عن خولة) بنت قيس الأنصارية تزوجها حمزة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور حمزة ببيتها قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلغني أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضا قال نعم وأحب الناس إلي أن يروى منه قومك فقدمت إليه برمة فيها حزيرة فوضع يده فيها ليأكل فاحترقت أصابعه قال حس ثم ذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح

(2/409)


2167 - (إن ابني هذا) يعني الحسن بن علي (سيد) في رواية السيد باللام أي حليم كريم محتمل قال في النهاية: السيد يطلق على الرب وعلى المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومحتمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم وهو من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي من الأشخاص العظيمة (ولعل الله) أي عساه واستعمال لعل في محل عسى مستفيض لاشتراكهما في الرجاء (أن يصلح به) يعني بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الخلافة وتركها كذلك لمعاوية (بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكا عضوضا ثم سار إلى معاوية بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفا على الموت فلما تراءى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل الفريق الآخر فنزل له عن الخلافة لا لقلة ولا لذلة بل رحمة للأمة واشترط على معاوية شروطا التزمها قال ابن بطال وغيره: لم يوف له بشيء منها فصار معاوية من يومئذ خليفة ولما خيف من طول عمر الحسن رضي الله تعالى عنه أرسل يزيد إلى زوجته جعدة إن هي سمته تزوجها ففعلت فأرسلت تستنجز فقال: إنا لم نرضك له فكيف نرضاك لنا وفيه منقبة للحسن رضي الله تبارك وتعالى عنه ورد على الخوارج [ص:410] الزاعمين كفر علي كرم الله وجهه وشيعته ومعاوية ومن معه لقوله من المسلمين وأخذ منه جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بمال وحل أخذ المال وإعطائه على ذلك مع توفر شروطه
(حم خ م) من حديث الحسن رضي الله عنه (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وقد تفتح وفي سماعه منه خلف والأصح أنه سمع

(2/409)


2168 - (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف فيصير ظلها عليه وقال أبواب الجنة ولم يقل الجنة لأن المراد أن الجهاد طريق لذلك وهذا التعبير أدل عليه وفيه دلالة على فضل الجهاد
(حم م ت) عن أبي موسى

(2/410)


2169 - (إن أبواب السماء) كذا بخط المصنف فمن قال الجنة لم يصب (تفتح عند زوال الشمس) أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء (فلا ترتج) بمثناة فوقية وجيم مخففة والبناء للمفعول لا تغلق قال الزمخشري وغيره: أرتج الباب أغلقه إغلاقا وثيقا ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام (حتى يصلي الظهر) ليصعد إليها عمل صلاته (فأحب أن يصعد لي) عمل (فيها) أي في تلك الساعة التي السماء فيها مفتحة الأبواب (خير) أي عمل صالح وتمامه عند مخرجه أحمد عن أبي أيوب قلت يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن قال نعم قلت ففيها سلام فاصل قال لا والمراد بالزوال هنا الميل كما تقرر فلا تعارض كراهة الصلاة حال الاستواء
(حم عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن الجوزي فيه عبيدة بن مغيث ضعفوه

(2/410)


2170 - (إن أتقاكم) أي أكثركم تقوى (وأعلمكم) أي أكثركم علما (بالله أنا) لأن الله سبحانه وتعالى جمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره وكلما ازداد علم العبد بربه ازداد تقواه وخوفه منه ومن عرف الله صفا له العيش وهابه كل شيء فمعناه ما أنا عليه من التقوى والعلم أوفر وأكثر من تقواكم وعلمكم فلا ينبغي لأحد أن يتشبه بي ذكره القاضي. وقال القرطبي: إنما كان كذلك لما خص به في أصل خلقته من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل الله عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية ثم إنه تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم على ما لم يطلع عليه غيره وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشاهم لأن الخشية منبعثة عن العلم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال الكرماني: وقوله أتقاكم إشارة إلى كمال القوة العملية وأعلمكم إلى كمال القوة العلمية والتقوى على مراتب وقاية النفس عن الكفر وهو للعامة وعن المعاصي وهو للخاصة وعما سوى الله وهو لخاص الخواص والعلم بالله يشمل ما بصفاته وهو المسمى بأصول الدين وبأحكامه وهو فروع الدين وما بكلامه وهو علم القرآن وتعلقاته وما بأفعاله وهو معرفة حقائق الأشياء ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم جامعا لأنواع التقوى حاويا لأقسام العلوم ما خصص التقوى ولا العلم وقد يقصد بالحذف إفادة العلوم والاستغراق اه وقال بعضهم: ظاهر الحديث تمييزه في كل فرد فرد من أوصاف التقوى والعلم فأما التقوى فلا نزاع وأما العلم بالله فقد أخذ بعض شراح الشفا من قوله أعلمكم ولم يقل أعلم خلق الله أن ذلك يخرج علم جبريل بالله فإنه أمين الوحي وملازم الحضرة الأقدسية ثم إن المعرفة غير ممكنة بكنه الحقيقة لجميع الخلق وفي الخبر سبحانك ما عرفناك حق معرفتك
(خ عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:411] يأمرهم من الأعمال بما يطيقون فقالوا إنا لسنا كهيئتك إن الله غفر لك فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول هذا

(2/410)


2171 - (إن أحب عباد الله إلى الله) أي من أحبهم إليه (أنصحهم لعباده) أي أكثرهم نصحا لهم فإن النصح هو الدين ولهذا قال بعض العارفين لبعض أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم وإضافة العباد إليه تلويح بأن المراد من آمن منهم
(عم في زوائد الزهد) أي فيما زاد على كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن) البصري (مرسلا)

(2/411)


2172 - (إن أحب عباد الله إلى الله من حبب) أي إنسان حبب الله إليه (المعروف وحبب إليه فعاله) لأن المعروف من أخلاق الله وإنما يفيض من أخلاقه على أحب خلقه إليه فإذا ألهم العبد المعروف كان ذلك دلالة على حب الله له ناهيك بها رتبة والفعال ككتاب وشعاب جمع فعل وكسلام وكلام الوصف الحسن والقبيح هو قبيح الفعال كما يقال هو حسن الفعال ويكون مصدرا فيقال فعل فعالا كذهب ذهابا كما في المصباح والحب الأول للمعروف من حيث هو والثاني من حيث الإتيان به والثاني ينشأ عن الأول فالأول منبعه وأسه وأفاد بإضافة العباد إليه المؤذنة بالتشريف أن الكلام في أهل الإيمان لا الكفر إذ لا حب لهم فضلا عن الأحبية
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائح) للناس (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي سعيد) الخدري وفيه الوليد بن شجاع أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به

(2/411)


2173 - (إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) وظاهر الحديث أن هذه الكلمات مطلوبة عند الاستيقاظ مطلقا قال الغزالي رحمه الله تعالى: هذا أول الأوراد النهارية وهي سبعة قال: ويلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر العورة امتثالا لأمر الله واستعانة على عبادته من غير قصد رياء ودعوته
(خط) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنبع المصنف أن مخرجه الخطيب سكت عليه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه عقبه ببيان حاله ونقل عن ابن معين أن الوقاصي هذا لا يكتب حديثه كان يكذب انتهى وقال في الضعفاء تركوه

(2/411)


2174 - (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة) أسعدهم بمحبته يومها (وأدناهم منه مجلسا) أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم منزلة (إمام) مؤمن (عادل) لامتثال قول ربه {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه إمام جائر) في حكمه على رعيته فإن الله يبغض الظلم ويبغض الظالمين ويعاقبهم والمراد بالإمام هنا ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه
(حم ت عن أبي سعيد) ثم قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه انتهى وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث كذبه حرزة وخولف وفضيل بن مرزوق الوقاصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره وعطية العوفي قال ابن القطان مضعف وقال الذهبي ضعفوه قال ابن القطان والحديث حسن لا صحيح

(2/411)


[ص:412] 2175 - (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وذلك لأن لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع فالأصول أصول والأصول هي الصفات السبع وأصول الأصول ما ينتهي إليه الأصول وهي اسمان: الله الرحمن وكا منهما يشتمل على الأسماء كلها ولذلك حمت العزة أن يتسمى بأحدهما أحد غير الله وما ورد من رحمن اليمامة فذاك مضاف إلى اليمامة والمطلق منه عن الإضافة منزه عن القول بالإشتراك وهذيان شاعر بني حنيفة بقوله:
وأنت غيث الورى لازلت رحمنا. . . تعنت وتغال في الكفر لا يرد
لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحدا ابتداءا وإطلاقه لم يكن على غير من هو متسم به ويختص الاسم الرحمن لا باعتبار الأسماء الداخلة تحته بأنه المتحرك بحركة له أزلية أبدية ديمومية تعطي الصور المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية في أنواع غير متناهية للعدد وباعتبار دخولها تحته أقرب ما ينسب إليه حركة وجود متعين به ومنه وفيه الموجودات بأسرها فإذا انتهى موجود منها إلى حد طوره صار القهقرى إلى الاسم الأعظم {ألا إلى الله تصير الأمور} فعلى هذا التقدير اسم الباسط هو صاحب العطاء الصادر عن الرحمن واسم القابض هو صاحب الرد إلى اسم الله ويتبين من هذا دخول الأسماء تحت الاسمين العظيمين. قال المناوي: وتفضيل التسمية بهذين محمول على من أراد التسمي بالعبودية فتقديره أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية عبد الله وعبد الرحمن لأنهم كانوا يسمون عبد شمس والدار ولا ينافي أن اسم أحمد ومحمد أحب إلى الله من جميع الأسماء فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو الأحب إليه هذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق إلى هنا كلامه <تنبيه> يلحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد
(م) في الأسماء (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو داود والترمذي

(2/412)


2176 - (إن أحدا) بضم الحاء وسكونها (جبل) معروف بالمدينة كما مر غير مرة (يحبنا ونحبه) حقيقة أو مجازا على ما مر قال الطيبي: الظاهر أنه أراد جميع أرض المدينة وخصه لأنه أول ما يبدو له
(ق عن أنس) بن مالك رضي الله عنه

(2/412)


2177 - (إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة) أي على باب من أبوابها (وعير) أي وجبل عير وهو معروف هناك (على ترعة من ترع النار) أي على باب من أبوابها وقد سبق تقريره عن الشريف السمهودي بما فيه بلاغ فلا يغفل كما في الصحاح بوزن الجرعة الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة وقيل غير ذلك
(هـ) عن هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مكنف (عن أنس) بن مالك قال المؤلف وعبد الله بن مكنف ضعيف لكن يزيده هنا بيانا فيقول قال العارف ابن عربي: محققوا أهل النظر والأدلة المقصودة على الحواس والضروريات والبديهيات يقولون إنه إذا جاء عن نبي أن جبلا أو حجرا أو ذراعا أو جذع نخلة أو بهيمة كلمة فمعناه خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت بحيث يتكلم ويكلم ويفهم ما يخاطب به والأمر عندنا ليس كذلك بل العالم كله حي ناطق من جهة الكشف وسر الحياة في جميع العالم حتى أن كل من سمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له حقيقة بلا شبهة ومن أراد أن يقف على ذلك يسلك طريق الرجال ويلزم طريق الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على ذلك عينا فيعلم أن الناس في عماء عن إدراك هذه الحقائق انتهى

(2/412)


[ص:413] 2178 - (إن أحدكم) أيها المؤمنون (إذا كان في صلاته) المفروضة أو النافلة (فإنه يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلا يبزقن) بنون التوكيد (بين يديه) أي لا يكون بزاقه إلى جهة القبلة لأنه استخفاف عادة فلا يليق بتعظيم الجهة وفي رواية للشيخين بدل بين يديه قبل القبلة وفي رواية أو تحت (ولا عن يمينه) أي لا يبزقن على ما في يمينه فعن بمعنى على تشريفا لها لأن فيها ملائكة الرحمة ولهم مزية على ملائكة العذاب ألا ترى أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات والنهي يعم المسجد وغيره (ولكن) يبصق (عن يساره وتحت) وفي رواية أو تحت (قدمه) أي اليسرى وتمام الحديث عند الشيخين ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه خاص بغير من بالمسجد أما من فيه فلا يبصق إلا في نحو ثوبه وفي الحديث إشارة إلى أن قلب المصلي ينبغي كونه فارغا من غير ذكر الله وفيه جواز الفعل القليل في الصلاة وطهارة البصاق
(ق عن أنس) بن مالك قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة فشق عليه ذلك حتى رؤي في وجهه ثم قام فحكه بيده ثم ذكره

(2/413)


2179 - (إن أحدكم) معشر الآدميين (يجمع خلقه) أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم (1) وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن تلك لا تستعمل إلا في النفي ويجمع من الإجماع لا من الجمع يقال أجمعت الشيء أو جعلته جميعا والمراد يجوز ويقرر مادة خلقه (في بطن) يعني رحم (أمه) وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة جميعا (أربعين يوما) لتتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها (نطفة) وذلك بأن أودع في الرحم قوتين قوة انبساط ينبسط بها عند ورود مني الرجل عليه فيأخذه ويختلط مع منيها وقوة انقباض يقبضهما بها لئلا ينزل منه شيء فإن المني ثقيل بطبعه وفم الرحم منكوس وهل هذه الحركة إرادية فيكون الرحم حيوانا؟ الظاهر لا وأودع في مني الرجل وهو الثخين الأبيض قوة الفعل وفي منيها وهو الرقيق الأصفر قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة بلبن وما قيل إن في كل من مني الرجل والمرأة قوة فعل وانفعال فلا ينافيه لجواز كون قوة الفعل في مني الرجل وقوة الانفعال في مني المرأة أكثر فاعتبر الغالب وإن امتزجا ومضى عليه أربعون يوما لحكمة خفيت عن أكثر المدارك أفاض عليهما صورة خلاف صورة المني وهو المشار إليه بقوله (ثم) عقب هذه الأربعين (يكون علقة) قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) فإذا مضى عليه أربعون يوما أفاض عليها صورة خلاف صورة العلقة وإليه الإشارة بقوله (ثم) عقب الأربعين الثانية (يكون) في ذلك المحل (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ (مثل ذلك) الزمن وهو أربعون (ثم) بعد انقضاء الأربعين الثالثة (يرسل الله الملك) المعهود الموكل بالمضغة أو بالرحم ويجوز كومه ملكا موكلا بهما أو كون لكل ملك ومعنى إرساله إياه أن يأمره بالتصرف فيه كذا ذكره الأكمل وقال بعض الشراح المراد ملك النفوخات كما جاء مصرحا به في خبر رواه ابن وهب فأل فيه عهدية فيبعث إليه حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فينفخ فيه الروح) وهي ما يحيى بها الإنسان وإسناد النفخ إليه مجاز عقلي لأنه من أفعال الله كالخلق وكذا ما ورد من قوله صوره أي الملك وخلق سمعه وبصره ونحو ذلك وفي الحديث
[ص:414] إيماء إلى أن التصوير في الأربعين الثالثة قال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قال الطبري: الصحابة أعلم بتغيير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطا للتوفي عن خلاف وقال ابن القيم: ما ذكر من تنقل الخلق في كل أربعين إلى طور هو ما دل عليه الوحي وما وقع في كلام أهل الطب والتشريح مما يخالفه لا يعول عليه إذ غاية أمرهم أنهم شرحوا الأموات فوجدوا الجنين في الرحم على صفة أخبروا بها على طريق الحدس والنظام الطبيعي ولا علم لهم بما وراء ذلك من مبدأ الحمل وتغير أحوال النطفة ثم الكلام في الروح طويل فمن ذاهب إلى أنه عرض إذ لو كان جوهرا والجواهر متساوية في الجوهرية لزوم للروح روح آخر وهو فاسد ومن ذاهب إلى أنه جوهر فرد متحين وزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الجوال وأنه حاصل للصفات المعنوية وهو كذلك لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لا كسرا ولا قطعا ولا وهما ولا فرضا وصدور المعاني الخارقة عن مثل ذلك مستحيل وقيل هو صورة لطيفة بصورة الجسم في داخل الجسم تقابل كل جزء منه وعضو نظيره وهو خيال وقيل جسم لطيف سار بالبدن سريان ماء الورد فيه وقال الغزالي: جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجا عنه ولا متصلا ولا منفصلا لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشيء عن الشيء وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجردا فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على الله محال وبأنه متناقض لأنه جعله الله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله {قل الروح من أمر ربي} وإذا لم يكن مخلوقا لم يكن محدثا وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشيء يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشيء من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقا بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك (ويؤمر) بالبناء للمفعول أي يأمر الله الملك (بأربع كلمات) أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مرادا كما يشير إليه خبر مسلم (ويقال له) أي يقول الله للملك (اكتب) أي بين عينيه كما في خبر البزار (أجله) أي مدة حياته (ورزقه) كما وكيفا حراما وحلالا (وعمله) كثيرا أو قليلا وصالحا أو فاسدا (وشقي) وهو من استوجب النار (أو سعيد) من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي: وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي: حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافيا قاسي القلب ضاريا بالطبع منائيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر
[ص:415] أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي: هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبدا لأن خبر الله يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله ولله أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبدا (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فوالذي) في رواية فوالله الذي (لا إله غيره) وهو شروع في بيان أن السعيد قد يشقى وعكسه وذلك مما لا يطلع عليه أحد أما التقدير الأزلي فلا تغيير فيه (وإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات الاعتقادية قولية أو فعلية (حتى ما يكون) حتى هي الناصبة وما نافية غير مانعة لها من العمل ذكره الطيبي وتعقب بأن الوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع عطفا على ما قبله وما ذكر من أن لفظ الخديث ما يكون هو ما في نسخ كثيرة لكن وقفت على نسخة المصتف فرأيت بخطه لم يكن هذا كتب ولعله سبق فلم (بينه وبينها إلا ذراع) تصوير لغاية قربه من الجنة (فيسبق عليه الكتاب) قال الطيبي: والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب سبقا بلا مهلة والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو بمعنى التقدير أي التقدير الأزلي واللام للعهد (فيعمل بعمل) الباء فيه وفيما قبله زائدة أي يعمل عمل (أهل النار فيدخل النار) تفريع على ما مهده من كتاب السعادة والشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتد بها من حيث كونها علامة (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني شيء قليل جدا (فيسبق عليه الكتاب) كتاب السعادة (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) بحكم القدر الجاري المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى خير يختم له به وعكسه عكسه وحينئذ فالعبرة بالخاتمة قال ابن عطاء الله: ربما يعطي الحق عبده والعطاء عين السلب والمنع وربما يمنع المنع عين العطاء إذ لا تبديل لما أراد في عالم القدم تمت الكلمة ونفذ القلم بما حكم ألا ترى إلى سحرة فرعون كان منعهم عين العطاء وحجابهم عين الوصول وإبليس أعطى العلم وقوة العبادة وكان العطاء عبن المنع والقطيعة وبلعام أعطي الاسم الأعظم وكان العطاء عين المنع وسبب الحجاب؟ {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالخاتمة مرتبطة بالسابقة فمن زعم أن الصوفية عولوا على السابقة والفقهاء على الخاتمة وأنهما متباينان فقد وهم وفيه أنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه الأصلح خلافا للمعتزلة وأنه يعلم الجزئيات خلافا للحكماء وأن الخير والشر بتقديره خلافا للقدرية وأن الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر وأن العمل السابق غير معتبر بل الذي ختم به وفيه حث على لزوم الطاعات ومراقبة الأوقات خشية أن يكون ذلك آخر عمره وزجر عن العجب والفرح بالأعمال فرب متكل مغرور فإن العبد لا يدري ما يصيبه في العاقبة وأنه ليس لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار وأنه تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء وكله عدل وصواب {لا يسأل عما يفعل}
(ق 4 عن ابن مسعود) حديث عظيم الفوائد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ترهاته وخرافاته وقول الخطيب الحافظ هو والله الذي لا إله إلا هو من كلام ابن مسعود تعقبوه
_________
(1) وهو المني بعد انتشاره في سائر البدن

(2/413)


[ص:416] 2180 - (إن أحدكم إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (إنما) وفي رواية بدله فإنه (يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلينظر كيف يناجيه) أي فليتأمل في جواب ما يناجيه من القول على سبيل التعظيم والتبجيل ومواطأة القلب اللسان والإقبال على الله تعالى بشراشره والإخلاص في عبادته وتفريغ القلب للذكر والتلاوة والتدبر فلا يليق لعاقل أن يتلقى شكر هذه النعمة الخطيرة السنية التي هي مناجاة هاتيك الحضرة العلية بشغل القلب بشيء من الدنيا الدنية قال الطيبي: وقوله إنما يناجي ربه تعليل للنهي شبه العبد وتوجهه إلى الله تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال الرحمة مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه ومالكه فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر منه في تلك الجهات شيء وإن كان الله تعالى منزها عن الجهات لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض وفيه حث على إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لما في صلاته من ذكر وغيره وإن الصلاة أفضل الأعمال لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها
(ك عن أبي هريرة) ورواه أحمد والنسائي والبيهقي بلفظ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به

(2/416)


2181 - (إن أحدكم مرآة أخيه) أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه (فإذا رأى به) أي علم بملبسه أو بنحوه (أذى) أي قذرا كمخاط وبصاق وتراب (فليمط عنه) أي فليزله عنه ندبا فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضا فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له إلى ذلك لكن يبعده زيادة ما في بعض الروايات وليره إياه إلا أن يقال أراد برؤياه ما يعم توقيفه عليه ليجتنبه وعلى الثاني اقتصر سلفنا الصوفية حيث قالوا معنى الحديث إن المؤمن في إزاء عيب أخيه كالمرآة المجلوة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراءه أقواله وأفعاله وأحواله تعريفات وتلويحات من الله تعالى فأي وقت ظهر من المؤمنين المجتمعين في عقد الأخوة عيب فادح نافروه لأن ذلك يظهر بظهور النفس وظهورها من تضييع حق الوقت فعلموا بذلك خروجه من دائرة الجمعية وعقد الأخوة فنافروه ليرجع قال رويم لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا فهو إشارة إلى تفقد بعضهم أحوال بعض فينبغي أن لا يسامح بعضهم بعضا في فعل ما يخالف الصواب أو إهمال دقيق الآداب فإن بذلك تصدأ مرآة القلوب ولا يرى فيها الخلل والعيوب قال عمر في مجلس فيه المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح فقال: أنتم إذن أنتم إذن
(ت عن أبي هريرة)

(2/416)


2182 - (إن أحساب أهل الدنيا) جمع حسب بمعنى الكرم والشرف والمجد سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها وطمأنينتهم إليها كما يشغف الرجل بأهله ويأنس إليهم فصاروا أهلا لها وهي أهل وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين (الذين يذهبون إليه هذا المال) قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثا لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفا لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب [ص:417] النسب العالي هو الحسيب ولو فقيرا ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جدا وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه. إلى هنا كلامه. وقال ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له
(حم ن ك حب عن بريدة) قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان

(2/416)


2183 - (إن أحسن الحسن الخلق الحسن) أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر <تنبيه> في المواهب: الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية: الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زروق في قواعد الشريعة والحقيقة: الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح وقال ابن سينا في كتاب نهذيب الأخلاق: الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شيء كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيرا من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شيء وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقا قال: وقال قوم ليس شيء من الأخلاق طبيعيا وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعا أو بطيئا وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك <تنبيه> قال الغزالي: جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول بر وصول وقور صبور شكور حليم رفيق عفيف شفيق لا لعان ولا سباب ولا نمام ولا مغتاب ولا عجول ولا حقود ولا بخيل ولا حسود
(المستغفري) أبو العباس (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما من حديث العلائي عن الحسن عن الحسن عن الحسن (عن الحسن) أمير المؤمنين (بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني ابن عساكر الحسن الأول هو ابن حسان السمتي والثاني ابن دينار والثالث البصري اه وابن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال النسائي وغيره متروك

(2/417)


2184 - (إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب) وهو بياض الشعر (الحناء) بكسر فتشديد فمد (والكتم) بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها
(حم 4 حب عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح

(2/417)


2185 - (إن أحسن ما زرتم به الله) يعني ملائكته (في قبوركم) إذا صرتم إليها بعد الموت (ومساجدكم) ما دمتم باقين في الدنيا (البياض) أي الأبيض البالغ البياض من الثياب أي ونحوها من كل ملبوس فأفضل ما كفن به المسلم البياض وأفضل [ص:418] ما يلبس يوم الجمعة لصلاتها البياض وإنما لبس الأرفع منه يوم العيد ولو غير أبيض لأن القصد يومئذ إظهار الزينة وإيثار النعمة وهما بالأرفع أليق
(هـ عن أبي الدرداء)

(2/417)


2186 - (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه) أي يقرؤه بحزن وتخشع وبكاء فإن لم يبك تباكى إذ بذلك يخشع القلب فتنزل الرحمة قال الزمخشري: ومن المجاز صوت حزين رخيم
(طب عن ابن عباس)

(2/418)


2187 - (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فأخذ الأجرة على تعليمه جائز كالاستئجار لقراءته وأما خبر إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها أي الهدية على تعليمه فمنزل على أنه كان متبرعا بالتعليم ناويا الاحتساب فكره تضييع أجره وإبطال حسنته فلا حجة فيه للحنفية المانعين أخذ الأجر لتعليمه وقياسه على الصوم والصلاة فاسد لأنهما مختصان بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المتعلم ذكره القرطبي قال ابن حجر: في هذا الخبر إشعار بنسخ الخبر الآتي من أخذ على تعليم القرآن قوسا قلده الله قوسا من نار
(ح) في الطب بلفظه وفي الإجارة معناه (عن ابن عباس) قال: لما رقى بعض مسافرين على لديغ بالحمد فبرأ فأعطوه شيئا فكرهه أصحابه قائلين أخذت على تعليم القرآن أجرا فلما قدموا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر: وهم من عزاه للمتفق عليه وهذا المتن أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقعقع المؤلف عليه وأبرق وأرعد وما ضره ذلك شيئا فإنه أعني ابن الجوزي أورده بسند غير سند البخاري وقال إنه من ذلك الطريق موضوع وليس حكمه على المتن

(2/418)


2188 - (إن أحق الشروط أن توفوا به) نصب على التمييز أي وفاء أو مجرور بحرف الجر أي بالوفاء (ما استحللتم به الفروج) خبره يعني الوفاء بالشروط حق وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج وهو المهر والنفقة ونحوهما فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره ولا يخفى حسنه قال الرافعي رحمه الله: وحمله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد كشرط المعاشرة بالمعروف ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته بخلاف ما يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها فلا يجب الوفاء به وأخذ أحمد رضي الله عنه بالعموم وأوجب الوفاء بكل شرط
(حم ق 4) في النكاح (عن عقبة بن عامر)

(2/418)


2189 - (إن أخا صداء) أي الذي هم من قبيلة صداء بضم الصاد والتخفيف والمد حي من اليمن زياد بن الحارث بايع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مصر سماه أخا لكونه منهم تقول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحدا منهم ومن بيت الحماسة حيث قال فيهم واصفهم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم. . . في النائبات على ما قال برهانا
أفاده الزمخشري (هو أذن) للصلاة (ومن أذن) لها (فهو) الذي (يقيم) لا غيره أي هو أحق بالإقامة ممن لم يؤذن لكن لو تعدى غيره وأقام اعتد بها ولا تعاد وفيه أن نظر الإقامة إلى الإمام فلو أقام بغير إذنه أجزأ وأما الأذان فنظره إلى المؤذن وفيه جواز ذكر الإنسان بما يميزه ولو غير اسمه وكنيته إذا لم يوهم نفعا
(حم د ت هـ) في الأذان (عن زياد بن الحارث الصدائي) قال: أمرني المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت وأراد بلال أن يقيم فذكره واللفظ للترمذي وقضية صنيع المصنف أن مخرجيه رووه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل تعقبه الترمذي [ص:419] بأنه إنما يعرف من حديث الأفريقي وهو ضعيف عندهم اه قال المناوي: وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة اه. وقال الذهبي رواه أبو داود من حديث الأفريقي عن زياد بن نعيم الصدائي والأفريقي ضعيف وزياد لا يعرف لكن صرح ابن الأثير بأن زياد بن الحارث صحابي معروف وقال نزل مصر وبايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأذن بين يديه

(2/418)


2190 - (إن أخوف ما أخاف) قال أبو البقاء: أخوف اسم إن وما نكرة موصوفة والعائد محذوف تقديره إن أخوف شيء أخافه (على أمتي) أمة الإجابة (الأئمة) جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد (المضلون) يعني إذا استقصيت الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال في المطامح: كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إصلاح أمته راغبا في دوام خيرتها فخاف عليهم فساد الأئمة لأن بفسادهم يفسد النظام لكونهم قادة الأنام فإذا فسدوا فسدت الرعية وكذا العلماء إذا فسدوا فسد الجمهور من حيث أنهم مصابيح الظلام انتهى وساق العلائي بسنده إلى ابن عمر أنه قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين ومن هذا الجنس ما في الكشاف عن الحجاج أنه قيل له إنك حسود فقال أحسد مني من قال " وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " وهذا من جرأته على الله وشيطنته كما حكى أنه قال طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال اتقوا الله ما استطعتم وأطلق طاعتنا فقال وأولي الأمر منكم ومن ضلالهم وضلالاتهم ما نقل عن بعض خلفاء بني مروان أنه قال لابن عبد العزيز أو الزهري بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب عليه معصية فقال يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أو الأنبياء قال تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ولما مات ابن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه حتى شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب
(حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا

(2/419)


2191 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول (كل منافق عليم اللسان) أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها يدعو الناس إلى الله ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه. قال الزمخشري رحمه الله: والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشكر استهزاء وخداعا ولذلك أنزل فيهم {إن المنافقين في الدرك الأسفل} انتهى. وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب القصور قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأبوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين المحمدية والعالمية وأكثر علماء الزمان ضربان ضرب منكب على حطام الدنيا لا يمل من جمعه وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهج في المزابل يطير من عذرة إلى عذرة وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه ولزمه خوف الفقر وحب الإكثار واتخذ المال عدة للنوائب لا يتنكر عليه تغلب الدنيا وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام شحا على رئاستهم يلتقطون الرخص ويخادعون الله بالحيل ديدنهم المداهنة وساكن قلوبهم المنى طمأنينتهم إلى الدنيا [ص:420] وسكونهم إلى أسبابها اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال وسيكافئهم الجبار المتعال
(حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وأبو يعلى. قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثوقون انتهى

(2/419)


2192 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئا بعد شيء لم يجد أخوف من (عمل قوم لوط) عبر به تلويحا بكونهم الفاعلين لذلك ابتداء وأنه من أقبح القبيح لأن كل ما أوجده الله في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب فيهما الشهوة للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل الحكمة الربانية وقد تطابق على ذمه وقبحه شرعا وعقلا وطبعا أما شرعا فلآية {وأمطرنا عليهم حجارة} روي أن جبريل عليه السلام رفع قرى قوم لوط على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها وأمطر عليهم الحجارة وأما عقلا فلأنه تعالى خلق الإنسان أفضل الأنواع وركب فيه النفس الناطقة المسماة بالروح بلسان الشرع والقوة الحيوانية لمعرفته تعالى ومعرفة الأمور العالية التي منها معرفة وجه حكمته وفي ذلك إبطال حكمته كما تقرر وأما طبعا فلأن ذلك الفعل لا يحصل إلا بمباشرة فاعل ومفعول به والقبح الطبيعي هو ما لا يلائم الطبع وهذا الغعل لا يلائم المفعول به إلا لأحد أمرين إما فيضان صورة الأنوثة عليه وإما لتولد مادة المنفد فيحصل تآكل ورعدة بالمحل تسكن بالفعل به وذلك نقيصة لا يلائم طبع الفاعل إلا بجعل النفس الناطقة تابعة للقوة الحيوانية وهو نقص لا يكنته كنهه ثم هل اللواط أغلظ أم الزنا؟ أقوال ثالثها هما سواء وللخلاف فوائد منها ما لو رأى رجلا يلوط وآخر يزني وبدفع أحدهما يفوت الآخر فأيهما يقدمه؟
(حم ت ك) كلهم في الحدود (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وفيه عبد الله بن محمد احتج به أحمد وقال ابن خزيمة لا يحتج به ولينه أبو حاتم

(2/420)


2193 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي الاشراك بالله) قيل أتشرك أمتك من بعدك قال نعم (أما) بالتخفيف (إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا) أي صنما (ولكن أعمالا لغير الله) أي رياء وسمعة (وشهوة خفية) قال الأزهري: أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع أي الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بتركه المعاصي والشهوة في قلبه وقيل الرياء ما ظهر من العمل والشهوة الخفية حب اطلاع الناس على العمل وسئل الحسن عن الرياء أهو شرك قال نعم أما تقرأ {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وقال العارف الجنيد: الذي يملك نفسه مالك والذي يملكه هواه مملوك ومن لم يكن الغالب على قلبه ربه فإنما يعبد هواه ونفسه ثم هذا الخبر لا يناقضه {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} لحمل هذا على المخاطبين المخصوصين بهذا الخطاب وأنه من قبيل الكشف له وذلك على الأعم وما قبل الكشف وفي الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمئة وستين كتابا في الحكمة حتى وصف بها فأوحى الله إلى نبيهم قل له قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني بشيء من ذلك ولا أقبل منه شيئا فندم وترك وخالط العامة وتواضع فأوحى الله إليه قل له الآن قد وافقت رضاي (تتمة) قال ابن عطاء الله: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجديد انحطاط عن الهمة العلية
(هـ) من رواية داود بن الجراح عن عامر بن عبد الله عن الحسن بن ذكوان عن عبادة (عن شداد بن أوس) ورواد ضعفه الدارقطني وعامر قال المنذري لا يعرف والحسن بن ذكوان قال أحمد أحاديثه بواطيل قال الحافظ العراقي ورواه أحمد عن شداد أيضا وزاد فيه قيل ما الشهوة الخفية قال يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيترك صومه ويفطر ثم قال أعني العراقي حديث لا يصح لعلة فيه خفية وعبد الوهاب بن زياد وهو ضعيف قال وبتقدير صحته فإبطال صومه [ص:421] لأجل شهوته مكروه بخلافه لأمر مشروع من زائر وعارض فلا تعارض بينه وبين حديث: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر

(2/420)


2194 - (إن أدنى أهل الجنة منزلة) زاد في رواية وليس فيهم دنيء (لمن ينظر إلى جنانه) بكسر الجيم جمع جنة وبفتحها (وأزواجه ونعمه) بفتح النون والعين إبله وبقره وغنمه أو هو بكسر النون وفتح العين جمع نعمة كسدرة وسدر والنعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم (وخدمه) بالتحريك جمع خادم غلاما كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل (وسرره) بضمتين جمع سرير وجمعه أيضا أسرة وقد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة كما في الصحاح وغيره (مسيرة ألف سنة) ذكره الطيبي (وأكرمهم على الله) أي أعظمهم كرامة عنده وأوسعهم ملكا (من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية) تمامه ثم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} قال البعض: ولم يرد به التوقيت إذ لا غدوة ثم ولا عشية وإنما اختص الإكرام بكثرة النظر لأنه لا شيء يقاوم تجليه ولولا تقويته لهم لصاروا دكا كالجبال لكنه قواهم ليستوفوا لذة النظر فينسيهم ذلك كل نعيم كانوا فيه {ذلك هو الفوز العظيم} وفيه أنه تعالى يراه المؤمنون في الجنة بمعنى حصول الحالة الإدراكية الحاصلة عند النظر إلى القمر من غير جهة ولا مقابلة وفيه أن الرؤيا يرجى نيلها بالمحافظة على العبادة في هذين الوقتين أي طرفي النهار ذكره ابن حجر
(ت) في صفة الجنة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي وغيره وفيه وبر بن أبي فاختة قال الذهبي واه اه وأقول فيه أيضا لبابة بن سوار قال في الكاشف صدوق يرى الإرجاء وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حجر في الفتح في سنده ضعيف

(2/421)


2195 - (إن أدنى أهل الجنة منزلا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها) جمع غرفة (وأبوابها) أي وجدرها وسائر أجزائها وليس ذلك ببعيد إذ هو القادر على كل شيء فيكرم أهل الجنة ما لا يخطر بقلب ولا يدرك بعقل وأحوال الجنة لا تقاس بأحوال الدنيا
(هناد) بن إبراهيم النسفي روى الكثير قال السمعاني الغالب على روايته المناكير ولعله ما روى في مجموعاته حديثا صحيحا إلا ما شاء الله وهو تلميذ المستغفري مات سنة خمس وستين وأربع مئة (في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد) بضم المهملة وفتح الموحدة (بن عمير) مصغر عمر بن قتادة الليثي مرادف الأسد قاضي مكة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل ابن عمير (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي وطائفة وذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر واستبعده الذهبي

(2/421)


2196 - (إن أرحم ما يكون الله بالعبد) أي أرحم حال يكون الله رحيما بالعبد فيها حال العبد (إذا وضع في حفرته) أي إذا ألحد لحده لأن أعظم فاقة يجدها العبد في ذلك الحال وأشد اضطرارا كان ويكون له الآن وفي الاستقبال ومن وصل إلى هذه الرتبة في الاضطرار وقطع النظر عما سوى الملك الغفار أفيض عليه من بحر الرحمة الزخار [ص:422] وظاهره أن المراد بالعبد المؤمن لا الكافر
(فر عن أنس) وفيه نوح بن سالم قال الذهبي قال ابن معين ليس بشيء

(2/421)


2167 - (إن أرواح الشهداء في طير خضر) أي يكون الطائر ظرفا لها لقوله في خبر أبي داود في أجواف طير وليس هذا بحصر ولا بحبس لأنها إما أن توسع عليها كالفضاء أو يجعل في تلك الحواصل من النعيم ما لا يوجد في فضاء واسع والمراد أنها نفسها تكون طيرا بأن تمثل بصورته كتمثل الملك بشرا سويا وتحقيقه أن الأرواح بعد مفارقة البدن مجردة فهي في غاية اللطافة وما كان كذلك فظهوره وتعينه في حقيقة كل متعين ومرتية وعالم إنما يكون بحسب قابلية الأمر المعين والمرتبة المقتضية تعينه وظهوره فيها ويعرف بهذا سر تجسد الأرواح الملكية وكون جبريل يسعه أدنى جزء من الأرض كحجرة عائشة رضي الله عنها مع أن له ست مئة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم؟ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخا وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيرا شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية (تعلق) بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها (من ثمرة الجنة) فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول قال الطيبي: الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا اتصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة قال ابن القيم: وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن <تنبيه> قال العلم البلقيني قال السبكي رضي الله عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث " إن أرواح الشهداء إلخ " فحضر العلم العراقي فاستقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد حبس للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع (عجيبة) رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلا من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيرا فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غدا وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبدا
(ت عن كعب بم مالك) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح

(2/422)


2198 - (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة) وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها [ص:423] أعداء الله شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في المطامح: الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر: الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي: وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه الله تعالى: الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه. وقال ابن الزملكاني: اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطرابا كثيرا ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قبض أرواحنا وقوله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحا حتى يكتب أخلاقا ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفسا وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقا بل يفصل كما ذكر
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك

(2/422)


2199 - (إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور (ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى فما اقتضاه صنيع المصنف من أن ما ذكر هو الحديث بكماله غير جيد
(طس) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري والهيثمي ورجالهما رجال الصحيح

(2/423)


2200 - (إن أشد) وفي رواية لمسلم إن من أشد بزيادة من (الناس عذابا) نصب على التمييز (يوم القيامة) الذي هو يوم وقوع الجزاء (المصورون) لصورة حيوان تام في نحو ورق أو قرطاس أو حجر أو مدر لأن الأصنام التي كانت تعبد [ص:424] كانت بصورة الحيوان وشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وظرف ونمط وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم وعجب من الإمام الطيبي مع كونه شافعيا وقع فيما ذهب إليه هذا القائل مع كون منقول مذهبه خلافه وخرج بالحيوان غيره كشجر وبالتام مقطوع نحو رأس مما لا يعيش بدونه وبتصويره على ما ذكر اسمه على نحو مائع أو هواء قال الحرالي: والتصوير إقامة الصورة وهي تمام المبادىء التي يقع عليها حسن الناظر لظهورها فصورة كل شيء تمام بدوه
(حم م) من حديث مسلم بن صبيح عن مسروق (عن ابن مسعود) قال مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق هذي تماثيل كسرى فقلت في هذا تماثيل مريم فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بواسطة ابن مسعود فذكره

(2/423)


2201 - (إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف (باع آخرته بدنيا غيره) أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلا به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال:
أكلف نفسي كل يوم وليلة. . . هموم هوى من لا أفوز بخيره
كما سود القصار بالشمس وجهه. . . حريصا على تبييض أثواب غيره
(تخ عن أبي أمامة) وإسناده حسن

(2/424)


2202 - (إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا وإن أشد الناس تكذيبا) للناس (أكذبهم حديثا) فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به (1)
(أبو الحسن القزويني) بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهدا عابدا من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب (في) كتاب (أماليه) الحديثية (عن أبي أمامة) الباهلي
_________
(1) قال الشيخ لأن الإنسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الإلماح بما في قصة آدم فيما ذكره الله بقوله {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وأنهما قبلا منه لظنهما أنه لا يحلف بالله كاذبا

(2/424)


2203 - (إن أطيب طعامكم) أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان (ما) أي شيء مأكول (مسته النار) أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شيء أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره: مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مسا أصابه (1)
(ع طب عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه
_________
(1) قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره

(2/424)


2204 - (إن أطيب الكسب) أي من أطيبه (كسب التجار) قال الحرالي: الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار [ص:425] على إحساس بمنة فيه وقوة عليه (الذين إذا حدثوا) أي أخبروا عن السلعة وشأنها (لم يكذبوا) في أخبارهم للمشتري بشيء من ذلك (وإذا ائتمنوا) أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله (لم يخونوا) فيما ائتمنوا عليه (وإذا وعدوا) بنحو وفاء ديون التجارة (لم يخلفوا) اختيارا (وإذا اشتروا) سلعة (لم يذمو) ها (وإذا باعوا) سلعة (لم يطروا) (1) أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شيء فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن (وإذا كان) عليهم ديون لم يمطلوا (2) أربابها أي يسوفوا وإذا كان (لهم) ديون وتقاضوها (لم يعسروا) أي يضيقوا أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود الله الذين أخذ الله عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} (3)
(هب عن معاذ) وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره
_________
(1) يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الإطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه
(2) قال في المصباح مطلت الحديدة مطلا من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطلة بدينه مطلا سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى
(3) قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والصناعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولأنها أعم نفعا ولأن الحاجة إليها أعم وفيها عمل البدن أيضا ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها

(2/424)


2205 - (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله وأهنأه (من كسبكم) يعني إن أطيب أكلكم مما كسبتموه بغير واسطة لقربه للتوكل وتعدى نفعه كذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه ويسمى الولد كسبا مجازا وذلك لأن والده سعى في تحصيله والكسب الطلب والسعي في الرزق ونفقة الأصل الفقير واجبة على فرعه عند الشافعي رضي الله عنه قال وقوله من كسبكم خبر إن ومن ابتدائية يعني إن أطيب أكلكم مبتدئا بما كسبتموه بغير واسطة أو بواسطة من كسب أولادكم
(تخ ت ن هـ) في البيع إلا الترمذي ففي الأحكام (عن عائشة) لكن لفظ أبي داود وابن ماجه " ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " والحديث حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وهما لا يعرفان

(2/425)


2206 - (إن أعظم الذنوب) أي من أعظمها على وزان قولهم فلان أعقل الناس أي من أعقلهم (عند الله أن يلقاه بها عبد) أي أن يلقى الله بها ملتبسا (بعد الكبائر التي نهى الله عنها) في القرآن والسنة (أن يموت الرجل وعليه دين) جملة حالية (لا يدع) أي لا يترك (له قضاء) (1) قال الطيبي: قوله أن يلقاه خبر وأن يموت بدل منه لأنك إذا [ص:426] قلت إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل وعليه دين استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ورجل مظهر أقيم مقام العبد أو لاستبعاد ملاقاته مالكه بهذا الشين ثم إعادته بلفظ رجل وتنكيره تحقيرا وتوهينا له وإنما جعله هنا دون الكبائر لأن الاستدانة لغير معصية غير معصية والقائم بعدم وفائه بسبب عارض من تضييع حق الآدميين وأما الكبائر فمنهية لذاتها
(حم د) في البيوع (عن أبي موسى) الأشعري ولم يضعفه فهو صالح وسنده جيد
_________
(1) وهذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية

(2/425)


2207 - (إن أعظم الناس) أي من أعظمهم (خطايا) جمع خطيئة وهو الإثم والذنب (يوم القيامة) يوم وقوع الجزاء (أكثرهم خوضا في الباطل) أي مشيا فيه إذ {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وكم من كلمة لا يلقى لها الخائض بالا يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا كما سبق قال في المصباح: خاض الرجل في الماء مشى فيه وخاض في الأمر وخاض في الباطل دخل فيه. وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي بيطل مع المبطلين
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في الصمت) أي في كتابه الذي ألفه في فضل الصمت (عن قتادة) ابن دعامة (مرسلا)

(2/426)


2208 - (إن أعمال العباد تعرض (1)) زاد في رواية على رب العالمين (يوم الإثنين ويوم الخميس) فليستح عبد أن يعرض على من أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه ولا يعارضه خبر رفع عمل الليل قبل النهار والنهار قبل الليل لأنها تعرض كل يوم ثم تعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم أعمال السنة في شعبان فيعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة استأثر بها الله أو أطلع عليها من شاء أو المراد تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو عكسه
(حم د عن أسامة بن زيد) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فذكره
_________
(1) ومعنى العرض هنا الظهور وذلك أن الملائكة تقرأ الصحف في هذين اليومين

(2/426)


2209 - (إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل) يوم (خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) أي قريب بنحو إساءة أو هجر فعمله لا ثواب فيه وإن كان صحيحا وسبق أنه لا تلازم بين الصحة وعدم القبول وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة أي إن كان بما ذكر بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة كما قاله العلامة الولي العراقي ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال والعشية ما بين العشاءين أو آخر النهار أو من الزوال إلى الصباح أو أول ظلام الليل أو غير ذلك وهي مؤنثة وربما ذكرت على معنى العشي قال في الاتحاف: ذكر العرض في الوقت المذكور بفهم أنه لا يقع في غيره وليس مرادا لما ورد أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس وعليه فذكر العرض المتعلق بهذا في عشية الخميس لاحتمال التخصيص بهذا العمل بترك العشية ويحتمل وهو أقرب أن الحكم بعدم القبول يؤخر إلى ليلة الجمعة في العشية المذكورة فإن رجع إلى الحق وتاب قبل العمل عشية الخميس وإلا رد وفيه إشارة إلى أن الشخص ينبغي له تفقد نفسه في تلك العشية ليلقى ليلة الجمعة على وجه حسن
(حم خد عن أبي هريرة) قال الهيثمي كالمنذري رجاله ثقات

(2/426)


[ص:427] 2210 - (إن أغبط الناس عندي) في رواية إن أغبط أوليائي أي أحسنهم حالا (لمؤمن خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي قليل المال خفيف الظهر من العيال (ذو حظ من الصلاة) أي ذو راحة من مناجاة الله فيها واستغراق في المشاهدة ومنه خبر أرحنا يا بلال بالصلاة (أحسن عبادة ربه) تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص وعليه فقوله (وأطاعه في السر) عطف تفسيري على أحسن (وكان غامضا في الناس) أي مغمورا غير مشهور (لا يشار إليه) أي لا يشير الناس إليه (بالأصابع) بيان وتقرير لمعنى الغموض (وكان رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد ولا ينقص (فصبر على ذلك) بين به أن ملاك ذلك كله الصبر وبه يقوى على الطاعة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} (عجلت منيته) أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة (وقل تراثه (1)) وزاد في رواية وقلت بواكيه: أي لقلة عياله وهوانه على الناس وعدم احتفالهم به قال ابن عربي: هؤلاء هم الرجال الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها رجال اقتطعهم الله إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة وليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبهم فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة لا يعرفون بخرق عادة ولا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة فهم الأتقياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس والأولياء الأكابر إذا تركوا أنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلا لعلمهم بأنه تعالى إنما خلقهم له فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق بغير اختيار منهم بما يجعل في قلوب الخلق لهم فذلك إليه ما لهم فيه عمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدرا يعظمونهم من أجله فذلك إليه سبحانه فلا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم اختاروا الستر والانقطاع إليه (تتمة) قال ابن عطاء الله: لا تنسبن نفسك لعفاف ولا لتقلل وكفاف ولكن اشهد فضل الله عليك
(حم ت هـ ك) في الأطعمة وصححه (عن أبي أمامة) قال ابن القطان وأخطأ من عزاء لأبي هريرة قال في المنار: وهو ضعيف إذ يرويه عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم وهم ضعفاء اه قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له بل هو إلى الضعف ما هو قال الحافظ العراقي رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين وقال ابن الجوزي حديث لا يصح رواته ما بين مجاهيل وضعفاء ولا يبعد أن يكون معمولهم اه
_________
(1) أي المال الذي خلفه وهذا صفة أويس الفرني وأضرابه من أهل الظاهر وفي الأولياء من هو أرفع درجة من هؤلاء وهو عبد قد استعمله الله فهو في قبضته به ينطق وبه يبصر وبه يسمع وبه يبطش جعله صاحب لواء الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء وخاصة الله وموقع نظره ومعدن سره وسوطه يؤدب به خلقه ويحيي القلوب الميتة برؤيته وهو أمير الأولياء وقائدهم والقائم بالثناء على ربه بين يدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يباهي به الملائكة وهو القطب

(2/427)


2211 - (إن أفضل الضحايا) جمع أضحية وضحية (أغلاها) بغين معجمة (وأسمنها) أكثرها شحما ولحما يعني التضحية بها أكثر ثوابا عند الله تعالى من الهزيلة كما سبق تقريره قال الشافعية والأسمن أفضل من العدد وكثير اللحم غير الرديء خير من كثير الشحم <تنبيه> قال في المصباح: الأضحية فيها لغات ضم الهمزة في الأكثر وهي في تقدير أفعولة وكسرها اتباعا لكسرة الحاء والجمع أضاحي والثالثة ضحية والجمع ضحايا كعطية وعطايا والرابعة أضحاه بفتح الهمزة [ص:428] والجمع أضحى ومنه عيد الأضحى وضحى تضحية ذبح الأضحية وقت الأضحى هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت شاء من أيام التشريق
(حم ك عن رجل) من الصحابة

(2/427)


2212 - (إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) أي يقصد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يعني هو أكثر الأعمال ثوابا وسبق الجمع بينه وبين نحو خبر أفضل الأعمال الصلاة
(طب عن بلال) المؤذن

(2/428)


2213 - (إن أفضل عباد الله يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وكشف الغطاء ونتيجة الأمر (الحمادون) لله أي الذين يكثرون حمد الله أي وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السراء والضراء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام حتى في حال الانتقام قال في الكشاف والتحميد في الجنة على وجه اللذة لا الكلفة
(طب عن عمران بن حصين) بالتصغير

(2/428)


2214 - (إن أفواهكم طرق للقرآن) أي للنطق بحروف القرآن عند تلاوته (فطيبوها بالسواك) أي نظفوها لأجل ذلك باستعمال آلة السواك المعروفة إظهارا لشرف العبادة ولأن الملك يضع فمه على فم القارىء فيتأذى بالريح الكريه قال الغزالي: وينبغي أن ينوي بالسواك تطهير فمه للقراءة زذكر الله في الصلاة هذا لفظه <تنبيه> أخذ بعض الصوفية من هذا أنه كما شرع تنظيف الأفواه للقراءة من الدنس الحسي يشرع من القذر المعنوي فيتأكد لحملة القرآن صون اللسان عن نحو كذب وغيبة ونميمة وأكل حرام إجلالا لكلام الملك العلام ولهذا قال بعضهم: طهروا أفواهكم للقراءة فإن من يدنس فمه بطعام أو كلام حرام كمن يكتب القرآن على نجاسة والقوم يشهدون القذر الحكمي كالحسي فيرون تضمخ اللسان مثلا بدم اللثة أخف من تضمخه بغيبة ونميمة
(أبو نعيم) الحافظ (في كتاب) فضل (السواك) له (والسجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين وهو عند أبي نعيم من حديث بحر بن كثير السقا قال الذهبي في الضعفاء اتفقوا على تركه عن عثمان بن عمر وابن ساج أورده أيضا في الضعفاء وقال: تكلم فيه عن سعيد بن جبير عن علي قال الديلمي: وسعيد ولم يدرك عليا اه. فعلم أن فيه ضعفا وانقطاعا ورواه ابن ماجه موقوفا على علي وهو أيضا ضعيف وقد بسط مغلطاي ضعفه ثم أفاد أنه وقف عليه من طرق سالمة من الضعفاء عن علي مرفوعا بلفظ إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شيء إلا دخل جوف الملك فطهروا أفواهكم بالسواك اه

(2/428)


2215 - (إن أقل ساكني الجنة النساء) أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين: القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيرا فيكون سكناهن في الجنة قليلا بالنسبة لمن دخل قبلهن وإنما قلنا ذلك لأن السكنى في الجنة غير متناهية فلا توصف بقلة ولا كثرة
(حم م عن عمران بن حصين)

(2/428)


2216 - (إن أكبر الإثم عند الله) أي أعظمه عقوبة عليه (أن يضيع الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد كل من تلزمه نفقة غيره (من [ص:429] يقوت) أي من عليه قوته أي تلزمه مؤونته من نحو زوجة وأصل وفرع وخادم بترك الإنفاق عليهن مع اليسار وفقد الأعذار والمراد أن ذلك من أكبر الآثام لا الأكبر مطلقا فقتلهم أكبر جرما من عدم إنفاقهم وتجويعهم وتقدم لذلك نظائر
(طب عن ابن عمرو) بن العاص

(2/428)


2217 - (إن أكثر) بثاء مثلثة (الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) لفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه في الآخرة بدل القيامة فليحرر فإن بعض الناس يعذب يوم القيامة بالجوع وبعضهم يؤذن له في الأكل من أرض المحشر التي هي خبزة بيضاء ومقصود الحديث التنفير من الشبع لكونه مذموما فإن من كثر أكله كثر شربه فكثر نومه فتلبد ذهبه فقسا قلبه فكسل جسمه ومحقت بركة عمره ففتر عن عبادة الودود فطرد يوم القيامة عن مناهل الورود فإن لم يحفه لطف المعبود ورد النار وبئس الورد المورود وحكم عكسه عكس حكمه فمن اشتغل قلبه بما يصير إليه من الموت وما بعده منعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته فجاء يوم القيامة شبعان وفوائد الجوع العاجلة والآجلة المتكلفة بالرفعة في الدارين لا تحصى فإن أردت الوقوف عليها فعليك بنحو الإحياء ولا يعارضه خبر أنهم أكلوا عند أبي الهيثم حتى شبعوا لأن المنهي عنه الشبع المثقل للمعدة المبطىء بصاحبه عن العبادة كما تقرر والقسطاس المستقيم ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. <تنبيه> ذكروا أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة: الأول ما تقوم به الحياة والثاني يزيد حتى يصوم ويصلي من قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقدر على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مندوبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد عليه وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهو البطنة المنهي عنها وهذا حرام. قال ابن حجر: ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني
(خاتمة) قال العارف ابن عربي: أركان الطريق أربعة الصمت والجوع والعزلة والسهر وينشأ عن هذه الأربعة معرفة الله والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه وأعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة تبدلت بشريته ملكية وعبودية سيادة وعقله حسا وغيبته شهادة وباطنه ظاهرا وإذا رحل عن موضع وترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أهل ذلك الموطن فإن ظهر شوق من أناسي ذلك الموطن شديد لذلك الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تكسها بدله فكلمتهم وكلمته وهو غائب
(هـ ك عن سليمان) وفيه عند ابن ماجه محمد بن الصباح قال في الكاشف وثقه أبو زرعة وله حديث منكر وزيد بن وهب قال في ذيل الضعفاء ثقة مشهور وقال النسوي في حديثه خلل كبير وقال ابن حجر أخرجه ابن ماجه عن سليمان بسندين وخرجه عن ابن عمر بنحوه وفي سنده مقال وخرجه البزار عن أبي جحيفة بسند ضعيف

(2/429)


2218 - (إن أكثر) بمثلثة بخط المؤلف (شهداء أمتي لأصحاب الفرش) أي الذين يألفون النوم على الفراش ولا يهاجرون الفراش ويتصدون للغزو. قال الحكيم هؤلاء قوم اطمأنت نفوسهم إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعا وبذلوها له إيثارا لمحبته على محبتها فهم ومن قتل في معركة الكفار سيان فينالون منازل الشهداء لأن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار وهؤلاء بذلوها طول الأعمار (ورب قتيل بين الصفين) في قتال الكفار بسببه (الله أعلم بنيته) هل هي نية إعلاء كلمة الله وإظهار دينه أو ليقال شجاع باسل أو لينال حظا وافرا من الغنائم أو يكثر ماله ليطلب الملك والرياسة وغير ذلك من المقاصد التي لا يطلع عليها إلا المطلع على الضمائر. [ص:430]
<تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله
(حم عن ابن مسعود) جزم المصنف بعزوه لأحمد عن ابن مسعود غير جيد وذلك لأن أحمد إنما قال عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمدا خبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الهيثمي: هكذا رواه أحمد ولم أره ذكر ابن مسعود والظاهر أنه مرسل وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات اه نعم قال ابن حجر في الفتح الضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد خرجه في مسند ابن مسعود قال ورجال سنده موثقون

(2/429)


2219 - (إن أمامكم) في رواية ورائكم (عقبة) أي جبل (كؤود) بفتح الكاف أي شاقة المصعد (لا يجوزها المثقلون) من الذنوب المتضمخون بأدناس العيوب أي إلا بمشقة عظيمة وكرب شديد بل من طهر قلبه عن الأخلاق الذميمة وعمره بالخصال الحميدة وكلما غدا المطلب وشرف صعب مسلكه وطال منهجه وكثرت عقباته وشقت مقاساته وتلك العقبة هي الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله ثم الحساب ثم الجنة أو النار. قال ذو النون: حق لابن آدم أن تبكي السماوات والأرض لخفاء السابقة وإبهام العاقبة ومطالبة الشريعة وثقل التكليف وسقوط العذر وكثرة ما أمامه من العقبات وكما أن أمام ابن آدم عقبات أخروية فأمامه قبلها عقبات دنيوية. قال حجة الإسلام: وهي سبع مترتبة عقبة العلم وعقبة التوبة وعقبة العوائق وعقبة البواعث وعقبة الفوادح وعقبة الحمد والشكر وشرح ذلك مما لا يحتمل المقام بعضه
(هب ك) في الفتن عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) وقال صحيح وأقره الذهبي وسببه كما في الطبراني قالت أم الدرداء لأبي الدرداء ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فساقه ثم قال فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة قال الهيثمي رجاله ثقات

(2/430)


2220 - (إن أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة والمراد المتوضئون منهم (يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون. قال الراغب: الدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل يا من غير أن ينضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان قد يستعمل كل منهما محل الآخر ويستعمل استعمال التسمية كدعوت ابني زيدا أي سميته (يوم القيامة) أي موقف الحساب أو الميزان أو الصراط والحوض أو غير ذلك (غرا) بضم فتشديد جمع أغر أي ذو غرة والغرة بالضم بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو حال أي أنهم إذا دعوا يوم التنادي على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف أو كانوا على هذا النعت. قال الطيبي: ولا تبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة الأحمر للمناسبة بين الاسم والمسمى (محجلين) من التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في غيره قل أو كثر بعد ما يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين (من آثار الوضوء) بضم الواو وجوز القشيري فتحها على أنه الماء ولا دلالة في هذا على أن الوضوء من خصائصنا بل الغرة والتحجيل خاصة بدليل ما رواه البخاري في قصة سارة (1) فقامت تتوضأ وقصة جريح الراهب قام فتوضأ وأما خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء مع قبلي مع احتمال أنه من خصائص الأنبياء لا أممهم كما مر بسطه فضعيف (فمن استطاع) أي قدر (منكم) أيها المؤمنون (أن يطيل غرته) أي وتحجيله على وزن {سرابيل تقيكم الحر} [ص:431] واقتصر على الغرة لشمولها للتحجيل على ما عليه كثير أو لأن محلها أشرف الأعضاء وأول ما يقع عليه النظر وزعم أنه كنى بالغرة عن التحجيل لعدم إمكان غسل زيادة في الوجه باستلزامه قلب اللغة وما نفاه ممنوع بإمكان غسله إلى صفحة العنق ومقدم الرأس ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على الغرة والتحجيل معا متوقف على ثبوت وروده وأنى به (فليفعل) أي فليفعل الإطالة بأن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائدا على الواجب وما فوق الواجب من يديه ورجليه واعلم أن الاستطاعة إذا أضيفت للعبد فهي والقدرة والقوة بمعنى عند أهل الأصول وهي نوعان أحدهما سلامة الأسباب والآلات وهي متقدمة على الفعل إجماعا وحدها التهيؤ لتنفيذ الفعل عن إرادة المختار والثاني حقيقة القدرة وهي نوع جدة يترتب على إرادة الفعل إرادة جازمة مؤثرة في وجوده والاستطاعة هنا من الطراز الأول ومعناه من قدر منكم أن يعرف ويشتهر في عرصات القيامة وينادى بذلك فليفعل تلك الإطالة فحذف المفعول اختصارا وفيه رد على منع ندب إطالتهما كالأئمة الثلاثة وتأويلهم الإطالة المطلوبة بإدامة الوضوء عورض بأن الراوي أدرى بما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع ونقل ابن تيمية وابن القيم وابن جماعة عن جمع من الحفاظ أن قوله فمن استطاع إلى آخره زيادة مدرجة من كلام أبي هريرة وقال ابن حجر: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير زيادة نعيم هذه
(ق) في الطهارة (عن أبي هريرة) لكن قال مسلم يأتون بدل يدعون وسببه كما في مسلم أن نعيم بن عبد الله رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى بلغ إلى الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره
_________
(1) أي مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا الوضوء

(2/430)


2221 - (إن أمتي) أي أمة الإجابة (لن) وفي لفظ لا (تجتمع على ضلالة) ومن ثم كان إجماعهم حجة (فإذا رأيتم اختلافا) في أمر الدين كالعقائد والدنيا كالتنازع في شأن الإمامة العظمى أو نحو ذلك (فعليكم بالسواد الأعظم) من أهل الإسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه فمن خالف مات ميتة جاهلية
(هـ عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الدارقطني في الأفراد وابن أبي عاصم واللالكائي قال ابن حجر رحمه الله تعالى: حديث تفرد به معاذ بن رفاعة عن أبي خلف ومعاذ صدوق فيه لين وشيخه ضعيف

(2/431)


2222 - (إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا) وفي رواية بدله مواتيا (حتى يتكلموا في الولدان والقدر) بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئا
(طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أولى

(2/431)


2223 - (إن أمين هذه الأمة) أي الثقة الرضي (أبو عبيدة) عامر (بن الجراح) قد شاركه غيره من الصحب في الأمانة لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليه وكان أخص بها وناهيك بمن قال عمر رضي الله [ص:432] عنه في حقه عند عهده بالخلافة: لو كان حيا (1) لاستخلفته (2) (وإن حبر هذه الأمة) بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح أي عالمها (عبد الله ابن عباس) ترجمان القرآن كيف لا وقد دعا له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
(خط عن) عبد الله (ابن عمر) ابن الخطاب وفيه كوثر بن حكيم قال الذهبي في الضعفاء تركوه وضعفوه اه وساقه في الميزان في ترجمة الحسن بن محمد البغدادي وقال هذا باطل وقال في اللسان هذا لا ذنب فيه للحسين والحمل فيه على كوثر فإنه متهم بالكذب
_________
(1) أي لأنه توفي في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك سنة ثمان عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان رضي الله عنه يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن ولما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسين ورحلة فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل وقال عمر لأصحابه به تمنوا فقال رجل أتمنى أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح اه من صفة الصفوة لابن الجوزي
(2) تتمته كما في صفة الصفوة فإن سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح

(2/431)


2224 - (إن أناسا من أمتي) أمة الإجابة (يأتون بعدي) أي بعد موتي (يود) أي يحب ويتمنى (أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله) هذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد وجد في كل عصر من يود ذلك ممن لا يحصى حتى قال بعض الأكابر: لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عشت ذلك اليوم
(ك) في المناقب (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي

(2/432)


2225 - (إن أناسا من أمتي يستفقهون في الدين) أي يتفقهون في أحكامه فيصيرون فقهاء (ويقرأون القرآن ويقولون) أي يقول بعضهم لبعض (نأتي الأمراء) أي ولاة أمور الناس (فنصيب من دنياهم) حظا يعود نفعه علينا (ونعتزلهم بديننا) فلا نوافقهم على ارتكاب المعاصي (ولا يكون ذلك) أي السلامة من ارتكاب الآثام مع مخالطتهم والإصابة من دنياهم (كما لا يجتني من القتاد) شجر كثير الشوك ينبت بنجد وتهامة وفي المثل دونه خرط القتاد (إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) لأن الدنيا خضرة وحلوة وزمامها بأيدي الأمراء ومخالطهم لا ينفك عن التكلف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم وتحسين حالهم لهم مع ما هم عليه من الظلم وذلك هو السم القاتل فمخالطتهم مفتاح لعدة شرور. قال الغزالي: إذا مالت قلوب العلماء إلى الدنيا وأهلها سلبها الله ينابيع الحكمة وأطفأ مصابيح الهدى من قلوبهم
(د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا

(2/432)


[ص:433] 2226 - (إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل) أي نأمر بالمعروف ولا نأتمر وننهى عن المنكر ونأتيه والحديث ناع على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث فعله (1) ولهذا قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم ولا يعمل كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وروي أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام وكان يعظه فلم يتعظ فدعا عليه فخرج ففقده فلم يجد له أثر حتى جاء رجل وبيده خنزير بحبل في عنقه فقال أتعرف فلانا؟ هو ذا فسأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرده لحاله فيسأله فأوحى الله إليه لو دعوتني بما دعاني آدم فمن دونه ما أجبتك فيه لكن أخبرك أنه كان يطلب الدنيا بالدنيا قال العارف البسطامي: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم وخطره قال الغزالي رحمه الله: وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول إذا كان ورود هذا الخطر العظيم في العلم فتركه أولى فلا تظنن ذلك فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلعت ليلة المعراج على النار فرأيت أكثر أهلها الفقراء قالوا من المال؟ قال لا من العلم فمن لم يتعلم العلم لا يمكنه إحكام العبادة والقيام بحقوقها ولو أن رجلا عبد الله بعبادة ملائكة السماء بغير علم كان من الخاسرين فتشمر في طلب العلم والتلقين والتدريس واجتنب الكسل والملال وإلا فأنت في خطر الضلال
(طب عن الوليد بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وهو ابن أبي معيط الأموي أخو عثمان لأمه من الطلقاء استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وولى الكوفة ولما قتل أخوه اعتزل الفتنة بالرقة. قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن حكيم الداهري ضعيف جدا انتهى وسبقه الذهبي فقال: الداهري متهم
_________
(1) وفي قصة الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأناس تقرض شفاههم وألسنتهم بالمقاريض فقال صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فقال له جبريل هؤلاء خطباء السوء من أمتك يقولون ما لا يفعلون

(2/433)


2227 - (إن أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدعاء) أي الصلاة فهي أعظم أنواع البر بحيث بلغت لعظمتها أنه لو وضع ثوابها في كفة ووضع ثواب جميع أنواع العبادات في كفة لعادلتها وحدها واحتمال إجرائه على ظاهره من إرادة حقيقة الدعاء يحتاج إلى تعسف في التوجيه (1)
(ابن صصري في أماليه) الحديثية (عن أنس) بن مالك
_________
(1) وحمله العزيزي على ظاهره فإنه قال فلو وضع ثوابه في كفة ووضع ثواب جميع العبادات في كفة لعادلها وهذا خرج على منهج المبالغة في مدحه والحث عليه

(2/433)


2228 - (إن أهل الجنة ياكلون فيها ويشربون) أي يتنعمون فيه بالأكل وغيره تنعما لا آخر له على هيئة نعيم الدنيا لكن لا نسبة بينهما في اللذة والنفاسة (و) لكن (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون) كما لأهل الدنيا (ولا يتمخطون) أي لا يكون لهم مخاط (ولكن طعامهم ذلك) أي رجيع طعامهم الذي يطعمونه (جثاء) كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (ورشح كرشح المسك) وعرق يخرج من أبدانهم رائحته كرائحة المسك في الذكاء يعني أن العرق الذي يترشح منهم ريحه كالمسك وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم لما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لا عجم لها ولا ثقل لم تكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب الدنيا. قال السمهودي: وهذه الصفات لا تختص بالزمرة الأولى التي اقتصر عليها في إحدى روايات [ص:434] الصحيح قال ونعيم أهل الجنة ولباسهم وطعامهم ليس عن دفع ألم يعتريهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة وحكمته أنه تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم عليه ما لم يعلمه إلا هو (يلهمون التسبيح والتحميد) أي يوفقون لهما والإلهام إلقاء شيء في النفوس يبعث على فعل أو ترك (كما تلهمون) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم (النفس) بفتح الفاء بضبط المصنف وفي نسخة التنفس بزيادة تاء قبل النون وهي من زوائد النساخ إذ لا وجود لها في خط المصنف يعني يعني لا يتعبون من التسبيح والتهليل كما لا تتعبون أنتم من التنفس ولا يشغلهم شيء عن ذلك كالملائكة أو أراد أنها تصير صفة لازمة لا ينفكون عنها كالتنفس اللازم للحيوان وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم تنعمت برؤيته وغمرتهم سوابغ نعمته فامتلأت قلوبهم بمحبته وألسنتهم ملازمة لذكره رهينة لشكره ومن أحب شيئا أكثر من ذكره
(حم م د عن جابر) قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم قال إن الذي يشرب يكون له الحاجة الجنة مطهرة فذكره

(2/433)


2229 - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (1) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض. قال الزمخشري: والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي
_________
(1) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين

(2/434)


2230 - (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون) أنتم يا أهل الدنيا فيها (الكوكب الدري) بضم فكسر مشددا نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره (الغابر) بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والمراد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى (فائدتان) إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة: إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات [ص:435] (في) رواية لمسلم من (الأفق) متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا (من المشرق والمغرب) شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد (لتفاضل ما بينهم) يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار. ذكره الطيبي
(حم ق) في صفة الجنة (عن أبي سعيد) الخدري (ت هـ عن أبي هريرة) وحسنه وقضية صنيع المؤلف أن ما أورده هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح البخاري قالوا يا رسول الله تلم منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين انتهى بنصه

(2/434)


2231 - (إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم) منزلة (كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء) أي طرفها (وإن أبا بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (منهم وأنعما) أي زادا في الرتبة وتجاوزا تلك المنزلة فقوله وأنعما عطف على المقدر في منهم أي أنهما استقرا منهم وأنعما وقيل أراد بأنعما صارا إلى النعيم (1) وسيلقاك لهذا تتمة على الأثر
(حم ت هـ حب عن أبي سعيد) الخدري (طب عن جابر بن سمرة) قال الهيثمي فيه الربيع بن سهل الواسطي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) بن العاص (وعن أبي هريرة) رضي الله عنهما وذكر الديلمي أن الشيخين خرجاه
_________
(1) أي ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال وفي بعض طرق الحديث قيل ما معنى وأنعما قال وأهل ذلك هما

(2/435)


2232 - (إن أهل عليين يشرف) أي ينظر ويعلو (أحدهم على الجنة) أي لينظر إليها من محل عال قال في الصحاح وغيره: الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال وأشرف عليه اطلع من فوق (فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا) فأصل ألوان أهل الجنان البياض كما في الأوسط والصغير للطبراني بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعا في وصفهم جرد بيض جعد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين وعند الطبراني من حديث ابن عمر جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل واستفهم فقال فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام (وإن أبا بكر وعمر منهم) أي من أهل عليين (وأنعما) قال الزمخشري: كلمة نعم استعملت في حمد كل شيء واستجادته وتفضيله على جنسه ثم قيل إذا عملت عملا فأنعمه أي فأجده وجيء به على وجه [ص:436] يثني عليه بنعم العمل هذا ومنه دق الدواء دقا ناعما ودقه فأنعم دقه ومنه قوله هنا وأنعما أي فضلا وزادا على كونهما من جملة أهل عليين انتهى
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري

(2/435)


2233 - (إن أهل الجنة يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضا فيها (على النجائب) جمع نجيبة قال الأزهري: وهي عتاق الإبل التي يسابق عليها انتهى وبه يتبين سر تعبيره بالنجائب دون النوق (بيض) صفة النجائب (كأنهن الياقوت) أي الأبيض إذ هو أنواع (وليس في الجنة شيء من البهائم) جمع بهيمة (إلا الإبل والطير) أي بسائر أنواعها فإن قلت: سيجيء في خبر إن فيها الخيل أيضا وذلك يعارض الحصر المذكور هنا قلت: ويمكن التوفيق بأنها جنان متعددة فبعضها ليس فيها من البهائم إلا ذينك وبعضها فيه خيل فقط والبعض فيه الكل والبهيمة تطلق ويراد بها كل ذات أربع من دواب البر والبحر ويطلق ويراد كل حيوان لا يميز
(طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي رحمه الله: وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف

(2/436)


2234 - (إن أهل الجنة يدخلون على الجبار) سبحانه (كل يوم مرتين) أي في مقدار كل يوم من أيام الدنيا مرتين فإن قلت: ما حكمة تعبيره هنا بالجبار دون غيره من الأسماء والصفات قلت: لأن الجبار إما من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله وهو تلافي خلل المؤمنين بالعفو عن مسيئهم ورفع درجات مقصريهم في الأعمال وإما من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم فهو أعلى العباد فهو إشارة إلى أنهم يؤذن لهم في العروج إلى حضرة عالية المنار رفيعة المقدار وبذلك علم أن الدخول لا في مكان بل تجوز به على مشاكلة ما للملوك (فيقرأ عليهم القرآن) زاد في رواية فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك (وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه) أي الذي يستحق أن يكون مجلسا له على قدر درجته (على منابر) جمع منبر (الدر والياقوت والزمرد (1) والذهب والفضة) يحتمل أن المراد أن المنابر منها ما هو لؤلؤ ومنها ما هو ياقوت وهكذا وأن المراد كل منبر مركب من جميع المذكورات ولا مانع أن المراد أن منها ما هو بسيط ومنها ما هو مركب ثم إن جلوسهم عليها يكون (بالأعمال) أي بحسبها فمن يبلغ به عمله أن يكون كرسيه ذهبا جلس على الذهب ومن يقصر عنه يكون على الفضة وهكذا فرفع الدرجات في الجنة بالأعمال ونفس الدخول بالفضل (فلا تقر أعينهم قط) أي تسكن سكون سرور (كما تقر بذلك) أي بجلوسهم ذلك المجلس وسماعهم للقرآن. قال في الصحاح وغيره: قرت عينه تقر بكسر القاف وبفتحها ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا يطمح إلى ما فوقه ويقال حتى تبرد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة وفي المصباح: قرت العين قرة بالضم وقرورا بردت سرورا قال الزمخشري: ومن المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر عيني أن أراك انتهى. (ولم يسمعوا شيئا أعظم منه) في اللذة والسرور والطرب (ولا أحسن منه) في ذلك (ثم ينصرفون) راجعين (إلى رحالهم) جمع رحل وهو المنزل (وقرة أعينهم) أي سرورهم ولذتهم بما هم فيه من النعيم المقيم (ناعمين) أي منعمين [ص:437] (إلى مثلها) أي إلى مثل تلك الساعة (من الغد) فيدخلون على الجبار أيضا وهكذا إلى ما لا نهاية له فإن قلت: قوله هنا يدخلون عليه في كل يوم مرتين ويقرأ عليهم إلى آخره قد يعارضه ما في الخبر المار أنهم إنما يدخلون عليه في كل أسبوع مرة يوم الجمعة قلت: قد يمكن الجواب بأن الدخول اليومي للجلوس بالحضرة وسماع القراءة مع وجود الحجاب عن النظر والدخول الأسبوعي للرؤية فلا تعارض أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقامات قال ابن عطاء الله قال البسطامي إن في الجنة أناسا إذا حجب المولى عنهم طرفة عين استغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي
_________
(1) الزمرد بثقل الراء مضمومة والذال معجمة هو الزبرجد والدال المهملة تصحيف الواحدة زمردة

(2/436)


2235 - (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) أراد علماء طريق الآخرة (وذلك أنهم يزورون الله في كل جمعة) أي مقدارها من الدنيا وهذه زيارة النظر كما نقرر وتلك زيارة سماع القرآن ولم أر من تعرض لذلك (فيقول لهم تمنوا علي ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء) أي يعطفون عليهم ويصرفون وجوههم إليهم قال في المصباح: التفت بوجهه ولفته صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال وقال الزمخشري: لفت رداءه على عنقه عطفه (فيقولون ماذا نتمنى فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا) الظاهر أن المراد أنهم يقولون لطائفة تمنوا عليه كذا وكذا فيأمرون كل طائفة بسؤال يليق بحالهم ويختلف ذلك باختلاف طبقاتهم ومقاماتهم (فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا) (1) قال حجة الإسلام رحمه الله تعالى: فيه إشارة إلى أن ما كل أحد يحسن أن يتمنى على الله ولا أن يدعوه في الدنيا والآخرة فالأولى أن لا يجاوز الإنسان في طلبه المأثور فإنه إذا جاوزه ربما اعتدى فسأل الله ما لا يقتضيه مصلحته
(ابن عساكر) في ترجمة صفوان الثقفي (عن جابر) وفيه مجاشع بن عمر قال ابن معين أحد الكذابين وقال البخاري منكر مجهول وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله موضوع انتهى وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر المذكور
_________
(1) قال الشيخ: وفي البدور للمؤلف بعد ذكر هذا وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن عبد الرحمن قال: بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا فتأتيهم الرسل من قبل ربهم فيقولون سلوا ربكم فيقولون ما ندري ما نسأل ثم يقول بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شيء أتيناهم فيأتون العلماء فيقولون إنه قد أتانا رسل ربنا تأمرنا أن نسأل فما ندري ما نسأل فيفتح الله على العلماء فيقولون لهم سلوا كذا سلوا كذا فيسألون فيعطون

(2/437)


2236 - (إن أهل الفردوس) هو وسط الجنة وأعلاها (يسمعون أطيط) أي تصويت (لعرش) لأنه سقف الفردوس كما في خبر آخر والحديث مسوق لبيان غاية رفعة الفردوس وأهله وأنهم في أسنى المناصب وأرفع المراتب والأطيط صهيل نحو الخيل أو حنين أصوات الإبل والخيل يقولون شجاني أطيط الركاب وفي الحديث أيضا ليأتين على باب الجنة زمان وله أطيط قال الزمخشري: ومن المجاز أطت بكم الرحم أي رقت وحنت
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي أمامة) الباهلي

(2/437)


2237 - (إن أهل البيت) من بيوت الدنيا (يتتابعون) أي يقع أثر بعضهم على بعض (في النار) أي في نار جهنم يوم القيامة [ص:438] (حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها (وإن أهل البيت يتتابعون في الجنة حتى ما) في رواية حتى لا (يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها وذلك لأن لكل مؤمن صالح يوم القيامة شفاعة فإذا كان في أهل البيت من هو موسوم بالصلاح شفع في أهل بيته فأدخلوا الجنة فإذا لم يكن فيهم من هو كذلك عمهم العقاب ولأنهم غالبا يتطابقون في الاعتقاد والأعمال وذلك الارتباط كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة والأول أوجه
(طب عن أبي جحيفة) بالتصغير واسمه وهب بن عبد الله قال أخبرت أن أهل الجنة إلى آخره هذا لفظ رواية الطبراني وظاهره أنه غير مرفوع خلاف ما جرى عليه المصنف من رفعه لكن هذا مما لا مجال للرأي فيه فالإخبار إما من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي عنه قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق كثير ولم ينسبه عن أبي جحيفة ولم أعرف كثيرا هذا وبقية رجاله ثقات

(2/437)


2238 - (إن أهل النار) نار جهنم (ليبكون) أي بكاء الحزن (حتى لو أجريت) بالبناء للمجهول (السفن) جمع سفينة وهي معروفة (في دموعهم لجرت) لكثرتها ومصيرها كالبحر العجاج والجري إسراع حركة الشيء ودوامها (وإنهم ليبكون الدم) أي يبكون بدموع لونها لون الدم لكثرة حزنهم وطول عذابهم وهل هذا البكاء قبل دخولهم النار أو بعده ومن البين أن المراد بأهل النار بحيث أطلقوا الكفار الذين هم مخلدون لا من يدخلها من عصاة المؤمنين وبمثل هذا يقال في الخبر الآتي وما أشبهه
(ك) في الأهوال (عن أبي موسى) الأشعري وقال صحيح وأقره الذهبي

(2/438)


2239 - (إن أهل النار يعظمون في النار) أي في جهنم (حتى يصير ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه) أي محل الرداء من منكبه يذكر ويؤنث في الصحاح (مسيرة سبع مئة عام) يظهر أن المراد التكثير لا التحديد وكم له من نظير (وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعا وضرسه) أي كل ضرس من أضراسه (أعظم) قدرا (من جبل أحد) أي أكبر منه وسبق أن أمور الآخرة لا تجول فيها العقول وإنما علينا التسليم والقبول
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه أحمد وغيره وكأنه أغفله ذهولا لقولهم إن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي وفي أسانيدهم يحيى القتات وهو ضعيف وبقية رجاله أوثق منه

(2/438)


2240 - (إن أهل البيت ليقل طعمهم) بضم فسكون أي أكلهم للطعام والطعم بالضم الطعام والطعام اسم لما يؤكل (فتستنير بيوتهم) أي تشرق وتضيء والظاهر أن المراد بقلة الطعم الصيام ويحتمل الإطلاق وإن كان الأول أقرب ويحتمل أن المراد بالبيوت الأبدان ويحتمل حمله على ظاهره ويكون ذلك لإلف الأرواح النورانية لهم
(طس عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والعقيلي وفيه الحسن بن ذكوان قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد أحاديثه أباطيل وفيه عبد الله بن المطلب قال العقيلي مجهول وحديثه منكر غير محفوظ ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه على ذلك المؤلف في مختصرها فلم يتعقب الحكم بوضعه بشيء بل أقره

(2/438)


[ص:439] 2241 - (إن أهل البيت إذا تواصلوا) أي وصل بعضهم بعضا بالإحسان والبر والتحابب والتواصل ضد التهاجر (أجرى الله تعالى عليها الرزق) أي يسره لهم ووسعه عليهم ببركة الصلة (وكانوا في كنف الله) أي حفظه ورعايته ولفظ رواية ابن لال كنف الرحمن ويظهر أن المراد بأهل البيت هنا القبائل وفيه حث عظيم على صلة الرحم وأنها توسعة للرزق وأنها عند الله بمكان والكنف بفتحتين الجانب والساتر قال الزمخشري: وتكنفوه واكتنفوه أحاطوا به من كل جانب وكنفته حفظته وكانفته عاونته ومن المجاز قولهم في حفظ الله وكنفه
(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال والحاكم والديلمي فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد لإبهامه ثم إن فيه هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش وقد سبق ما فيهما من المقال

(2/439)


2242 - (إن أهل السماء) أي جنسها الصادق بجميع السماوات (لا يسمعون شيئا من أهل الأرض) أي لا يسمعون شيئا من أصواتهم بالعبادة (إلا الأذان) للصلاة فإن صوت المؤذنين يبلغه الله إلى هنان السماء حتى يسمعه أهل الملأ الأعلى جميعا لكونه يحبه كثيرا فإن قلت: القرآن أفضل الكلام مطلقا فما بالهم لا يسمعونه؟ قلت: قد يجاب بأن عظم رتبته اقتضت أن لا يصعد إلا وملائكة يشيعونه فإن في بعض الأخبار إشعارا بأن الملائكة تشيعه لخبر إن القارىء إذا لم يقوم القراءة قومه الملك ثم رفعه
(أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة وسكون الواو ونسبته إلى طرسوس مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي وأبو أمية بغدادي أكثر الإقامة بطرسوس فنسب إليها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (في مسنده عد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه يحيى بن عبيد الله الوصافي قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك

(2/439)


2243 - (إن أهل الجنة) أي الرجال منهم (إذا جامعوا نساءهم) من الآدميين والحور أي طمثوهن (عادوا أبكارا) لفظ رواية الطبراني عدن أبكارا وهو القياس فقول المؤلف عادوا سبق قلم ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحما وأعذب فاها وأضيق مسلكا وأسخن فرجا وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم (عجيبة) ذكر العارف ابن العربي أن أهل الجنة ينكحون جميع نسائهم وجواريهم في آن واحد نكاحا حسيا بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر قال وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذا الحقيقة من حيث فكره وإنما يدركه بقوة إلهية في قلب من شاء من عباده والله على كل شيء قدير
(طص عن أبي سعيد) الخدري قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به يعلى. قال الهيثمي فيه يعلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب انتهى

(2/439)


[ص:440] 2244 - (إن أهل المعروف في الدنيا) أي ما لا ينكره الشرع (هم أهل المعروف في الآخرة) التي مبدؤها ما بعد الموت قال العسكري: المعروف عند العرب ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل الفضل ثم كثر فصار اصطناع الخير معروفا يقال أنالني معروفه وقسم لي من معروفه قال حاتم. . . وأبذل معروفي له دون منكر. . . (وإن أهل المنكر في الدنيا) أي ما أنكره الشرع ونهى عنه هم (أهل المنكر في الآخرة) يقول إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه (1) وقال الحكماء: إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سببا لأعظم الآلام الروحانية
(طب عن سلمان الفارسي) قال ابن الجوزي حديث لا يصح قال أحمد تركت حديث هشام (2) بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي وبقية رجاله ثقات (وعن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة (بن برمة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن معاوية الأسدي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول فذكره قال أبو حاتم قبيصة هذا لا يصح له صحبة قال الذهبي يعني حديثه مرسل انتهى وفي التقريب مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قال الهيثمي وفيه علي بن أبي هاشم (وعن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون القروي وهو ضعيف ذكره الهيثمي (حل عن أبي هريرة خط عن علي) أمير المؤمنين قال ابن الجوزي وهذا لا يصح إذ فيه محمد بن الحسين البغدادي كان يسمي نفسه لاحقا وقد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى ذكره الخطيب وأبي الدرداء وفيه هند أم ابن قتيبة قال الجوزي مجهول
_________
(1) فالدنيا مزرعة للآخرة وما يفعله العبد من خير وشر تظهر نتيجته في دار البقاء
(2) أي أحد رجاله وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به انتهى وقال الهيثمي فيه هشام بن لاحق

(2/440)


2245 - (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة (1)) قال ابن العربي حقيقة المعروف المعلوم لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب ومعنى تسميته بذلك أنه أمر لا يجهل ومعنى لا يختلف فيه كل أحد (وإن أول أهل الجنة دخولا) أي من أولهم دخولا الجنة (أهل المعروف) وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والآخرة أعواض ومكافآت روي أن أقواما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر <تنبيه> قال القيصري: المنكر والمعروف ضدان كالليل والنهار إذا ظهر هذا غاب هذا وفي [ص:441] ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها فإن المعروف مأخوذ من العرف الذي هو العادة التي عرفها الناس والمنكر هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة فإن المعروف الحق الذي لم يزل ولا يزال هو الله ومخلوقاته في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرف إلا إياه ربا ولم تعرف طاعة إلا طاعته فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط فلما خلق آدم عليه السلام وخلق وإبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عن الثقلين صار العصيان منكرا أي أنكره العقل لأنه لم يألفه ولم يعهده ولا له أصل في العرف المتقدم ولهذا إذا كان المنكر مخفيا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وحوارحه فقط لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد فإذا ظهر وفشى وجب تغييره ورده إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد حتى لا يبقى إلا المعروف الذي لم يزل معروفا قديما وحديثا
(طب عم أبي أمامة) الباهلي
_________
(1) يحتمل أن المراد أنهم يشفقون لغيرهم فيصدر عنهم المعروف في الآخرة كما صدر عنهم في الدنيا أو المراد هم أهل لفعل المعروف في الآخرة أي يجازيهم الله على معروفهم ولا مانع من الجمع

(2/440)


2246 - (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة) يعني في الزمن اللاحق بعد الموت وذلك لأن البطنة تذهب الفطنة وتنوم وتثبط عن الطاعات فيأتي يوم القيامة وهو جيعان عطشان وأهل الجوع في الدنيا ينهضون للعبادة فيتزودون منها للآخرة فيأتون يوم القيامة وقد قدموا زادهم فلقوه وأهل الشبع في الدنيا يقدمون ولا زاد لهم ولهذا قال الداراني: مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأمثل كل خير في الدارين الخوف
(طب عن ابن عباس) قال المنذري إسناده حسن وقال الهيثمي فيه يحيى بن سليمان القرشي الحضرمي وفيه مقال وبقية رجاله ثقات

(2/441)


2247 - (إن أوثق) أي من أوثق (عرى الإسلام) أي أكثرها وثاقة أي قوة وثباتا (أن تحب في الله وتبغض في الله) (1) أي لأجله لا لعلة والوثيق كما في الصحاح الشيء المحكم وفي المصباح وثق الشيء وثاقة قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم والعرى جمع عروة وعروة القميص معروفة وعروة الكوز أذنه قال في المصباح: وقوله عرى الإسلام على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها وقال الزمخشري تستعار العروة لما يوثق به ويعول عليه
(حم ش هب عن البراء) ابن عازب قال الهيثمي فيه ليث بن سليم ضعفه الأكثر
_________
(1) فالمراد محبة الصالحين وبغض الكافرين والحالة الغير المرضية من المسلمين

(2/441)


2248 - إن أولى الناس بالله) أي من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من الولي القرب (من بدأهم بالسلام) أي أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين قال في الأذكار: وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدىء بالسلام لهذا الحديث (1) اه
(د عن أبي أمامة) صدى بن عجلان الباهلي قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام فذكره قال في الأذكار والرياض: إسناده جيد وظاهر صنيع المصنف أن أبا داود قد تفرد به من الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي وابن ماجه
_________
(1) روى إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم بالسلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب

(2/441)


2249 - (إن أولى الناس بي يوم القيامة) أقربهم مني يوم القيامة وأولاهم بشفاعتي وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات (أكثرهم علي صلاة) في الدنيا لأن كثرة الصلاة تدل على نصوح العقيدة وخلوص [ص:442] النية وصدق المحبة والمداومة على الطاعة والوفاء بحق الواسطة الكريمة ومن كان حظه من هذه الخصال أوفر كان بالقرب والولاية أحق وأجدر قالوا وهذه منقبة شريفة وفضيلة منيفة لأتباع الأثر وحملة السنة فيا لها من منة (1)
(تخ ت حب عن ابن مسعود) وقال الترمذي حسن غريب وقال ابن حبان صحيح وفيه موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بقوي لكن وثقه ابن معين وأبو داود وساق له ابن عدي عدة أحاديث استنكرها وعد هذا منها
_________
(1) إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال أبو نعيم هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الأثر ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا

(2/441)


2250 - (إن أول ما يجازى به) العبد (المؤمن بعد موته) على عمله الصالح (أن يغفر) بالبناء للمفعول ويجوز للفاعل وهو الله تعالى (الجميع من تبع جنازته) أي شيعها من ابتداء خروجها إلى انتهاء دفنه وفي رواية بدل من تبع جنازته من شيعه وبه يعلم أن المراد بمن تبع من شيع وإن كان أمامه لا خلفه وفيه شمول للكبائر وفضل الله واسع لكن قياس نظائره الصغائر وإذا كان مما يجازى به الغفران لغيره لأجله فالغفران له هو من باب أولى وهل اللام للاستغراق أو الجنس فيشمل حتى الفاسق المصر أو هي للعهد والمعهود المؤمن الكامل أو التائب احتمالات ويظهر أن الكلام في الرجال لقوله للنساء في الخبر المار ارجعن مأزورات غير مأجورات
(عبد بن حميد والبزار) في مسنده (هب عن ابن عباس) وضعفه المنذري قال الهيثمي فيه مروان بن سالم الشامي ضعيف وفي الميزان مروان بن سالم قال الدارقطني متروك والشيخان وأبو حاتم منكر الحديث ثم ساق له مناكير ذا منها وقال عقبه هذا منكر اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات

(2/442)


2251 - (إن أول الآيات) أي علامات الساعة (خروجا) أي ظهورا تمييز (طلوع الشمس من مغربها) قال ابن كثير: أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج قبلها لأنها أمور مألوفة إذ هم مثلهم بشر (وخروج الدابة) (1) هذا غير مألوف أيضا فإنها تخرج (على الناس ضحى) بضم الضاد وفتحها على شكل غريب غير معهود وتخاطب الناس وتسمهم بالإيمان أو الكفر وذلك خارج من مجاري العادات (فأيتهما كانت قبل صاحبتيها فالأخرى على أثرها) بفتح الهمزة أي عقبها وقد بقي منها بقية (قريبا) صفة لمصدر محذوف تأكيدا لما قبله أي فالأخرى تحصل على أثرها حصولا قريبا فطلوع الشمس أول الآيات السماوية والدابة أول الآيات الأرضية بالمعنى المذكور وحكمة جعل طلوعها من مغربها آية مقاربة قيام الساعة الإيماء إلى قرب طلوع جميع الأرواح من الأشباح ذكره الحرالي
(حم م د هـ) في الفتن كلهم (عن ابن عمر) بن العاص لم يخرجه البخاري بهذا اللفظ
_________
(1) وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية وروى أنها جمعت من كل حيوان فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إبل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل اثني عشر ذراعا

(2/442)


2252 - (إن أول هذه الأمة خيارهم وآخرها شرارهم مختلفين) أي في العقائد والمذاهب والآراء والأقوال والأفعال [ص:443] وهذا منصوب على الحال أو المعنى فإنهم لا يزالون كذلك (متفرقين) عطف تفسير وقد يدعى أن بينهما عموما وخصوصا (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي بكل ما بعد الموت (فلتأتيه منيته) أي فليجىء إليه الموت (وهو) أي والحال أنه (يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) أي يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه هم معه وبذلك تنتظم أحوال الجمهور ويرتفع الخلاف والتفور وتزول الضغائن من الصدور
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المفضل بن معروف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات

(2/442)


2253 - (إن أول) أي من أول (ما يسأل عنه العبد) قال الطيبي: ما مصدرية (يوم القيامة من النعيم أن يقال) أي أن سؤال العبد هو أن يقال (له) من قبل الله تعالى (ألم نصح لك جسمك) أي جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (ونرويك (1) من الماء البارد) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به وهذا هو المراد بقوله تعالى {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} وقيل هو شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وقيل الصحة والفراغ وقيل سلامة الحواس وقيل الغداء والعشاء وقيل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن وقيل ما سوى كن يأويه وكسرة تقويه وكسوة تغنيه يسأل عنها ويحاسب عليها وقيل وقيل
(ت) في التفسير (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المناوي سند الترمذي جيد
_________
(1) هو بإثبات الياء فيحتمل أنه معطوف على المجزوم وفيه إثبات حرف العلة مع الجازم وهو لغة ويحتمل أنه منصوب بعد واو المعية

(2/443)


2254 - (إن باب الرزق مفتوج من لدن العرش) أي من عنده (إلى قرار بطن الأرض) أي السابعة (يرزق الله كل عبد) من إنس وجن (على قدر همته ومهنته) في الإنفاق على من يمونه ووجوه القرب فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له كما في خبر آخر وفي رواية بدل يرزق إلخ ينزل الله تعالى إلى عباده أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته إن الله تعالى لا يحب السخاء ولو بفلق تمرة ويحب الشجاعة ولو بقتل الحية والعقرب اه بنصه ولدن ظرف بمعنى عند ذكره بعضهم وقال بعض المحققين ولدن من وعند الظروف المكانية لكن فرق النجاة بينهما بأن عند يجوز كونه بحضرته وفي ملكه ولدن مختص بالحضرة قال في المصباح وقرار الأرض المستقر الثابت والهمة بالكسر أول العزم وقد يطلق على العزم القوي فيقال له همة عالية والنهمة ولوع الهمة بالشيء والنهم بفتحتين إفراط الشهوة كما في الصحاح وغيره
(حل) وكذا ابن عدي كلاهما عن علي بن سعيد بن بشير عن أحمد بن عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر (عن الزبير) بن العوام قالت أسماء قال لي الزبير مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فجبذ عمامتي بيده فالتفت إليه فقال يا زبير إن باب الرزق إلخ أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لي عبد الله يروي الموضوعات عن الأثبات اه وأقره على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات

(2/443)


2255 - (إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب العبد المطيع ومعناه [ص:444] عبد الله فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو الله عبري غير مشتق (لما هلكوا قصوا) أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص وعولوا عليها واكتفوا بها وفي رواية لما قصوا هلكوا أي لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان ذلك سبب إهلاكهم وكيفما كان ففيه تحذير شديد من علم بلا عمل
(طب والضياء) المقدسي في المختارة (عن خباب) بالتشديد ابن الأرت بالمثناة ورواه بلفظ لما قصوا ضلوا ثم حسنه قال عبد الحق وليس مما يحتج به

(2/443)


2256 - (إن بين يدي الساعة) أي أمامها مقدما على وقوعها (كذابين) قيل هم نقلة الأخبار الموضوعة وأهل العقائد الزائغة وغيرهم ممن ينسب نفسه إلى العلم وهو كالرجال في الجدال وإبليس في التلبيس (فاحذروهم) أي خافوا شر فتنتهم به واستعدوا وتأهبوا لكشف عوارهم وهتك أستارهم وتزييف أقوالهم وتقبيح أفعالهم ليحذرهم الناس ويبور ما جاؤوا به من الالباس والبأس وقيل أراد المسرعين للإمامة الموعودة الخاتمة لدائرة الولاية المدعين للنبوة وقيل غير ذلك والحمل على الأعم أفيد وأتم
(حم م) في الفتن (عن جابر بن سمرة) عزو المصنف ذلك بجملته لمسلم غير سديد فإن قوله فاحذروهم ليس في مسلم بل جاء في رواية غيره ونوزع فيه بأنه من قول جابر لا من تتمة الحديث

(2/444)


2257 - (إن بين يدي الساعة) أي أمام قيامها (لأياما) نكرها لمزيد التهويل وقرنه باللام لمزيد التأكيد (ينزل فيها الجهل) يعني به الموانع المانعة عن الاشتغال بالعلم (ويرفع فيها العلم) بموت العلماء فكلما مات عالم يرفع العلم بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهرج) بسكون الراء (والهرج) هو (القتل) (1) وفي رواية والهرج بلسان الحبشة القتل وأصله لغة الفتنة والاختلاف والاختلاط كما في الصحاح (2) قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناه عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وعمت الفتن وكثر القتل قال ابن حجر: يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله والمراد من الحديث استعمال ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر والواقع أن هذه الصفات وجدت مبادئها من عصر الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر البعض الكثير في التي تليها وإليه يشير الحديث الآتي لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه وفيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الرديئة
(حم ق عن ابن مسعود) (وأبي موسى) الأشعري أيضا
_________
(1) ونسب التفسير لأبي موسى وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل وكثيرا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة
(2) وذكر صاحب المحكم معاني أخر أي الهرج ومجموعها سعة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الإتقان للشيء وقال الجوهري أصل الهرج الكثرة في الشيء يعني حتى لا ينتهي

(2/444)


2258 - (إن بيوت الله تعالى) أي الأماكن التي يختارها ويصطفيها لتنزلات رجمته وملائكته (في الأرض) هي [ص:445] المساجد (وإن حقا على الله أن يكرم من زاره) يعني من عبده (فيها) حق عبادته وقد ورد هذا بمعناه من كلام الله في الكتب السماوية القديمة قال حجة الإسلام: قال الله تعالى في بعض الكتب: إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره
(طب عن ابن مسعود) عبد الله

(2/444)


2259 - (إن تحت كل شعرة) من بدن الإنسان (جنابة) قال الخطابي: ظاهره يوجب نقض الضفائر لغسل الجنابة أو نحوها إذ لا يتيقن غسل شعره كله إلا بنقضها اه. أي فإن فرض وصول الماء بدون النفض لم يجب عند الشافعية ومذهبهم أيضا أنه لا يجب غسل باطن شعر انعقد بنفسه (فاغسلوا الشعر) قال مغلطاي: حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل الفم والأنف اه (وانقوا البشرة) بالنون (1) قال الطيبي: علل الوصف بالظرف وهو لفظه تحت ثم رتب عليه الحكم بالفاء وعطف عليه وأنقوا للدلالة على أن الشعر قد يمنع وصول الماء كما أن الوسخ يمنع ذلك فإذن يجب استقصاء الشعر بالغسل وتنقية البدن عن الوسخ ليخرج المكلف عن العهدة بيقين اه قال البهيقي وفيه دليل على وجوب استعمال الماء الناقص وتكميله بالتيمم (2) قال ابن عيينة: والمراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بها
(د ت هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيعه أن مخرجيه خرجوه ساكتين ولم يطعنوا في سنده والأمر بخلافه فقد قال أبو داود فيه الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف وقال الترمذي حديثه غريب وهو شيخ ليس بذلك وقال الدارقطني غريب تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث المذكور وجزم البغوي بضعف الحديث جدا وقال ابن حزم خبر لا يصح وقال الذهبي فيه الحارث بن وجيه واه وإنما يروى من قول أبي هريرة رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر مداره على الحارث ابن وجيه وهو ضعيف جدا قال الشافعي هذا الحديث غير ثابت وقال البيهقي أنكره البخاري وغيره إلى هنا كلامه وبعد أن استبان لك شدة ضعفه علمت أن المصنف لم يصب في إيثاره وإهمال ما هو بمعناه وهو حديث صحيح كما جزم به ابن حجر وهو خبر أبي داود وابن ماجه عن علي مرفوعا: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا الحديث بتمامه
_________
(1) والقاف من الإنقاء والبشرة ظاهر الجلد أي اجعلوه نقيا بأن يغمره الماء بعد إزالة المانع وقيل المراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بالبشرة
(2) واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وأنقوا البشرة وزعم أن داخل الفم من البشرة وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من الناظر إليه

(2/445)


2260 - (إن جزءا من سبعين جزءا من النبوة) وفي رواية أقل فالعدد إما للمبالغة في أكثره أو مختلف باختلاف الناس وقد مر (تأخير السحور) بضم السين أي تأخير الصائم الأكل بنيته إلى قبيل الفجر ما لم يقع في الشك (وتبكير الفطر) يعني مبادرة الصائم إلى الفطر بعد تحقق الغروب (وإشارة الرجل) يعني المصلي ولو أنثى أو خنثى فذكر الرجل وصف طردي (بأصبعه في الصلاة) لعل المراد به رفع السبابة في التشهد عند قوله إلا الله فإنه مندوب وهل يحركها وجهان للشافعية الأصح عندهم المنع قال الفارسي والتبكير هنا الإسراع والتعجيل ولم يرد تكرر الغدو والصباح
(عب عد) وكذا الطبراني (عن أبي هريرة) وفيه عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي حازم قال في الميزان عمرو أو أبو حازم لا يعرف

(2/445)


[ص:446] 2261 - (إن جهنم (1) تسجر) بسين مهملة فجيم توقد ومنه البحر المسجور {وإذا البحار سجرت} (إلا يوم الحمعة) بالنصب أي فإنها لا تسجر فيه وسره أنه أفضل الأيام عند الله ويقع فيه من العبادة والابتهال ما يمنع من سجر جهنم فيه ولذا تكون معاصي أصل الإيمان فيه أقل منها في غيره حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره قال البعض والظاهر أن المراد منه سجر جهنم في الدنيا وأنها توقد في كل يوم إلا يوم الجمعة وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما ما <تنبيه> قال القرطبي عقب إيراده هذا الحديث ولهذا المعنى كانت النافلة جائزة في يوم الجمعة عند قائم الظهيرة دون غيرها من الأيام
(د عن أبي قتادة) الأنصاري ظاهر سكوت المصنف عليه أن مخرجه أقره والأمر بخلافه بل أعله بالانقطاع كما نقله الحافظ العراقي وغيره وأقروه فسكوت المصنف عنه غير صواب

(2/446)


1 -) وأوله كما في أبي داود عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة نصف النهار أي وقت الاستواء إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة

(2/446)


2262 - (إن حسن الخلق) بالضم (ليذيب الخطيئة) أي يمحو أثرها ويقطع خبرها (كما تذيب الشمس) أي حرارة ضوئها (الجليد) (1) وهو كما في الصحاح ندى يسقط من السماء فيجمد على الأرض قال الزمخشري: ومن المجاز لك جامد هذا المال وذائبه قال الغزالي: الخلق الحسن أفضل أعمال الصديقين وهو على التحقيق شطر الدين وهو ثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) ابن مالك
_________
(1) الجليد بالجيم وآخره مهملة بوزن فعيل الماء الجامد يكون في البلاد الشديدة البرد والمراد بالخطيئة الصغيرة

(2/446)


2263 - (إن حسن الظن بالله) أي بأن يظن أن الله يغفر له ويعفو عنه (من حسن عبادة الله) تعالى أي حسن ظنه به من جملة حسن عبادته فيظن أنه يعطف على ضعفه وفقره ويكشف ضره ويغفر ذنبه بجميل صفحه فيعلق آماله به لا بغيره ويحتمل أن معنى من حسن العبادة أنه كلما أحسن الأدب في عبادة ربه حسن ظنه بأنه يقبلها وكل ما شاهد توفيقه لفعلها حسن ظنه في عفوه عن زللها ومن لا يحسن أدبه في خدمة ربه يتوهم أنه يحسن الظن وهو مغرور {ولا يغرنكم بالله الغرور} فيراه يأتي بصورة عبادة بغير أدب ويؤمل القبول ويسيء الظن بسيده في ضمان رزقه فيحرص عليه ويأخذه من غير حله ويسيء الظن به في الشدائد فيفزع إلى غيره ويسيء الظن به في الخلق فلا ينفق في طاعته ويحقق ظن عدوه وشيطانه فيستجيب له في بخله فهو مطلوب محبوب لكن مع ملاحظة مقام الخوف فيكون باعث الرجاء والخوف في قرن أي إن لم يغلب القنوط وإلا فالرجاء أولى ولا أمن من المكر وإلا فالخوف أولى ثم هذا كله في الصحيح أما المريض لا سيما المحتضر فالأولى في حقه الرجاء
(حم ت ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي عليه

(2/446)


2264 - (إن حسن العهد) أي الوفاء والخفارة ورعاية الحرمة (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان ومن خصائلهم أو من شعب الإيمان ويكفي الموفي بالعهد مدحا وشرفا قول من علت كلمته والموفون بعهدهم إذا عاهدوا وقد [ص:447] تظافرت على حسن العهد مع الإخوان والخلان أهل الملل والنحل وأعظم الناس وفاء بذلك ومحافظة عليه وإن تقادم عهده: الصوفية وأنشد بحضرة العارف الشاذلي:
رأى المجنون في البيداء كلبا. . . فجر له من الإحسان ذيلا. . . فلاموه لذاك وعنفوه
وقالوا لم أنلت الكلب نيلا. . . فقال دعوا الملامة إن عيني. . . رأته مرة في حي ليلي
فقال له كرر فلم يزل يتواجد وينتحب ثم قال جزاك الله خيرا يا بني على وفائك بعهدك إن حسن العهد من الإيمان والعهد لغة له معان منها حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال والمراد هنا عهد المعرفة المتقدمة
(ك) في الإيمان (عن عائشة) قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز فقال من أنت قالت جثامة المزنية قال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعد ذا قالت بخير فلما خرجت قلت تقبل هذا الإقبال على هذه قال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان قال الحاكم على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي

(2/446)


2265 - (إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه) أي أن عدم الارتفاع حق على الله تعالى فعل متعلق بحقا وأن لا يرتفع خبر إن وأن مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة ويمكن أن يقال على صفة حقا أي حق ثابت على الله قاله الطيبي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما سبقت ناقته العضباء كانت لا تسبق (1) وهذا تزهيد في الدنيا وحث على التواضع وهوانها عند الله تعالى وتنبيه على ترك الفخر والمباهاة وأن كل ما هان على الله ففي محل الصنعة قال بعض العارفين: إن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أنه تعالى إذا وضعه يضعه في النار قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والفخر وأن كل شيء هان على الله في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيها. حكي أن رجلين تنازعا في جدار فأنطق الله لبنة منه فقالت كنت ملكا ألف سنة ثم صرت رميما ألفا فأخذت مني خزفا فانكسرت فاتخذت مني لبنا وأنا في هذا الجدار منذ كذا فلما تنازعا قال العوني: سره أنه لما كان من ملوك الدنيا الفانية جعله الله في أحقر الدرجات إذ الأكثرون هم الأقلون والأعظمون هم الأحقرون بوم القيامة
(حم خ) في الجهاد (د) في الأدب (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر ما عز شيء إلا وهان فلا أصل له كما قال السخاوي وما ذكره في معناه
_________
(1) وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإرشاد إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وعظمته في صدور أصحابه

(2/447)


2266 - (إن حقا على المؤمنين أن يتوجع) أي يتألم (بعضهم لبعض) مما ناله بنحو مصيبة (كما يألم الجسد الرأس) أي كما يألم وجع الجسد الرأس فإن الرأس إذا اشتكى اشتكى البدن كله بالحمى وغيرها فكذلك المؤمنون حقا إذا اشتكى بعضهم حق لهم التألم لأجله كلهم فالمؤمنون بأجمعهم جسد واحد كإنسان أحد اشتكى بعضه فتداعى كله فكذا المؤمن إذا أصيب أخوه بمصيبة فكأنه أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبت أخوة الإيمان بينه وبينهم فإنه تعالى قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء وبالمعجمة المدني من حلفاء الأوس وأبوه من سبي بني قريظة (مرسلا) أي هو تابعي أرسل عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة وعائشة وابن الأرقم وغيرهم قال في الكاشف ثقة حجة

(2/447)


[ص:448] 2267 - (إن حوضي من عدن) بفتحتين بلد باليمن مشتق من عدن بالمكان أقام (إلى عمان) بفتح العين وشد الميم مدينة قديمة من أرض الشام (البلقاء) أي بالبلقاء بضم وتخفيف موضع عند البحرين وفي رواية بدل هذا من أيلة إلى عدن وفي أخرى ما بين أذرح وجرباء وفي رواية ما بين الكعبة وبيت المقدس (ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) لم يقل من السكر لأنهم لم يكونوا يعرفونه ولا كان ببلادهم مع ما تميز به العسل من المنافع التي لا تكاد تحصى (أكواب) جمع كوب بالضم الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له (عدد النجوم) أي نجوم السماء (من يشرب منه شربة لم يظمأ (1) بعدها أبدا) قال القرطبي: ظاهره أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من الأهوال إذ من وصل لمحل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعاد للحساب أو يذوق نكال العذاب فالقول به أوهى من السراب (أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا) أي المغبرة رؤوسهم (الدنس ثيابا) أي الوسخة أثوابهم (الذين لا ينكحون) النساء (المتنعمات) بمثناة فنون فعين مهملة شديدة وفي رواية المنعمات بنون فعين مشددة وما ذكره من أن لفظ الحديث المتنعمات أو المنعمات هو ما في نسخ لا تحصى لكن رأيت في نسخة المصنف بخطه المتنعمات والظاهر أنه سبق قلم (ولا تفتح لهم السدد) جمع سدة وهي كالظلة على الباب لوقاية نحو مطر أو الباب نفسه أو الساحة أمامه أو الصفة أو السقيفة وأيا ما كان فالمراد لا يؤذن لهم في الدخول على الكبراء ولا يؤهلون لمجالسة نحو الأمراء (الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون) بضم أوله بضبط المصنف (الذي لهم) أي الحق الذي لهم لضعفهم وإزراء الناس بهم واحتقارهم لهم <تنبيه> في فروع الحنابلة أن في قوله ماؤه أشد بياضا من اللبن دليل على خلاف ما عليه قوم أن الماء لا لون له ذكره ابن هبيرة <تنبيه> قال القرطبي: أخذا من كلام حجة الإسلام ظن بعضهم أن التحديد أن في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف وليس كذلك وإنما تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبا لكل قوم بما يعرفه من مسافات مواضعها فقال لأهل الشام ما بين أذرح وجرباء لأهل اليمن من عدن إلى عمان وهكذا وتارة يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر والمعنى المراد أنه حوض كبير متسع الأرجاء والزوايا فكان ذلك يحسب من حضره ممن يعرف ذلك الجهات وليس الحوض على وجه هذه الأرض بل وجوده في الأرض المبدلة على مسافة هذه الأقطار وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد
(حم ت هـ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر ابن عبد العزيز أبا سلام الحبشي على البريد حتى شافهه بهذا الحديث فقال عمر رضي الله عنه لكني نكحت المنعمات وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي على جسدي حتى يتسخ
_________
(1) الظمأ مهموز العطش قيل إن الشرب منه يكون بعد الحساب إلخ وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له بالسلامة من النار ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالعطش بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرا والعياذ بالله

(2/448)


2268 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة) أي يترصدون دخول [ص:449] الأوقات بها (لذكر الله) أي لأجل ذكره (تعالى) من الأذان للصلاة ثم لإقامتها ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة وقال في البرهان في المراعاة أمور ظاهرة وأمور باطنة أما الظاهرة فالرؤية بحاسة البصر في الطلوع والتوسط والغروب والحركة فإذا تأمله المتأمل ذكر الله وسبحه ومجده بتحقيق سيما إذا أطلعه الله على أسرار نتائجها وأفعالها ومن اشتغل عنها مما يدل على أحكام القدرة الأزلية في المصنوعات المترتبة على الأسباب وعن علي أن رجلا أتاه فقال أريد الخروج لتجارة وكان في محاق الشهر فقال تريد أن يمحق الله تجارتك استقبل الشهر بالخروج
(طب ك) في الإيمان (عن ابن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال الطبراني موثقون وقال المنذري رواه ابن شاهين وقال تفرد به ابن عيينة عن مسعود وهو حديث غريب صحيح

(2/448)


2269 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الموفون) لله بما عاهدوه (المطيبون) بالبناء للمفعول أي القوم الذين غمسوا أيديهم في الطيب وتحالفوا عليه وذلك أن بني هاشم وزهرة وتميم اجتمعوا في الجاهلية في دار ابن جدعان وغمسوا أيديهم في الطيب وتعاهدوا وتعاقدوا على إغاثة الملهوف ونصر المظلوم وحضر ذلك معهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو حين ذاك طفل فوفوا بما عاهدوا الله عليه فأثنى في هذا الخبر عليهم بإخباره بأنهم من خيار الخلق الموفين بالعهود والظاهر أنهم أدركوا البعثة وأسلموا ويحتمل أنه أراد بالمطيبين هنا من جرى على منهجهم من أمنه في الوفاء بالعهود
(طب حل عن أبي حميد الساعدي حم عن عائشة)

(2/449)


2270 - (إن خياركم) أي من خياركم (أحسنكم قضاء) للدين أي الذين يدفعون أكثر مما عليهم ولم يمطلوا رب الدين ويوفوا به مع اليسار ومفهومه أن الذي يمطل ليس من الخيار وهو ظاهر لأن المطل للغني ظلم محرم بل هو كبيرة إن تكرر بل قال بعضهم وإن لم يتكرر وقوله قضاء تمييز وأحسنكم خبر خياركم واستشكاله بأن المبتدأ بلفظ الجمع والخبر بالإفراد مع أن التطابق بينهما واجب مجاب باحتمال كونه مفردا بمعنى المختار وبأن أفعل التفضيل المضاف المقصود به الزيادة ويجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له والمراد الخيرية في المعاملات
(حم ن هـ عن أبي هريرة) قال كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فتقاضاه فقال أعطوه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خياركم فذكره

(2/449)


2271 - (إن ربك) تعالى (ليعجب) من العجب ومعناه الحقيقي مستحيل عليه تقدس وتعالى كما سبق فيؤول كما يليق بالمقام (من عبده إذا قال) في دعائه (رب اغفر لي ذنوبي) فيقول الله تعالى قال عبدي ذلك (وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) أي فإذا دعاني وهو يعتقد ذلك غفرت له ولا أبالي ووجه التعجب هنا أن المؤمن أعرض عن الأسباب مع قربها منه وقصر نظر عين بصيرته على سببها وجاهد النفس والشيطان في استدعائهما من طلب الغفران من الأوثان فالعجب من صبره مع ضعفه على محاربة الأعداء حتى لم يشرك بعبادة ربه أحدا
(د) في الجهاد (ت) في الدعوات (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي حسن صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي أيضا

(2/449)


[ص:450] 2272 - (إن رجالا يتخوضون) بمعجمتين من الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التصرف في الشيء أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين من نحو فيء وغنيمة (بغير) قسمة بل بالباطل بلا تأويل صحيح واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بقسمة أو غيرها لكن تخصيصه بالقسمة هو ما دلت عليه أخبار أخر (فلهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة (1)) خبر إن محذوف وأدخل الفاء لأن اسمها نكرة موصوفة بالفعل وفيه ردع للولاة أن يتصرفوا في بيت المال بغير حق قال الراغب: الخوض الشروع في الماء والحدور فيه ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد فيما يذم شرعا بنحو {ذرهم في خوضهم يلعبون} اه وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي يبطل مع المبطلين
(خ) في الخمس (عن خولة) الأنصارية زوجة حمزة ابن عبد المطلب أو غيرها وليس لها في البخاري إلا هذا الحديث ولم يخرجه مسلم
_________
(1) فيه إشعار بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي

(2/450)


2273 - (إن روح القدس) أي الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام سمي به لأنه يأتي بما فيه حياة القلب فإنه المتولي لإنزال الكتب الإلهية التي بها تحيا الأرواح الربانية والقلوب الجسمانية فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ لحياة الجسد وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة من العيوب وخص بذلك وإن كانت جميع الملائكة كذلك لأن روحانيته أتم وأكمل ذكره الإمام الرازي قال وإطلاق الروح عليه مجاز لأن الروح هو المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه وجبريل عليه السلام لا كذلك فتسميته بالروح على منهج التشبيه من حيث أن الروح كما أنه سبب لحياة الإنسان فجبريل سبب لحياة القلوب بالعلوم والمعارف وقال الحرالي: الروح لمحة من لمحات الله وأمر الله قيومته في كليته خلقا وملكوتا فما هو قوام الخلق كله هو الإله الحق وما هو قوام صوره من جملة الخلق هو الروح الذي هو لمحة من ذلك الأمر ولقيام عالم الملكوت وخصوصا حملة العرش بعالم الملكوت وخصوصا أمر الدين الباقي سماهم الله روحا ومن أخصهم روح القدس والقدس الطهارة العلمية الدائمة التي لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن (نفث) بفاء ومثلثة تفل بغير ريق (في روعي) بضم الراء أي ألقى الوحي في خلدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه ولا أراه والنفث ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين أما الروع بفتح فهو الفزع لا دخل له هنا (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد (وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال إن قسم فلا تعجل وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبدا بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله (1) فإن الله تعالى لا ينال عنده) من الرزق [ص:451] وغيره (إلا بطاعته) قال الطيبي رحمه الله: والاستبطاء يعني الإبطاء والسير للمبالغة وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد (2) لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام فقوله ما عنده إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام وقوله أن يطلبه بمعصية إشارة إلى ما عند الله إذا طلب بمعصية سمي حراما وقوله إلا بطاعته إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقا والكل من عند الله تعالى خلافا للمعتزلة روي أنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} قالت الملائكة هلكت بنو آدم أغضبوا الرب حتى أقسم لهم على أرزاقهم قال الرافعي رحمه الله: واحتج به الشافعي رضي الله عنه على أن من الوحي ما يتلى قرآنا ومنه غيره كما هنا وله نظائر انتهى ثم إن النفث المذكور هو أحد أنواع الوحي فإنه ستة أنواع أحدها كان يأتيه كصلصلة الجرس وهو أشد جاءه مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقل على زيد حتى كاد يرض فخذه الثاني يتمثل له الملك رجلا فيكلمه الثالث النومية الرابع الإلقاء في القلب الخامس يأتيه جبريل عليه السلام في صورته الأصلية له ست مئة جناح تسد الأفق السادس يكلمه الله تعالى كما كلمه ليلة الإسراء وهو أسمى درجاته <تنبيه> جعلهم نفخ الروح في الروع من أقسام الوحي يؤذن باختصاصه بالأنبياء لكن صرح العارف ابن عربي رضي الله عنه بأنه يقع للأولياء أيضا وعبارته العلوم ثلاث مراتب علم العقل وهو كل علم يحصل ضرورة أو عقب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل الثاني علم الأحوال ولا سبيل له إلا بالرزق فلا يمكن عاقل وجدانه ولا إقامة دليل معرفة كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والوجد والشوق فهذه علوم لا يعلمها إلا من يتصف بها ويذوقها الثالث علم الأسرار وهو فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع ويختص به النبي والولي وهو نوعان والعالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها وليس أصحاب تلك العلوم كذلك انتهى
(حل عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه أيضا الطبراني ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم عن ابن مسعود ورواه البيهقي في المدخل وقال منقطع
_________
(1) أي على طلبه بمعصيته فلا يطلبوه بها وإن أبطأ عليكم وهذا وارد مورد الحث على الطاعة والتنفير من المعصية فليس مفهومه مرادا
(2) فائدة: ذكر المقريزي أن بعض الثقات أخبره أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهما منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا فسقطت فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر وكسروها فوجدوها سالمة من السوس كأنها كما حصدت فأكل كل منهم قطعة فكانت ادخرت لها من زمن فرعون فإن حائط العجوز بنيت عقب غرقه فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها

(2/450)


2274 - (إن روحي المؤمنين) تثنية مؤمن (تلتقي (1)) كذا هو بخط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني ليلتقيان (على مسيرة يوم وليلة) أي على مسافتها (وما رأى) والحال أنه ما رأى (واحد منهما وجه صاحبه) في الدنيا أي ذاته فإن الأرواح إذا خلصت من كدورات النفس وخلعت ملابس اللذات والشهوات وترحلت إلى ما منه بدت وانفكت من هذه القيود بالموت تصير ذات سطوع في الجو فتجول وتحول إلى حيث شاءت على أقدارهم من السعي إلى الله أيام الحياة فإذا تردت هكذا سمعت وأبصرت أحوال الدنيا والملائكة فإذا ورد عليهم خبر ميت من الأحياء تلقاه من بينه وبينه تعارف بالمناسبة وإن لم يره في الدنيا في ذلك الفضاء على تلك المسافات وأكثر وتحدث معه وسأله عن الأخبار فسبحان الواحد القهار قال في علم الهدى: الاجتماع في عالم الأرواح أبلغ بلا نهاية له من الاجتماع في عالم الأجسام وخرج بالمؤمنين الكافران لأنهما مشغولان بالعذاب بل جعل ابن القيم الكلام في الأرواح المنعمة قال أما المعذبة ولو من المؤمنين فهم في شغل بما هم فيه عن التلافي فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة هي التي تتلاقى وتزاور وتتذكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا ويكون كل ذي روح مع رفيقها الذي على مثل عملها. [ص:452]
(خد طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي ورجاله وثقوا على ضعف فيهم اه. وأقول فيه ابن لهيعة وفيه ضعف ودراج قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال أحمد أحاديثه مناكير
_________
(1) أي كل منهما بعد الموت بالأخرى

(2/451)


2275 - (إن زاهرا) بن حرام بالفتح والراء كان بدويا من أشجع الناس لا يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية (باديتنا) أي ساكن باديتنا أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها فصار كأنه باديتنا أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا فأغنانا عن الرحيل أو هو من إطلاق اسم المحل على الحال أو تأوه للمبالغة وأصله باديتنا ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك (ونحن حاضروه) أي نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان ذميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فعرفه فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدره وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال إذن يا رسول الله تجدني كاسدا قال لكنك عند الله لست كاسدا
(البغوي) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه أيضا الترمذي وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح اه. فما أوهمه عدول المصنف للبغوي واقتصاره عليه من عدم وجوده لأحد من المشاهير الكبار غير صواب

(2/452)


2276 - (إن ساقي القوم) ماء أو لبنا وألحق بهما ما يفرق على جمع كلحم وفاكهة ومشموم (آخرهم شربا) وتناولا لما ذكر أي تأخيره الشرب إلى أن يستوعبهم بالسقي أبلغ في الأدب وأدخل في مكارم الأخلاق وحسن العشرة وجميل المصاحبة وهذا قاله لما عطشوا في سفر فدعا بماء قليل فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة اشرب فقال لا أشرب حتى تشرب فذكره
(حم م عن أبي قتادة) الأنصاري

(2/452)


2277 - (إن سبحان الله) أي قول سبحان الله بإخلاص وحضور ذهن وهكذا في الباقي (والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض) أي تسقط (الخطايا) عن قائلها (كما تنفض) تسقط (الشجرة ورقها) عند إقبال التناسل به تحقيقا لمحو جميع الخطايا وسيجيء ما يعلم به أن المراد بهذا وما أشبهه الصغائر لا الكبائر والنفض كما في الصحاح وغيره تحريك الثوب ونحوه ليزول عنه الغبار ونفض الورق من الشجر حركه ليسقط واستعمال النفض هنا مجاز قال الزمخشري: من المجاز نفضته الحمى وانتفض من الرعدة وانفض القوم فني زادهم وثوب نافض قد ذهب صبغه ونفض من مرضه نفوضا برىء منه
(حم خذ عن أنس) بن مالك

(2/452)


2278 - (إن سعدا) أي ابن معاذ سيد الأنصار (ضغط) بالبناء للمفعول يضبط المصنف أي عصر وضيق عليه (في قبره) حين دفن (ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه) فاستجاب دعائي وروخى عنه كما في خبر آخر وإذا كان هذا لمعاذ زعيم الأنصار المقتول شهيدا بسهم وقع في أكحله في غزوة الخندق فما بالك بغيره؟ نسأل الله السلامة قال في الصحاح: ضغطه زحمه إلى حائط ونحوه ومنه ضغطة القبر بالفتح وأما الضغطة بالضم فالشدة والمشقة وقال الزمخشري: ضغط الشيء عصره وضيق عليه وأعوذ بالله من ضغطة القبر وضغطته إلى الحائط وغيره فانضغط وقال ومن المجاز فعل ذلك الأمر ضغطة قهرا واضطرارا
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب

(2/452)


[ص:453] 2279 - (إن سورة من القرآن) أي من سوره والسورة الطائفة من القرآن كما سبق (ثلاثون) في رواية ما هي إلا ثلاثون (آية شفعت لرجل) أي فيه وقد كان لازم على قراءتها فما زالت تسأل الله فيه وفي رواية بدل لرجل لصاحبها (حتى غفر له) حتى أخرجته من النار (وهي) سورة (تبارك) تعالى عن كل النقائص (الذي بيده) بقبضته قدرته (الملك) أي التصرف في كل الأمور وفي الإبهام أولا ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل إن سورة تبارك شفعت إلخ لم تكن بهذه المثابة والتنكير في رجل للإفراد أي شفعت لرجل من الرجال ولو ذهب إلى أن شفعت بمعنى تشفع كما في {ونادى أصحاب الجنة} لكان له اتجاه وهذا حث لكل أحد على مواظبة قراءتها لينال شفاعتها ثم إثبات الشفاعة للقرآن إما على الحقيقة أو على الاستعارة والأول هو ما عليه أهل الحقيقة فقد قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلمون وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح العالم لسانا وأوضحه بيانا وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف إلى هنا كلامه وهذا الحديث احتج به من ذهب إلى أن البسملة ليست آية من القرآن لإجماع القراء على أنها ثلاثون آية غير البسملة وأجيب بأن المراد ما بعد البسملة لأنها غير مختصة بهذه السورة وباحتمال أن يكون ذلك قبل نزول البسملة وبأن راوي الخبر أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله
(حم عد حب ك عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وورد في فضل هذه السورة أحاديث صالحة للاحتجاج حتى في غير الفضائل منها ما رواه ابن حجر رحمه الله في أماليه عن عكرمة وقال حسن غريب قال لرجل ألا أطرفك بحديث تفرح به اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وولدك وجيران بيتك فإنها المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها وتطلب إليه أن تنجيه من النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر قال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي قال الحافظ حسن غريب وظاهر سياقه وقفه لكن آخره يشعر برفعه

(2/453)


2280 - (إن سياحة) بمثناة تحتية (أمتي) ليست هي مفارقة الوطن وهجر المألوفات وترك اللذة والجمعة والجماعات والذهاب في الأرض والانقطاع عن النساء وترك النكاح للتخلي للعبادة بل هي (الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الجبار وهذا وقع جوابا لسائل شجاع باسل استأذن في السياحة في زمن تعين فيه الجهاد أما السياحة لغير من ذكر في غير ما زبر في الفلوات والانسلاخ عن رعونات النفس وتجرع فرقة الوطن والأهل والغربة لمن يصير على ذلك محتسبا قاطعا من قبله العلائق الشاغلة من غير تضييع من يعوله ففضلها لا ينكر فتدبره
(د ك هب) عن أبي أمامة قال قال رجل يا رسول الله ائذن لي في السياحة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال النووي رحمه الله في رياضه ثم العراقي إسناده جيد

(2/453)


2281 - (إن شرار أمتي) أي من شرارهم (أجرؤهم على صحابتي) أي من شرارهم من يتجرأ عليهم ويذكرهم بما لا يليق بعلي منصبهم ويطلق لسانه بذمهم أو الطعن فيهم فإن ذلك حرام شديد التحريم فالجرأة عليهم علامة على كون المجترىء من الأشرار والتأدب معهم علامة على كون فاعله من الأخيار قالوا والحق تعظيم جمع الصحب والكف عن الطعن فيهم سيما المهاجرين والأنصار لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم وتوقف على المرتضى عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كان لحزنه عن نصرة عثمان لعدم رضاه وعن قبول [ص:454] بيعته لإعظام الحادثة وعن قصاص القتلى لشركتهم أو لأنه رأى عدم مؤاخذة البغاة لما أتلفوا من الدم والمال وتوقف الجماعة عن الخروج معه إلى الحروب كان لاجتهاد منهم وعدم إلزام منه لا لنزاع في إمامته والمصيب في حرب الجمل والخوارج علي والمخالفون بغاة لا كفرة ولا فسقة لما لهم من الشبهة
(عد عن عائشة) أم المؤمنين بسند ضعيف

(2/453)


2282 - (إن شر الرعاء) بالكسر والمد جمع راع والمراد هنا (الأمراء الحطمة) كلمزه الذي يظلم رعيته ولا يرحمهم من الحطم الكسر يقال راع حطمة إذا كان قليل الرحمة للماشية وهذا من أمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم استعار للوالي الرعي وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم وقيل هو الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه فإن من هذا دأبه يكون دين النفس ظالما بالطبع شديد الطمع فيما في أيدي الناس (1)
(حم م) في المناقب (عن عائذ) بعين مهملة ومثناة تحتية وذال معجمة (ابن عمير) تصغير عمر ممن شهد بيعة الرضوان وكان من صالحي الصحب دخل على ابن زياد قال أي بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال إياك أن تكون منهم فقال اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل لهم نخالة إنما النخالة من بعدهم
_________
(1) وقيل هو العنيف الذي لا رفق عنده وفي النهاية هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد

(2/454)


2283 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس شره) فإن قيل الناس عام في قوله إن شر الناس فيلزم كون المسلم الذي يخاف شره أدنى منزلة من الكافر فالجواب أن من في قوله من يخاف عام يتناول المسلم والكافر لأن الكفار كلهم أعداء يتقى شرهم فالمسلم الذي يخاف شره مشارك للكافر في كونه شر الناس غايته أن الكافر أشد شرا كما يقال أحسن الأشياء العلم مع أن بعض أفراده كالشرعي أحسن فالمراد من قوله شر الناس أي من شرهم فحذفت من وهي مرادة كذا قرره الأكمل وأولى منه قول ابن الكمال أن الكافر خارج عن حيز الخير بالكلية بقوله عند الله فإنه بمعزل عن الدنو منه بالكلية على ما وقع الإفصاح عنه في الخبر المار بقوله إن الله يدني المؤمن إلخ انتهى وعليه فلا حاجة لتقدير ولا إضمار
(طس عن أنس) بن مالك أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه شرا فرحب به فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال الهيثمي فيه ابن مطر ضعيف جدا انتهى وفي الميزان عثمان هذا ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها

(2/454)


2284 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه) أي لأجل قبح فعله وقوله أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا أو فعلا وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا بنحو رفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر:
ووضع الندا في موضع السيف بالعدا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندا
<تنبيه> قال بعضهم أخذ من هذا الخبر وما قبله أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر
(ق د) ثلاثتهم في الأدب (ت) في البر كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قالت استأذن رجل أي وهو عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس [ص:455] انبسط له فلما انطلق سألته عائشة فذكره

(2/454)


2285 - (إن شهابا اسم شيطان) يحتمل إبليس ويحتمل غيره أي فلا ينبغي التسمي به قال ابن القيم: فيكره التسمي بأسماء الشياطين لذلك وسيجيء لها مزيد تقرير فيما بعد إن شاء الله تعالى والشهاب كما في الصحاح وغيره شعبة من النار ساطعة فهو اسم مناسب لمسماه (1)
(هب عن عائشة) رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقال له شهاب قال بلى أنت هشام ثم ذكره
_________
(1) ونهى عن التسمي بالحباب وقال إنه اسم شيطان فيكره التسمي بأسماء الشياطين وفي ابن أبي شيبة عن مجاهد عطس رجل عند ابن عمر فقال أشهب قال له أشهب شيطان وضعه إبليس بين العطسة والحمدلة

(2/455)


2286 - (إن شهداء البحر) أي من مات بسبب قتال الكفار فيه (أفضل عند الله من شهداء البر) أي أكثر ثوابا وأرفع درجة عنده منهم لأن راكب البحر يتعرض للهلاك من وجهين قتال الكفار والغرق فهو على النفس أشق ولم يكن العرب تألفه بل ولا تعرفه فحثهم عليه وبين لهم أفضليته على ما ألفوه لما فيه من المشقة وبما تقرر علم أنه ليس المراد بشهيد البحر الغريق لأن شهيد المعركة أفضل اتفاقا واحتج به من فضل غزو البحر على البر قال ابن عبد البر: ولا تقوم به حجة لضعفه قال الراغب: والبحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير اه وفي الكشاف ما محصوله أنه حيث أطلق إنما يراد به المالح اه لكن الظاهر أن المراد في الحديث ما يشمل الأنهار العظام كالنيل
(طب عن سعيد بن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون قال الهيثمي وفيه من لم أعرفهم

(2/455)


2287 - (إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض) أي صومه كما في الفردوس (لا يرفع إلى الله تعالى رفع قبول إلا) مصحوبا (بزكاة الفطر) أي بإخراجها فقبوله والإثابة عليه متوقفة على إخراجها على ما اقتضاه ظاهر اللفظ ويحتمل أن المراد لا يرفع رفعا تاما مرضيا بل بعضا منه ويثاب عليه ثوابا لا يبلغ ثواب من أدى زكاة الفطر بل يكون دونه في الجزالة
(ابن صصري) قاضي القضاة (في أماليه) الحديثية (عن جرير) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جرير المذكور وفيه ضعف

(2/455)


2288 - (إن صاحب السلطان) أي ذا السلطان وهو الوالي والمراد المصاحب له المدخل في الأمور (على باب عنت) أي واقف على باب خط شاق يؤدي إلى الهلاك قال في الصحاح: العنت الوقوع في أمر شاق وذلك لأن صحبته تحوج إلى مراعاته ومراءاته ومداهنته والثناء عليه بما هو مرتكبه (إلا من عصم الله) أي حفظه ووقاه فمن أراد السلامة لدينه فليتجنب الأمراء أو فليتجنب قربهم ويفر منهم كما يفر من الأسد (1) لكن لا ينبغي احتقار السلطان ولو ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال سهل رضي الله عنه من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق من دعاه يجبه فهو مبتدع ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل يريد الباطل
(البارودي) بفتح الموحدة وسكون الراء وآخره دال مهملة نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها أيبورد كما مر (عن حميد) هو في الصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه
_________
(1) ومن ثم قيل مخالط السلطان ملاعب الثعبان

(2/455)


[ص:456] 2289 - (إن صاحب الدين) بفتح الدال (له سلطان) أي سلاطة ونفاذ حكم على صاحبه) أي المديون الموسر من السفر
(د عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال: جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم بعض الكلام فهم أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه ثم ذكره

(2/456)


2290 - (إن صاحب المكس في النار) يعني العاشر الذي يأخذ المكس من قبل السلطان يكون يوم القيامة في نار جهنم أي مخلدا فيها إن استحله لأنه كافر وإلا فيعذب فيها مع عصاة المؤمنين ما شاء الله ثم يخرج ويدخل الجنة وقد يعفى عنه ابتداء
(حم طب) من حديث أبي الخير عن رويفع بالفاء (بن ثابت) ابن السكن بن عدي ابن حارثة الأنصاري المدني صحابي سكن مصر وولى أمرة برقة قال أبو الخير عرض مسلمة بن مخلد وكان أميرا على مصر على رويفع أن يوليه العشور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وفيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف

(2/456)


2291 - (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم) ست ساعات يحتمل أن المراد الفلكية ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطىء) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية واستغفر الله منها أي طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) بالبناء للمفعول يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي خطيئة واحدة بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} وهذه إحدى روايات الطبراني ولفظ الرواية الأخرى ستجيء في حرف الصاد وفي أثر نقله الغزالي ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به وسقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول لهما الله كفا عنه وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه ولو خلقتماه لرحمتماه فأغفر له لعله يعمل صالحا فأبدله حسنات فذلك معنى قوله تعالى {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا}
(طب عن أبي أمامة) قاله الهيثمي رواه الطبراني بأسانيد أحدها رجاله وثقوا

(2/456)


2292 - (إن صاحبي الصور) هما الملكان الموكلان به قال ابن حجر: اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام ونقل الحلبي فيه الإجماع فلعله ميز على الآخر فلذلك أفرد بالذكر فتلك لرواية وإن كانا إثنين (بأيديهما قرنان) تثنية قرن بالتحريك ما ينفخ فيه والمراد بيد كل واحد منهما قرن (يلاحظان النظر متى يؤمران) بالنفخ فيهما من قبل الله تعالى أي هما متوقعان بروز الأمر بالنفخ في كل وقت متأهبان مستعدان لذلك (1) واللحاظ النظر بمؤخر العين
(هـ عن أبي سعيد) الخدري وفيه عباد بن عوام قال في الكاشف قال أحمد حديثه عن ابن أبي عروبة مضطرب
_________
(1) أي لعلمهما بقرب الساعة قال الشيخ بعد كلام وفي أبي الشيخ عن وهب خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة وفي أبي داود والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم أن أعربيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال قرن ينفخ فيه ولفظ الطبرني كيف أنتم وصاحب الصور قد التقمه ينتظر متى يؤمر وفي رواية قد التقم القرن إلخ ثم قال للعرش خذ الصور فأخذه وفيه ثقب بعدد روح كل مخلوق ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسطه لؤلؤة كاستدارة السماء والأرض وإسرافيل واضع فمه على تلك الؤلؤة

(2/456)


2293 - (إن صدقة السر تطفىء غضب الرب) فهي أفضل من صدقة العلن {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} وفائدة [ص:457] الإخفاء الخلوص من آفة الرياء والسمعة وقد بالغ في قصد الإخفاء جمع حتى اجنهد أن لا يعرف القابض من المعطي توسلا إلى إطفاء غضب الرب (وإن صلة الرحم) أي الإحسان إلى القرابة (تزيد من العمر) أي هي سبب لزيادة البركة فيه (وإن صانع المعروف) جمع صنيعة وهي كما في المصباح وغيره ما اصطنعته من خير (تقي مصارع السوء) أن تحفظ منها (وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها) أي قائل كلمة الشهادة وكان القياس قائله لأن الضمير فيه للقول لكن أنثه باعتبار الشهادة أو الكلمة (تسعة وتسعين) بتقديم التاء على السين فيهما (بابا) يعني نوعا (من البلاء) أي الإمتحان والإفتتان (أدناها) أي أقل تلك الأنواع (الهم) فالمداومة عليها تزيل الهم والغم وتملأ القلب سرورا وانشراحا وفرحا وانبساطا والظاهر أن المراد بالتسعة وتسعين التكثير لا التحديد على منوال ما مر غير مرة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه الطبراني في الأوسط عن معاوية بن حيدة بسند ضعيف

(2/456)


2294 - (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته) بضم الخاء طول صلاته بالنسبة إلى قصر خطبته فليس المراد طولها في نفسها بحيث يشق على المقتدين فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالتخفيف (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفعلة بنيت من إن المكسورة المشددة فإنها لشدة مشابهتها الفعل لفظا ومعنى أجريت مجراه في بناء الكلمة منها ومن أغرب ما قيل فيها إن الهمزة بدل من ظاء المظنة وميمها في ذلك كلمة زائدة وقيل أصلية (من فقهه) أي علامة يتحقق فيها فقهه وحقيقتها مكان لقول القائل إنه فقيه (فأطيلوا) أيها الأمة (الصلاة) أي صلاة الجمعة (وأقصروا الخطبة) ندبا لأن الصلاة أصل مقصود بالذات والخطبة فرع عليها وتوطئة ومقدمة لها ومن القضايا الفقهية إيثار الأصل على الفرع بالزيادة والفضل (وإن من البيان لسحرا) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان والمراد بطول صلاة الجمعة أنها أطول من خطبتها وإلا فهي قصيرة كخطبتها لخبر مسلم كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق وقصد كل شيء تحسينه وقصر الخطبة مندوب وأوجبه الظاهرية قال ابن حزم شاهدت خطيب قرية أطال الخطبة فأخبرني بعض الوجوه أنه بال في ثيابه إذ لم يمكنه الخروج من المقصورة. (1)
(حم م) في الجمعة من حديث أبي وائل (عن عمار بن ياسر) قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان أوجزت وأبلغت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرج البخاري إلا قوله إن من البيان لسحرا
_________
(1) [وحيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث 5010: صل بصلاة أضعف القوم. . . فالسنة التقصير في الصلاة كذلك غير أن الخطبة تكون أقصر من الصلاة كما ورد هنا
وقد أخطأ من أطال الخطبة طارحا لنص السنة الصريح وعاملا برأيه وقد زاد في الخطأ من جعل مترجما إلى اللغة الأجنبية في بلاد المهجر فضاعف ذلك في طولها بالإضافة إلى تعداد الخطباء الذي يفسد الخطبة عند بعض المجتهدين. ومن المدهش أنه عندما روجع أولئك أجابوا أنه للضرورة؟ وما ذلك إلا جهل بليغ إذ أن السنة في تقصير الصلاة والخطبة هي أصلا بسبب الضرورة ولرفع الحرج كما علله صلى الله عليه وسلم في الحديث 490: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. متفق عليه. وورد مثله في الحديث الصحيح 3244. وليس بعد كلام رسول الله كلام
وقد وجد أن مثل تلك الجمع لا تنتهي مع صلاتها إلا قبيل أذان العصر بدقائق مما يزيد في المخالفة. فهلا وسعتنا السنة فقصرنا الخطبة وعينا خطيبا واحدا يجيد اللغتين؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. دار الحديث]

(2/457)


2295 - (إن عامة عذاب القبر) يعني معظمه وأكثره (من البول) أي من التقصير في التحرز عنه لأن التطهير منه مقدمة [ص:458] للصلاة التي هي أفضل الأعمال البدنية وأول ما يخاطب به في الدنيا بعد الإيمان وأول ما يحاسب عليه يوم القيامة والقبر أول درجات الآخرة وهو مقدمة لها فناسب أن يعد في مقدمة الآخرة على مقدمة الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه في الآخرة (فتنزهوا) تحرزوا أن يصيبكم وتنظفوا (منه) ما استطعتم بحيث لا تنتهوا إلى الوسواس المذموم (1) ومما شدد على الأمم السابقة أنه كان على أحدهم إذا أصاب البول بدنه أن بقرضه بمقراض والتنزه التباعد عن الشيء ومنه فلان يتنزه عن الأقذار أي يباعد نفسه منها قال الزمخشري: ومن المجاز رجل نزه ونزيه عن الريب وهو يتنزه عن المطامع
(ابن حميد والبزار) في مسنده (طب) وكلهم (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا قال الولي العراقي: وفي إسناده ضعف لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة من رواية حسرة حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول قلت كذبت قالت بلى أنه يقرض منه الجلد والثوب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا ما هذا فأخبرته فقال صدقت
_________
(1) فالاستبراء عقب البول مندوب وقيل واجب والقول بالوجوب محمول على ما إذا غلب على ظنه بقاء شيء

(2/457)


2296 - (إن عدد درج الجنة عدد آي القرآن) جمع آية (فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن) أي جميعه (لم يكن فوقه أحد) وفي رواية يقال له اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها أي عند حفظك أو آخر تلاوتك لمحفوظك وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مئة درجة وأما خبر الجنة مئة درجة فيحتمل كون المئة من جملة الدرج وكونها نهاية هذه المئة وفي ضمن كل درجة درج دونها قالوا وهذه القراءة كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم عن لذاتهم بل هي كالمستلذ الأعظم ودون ذلك كل مستلذ
(ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رضي الله عنها

(2/458)


2297 - (إن عدة الخلفاء) أي خلفائي الذين يقومون (من بعدي) بأمور الأمة (عدة نقباء بني إسرائيل) أي اثني عشر قال عياض: لعل المراد باثني عشر في هذا الخبر وما أشبهه أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوهم قال الحافظ ابن حجر: هذا أحسن ما قيل هنا وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته والذين اجتمعوا عليه الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين بصفين فتسمى معاوية من يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم علي ولده بزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قيل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بين سليمان ويزيد ابن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد اجتمعوا عليه بعد هشام ثم قاموا عليه فقتلوه فتغير الحال من يومئذ ولم يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية ولخروج المغرب عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة وانقرض الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا مجرد الاسم بعد فإنه كان يخطب لعبد الملك في جميع الأقطار شرقا وغربا يمينا وشمالا مما غلب عليه المسلمون وقيل المراد وجود اثني عشر [ص:459] خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا ويؤيده قوله في رواية كلهم يعمل بالهدى ودين الحق وعليه فالمراد بالإثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وضم بعضهم إليهم المهتدي العباسي لأنه منهم كعمر بن عبد العزيز في الأمويين والظاهر العباسي لما أوتي من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية ثم يلي الأمر بعده اثني عشر رجلا (1) ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم لكن هذه الرواية ضعيفة جدا وما ذكر من أن لفظ الحديث بني إسرائيل هو ما في نسخ لا يحصى فتبعتهم ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه موسى بدل بني إسرائيل
(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) عبد الله قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تملك هذه الأمة من خليفة فذكره
_________
(1) وحمله الشيعة والإمامية على الإثني عشر إماما علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضى ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه على النقي بالنون ثم ابنه حسن العسكري ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وأنه اختفى من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا كما ملئت جورا وأنه عندهم لا امتناع من طول حياته كعيسى والخضر وهذا كلام متهافت ساقط

(2/458)


2298 - (إن أعظم الجزاء) أي كثرته (مع عظم البلاء) بكسر المهملة وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن بلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم (وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا وهو أعلم بحالهم قال لقمان لابنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء (فمن رضي) قضاء بما ابتلى به (فله الرضى) من الله تعالى وجزيل الثواب (ومن سخط) أي كره قضاء ربه ولم يرضه (فله السخط (1)) منه تعالى وأليم العذاب {ومن يعمل سوءا يجز به} وقوله ومن رضي فله الرضى شرط وجزاءا فهم منه أن رضى الله تعالى مسبوق برضى العبد ومحال أن يرضى العبد عن الله إلا بعد رضى الله عنه كما قال {رضي الله عنهم ورضوا عنه} ومحال أن يحصل رضى الله ولا يحصل رضى العبد في الآخرة فعن الله الرضى أزلا وأبدا وفيه جنوح إلى كراهة اختيار الصحة على البلاء والعافية على السقم ولا ينافيه ما مر ويجيء من الأمر بسؤال العافية وأنها أفضل الدعاء لأنه إنما كرهه لأجل الجرائم واقتراف العظائم كيلا يلقوا ربهم غير مطهرين من دنس الذنوب فالأصلح لمن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهير بقدر التمحيص والأجر بقدر الصبر ذكره ابن جرير
(ت) في الزهد (هـ) في الفتن كلاهما من حديث سعد بن سنان (عن أنس) وقال الترمذي حسن غريب قال في المنار ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن سعد بن سنان قال البخاري فيه نظر ووهنه أحمد اه وقال الذهبي سعد هذا ليس بحجة
_________
(1) والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه

(2/459)


2299 - (إن علما) مما شأنه الانتفاع به (لا ينتفع به) بالبناء للمفعول أي لا ينتفع به الناس أو لا ينتفع به صاحبه (ككنز لا ينفق منه في سبيل الله) في كون كل منهما وبالا على صاحبه لأن غير النافع حجة على صاحبه ولهذا استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث قال الزمخشري: ومن المجاز معه كنز من كنوز العلم قال زهير ومن يستبح كنزا من العلم يعظم ويقولون هذا كتاب مكتنز بالفوائد
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا

(2/459)


[ص:460] 2300 - (إن عمار) كزوار (بيوت الله) أي المحبين للمساجد بالذكر والتلاوة والاعتكاف ونحو ذلك من صنوف العبادات وزعم أن المراد بعمارتها بناؤها أو إصلاحها أو ترميما سبق ما ينازع فيه (هم أهل الله) أي خاصته وأحباؤه من خلقه الداخلين في حزبه {ألا إن حزب الله هم المفلحون} قال سيبويه: أهل الرجل هم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه
(عبد بن حميد ع طس هق) كلهم (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد عزوه لأبي يعلى والبزار والطبراني فيه صالح بن بشير المري ضعيف في الحديث وهو رجل صالح وقال الهيثمي فيه صالح المري وهو ضعيف وأقول فيه عند البيهقي هاشم بن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عروبة كبر وتغير

(2/460)


2301 - (إن عم الرجل صنو أبيه) أي أصله وأصله شيء واحد والصنو بكسر فسكون واجد الصنوين وهو نخلتان في أصل واحد وقيل الصنو المثل فاستعمل لفظ الصنو دون المثل رعاية للأدب وكيفما كان استعمال الصنو في العم من قبيل المجاز قال الزمخشري: من المجاز هو شقيقه وصنوه قال:
أتتركني وأنت أخي وصنوي. . . فيا للناس للأمر العجيب
وركبتان صنوان متقاربتان وتصغيره صني
(طب عن ابن مسعود) عبد الله وفي الباب عن عدة من الصحابة

(2/460)


2302 - (إن غلاء أسعاركم) أي ارتفاع أثمان أقواتكم (ورخصها بيد الله) أي بإرادته وتصريفه يفعل ما يشاء من غلا ورخص وتوسيع وتقتير وخصب وجدب لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فلا أسعر ولا آمر بالتسعير بل أنهى عنه (إني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله) إذا توفاني (وليس لأحد منكم) أيها الأمة (قبلي) بكسر ففتح وزان عنب (مظلمة) بفتح الميم وكسر اللام (في مال ولا دم) وفي التسعير ظلم لرب المال لأنه تحجير عليه في ملكه فهو حرام في كل زمن فلا أفعله وهذا مذهب الشافعي ومع ذلك إن وقع من الإمام عذر مخالفه للافتيات قال في الصحاح وغيره والمظلمة بفتح اللام ما تطلبه عند الظالم وهي اسم ما أخذ منك
(طب عن أنس) بن مالك

(2/460)


2303 - (إن غلظ جلد الكافر) أي ذرع ثخانته (اثنتين وأربعين ذراعا بذراع الجبار) قيل هو اسم ملك من الملائكة قال الإمام الرازي وغيره ربما أضيف الشيء إلى الله تعالى والمراد إضافته إلى بعض خواص عباده لأن الملك ينسب إليه ما يفعله خواصه على معنى التشريف لهم والتنويه بقدرهم (وإن ضرسه مثل أحد) أي مثل مقدار جبل أحد (وإن مجلسه) موضع مقعده (من جهنم) أي فيها (ما بين مكة والمدينة) أي مقدار ما بينهما من المسافة وسبق أن هذا مما تجول فيه الأفهام وأنه يجب علينا التسليم واعتقاد ما قاله الشارع وإن لم تدركه عقولنا القاصرة وليست أحوال الدنيا [ص:461] كأحوال الآخرة
(ت) في صفة جهنم (ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي

(2/460)


2304 - (إن فضل عائشة) بنت الصديق الصديقة (على النساء) أي على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين في زمنها ومن أطلق نساءه ورد عليه خديجة وهي أفضل من عائشة رضي الله عنها على الصواب لتصريح المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ولخبر ابن أبي شيبة فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم وآسية وخديجة فإذا فضلت فاطمة فعائشة أولى ومن قول بنساء زمنها ورد عليه فاطمة وفي شأنها قال أبوها ما سمعت وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحدا قال البعض وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة رضي الله عنها (كفضل الثريد) بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم (على سائر الطعام) من جنسه بلا ثريد لما في الثريد من نفعه وسهولة مساغه وتيسر تناوله وبلوغ الكفاية منه بسرعة واللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ فشبهت به لما أعطيت من حسن الخلق وعذوبة المنطق وجودة الذهن ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل وغير ذلك
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك (ن عن أبي موسى) الأشعري (عن عائشة) أم المؤمنين

(2/461)


2305 - (إن فقراء المهاجرين) الذين هاجروا من أرض الكفر إلى غيرها فرارا بدينهم (يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة) أي إلى دخولها لعدم فضول الأموال التي يحاسبون على مخارجها ومصارفها (بأربعين خريفا) أي سنة وهذا لا تعارض بينه وبين قوله في الخبر الآتي خمس مئة سنة لاختلاف مدة السبق باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم سابق بأربعين ومنهم بخمس مئة كما يتفاوت مكث عصاة الموحدين في النار باختلاف جرائمهم وهذا كما ترى أعم واقعد من فرق البعض بأن الفقير الحريص يتقدم على الغني بأربعين سنة والزاهد بخمس مئة سنة أو أراد بالأربعين التكثير لا التحديد وأن خبر الخمس مئة متأخر ويكون الشارع زاد في زمن سبق الدخول ترغيبا في الصبر على الفقر لكن ينبغي أن تعلم أن سبق الدخول لا يستلزم رفع المنزلة فقد يكون بعض المتأخرين أرفع درجة من السابقين يرشد إليه أن ممن يحاسب أفضل من السبعين ألفا الداخلين بغير حساب فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان ويحصل لواحد السبق والرفعة ويعدمها آخر ويحصل لآخر واحد فقط بحسب المقتضي
(م) في الزهد من حديث عبد الرحمن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الجيلي: جاء ثلاثة نفر إلى ابن عمرو فقالوا له والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لكم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره

(2/461)


2306 - (إن فقراء المهاجرين) في رواية فقراء المؤمنين وهي أعم (يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار خمس مئة سنة) ويدخل فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالقدر المذكور ذكره القرطبي ثم الأغنياء إن أحسنوا في فضول أموالهم كانوا بعد الدخول أرفع درجة من كثير من الفقراء كما تقرر والمراد في هذا وما قبله من لا فضل له عما وجب عليه من نفقته ونفقة ممونه على الوجه اللائق وإن لم يكن من أهل الزكاة ولا الفيء ذكره ابن تيمية وغيره (تتمة) أخرج العسكري عن [ص:462] نصر بن جرير أن أبا حنيفة رضي الله عنه سئل عن حديث يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم فقال المراد الأغنياء من غير هذه الأمة لأن في أغنياء هذه الأمة مثل عثمان بن عفان والزبير وابن عوف رضي الله عنهم قال نصر فذكرته لعبد الواحد بن زيد فقال لا يسأل أبو حنيفة عن هذا إنما يسأل عن المدبر والمكاتب ونحوه
(هـ عن أبي سعيد) الخدري

(2/461)


2307 - (إن فناء أمتي) قال في الصحاح فنى الشيء بالكسر فناء وتفانوا أفنى بعضهم بعضا في الحروب (بعضها ببعض) أي أن اهلاكهم بقتل بعضهم بعضا في الحروب بينهم فإن نبيهم سأل الله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم
(قط في) كتاب (الأفراد عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير قادح لأن الصحب كلهم عدول قال ابن حجر رحمه الله في تخريج الهداية إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا

(2/462)


2308 - (إن فلانا أهدى إلي ناقة) فعل ماض من الهدية (فعوضته منها) أي عنها (ست بكرات) جمع بكرة بفتح فسكون والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس والبكرة بمنزلة الفتاة (فظل ساخطا) أي غضبانا كارها لذلك التعويض طالبا الأكثر منه قال في الصحاح: سخط غضب وفي الصحاح عطاء سخوط أي مكروه (لقد هممت) أي أردت وعزمت قال في الصحاح هم بالشيء أراده (أن لا أقبل هدية) من أحد (إلا من قريشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) لأنهم لمكارم أخلاقهم وشرف نفوسهم وإشراق النور على قلوبهم دقت الدنيا في أعينهم فلا تطمح نفوسهم إلى ما ينظر إليه السفلة والرعاع من المكافاة على الهدية واستكثار العوض وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق ويعطي عطاء من لا يخاف الفقر ولا يستكثر مكافأة ذلك الإنسان بستين فضلا عن ستة لكنه رأى غيره في ذلك الوقت أحوج وبالتضعيف لذلك حتى يرضى يفوت حق غيره
(حم ت) في آخر الجامع (عن أبي هريرة) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره ورواه أبو داود مختصرا

(2/462)


2309 - (إن فاطمة) بنت النبي صلى الله عليه وسلم (أحصنت) في رواية حصنت بغير ألف (فرجها) صانته عن كل محرم من زنا وسحاق ونحو ذلك (فحرمها) أي بسبب ذلك الإحصان حرمها (الله وذريتها على النار) أي حرم دخول النار عليهم فأما هي وابناها فالمراد في حقهم التحريم المطلق وأما من عداهم فالمحرم عليهم نار الخلود وأما الدخول فلا مانع من وقوعه للبعض للتطهير هكذا فافهم وقد ذكر أهل السير أن زيد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهم خرج على المأمون فظفر به فبعث به لأخيه علي الرضى فوبخه الرضى وقال له يا زيد ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله غرك أنه قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها كالحسن والحسين لا لي ولا لك والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله تعالى فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته إنك إذن لأكرم على الله منهم وروى أبو نعيم والخطيب بسندهما لمحمد بن مرثد كنت ببغداد فقال محمد بن مرثد هل لك أن أدخلك على علي الرضى فأدخلني فسلمنا وجلسنا فقال له حديث إن فاطمة أحصنت فرجها إلخ قال خاص للحسن والحسين <تنبيه> قال ابن حجر: يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعا تزوج حفصة خير من عثمان وتزوج عثمان [ص:463] خيرا من حفصة
(البزار) في مسنده عن محمد بن عقبة السدوسي عن معاوية بن هشام عن عمرو بن غياث عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود ثم قال أعني البزار لا نعلم من رواه هكذا إلا عمرو ولم يتابع عليه وقال العقيلي في الحديث نظر وقال ابن الجوزي موضوع مداره على عمرو بن غياث وقد ضعفه الدارقطني وكان من شيوخ الشيعة (ع طب ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وقال الذهبي لا بل ضعيف تفرد به معاوية وفيه ضعف عمرو بن غياث وهو واه بمرة اه لكن له شواهد منها خبر البزار والطبراني أيضا إن فاطمة حصنت فرجها وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة قال الهيثمي فيه عمرو بن غياث ضعيف

(2/462)


2310 - (إن فسطاط المسلمين) بضم الفاء أصله الخيمة والمراد حصنهم من الفتن (يوم الملحمة) أي الوقعة العظيمة في الفتنة كما في الصحاح (بالغوطة) بالضم وهي كما في الصحاح موضع بالشام كثير الماء والشجر وهي غوطة دمشق ولهذا قال (إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) بكسر ففتح وهي قصبة الشام كما في الصحاح سميت باسم دماشاق بن نمروذ بن كنعان (من خير مدائن الشام) أي هي من خيرها بل هي خيرها ولا يقدح فيه من لأن بعض الأفضل قد يكون أفضل بدليل خبر عائشة رضي الله تعالى عنها كان أي النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم قال ابن عساكر دخلها عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(د) في الملاحم (عن أبي الدرداء) وروي من طرق أخرى

(2/463)


2311 - (إن في الجمعة) أي في يومها (لساعة) أبهمها كليلة القدر والاسم الأعظم حتى تتوافر الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم وفي خبر يجيء إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها ويوم الجمعة من تلك الأيام فينبغي التعرض لها في جميع نهاره بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء والنزوع عن وسواس الدنيا فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات والأصح أن هذه الساعة لم ترفع وأنها باقية وأنها في كل جمعة لا في جمعة واحدة من السنة خلافا لبعض السلف وجاء تعيينها في أخبار ورجح النووي منها خبر مسلم أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة ورجح كثيرون منهم أحمد وحكاه الزملكاني عن نص الشافعي أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة وأطيل في الاتنصار له ووراء ذلك أربعون قولا أضربنا عن حكايتها لقول بعض المحققين ما عدا القولين موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوفا استند قائله إلى اجتهاد لا توقيف وحقيقة الساعة المذكورة جزء مخصوص من الزمن وتطلق على جزء من اثني عشر جزءا من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر منه أو على الوقت الحاضر وفي خبر مرفوع لأبي داود ما يصرح بالمراد وهو يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة إلخ (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد مسلم) يعني انسان مؤمن عبد أو أمة حر أو قن قال الطيبي: وقوله لا يوافقها صفة لساعة أي لساعة من شأنها أن يترقب لها وتغتنم الفرصة لإدراكها لأنها من نفحات رب رؤوف رحيم وهي كالبرق الخاطف فمن وافقها أي تعرض لها واستغرق أوقاته مترقبا للمعانها فوافقها قضى وطره منها قال الشاعر:
فأنالني كل المنى بزيارة. . . كانت مخالسة كخطفة طائر
فلو استطعت إذن خلعت علي الدجا. . . فلطول ليلتنا سواد الناظر
(وهو قائم) جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية (فيسأل) حال ثالثة (الله تعالى) فيها (خيرا) من خيور [ص:464] الدنيا والآخرة وفي رواية للبخاري شيئا أي مما يليق أن يدعو به المؤمن ويسأل فيه ربه تعالى وذكر قائم غالبي فالقاعد والمضطجع كذلك (إلا أعطاه إياه) تمامه عند البخاري وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفيه تغليب الصلاة على ما قبلها وهي الخطبة بناء على القول الأول وأما على الثاني فمعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى {ما دمت عليه قائما} واستشكل حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمصلي وساعة الإجابة معلقة بالوقت فكيف يتفق مع الإختلاف وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل
(مالك) في الموطأ (حم م ن هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد رواه البخاري عن أبي هريرة أيضا مع تغيير لفظي يسير وذلك لا يقدح ولهذا قال الحافظ العراقي في المغني هو متفق عليه

(2/463)


2312 - (إن في الجنة بابا) لم يقل للجنة إشعارا بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه (يقال له الريان) بفتح الراء وشدة المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليذهب عطشه وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم واكتفى بالري عن الشبع لدلالته عليه أو لأنه أشق على الصائم من الجوع (يدخل منه) إلى الجنة (الصائمون يوم القيامة) يعني الذين يكثرون الصوم لتتكسر نفوسهم لما تحملوا مشقة الظمأ في صومهم خصوا بباب في الري والأمان من الظمأ قبل تمكنهم ومن ثم كان مختصا بهم (لا يدخل منه أحد غيرهم) كرر نفي دخول غيرهم تأكيدا (يقال) أي يوم القيامة في الموقف والقائل الملائكة أو من أمره الله من خلقه (أين الصائمون) المكثرون للصيام (فيقومون) فيقال لهم ادخلوا الجنة (فيدخلون منه فإذا دخلوا) منه أي دخل آخرهم (أغلق) بالبناء للمفعول (فلم يدخل منه) بعد ذلك أحد أي لم يدخل منه غير من دخل ولا يناقضه أن المتشهد عقب الوضوء تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء لجواز أن يصرف الله مشيئة ذلك المتشهد عن دخول باب الريان إن لم يكن من مكثري الصوم ذكره البعض وذكر أن المراد بالصائمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم سموا به لصيامهم رمضان فمعناه لا يدخل من الريان إلا هذه الأمة بعيد متكلف <فائدة> ذكر الطالقاني في حظائر القدس لرمضان ستين اسما
(حم ق) في صفة الجنة (عن سهل بن سعد) الساعدي

(2/464)


2313 - (إن في الجنة لعمدا) بضمتين وبفتحتين جمع عمود وهو معروف والعماد الأبنية الرفيعة وما يسند به (من ياقوت) أحمر وأبيض وأصفر (عليها غرف) جمع غرفة بالضم وهي كما في الصحاح العلية (من زبرجد) كسفرجل جوهر معروف (لها أبواب مفتحة تضيء) يعني تلك الغرف ومن أرجعه للأبواب فقد أبعد وإن كان أقرب (كما يضيء الكوكب الدري) قالوا يا رسول الله من يسكنها قال (يسكنها المتحابون في الله والمتجالسون في الله) لنحو ذكر أو قراءة أو علم أو غيرها (والمتلاقون في الله) أي المتعاونون على أمر الله فأعظم بمحبة الله من خصلة من ثمراتها استحقاق السكنى بهاتيك المساكن
(ابن ابي الدنيا) أبو بكر (في كتاب) فضل زيارة (الإخوان هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وضعفه المنذري وذلك لأن فيه يوسف بن يعقوب القاضي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول وحميد بن الأسود وأورده فيهم وقال كان عفان يحمل عليه ومحمد بن أبي حميد وضعفوه وحينئذ فتعصيب الهيثمي الجناية [ص:465] برأس الأخير حدوه ليس على ما ينبغي

(2/464)


2314 - (إن في الجنة غرفا يرى) بالبناء للمفعول أي يرى أهل الجنة (ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها) لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها قالوا لمن هي يا رسول الله قال (أعدها الله تعالى) أي هيأها (لمن أطعم الطعام) في الدنيا للعيال والفقراء والأضياف والإخوان ونحوهم (وألان الكلام) أي تملق للناس واستعطفهم قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشيء لينا وألينه صيره لينا وقد ألانه أيضا على النقصان والتمام وتلين تملق انتهى وحقيقة اللين كما قاله ابن سيناء كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينتقل عن وضعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وضده الصلابة قال الطيبي: جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى {أولئك يجزون الغرفة} {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الآية. وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان (وتابع الصيام) قال ابن العربي: عنى به الصيام المعروف كرمضان والأيام المشهود لها بالفضل على الوجه المشروع مع بقاء القوة دون استيفاء الزمان كله والاستيفاء القوة بأسرها وإنما يكسر الشهوة مع بقاء القوة وقال الصوفية الصيام هنا الإمساك عن كل مكروه فيمسك قلبه عن اعتقاد الباطل ولسانه عن القول الفاسد ويده عن الفعل المذموم وفي رواية وواصل الصيام (1) وفي أخرى وأفشى السلام (وصلى بالليل) أي تهجد فيه (والناس نيام) وهذا ثناء على صلاة الليل وعظم فضلها عند الله تعالى وجعل الغرفة جزاء من صلى بالليل كما في قوله تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} فأومأ به إلى أن المتهجد ينبغي أن يتحرى في قيامه الإخلاص ويجتنب الرياء لأن البيتوتة للرب لم تشرع إلا لإخلاص العمل لله ولم يذكر الصيام في التنزيل استغناء بقوله {بما صبروا} لأن الصيام صبر كله هذا ما قرره شارحون لكن في رواية البيهقي قيل يا رسول الله وما إطعام الطعام قال من قات عياله قيل وما وصال الصيام قال من صام رمضان ثم أدرك رمضان فصامه قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة اه. وهو وإن ضعفه ابن عدي لكن أقام له شواهد يعتضد بها ومع ملاحظته لا يمكن التفسير بغيره
(حم حب هب عن أبي مالك الأشعري) قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن معانق وثقه ابن حبان (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل حفظه اه. ولهذا جزم الحافظ العراقي بضعف سنده وكثيرا ما يقع للمصنف عزو الحديث لمخرجه ويكون مخرجه قد عقبه بما يقدح في سنده فيحذف المصنف ذلك ويقتصر على عزوه له وذلك من سوء التصرف
_________
(1) ويكفي في متابعة الصيام مثل حال أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله ومثلها من أوسطه وآخره والإثنين والخميس وعشر ذي الحجة ونحو ذلك

(2/465)


2315 - (إن في الجنة مئة درجة) أي درجات كثيرة جدا ومنازل عالية شامخة فالمراد بالمئة التكثير لا التحديد فلا [ص:466] تدافع بينه وبين خبر إن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة وقيل الحصر في المئة للدرج الكبار المتضمنة للصغار والدرجة المرقاة (لو أن العالمين) بفتح اللام أي جميع المخلوقات (اجتمعوا) جميعا (في إحداهن لوسعتهم) جميعهم لسعتها المفرطة التي لا يعلم كنه مقدارها إلا الذي كونها والقصد بين عظم الجنة (1) وأن أهلها لا يتنافسون في مساكنها ولا يتزاحمون في أماكنها كما هو واقع لهم في الدنيا
(ت عن أبي سعيد) قال الترمذي حسن صحيح
_________
(1) والله تعالى يقول {عرضها السماوات والأرض} و {كعرض السماء والأرض} وإذا كان هذا عرضها فما بالك بالطول

(2/465)


2316 - (إن في الجنة بحر الماء) غير آسن (وبحر العسل) أي المصفى (وبحر اللبن) أي الذي لم يتغير طعمه (وبحر الخمر) الذي هو لذة للشاربين (ثم تشقق الأنهار بعد) قال الطيبي رحمه الله تعالى: يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما وبالنهر مثل نهر معفل حيث تشقق منها جداول وخص هذه الأنهار بالذكر لكونها أفضل أشربة النوع الإنساني فالماء لريهم وطهورهم والعسل لشفائهم ونفعهم واللبن لقوتهم وغذائهم والخمر للذتهم وسرورهم وقدم الماء لأنه حياة النفوس وثنى بالعسل لأنه شفاء للناس وثلث باللبن لأنه الفطرة وختم بالخمر إشارة إلى أن من حرمه في الدنيا لا يحرمه في الآخرة
(حم ت عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة

(2/466)


2317 - (إن في الجنة لمراغا من مسك) أي محلا منبسطا مملوءا منه مثل المحل المملوء من التراب المعد لتمرغ الدواب أي تمعكهم وتقلبهم فيه في الدنيا فلهذا قال (مثل مراغ دوابكم في الدنيا) في سعته وتكثره وسهولة وجدانه لكل أحد وإنما شبهه به لأن الإنسان بالمألوف آنس وبالمعهود أميل فليس في الجنة شيء يشبهه ما في الدنيا كما يجيء في خبر (1) قال في الصحاح: مرغه في التراب تمريغا أي معكه فتمعك والموضع متمرغ ومراغ ومراغة وقال الزمخشري: مرغته تمريغا إذا أشبعت رأسه وجسده دهنا ومن المجاز فلان يتمرغ في النعيم يتقلب فيه
(طب) وكذا الأوسط (عن سهل بن سعد) قال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمي رجالهما ثقات
_________
(1) أي فيتمرغ فيه أهلها كما تتمرغ الدواب في التراب واحتمال أن المراد أن الدواب التي تدخل الجنة تتمرغ فيه بعيد وفي النهاية في الجنة مراغ المسك أي الموضع الذي يتمرغون فيه من ترابها والتمرغ التقلب في التراب وظاهر أن ذلك من باب ظهور الشرف وكمال المقابلة وإن كانت دوابهم غير محتاجة لذلك لأن التمرغ لإزالة التعب عنها وهي ليس عليها تعب لكن ربما يقال إن ذلك لنحو دواب الجهاد التي تدخل الجنة مجازاة لأصحابها من باب تتميم اللذة لهم فإن أعمالهم تكون بين أيديهم تسرهم رؤيتها ومنها تلك الدواب أي لكونهم جاهدوا عليها وأشار إليه بعض من تكلم على دواب الجنة وقد ثبت دخول بعض الدواب الدنيوية الجنة انتهى

(2/466)


2318 - (إن في الجنة لشجرة) قيل هي شجرة طوبى ويحتاج لتوقيف والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل قاوم الشتاء أو عجز عنه ذكره في القاموس فشمل شجر البلح وغيره (يسير الراكب) الفرس [ص:467] (الجواد (1)) بالتخفيف أي الفائق أو السابق الجيد وفي رواية المجود الذي يجود ركض الفرس (المضمر (2)) بضاد معجمة مفتوحة وميم مشددة أي الذي قلل علفه تدريجا ليشتد جريه قال الزركشي هو بنصب الجواد وفتح الميم الثانية من المضمر ونصب الراء نعت لمفعول الراكب وضبطه الأصيلي بضم المضمر والجواد صفة للراكب فيكون على هذا بكسر الميم الثانية وقد يكون على البدل (في ظلها (3)) أي راحتها ونعيمها إذ الجنة لا شمس فيها ولا أذى (مئة عام) في رواية سبعين (4) (ما يقطعها) زاد أحمد وهي شجرة الخلد والجملة حال من فاعل يسير يعني لا يقطع الراكب المواضع التي تسترها أغصان الشجرة وفي ذكر كبر الشجرة رمز إلى كبر الثمرة ومن ثم ورد أن نبقها كقلال هجر وذا أبين لفضل المؤمن وأجلب لمسرته فحين أبصر شجر الرمان مثلا في الدنيا وحجم ثمرها وأن قدر الكبرى من الشجر لا يبلغ مساحتها عشرة أذرع وثمرها لا يفضل على أصغر بطيخة ثم أبصر شجرة في ذلك القدر وثمرة منها تشيع أهل دار كان أفرط لابتهاجه واغتباطه وأزيد لاستعجابه واستغرابه وأبين لكنه النعمة وأظهر للمزية من أن يفجأ ذلك الشجر والثمر على ما سلف له به عهد وتقدم له ألف فإبصاره لها على ذلك الحجم دليل على تمام الفضل وتناهي الأمر وأن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستوجب تعجبهم ويستدعي تحجبهم في كل أوان فسبحان الحكيم المنان واستشكل هذا الحديث بأن من أين هذا الظل والشمس قد كورت وما في الجنة شمس؟ وأجاب السبكي بأنه لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع في الأبدان وغيرها
(حم ح ت عن أنس) بن مالك (ق عن سهل) بن سعد (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (ق ت هـ عن أبي هريرة)
_________
(1) الجواد بالنصب على أنه مفعول الراكب أو بالجر بالإضافة أي الفائق الجيد
(2) المضمر هو أن يعلف حتى يسمن ويقوى على الجري ثم يقلل العلف بقدر القوت ويدخل بيتا ويغشى بالحلال حتى يحمى فيعرق فإذا جف عرقه قل لحمه وقوي على الجري
(3) وقيل معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها
(4) ولا تعارض لأن المراد التكثير لا التحديد أو أن بعض أغصانها سبعين وبعضها مئة

(2/466)


2319 - (إن في الجنة ما لا عين رأت) في دار الدنيا (ولا أذن سمعت) فيها (ولا خطر على قلب أحد) (1) {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} أخفوا ذكره عن الأغيار والرسوم فأخفى ثوابهم عن المعارف والفهوم وقد أشهد الله عباده في هذه الدار آثارا من آثارها وأنموذجا منها من الروائح الطيبة واللذة والمناظر البهية والمناكح الشهية وفي خبر أبي نعيم يقول الله للجنة طيبي أهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس في السحر من ذلك كما جعل سبحانه وتعالى نار الدنيا وغمومها وأحزانها وآلامها مذكرة بنار الآخرة وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده أنفاس جنته وما نذكرهم بها <تنبيه> استشكل هذا الحديث بما في حديث أبي داود وغيره أنه تعالى لما خلق الجنة أرسل جبريل عليه السلام إليها فقال انظر إليها وإلى ما أعددت إلى أهلها فيها الحديث فقد رأته عين وأجيب بما منه أن المراد من نظر جبريل عليه السلام لما أعده الله لأهلها فيها ما أعده لعامتهم فلا يمتنع أنه يعد فيها لبعضهم ما لم ينظر إليه جبريل عليه السلام وبأن المراد عين البشر لا الملائكة وسيجيء بسطه
(طب) وكذا البزار (عن سهل بن سعد) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا منهم فلو عزاه المصنف للبزار كان أجود
_________
(1) أي لم يدخل تحت علم أحد كنى بذلك عن عظيم نعيمها القاصر عن كنه علمنا الآن وسيظهر لنا بعد إن شاء الله

(2/467)


[ص:468] 2320 - (إن في الجنة لسوقا) يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح والمراد به هنا مجتمع يجتمع فيه أهل الجنة وقد حفته الملائكة بما لا يخطر بقلب بشر يأخذون مما يشتهون بلا شراء وهو أنواع الالتذاذ كما قال (ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها) (1) أراد بالصورة الشكل والهيئة أي تتغير أوصافه بأوصاف شبيهة بتلك الصورة فالدخول مجاز عن ذلك وأراد به التزيين بالمحل والحلل وعليها فالمتغير الصفة لا الذات ذكره الطيبي وقال القاضي له معنيان أحدهما أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التزيين الثاني أنه أراد الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة فإذا اشتهى صورة منها صوره الله بها وبدلها بصورته فتتغير الهيئة والذات قال وظاهره يستدعي أن الصور تباع وتشترى في ذلك السوق لأن تقدير الكلام إلا بيع الصور وشراءها وإلا لما صح الاستثناء فلا بد لها من عوض تشترى به وهو الإيمان والعمل الصالح على ما دل عليه نص الكتاب والسنة الدالة على تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور التي تكون لأهل الجنة اختيار لها واتيانه بها ابتياعا له وجعله كالمتملك لها المتمكن منها متى شاء ونوزع فيه بما لا يجدي <فائدة> قال ابن عربي: حدثني أوحد الدين الكرماني قال كنت أخدم شيخا وأنا شاب فمرض بالبطن وكان في مغارة فلما وصلنا تكريت قلت يا سيدي اتركني أطلب لك دواء من صاحب المارستان فلما رأى احتراقي قال اذهب إليه فذهبت إليه فإذا هو قاعد في الخيمة ورجال قائمون بين يديه ولا يعرفني فرآني واقفا بين يديه مع الناس فقام إلي وأخذ بيدي وأكرمني وأعطاني الدواء وخرج معي في خدمتي فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة أمير المارستان فقال لي يا ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك ثم خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت من هيكلي ودخلت في هيكل ذلك الأمير وقعدت في محله فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء
(ت) في صفة الجنة (عن علي) أمير المؤمنين وقال غريب انتهى وضعفه المنذري وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ودندن عليه ابن حجر ثم قال وفي القلب منه شيء والمصنف بما محصوله أن له شواهد
_________
(1) قال ابن حجر قوله دخل فيها: الذي يظهر لي أن المراد به أن الصورة تتغير فتصير شبيهة بتلك الصورة لا أنه يدخل فيها حقيقة والمراد بالصورة الشكل والهيئة

(2/468)


2321 - (إن في الجنة دارا) أي عظيمة جدا في النفاسة فالتنكير للتعظيم (يقال لها دار الفرح) أي تسمى بذلك بين أهلها (لا يدخلها) من المؤمنين أي دخول سكنى بها كما يقتضيه الترغيب (إلا من فرح) بالتشديد (الصبيان) يعني الأطفال ذكورا أو إناثا فليس المراد الذكور فحسب وتفريحهم مثل أن يطرفهم بشيء من الباكورة ويزينهم في المواسم ويأتي إليهم بما يستعذب ويستغرب فيه شمول لصبيانه وصبيان غيره لكن أبدأ بمن تعول <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلا وآجلا والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية وقد يسمى الفرح سرورا وعكسه لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدها بصورة الأخذ
(عد) عن أحمد بن حفص عن سليم بن شبيب عن عبد الله بن يزيد المقري عن ابن لهيعة عن هشام عن عروة (عن عائشة) أورده الجوزي من هذا الوجه في الموضوعات وقال ابن لهيعة ضعيف [ص:469] وأحمد بن حفص منكر الحديث انتهى وفي الميزان أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي صاحب مناكير وقال ابن عدي هو عندي لا يتعمد الكذب

(2/468)


2322 - (إن في الجنة دارا يقال لها الفرح) أي وهي على غاية من النفاسة والبهجة بحيث تعد من الفرائد وتتميز على غيرها بفضل حسن كما يفيده السياق (لا يدخلها إلا من) أي إنسان (فرح يتامى المؤمنين) بشيء مما مر لأن الجزاء من جنس العمل فمن فرح من ليس له من يفرحه فرحه الله بإسكان تلك الدار العلية المقدار الرفيعة المنار فإن قلت: ظاهر التقييد هنا اليتيم أن المراد بالصبيان فيما قبله اليتامى دون غيرهم قلت: الأقعد أن يراد ثم مطلق الصبيان وتكون الدار غير هذه لكن تكون هذه الدار أنفس لأن تفريح الأيتام أفضل وإن كان تفريح كل شيء فاضلا
(حمزة) أبو القاسم (بن يوسف) بن إبراهيم بن موسى (السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء نسبة إلى سهم بن عمرو وهو الجرجاني الحافظ له تصانيف معروفة (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه أي تاريخ بغداد كلاهما جميعا عن محمد بن القاسم القزويني عن أبي الحسن الوراق عن علي بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن يزيد الحراني عن محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن ابن لهيعة عن ابن غسانة (عن عقبة بن عامر الجهني)

(2/469)


2323 - (إن في الجنة بابا يقال له الضحى) أي يسمى باب الضحى (فإذا كان يوم القيامة نادى مناد) من قبل الله تعالى من الملائكة أو غيرهم (أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى) في الدنيا فيأتون فيقال لهم (هذا بابكم) أي الذي أعده الله لكم (فادخلوه) فرحين مسرورين (برحمة الله) لا بأعمالكم فالمداومة على صلاة الضحى لا توجب الدخول منه ولا بد وإنما الدخول بالرحمة لما تقرر في غير ما موضع أن العمل الصالح غير موجب للدخول بل إنما يحصل به الاستعداد للذي يتفضل عليه {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وهذا تنويه عظيم بصلاة الضحى وهي سنة وما ورد مما يخالفه مؤول
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي وفيه سليمان بن داود اليمامي قال ابن عدي وغيره متروك

(2/469)


2324 - (إن في الجنة بيتا يقال له بيت الأسخياء) أي يسمى بين أهل الجنة والملائكة بذلك والسخي الكريم والمراد أن لهم فيها بيتا عظيم الشأن يختص بهم دون غيرهم وقياس ما سبق فيما قبله أن يقال لا يدخله إلا الأسخياء والسخاء بالمد الجود والكرم ومقصود الحديث الحث على السخاء وتجنب البخل
(طس عن عائشة) وقال تفرد به جحدر بن عبد الله وقال الهيثمي ولم أجد من ترجمه

(2/469)


2325 - (إن في الجنة لنهرا) بفتح الهاء في اللغة العالية وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ذكره الزمخشري وقال غيره هو ما بين حافتي الوادي سمي به لسعة ضوئه (ما يدخله جبريل من دخلة) بكسر الميم جار ومجرور الجار زائد أي مرة واحدة من الدخول ضد الخروج (فيخرج منه فينتفض إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه [ص:470] ملكا) يعني ما ينغمس فيه جبريل عليه السلام انغماسة فيخرج منه فينتفض انتفاضة إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه من الماء حال خروجه منه ملكا يسبحه دائما فقوله إلا إلخ هو محط الفائدة وهذا الحديث يوضحه ما رواه العقيلي بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا في السماء بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل عليه السلام كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج منه سبعون ألف قطرة فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا فيتولى عليهم أحدهم ثم يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله تعالى فيه إلى أن تقوم الساعة انتهى قال ابن الجوزي موضوع فقال المؤلف ما هو بموضوع قال ابن حجر رحمه الله واستدل به على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت من الملائكة في هذا الخبر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن إبراهيم بن محمد بن الحسن عن ابن عبد الله المخزومي عن مروان بن معاوية الفرازي عن زياد بن المنذر عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي قال المؤلف وزياد بن المنذر ضعفه أبو حاتم

(2/469)


2326 - (إن في الجنة نهرا) من ماء (يقال له رجب) أي يسمى ذلك بين أهلها (أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من شهر رجب سقاه الله من ذلك النهر) فيه إشعار باختصاص ذلك الشرب بصوامه وهذا تنويه عظيم بفضل رجب ومزية الصيام فيه وفيه كالذي قبله رمز إلى فضل الأنهار وأنها أعظم ماء من الله به على عباده في الدارين قال الزمخشري: أنزه البساتين وأكرمها منظرا ماء أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر وتبهج النفوس وتجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء وإلا كان الأنفس الأعظم فائتا والسرور الأوفر مفقودا
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب هب عن أنس) قال ابن الجوزي هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا يدري من هم انتهى وفي الميزان هذا باطل

(2/470)


2327 - (إن في الجنة درجة) أي منزلة عالية (لا ينالها إلا أصحاب الهموم) يعني في طلب المعيشة كذا في الفردوس والهم بالفتح الحزن والقلق وأهمني الأمر بالألف أقلقني وهمني هما من باب قتل مثله واهتم الرجل بالأمر قام به كذا في المصباح. قال الزمخشري: تقول أي العرب أهمه الأمر حتى أهرمه أي أذابه ووقعت السوسة في الطعام فهمته هما أي أكلت لبابه واهتم به ونزل به مهم ومهمات
(فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى

(2/470)


2328 - (إن في الجمعة ساعة) أي لحظة قيل وليس المراد هنا الفلكية (لا يحتجم فيها أحد إلا مات) أي بسبب الحجم وقوله في الجمعة أي في يومها ويحتمل أن المراد في ساعة من الأسبوع جميعه فالأول أقرب وفي الخبر ما يدل عليه. [ص:471]
(ع) عن يحيى بن العلاء عن زيد بن أسلم عن طلحة بن عبيد (عن الحسين بن علي) فيه يحيى بن العلاء وهو كذاب وقال الذهبي في التنقيح في إسناده مثل يحيى بن العلاء وهو متروك انتهى وقال في الميزان يحيى بن العلاء البجلي ضعفه جماعة وقال الدارقطني متروك وقال أحمد كذاب يضع الحديث ثم سرد له مما أنكر عليه أخبارا هذا منها انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه فقال موضوع تعقبه المؤلف بأنه رواه البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها من يحتجم إلا عرض له داء يشفى منه وقال عطاء أحد رجاله ضعيف

(2/470)


2329 - (إن في الحجم شفاء) أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جوابا لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد
(م) من حديث عاصم (عن جابر) بن عبد الله قال عاصم إن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال لا أبرح أحتجم حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره

(2/471)


2330 - (إن في الصلاة شغلا) وفي رواية لشغلا باللام قال القرطبي: اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة فكأنه قال شغلا كافيا أو مانعا من الكلام وغيره وقال غيره: تنكيره يحتمل التنويع أي أن شغل الصلاة قراءة القرآن والتسبيح والدعاء لا الكلام أي شغلا أي شغل لأنها مناجاة مع الله واستغراق في خدمته فلا تصلح للشغل فإن قيل فكيف حمل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبي العاص في صلاته على عاتقه وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها قلنا إسناد الحمل والوضع والرفع إليه مجاز فإنه لم يتعمد حملها لكنها على عادتها تتعلق به وتجلس على عاتقه وهو لا يدفعها فإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى استبدل بها فكيف لا تشغله هذه؟ قال بعض الأولياء: وقل من يشتغل برعاية مخارج الحروف والترقيق والتفخيم والإدغام والإقلاب ونحو ذلك إلا اشتغل عن الصلاة وفاته الحضور مع الله الذي هو روحها لأن النفس ليس في إمكانها الإشتغال بشيئين معا وقال الغزالي: بين بهذا الخبر أن الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس فإذا رأيت نفسك معرضة عن الصلاة متطلعة إلى كلام الناس وملاقاتهم بلا حاجة فاعلم أنه فضول ساقه الفراغ إليك فإذا أعطيت الصلاة حقها وجدت حلاوة المناجاة واستأنست بها واشتغلت عن الخلق واستوحشت من صحبتهم والمصلون وافدون إلى باب الملك فمنهم من يقرع بأنامل فقره معتذرا من ذنوبه مؤملا أن يفتح له باب الغفر ليطفىء نيران مخالفته وهم الظالمون ومنهم من يقرع بأنامل رجائه لقبول العمل وجزيل البر والثواب وهم المقتصدون ومنهم من يقرع بأنامل التعظيم متدللا مغضيا عن ملاحظة الأسباب ليفتح له بالإذن ويرفع الحجاب فيوشك أن يفتح له
(ش حم ق د هـ عن ابن مسعود) قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا فلم يرد ثم ذكره وقضيته أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة فإن ابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبلها ويعارضه حديث زيد بن أرقم عند الشيخين كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قال ابن أرقم مدني فظاهر حديثه أن تحريم الكلام في الصلاة كان في المدينة بعد الهجرة وأجيب بأن ابن أرقم لم يبلغه تحريم ذلك إلا حين نزول الآية فيكون نزولها غاية لعدم بلوغ النهي عن الكلام لهم لا لعدم النهي على الإطلاق

(2/471)


2331 - (إن في الليل لساعة) يحتمل أن يراد بها الساعة النجومية وأن يراد جزؤ منها ونكرها حثا على طلبها بإحياء الليالي [ص:472] (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد) في رواية رجل (مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) أي ذلك المذكور يحصل كل ليلة فلا يختص ببعض الليالي بل كائن في جميعها قبيل تلك الساعة في الثلث الأخير الذي يقول فيه الله من يدعوني فأستجيب له وقيل وقت السحر وقيل مطلقة وجزم الغزالي بأنها مبهمة في جميع الليالي كليلة القدر في رمضان وحكمة إبهامها توفر الدواعي على مراقبتها والإجتهاد في الدعاء في جميع ساعات الليل كما قالوه في إبهام حكمة ليلة القدر
(حم م) في الصلاة (عن جابر) ولم يخرجه البخاري

(2/471)


2332 - (إن في المعاريض) جمع معراض كمفتاح من التعريض وعرفه المتقدمون بأنه ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم والمتأخرون كالمولى التفتازاني بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أي مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام (لمندوحة) بفتح الميم وسكون النون ومهملتين بينهما واو سعة وفسحة من الندح وهو الأرض الواسعة (عن الكذب) أي فيها سعة وفسحة وغنية عنه كقولك للرجل سمعت من تكره يدعو لك ويذكرك بخير ويريد به عند دعائه للمسلمين فإنه داخل فيهم قال الغزالي: والحديث فيما إذا اضطر الإنسان إلى الكذب أما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض والتصريح جميعا لكن التعريض أهون قال البيهقي: بين بالحديث أن هذا لا يجوز فيما يرد به ضررا ولا يضر الغير أي كقول ابن جبير للحجاج حين أراد قتله وقال له ما تقول قال قاسط عادل فقال الحاضرون ما أحسن ما قال ظنوا أنه وصفه بالقسط والعدل قال الحجاج يا جهلة سماني مشركا ظالما ثم تلى {وأما القاسطون} الآية {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض فكان بعضهم يقول لخادمه إذا جاء من يطلبه ولا غرض له يلقيه قل له ما هو هون يريد به الهاون الذي يدق فبه وكان الشعبي يقول لخادمه دور بأصبعك دارة في الحائط وقل له ما هو في الدار وكان الجارحي يقول إذا أنكر ما قاله الله يعلم ما قلته بتوهم النفي بحرف ما ويريد أنه موصول
(عد) من حديث أبي إبراهيم الترجماني عن داود بن الزبرقان عن سعد ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين مرفوعا ثم قال ابن عدي لا أعلم أحدا رفعه غير داود (هق) وكذا ابن السني كما في الدرر (عن عمران بن حصين) موقوفا قال البيهقي: الصحيح هكذا ورواه أبو إبراهيم عن داود الزبرقاني عن ابن أبي عروبة فرفعه قال الذهبي داود تركه أبو داود انتهى وتخصيص ذينك بالعزو يوهم أنه لا يعرف لأشهر منهما ولا أحق بالعزو وهو غفلة فقد خرجه باللفظ المزبور عن عمران المذكور البخاري في الأدب المفرد

(2/472)


2333 - (إن في المال لحقا سوى الزكاة) كفكاك الأسير وإطعام المضطر وسقي الظمآن وعدم منع الماء والملح والنار وانفاذ محترم أشرف على الهلاك ونحو ذلك قال عبد الحق فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها فقول الضحاك نسخت الزكاة كل حق مالي ليس في محله وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور وله عند جمع من السلف محامل لا تلائم ما عليه المذاهب المستعملة الآن فذهب أبو ذر إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت فيه وعن علي كرم الله وجهه أربعة آلاف نفقة وما فوقها كنز وتأول عياض كلام أبي ذر على أن مراده الإنكار على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه وقال النووي هذا باطل لأن سلاطين زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا إذ منهم الخلفاء الأربعة رده الزين العراقي بأنه أراد بعض نواب الخلفاء كمعاوية وقد وقع بينه [ص:473] وبين أبي ذر بسبب ذلك ما أوجب نقله إلى المدينة وهذا الحديث له عند مخرجه الترمذي تتمة وهي ثم تلا {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} الآية وطريق الاستدلال بها أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل على أن في المال حقا سوى الزكاة قال الطيبي: والحق حقان حق يوجبه الله على عباده وحق يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة عن الشح الذي جبلت عليه وإليه الإشارة بقوله على حبه أي الله أوجب الطعام وأنشد:
تعود بسط الكف حتى لوانه. . . ثناها لقبض لم تطعه أنامله
(ت) في الزكاة (عن فاطمة بنت قيس) الفهرية من المهاجرات تأخرت وفاتها ثم قال أعني الترمذي أبو حمزة ميمون الأعور أي أحد رواته ضعيف انتهى وقال البيهقي: تفرد به ميمون الأعور وهو مجروح ومن ثم رمز المصنف لضعفه

(2/472)


2334 - (إن في أمتي) عام في أمة الإجابة والدعوة (خسفا) لبعض المدن والقرى أي غورا وذهابا في الأرض بما فيها من أهلها (ومسخا) أي تحول صور بعض الآدميين إلى صورة نحو كلب أو قرد (وقذفا) أي رميا لها بالحجارة من جهة السماء يعني يكون فيها ذلك في آخر الزمان وقد تمسك بهذا ونحوه من قال بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة وجعله المانعون مجازا عن مسخ القلوب وخسفها
(طب) وكذا البزار (عن سعيد بن أبي راشد) الجمحي يقال قتل باليمامة قال الهيثمي: وفيه عمرو بن مجمع وهو ضعيف

(2/473)


2335 - (إن في ثقيف) القبيلة المعروفة المشهورة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى الطلب بثأره وغرضه من ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس ويتوصل به إلى تحصيل الإمارة وكان طالبا للدنيا ذكره شارحون (ومبيرا) أي مهلكا لجمع عظيم من سلف هذه الأمة من أبار غيره أهلكه أو المراد به الحجاج. قال المصنف: اتفقوا على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن عبيد المدعي النبوة أن جبريل عليه السلام يأتيه قتله ابن الزبير وبالمبير الحجاج. وقال ابن العربي: الحجاج ظالم معتدي ملعون على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم من طرق خارج عن الإسلام عندي باستخفافه بالصحابة كابن عمر وأنس كذا ذكره في المعارضة
(م عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق أم ابن الزبير لما صلب الحجاج ابنها أرسل إليها فلم تأته فأتاها فقال كيف رأيت الله صنع بعدوه قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته

(2/473)


2336 - (إن في مال الرجل) ذكر الرجل غالبي (فتنة) أي بلاء ومحنة وفي هنا سببية (وفي زوجته فتنة و) في (ولده) فتنة كما نطق به نص القرآن في غيرما مكان ومر توجيهه بما محصوله أنهم يوقعونه في الإثم والعدوان ويقربونه من سخط الرحمن
(طب عن حذيفة)

(2/473)


2337 - (إن فيك) يا أشج واسمه المنذر بن عائذ (لخصلتين) تثنية خصلة (يحبها الله تعالى) ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال (الحلم) أي العقل وتأخير مكافأة الظالم أو العفو عنه أو غير ذلك (والأناة) التثبت وعدم العجلة وسببه أن قدم عليه في وفد عبد القيس فابتدر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بثياب سفرهم وتخلف الأشج وهو أصغرهم حتى أناخ وجمع متاعه ولبس ثوبين أبيضين ومشى فقبل يده فذكره فقال يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال بل الله جبلك فحمد الله وهذا لا يناقضه النهي عن مدح المرء في وجهه لأن ما كان من النبوة فهو وحي والوحي لا يجوز كتمه أو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم من حال الأشج أن المدح لا يلحقه منه إعجاب فأخبره بأن ذلك [ص:474] مما يحبه الله ليزداد لزوما ويشكر الله على ما منحه
(م) في الإيمان (ت) في البر عن ابن عباس

(2/473)


2338 - (إن قبر إسماعيل) النبي ابن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام (في الحجر) بالكسر هو المحوط عند الكعبة بقدر نصف دائرة فهو مدفون في ذلك الموضع بخصوصه ولم يثبت أنه نقل منه لغيره
(الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (عن عائشة) أم المؤمنين

(2/474)


2339 - (إن قدر حوضي) مفرد الحياض (كما بين أيلة) مدينة بطرف بحر القلزم من طرف الشام كانت عامرة وهي الآن خراب يمر بها حجاج مصر وغزة وغيرهم فيكون أمامهم (وصنعاء اليمن) احترز عن صنعاء الشام وروى كما بين صنعاء وأيلة (وإن فيه من الأباريق) أي ظروفا كائنة من جنس الأباريق فمن بيانية (كعدد نجوم السماء) في رواية البخاري كنجوم السماء وهو مبالغة وإشارة إلى كثرة العدد عند جمع لكن صوب النووي أنه على ظاهره ولا مانع منه عقلا ولا شرعا
(حم ق عن أنس) بن مالك

(2/474)


2340 - (إن قذف المحصنة) أي رميها بالزنا والمحصنة العفيفة (ليهدم) أي يسقط ويحبط (عمل مئة سنة) أي يحبط من الأعمال الحسية التي قدمها القاذف عمل مئة سنة بفرض أنه عمر وتعبد مئة عام وهذا تغليظ شديد وحث عظيم على حفظ اللسان عن ذلك والظاهر أن المراد بالمئة التكثير لا التحديد قياسا على نظائره المارة ومن هذا الوعيد الشديد أخذ أنه كبيرة
(البزار) في مسنده (طب ك عن حذيفة) ابن اليماني قال الهيثمي: فيه ليث ابن سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وبقية رجاله رجال الصحيح

(2/474)


2341 - (إن قريشا أهل أمانة) قال الرافعي: يجوز أنهم ائتمنوا على التقدم للإمامة وأن المراد أن توقيرهم واحترامهم ومحنتهم ومكانتهم من المصطفى صلى الله عليه وسلم أمانة أئتمن عليها الناس أو المراد قوة أمانتهم وكمالها يرشد إليه خبر علي أمانة الأمير من قريش يعدل أمانة اثنين من غيرهم (لا يبغيهم) أي لا يطلب لهم (العثرات) جمع عثرة وهي الخصلة التي من شأنها العثور أي الخرور (أحد) من الناس (إلا كبه الله) أي قلبه (لمنخريه) أي صرعه أو ألقاه على وجهه يعني أذله وأهانه وخص المنخرين جريا على قولهم رغم أنفه وأرغم الله أنفه أي ألقاه في الرغام واللام في المنخرين لام التخصيص فيفيد أن الكب لهما خاصة وهذا كناية عن خذلان عدوهم ونصرهم عليه كيف وقد طهر الله قلوبهم وقربهم وهم وإن تأخر إسلامهم فقد بلغ فيهم المبلغ العلي
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله (خط طب عن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء مخففة (ابن رافع) ضد الخافض الأنصاري المدني له رواية قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر اجمع لي قومي فجمعهم ثم دخل عليه فقال أدخلهم عليك أو تخرج إليهم قال بل أخرج إليهم فقال هل فيكم من أحد غيركم قالوا نعم حلفاؤنا منا وبنو إخواننا وموالينا قال حلفاؤنا منا وبنو إخواننا منا وموالينا وأنتم لا تسمعون أوليائي منكم المتقون فإن كنتم أولئك فذاك وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم ثم رفع يديه وقال يا أيها الناس إلخ ما هنا قالها ثلاثا قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني والبزار ورجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات

(2/474)


[ص:475] 2342 - (إن قلب ابن آدم) أي ما أودع فيه (مثل العصفور) الطائر المعروف (يتقلب قي اليوم سبع مرات) الظاهر أن المراد بالسبع تكثير التقليب لا التحديد أخذا من نظائره ثم الكلام في قلب الإنسان لا في مطلق الحيوان كما نطق به الخبر وخصه لأنه محل المعارف والعلوم والأفعال الإختيارية وإدراك الكليات والجزئيات والحيوان وإن وجد فيه شكله وقام به ما يدرك مصالحه ومنافعه ويميز به بين مفاسده ومضاره لكنه إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين إدراك العلميات والاعتقادات وبهذا المعنى امتاز عن بقية الأعضاء وكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الإخلاص ك) في الرقائق (هب عن أبي عبيدة) بن الجراح رضي الله عنه قال الحاكم على شرط مسلم ورده الذهبي وقال فيه انقطاع

(2/475)


2343 - (إن قلب ابن آدم بكل واد) قال الطيبي: لا بد فيه من تقدير أي في كل واد له (شعبة) من شعب الدنيا يعني أن أنواع المتفكر فيه بالقلب متكثرة مختلفة باختلاف الأغراض والشهوات والنيات وإذا كانت القلوب كثيرة الالتفات سريعة التقلب والحركات فلا بد للعبد من جمع همته عن بعض الجهات والاعراض عن غيرها لئلا يتبدد همه (فمن) جعل همه الآخرة فاز ومن خالف (أتبع قلبه الشعب) وتشعب القلب همومه المتشعبة وأمانيه وأوديته طرق الهوى إلى أنواع شهوات الدنيا (كلها لم يبال الله تعالى بأي واد أهلكه) لاشتغاله بدنياه وإعراضه عن مولاه (ومن توكل على الله كفاه الشعب) أي كفاه مؤونة حاجاته المتشعبة المختلفة فإذا قطع العبد شغل جوارحه عن الدنيا في وقت فكرته وتقيده ومنع قلبه من التشتت في ميادين الأمور الدنيوية اجتمع همه وحضر عقله فإذا حضر له ذلك ثم تفكر بالتوكل على الرحمن لا على عقله فتحت له الفكرة باب الفهم لكلام ربه ومعرفته ومواقع وعده ووعيده {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} . قيل: باع ابن عمر حمارا له وقال كان لنا موافقا لكنه أذهب شعبة من قلبي فبعته لذلك والشعبة الظائفة والقطعة من الشيء قال الزمخشري: شعبة الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعبة الجبال ما تفرق من رؤوسها فأصل الشعب وما اشتق منه للتفريق وإنما قيل لضده وهو الملامة لوقوعها عقب التفريق أو بعده اه. وقد أبان الخبر أن القلب هو محل العلوم والمعارف والأفعال الاختيارية وأن الحواس معه كالحجاب مع الملك لأنها تدرك المعلومات ثم تؤديها إليه ليحكم عليها ويصرف فيها فهي آلات وخدمة له وهي معه كملك مع رعيته وهو محل العقل عند الأكثر {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} {ولكن تعمى القلوب} وبه رد على القائلين بأنه في الدماغ كأبي حنيفة والأطباء
(هـ عن عمرو بن العاص) وفيه صالح بن رزين قال في الميزان حدث بحديث منكر ثم ساق هذا الخبر

(2/475)


2344 - (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين) أي هو سبحانه قادر على تقليب القلوب باقتدار تام كما يقال فلان بين أصبعي ويراد به كمال التصرف فيه فهو تمثيل أو أراد بالأصبعين الداعيتين لأن القلب صالح لميله إلى الإيمان والكفر ولا يميل لأحدهما إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى قال الطيبي: وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على أمته (من أصابع الرحمن) نسب تقلب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تولى بنفسه أمر قلوبهم ولم يكله لأحد من ملائكته وخص الرحمن تعالى بالذكر إيذانا بأن ذلك لم يكن إلا لمحض رحمته وفضل نعمته كي لا يطلع أحد غيره على [ص:476] سرائرهم ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ذكره القاضي واعتراضه بأنه جاء في رواية من أصابع الله فلا يتم ما ذكره في حيز الرد لأن عدم إشعار إحدى الروايتين بفائدة زائدة لا ينافي إشعار الأخرى (كقلب واحد يصرفه حيث) وفي رواية كيف (يشاء) أي يتصرف في جميع قلوبهم كتصرفه في قلب واحد لا يشغله قلب عن قلب أو معناه كتصرف واحد منكم في قلب واحد فهو إشارة إلى تمام قدرته على تصريفها ولا يشغله شأن عن شأن قال الطيبي: وليس المراد أن تصرفه في القلب الواحد أسهل عليه من التصرف في القلوب كلها فإن ذلك عنده تعالى سواء {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} لكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوه فيما بينهم كقوله سبحانه {وهو أهون عليه} أي أهون فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم وإلا فالإبتداء والإنشاء عنده سواء قال الإمام الرازي: وهذا عبارة عن كون القلب مقهورا محدودا مقصورا محصورا مغلوبا متناهيا وكلما كان كذلك امتنع أن يكون له إحاطة بما لا نهاية له فالإحاطة بجلاله متعذرة وفيه أن المؤمن ينبغي كونه بين الخوف والرجاء
(حم م) في الإيمان بالقدر وكذا النسائي (عن ابن عمرو) بن العاص وتمامه عند مسلم ثم فال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم مصرف صرف قلوبنا على طاعتك "

(2/475)


2345 - (إن كذبا علي) بفتح الكاف وكسر المعجمة (ليس ككذب) بكسر الذال (على أحد) غيري من الأمة فإن الكذب عليه أعظم أنواع الكذب لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام (فمن كذب علي متعمدا) أي غير مخطىء في الإخبار عنى بالشيء على خلاف الواقع (فليتبوأ) أي فليتخذ لنفسه (مقعده من النار) مسكنه أمر بمعنى الخبر أو بمعنى التحذير أو التهكم أو الدعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك واحتمال كونه أمرا حقيقة والمراد من كذب علي فليأمر نفسه بالتبوىء بعيد وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض قال: ولاح من هذا الخبر أن رواية الموضوع لا تحل
(ق عن المغيرة) بن شعبة (ع عن سعيد بن زيد) ورواه أيضا البزار وأبو يعلى وكثيرون

(2/476)


2346 - (إن كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا) في الإثم وبه صرح في رواية وهذا قاله لحفار أخرج عظما أو عضدا فذهب ليكسرها وخرج بقولهم في الإثم القصاص فلو كسر عظم ميت أو فقأ عينه فلا قود بل يؤدب لجرأته على المثلة
(عب ص د هـ عن عائشة) أم المؤمنين

(2/476)


2347 - (إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة) يعني تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى من الذنوب كما يوضحه روايات أخر والمراد الصغائر وعلى هذا التقرير فالمراد بالصلاة المفروضة
(حم طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي وإسناده حسن

(2/476)


2348 - (إن لله تعالى عتقاء) من النار (في كل يوم وليلة) يعني من رمضان كما جاء في رواية أخرى (لكل عبد منهم) أي لكل إنسان [ص:477] من أولئك العتقاء (دعوة مستجابة) أي عند فطره أو عند بروز الأمر بعتقه وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي <تنبيه> قال الحكيم: دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب فربما يخرج شديد النور شمس تطلع وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب
(حم عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري شك الأعمش (سمويه عن جابر) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح كذا ذكره في موضع وأعاده في آخر وقال فيه أبان بن أبي عياش متروك

(2/476)


2349 - (إن لله عبادا يعرفون الناس) أي أحوالهم وضمائرهم (بالتوسم) أي التفرس غرقوا في بحر شهوده فجاد عليهم بكشف الغطاء عن قلوبهم فأبصروا بها بواطن الناس واطلعوا على ضمائرهم وأما من شغل بنفسه ودواهيها فليس من أهل هذا الباب بل فراسته خدعت نفسه له حتى تدسه في التراب وتمام الحديث ثم قرأ {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}
(تتمة) قال الداراني: القلب بمنزلة قبة مضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح من القلب بعمله انفتح له باب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن الشهوات ولذلك كتب عمر إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنه ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعضهم: يد الله على أفواه العلماء لا ينطقون إلا بما هيأه الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن الله يطلع الخاشعين على بعض سره وقال الجنيد: المحدث إذا قرن بالقديم اضمحل ولم يبق له أثر وشتان بين من ينطق عن درسه أو نفسه وبين من ينطق عن ربه {وما ينطق عن الهوى} وقال ابن عربي: لا تنكر على الصوفية النطق عن الغيب مع إيمانك بالمثال المحسوس: أن المرآة إذا صقلت وجلى عنها الصدأ وتجلت صورة الناظر فيها أليس يرى نفسه حسنا أو قبيحا فإن جاء أحد خلفه تجلت صورته في المرآة فأبصره على أية صورة هو ولم يره بعينه المعهودة فمن عمد إلى مرآة قلبه فجلاها من صدأ الأغيار وأماط عنها كل حجاب يحجبها عن تجلي صور المعقولات والمغيبات بأنواع الرياضات والمجاهدات صفت وتجلى فيها كل ما قابلها من المغيبات فنطق على شاهد ووصف ما رأى {ما كذب الفؤاد ما رأى}
(الحكيم) الترمذي في نوادره (والبزار) في مسنده وكذا الطبراني وأبو نعيم وابن جرير وابن السني (عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن وتبعه السخاوي لكن في الميزان عن أبي حاتم في ترجمة بشر بن الحكم أنه روى خبرا منكرا وهو هذا والله أعلم

(2/477)


2350 - (إن لله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس) أي بقضائها ولفظ رواية الطبراني بدل عبادا اختصهم إلى آخره: خلقا خلقهم لحوائج الناس (يفزع الناس إليهم) أي يلجئون إليهم ويستغيثون بهم (في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله) أضافهم إليه إضافة اختصاص وخصهم بالنيابة عنه في خلقه وجعلهم خزائن نعمه الدينية والدنيوية لينفقوا على المحتاجين فيجب شكر هذه النعمة ومن شكرها بذلها للطالبين وإغاثة الملهوفين ليحفظ أصول النعم وتثمر الزيادة من المنعم كما خص قوما بحجج العلوم الدينية في العقائد وبعلوم شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعرفة الحلال والحرام في الفروع الفقهية فإن هؤلاء قوم عرفوا الله معرفة التوحيد واعترفوا له باللسان وقبلوا العبودية وقاموا بحقوق الخلق إعظاما لجلال الحق فجوزوا بالأمان من عذاب النيران وهذا يوضحه خبر الطبراني أيضا " إن لله عبادا استخصهم لنفسه لقضاء حوائج الناس وآلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة أجلسوا على منابر من نور يتحادثون إليه والناس في الحساب "
(طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه شخص ضعفه [ص:478] الجمهور وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح

(2/477)


2351 - (إن لله تعالى عند كل فطر) أي وقت فطر كل يوم من رمضان وهو تمام الغروب (عتقاء) من صائمي رمضان (من النار) أي من دخول نار جهنم (وذلك) يعني العتق المفهوم من عتقاء (في كل ليلة) أي من رمضان كما جاء مصرحا به في روايات أخر وهذا أيضا معلم بعظم فضل الشهر وصومه
(هـ عن جابر) بن عبد الله (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجال أحمد والطبراني موثقون انتهى وقال البيهقي عقب تخريجه هذا غريب ومن رواية الأكابر عن الأصاغر وهي رواية الأعمش عن الحسين بن واقد اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ولكن رد

(2/478)


2352 - (إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد) أي لأجل منافعهم (ويقرها فيهم ما بذلوها) أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق (فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم) لمنعهم الإعطاء للمستحق {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي كتابه المؤلف في فضل قضاء حوائج الناس (طب حل) وكذا البيهقي في الشعب والحاكم بل وأحمد ولم يحسن المصنف بإهماله (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي فيه محمد بن حسان السمبتي وفيه لين ووثقه ابن معين يرويه عن أبي عثمان عبد الله بن زيد الحمصي وقد ضعفه الأزدي

(2/478)


2353 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) منها ما هو ثبوتي ومنها ما هو سلبي ومنها ما هو باعتبار فعل من أفعاله لكنها توقيفية على الأصح فلا يحل اختراع اسم أو وصف له إلا بقرآن أو خبر صحيح مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب ولم يذكر لنحو مقابلة أو مشاكلة (مئة إلا) اسما (واحدا) بدل من اسم إن أو تأكيد وأنصب بتقدير أعني وزاده حذرا من تصحيف تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أو مبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس (من أحصاها) حفظها أو أطاق القيام بحقها أو عرفها أو أحاط بمعانيها أو عمل بمقتضاها بأن وثق بالرزق إذ قال الرزاق مثلا وهكذا وعدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا والفضل للمتقدم وسيجيء ما يؤيده (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وليس في الخبر ما يفيد الحصر في هذا العدد لأن قوله من أحصاها صفة تسعة وتسعين ويدل لعدم الحصر خبر أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وخصها لأنها أشهرها أو أظهرها معنى أو لتضمنها معاني ما عداها أو لأن العدد زوج وفرد والفرد أفضل ومنتهى الإفراد بلا تكرار تسعة وتسعون أو لغير ذلك كما سبق توضيحه <فائدة> قال العارف ابن عربي: الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم بعض عليه شيء من علم الحقائق وهي معرفة أسماء الله تعالى ومعرفة التجليات ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ومعرفة كمال الوجود ونقصه ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ومعرفة الخيال ومعرفة العلل والأدوية
(ق ت هـ عن أبي هريرة وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب

(2/478)


2354 - (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما) بالنصب على التمييز أي من جملة أسمائه هذا القدر فليس فيه نفي غيرها وقد [ص:479] نقل ابن عربي إن لله تعالى ألف اسم قال: وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مددا وإنما خص هذه لشهرتها ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا تعلم إلا من طريق الوحي والسنة ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف وإن جوزه العقل وحكم به القياس فالنقصان عنه كالزيادة غير مرضي وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسما للمادة وإرشادا للاحتياط بقوله (مئة) بالنصب على البدل (إلا) اسما (واحدا) وفي رواية للبخاري إلا واحدة بالتأنيث ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة (لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) فيه دلالة على أن معنى أحصاها في الخبر المار حفظها وبه صرح البخاري (وهو وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما ينبىء عنه جعل الصلاة خمسا والطهارة ثلاثا والطواف سبعا والصوم في السنة شهرا واحدا والحج في العمر مرة واحدة والزكاة في الحول مرة وعدد ركعات الصلاة في الحضر سبع عشرة وفي السفر إحدى عشر وقيل معناه يحب الوتر أي المخلص في عبادته الذي تفرد تعالى بها وقيل غير ذلك
(ق عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره

(2/478)


3255 - (إن لله تعالى ملائكة) جمع ملك ونكره على معنى بعض صفته كذلك (سياحين) بسين مهملة من السياحة وهي السير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها أصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط (في الأرض) في مصالح بني آدم وفي رواية بدله في الهواء (يبلغوني من) وفي رواية عن (أمتي) أمة الإجابة (السلام) ممن يسلم علي منهم وإن بعد قطره وتناءت داره أي فيرد عليهم سماعه منهم كما بين في خبر آخر وهذا التعظيم للمصطفى صلى الله عليه وسلم وإجلالا لمنزلته حيث سخر الملائكة الكرام لذلك. قال السبكي: قال ابن بشار تقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فسمعت من داخل الحجرة الشريفة وعليك السلام
(حم ن) في الصلاة (حب ك) في التفسير كلهم (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح قال الحافظ العراقي الحديث متفق عليه دون قوله سياحين

(2/479)


3256 - (إن لله تعالى ملائكة ينزلون في كل ليلة) من السماء إلى الأرض (يحسون الكلال عن دواب الغزاة) أي يذهبون عنها التعب والنصب بحسها وإسقاط التراب عنها وفي رواية يحسرون أي يكشفون (إلا دابة) فرسا أو نحوها مما أعد للكر والفر أو الحمل لمتعلقات الغزو (في عنقها جرس) بالتحريك وروي بسكون الراء أي جلجل أي صوت جلجل فإن الملائكة لا تدخل مكانا فيه ذلك وهذا زجر شديد عن تعليق الجلاجل بالدواب فيكره ذلك تنزيها ولا فرق بين الجرس الكبير والصغير خلافا لبعضهم
(طب) من رواية عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن يحيى [ص:480] عن عباد عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي رحمه الله في المغني: سنده ضعيف وبينه في شرح الترمذي فقال وعباد بن كثير ضعيف وقال تلميذه الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يدفع عدالته

(2/479)


2357 - (إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم) أي كأنها تركب ألسنتها على ألسنتهم كما في التابع والمتبوع من الجن (بما في المرء من الخير والشر) لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهرا للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة فيستفيض ذلك على الألسنة وضده من استحكمت فيه مادة الخبث ومن ثم لم تزل سنة الله جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار {ليميز الله الخبيث من الطيب} في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار
(ك) في الجهاد (هب عن أنس) قال مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت أي الجنة ومر بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت أي النار فسئل عنه فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي

(2/480)


2358 - إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة) أي مكتوبة ولا يلزم من ذلك سماعنا لندائه بعد ذلك بإخبار الشارع (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم) يعني خطاياكم التي ارتكبتموها وظلمتم بها أنفسكم حتى أعدت لكم مقاعد في جهنم التي وقودها الناس والحجارة (فأطفئوها بالصلاة) أي امحوا أثرها بفعل الصلاة فإنها مكفرة للذنوب وفي رواية بالصدقة وفعل القربات يمحو الخطيئات وفي هذا من تعظيم حرمة الصلاة والصدقة وتأكيد شأنها مما لا يخفى توقعه في الدين فعلم أن فعل القربات تمحو الخطيئات. أخرج الحكيم عن نافع قال خرجت عنق من النار لا تمر على شيء إلا أحرقته فأخبر بها عمر رضي الله عنه فصعد المنبر وقال يا أيها الناس أطفئوها بالصدقة فجاء ابن عوف بأربعة آلاف فقال ابن عمر: ماذا صنعت خسرت الناس فتصدقوا فطفئت فقال عمر: لو لم تفعل لذهبت حتى أنزل عليها
(طب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه أبان بن أبي عياش ضعفه شعبة وأحمد ويحيى

(2/480)


2359 - (إن لله تعالى ملكا موكلا) لفظ رواية الحاكم إن ملكا موكلا كذا رأيته بخط الذهبي وغيره من الحفاظ (بمن يقول يا أرحم الراحمين) أي بمن يتلفظ بها ثلاثا عن صدق وإخلاص بمطابقة القلب واللسان (فمن قالها) كذلك (ثلاثا) من المرات (قال له الملك) الموكل به (إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك) أي بالرحمة والرأفة واستجابة الدعاء (فسله) فإنك إن سألته أعطاك سؤلك وهل المراد أن كل إنسان يقول ذلك يوكل به ملك مخصوص أو ملك واحد موكل بالكل الأقرب الأول لكثرة قائلي ذلك في خلق الله تعالى وتفرقهم في الأقطار وتواصل ذلك القول آناء الليل وأطراف النهار وهذا حث على لزوم الدعاء عقب قول ذلك
(ك) من حديث كامل بن طلحة عن فضالة (عن أبي أمامة) ثم صححه وتعقبه الذهبي وقال فضالة ليس بشيء فأين الصحة؟

(2/480)


[ص:481] 2360 - (إن لله تعالى ملكا لو قيل له) أي لو قال الله له (التقم) أي ابتلع (السماوات السبع والأرضين) السبع بمن فيهما (بلقمة واحدة لفعل) أي لأمكنه فعل ما أمره به بلا مشقة لعظم خلقه (تسبيحه سبحانك) أي أنزهك يا ألله (حيث كنت) وهذا مسوق لبيان عظم أجرام الملائكة وعظيم خلق الله تعالى وباهر سلطانه وأنه سبحانه ليس بمتصل بهذا العالم كما أنه غير منفصل عنه قال في المصباح: واللقمة اسم لما تلقم في مرة كجرعة اسم لما يجرع في مرة ولقمه الشيء لقما من باب تعب والتقمته أكلته بسرعة
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) وقال: تفرد به وهب ابن رزق. قال الهيثمي: ولم أر من ذكر له ترجمة

(2/481)


2361 - (إن لله تعالى ما أخذ) من الأولاد وغيرهم لأن العالم كله ملكه فلم يأخذ ما هو للخلق بل ما هو له عندهم في معنى العارية (وله ما أعطى) أي ما أبقى لنا فإذا أخذ شيئا فهو الذي كان أعطاه فإن أخذه وأخذ ماله فلا ينبغي الجزع لأن مستوى الأمانة يقبح عليه الجزع لاستعادتها وما فيها مصدرية أو موصولة وقدم الأخذ وإن تأخر في الواقع لأنه في بيان ما قبض ثم أكد هذا المعنى بقوله (وكل شيء) بالرفع على الابتداء وروي بالنصب عطفا على اسم إن أي كل شيء من الأخذ والإعطاء أو من الأنفس أو مما هو أعم فنحن وكل ما بأيدينا ملكه وفي ملكه وسلطانه يتصرف كيف يشاء (عنده) أي في علمه (بأجل مسمى) أي معلوم مقدر فلا يتقدم شيء قبل أجله ولا يتأخر عنه فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم معرفا إيابا بما الأمر عليه ليسلم الأمر إليه فيرزق درجة التسليم والتفويض مع بذل المجهود فيما يحبسه منا أن يرجع فيه إليه بحسب الحال في المخالفة بالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على الموافقة ومن استحضر ذلك هانت عليه المصائب وتصبر على فقد الحبائب وهذا قاله لابنته حين أرسلت تدعوه إلى ابن لها في الموت فأرسل يقرئها السلام ويقول لها ذلك فعلمها به حقيقة التوحيد وهذه الحقيقة توجب السكوت تحت مجاري الأقدار. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض
(حم ق م د ن هـ) كلهم في الجنائز (عن أسامة بن زيد) بألفاظ متقاربة

(2/481)


2362 - (إن لله تعالى ريحا يبعثها) أي يرسلها (على رأس مئة سنة) تمضي من ذلك القرن (تقبض روح كل مؤمن) ومؤمنة المراد أن ذلك يكون في آخر الزمان على رأس قرن من القرون لا أنه يكون على رأس مئة سنة من قوله قال المؤلف هذه المئة قرب الساعة وابن الجوزي ظن أنها المئة الأولى من الهجرة وليس كذلك
(ع والروياني) في مسنده (وابن قانع) في معجمه (ك) في الفتن (والضياء) في المختارة كلهم (عن بريدة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح اه وأخطأ ابن الجوزي في حكمه بوضعه

(2/481)


2363 - (إن لله تعالى في كل يوم جمعة) قيل أراد بالجمعة الأسبوع عبر عن الشيء بآخره لأنه مما يتم به ويوجد عنده (ست مئة ألف عتيق) [ص:482] يحتمل من الآدميين ويحتمل من غيرهم أيضا كالجن (يعتقهم من النار) أي من دخول نار جهنم يوم القيامة (كلهم قد استوجبوا النار) أي دخولها بمقتضى الوعيد والظاهر أن المراد بالست مئة ألف التكثير وأنهم فوق ذلك بكثير ورحمته سبقت غضبه فإن فرض إرادة التحديد فجملة ذلك ثمانية عشر ألف ألف إن كان رمضان كاملا فإن كان ناقصا فيكون سبعة عشر ألف ألف وأربع مئة ألف
(ع عن أنس) ورواه عنه من طريق أخرى ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب قال الدارقطني في العلل والحديث عن ثابت انتهى وأقره عليه الحافظ العراقي وأورده في الميزان في ترجمة أزور بن غالب التيمي من حديثه وقال منكر الحديث أتى بما لا يحتمل فكذب وفي اللسان بعد ما ساق الحديث قال أبو زرعة ليس بقوي وقال الساجي منكر الحديث وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد كان يخطىء ولا يعلم

(2/481)


2364 - (إن لله تعالى مئة خلق) أي وصف (وسبعة عشر) وفي رواية ستة عشر وفي أخرى بضعة عشرة خلقا بالضم فيهما وفي رواية بدل خلقا شريعة (من أتاه) يوم القيامة (بخلق منها) أي واحد (دخل الجنة) قال الحكيم: كأنه يريد أن من أتاه بخلق واحد منها وهب له جميع سيئاته وغفر له سائر ذنوبه وفي خبر أن الأخلاق في الخزائن فإذا أراد الله بعبد خيرا منحه خلقا منها ألا ترى أن المفرط في دينه المضيع لحقوقه يموت وهو صاحب خلق من هذه الأخلاق فتنطلق الألسنة بالثناء عليه فأخلاق الله أخرجها لعباده من باب القدرة وخزنها لهم في الخزائن وقسمها بينهم على قدر منازلهم عنده فمنهم من أعطاه منها واحدة ومنهم من أعطاه خمسة وعشرا وأكثر أو أقل فمن زاد منها ظهر منه حسن معاملة الخلق والخالق هلى قدر تلك الأخلاق ومن نقصه منها ظهر عليه بقدره فهذه أخلاق وأكثرها مما سمي به والذي لم يسم به داخل فيما سمي به لأن اللين والرزانة من الحلم والرأفة والرحمة من النزاهة فمنحه الله إياه واحدة من هذه الأخلاق أن يعطيه نور ذلك الاسم فيشرق نوره على قلبه وفي صدره فيصير لنفسه بذلك الخلق بصيرة فيعتادها ويتخلق بها فحقيق بمن أكرمه بذلك أن يهب له مساويه ويستره بعفوه ويدخله جنته وقد عد في بعض الروايات من تلك الأخلاق كظم الغيظ والعفو عند القدرة والصلة عند القطيعة والحلم عند السفه والوقار عند الطيش ووفاء الحق عند الجحود والإطعام عند الجوع والقطيعة عند المنع والإصلاح عند الإفساد والتجاوز عن المسيء والعطف على الظالم وقبول المعذرة والإنابة للحق والتجافي عن دار الغرور وترك التمادي في الباطل فإذا أراد الله بعبد خيرا وفقه لتلك الأخلاق وإن أراد به شرا خلى بينه وبين أخلاق إبليس التي منها أن يغضب فلا يرضى ويسمع فيحقد ويأخذ في شره ويلعب فيلهو (تتمة) قال ابن عربي: سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه أي هو متخلق بأخلاق الله تعالى حتى كأنه هو وما هو هو. <تنبيه> لم يصرح في هذا الحديث في أي مكان هذه الأخلاق ولم يصرح بأن الآتي بشيء من هذه الأخلاق شرطه الإسلام وقد بين ذلك في حديث آخر روى الطبراني عنه في الأوسط مرفوعا " إن لله عز وجل لوحا من زبرجدة خضراء تحت العرش كتب فيه أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاث مئة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وإسناده حسن ولا منافاة بين قوله في الحديث المشروح مئة وقوله في الحديث ثلثمئة لأنا إن قلنا أن مفهوم العدد ليس بحجة فالقليل لا ينفي الكثير وإلا فيمكن أن يقال إن منها مئة وسبعة عشر أصول والباقي متشعبة عنها داخلة تحتها فأخبر مرة بالأصول وأخرى بها وما تفرع عنها
(الحكيم) الترمذي (ع هب) من حديث عيد الواحد بن زيد عن عبد الله بن راشد مولى عثمان (عن عثمان) ابن عفان ثم قال أعني البيهقي هكذا رواه عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد وليس بقوي في الحديث وقد خولف في إسناده ومتنه اه ولما عزاه الهيثمي إلى أبي يعلى قال فيه عبد الله بن راشد ضعيف اه وقال في اللسان قال ابن عبد البر عبد الواحد بن زيد الزاهد أجمعوا على تركه وقال ابن حبان يقلب الأخبار من سوء حفظه وكثرة وهمه [ص:483] فاستحق الترك اه وعبد الله بن راشد ضعفوه وبه أعل الهيثمي الخبر كما تقرر لكنه عصب الجناية برأسه وحده فلم يصب

(2/482)


2365 - (إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد) أي قوة يقتدر بها على سماع ما ينطق به كل مخلوق من إنس وجن وغيرهما (فليس من أحد يصلي علي) صلاة (إلا) سمعها و (أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد) أي إنسان (صلاة) واحدة (وإلا صلى عليه عشر أمثالها) هذه إحدى الروايتين للطبراني عن عمار وفي رواية ثانية له عنه إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه وقال يا محمد صلى عليك فلان فيصلي الرب تعالى وتبارك عليه بكل واحدة عشرة
(طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه نعيم بن ضمضم ضعيف وابن الحميري لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح

(2/483)


2366 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) الاسم كلمة وضعت بإزاء مسمى متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى (مئة غير واحدة) قال الرافعي في أماليه: قاله دفعا لتوهم أنه للتقريب ودفعا للاشتباه وقال البيضاوي: فائدة التأكيد المبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس أو لئلا يلتبس تسعة وتسعين بسبعة وتسعين أو سبعة وسبعين أو تسعة وسبعين من زلة الكاتب وهفوة القلم فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور وتأنيث واحدة لإرادة الكلمة أو الصفة أو التسمية وهذا العدد لا يدل على الحصر هنا فقد ثبت في الكتاب: الرب المولى النصير المحيط الكافي العلام وغير ذلك وفي السنة: الحنان المنان الجميل وغيرها وخصها بالذكر لكونها أشهر لفظا وأظهر معنى وهذا ذكره القاضي وسيجيء عن الطيبي ما يرده (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويرضاه ويقبله (وما من عبد) أي إنسان (يدعو) الله بها أي بهذه الأسماء (إلا وجبت له الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير سبق عذاب بشرط صدق النية وخلوص الطوية (تتنبيه) قال ابن عربي: كل حكم يثبت في باب العلم الإلهي للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام ونسب وإضافات وسلوب فالكثرة في النسب لا في العدد وهنا زل قدم من شرك بين من يقبل التشريك ومن لا يقبله عند كلامهم في الصفات واعتمدوا فيه على الأمور الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبا وشاهدا فأما شاهدا فقد يسلم وأما غائبا فلا
(حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه

(2/483)


2367 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما (من أحصاها) أي من قرأها كلمة كلمة على منهج الترتيل كأنه يعدها أو من عدها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها أو من أطاقها أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها بأن تأمل معانيها واستعمل نفسه فيما يناسبها فالمعنى الأول عام والثاني خاص والثالث أخص ولذا قبل الأول للعوام والثاني للعلماء والثالث للأولياء (دخل الجنة) يعني من أتى عليها حصرا وتعدادا وعلما وإيمانا فدعا الله بها وذكره وأثنى عليه استحق بذلك دخول الجنة قال القاضي وأسماء الله ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته واعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول أو الحقيقة كالعليم والقادر أو الإضافية كالحميد والملك أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرازق (هو الله) علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الآنية بعده قيل أصله لاها بالسريانية فعرب وقيل عربي وضع لذاته وصف في أصله لكنه غلب عليه فلم يستعمل في غيره ولا في الكفر
[ص:484] كما مر تفصيله (الذي لا إله إلا هو) صفته (الرحمن الرحيم) اسمان بنيا من الرحمة وهي لغة رقة تقتضي الإنعام على من رق له فرحمة الله إما إرادة الإنعام ودفع الضر وإما نفس الإنعام والدفع والرحمن أبلغ لزيادة بنائه كما سلف فراجعه وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراشره إلى جناب قدسه فيتوكل عليه ويلتجئ فيما يعن له إليه ويشغل سره بذكره استبدادا به عن غيره ويرحم عباد الله فيعاون المظلوم ويدفع الظالم عن ظلمه بالتي هي أحسن وينبه الغافل وينظر إلى العاصي بعين الرحمة لا الإزدراء (الملك) ذو الملك والمراد به القدرة على الإيجاد والإختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه أو المتصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء (القدوس) المنزه عن سمات التقص وموجبات الحدوث فعول من القدس وهو الطهارة قال بعضهم: حقيقة القدس الإعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأراضي والقدوس هو الذي لا يجوز عليه نقص في ذات ولا وصف ولا فعل ولا اسم وبذلك يتصف الملك على الإطلاق وإنما أتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بنحو جور وظلم وغيرهما فأبان أن ملكه ملك لا يعرض له تغير أصلا (السلام) المسلم عباده من المهالك أو المسلم عليهم في الجنة أو ذو السلامة من كل آفة ونقص وهو مصدر نعت به وقيل مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنان بدليل {سلام قولا من رب رحيم} (المؤمن) أي المصدق رسله بقوله الصدق أو الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد طرق المخاوف وإفادة آلات تدفع بها المضار أو الذي يؤمن الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر (المهيمن) الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من هيمن الطير إذا نشر جناحه على فرخه وصونا له أو معناه الشاهد أي العالم أو الشاهد على كل نفس بما كسبت وقيل أصله مؤيمن قلبت الهمزة هاء ومعناه الأمين الصادق أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم قال الحرالي: وهذا من الأسماء التي علت بعلو معناها عن مجاز الاشتقاق وهو اسم جامع لما يرجع لمعنى العلم والكلام (العزيز) ذو العزة أو المعتز أو الرفيع أو النفيس أو العديم النظر أو القاهر لجميع الممكنات قولا وفعلا وفسره إمام الحرمين بالغلبة. قال بعضهم: ويكنى به عن التمكن من إمضاء الأحكام بإمضاء القدرة وإحاطة العلم بحكم الترتيب على مقتضى اسم الملك فهو اسم جامع لمعنى القدرة (الجبار) من الجبر وهو إصلاح الشيء بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد نحو يا جابر كل كسير وتارة في القهر المجرد ثم تجوز فيه لمجرد العلو لأن القهر مسبب عنه فقيل معناه المصلح لأمور خلقه على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال وقيل معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكافرين ويؤثر فيه قصد القاصدين (المتكبر) ذو الكبرياء وهو الملك أو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إليه فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى وتقدس فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة لكل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم (الخالق) من الخلق وأصله التقدير المستقيم فتبارك الله أحسن الخالقين أي المقدرين {وتخلقون إفكا} أي تقدرون كذبا ويستعمل بمعنى الإبداع وإيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى {خلق الله السماوات والأرض} بمعنى التكوين نحو خلق الإنسان من نطفة فالله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره أي موجده من أصل أو غير أصل (الباري) من البرء وأصله خلوص الشيء من غيره إما على منهج التقصي كبرىء فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء منه ومنه برأ الله النسمة وهو البارىء لها وقيل البارىء الذي خلق الخلق برىء من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الأكمل يميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة (المصور) مبدع صور المخترعات ومزينها بحكمته فهو من معاني الحكيم والمعرفة بهذه الأسماء الثلاثة تنفي التدبير والإختيار لقوله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ما كان لهم من الخيرة أي ما جعلناها لهم لأن الذي يخلق ما يشاء هو الذي يختار ما يشاء فيهييء كل مخلوق لما أعد له ويظهره في الصورة التي شاء أن يركبه فيها
[ص:485] (الغفار) من الغفر وهو ستر الشيء بما يصونه ومعناه ستار القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بها والعفو عنها في العقبى وقال الحرالي: من الغفر وهو ستر ما يقتضي العلم غيبة وترك العقاب يلحقه من معنى العفو (القهار) الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته ومسخر بقضائه وقوته أو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك (الوهاب) كثير النعم دائم العطاء (الرزاق) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها والرزق وهو المنتفع به وكل شيء ينتفع به فهو رزق هبة مباحا أو حراما (الفتاح) الحاكم بين الخلائق من الفتح بمعنى الحكم أو مبدئ الفتح قال في الكشاف: والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق وقيل هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية وقيل مبدع الفتح والنصر (العليم) لكل معلوم أو البالغ في العلم فعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات محيط بها سابق على وجودها (القابض) الذي يضيق الرزق على من أراد (الباسط) الذي يوسعه لمن يشاء وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة (الخافض) الذي يخفض الكفار بالخزي والصغار (الرافع) الذي يرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز فيخفض أعداءه بالإذلال والإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد (المعز) الذي يجعل من يشاء مرغوبا فيه والإعزاز الحقيقي تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوة وجعله غالبا على أمره قاهرا على نفسه (المذل) الذي يجعل من يشاء مرغوبا عنه والإذلال ضد الإعزاز الحقيقي (السميع) مدرك كل مسموع (البصير) مدرك جميع المبصرات وهما في حقه صفتان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما (الحكم) الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب وقيل أصله المنع وسمي العلم حكما لأنها تمنع صاحبها عن شيم الجهال (العدل) العادل البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله (اللطيف) أي الملطف كالجميل بمعنى المجمل أو العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها أو المحسن الموصل للمنافع برفق وقال الحرالي: اللطيف من اللطف وهو إخفاء الأمور في صور أضدادها من نحو ما أخفى ليوسف عليه الصلاة والسلام أناله الملك في إلباس ثوب الرق حتى قال {إن ربي لطيف لما يشاء} (الخبير) العليم ببواطن الأمور من الخبرة وهو العلم بالخفايا الباطنة أو المتمكن من الإخبار عما علمه (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال عقوبة وتسارع إلى الانتقام (العظيم) من عظم الشيء إذا كبر عظمة ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين كالفيل والجمل أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالسماء والأرض ثم لكل شيء كبير القدر على الرتبة وعلى هذا القياس والعظيم المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر ولا بصيرة هو الله سبحانه (الغفور) كثير المغفرة وهي صيانة العبد عما يستوجبه من الانتقام بالتجاوز عن ذنبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس قيل والغفار أبلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينهما أن المبالغة في الغفور من جهة الكيفية وفي الغفار من جهة الكمية (الشكور) الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثني على عباده المطيعين أو المجازي عباده على شكرهم (العلي) فعيل من العلو وهو البالغ في علو المرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه (الكبير) نقيض الصغير وهما في الأصل يستعملان في الأجسام باعتبار مقاديرها ثم لعالي الرتبة ودانيها والله تعالى كبير بالمعنى الثاني إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول (الحفيظ) الحافظ جدا يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء
[ص:486] (المقيت) خالق الأقوات البدنية والروحانية وموصلها إلى الأشباح والأرواح أو المقتدر أو الحافظ للشيء أو المشاهد له (الحسيب) الكافي في الأمور من أحسبني إذا كفاني فعيل بمعنى مفعل كالأثيم أو المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى فاعل وقيل الشريف والحسب الشرف (الجليل) المنعوت بنعوت الجلال وهو من الصفات التنزيهية كالقدوس قاله الإمام الرازي والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير الكامل في الذات والجليل الكامل في الصفات والعظيم الكامل فيهما (الكريم) المتفضل الذي يعطي من غير مسألة ولا وسيلة أو المتجاوز الذي لا يستقصي في العقاب أو المقدس من النقائص والعيوب (الرقيب) الذي يراقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (المجيب) للداعي إذا دعاه (الواسع) الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه كافة خلقه أو المحيط علمه بكل شيء (الحكيم) ذو الحكمة وهي عبارة عن كمال العلم وإحسان العمل والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم أو هو مبالغة الحاكم (الودود) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في جميع الأحوال والمحب لأوليائه (المجيد) مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم (الباعث) لمن في القبور للنشور أو باعث الأرزاق لعباده والأولى تفسيره بالأعم (الشهيد) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظواهر الأشياء وما تمكن مشاهدته كما أن الخبير العالم ببواطنها وما يتعذر الإحساس به أو مبالغة الشاهد والمعنى يشهد على الخلق يوم القيامة (الحق) الثابت وفي مقابلته الباطل الذي هو المعدوم أو المحق أي المظهر للحق (الوكيل) القائم بأمور العباد وقال الحرالي: من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفها فهو سبحانه الوكيل على كل شيء بحكم إقامته له (القوي) الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يمسه نصب ولا لعب ولا يدركه قصور ولا تعب والقوة تطلق على معان مترتبة أقصاها القدرة التامة البالغة إلى الكمال والله سبحانه وتعالى قوي بهذا المعنى أو الذي لا يستولي عليه العجز بحال وقال الحرالي: المقوي من القوي وهي وسط ما بين الحول وظاهر القدرة لأن أول ما يوجد في الباطن من منة العمل ويسمى حولا ثم يحس به في الأعضاء مثلا يسمى قوة وظهور العمل بصورة البطش والتنازل يسمى قدرة ولذلك كان في كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله رجع بالأمور والأعمال الظاهرة إلى مسند أمر الله انتهى وأبان بهذا أن القوة أمر زائد على القدرة ومثله في الخلائق ليقرب فهمه وإلا فتعالى ربنا عن الاتصاف بصفات الأجسام من الأعضاء والإحساس والظاهر والباطن في وصفه (المتين) الذي له كمال القوة بحيث لا يعارض ولا يشارك ولا يدانى ولا يقبل الضعف في قوته ولا يمانع في أمره بل هو الغالب الذي لا يغالب ولا يغلب ولا يحتاج في قوته لمادة ولا سبب (الولي) المحب الناصر أو متولي أمر الخلائق (الحميد) المحمود المستحق للثناء وقال الحرالي: من الحمد وهو ثبوت مقتضيات الثناء المستغرق الذي لا يشذ عنه وصف ولا يعقبه تطرق بذم (المحصي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده وقيل هو القادر قال الحرالي: من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء وما شأنه التعداد (المبدىء) المظهر من العدم إلى الوجود (المعيد) الذي يعيد المعدوم وقال الحرالي: الوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في قوله {إنه هو يبدىء ويعيد} فيبدىء من الإبداء وهو الإظهار على وجه التطويل المهيء للإعادة فهو سبحانه وتعالى بدأ الخلق على نحو ما يعيدهم عليه فهو بذلك المبدىء والمعيد (المحيي) ذو الحياة وهو الفعال الدراك معطي الحياة لمن شاء حياته (المميت) خالق الموت ومسلطه على من يشاء قال الحرالي: والوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في " لا إله إلا هو يحيي ويميت " فيحيي من الإحياء وهو الإظهار من غيب عن تكامل تكون الأمانة على مظهر تكامله عودا من نهاية ذلك التكامل تغييبا إلى بعض ذلك الغيب الذي هو مبدأ التكامل أي فحقيقة الحياة تكامل في الظهور وحقيقة الموت تراجع إلى الغيب (الحي القيوم) القائم بنفسه المقيم لغيره على الدوام على أعلى ما يكون من القيام فإن قوامه بذاته وقوام كل شيء به فيعول
[ص:487] للمبالغة (الواجد) الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء أو الغنى مأخوذ من الوجد (الماجد) يعني المجيد إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد (الواحد) المتعال عن التجزىء فإن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ويكره إطلاق الواحد بهذا المعنى والله تعالى من حيث تعاليه عن أن يكون له مثل فيطرق ذاته التعدد والاشتراك أحد ومن حيث أنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول جاءني واحد من الناس ولا تقول جاءني أحد فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير والأحد منفرد بالمعنى (الصمد) السيد سمي به لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد في الرغائب وقال الحرالي: الصمد اسم مطلق وهو الملجأ الذي لا يمكن الخروج عنه لإحاطة أمره فهو راجع إلى اسم الله ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله وقال الزجاج: الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه (القادر) المتمكن من الفعل بلا معالجة ولا واسطة وقال الحرالي: من القدرة وهي ظهور الأشياء في العيان والشهادة (المقتدر) من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته ذكره الحرالي وقال القاضي: معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة (المقدم المؤخر) هو الذي يقدم بعض الأشياء على بعض إما بالذات كتقديم البسائط في المركبات أو الوجود كتقديم الأسباب على المسببات أو بالشرف كتقديم الأنبياء والصلحاء على من عداهم وإما بغير ذلك وقال الحرالي: هما من التقديم والتأخير وهو إحكام ترتيب الأشياء بعضها على بعض فلذلك نزلا منزلة اسم واحد (الأول والآخر) قال الحرالي: هما اسما إحاطة بتقديم الأول على كل أول وإحاطة الآخر بكل آخر فيه البدء أو إليه الانتهاء فليس قبله شيء ولا بعده شيء بل هو مبدأ الوجود ومنتهاه منه أبدا وإليه يعود (الظاهر الباطن) أي الظاهر وجوده بآياته ودلائله المثبتة في أرضه وسمائه إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها ومقدر قدرها والباطن بذاته المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه (الوالي) الذي تولى الأمور وملك الجمهور (المتعالي) البالغ في العلاء المرتفع عن النقائص (البر) المحسن الذي يوصل الخيرات لمن كتبها له بلطف وإحسان وقال الحرالي: البر اسم مطلق لكونه على بناء فعل وليس من أبنية الاشتقاق والجاري على الاشتقاق منه بار ولم يحفظ من أسماء الله تعالى وهو تمام الاكتفاء بما به التربية من مقتضى اسم الرب (التواب) الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد أصره ورجع إلى التزام الطاعة بقبول توبته من التوب وهو الرجوع أو الذي يوفق المذنبين للتوبة فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له (المنتقم) المعاقب للعصاة على ذنوبهم افتعال من نقم الشيء إذا كرهه غاية الكراهة قال ابن العربي: الألوهية تقتضي أن يكون في العالم بلاء وعافية فليس إزالة المنتقم من الموجود أولى من إزالة الغافر والعفو والمنعم ولو بقي من الأسماء ما لا حكم له لكان معطلا والتعطيل في الألوهية محال فعدم أثر الأسماء محال (العفو) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ في الغفور لأن الغفران ينبىء عن الستر والعفو ينبئ عن المحو وأصل العفو القصد لتناول الشيء سمي به المحو لأنه قصد لإزالة المحو (الرؤوف) ذو الرأفة وهي شدة الرحمة وهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين (مالك الملك) الذي ينفذ مشيئته في ملكه تجري الأمور فيه على ما يشاء أو هو الذي له التصرف المطلق في علو ملكه ومالك بلا حجر ولا تردد ولا استثناء ولا توقف (ذو الجلال والإكرام) الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه (المقسط) الذي ينتصف للمظلومين ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين يقال
[ص:488] قسط إذا جار وإذا عدل أو أزال الجور وقال الحرالي: من القسط وهو القيام بأتم الوزن وأعدل التكافىء (الجامع) المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متزاوجة وممتزجة في الأنفس والأفاق أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء (الغني) المستغني عن كل شيء (المغني) معطي كل شيء ما يحتاجه (المعطي) من شاء ما شاء لا مانع لما أعطى (المانع) الدافع لأسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان أو من المنعة أي يحوط أولياءه وينصرهم أو من المنع أي يمنع من يستحق المنع (الضار النافع) الذي يصدر عنه النفع والضر إما بواسط أو بغيره (النور) الظاهر بنفسه المظهر لغيره (الهادي) {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} خاصته إلى معرفة ذاته فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته فاستشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته (البديع) المبدع وهو الآتي بما لم يسبق إليه أو الذي لم يعهد مثله (الباقي) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء (الوارث) الباقي بعد فناء العباد فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك (الرشيد) الذي ينساق تدبيره إلى غاية السداد من غير استشارة ولا إرشاد أو مرشد الخلق إلى مصالحهم فعيل بمعنى فاعل وقال الحرالي: الرشيد من الرشد وهو التولي بأمر لا يناله تعقب ولا يلحقه استدراك (الصبور) الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الأول وفارق الحليم بأن الصبور يشعر بأنه يعاقب في العقبى بخلافه وأصل الصبر حبس النفس عن المراد فاستعير لمطلق التأني في الفعل قال الحرالي: الصبور من الصبر وهو احتمال الأذى الذي هو وصف المتنزه بما يتنزه عنه ولاستحقاق التنزيه والتسبيح كان ذلك في حقه سبحانه وتعالى أشد
(ت) في الدعوات (حب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال التنائي غريب لا نعلم ذكر الأسماء إلا في هذا الخبر وذكره آدم ابن أبي إياس بسند آخر ولا يصح انتهى قال النووي في الأذكار إنه أي حديث الترمذي هذا حديث حسن وقدم المصنف هذه الرواية على ما بعدها لأنها أرجح الثلاثة وعليها شرح الأكثر

(2/483)