قوت المغتذي على جامع الترمذي

النَّص المحقَّق

(المقدمة/74)


مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
-ربِّ يسِّر وأعن وتمم (1) يا كريم-
الحمد لله على فضله العميم، والصلاة والسلام على نبيِّه الكريم، وعلى آله وصحبه ذوي (2) الفضل الجسيم.
هذا الكتاب الرابع مما وعَدتُّ بوضعه على الكتب الستة، وهو تعليقٌ على جامع أبي عيسى الترمذي، على نمط ما علَّقته على صحيح البخاري المسمى بـ "التوشيح" (3) ، وعلى صحيح مسلم المسمى بـ "الديباج" (4) ، وعلى سنن أبي داود المسمى بـ "مرقاة الصعُود" (5) ، وسميته "قوت المغتذي على جامع الترمذي" جعله الله تعالى (6) خالصًا لوجهه الكريم، موجبًا للفوز بجنات النعيم.
قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر (7) في كتاب "شروط الأئمة": " لم ينقل عن واحد من الأئمة الخمسة أنه قال: شرطت في كتابي هذا. أن أُخرج على كذا، لكن لما سبرت كتبهم عُلم بذلك شرط كل واحد منهم:
_________
(1) "أعن" ساقطة من (ش) .

(2) في (ك) : " ذي ".
(3) التوشيح شرح الجامع الصحيح، مطبوع في عام 1420 هـ، العلمية، بيروت، وقد حقق في رسالتين للدكتوراه في كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، نوقشت واحدة منها هذا العام 1424 هـ.
(4) الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، للسيوطي كذلك، مطبوع بتحقيق أبي إسحاق الحويني، دار ابن عفان عام 1416 هـ.
(5) مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، لم يطبع حتى الآن، وإنما طبع مختصره بعنوان "درجات مرقاة الصعود" لعلي بن سليمان الدمنتي الباجمعوي، القاهرة عام 1298 هـ.
(6) "تعالى": ساقطة من (ش) .
(7) ابن القيسراني: الصوفي الإمام الحافظ الرحال، محمَّد بن طاهر بن علي المقدسي (448-507 هـ) ليس بالقوي؛ فإنه له أوهام كثيرة في تواليفه، قال ابن عساكر: جمع أطراف الكتب الستة. وقال الذهبي: هو في نفسه صدوق لم يتهم. ميزان الاعتدال (6/193) ، رقم (7716) ، ووفيات الأعيان (4/288) .

(1/1)


فشرط البخاري (1) ومسلم (2) أن يُخَرِّجا الحديث المجمعَ على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، وأما أبو داود (3) والنسائي (4) فإن كتابيهما ينقسمان (5) على ثلاثة أقسام:
الأول: الصحيح المخرَّج في الصحيحين.
والقسم الثاني: صحيح على شرطيهما (6) ، وقد حكى أبو عبد الله بن منده (7) : " أن شرطَهما إخراجُ أحاديث أقوام لم يجتمع على تركها " (8) ، إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطعٍ ولا إرسالٍ؛ فيكون هذا القسم من الصحيح؛ إلاَّ أنه طريق لا يكون طريق ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ بل طريقه طريق ما ترك البخاري ومسلم [من] (9) الصحيح؛ لما بيَّنا أنهما تركا كثيرًا من الصحيح الذي حفظاه.
والقسم الثالث: أحاديث أخرجاها من غير قطع عنها (10)
_________
(1) (ت س) محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا في الحديث، من الحادية عشر، (ت: 256 هـ) . التقريب ص (404) رقم (5727) .
(2) (ت) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، النيسابوري، ثقة إمام مصنِّف، عالم بالفقه (ت: 261 هـ) . التقريب ص (462) رقم (6623) .
(3) (ت س) سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني، أبو داود، ثقة حافظ، مصنف "السنن" وغيرها. من كبار أهل العلم، من الحادية عشرة (ت: 275 هـ) .
التقريب ص (189) رقم (2533) .
(4) أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرَّحمن النسائي، الحافظ. صاحب " السنن " (ت: 303 هـ) . التقريب ص (20) رقم (47) .
(5) في (ش) : " ينقسم ".
(6) في (ش) : " شرطهما " وهو الأولى.
(7) أبو عبد الله محمَّد بن إسحاق بن محمَّد بن يحيى بن منده، قال الذهبي: لم أعلم أحدًا أوسع منه رحلة، مع الحفظ والثقة، ثم قال: وقيل إنَّ أبا نعيم الحافظ ذُكر له ابن منده فقال: كان جبلًا من الجبال، (310-395 هـ) . ميزان الاعتدال (6/66) . وانظر: سير أعلام النبلاء (19/361-371) ، وطبقات الفقهاء الحنابلة (2/216) .
(8) في (ش) : "شرطهما"، شروط الأئمة لابن منده ص (73) .
(9) "من": ساقطة من الأصل، وهي مثبتة في الشروط.
(10) في (ك) : "عنهما"، وهو الأظهر، وربما كان تصحيفًا في الكلمتين "عنهما، وعنها" وأقرب =

(1/2)


بصحتها، وقد أبانا علتها بما يفهمه أهل المعرفة، وإنما أودعا هذا القسم في كتابيهما لرواية قوم لها، واحتجاجهم بها (1) ، فأورداها وبيَّنا سقَمها (2) لتزول الشبهة، وذلك إذا لم يجدا (3) له (4) طريقًا غيره؛ لأنه أقوى عندهما من رأي الرجال" (5) .
وأمَّا أبو عيسى الترمذي فكتابه على أربعة أقسام:
قسمٌ صحيح مقطوعٌ به، وهو ما وافق البخاري ومسلمًا.
وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بيَّنا في القسم الثاني لهما.
وقسمٌ آخر كالقسم الثالث لهما أخرجه وأبان عن عِلَّته.
وقسمٌ رابعٌ أبان هو عنه وقال: " ما أخرجت في كتابي إلاَّ حديثًا قد عمِل به بعض الفقهاء " (6) . فعلى هذا الأصل كل حديثٍ احتجَّ به محتج، أو عمل بموجبه عامل أخرجه، سواءٌ صحَّ طريقه أم لم يصح.
وقد أزاح عن نفسه: فإنه تكلم على كل حديث بما هو فيه، وكان من ْطريقه أن يُتَرجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي قد صح الطريق إليه، وأُخرج حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب ذلك الحكم من حديث صحابي (7) آخر لم يخرجوه من حديثه، ولا يكون
_________
= كلمة توافق المراد: "منهما" والله أعلم.
(1) "بها": ساقطة من (ك) ، (ش) .
(2) في الأصل و (ك) : "قسمها"، والصواب ما أثبته كما في شروط الأئمة، وفي (ش) .
(3) في (ك) : "يجد".
(4) يعود الضمير إلى القسم الثالث.
(5) شروط الأئمة لابن منده (ص 73) .
(6) شرح علل الترمذي لابن رجب (1/4) .
(7) في (ش) : " وقد صح الطريق ".

(1/3)


الطريق إليه كالطريق إلى الأولى إلاَّ أن الحكم صحيح، ثم (1) يتبعه بأن يقول في الباب عن فلان وفلان، ويعد جماعة، منهم الصحابي الذي أخرج ذلك الحكم من حديثه، وقلَّ ما يسلك هذه الطريق إلاَّ في أبوابٍ معدودة " (2) .
وقالى الحازمي (3) في شروط الأئمة: " مذهب من يُخرِّج الصحيح أن يعتَبر حال الراوي العدلِ في مشايخه، وفي من روى عنهم، وهم ثقات أيضًا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابتٌ يَلزم إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصح (4) إخراجه إلاَّ في الشواهد والمتابعات. قال: وهذا بابٌ فيه غموض، وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل، ومراتب مداركهم. فلنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم (5) أن أصحاب الزهري (6) مثلاً على خمس طبقات، ولكل طبقة منها مزيةٌ على التي تليها.
فالأولى: في غاية الصحة، نحو: مالكٍ (7) ، وابنِ عيينة (8) ، وعُبيدِ الله
_________
(1) في الأصل: " لم "، والصواب ما أثبته كما في الشروط.
(2) شروط الأئمة الستة للحافظ أبي الفضل ابن طاهر المقدسي ص (10) .
(3) محمَّد بن موسى بن عثمان بن حازم، أبو بكر، زين الدين المعروف بالحازمي، باحث من رجال الحديث من الطبقة السابعة عشرة، أصله من همدان ووفاته ببغداد، من أشهر كتبه: " ما اتَّفق لفظه وافترق مسماه " و"الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار" ط، و"شروط الأئمة الخمسة"، (ت: 584 هـ) . وفيات الأعيان، وأنباء أبناء الزمان (4/294) رقم (625) ، طبقات الحفاظ للسيوطي ص (484) رقم (1071) .
(4) في (ك) : " لا يصلح ".
(5) في (ش) : " يعلم "، وكذا في ختم الترمذي ص (64) .
(6) (ع) محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي، الزهري، أبو بكر الفقيه، الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة (ت: 125 هـ) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. التقريب ص (440) رقم (6296) .
(7) (ع) مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني، الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المثبتين، من الخامسة (ت: 179 هـ) . التقريب ص (549) رقم (6425) .
(8) (ع) سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي، أبو محمَّد الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، من الثامنة إلاَّ أنَّه تغيَّر حفظه بأخرة، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، (ت: 198 هـ) . التقريب ص (184) رقم (2451) .

(1/4)


ابن عمر (1) ، ويُونسَ (2) ، وعُقَيلٍ (3) ونحوِهم، وهي مقصد البخاري.
والثانية: شاركت الأولى في التثبت، غير أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان، وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يلازمه في السفر، ويلازمه في الحضر. والثانية: لم تلازم (4) الزهري إلاَّ مدَّة يسيرة، فلم تمارس حديثه (5) ، فكانوا (6) في الإتقان دون الطبقة الأولى -وهذا شرط مسلم- نحو: الأوزاعي (7) ، والليث بنِ سعد (8) ، والنعمانِ ابنِ راشد (9) ، وعبد الرحمن بنِ خالد بن مسافر (10) ، وابن أبي ذئب (11) .
_________
(1) (ع) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، المدني، أبو عثمان، ثقة ثبت، من الخامسة، وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة، على: الزهري عن عروة عنها، مات سنة بضع وأربعين. التقريب ص (314) رقم (4324) .
(2) (ع) يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلاَّ أنَ في روايته عن الزهري وهما قليلاً، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، (ت: 159 هـ) . التقريب ص (543) رقم (7919) .
(3) (ع) عُمل -بالضم- بن خالد بن عقل، بالفتح، الأيلي، أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي: صدوق تفرد عن الزهري بأحاديث. (ت: 144 هـ) على الصحيح. التقريب (ص 336) رقم (4665) .
(4) في (ك) : " يلازم ".
(5) "حديثه" مكررة في (ش) .
(6) في (ش) : " وكانوا ".
(7) (ع) عبد الرَّحمن بن عمرو بن أبي عمر الأوزاعي، أبو عمرو، الفقيه، ثقة جليل، من السابعة (ت: 157 هـ) . التقريب ص (289) رقم (3967) .
(8) (ع) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، (ت: 175 هـ) من السابعة. التقريب ص (400) رقم (5684) .
(9) (خت م 4) النعمان بن راشد الجزري، أبو إسحاق الرقي، مولى بني أمية، صدوق، سيء الحفظ. التقريب ص (494) رقم (7154) .
(10) (ع) عبد الرَّحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، أمير مصر، صدوق، قرنه النسائي في طبقات ْأصحاب الزهري بابن أبي ذئب وغيره، من السابعة (ت: 127 هـ) . التقريب ص (281) رقم (3849) . "مسافر" مكررة في (ش) .
(11) (ع) محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، أبو الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة (ت: 158 هـ) . التقريب ص (427) رقم (6082) .
في (ك) : "ذئب".

(1/5)


والثالثة: جماعة لَزِموا الزهري كالطبقة الأولى، غير أنهم لم يَسْلَموا من غوائل (1) الجرح، فهم بين الرد والقبول، وهم شرط أبي داود والنسائي، نحو: سفيان بن حسين (2) ، وجعفر بن بُرقان (3) ، وإسحاق بن يحيى الكلبي (4) .
والرابعة: قومٌ شاركوا أهل الثالثة في الجرح والتعديل وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري، لأنهم (5) لم يصاحبوا الزهري كثيرًا، وهم شرط الترمذي، قال (6) : وفي الحقيقة شرط الترمذي أبلغ من شرط أبي داود؛ لأن الحديث إذا كان ضعيفًا، أو من حديث الطبقة الرابعة فإنه يُبيِّن ضعفه ويُنبه عليه، فيصير الحديث عنده (7) من باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتماده على ما صحَّ عند الجماعة، ومن هذه الطبقة: زمعة بن صالح (8) ، ومعاوية بن يحيى الصدفي (9) ، والمثنى بن الصباح (10) .
_________
(1) الغائلة: الداهية (ج) غوائل. المعجم الوسيط (2/666) مادة (غالَ) .
(2) (خت م 4) سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمَّد أبو الحسن الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم، من السابعة، مات في الري مع المهدي، وتوفي المهدي سنة (169 هـ) كما في سير أعلام النبلاء (7/304) ، وقيل في أول خلافة الرشيد. التقريب ص (183) رقم (2437) .
(3) (بخ م 4) جعفر بن برقان؛ بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف، الكلابي، أبو عبد الله الرقي، صدوق يهم في حديث الزهري، من السابعة، (ت: 150 هـ) وقيل بعدها. التقريب ص (79) رقم (932) .
(4) (خ) إسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبي، الحمصي، العَوصي بفتح المهملة وبعد الواو مهملة، صدوق، قيل إنه قتل أباه. من الثامنة. التقريب ص (43) رقم (391) .
(5) "لأنهم": ساقطة من (ك) .
(6) القائل هو الحازمي.
(7) في (ك) : " عنه ".
(8) (م مد ت س ق) زمْعة بسكون الميم، ابن صالح الجندي بفتح الجيم والنون، اليماني، نزيل مكة، أبو وهب، ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون، من السادسة. التقريب ص (157) رقم (2035) .
(9) (ت ق) معاوية بن يحيى الصَّدفي، أبو روح الدمشقي، سكن الري، ضعيف، وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري، من السابعة. التقريب ص (471) رقم (6772) .
(10) (د ت ق) المثنى بن الصباح، بالمهملة والموحدة الثقيلة، اليماني، الأبناوي بفتح الهمزة =

(1/6)


والخامسة: قومٌ من الضعفاء والمجهولين، لا يجوز لمن يُخَرِّج الحديث على الأبواب أن يخرِّج لهم إلاَّ على سبيل الاعتبار والاستشهاد، عند أبي داود فمن دونه. فأما عند الشيخين فلا، كـ: بحرِ بن كُنيز السقا (1) ، والحكمِ بن عبد الله الأيلي (2) ، وعبد القدُّوس بن حبيب (3) ، ومحمد بن سعيد المصلوب (4) .
وقد يُخرِّج البخاري أحيانًا عن أعيان الطبقة الثانية، ومسلم عن أعلام الطبقة الثالثة، وأبو داود عن مشاهير الرابعة؛ وذلك لأسباب تقتضيه " (5) .
وقال الذهبي في الميزان: "انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديثَ المصلوبِ (6) والكلبي وأمثالهما" (7) .
_________
= وسكون الموحدة بعدها نون، أبو عبد الله أو أبو يحيى، نزيل مكة، ضعيف، اختلط بأخرة، وكان عابدًا، من كبار السابعة (ت: 149 هـ) . التقريب ص (452) رقم (6471) ، والميزان (6/19) ، رقم (7067) .
(1) (ق) بحر، بفتح أوله وسكون المهملة، ابن كنيز بنون وزاي، السقاء أبو الفضل البصري،
ضعيف من السابعة (ت: 160 هـ) . التقريب ص (59) رقم (637) .

(2) الحكم بن عبد الله الأيلي، قال أبو داود: لا يكتب حديثه، قال الإمام أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وكذبه الجوزجاني، وأبو حاتم، وقال جماعة: متروك الحديث. ميزان الاعتدال (2/337) رقم (2183) ، سؤالات الآجري لأبي داود (2/182) رقم (1536) ، سؤالات ابن أبي شيبة لعلي بن المديني ص (122) .
(3) عبد القدوس بن حبيب الكلاعي الشامي الدمشقي، أبو سعيد، قال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة الإسناد والمتن. ميزان الاعتدال (4/382) رقم (5161) .
(4) (ت ق) محمَّد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي، الشامي، المصلوب، ويقال له: ابن سعد ابن عبد العزيز، أو ابن أبي عتبة، أو ابن أبي قيس، أو ابن أبي حسان، ويقال له: ابن الطبري، أبو عبد الرَّحمن، وأبو عبد الله، وأبو قيس، وقد ينسب لجده، قيل: أنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى كذبه، وقال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه، من السادسة. التقريب ص (415) رقم (5907) .
(5) شروط الأئمة الخمسة ص (43) ، وانظر: ختم الترمذي ص (64-65) .
(6) محمَّد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي المصلوب، سبقت ترجمته.
(7) قال الذهبي في معنى هذا الكلام عند ترجمة الإمام الترمذي: "في الجامع علم نافع، وفوائد =

(1/7)


وقال أبو جعفر بن الزبير (1) : " أولى ما أُرشد إليه: ما اتفق المسلمون على اعتماده، وذلك الكتب الخمسة، والموطَّأ الذي تقدمها وضعًا ولم يتأخر عنها رتبة، وقد [اختلفت] (2) مقاصدهم فيها، وللصحيحين فيها شفوف (3) ، وللبخاري -لمن أراد التفقُّه- مقاصدُ جليلة (4) ، ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره، وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها " (5) .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي (6) في أول شرح الترمذي:
" اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب (7) الجعفي (8) هو الأصل الثاني في
_________
= غزيرة ... لولا ما كدَّره بأحاديث واهيةٍ بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل ". السير (10/612) رقم (2350) .
(1) أبو جعفر بن الزبير: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، الغرناطي المنشأ، كان محدثًا جليلاً ماهرًا، نحويًا، فصيحًا مفوهًا، حسن الخط، مقرئًا، مفسرًا، مؤرخًا (627-708 هـ) . انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص (516) رقم (1135) ، طبقات المفسرين للداودي ص (27) رقم (25) .
(2) " اختلفت ": ساقطة من الأصل. وهي مثبتة في (ك، ش) ، وفي الإحاطة في أخبار غرناطة (1/188) ، وزهر الربى على المجتبى (1/4) .
(3) شفَّ الشيُ: لم يحجب ما وراءه. وفي النهاية: الزيادة والربح. (2/488) .
(4) في زهر الربى (1/4) : "جميلة".
(5) تدريب الراوي (1/186-187) وختم الترمذي ص (65) .
(6) محمَّد بن عبد الله بن محمَّد المعافري، الأشبيلي، المالكي، أبو بكر بن العربي القاضي، من حفاظ الحديث، ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، وصنَّف كتبًا في الحديث، والفقه، والأصول، والتفسير، والأدب، والتاريخ ولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس سنة (543 هـ) ودفن بها، قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وحفاظها، من كتبه "العواصم من القواصم". انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص (468) رقم (1046) ، طبقات المفسرين للداودي (2/167) رقم (511) ، كتاب الصلة (2/590) رقم (1297) .
(7) في (ك) : " أن كان ".
(8) أي محمَّد بن إسماعيل البخاري.

(1/8)


هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب. وعليهما بنى (1) الجميع، كالقشيري (أي: الإمام مسلم) والترمذي، فما دونهما ما طفقوا (2) يُصنِّفونه، وليس (في قدر) (3) كتاب أبي عيسى مثله حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع.
وفيه أربعة عشر علمًا فوائد؛ صنف -وذلك أقرب إلى العمل- وأسند وصحح وأسقم (4) ، وعَدَّد الطرق، وجرح وعدَّل، وأسمى وكنَّى (5) ، ووصل وقطع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبيَّن اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله. وكل علم من هذه العلوم أصلٌ في بابه، وفردٌ في نصابه. فالقارىء له لا يزال في رياض مُؤْنِقَة (6) ، وعلوم متفقة متسقة " (7) . انتهى.
وقال بعضهم (8) :
كتاب الترمذي رياضُ علمٍ ... حكت أزهارُه زهرَ النجومِ
_________
(1) في العارضة (1/10) : "بناء".
(2) طفق يفعلُ الشيء: جعل أو استمر يفعله. المعجم الوسيط (2/560) مادة (طفق) .
(3) في العارضة: " فيهم مثل " (1/10) .
(4) في العارضة (1/10) : " وصحح وأسلم "، وفي (ش) : " وصحح وأسقم "، ولعلها الأنسب.
(5) في العارضة (1/10) : "وأسمى واكنى".
(6) (آنقه) الشيء إيناقًا: أعجبه، فهو مؤنِق (وهي مؤنِقة) . المعجم الوسيط (1/30) مادة أنق.
(7) عارضة الأحوذي (1/10) .
(8) ذكر السيوطي هذه الأبيات في البحر الذي زخر (3/1058) وقال: وجدت بخط الشيخ أبي الصبر أبياتًا في مدح مصنَّف الترمذي غير منسوبة. وكذا قال عبد الله سالم البصري في ختم الترمذي في غير إشارة إلى السيوطي. وأبو الصبر أيوب بن عبد الله السبتي المحدث المقرئ (ت: 609 هـ) . التكملة (1/167) ، وجذوة الاقتباس (1/168) ، وختم جامع الإمام الترمذي لعبد الله سالم البصري (ت: 1134 هـ) تحقيق العربي الغرياطي ص (57-59) وعلق المحقق في ج 1 بقوله: " وجدتها منسوبة للشيخ أبي العباس أحمد بن معد التجيبي الأقلشي الأندلسي (ت: 550 هـ) أسندها إليه أبو القاسم عبيد بن محمد الإسعردي (ت: 692 هـ) في كتابه: فضائل الجامع ص (53) ، وهي من البحر الوافر.

(1/9)


به الآثار واضحة أُبينتْ ... بألقابٍ أُقيمتْ كالرسومِ
فَأعلاها الصحاحُ وقد أنارتْ ... نجومًا للخصوص وللعمومِ
ومن حسنٍ يليها ومن غريبٍ ... وقد بانَ الصحيحُ من السقيمِ
فعلله أبو عيسى مبينًا ... مَعالمَه لطلاب العلومِ
وطرَّزه بأثار (1) صحاحٍ ... تخيَّرها أوُلو النظر السليمِ
من العلماء والفقهاء قِدْمًا ... وأهلِ الفضل والنهج القويمِ
فجاء كتابُه عِلْمًا نفيسًا ... يُنافسُ فيه أربابُ الحلومِ
ويقتبسون منه نفيسَ عِلْمٍ ... يُفيدُ نفوسَهُم أسنى رسومِ
كتبناه روْينَاه لنَرْوى ... من التَّسْنيم (2) في دار النعيمِ
وغاص الفكر في بحر المعاني ... فأَدرك كَلَّ معنى مستقيمِ
فأخرج جوهرًا يلتاح نورًا ... فقُلِّد عِقدَه أهلُ الفُهومِ
ليصعَد بالمعاني للمعالي ... بسعدٍ بعد توديع الجُسوم
محلُّ العلم لا يأوي ترابًا ... ولا يبْلى على الزَّمَنِ القديمِ
فمنَ قَرَأَ العُلومَ ومَن روَاها ... لتنْقُلَه إلى المغْنى المقيم
فإن الرُّوح تأْلَف كلَّ رَوْحٍ ... وَرِيحًا منه عاطرةَ النسيمِ
تحلَّي من عقائده عقُودًا ... منظَّمةً بِياقُوتٍ وتُومِ (3)
وتُدْرِكُ نفسُه أَسْنى ضياءٍ ... من العلم النفيس لدى العليم (4)
ويُحْيى جسمُه أعْلى لَذَاذٍ ... مُحياه على الخبر (5) الجسيم
جزى الرحمنُ خيرًا بعد خيرٍ ... أَبَا عيسى على الفِعْل الكريمِ
وألحقَه بصالحِ مَنْ حَواهُ ... مصنَّفُه مِنَ الجِيل العظيمِ
_________
(1) في البحر الذي زخر (3/1059) : "بآثار" وهو الصواب.
(2) إشارة إلى الرحيق المختوم كما في الآية رقم 27: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} من المطففين.
(3) في (ك) ، (ش) "وقوم"، ومعنى تُومة: مثل الدُّرَّة تُصاغ من الفضة. النهاية (2/200) مادة: توم.
(4) في الأصل، و (ك) : " الميم "، والصواب ما أثبته. وفي مقدمة تحفة الأحوذي: " الخبر " (1/360) .
(5) في الأصل: "الخبر"، والصواب ما أثبته.

(1/10)


وكان سمِيُّه فيه شفيعًا ... محمدٌ المسمَّى بالرَّحيمِ
صلاةُ الله تورثُه علاءً ... فإنَّ لِذِكْرِهِ أَزْكَى نَسيمِ
وقال ابن الصَّلاح (1) في علوم الحديث: " كتاب أبي عيسى الترمذي أصلٌ في معرفة [الحديث] (2) الحسن، وهو الذي نوَّه (3) باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه، والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل (4) ، والبخاريِ وغيرهما.
وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله: " هذا حديثٌ حسن "، أو "هذا حديث حسنٌ صحيح" ونحو ذلك. فينبغي أن (5) تصحح أصلك به (6) بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه " (7) .
وقال الحافظ ابن حجر (8) في نكته على ابن الصلاح: "وقد أكثر علي بن المديني (9) من وصف الأحاديث بالصحة وبالحسن في مسنده
_________
(1) الإمام الحافظ العلامة، شيخ الإسلام تقي الدين، أبو عمرو عثمان بن المفتي صلاح الدين، عبد الرَّحمن بن عثمان بن موسى الكُردي، الشهرزوري، الموصلي، الشافعي، صاحب علوم الحديث (577-643 هـ) . سير أعلام النبلاء (16/407) رقم (5766) ، طبقات الشافعية الكرى (4/428) رقم (1229) .
(2) " الحديث ": ساقطة من الأصل. ومثبتة في (ك، ش) ، وختم الترمذي ص (62) .
(3) في ختم الترمذي ص (62) : "تفرد".
(4) (ع) أحمد بن محمَّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، المروزي، نزيل بغداد، أبو عبد الله، أحد الأئمة، ثقة، حافظ، فقيه، حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة (164-241) وله سبع وسبعون. التقريب ص (23) رقم (96) ، وطبقات الحفاظ ص (189) .
(5) في ختم الترمذي ص (62) : " لك أن ".
(6) " به ": ساقطة من (ك) .
(7) علوم الحديث لابن الصلاح ص (36) بتحقيق د. نور الدين عتر.
(8) شيخ الإسلام وإمام الحفظ في زمانه، قاضي القضاة، شهاب الدين أبو الفضل، أحمد بن علي بن محمَّد بن محمَّد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني المصري (773-852 هـ) انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص (552) ، الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، للسخاوي.
(9) (خ د ت س فق) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم، أبو الحسن المديني بصري، ثقة، ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري: " ما استصغرت نفسي إلاَّ عند ابن المديني "، وقال فيه شيخه ابن عيينة. " كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني "، وقال =

(1/11)


وفي علله، فكأنه (1) الإمام السابق لهذا الاصطلاح وعنه أخذ (2) البخاري، ويعقوب بن أبي شيبة (3) ، وغير واحد، وعن البخاري أخذ الترمذي" (4) .
فاستمداد الترمذي لذلك إنما من البخاري، ولكن الترمذي أكثر (5) منه (6) وأشاد بذكره، وأظهر الاصطلاح فيه، فصار أشهر به من غيره.
وقال ابن الصلاح: " قول الترمذي وغيره: " هذا حديث حسن صحيح " فيه إشكالٌ؛ لأن الحسن قاصرٌ عن الصحيح، ففي الجمع بينهما في حديث واحد، جمع بين نفي ذلك القصور (7) وإثباته. قال: وجوابه: أن ذلك راجعٌ إلى الإسناد، فإذا روى الحديث الواحد بإسنادين؛ أحدهما: إسنادٌ حسنٌ، والآخر: إسنادٌ صحيح، استقام أن يقال فيه: أنه حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، أي أنه حسن بالنسبة إلى إسنادٍ، صحيح بالنسبة إلى إسنادٍ آخر. على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي -وهو ما تميل (8) إليه النفس ولا يأباه القلب- دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده " (9) . انتهى.
وقال ابن دقيق (10) في الاقتراح: "يرد [على الجواب
_________
= النسائي: " كأنَّ الله خلقه للحديث، عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصّل وتاب، واعتذر بأنه خاف على نفسه " من العاشرة، مات سنة (234 هـ) على الصحيح. التقريب ص (342) ، رقم (4760) .
(1) في (ك) ، (ش) : " وكأنه ".
(2) في (ك) : " أن ".
(3) يعقوب بن أبي شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي العصفوري، أبو يوسف البصري، ثم البغدادي، الثقة، الحافظ الكبير، صاحب المسند (ت: 262 هـ) . الأنساب (4/180) رقم (7186) ، السير (10/324) .
(4) النكت على ابن الصلاح (1/426) .
(5) أكثرَ، يُكثِر.
(6) " فاستمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري ولكن الترمذي أكثر منه ": ساقطة من (ك) .
(7) في (ك) : "التصور".
(8) في (ك) : " يميل ".
(9) علوم الحديث لابن الصلاح بتحقيق د. نور الدين عتر ص (39) ، والتقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للحافظ العراقي ص (58) .
(10) محمَّد بن علي بن وهب القشيري، أبو الفتح، تقي الدين ابن دقيق العيد، قال ابن سيد الناس:

(1/12)


الأول] (1) الأحاديث التي قيل فيها حسنٌ صحيحٌ، مع أنه ليس له إلاَّ مخرجٌ واحدٌ. قال: وفي كلام الترمذي في مواضع يقول: " هذا حديثٌ (2) حسنٌ صحيحٌ لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه ". قال: " والذي أقوله في جواب هذا السؤال: أنه لا يشترط في الحسن قيد القصور عن الصحيح، وإنما يجيئه القصور ويفهم ذلك فيه إذا اقتصر على قوله: حسن، فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار لا من حيث حقيقته وذاته. وشرح هذا وبيانه: أن ههنا صفاتٍ للرواة تقتضي (3) قبول الرواية، ولتلك الصفات درجاتٌ بعضها فوق بعض: كالتيقظ، والحفظ، والإتقان مثلاً.
فوجود الدرجة الدنيا: كالصدق وعدم التهمة (4) بالكذب (5) ، لا ينافيه وجود ما هو أعلى منه: كالحفظ والإتقان. فإذا وجدت الدرجة العليا وَلَمْ (6) يناف ذلك وجود الدنيا: كالحفظ (7) مع الصدق، فيصح أن يقال في هذا: إنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا، وهي الصدق مثلاً، صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان، ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنًا، ويلتزم ذلك ويؤيده ورود قولهم: هذا حديثٌ حسنٌ في الأحاديث الصحيحة، وهذا موجود في كلام المتقدمين " (8) انتهى.
_________
= لم أر مثله فيمن رأيتُ، توفي في حادي عشر صفر، سنة اثنتين وسبعمائة. طبقات الشافعية للسبكي (5/115) رقم (1326) ، وطبقات الحفاظ ص (516) رقم (1134) من الطبقة العشرين.
(1) هذه العبارة ليست في نص "الاقتراح" ص (198) ، وإنما أدرجها الإمام السيوطي عوضًا عمَّا حذفه من نص الاقتراح. قال ابن دقيق العيد: "وأقول: أما الأول فيرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حديث حسن صحيح مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد، ووجه واحد".
(2) "حديث": ساقطة من "ك".
(3) في (ك) : " يقتضي ".
(4) في (ك) ش "وعدمه المتهمة".
(5) في (ك) : " كالكذب ".
(6) في الأصل (لم) : والصواب ما أثبته، والله أعلم.
(7) "والإتقان فإذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالحفظ": ساقطة من "ش".
(8) الاقتراح في بيان الاصطلاح، لابن دقيق العيد، ص (199، 200) .

(1/13)


وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير (1) : أصل هذا السؤال غير متجه؛ لأن الجمع بين الحُسْنِ والصحة في حديثٍ واحدٍ رتبةٌ متوسطةٌ بين الصحيح والحسن.
قال: فللقبول ثلاث مراتب: الصحيح أعلاها، والحسن أدناها، والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما كان فيه شبه من شيئين لم يَتَمَحَّض لأحدهما، اختص برتبة (2) منفردة، كقولهم (3) لِلْمُزّ -وهو ما فيه حلاوة وحموضة (4) -: هذا حلوٌ حامض، أي: مزٌّ. قال: فعلى هذا يكون ما يقول فيه: " حسن صحيح " أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح، ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن " (5) .
قال الحافظ أبو الفضل العراقي (6) في نكته على ابن الصلاح: "وهذا الذي قاله ابن كثير تَحكُّمٌ لا دليل عليه، وهو بعيدٌ من فهم كلام الترمذي" (7) .
_________
(1) إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوّ بن درح القرشي، البصري، ثم الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين، حافظ، مؤرخ، فقيه، ولد في قريةٍ من أعمال بصرى الشام، وانتقل مع أخ له إلى دمشق، تناقل الناس تصانيفه في حياته، من كتبه "البداية والنهاية" و"تفسير القرآن العظيم " 10 أجزاء و"الباعث الحثيث في معرفة علوم الحديث" وغيرها، (ت: 774 هـ) . طبقات الحفاظ ص (533) رقم (1161) ، وطبقات المفسرين للداودي (1/111) رقم (103) .
(2) في (ك) : " برتبته ".
(3) في (ك) : " لقولهم ".
(4) "حموضة" ساقطة من (ش) .
(5) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص (36) .
(6) عبد الرَّحيم بن الحسين بن عبد الرَّحمن، زين الدين أبو الفضل، حافظ العصر، الإمام الكبير، له مؤلفات في فن الحديث بديعة: كالألفية وشرحها، وتكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس، (ت: 806 هـ) . حسن المحاضرة (1/307) رقم (96) ، شذرات الذهب (7/55) رقم (56) .
(7) النكت على ابن الصلاح (1/476) .

(1/14)


قال الإمام بدر الدين الزركشي (1) ، والحافظ أبو الفضل بن حجر كلاهما في النكت على ابن الصلاح: " هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. وعبارة الزركشي (2) "وهو خرقٌ لإجماعهم (3) " (4) ، ثم أنه يلزم عليه أن لا يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح (5) ، إلاَّ قليلاً؛ لقلة اقتصاره على قوله: " هذا صحيح " مع أن الذي يعبر فيه بالصحة والحسن أكثره موجود في الصحيحين " (6) .
وقال الشيخ سراج الدين البلقيني (7) في محاسن الاصطلاح أيضًا: "في هذا الجواب نظرٌ" (8) .
لكن جزم به الإمام شمس الدين بن الجزري (9) في الهداية والذي قال: " صحيح حسن كالترمذي يعني يشابه (10) صحة وحسنًا فهو إذن
_________
(1) الإمام بدر الدين، محمَّد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، كان فقيهًا، أصوليًا، مفسرًا، أديبًا، فاضلاً، في جميع ذلك (745-794 هـ) طبقات المفسرين (2/162) رقم (504) ، حسن المحاضرة للسيوطي (1/366) رقم (182) .
(2) والحافظ أبي الفضل ابن حجر كليهما في النكت على ابن الصلاح: " هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به "، وعبارة الزركشي ساقطة من (ك) .
(3) انظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي ص (1/374) ، والنكت لابن حجر (1/477) .
(4) انظر: النكت للزركشي، ص (374) ، والنكت لابن حجر (1/477) .
(5) في (ك) : " حسن ".
(6) النكت للزركشي ص (374) .
(7) عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب الكناني الشافعي شيخ الإسلام الحافظ المجتهد سراج الدين أبو حفص، انتهت إليه رياسة المذهب والإفتاء، ألف "محاسن الاصطلاح وتضمين ابن الصلاح "، وله "شرح على البخاري"، و"الترمذي" وغيرها (ت: 805 هـ) . طبقات الحفاظ ص (542) .
(8) محاسن الاصطلاح وتضمين ابن الصلاح ص (45) .
(9) محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن علي بن يوسف أبو الخير، شمس الدين العمري الدمشقي، الشافعي، الشهير بابن الجزري، شيخ الإقراء في زمانه، من حفاظ الحديث، من كتبه: "النشر في القراءات العشر" ط جزآن، و"غاية النهاية في طبقات القراء" ط مجلدان (ت: 833 هـ) .
طبقات الحفاظ للسيوطي ص (549) .
(10) في الأصل: " يشاب ".

(1/15)


دون الصحيح معنًى" (1) .
وقال الزركشي: " فإن قلت: فما عندك في رفع هذا الإشكال؟
قلتُ: يُحتمل أن يريد بقوله: حسن صحيح -في هذه الصورة الخاصة- الترادف، واستعمال هذا قليلاً دليل (2) على جوازه، كما استعمله بعضهم حيث وصف الحسن بالصحة، على قول من أدرج الحسن في قسم الصحيح، ويجوز أن يريد حقيقتهما في إسناد واحد باعتبار حالين وزمانين، فيجوز أن يكون سمع هذا الحديث من رجل مرة في حال كونه مستورًا، أو مشهورًا بالصدق والأمانة، ثم ترقى ذلك الرجل المُستَمِع (3) وارتفع حاله إلى درجة العدالة فسمعه منه الترمذي أو غيره مرة أخرى، فأخبر بالوصفين، وقد روي عن (4) غير واحد أنه سمع الحديث الواحد على الشيخ الواحد غير مرة. قال: وهذا الاحتمال -وإن كان بعيدًا (5) فهو أشبه ما يقال. قال: ويحتمل أن يكون الترمذي أدَّى اجتهاده إلى حسنه -وأدَّى اجتهاد غيره إلى صحته- (6) أو بالعكس، أو أن الحديث في أعلى درجات الحسن وأول درجات الصحيح، فجمع له باعتبار مذهبين، وأنت إذا تأملت تصرف الترمذي لعلك تسكن إلى قصده هذا" (7) . انتهى كلام الزركشي (8) .
وبعضه مأخوذ من الجعبري (9) حيث قال في مختصره: "وقوله:
_________
(1) الهداية لابن الجزري.
(2) في (ك) : " دليلاً".
(3) في (ك) : " المسمع ": وهو كذلك في نص النكت للزركشي (1/374) وهو الصواب.
(4) في الأصل: " من "، والصواب ما أثبته.
(5) "على الشيخ الواحد غير مرة، قال: وهذا الاحتمال - وإن كان بعيدًا" ساقطة من (ك) .
(6) يبدو أنَّ الجملة المعترضة من كلام السيوطي، كما هو بيِّن من نص الزركشي في نكته (1/375) .
(7) النكت للزركشي (1/374، 375، 376) .
(8) في (ك) : " الزمخشري ".
(9) برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري أبو إسحاق، سمع من الفخر بن البخاري، =

(1/16)


حسن صحيح باعتبار سندين أو مذهبين".
وقال الحافظ ابن حجر في النكت: " وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإشكال: بأنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحًا عند قوم، وحسنًا عند قومٍ يقال فيه ذلك. قال: ويُتعقب هذا بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح، قال: ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره.
فهذا يقدح في الجواب، ويَتوقف أيضًا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، قدح في الجواب أيضًا، لكن لو سلم هذا الجواب لكان أقرب إلى المراد من غيره. قال: وإنِّي لأميل إليه وأرتضيه، والجواب عما يرد عليه ممكن. قال: وقيل: يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين، وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله: " حسن " أي باعتبار حكمه؛ لأنه من قبيل المقبول، وكل (1) مقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة، وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمّي الكل صحيحًا، لكن يرد عليه ما أوردناه أولاً: من أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد.
قال: وأجاب بعض المتأخرين بأنه أراد: " حسن " على طريقة من يفرق بين النوعين لقصور رتبة راويه عن درجة الصحة المصطلحة،
_________
= وخلق كثير، كان فقيهًا مُقرئًا متَفنَِّنًا، له التصانيف المفيدة في القراءات والمعرفة بالحديث، وأسماء الرجال (ت: 732 هـ) . طبقات الشافعية (5/219) رقم (1341) ، شذرات الذهب (6/97) رقم (98) .
(1) في (ك) ، (ش) : " ذلك ".

(1/17)


"صحيح" على طريقة من لا يفرق.
قال: ويرد عليه ما أوردناه فيما سبق.
قال: واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه (1) باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد له. كما يقال: صحيح ثابت، أو جيد قوي، أو غير ذلك.
قال: وهذا قد يقدح فيه القاعدة "أن الحمل على التأسيس خيرٌ من الحمل على التأكيد"؛ (2) لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدَّالة على ذلك. وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني (3) : هذا حديث صحيح ثابت.
قال: وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد" (4) انتهى كلام الحافظ ابن حجر في النكت.
وقال في شرح النخبة: " إذا جمع الصحيح والحسن في وصف واحد؛ فللتردد الحاصل من المجتهد في الناقل، هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها؟ وهذا حيث يحصل منه التفرد بتلك الرواية.
قال: ومحصَّل الجواب: أنَّ تردد أئمة الحديث في حال ناقليه اقتضى للمجتهد أن لا يصفه بأحد الوصفين، فيقال فيه: " حسن " باعتبار وصفه عند قومٍ، "صحيح" باعتبار وصفه عند قومٍ، وغاية ما فيه أنه
_________
(1) في (ش) : " إثباته ".
(2) قاعدة فقهية.
(3) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن، الدارقطني، الشافعي، إمام عصره في الحديث، وأول من صنَّف في القراءات وعقد لها أبوابًا ولد بدار القطن -من أحياء بغداد- ورحل إلى مصر، وعاد إلى بغداد فتوفي بها سنة (385) من تصانيفه "السنن" ط و "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" ط (1) دار طيبة 1416 هـ و"المجتبى من السنن المأثورة" خ جزء منه في وريقات. وفيات الأعيان (3/298) ، تاريخ بغداد (12/34) .
(4) النكت لابن حجر (1/477، 478، 480) .

(1/18)


حذف (1) حرف العطف من الذي بعده، وعلى هذا فما قيل فيه: " حسن صحيح "، دون ما قيل فيه: " صحيح "، لأن الجزم أقوى من التردد، وهذا من حيث التفرد (2) ، وإلاَّ إذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين معًا على الحديث يكون باعتبار إسنادين: أحدهما صحيح، والآخر حسن.
وعلى هذا فما قيل فيه: " حسن صحيح "، فوق ما قيل فيه: " صحيح " فقط، إذا كان فردًا؛ لأن كثرة الطرق تقوي. فإن قيل: قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروى من غير وجه. فكيف يقول (3) في بعض الأحاديث: " حسنٌ غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه "؟ فالجواب: أن الترمذي لم يُعرِّف الحسن مطلقًا، وإنما عرَّف بنوع (4) خاصٍّ [منه] (5) وقع في كتابه، و (6) ما يقول فيه: " حسن " من غير صفة أخرى، وذلك أنه يقول في بعض الأحاديث: " حسن " وفي بعضها: " صحيح " وفي بعضها: " غريب (7) "، وفي بعضها: " حسن (8) صحيح غريب "، وتعريفه إنما وقع على الأول فقط، وعبارته تُرشِد إلى ذلك حيث قال في أواخر كتابه (9) : " وما قلنا في كتابنا: " حديثٌ حسن " فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديثٍ يُروى لا يكون راويه متهمًا بكذب، ويُروى من غير وجه نحو ذلك، ولا يكون شاذًّا، فهو عندنا: حديثٌ حسن ". فعرف بهذا
_________
(1) "أنه حذف منه حرف التردد، لأنَّ حقه أن يقول: " حسن أو صحيح " وهذا كما حُذف حرف العطف.." النخبة ص (63) . إذن هناك سقطٌ واضح من الأصل. والله أعلم.
(2) أي: لم يكن له سند آخر.
(3) في (ك) : " تقول ".
(4) في (ك) : " نوع ".
(5) في (ك) : " فيه ".
(6) في (ك) : "فهو".
(7) "صحيح غريب" في (ك) .
(8) "حسن غريب" في (ك) .
(9) شرح العلل، تحقيق د/ همام سعيد (2/574) .

(1/19)


أنه إنما عرَّف الذي يقول فيه: " حسن " فقط، أما ما يقول فيه: " حسن صحيح " أو "حسن غريب"، أو "حسن صحيح غريب"، فلم يعرِّج على [تعريفه، كما لم يعرج على] (1) تعريف ما يقول فيه: " صحيح " فقط، أو "غريب" فقط، وكأنه ترك ذلك استغناءً لشهرته عند أهل الفن، واقتصر على تعريف ما يقول فيه في كتابه "حسن" فقط: إما لغُموضه، وإما لأنه اصطلاح جديد؛ ولذلك قيَّده بقوله: "عندنا"، ولم ينسبه إلى أهل الحديث -كما فعل الخطابي (2) -.
وبهذا التقرير يندفع كثيرٌ (3) من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يُسفر وجهُ توجيهها، فلله الحمد على ما ألهم وعلَّم " (4) . انتهى.
قلتُ: وظهر لي توجيهان آخران، أحدهما: أن المراد حسن لذاته صحيح لغيره، والآخر: أن المراد "حسنٌ" باعتبار إسناده، "صحيح" أي: أنه أصح شيء ورد في الباب. فإنه يقال: أصح ما ورد كذا وإن كان حسنًا أو ضعيفًا، والمراد أرجحه أو أقله ضعفًا، ثم إنَّ الترمذي لم ينفرد بهذا المصطلح، بل سبقه إليه شيخه البخاري (5) ، كما نقله ابن الصلاح في غير مختصره، والزركشي وابن حجر في نكتهما. قال الزركشي: "واعلم أن هذا السؤال يرد بعينه في قول الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ" لأن من شرط الحسن أن يكون معروفًا من غير وجه، والغريب من انفرد به أحد رواته، وبينهما تنافٍ قال: وجوابه أن الغريب يُطلق
_________
(1) "تعريفه كما لم يعرج على" ساقطة من الأصل، و (ش) ، ومثبتة في (ك) .
(2) الخطابي: حمد بن محمَّد بن خطاب أبو سليمان الخطابي البستي، كان إمامًا في الفقه والحديث واللغة من تصانيفه: " معالم السنن " و"غريب الحديث" (ت: 388 هـ) . طبقات الحفاظ ص (404) رقم (915) .
(3) في (ك) : "كثيرًا".
(4) انظر: نزهة النظر بشرح نخبة الفكر في مصطلح حديث أهل الأثر ص (63، 64، 65) .
(5) قال ابن رجب: وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى التفرد بهذا التقسيم ... وقد سبقه البخاري إلى ذلك، كما ذكره الترمذي عنه في كتابه "العلل". اهـ. الجامع الكبير (6/251) .

(1/20)


على أقسام: غريب من جهة المتن، وغريب من جهة الإسناد، والمراد هنا الثاني دون الأول؛ لأن هذا الغريب معروف عن جماعة من الصحابة، لكن تفرد بعضهم بروايته عن صحابي. فحسب المتن: حسن؛ [لأنه عرف مخرجه واشتهر، فوجد شرط الحسن] (1) ، وبحسب الإسناد: غريب؛ لأنه لم يروه من تلك الجماعة إلاَّ واحد، ولا منافاة بين الغريب بهذا المعنى وبين الحسن، بخلاف سائر الغرائب فإنها تنافي الحسن. وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن عبد المحسن الغرافي (2) في كتابه "معتمد التنبيه" (3) : " قول أبي عيسى: " هذا حديثٌ حسن صحيحٌ غريبٌ " و"هذا حديثٌ (4) حسن غريبٌ " إنما يريد به ضيق المخرج أنه لم يخرج إلاَّ من جهة واحدة، ولم يتعدد خروجه من طرق إلاَّ إن كان الراوي ثقة فلا يضر ذلك، فيستغربه هو لقلة المتابعة، وهؤلاء الأئمة شروطهم عجيبة، وقد يُخَرِّج الشيخان أحاديث [يقول أبو عيسى فيها] (5) : " هذا حديثٌ حسن " وتارة: " حسنٌ غريب " كما قال في حديث أبي بكر: " قلت: يا رسول الله علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي ... " الحديث: هذا حديثٌ حسنٌ " (6) مع أنه متفقٌ عليه. انتهى.
_________
(1) " لأنه عرف مخرجه واشتهر فوجد شرط الحسن ": ساقطة من الأصل، و (ش) ، ومثبتة في (ك) .
(2) أحمد بن عبد المحسن بن أحمد بن محمَّد ينتهي إلى موسى الكاظم، الواسطي الغرافي التاجر السفار، سمع من أبي المظفر السمعاني، ومحمَّد بن عماد، وأبي الحسن بن القطيعي (ت: 666 هـ) . الوافي بالوفيات (7/142) . وفي (ك) : " العراقي ".
(3) في (ك) : " النبيه ".
(4) "حديث": ساقطة من (ك) .
(5) "تقع إلى أبي عيسى فيقول فيها": من نص نكت الزركشي (1/378) .
(6) النكت للزركشي (1/378) ، وتتمة الحديث: " اللَّهمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنْت، فاغْفِر لي مغفِرَةً من عنْدِكَ وارْحَمنِي إنَّك أنْت الغَفُور الرَّحيم "، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء في الصلاة ص (1131) رقم (6326) ، وفي كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) } ص (1304) رقم: (8387) .
مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر ص (1143) رقم =

(1/21)


واعلم أن الكتب الأربعة: الصحيحين، وسُننَ أبي داود، والنسائي وقعت لنا من عدة روايات عن مؤلفيها، ولم يقع لنا الترمذي إلاَّ من رواية أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب (1) عن الترمذي، ولا نعلم أنه شرحه أحد كاملاً إلاَّ القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه "عارضة الأحوذي"، وكتب عليه الحافظ فتح الدين بن سيد الناس (2) قطعة، وكمل عليها الحافظ زين الدين أبو الفضل العراقي قطعة أخرى ولم ْيُتمَّه (3) ، وكتب عليه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني قطعة، والحافظ أبو الفضل بن حجر مجلدًا لم نقف عليه، وله كتاب "اللباب فيما يقول فيه الترمذي: وفي الباب"، ولم نقف عليه أيضًا والله أعلم.
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد (4) : "الذي عندي أن الأقرب إلى التحقيق والأجرى على واضح الطريق أن يقال: إن كتاب الترمذي تضمّن الحديث مصنفًا على الأبواب وهو علم برأسه، والفقه
_________
= (2703) الترمذي: أبواب الدعوات، باب (5/502) رقم (3531) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2/1261) رقم (3835) ، النسائي: كتاب السهو، نوع آخر من الدعاء (3/53) . أحمد (1/5) رقم (8) .
(1) أبو العباس محمَّد بن أحمد بن محبوب بن فضيل، المحبوبي المروزي راوي جامع أبي عيسى عنه، الإمام المحدث مفيد مرو، وكانت رحلته إلى ترمذ للقي أبي عيسى، وهو ابن ست عشرة سنة قال الحاكم سماعه صحيح (ت: 346 هـ) . سير أعلام النبلاء (12/160) رقم (3162) ، الأنساب (5/93) رقم (9550) .
(2) ابن سيد الناس، فتح الدين، الإمام العلامة المحدث الحافظ الأديب البارع، أبو الفتح، محمَّد ابن محمَّد بن أحمد بن عبد الله بن سيد الناس اليعمري، الأندلسي الأصل، المصري (671-734 هـ) ، صنف "السير الكبرى" و "الصغرى" و"شرح الترمذي" ولم يكمله. طبقات الحفاظ للسيوطي ص (523) رقم (1146) .
(3) في (ك) : " يتممه ".
(4) الإمام المحدث ذو الفنون محب الدين أبو عبد الله محمَّد بن عمر بن محمَّد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، من مصنفاته: " إفادة النصيح بالتعريف بسند الجامع الصحيح " و"جزء في مسألة العنعنة" (657-721 هـ) . انظر: طبقات المفسرين للداودي (2/219) رقم: (552) ، طبقات الحفاظ ص (528) رقم (1152) .

(1/22)


علمٌ ثان، وعللَ الأحاديث (1) -ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب- علمٌ ثالث، والأسماءَ والكنى علمٌ رابع (2) ، والتعديلَ والتجريحَ خامسٌ، ومن أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن لم يدركه -ممن أسند عنه في كتابه- سادسٌ، وتعديد من روى ذلك (3) الحديث سابعٌ.
هذه علومه الجُمْلِيَّة، وأما التفصيلية فمتعددة بالجملة، فمنفعته كبيرة، وفوائده كثيرة" (4) انتهى.
قال الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس: " ومما لم يذكره (5) (6) ما تضمنه من الشذوذ وهو نوعٌ (7) ثامن، ومن الموقوف وهو تاسع، ومن المدرج وهو عاشر، وهذه الأنواع مما تكثر فوائده (8) التي تستجاد فيه وتستفاد عنه، وأما ما يقل فيه وجوده من الوفيات، أو التنبيه على معرفة الطبقات وما يجري مجرى ذلك، فداخلٌ فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية " (9) انتهى.
فائدةٌ:
قال الحافظ أبو جعفر بن الزبير (10) في بَرْنامجه: "روى هذا
_________
(1) في (ك) : " الحديث ".
(2) في (ك) : " والكنى رابع ". ما بين الحاصرتين من كلام السيوطي -والله أعلم-. انظر ختم الترمذي ص (60) .
(3) في (ك) : " روى في ذلك ".
(4) النفح الشذي في شرح جامع الترمذي، لابن سيد النَّاس (1/193) . وختم الترمذي ص (60) وفيه: "وفوائده جمَّة كثيرة".
(5) "يذكراه" كما في نص ابن سيد الناس. وضمير التثنية يعود هنا على ابن العربي وابن رشيد، ولكن الإمام السيوطي تصرف في اللفظ وأورد الضمير بصيغة المفرد، مريدًا بذلك ابن رشيد وجده؛ فليتنبه. والله أعلم.
(6) "أيضًا ولا أحدهما" كما في نص ابن سيد الناس. وهذه العبارة أسقطها الإمام السيوطي؛ لأنه تصرف كما سبقت الإشارة.
(7) في (ك) : " فرع ".
(8) "مما يكثر في فوائده" كما في نص ابن سيد الناس.
(9) النفح الشذي (1/194) ، وختم الترمذي ص (60) .
(10) سبق ترجمته ص (8) .

(1/23)


الكتاب عن الترمذي ستة رجال -فيما علمته-: أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب (1) ، وأبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (2) ، وأبو ذر محمد بن إبراهيم (3) ، وأبو محمد الحسن بن إبراهيم القطان (4) ، وأبو حامد أحمد ابن عبد الله التاجر (5) ، وأبو الحسن الوَذَاري (6) . قال: وأما ما ذكره بعض الناس: [من] (7) أنه لا يصح سماع أحد في هذا المصنف من أبي عيسى ولا روايته عنه -وهو كلام يُعزى إلى أبي محمد بن عتاب (8) ، عن أبي (9) عمرو السفاقسي (10) ، عن أبي عبد الله الفسوي (11) -فهو باطلٌ، قاله من قاله، فإن الروايات في الكتاب منتشرة
_________
(1) سبق ترجمته ص (22) .
(2) أبو سعيد، الهيثم بن كليب بن شريح -أو، بن سريج، كما في السير- بن معقل الشاشي العقيلي، الحافظ، المحدث، الثقة، مصنف المسند الكبير (ت: 335 هـ) . انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص (352) رقم (796) ، وسير أعلام النبلاء (12/44) رقم (3030) .
(3) أبو ذر محمد بن إبراهيم، لم أقف على ترجمته. انظر: البحر الذي زخر (3/1052) .
(4) أبو محمَّد الحسن بن إبراهيم القطان، لم أقف على ترجمته. انظر: البحر الذي زخر (3/1052) .
(5) أبو حامد أحمد بن عبد الله التاجر. لم أقف على ترجمته. انظر: البحر الذي زخر (3/1052) .
(6) أبو الحسن الوذاري، لم أقف على ترجمته. انظر: البحر الذي زخر (3/1052) .
(7) "من" ساقطة من الأصل، ومثبتة في (ك، ش) .
(8) هو الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب الجذامي مولاهم أخر الشيوخ الجلَّة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد وسعة الرواية وهو من شيوخ القاضي عياض، مات سنة 520 هـ رحمه الله تعالى. انظر: القنية للقاضي عياض ص (162) ، الديباج المذهب ص (150) ، الصلة لابن بشكوال (1/332) .
(9) في (ك) : " ابن ".
(10) أبو عمرو السفاقسي عثمان بن أبي بكر بن حمود بن أحمد الصدفي يكنى أبا عمرو يعرف بالسفاقسي، روى عن أبي نعيم الأصفهاني نحو مئة ألف حديث، وروى عن أبي عبد الله محمد بن علي الحافظ الفسوي، كان حافظًا للحديث وطرقه وأسماء رجاله ورواته، ذكره أبو عمر بن الحذاء في كتابه رجاله الذين لقيهم.
(11) أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ الفسوي. قرأت في برنامج الشيخ الفقيه أبي عبد الله بن أحمد التجيبي القرطبي المعروف بابن الحاج في نسخة صحيحة منه عليها خطه وذكر أبا عيسى وقال ما نصه: " وذكر أبو عبد الله الفاقسي في برنامجه بعد أن ذكر كتاب الترمذي سمعت محمد بن علي سمعت غير واحد من الحفاظ لا يصح لأحد فيه سماع عن أبي عيسى ومحمد بن. علي هذا =

(1/24)


شائعة عن جِلَّةٍ معروفين إلى (1) المصنف، ثم [إن] (2) أبا عبد الله بن عتاب (3) ، وابنه أبا محمد المذكور، والحافظ أبا علي الغسابي (4) وغيرهم من أئمة هذا الشأن قد أسندوا الكتاب إلى فهارسهم، وما تعرضوا لشيء مِمَّا ذكره مَنْ تَقدَّم كلامُه من جَهْلِ الكتاب، وانقطاع الرواية فيه، ولا ذكروا ذلك عن أحدٍ ". انتهى.
وقال الحافظ قطب الدين القسطلاني (5) :
أحاديث الرسول جلا الهمُوم ... وَبُرْء المرء من أَلم (6) الكُلوم
فلا تَبْغِ بها أبدًا بديلاً ... وعرِّفْ بالصحيح مِنَ السقيم
وإِنَّ الترمذيَّ لمَن تَصَدَّى ... لعِلْم الشَّرْع مُغنٍ عن علوم
غدَا خضِرًا نضيرًا في المعاني ... فأضحى (7) روضَة عَطِرَ الشمِيم
فمِنْ جَرحٍ وتعديلٍ حَواه.... ومِنْ عِلَلٍ ومن فِقْهٍ قويم
_________
= هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الملك الفقيه الفارض الحافظ الفسوي من شيوخ أبي عمر عثمان بن أبي بكر السفاقسي وممن يعول أبي عمر المذكورع ليه قال: وفي قوله نظر بل قد روى عنه هذا الكتاب جمع منهم المحبوبي والسنجي وغيرهم. برنامج التجيبي: ص (106-107) .
(1) في ك: "إلى".
(2) "أن" ساقطة من الأصل، (ش) .
(3) أبو عبد الله بن عتاب. هو محمد بن عتاب بن محسن، الإمام العلامة المحدث، مفتي قرطبة، أبو عبد الله، ولد سنة 383 هـ، وكان من جلة العلماء والأثبات عالمًا بصيرًا بالحديث وطرقه، بارعًا في الفقه، مات سنة 482 هـ رحمه الله تعالى. انظر: ترتيب المدارك (4/810) ، الصلة (2/544) ، سير أعلام النبلاء (18/328) .
(4) في (ك) : " الغساني ". وهو الإمام الحافظ الحجة الناقد، محدث الأندلس، الحسين بن محمد بن أحمد الغساني، أبو علي الجياني، ولد سنة 427 هـ، وكان من جهابذة الحفاظ، له تصانيف كثيرة، منها "تقييد المهمل وتمييز المشكل" في رجال الصحيحين، توفي سنة 498 هـ رحمه الله تعالى. انظر: الصلة (1/141) ، وفيات الأعيان (2/180) ، السير (19/148) .
(5) الحافظ قطب الدين القسطلاني، أبو بكر، محمَّد بن أحمد بن علي المصري، ولد بمصر (ت: 614-686 هـ) وتفقه، وأفتى، وكان ممن جمع العلم والعمل، وألف في الحديث والتصوف.
انظر: حسن المحاضرة (1/352) رقم (117) ، وسير أعلام النبلاء (17/255) رقم (6314) .
(6) في (ك) : "كلم"، وفي (ش) : " وبرء المرء من ألم الكلوم ".
(7) في ختم الترمذي: " فأصبح ".

(1/25)


ومن أَثرٍ وَمِنْ أَسْمَاءِ قَوْمٍ ... وَمِن ذِكْرِ الكُنى لصَدٍ (1) فَهيم
ومِن نَسخٍ ومُشْتَبِهِ الأسَامي ... ومِن فَرْقٍ ومِن جَمْعٍ بهيم
ومِن قولِ الصِّحاب وتابعيهم ... بِحِلٍّ أو بتَحْريمٍ عميم
ومِن نَقْلٍ إلى الفُقَهَاء يُعْزى ... ومِن مَعْنى بَدِيعٍ مستقيم
ومن طبقاتِ أعْصَارٍ تَقضَّت ... ومن حَلٍّ لمنفعةٍ عقيم
وقسَّمَ مَا روى: حسنًا، صحيحًا ... غريبًا، فارتضاه (2) ذَوُوا الفُهوم
ففاق مصنَّفات الناس قِدمًا ... وراق فكان كالعقْد النَّظيم
وجاء كأنه بدْرٌ تلألأ ... يُنيرُ (3) غياهِبَ الجهل العظيم
فَنَافِسْ في اقتباسٍ من نفيسٍ ... بأنفاسٍ ودعْ قولَ الخصيم (4)
فإنَّ الحقَّ أبلجُ ليس يُخفي ... طلاوتَه على الذِّهنْ السليم
وفضلُ العلم يظهر حين (5) يَنْأى ... عَن الأرواح مألوفُ الجسوم
فمأوى العلم مرقى للثُّرَيَّا ... ويَبْقى في الثرى أثرُ الرسوم
وليس العِلْم ينفع مَن حَواه ... بلا عملٍ يُعين على القُدوم
كتابُ الترمذيِّْ غدا كتابًا ... يعطِّرُ نَشرُه مَرَّ النسيم
وإسنادي له في العصر يعلو ... أُساوِي فيه ذَا سنّ قديم
فربِّي اللهَ أحمدُ كُلَّ حينٍ ... على إيلاءِ (6) إِفْضالٍ عميم
وصَلِّ مدى الزمان على رسولٍ ... يفُوح لذكره أَرَجُ (7) [النسيم] (8)
_________
(1) في (ك) : "لضد".
(2) في (ك) : "فارتضا".
(3) في (ك) : "منير".
(4) في (ك) : "الخصوم".
(5) في (ك) : "حين يظهر حين".
(6) في (ك) : "الإيلاء".
(7) في (ك) : "أثر".
(8) "النسيم" ساقطة من (ك) . انظر: ختم الترمذي ص (65-61) .

(1/26)