كشف المشكل من حديث الصحيحين

كشف الْمُشكل من مُسْند أبي عمر وَعُثْمَان بن عَفَّان

أسلم قَدِيما، وزوجه رَسُول الله ابْنَته رقية، فَلَمَّا مَاتَت زوجه أم كُلْثُوم، فَلَمَّا مَاتَت قَالَ: " لَو كَانَ عِنْدِي ثَالِثَة لزوجتها عُثْمَان ".
وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله مائَة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة عشر حَدِيثا.
93 - / 100 - الحَدِيث الأول: أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ سَأَلَ عُثْمَان فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَلم يمن. قَالَ عُثْمَان: يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَيغسل ذكره. وَقَالَ عُثْمَان: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فِي هَذَا الحَدِيث تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره: يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ للصَّلَاة، وَالْوَاو للْجمع لَا للتَّرْتِيب.
وَاعْلَم أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي بن كَعْب، وَفِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو هَذَا، إِلَّا

(1/158)


أَنه نسخ بِمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها فقد وَجب الْغسْل ". وَبِمَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع، وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل ".
وروى رَافع بن خديج أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ فناداه، فَخرج إِلَيْهِ وَمضى مَعَه حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد، ثمَّ انْصَرف واغتسل، فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثر المَاء، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، سَمِعت نداءك وَأَنا على امْرَأَتي، فَقُمْت قبل أَن أنزل فاغتسلت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا المَاء من المَاء " ثمَّ قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا انْصَرف: " إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل ".
94 - / 101 - الحَدِيث الثَّانِي: أَن عُثْمَان دَعَا بِإِنَاء فأفرغ على كفيه ثَلَاث مَرَّات فغلسهما.
أما غسل الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قبل إدخالهما الْإِنَاء فَسنة، فَإِن كَانَ قد قَامَ من نوم اللَّيْل فَهُوَ عندنَا وَاجِب، وَسَيَأْتِي ذكره.
وَأما الاستنثار فَتَارَة يُرَاد بِهِ الِاسْتِنْشَاق: وَهُوَ اجتذاب المَاء بِالنَّفسِ إِلَى بَاطِن الْأنف، وَتارَة يُرَاد بِهِ رمي مَا فِي الْأنف من الْأَذَى. والنثرة: الْأنف.

(1/159)


وَقَوله: ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ. احْتج بعض أَصْحَابنَا بقوله: وَمسح بِرَأْسِهِ، وَلم يقل ثَلَاثًا كَمَا قَالَ فِي المغسولات، على أَن تكْرَار الْمسْح لَا يسن، وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يسن ثَلَاثًا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانيَِة: لَا يسن، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك، وَالْأولَى أصح؛ فَإِنَّهُ قد روى مُسلم من حَدِيث عُثْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث حمْرَان وشقيق عَن عُثْمَان أَنه وصف وضوء رَسُول الله: فَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حمْرَان وشقيق وَعبد الله بن جَعْفَر وَابْن دارة مولى عُثْمَان وَابْن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه، كلهم عَن عُثْمَان: أَنه حكى وضوء رَسُول الله: وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا.
وَالْأَخْذ بِهَذِهِ الزِّيَادَة وَهَذَا الْبَيَان أولى من الْأَخْذ بِأَمْر مُحْتَمل؛ لِأَن من لم يذكر فِي الْمسْح عددا يحْتَمل أَنه لم يحفظ الْعدَد، وَيحْتَمل أَن يكون أحَال بِهِ على الْعدَد الْمُتَقَدّم. ثمَّ لَو ثَبت أَنه مسح مرّة كَانَ ذَلِك لبَيَان الْإِجْزَاء. وَمَا رُوِيَ عَنهُ من التّكْرَار لَا يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْإِجْزَاء لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْإِجْزَاء يَقع بِدُونِهِ.
وَالثَّانِي: أَن الْإِجْزَاء قرين التقليل، فَثَبت أَنه للفضيلة.
وَقَوله: لم يحدث فِيهَا نَفسه: يُرِيد بِهِ حُضُور الْقلب فِي الصَّلَاة، واشتغال الْمصلى بتدبر التِّلَاوَة والخشوع.
وَقَوله: كَانَت صلَاته ومشيه إِلَى الْمَسْجِد نَافِلَة. أَي أَن الغفران قد

(1/160)


حصل لَهُ بِالْوضُوءِ، فثواب صلَاته ومشيه زِيَادَة فِي الْفضل.
وَقَوله: لَا ينهزه إِلَّا الصَّلَاة: أَي لَا يحركه سواهَا.
وَأما النُّطْفَة فَهِيَ المَاء الَّذِي لَا كدر فِيهِ، وَالْجمع نطف. وَتَقَع النطف على الْقَلِيل وَالْكثير من المَاء.
وإفاضة المَاء: صبه.
وَقَوله: مَا أَدْرِي، أحدثكُم أَو أسكت. يحْتَمل وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنه استطعم هَذَا مِنْهُم أَن يسألوه ليحدثهم.
وَالثَّانِي: أَنه خَافَ أَن يتكلوا على هَذَا الثَّوَاب فيقتنعوا بِهِ عَن كَثْرَة الْأَعْمَال.
وَقَوله: مَا لم يُؤْت كَبِيرَة. يَعْنِي أَنَّهَا تكفر الصَّغَائِر. وَالْكَفَّارَة المغطية للذنوب.
95 - / 102 - الحَدِيث الثَّالِث: " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة مثله ".
قَوْله: " لله " يُرِيد بِهِ الْإِخْلَاص فِي الْفِعْل.
وَمن بنى مَسْجِدا فَكتب اسْمه عَلَيْهِ فَهُوَ بعيد من الْإِخْلَاص؛ لِأَن المخلص يَكْتَفِي بِرُؤْيَة الْمَعْمُول مَعَه. وَقد كَانَ حسان بن أبي سِنَان يَشْتَرِي أهل الْبَيْت فيعتقهم وَلَا يُخْبِرهُمْ من هُوَ.
وَقَوله: " بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة مثله " لَيْسَ المُرَاد بِهِ فِي الْمِقْدَار،

(1/161)


وَإِنَّمَا المُرَاد بني لَهُ بَيْتا، يدل عَلَيْهِ أَن أجر الْأَعْمَال يُضَاعف، قَالَ الله عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} [الْأَنْعَام: 160] ، وَقَول رَسُول الله: " من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب فَإِن الله يقبلهَا ثمَّ يُرَبِّيهَا حَتَّى تكون مثل الْجَبَل ".
96 - / 103 - الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
قَالَ ابْن الزبير: قلت لعُثْمَان: هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي " الْبَقَرَة ": {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْله: {غير إِخْرَاج} [الْبَقَرَة: 240] قد نسختها الْأُخْرَى، فَلم تَكْتُبهَا؟ فَقَالَ: ندعها يَا ابْن أخي، لَا أغير شَيْئا مِنْهُ من مَكَانَهُ.
أما الْآيَة الناسخة لهَذِهِ الْآيَة فَهِيَ قَوْله {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} [الْبَقَرَة: 234] وَظن ابْن الزبير أَن مَا ينْسَخ حكمه فَيَنْبَغِي أَلا يثبت، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِن إثْبَاته فِي الْمُصحف يتَضَمَّن ثَلَاث فَوَائِد:
إِحْدَاهَا: أَن الله تَعَالَى لَو أَرَادَ نسخ لَفظه لرفعه، فقد رفع آيَات كَثِيرَة من الْمُصحف وصدور الحافظين.
وَالثَّانيَِة: أَن فِي تِلَاوَته ثَوابًا كَمَا فِي تِلَاوَة غَيره.
وَالثَّالِثَة: أَنه إِن كَانَ تثقيلا قد نسخ بتَخْفِيف عرف بتذكرة قدر اللطف، وَإِن كَانَ تَخْفِيفًا قد نسخ بتثقيل علم أَن المُرَاد انقياد النَّفس للأصعب أَن يظْهر مِنْهَا عِنْد ذَاك التَّسْلِيم.

(1/162)


97 - / 106 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن الْمسور وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود قَالَا لِعبيد الله بن عدي بن الْخِيَار: مَا يمنعك أَن تكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان فِي شَأْن أَخِيه الْوَلِيد بن عقبَة، فقد أَكثر النَّاس فِيهِ.
أما الْوَلِيد فَهُوَ أَخُو عُثْمَان لأمه؛ لِأَن أمه أروى بنت كريز بن ربيعَة تزَوجهَا عَفَّان بن أبي الْعَاصِ، فَولدت لَهُ عُثْمَان وَأُميَّة، ثمَّ تزَوجهَا عقبَة بن أبي معيط فَولدت لَهُ الْوَلِيد وَعمارَة وخالدا وَأم كُلْثُوم وَأم حَكِيم وهندا، وَأسْلمت أروى وَهَاجَرت وبايعت، وَمَاتَتْ فِي خلَافَة ابْنهَا عُثْمَان. وَأسلم الْوَلِيد يَوْم فتح مَكَّة.
وَأما مَا تكلم النَّاس فِي شَأْنه فَلِأَنَّهُ شرب: أخبرنَا الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا شُجَاع بن فَارس قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد الْأُشْنَانِي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الحمامي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أبي قيس قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: بعث عُثْمَان على الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة - وَهُوَ أَخُوهُ لأمه - وَكَانَ الْوَلِيد يشرب الشَّرَاب، فصلى بِالنَّاسِ يَوْمًا صَلَاة الْغَدَاة وَهُوَ سَكرَان، فَلَمَّا فرغ قَالَ: أزديكم؟ فَعظم ذَلِك عِنْد النَّاس وأنكروه، فَخرج وَفد إِلَى عُثْمَان فأخبروه، وشهدوا عَلَيْهِ بالسكر، فَعَزله وَجلده الْحَد.
قلت: وَيَنْبَغِي أَن يحمل حَال الْوَلِيد على أَنه شرب من النَّبِيذ متأولا لَهُ، وظنه أَنه لَا يسكر فَسَكِرَ. وَقد أنعمنا الْكَلَام فِي وجوب تَنْزِيه

(1/163)


الصَّحَابَة عَن الْإِقْدَام على الْحَرَام من غير تَأْوِيل فِي قصَّة " قدامَة " فِي مُسْند عمر.
وَقَول عبيد الله لعُثْمَان: كنت مِمَّن اسْتَجَابَ: أَي أجَاب. وَقَوله: هَاجَرت الهجرتين: أما الْهِجْرَة الأولى فَإلَى أَرض الْحَبَشَة، وَالثَّانيَِة إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ السَّبَب فِي الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة أَن الْمُشْركين لما نصبوا لرَسُول الله الْعَدَاوَة وبالغوا فِي أَذَاهُ وأذى أَصْحَابه، فَمَنعه الله تَعَالَى بِعَمِّهِ أبي طَالب، أَمر أَصْحَابه بِالْخرُوجِ إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَقَالَ لَهُم: " إِن فِيهَا ملكا لَا يظلم النَّاس ببلاده، فتحرزوا عِنْده حَتَّى يأتيكم الله بفرج مِنْهُ " فَهَاجَرَ قوم، واستتر آخَرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا نزلت سُورَة " النَّجْم "، وسمعوا (تِلْكَ الغرانيق العلى) كفوا عَن أذاهم. وَهَذِه الْكَلِمَات أَعنِي: (تِلْكَ الغرانيق العلى. وَإِن شفاعتهن لترتجى) لَا يجوز أَن تكون جرت على لَفْظَة رَسُول الله، وَإِنَّمَا قَالَهَا بعض شياطين الْإِنْس، غير تِلَاوَة الرَّسُول، وسنوضح هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.
وَلما بلغ أهل الْحَبَشَة أَن الْمُشْركين قد كفوا عَن أَذَى الْمُسلمين أَقبلُوا إِلَى مَكَّة، فَلَقِيَهُمْ ركب، فَقَالُوا: إِنَّهُم قد عَادوا بالأذى لمُحَمد وَأَصْحَابه، فَدخل قوم مِنْهُم بجوار، وَعَاد أَكْثَرهم، فَبَالغ الْمُشْركُونَ فِي أذاهم، فَأذن لَهُم رَسُول الله فِي الْخُرُوج مرّة ثَانِيَة. وَعدد الَّذين خَرجُوا فِي الْمرة الأولى قَلِيل، وَإِنَّمَا خرج فِي الْمرة الثَّانِيَة خلق يزِيدُونَ على مائَة نفس بَين رجل وَامْرَأَة، وَقد أحصيتهم

(1/164)


فِي كتابي الْمُسَمّى بالتلقيح.
وَقَوله: وَرَأَيْت هَدْيه: أَي سمته وطريقته.
وَقَوله: جلد رَسُول الله أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكل سنة.
فِي هَذَا إِشْكَال: وَهُوَ أَن يُقَال: كَيفَ يجوز أَن يَجْعَل فعل الصَّحَابِيّ سنة؟ وَكَيف سَاوَى بَين الْأَرْبَعين والثمانين؟
فَالْجَوَاب: أَنه سَيَأْتِي فِي مُسْند أنس: أَن رَسُول الله جلد بجريد النّخل نَحْو أَرْبَعِينَ، وَفعله أَبُو بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أخف الْحُدُود ثَمَانُون، فَأمر بِهِ عمر.
وَبَيَان ذَلِك أَن رَسُول الله لم يحد فِي ذَلِك حدا يرجع إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُوده التَّأْدِيب والردع، فاتفق أَنه جلد نَحْو الْأَرْبَعين، فَلَمَّا تتايع النَّاس فِي شرب الْخمر رأى عمر الزِّيَادَة فِي الردع، وأصل الردع مسنون، فَكَذَلِك فَرعه، ثمَّ إِنَّمَا أطلقهُ بِعَدَد مَشْرُوع وَلم يقف بِرَأْيهِ على عدد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ: وكل سنة.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: قَول عَليّ عِنْد الْأَرْبَعين: حَسبك، دَلِيل على أَن أصل الْحَد فِي الْخمر إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعُونَ، وَمَا وَرَاءه تَعْزِير، وَللْإِمَام أَن يزِيد فِي الْعقُوبَة إِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك. وَلَو كَانَت الثَّمَانُونَ حدا مَا كَانَ لأحد فِيهِ الْخِيَار. قَالَ: وَقَوله: وكل سنة؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اقتدوا بالذين من بعدِي: أبي بكر وَعمر ".

(1/165)


قلت: وَالَّذِي ذهبت إِلَيْهِ أَنا أصح مِمَّا قَالَ الْخطابِيّ، لِأَنَّهُ لَو ثَبت أَن الْأَرْبَعين هِيَ الْحَد مَا جَازَ تجاوزها، وَلَو كَانَ مَا بعْدهَا تعزيراً لم يبلغ عَددهَا؛ فَإِن التَّعْزِير لَا يرتقي عندنَا إِلَى حد الْحَد. قَالَ الْخرقِيّ من أَصْحَابنَا: لَا يُبَالغ بالتعزير أدنى الْحُدُود. على أَنه قد قَالَ مَالك: يفعل الإِمَام مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَاده إِلَيْهِ وَإِن زَاد على الْحَد.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي عدد الضَّرْب فِي الْخمر: وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: ثَمَانُون، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَالثَّانيَِة: أَرْبَعُونَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
وَقَول عَليّ: وَهَذَا أحب إِلَيّ؛ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَن رَسُول الله أَنه ضرب نَحْو الْأَرْبَعين.
98 - / 107 - الحَدِيث الْخَامِس: عَن عبيد الله بن عدي أَنه دخل على عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور، فَقَالَ: إِنَّك إِمَام الْعَامَّة، وَقد نزل بك مَا ترى، وَهُوَ يُصَلِّي لنا إِمَام فتْنَة، وَأَنا أتحرج من الصَّلَاة مَعَه. فَقَالَ عُثْمَان: إِن الصَّلَاة أحسن مَا يعْمل النَّاس، فَإِذا أحسن النَّاس فَأحْسن مَعَهم، وَإِذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
وَقَوله: إِنَّك إِمَام الْعَامَّة. يَعْنِي الْعُمُوم.
وَقَوله: يُصَلِّي لنا إِمَام فتْنَة: أَي يؤمنا. وَكَانَ الَّذين خَرجُوا على عُثْمَان قد هجموا على الْمَدِينَة، وَعُثْمَان يخرج فَيصَلي بِالنَّاسِ وهم

(1/166)


يصلونَ خَلفه شهرا، ثمَّ خرج فِي آخر جُمُعَة خرج فِيهَا فحصبوه حَتَّى وَقع عَن الْمِنْبَر وَلم يقدر أَن يُصَلِّي بهم، فصلى بهم يَوْمئِذٍ أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف. ثمَّ حصروه ومنعوه الصَّلَاة، فَكَانَ يُصَلِّي بهم ابْن عديس تَارَة، وكنانة بن بشر أُخْرَى، وهما من الْخَوَارِج على عُثْمَان، فبقوا على هَذَا عشرَة أَيَّام ثمَّ قَتَلُوهُ. وَفِي رِوَايَة أَنهم حصروه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَطَلْحَة يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَفِي رِوَايَة: أَن عَليّ بن أبي طَالب صلى بهم أَكثر تِلْكَ الْأَيَّام.
أخبرنَا الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا شُجَاع بن فَارس قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الْأُشْنَانِي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عمر الحمامي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي قيس قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر عبد الله ابْن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ: حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن يَعْقُوب عَن عَتبه بن مُسلم قَالَ: إِن آخر خرجَة خرجها عُثْمَان يَوْم جُمُعَة، فَلَمَّا اسْتَوَى على الْمِنْبَر حصبه النَّاس، فَقَالَ رجل من غفار يُقَال لَهُ الجهجاه: وَالله لنغرينك إِلَى جبل الدُّخان، فَنزل، فحيل بَينه وَبَين الصَّلَاة، فصلى للنَّاس يَوْمئِذٍ أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف.
قَالَ الْقرشِي: وَحدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن زيد عَن يزِيد بن أبي حَازِم عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن " جَهْجَاه " الْغِفَارِيّ أَخذ عَصا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عُثْمَان فَكَسرهَا بركبته، فَوَقَعت الْأكلَة فِي ركبته.

(1/167)


قَالَ الْقرشِي: وَحدثت عَن كَامِل بن طَلْحَة قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن عَمْرو المغافري أَنه سمع أَبَا ثَوْر الفهمي قَالَ: قدمت على عُثْمَان بن عَفَّان فَإِذا بوفد أهل مصر، فَقلت: إِنِّي أرى وَفد أهل مصر قد رجعُوا جَيْشًا عَلَيْهِم ابْن عديس، فَصَعدَ ابْن عديس مِنْبَر رَسُول الله فصلى بهم الْجُمُعَة، فَقَالَ فِي خطبَته: أَلا إِن عبد الله بن مَسْعُود حَدثنِي أَنه سمع رَسُول الله يَقُول: أَلا إِن عُثْمَان أصل من عَيْبَة عَليّ قفلها، فَدخلت على عُثْمَان فَأَخْبَرته، فَقَالَ: كذب وَالله ابْن عديس، مَا سَمعهَا من ابْن مَسْعُود، وَلَا سَمعهَا ابْن مَسْعُود من رَسُوله الله قطّ.
أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد قَالَا: حَدثنَا ابْن النقور قَالَ: أخبرنَا المخلص قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله بن سيف قَالَ: حَدثنَا السّري بن يحيى قَالَ: حَدثنَا سيف بن عمر عَن مُبشر بن الفضيل عَن سَالم قَالَ: قلت لَهُ: كَيفَ صنع النَّاس بِالصَّلَاةِ خلف المصريين؟ قَالَ: كرهها كلهم إِلَّا الْأَعْلَام. فَإِنَّهُم خَافُوا على أنفسهم، فَكَانُوا يشهدونها إِذا شهدُوا، ويلوذون مِنْهَا بضياعهم إِذا تركُوا.
وَحدثنَا سيف عَن سهل بن يُوسُف عَن أَبِيه قَالَ: كره النَّاس الصَّلَاة خلف المصريين مَا خلا عُثْمَان؛ فَإِنَّهُ قَالَ: من دَعَا إِلَى الصَّلَاة فأجيبوه.
وَقَوله: وَأَنا أتحرج من الصَّلَاة مَعَه. معنى أتحرج: أتأثم: أَي أَخَاف الْإِثْم. وأصل الْحَرج الضّيق، وكل ضيق حرج وحرج. والحرجة: الشّجر الملتف.

(1/168)


99 - / 108 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه ".
اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث إِمَامًا الْمُحدثين سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج. وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عُثْمَان. وتابع شُعْبَة قيس بن الرّبيع وَالْحكم بن ظهير وَحَفْص بن سُلَيْمَان الْأَسدي فِي آخَرين.
وَرَوَاهُ سُفْيَان عَن عَلْقَمَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عُثْمَان، فَلم يذكر فِيهِ سعد بن عُبَيْدَة. وتابع سُفْيَان مسعر والجراح بن الضَّحَّاك، وَعَمْرو بن قيس الْملَائي، ومُوسَى الْفراء، وَمُحَمّد بن أبان، وَعُثْمَان ابْن مقسم، وَأَيوب بن جَابر، وَالربيع بن ركين فِي آخَرين.
وَصحح البُخَارِيّ كلتا الرِّوَايَتَيْنِ اعْتِمَادًا على إتقان الْإِمَامَيْنِ سُفْيَان وَشعْبَة، وحملا لِلْأَمْرِ على أَن عَلْقَمَة سَمعه من سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن، وسَمعه من أبي عبد الرَّحْمَن. فَكَانَ تَارَة يرويهِ عَن سعد عَن أبي عبد الرَّحْمَن، وَتارَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن، فَأخْرجهُ البُخَارِيّ عَن حجاج بن الْمنْهَال عَن شُعْبَة، وَعَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا بالروايتين، وَأعْرض عَن إِخْرَاجه مُسلم لما رأى من الِاخْتِلَاف فِيهِ، ورأي البُخَارِيّ فِي ذَلِك أَسد.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان وَشعْبَة، كِلَاهُمَا عَن عَلْقَمَة عَن سعد بن أبي عبد الرَّحْمَن، فَيُقَال: إِنَّه وهم فِي هَذَا الحَدِيث على سُفْيَان.

(1/169)


وَقد درج بعض الروَاة فِي هَذَا الحَدِيث كَلِمَات يظنّ من لَا يعلم أَنَّهَا مَرْفُوعَة، فَرَوَاهُ الْجراح بن الضَّحَّاك عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه. وَفضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الله على خلقه " وَذَاكَ أَنه مِنْهُ. فَهَذِهِ الزِّيَادَة يظنّ أَنَّهَا من كَلَام رَسُول الله، وَإِنَّمَا هِيَ من كَلَام أبي عبد الرَّحْمَن. وَقد بَين ذَلِك عُلَمَاء النَّقْل، وَلم تذكر فِي الصِّحَاح.
فَأَما تَفْسِير الحَدِيث: فَإِنَّهُ لما كَانَ الْقُرْآن الْعَزِيز أصل الْعُلُوم مَعَ كَونه كَلَام الله تَعَالَى، كَانَ أفضل الْعُلُوم.
فَإِن قيل: فأيما أفضل: تعلم الْقُرْآن أَو تعلم الْفِقْه؟
فَالْجَوَاب: أَن تعلم اللَّازِم مِنْهُمَا فرض على الْأَعْيَان، وَتعلم جَمِيعهَا فرض على الْكِفَايَة، فَإِذا قَامَ بِهِ قوم سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ، فقد اسْتَويَا فِي الْفَرِيضَة فِي الْحَالَتَيْنِ. فَإِذا فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حق الْأَعْيَان، فالتشاغل بالفقه أفضل، وَذَاكَ رَاجع إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان، لَا أَن الْفِقْه أفضل من الْقُرْآن، وَإِنَّمَا كَانَ الأقرأ فِي زمَان رَسُول الله هُوَ الأفقه، فَلذَلِك قدم الْقَارئ فِي الصَّلَاة.
100 - / 109 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن عُثْمَان قَالَ: أنْشدكُمْ الله،

(1/170)


ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله قَالَ: " من جهز جَيش الْعسرَة فَلهُ الْجنَّة " فجهزتهم؟ ألستم تعلمُونَ أَنه قَالَ: " من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة " فحفرتها؟ فصدقوه بِمَا قَالَ.
أما جَيش الْعسرَة فَفِي غَزْوَة تَبُوك، وَكَانَ قد بلغ رَسُول الله أَن الرّوم قد جمعت جموعا كَثِيرَة بِالشَّام، فندب رَسُول الله النَّاس وأعلمهم الْمَكَان الَّذِي يُرِيد لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ. وَفِي هَذِه الْغُزَاة جَاءَ البكاءون، وفيهَا تخلف الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا. وَخرج النَّاس فِي حر شَدِيد، فَاشْتَدَّ بهم الْعَطش حَتَّى جعلُوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها وَيَشْرَبُونَ ماءها، وَكَانَ يركب الْبَعِير الْوَاحِد رجلَانِ أَو ثَلَاثَة. فَكَانَت الْعسرَة فِي المَاء وَالظّهْر وَالنَّفقَة، فَسُمي جَيش الْعسرَة بِمَا أَصَابَهُم. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حث النَّاس على تجهيز هَذَا الْجَيْش قبل خُرُوجهمْ، فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ: عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها. ثمَّ حض فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ: عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثمَّ حض فَقَامَ فَقَالَ كَذَلِك.
وَفِي حَدِيث أَن عُثْمَان جَاءَ يَوْمئِذٍ بِأَلف دِينَار فِي ثَوْبه، فصبها فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقلبها وَيَقُول: " مَا ضرّ عُثْمَان مَا فعل بعد هَذَا ".
وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى لمن يفهم

(1/171)


الْمَعْنى؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " من يُجهز جَيش الْعسرَة " وَمَعْلُوم أَن هَذِه اللَّفْظَة لم يقلها رَسُول الله؛ لِأَنَّهُ فِي وَقت التَّجْهِيز لم يسم الْجَيْش بِهَذَا الِاسْم، وَإِنَّمَا لقوا فِي سفرهم شدَّة أوجبت تسميتهم بذلك، فروى عُثْمَان بِالْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ يَقُول: حث رَسُول الله على الْجَيْش الَّذِي سمي بِجَيْش الْعسرَة.
وَأما بِئْر رومة فبئر مَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ.
101 - / 111 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يخْطب ".
وَهَذَا دَلِيل على أَنه لَا يَصح أَن يعْقد الْمحرم عقد نِكَاح لنَفسِهِ وَلَا لغيره، فَإِن فعل فَالنِّكَاح بَاطِل، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: النِّكَاح صَحِيح.
وَأما الرّجْعَة فِي حَال الْإِحْرَام فَلَا تصح فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تصح، وَهُوَ قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ.
فَأَما الْخطْبَة وَالشَّهَادَة على النِّكَاح فَيكْرَه عندنَا فِي حق الْمحرم. وَقد تَأَول الحنفيون هَذَا الحَدِيث على أَنه إِخْبَار عَن حَال الْمحرم؛ لِأَنَّهُ باشتغاله بالنسك لَا يتفرغ للنِّكَاح، وَهَذَا بَاطِل من ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: أَن الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ رَوَوْهُ: " لَا ينْكح الْمحرم " بِكَسْر الْحَاء على معنى النَّهْي.

(1/172)


وَالثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخبرنا بِمَا نعلم، وَقد علمنَا أَن الْمحرم مَشْغُول، وَإِنَّمَا تحمل أَلْفَاظه على الْفَوَائِد الشَّرْعِيَّة.
وَالثَّالِث: أَن أبان بن عُثْمَان رواي الحَدِيث أنكر على محرم أَرَادَ عقد النِّكَاح، وروى لَهُ هَذَا الحَدِيث. فَإِن عَارَضنَا الْخصم بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
102 - / 112 - الحَدِيث الثَّانِي: أَن عمر بن عبيد الله اشْتَكَى عينه وَهُوَ محرم، فَأَرَادَ أَن يكحلها، فَنَهَاهُ أبان بن عُثْمَان، وَأمره أَن يضمدها بِالصبرِ، وحدثه عَن عُثْمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَفْعَله.
وَفِي لفظ: خرجنَا مَعَ عُثْمَان، حَتَّى إِذا كُنَّا بِملك اشْتَكَى عمر ...
أما ملك فَهُوَ اسْم مَوضِع. وَإِنَّمَا أمره بِالصبرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطيب. وَقد رخص أَحْمد بن حَنْبَل للْمحرمِ فِي الْكحل الَّذِي لَا طيب فِيهِ، وَكره للْمحرمِ الإثمد.
وَقَالَ ابْن جرير فِي كتاب " تَهْذِيب الْآثَار ": وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على فَسَاد مَا يَقُوله أهل الغباوة من أهل التصوف من أَن التَّوَكُّل لَا يَصح لأحد عالج عِلّة فِي جسده بدواء، إِذْ ذَاك عِنْدهم طلب الْعَافِيَة من غير من بِيَدِهِ الْعَافِيَة والضر والنفع. وَفِي إِطْلَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمحرمِ علاج

(1/173)


عَيْنَيْهِ بِالصبرِ لدفع الْمَكْرُوه دَلِيل على أَن معنى التَّوَكُّل غير مَا قَالَه الَّذين ذكرنَا قَوْلهم، وَأَن للنَّاس أَن يعالجوا أجسامهم من الْعِلَل الْعَارِضَة لَهُم، وَأَن ذَلِك غير مخرج فَاعله من الرِّضَا بِقَضَاء الله عز وَجل. كَمَا أَن من عرض لَهُ كلب الْجُوع لم يُخرجهُ فزعه إِلَى الْغذَاء من التَّوَكُّل وَالرِّضَا بِالْقضَاءِ؛ لِأَن الله تَعَالَى لم ينزل دَاء إِلَّا أنزل لَهُ دَوَاء إِلَّا الْمَوْت. وَقد جعل أسبابا لدفع الْأَذَى، كَمَا جعل الْأكل سَببا لدفع الْجُوع، وَقد كَانَ قَادِرًا أَن يحيي خلقه بِغَيْر غذَاء، لكنه خلقهمْ ذَوي حَاجَة، لَا ينْدَفع عَنْهُم أَذَى الْجُوع إِلَّا بِالْأَكْلِ، فَكَذَلِك الدَّاء الْعَارِض.
103 - / 114 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن أَبَا بكر اسْتَأْذن على رَسُول الله وَهُوَ مُضْطَجع على فرَاشه، لابس مرط عَائِشَة.
المرط: قد سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر.
وَقَوله: " اجمعي عَلَيْك ثِيَابك " أَي ضميها وزيدي فِي الاستتار بهَا وفزعت: بِمَعْنى تأهبت، للتحول من حَال إِلَى حَال.
104 - / 115 - الحَدِيث الْخَامِس: من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل، وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل كُله.
الْعشَاء: هِيَ الَّتِي تسميها النَّاس الْعَتَمَة. وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَن من صلى فِي جمَاعَة كمن قَامَ اللَّيْل وَلم يصل فِي جمَاعَة.

(1/174)


وَظَاهر قَوْله: " وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل كُله " أَن هَذِه الصَّلَاة وَحدهَا تفي بِثَوَاب قيام اللَّيْل كُله؛ لِأَن مصليها فِي جمَاعَة يحْتَاج إِلَى الانتباه بِوَقْت يُمكنهُ فِيهِ التهيؤ للصَّلَاة وَإِدْرَاك الْجَمَاعَة، وَالنَّوْم حِينَئِذٍ مستلذ، قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَو كنت يَوْمًا كنت يَوْم وصالنا ... وَلَو كنت نوما كنت أغفية الْفجْر)

فَإِن الْعَادة لم تجر بِالنَّوْمِ قبلهَا، فَلذَلِك نَالَ مصلي الصُّبْح فِي جمَاعَة ضعف ثَوَاب من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة.
وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل من يُصَلِّي الْعشَاء وَالْفَجْر فِي جمَاعَة، فَتكون كل وَاحِدَة بِنصْف اللَّيْل.

(1/175)


كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الْحسن عَليّ بن أبي طَالب

أسلم وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَلم يتَخَلَّف عَن مشْهد شهده رَسُول الله، إِلَّا أَنه خَلفه فِي أَهله فِي غَزْوَة تَبُوك، وَقَالَ لَهُ: " أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى " وَكَانَ كبراء الصَّحَابَة يرجعُونَ إِلَيْهِ فِي رَأْيه وَعلمه، حَتَّى كَانَ عمر يتَعَوَّذ من معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن.
وَجُمْلَة مَا روى من الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ، مثل عمر، أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا.
105 - / 116 - الحَدِيث الأول: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرقه وَفَاطِمَة لَيْلًا، فَقَالَ: " أَلا تصليان؟ ".
قَوْله: طرقه: مَعْنَاهُ آتَاهُ لَيْلًا، وكل من أَتَاك لَيْلًا فقد طرقك، وَسمي النَّجْم طَارِقًا فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء والطارق} [فَاتِحَة الطارق] لِأَنَّهُ يطلع لَيْلًا.
وَقَوله: إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله. يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: (وَالَّتِي لم

(1/176)


تمت فِي منامها} [الزمر: 42] .
قَوْله: فَإِذا شَاءَ أَن يبعثنا. أَي يوقظنا. والبعث: إثارة الشَّيْء عَن مَكَانَهُ، فَتَارَة يذكر وَيُرَاد بِهِ الْإِحْيَاء، وَتارَة يُرَاد بِهِ الإيقاظ. وَيُقَال: بعثت النَّاقة: أَي أثرتها.
وَقَوله: وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا: أَي لم يجبني بِشَيْء.
وَقَوله: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا} . قَالَ الزّجاج: الْجِدَال: الْمُبَالغَة فِي المناظرة وَالْخُصُومَة، وَهُوَ مَأْخُوذ من الجدل: وَهُوَ شدَّة الفتل. وَيُقَال للصقر أجدل لِأَنَّهُ أَشد الطير. وكل مَا يعقل من الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ يُجَادِل، وَالْإِنْسَان أَكثر هَذِه الْأَشْيَاء جدلا.
106 - / 117 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ لي شَارف من نَصِيبي من الْمغنم يَوْم بدر.
الشارف: المسنة من النوق، وَمثلهَا الناب، وَالْجمع شرف ونيب، وَلَا يُقَال ذَلِك للذّكر.
وَقَوله: فَلَمَّا أردْت أَن أبتني فَاطِمَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الأَصْل فِي هَذَا أَنه كَانَ من أَرَادَ الدُّخُول على أَهله ضرب عَلَيْهَا قبَّة، فَقيل لكل دَاخل بأَهْله بَان.

(1/177)


والصواغ: الصَّائِغ
والوليمة: الدعْوَة. والعرس: طَعَام الْوَلِيمَة. وأعرس فلَان بأَهْله: بنى بهَا.
والأقتاب: مَا يوضع على ظُهُور الْإِبِل من أَدَاة أحمالها.
والغرائر جمع غرارة: وَهِي أكسية تجْعَل كالظروف لما يحمل فِيهَا.
وَجَبت: قطعت.
وبقرت: شقَّتْ وَفتحت.
وَالشرب بِفَتْح الشين: الْقَوْم يَجْتَمعُونَ للشراب. وبكسرها: النَّصِيب من المَاء، وَبِضَمِّهَا الْفِعْل.
والقينة: الْمُغنيَة. والغناء بِالْمدِّ: التطريب بالشعر. والغنى بِالْقصرِ، من المَال.
وَقَوْلها: يَا حمز، تُرِيدُ يَا حَمْزَة. وَقَوْلها للشرف: أَي انهض إِلَى الشّرف، تستدعيه أَن يَنْحَرهَا ليطعم أضيافه من لَحمهَا. والنواء: السمان. والني: الشَّحْم يُقَال: نَاقَة ناوية: إِذا كَانَ لَهَا شَحم.
وَقَوله: فَانْطَلَقت حَتَّى أَدخل على رَسُول الله: أَي حَتَّى دخلت، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {افْعَل مَا تُؤمر} [الصافات: 102] أَي مَا أمرت.
وطفق: أَخذ فِي الْفِعْل.
والثمل: السَّكْرَان.
وَصعد الْبَصَر: رفع الْبَصَر.
ونكص: رَجَعَ. والقهقرى: الرُّجُوع على العقبين.

(1/178)


وَقد احْتج بِهَذَا الحَدِيث بعض من يرى أَن طَلَاق السَّكْرَان لَا يَقع. وَقَالَ: لَو كَانَ لكَلَام حَمْزَة حكم لَكَانَ خُرُوجًا من الدّين.
وَأجِيب بِأَن الْخمر كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة، فَلَمَّا حرمت أوخذ شاربها بقوله.
وَعِنْدنَا فِي الصَّحِيح من الرِّوَايَتَيْنِ أَن طَلَاق السَّكْرَان يَقع، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة لَا يَقع، وَهُوَ مَذْكُور عَن الشَّافِعِي وَبَعض الْحَنَفِيَّة.
فَأَما ظِهَاره فَيَقَع فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَفِي الْأُخْرَى: لَا يَقع. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ.
وَأما ردته وإسلامه فعندنا يَصح، وَلَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَد حَتَّى يفِيق، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح ردته وَيصِح إِسْلَامه.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: وَيتَخَرَّج فِي قتل السَّكْرَان وزناه وسرقته وقذفه وإيلائه وَمَا أشبه ذَلِك رِوَايَتَانِ.
107 - / 118 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وضع عمر على سَرِيره.
يَعْنِي الْجِنَازَة الَّتِي يحمل عَلَيْهَا الْمَيِّت.
وتكنفه النَّاس: بِمَعْنى أحاطوا بِهِ واقتربوا مِنْهُ. وَيُقَال: اكتنفوه وتكنفوه.
وَيصلونَ: بِمَعْنى يدعونَ.

(1/179)


وَالْعرب تذكر لفظتين بِمَعْنى، تُرِيدُ التَّأْكِيد كَقَوْل الشَّاعِر:
(00000000000000 ... وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا)

قَوْله: فَلم يرعني: أَي مَا أزعجني عَن حَالي الَّتِي أَنا عَلَيْهَا إِلَّا ذَلِك.
والمنكب: مُجْتَمع رَأس الْعَضُد فِي الْكَتف.
وَقَوله: وَايْم الله. يُقَال: آيم الله بِفَتْح الْهمزَة، وَايْم الله بِكَسْرِهَا، وَأَصلهَا أَيمن الله، وأيمن الله جمع يَمِين، قَالَ أَبُو النَّجْم:
(يبري لَهَا من أَيمن وأشمل ... )

فحذفت النُّون، فَبَقيت ايم الله، وَإِنَّمَا حذفت لِأَن هَذِه الْكَلِمَة تسْتَعْمل فِي الْقسم كثيرا، فحذفت النُّون لكثرتها فِيهِ واختصاصها بِهِ.
108 - / 119 - الحَدِيث الرَّابِع: " خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان، وَخير نسائها خَدِيجَة " الْإِشَارَة بنسائها إِلَى أهل زمانها. ولعائشة زمَان غير زمَان خَدِيجَة؛ لِأَنَّهَا كَانَت عِنْد وَفَاة خَدِيجَة بنت خمس سِنِين، فَلَمَّا

(1/180)


ارتقت إِلَى مقَام الْعلم والقرب من رَسُول الله كَانَت لَهَا مرتبَة أُخْرَى.
109 - / 120 - الحَدِيث الْخَامِس: أَن عليا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: إِن رَسُول الله نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر، وَعَن أكل لُحُوم الْحمر الإنسية.
وَقد ذكرنَا الْمُتْعَة ونسخها فِي مُسْند عمر.
والحمر الإنسية: الَّتِي عِنْد الْإِنْس. وَفِي بعض الْأَلْفَاظ: " الْأَهْلِيَّة "، وَإِنَّمَا قيد وصفهَا لِأَن حمر الْوَحْش مُبَاحَة.
110 - / 121 - الحَدِيث السَّادِس: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: كنت رجلا مذاء، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسَال رَسُول الله لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ " وَفِي لفظ: " تَوَضَّأ وانضح فرجك ".
المذاء: الْكثير الْمَذْي، والمذي: مَاء رَقِيق يظْهر عِنْد اللَّمْس والسر والفكر، يُقَال: مذيت وأمذيت. وَحكمه عندنَا وجوب غسل الذّكر والأنثيين فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنَّمَا ألحقنا الْأُنْثَيَيْنِ لِأَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَفِيه " فليغسل ذكره وأنثييه ". وَقيل: إِنَّمَا أَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ لِأَن المَاء الْبَارِد إِذا أصَاب الْأُنْثَيَيْنِ رد الْمَذْي وَكسر حِدته. وَكَانَ أَبُو بكر الْخلال من أَصْحَابنَا يَقُول: اسْتَقر قَول أَحْمد أَنه كالبول. وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء. والمنصور عندنَا أَنه نجس؛ لِأَنَّهُ أَمر فِيهِ بِالْغسْلِ.

(1/181)


وَقَالَ ابْن عقيل: قد قيل إِنَّه من أَجزَاء الْمَنِيّ، فَيجب حِينَئِذٍ أَن يتَخَرَّج فِي نَجَاسَته رِوَايَتَانِ.
وَأما الودي فَهُوَ مَاء أَبيض يخرج عقيب الْبَوْل، وَحكمه حكم الْبَوْل.
والمذي والودي مخففان فِي اللَّفْظ، والمني مشدد.
وَقَوله: " وانضح فرجك " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بالنضح الْغسْل. وَالثَّانِي: رش المَاء ليدفع الوسواس.
111 - / 122 - الحَدِيث السَّابِع: اجْتمع عَليّ وَعُثْمَان بعسفان، فَكَانَ عُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة أَو الْعمرَة، فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمر فعله رَسُول الله تنْهى النَّاس عَنهُ؟ فَقَالَ عُثْمَان " دَعْنَا عَنْك، قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدعك. فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ أهل بهما جَمِيعًا. وَفِي لفظ فَقَالَ: " لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة ".
اعْلَم أَنه لَا خلاف فِي جَوَاز التَّمَتُّع وَالْقرَان والإفراد. والتمتع: هُوَ أَن يَأْتِي الْإِنْسَان بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج ثمَّ يحجّ عَامه. وَالْقرَان: أَن يقرن بَينهمَا فِي إِحْرَامه. والإفراد: أَن يحجّ، فَإِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ. وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْأَفْضَل: فعندنا أَن التَّمَتُّع أفضل، وَهُوَ قَول عَليّ وَسعد وَعمْرَان بن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَالْحسن وَعَطَاء وَمُجاهد

(1/182)


فِي خلق كثير، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْقَدِيم، إِلَّا أَنهم لَا ينصرونه. وَعند أبي حنيفَة أَن الْقرَان أفضل. وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ الْإِفْرَاد.
ومنبع الْخلاف فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء:
أَحدهَا: اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَن رَسُول الله فِي حجه: هَل تمتّع أَو قرن أَو أفرد، فَإِنَّهُ يتحَرَّى الْأَفْضَل فِي الْحجَّة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَن الْقرَان عِنْد أبي حنيفَة الأَصْل، وَعند الشَّافِعِي أَن الأَصْل الْإِفْرَاد، وَالْقرَان والتمتع رخصَة.
وَالثَّالِث: الْبَحْث عَن دم التَّمَتُّع: فعندنا أَنه نسك لَا دم جبران، وَقد وَافق أَبُو حنيفَة على أَن دم الْقرَان دم نسك، إِلَّا أَنه يَقُول: الْقرَان يُوجب زِيَادَة فِي الْأَفْعَال والتعبدات؛ لِأَن من مذْهبه أَن الْقَارِن لَا يُجزئهُ طواف وَاحِد وَلَا سعي وَاحِد. وَعند الشَّافِعِي أَن الدَّم فِي التَّمَتُّع وَالْقرَان دم جبران، وَالْعِبَادَة المجبورة أنقص من الَّتِي لَا تفْتَقر إِلَى جبر.
وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن رَسُول الله تمتّع، وَكَذَلِكَ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة: أَنه تمتّع. فَإِن قيل: فَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أَنه أفرد. وَإِنَّمَا كَانَت حجَّته وَاحِدَة، فَكيف تحكمون بِصِحَّة الْأَحَادِيث وَبَعضهَا يضاد بَعْضًا؟
فَالْجَوَاب: أَن الْمَشْرُوط فِي صِحَة النَّقْل ثِقَة النَّاقِل. وكل النقلَة لهَذِهِ الْأَخْبَار ثِقَات، غير أَنه قد يحفظ بعض الروَاة مَا لَا يحفظه غَيره.
فَأَما من روى التَّمَتُّع فَإِنَّهُ يَقُول: اعْتَمر رَسُول الله وتحلل من

(1/183)


الْعمرَة، ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ، ثمَّ أَمر أَصْحَابه بِالْفَسْخِ ليفعلوا مثل فعله؛ لأَنهم لم يَكُونُوا أَحْرمُوا بِعُمْرَة. وَمنعه من فسخ الْحَج إِلَى عمْرَة ثَانِيَة عمرته الأولى وسوقه الْهَدْي. وَهَذَا ظَاهر حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة؛ لِأَن فِيهِ: أهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ.
فَإِن قيل: كَيفَ يَصح هَذَا وَقد قَالَ: " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة ". فعلل بسوق الْهَدْي لَا بِفعل عمْرَة مُتَقَدّمَة. قُلْنَا: ذكر إِحْدَى العلتين دون الْأُخْرَى، وَذَلِكَ جَائِز.
وَأما من روى أَنه أفرد فقد سمع من لَفظه: " لبيْك بِحَجّ " وخفي عَلَيْهِ قَوْله: " وَعمرَة " فَحكى عَنهُ الْإِفْرَاد، وَحفظ غَيره الزِّيَادَة فرواها. وَيحْتَمل قَول من حكى عَنهُ الْقرَان أَنه سَمعه يعلم شخصا فَيَقُول: قل: لبيْك بِحجَّة وَعمرَة.
على أَن رَاوِي التَّمَتُّع قد أثبت إِحْرَامه بِالْحَجِّ، وَأثبت إِحْرَامه بِالْعُمْرَةِ، إِلَّا أَنه أَرَادَ تبيان أَن الْأَمريْنِ وَقعا فِي حالتين.
وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لما حج أَصْحَابه بَين مُفْرد وقارن ومتمتع، وكل ذَلِك صادر عَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَازَ أَن يُضَاف الْفِعْل إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَن أمره. وَالْعرب تضيف الْفِعْل إِلَى الْآمِر، فَتَقول: ضرب الْأَمِير فلَانا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: رجم رَسُول الله ماعزا. فعلى هَذَا يكون معنى أفرد، وَقرن: أَمر بذلك وَعلمه النَّاس.
وَقَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة. أَي وَحجَّة ستأتي

(1/184)


بعد الْعمرَة، فَإِن من مذْهبه التَّمَتُّع.
112 - / 123 - الحَدِيث الثَّامِن: بَعَثَنِي رَسُول الله أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد وَقَالَ: " انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ؛ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب، فَخُذُوهُ مِنْهَا ".
رَوْضَة خَاخ: مَوضِع مَعْرُوف.
والظعين: اسْم للهودج، وَالْجمع ظعائن، سَوَاء كَانَ فِيهِنَّ النِّسَاء أَو لم يكن، فسميت الْمَرْأَة المسافرة ظَعِينَة باسم مَا نزلت فِيهِ، على وَجه الِاسْتِعَارَة، لكَونهَا تكون فِي الظعينة.
والعقاص: الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب. وعقص فلَان شعره: إِذا ضفره. وأصل العقص اللي وَالْعقد.
وَهَذَا الْكتاب كتاب حَاطِب إِلَى أهل مَكَّة. وَقد سبق ذكره.
وَقَوله: كنت مُلْصقًا فِي قُرَيْش: أَي غَرِيبا فيهم.
وَقَوله: " إِنَّه شهد بَدْرًا " فِيهِ تَنْبِيه على السُّكُوت عَمَّا جرى بَين الصَّحَابَة، وَالنَّهْي عَن الطعْن فِي أحد مِنْهُم لما تقدم لَهُم فِي الصُّحْبَة، فتغفر لذَلِك هفواتهم. وَقد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر.
113 - / 124 - الحَدِيث التَّاسِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب - وَفِي رِوَايَة: يَوْم الخَنْدَق: " مَلأ الله قُبُورهم وَبُيُوتهمْ نَارا كَمَا شغلونا

(1/185)


عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس " وَفِي لفظ: " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر ". إِن يَوْم الخَنْدَق هُوَ يَوْم الْأَحْزَاب، سمي بِيَوْم الخَنْدَق لِأَن رَسُول الله حفر الخَنْدَق فِي تِلْكَ الْغُزَاة. وَسمي بِيَوْم الْأَحْزَاب لِأَن الْكفَّار تحزبوا على رَسُول الله؛ وَذَلِكَ أَنه لما أجلى بني النَّضِير خرج نفر من أَشْرَافهم إِلَى مَكَّة فحرضوا قُريْشًا على قِتَاله، ثمَّ عَادوا إِلَى غطفان وسليم فحرضوهم. فَاجْتمع الْكل على الْقِتَال، فَأُولَئِك الْأَحْزَاب، فَلَمَّا أَقبلُوا نَحْو الْمَدِينَة أَشَارَ سلمَان بالخندق فحفر.
وَفِي الصَّلَاة الْوُسْطَى خَمْسَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنَّهَا الْعَصْر، وَقد صرح بذلك فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث. وَقد رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَسمرَة وَعَائِشَة عَن رَسُول الله، وَبِه قَالَ هَؤُلَاءِ الروَاة، وَمَعَهُمْ أبي بن كَعْب وَأَبُو أَيُّوب وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد، وَمن التَّابِعين خلق كثير، مِنْهُم الْحسن وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير وَعَطَاء وَطَاوُس. وَمن الْفُقَهَاء أَبُو حنيفَة وَأحمد بن حَنْبَل.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْفجْر، رُوِيَ عَن عمر وَأبي مُوسَى ومعاذ وَجَابِر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَالثَّالِث: الظّهْر، رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت وَأُسَامَة بن زيد.
وَالرَّابِع: الْمغرب، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَقبيصَة بن ذُؤَيْب.
وَالْخَامِس: الْعشَاء، ذكره عَليّ بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي فِي " تَفْسِيره ".

(1/186)


وَفِي المُرَاد بالوسطى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: أَنَّهَا أَوسط الصَّلَوَات مِقْدَارًا. وَالثَّانِي: أوسطها محلا. وَالثَّالِث: أَنَّهَا أفضلهَا، وأوسط الشَّيْء أفضله.
فَمن قَالَ: الْوُسْطَى: الفضلى، جَازَ لكل مَذْهَب أَن يَدعِي هَذَا. وَمن قَالَ: أوسطها مِقْدَارًا فَهِيَ الْمغرب، لِأَن أقل المفروضات رَكْعَتَانِ، وأكثرها أَربع. وَمن قَالَ: محلا فللقائلين أَنَّهَا الْعَصْر أَن يَقُولُوا: قبلهَا صلاتان فِي النَّهَار، وَبعدهَا صلاتان فِي اللَّيْل، فَهِيَ الْوُسْطَى. وَمن قَالَ: الْفجْر، قَالَ: هِيَ وسط بَين اللَّيْل وَالنَّهَار؛ لِأَن أول النَّهَار عِنْد الْعَرَب طُلُوع الشَّمْس. وَمن قَالَ: الظّهْر، قَالَ: هِيَ وسط النَّهَار. وَمن قَالَ: الْمغرب، احْتج بِأَن أول صَلَاة فرضت الظّهْر، فَصَارَت الْمغرب وسطى. وَمن قَالَ: الْعشَاء قَالَ: هِيَ بَين صَلَاتَيْنِ لَا تقصران. وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ أَنَّهَا الْعَصْر، للأثر الصَّحِيح.
114 - / 125 - الحَدِيث الْعَاشِر: كساني رَسُول الله حلَّة سيراء، فَخرجت فِيهَا، فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، فشققتها بَين نسَائِي. وَفِي لفظ أَن أكيدر دومة أهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَأعْطَاهُ عليا وَقَالَ: " شققه خمرًا بَين الفواطم ".
وَقد فسرنا فِي مُسْند عمر معنى الْحلَّة السيراء. وَأما أكيدر فَإِنَّهُ كَانَ ملكا على دومة الجندل، وَكَانَ نَصْرَانِيّا، فَبعث رَسُول الله خَالِد بن

(1/187)


الْوَلِيد فِي أَرْبَعمِائَة وَعشْرين فَارِسًا سَرِيَّة إِلَيْهِ، فَانْتهى إِلَيْهِ خَالِد وَقد خرج من حصنه فِي لَيْلَة مُقْمِرَة إِلَى بقر يطاردها هُوَ وَأَخُوهُ حسان، فشدت عَلَيْهِ خيل خَالِد، فاستأسر أكيدر، وَامْتنع أَخُوهُ حسان فقاتل حَتَّى قتل، وهرب من كَانَ مَعَهُمَا إِلَى الْحصن، وأجار خَالِد أكيدر من الْقَتْل حَتَّى أَتَى بِهِ رَسُول الله على أَن يفتح لَهُ دومة الجندل، وَصَالَحَهُ على ألفي بعير وَثَمَانمِائَة رَأس وَأَرْبَعمِائَة درع وَأَرْبَعمِائَة رمح، وَقدم بأكيدر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدى لرَسُول الله هَدِيَّة، فَصَالحه على الْجِزْيَة، وحقن دَمه، وَكتب لَهُ كتابا بالأمان. وَقد حكى أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَن أكيدر أسلم، وَمَا حفظناه عَن غَيره، بلَى، كَانَ لأكيدر وَله اسْمه عبد الْملك، أسلم، وروى عَن رَسُول الله.
فَإِن قيل: كَيفَ قبل هَدِيَّة كَافِر وَقد روى عِيَاض بن حمَار أَنه أهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة وَهُوَ مُشْرك، فَردهَا وَقَالَ: " إِنَّا لَا نقبل زبد الْمُشْركين "؟
فَالْجَوَاب: من ثَلَاثَة أوجه ذكرهَا أَبُو بكر الْأَثْرَم:
أَحدهَا: أَن تكون أَحَادِيث الْقبُول أثبت، وَفِي طَرِيق حَدِيث عِيَاض إرْسَال.
وَالثَّانِي: أَن حَدِيث عِيَاض مُتَقَدم كَانَ فِي أول الْأَمر، وَحَدِيث أكيدر فِي آخر الْأَمر قبل موت رَسُول الله بِيَسِير، فَيكون هَذَا من بَاب النَّاسِخ والمنسوخ.

(1/188)


وَالثَّالِث: أَن يكون قبُول الْهَدِيَّة من أهل الْكتاب، وعياض لم يكن من أهل الْكتاب، والأكيدر كَانَ على دين الرّوم.
وَالْقَوْل الأول اخْتِيَار الْأَثْرَم، وَهَذَا الْأَخير اخْتِيَاري، لِأَن أَبَا دَاوُد روى حَدِيث عِيَاض مُبينًا، فَقَالَ: أهديت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاقَة فَقَالَ: " هَل أسلمت؟ " قلت: لَا، فَقَالَ: " إِنِّي نهيت عَن زبد الْمُشْركين " والزبد: الْعَطاء. وَإِنَّمَا قبل هَدِيَّة النَّجَاشِيّ لِأَنَّهُ كَانَ من أهل الْكتاب، وَقد أُبِيح لنا طعامهم ونكاحهم، فَجَاز لنا قبُول هداياهم.
يبْقى على هَذَا مَا رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أهْدى كسْرَى لرَسُول الله فَقبل مِنْهُ، وَأهْدى لَهُ قَيْصر فَقبل مِنْهُ، وأهدت لَهُ الْمُلُوك فَقبل مِنْهَا.
وَجَوَابه من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنه لَا يثبت، لِأَنَّهُ يرويهِ ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة، وَلَيْسَ بِثِقَة.
وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْسُوخا فِي حق من لَا كتاب لَهُ.
فَأَما دومة فَفِيهَا ثَلَاث لُغَات، دومة، ودومة، بِضَم الدَّال وَفتحهَا، ودوماء، وَهَذَا مَكَان مَعْرُوف.
وَالْخمر جمع خمار: وَهُوَ مَا تخمر بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا: أَي تغطيه وتستره كالوقاية.
وَقَوله: " بَين الفواطم " روى أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا هَذَا الحَدِيث

(1/189)


فِي كتاب " الْهَدَايَا " فَقَالَ فِيهِ: فشققت مِنْهَا أَرْبَعَة أخمرة: خمار لفاطمة بنت أَسد، وخمار لفاطمة بنت مُحَمَّد، وخمار لفاطمة بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب. وَنسي الرَّاوِي الرَّابِعَة.
115 - / 126 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع أَبَوَيْهِ لأحد إِلَّا لسعد بن مَالك، سمعته يَقُول يَوْم أحد: " يَا سعد ارْمِ، فدَاك أبي وَأمي ".
سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، وأبوا رَسُول الله كَافِرَانِ، وَفِدَاء الْمُسلم بالكافر لَيْسَ بِعَيْب.
116 - / 128 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: نهى رَسُول الله أَن ينتبذ فِي الدُّبَّاء والمزفت.
الدُّبَّاء: القرع، والمزفت: الَّذِي قد طلي بالزفت: وَهُوَ القار، وَإِنَّمَا نهى عَن هَذِه الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ قد يغلى فِيهَا فيسكر وَلَا يدرى بِهِ.
117 - / 129 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: أَمرنِي رَسُول الله أَن أقوم على بدنه وَأَن أَتصدق بِلُحُومِهَا وجلودها وأجلتها، وَألا أعطي الجزار مِنْهَا شَيْئا، وَقَالَ: " نَحن نُعْطِيه من عندنَا ".
الْبدن: الْإِبِل. والأجلة جمع جلال: وَهُوَ مَا يُجَلل بِهِ ظهر الْبَعِير والجزار: الَّذِي يَنْحَرهَا. والجزارة مَضْمُومَة الْجِيم كالسقاطة والنشارة، وَهُوَ اسْم لما يعْطى كالعمالة. وَقَالَ قوم: هِيَ الجزارة بالكسرة كالخياطة

(1/190)


والحجامة، يُرِيد بهَا عمله فِيهَا.
وَإِنَّمَا نَهَاهُ أَن يُعْطِيهِ الْأُجْرَة مِنْهَا لِأَن الْأُجْرَة مِنْهَا فِي معنى البيع، وَالْهَدْي لَا يُبَاع. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يجوز بيع شَيْء من لحم الْهَدْي وَلَا جلوده وَلَا أجلته، بل يتَصَدَّق بذلك.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز أكل لحم لُحُوم الْهَدْي، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل إِلَّا من هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان والتطوع إِذا بلغ مَحَله، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يُؤْكَل من النّذر وَجَزَاء الصَّيْد، ويؤكل من الْبَاقِي. وَقَالَ مَالك يُؤْكَل من الْهَدْي كُله إِلَّا من جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى وَمَا نَذره للْمَسَاكِين. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُؤْكَل إِلَّا من التَّطَوُّع.
118 - / 131 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: كُنَّا فِي جَنَازَة فِي بَقِيع الْغَرْقَد.
البقيع: الْمَكَان المتسع من الأَرْض. وَقَالَ قوم: لَا يكون بقيعا إِلَّا وَفِيه شجر. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: والغرقد: من شجر الْعضَاة، والعضاة شجر لَهُ شوك مثل الطلح والسدر. قَالَ: وَبَلغنِي أَن الْغَرْقَد كبار العوسج، وَقد كَانَ فِي بَقِيع الْغَرْقَد غرقد ثمَّ ذهب الشّجر وَبَقِي الِاسْم.
قَوْله: وَمَعَهُ مخصرة: المخصرة كالعصا تكون مَعَ الْأَمِير يُشِير بهَا،

(1/191)


أَو مَعَ الْخَطِيب.
وَقَوله: فَنَكس: أَي أطرق.
وَقَوله: ينكت بمخصرته: أَي يضْرب بطرفها الأَرْض.
والمقعد: مَوضِع الْقعُود، كالمسكن: مَوضِع السُّكْنَى.
وَقَوله: أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا؟ أَي على مَا قضى لنا، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُ أخْبرهُم بِعلم الله عز وَجل فيهم، فراموا أَن يتخذوا ذَلِك حجَّة فِي ترك الْعَمَل، فنهاهم عَن ذَلِك بقوله: " كل ميسر " وَالْميسر للشَّيْء: المهيأ لَهُ، الْمصرف فِيهِ. والتيسير: التسهيل للْفِعْل. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يَكُونُوا فِي عَمَلهم الظَّاهِر خَائِفين مِمَّا سبق بِهِ الْقَضَاء، فَيحسن السّير بَين سَابق الْعَمَل وقائد الْخَوْف.
وَقَوله: (أعْطى وَاتَّقَى) . قَالَ مُجَاهِد: اتَّقى الْبُخْل.
(وَصدق بِالْحُسْنَى) وَهِي الْجنَّة (فسنيسره لليسرى) أَي نيسر عَلَيْهِ فعل الْخَيْر.
119 - / 132 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: بعث رَسُول الله سَرِيَّة وَاسْتعْمل عَلَيْهِم رجلا من الْأَنْصَار.
هَذَا الرجل الْمُسْتَعْمل على هَذِه السّريَّة اسْمه عبد الله بن حذافة. وَقَول الرَّاوِي عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه من الْأَنْصَار، غلط؛ لِأَنَّهُ عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي من بني سهم، وَهُوَ أَخُو خُنَيْس ابْن حذافة زوج حَفْصَة قبل رَسُول الله، وَقد هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فِي قَول

(1/192)


ابْن إِسْحَق والواقدي. وَذهب قوم إِلَى أَنه شهد بَدْرًا، وَلَا يَصح، وَهُوَ رَسُول رَسُول الله بكتابه إِلَى كسْرَى.
وَقَوله: فأغضبوه، فَأَمرهمْ بإيقاد نَار وَأَن يدخلوها.
فَإِن قيل: هَذَا رجل كَبِير الْقدر، فَكيف أَمرهم بِدُخُول النَّار؟
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنه داعبهم بِهَذَا، قَالَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. فعلى هَذَا لَو رأى مِنْهُم الْجد فِي الدُّخُول لمنعهم.
وَالثَّانِي: أَن أمره إيَّاهُم بِدُخُول النَّار إِشَارَة إِلَى أَن مخالفتي توجب دُخُول النَّار، فَإِذا شقّ عَلَيْكُم دُخُول هَذِه النَّار، فَكيف تصبرون على النَّار الْكُبْرَى، وَلَو رأى مِنْهُم الْجد فِي ولوج النَّار لمنعهم.
فَأَما قَول رَسُول الله: " لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا " فَالْمَعْنى أَنهم قد علمُوا أَن الطَّاعَة لَا تكون فِي الْمعْصِيَة، لِأَن أَمر الله عز وَجل قد سبق أَمر هَذَا الرجل، وَإِنَّمَا يطاع الْمَخْلُوق فِيمَا لَا يُنَافِي طَاعَة الْخَالِق، فَلَو دخلُوا النَّار عذبُوا بمعصيتهم لله عز وَجل.
120 - / 133 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: خطب عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: مَا عندنَا من كتاب نقرؤه إِلَّا كتاب الله وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة، فنشرها، فَإِذا فِيهَا أَسْنَان الْإِبِل وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات.

(1/193)


أما أَسْنَان الأبل فَالْمُرَاد مَا يُؤْخَذ مِنْهَا فِي الدِّيَة.
قَوْله: وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات: أَي مَا يجب فِيهَا.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: وَالْمَدينَة حرم مَا بَين عير إِلَى ثَوْر. قَالَ أَبُو عبيد: أهل الْمَدِينَة لَا يعْرفُونَ جبلا بهَا يُقَال لَهُ ثَوْر، وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة، فنرى أَن الحَدِيث إِنَّمَا أَصله: مَا بَين عير إِلَى أحد.
وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن صيد الْمَدِينَة وشجرها محرم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِمحرم. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: هَل يضمن صيدها وشجرها بالجزاء أم لَا؟ فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا جَزَاء فِيهِ وَهُوَ قَول مَالك، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يضمن. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالروايتين. وَإِذا قُلْنَا بضمانه فَجَزَاؤُهُ سلب الْقَاتِل، يَتَمَلَّكهُ الَّذِي يسلبه. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ مبنيان على القَوْل الَّذِي يرى فِيهِ أَنه مَضْمُون: أَحدهمَا: كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي: يتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين الْمَدِينَة. وَيُفَارق الْمَدِينَة حرم مَكَّة فِي أَن من أَدخل إِلَيْهَا صيدا لم يجب عَلَيْهِ رفع يَده عَنهُ، وَيجوز لَهُ ذبحه وَأكله.
وَيجوز أَن يُؤْخَذ من شَجَرهَا مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ للرحل والوسائد، وَكَذَلِكَ يُؤْخَذ من حشيشها مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعلف، بِخِلَاف حرم مَكَّة.

(1/194)


وَقَوله: " من أحدث فِيهَا حَدثا، أَو آوى مُحدثا " قَالَ أَبُو عبيد: الْحَدث كل حد لله يجب أَن يُقَام على صَاحبه. وَمعنى آوى مُحدثا: حماه وَحفظه.
وَقَوله: " لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرفا وَلَا عدلا " فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن الصّرْف: التَّوْبَة، وَالْعدْل: الْفِدْيَة، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ مَكْحُول والأصمعي وَأَبُو عبيد.
وَالثَّانِي: أَن الصّرْف: النَّافِلَة، وَالْعدْل: الْفَرِيضَة. قَالَه الْحسن، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْعدْل عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة: الدِّيَة، وَالصرْف زِيَادَة على الدِّيَة، وَهُوَ فِي الْإِسْلَام الْفَرِيضَة والتطوع.
وَالثَّالِث: الصّرْف: الِاكْتِسَاب. وَالْعدْل: الْفِدْيَة. قَالَه يُونُس.
وَقَوله: " ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة " الذِّمَّة: الْأمان والعهد. وَالْمعْنَى أَنه إِذا أعْطى الرجل مِنْهُم الْعَدو أَمَانًا جَازَ ذَلِك على جَمِيع الْمُسلمين.
وَقَوله: " يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم " فِيهِ دَلِيل على صِحَة أَمَان العَبْد. وَعِنْدنَا أَنه إِذا أَمن آحَاد الْمُشْركين صَحَّ أَمَانه سَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الْقِتَال أَو لم يَأْذَن، وَهُوَ قَول أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح أَمَانه إِلَّا أَن يكون سَيّده قد أذن لَهُ فِي الْقِتَال.
وَقَوله: فَمن أَخْفَر مُسلما: أَي نقض عَهده. قَالَ الزّجاج:

(1/195)


أخفرت الرجل: إِذا نقضت عَهده، فَهُوَ مخفر، وخفرته فَهُوَ مخفور: إِذا أجرته.
وَقَوله: وَمن والى قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: ظَاهره يُوهم أَنه شَرط فِي جَوَاز ادِّعَاء نسب أَو وَلَاء، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ معنى الشَّرْط، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى التوكيد للتَّحْرِيم والتنبيه على الْبطلَان والإرشاد إِلَى السَّبَب. وَالْمعْنَى: لَا يجوز أَن يتَوَلَّى غَيرهم، لِأَنَّهُ لَو استأذنهم لم يأذنوا لَهُ.
وَقَوله: وَالَّذِي فلق الْحبَّة: أَي شقها لإنباتها. وبرأ: بِمَعْنى خلق. والنسمة: النَّفس، سميت بذلك لِأَنَّهَا تتنسم: أَي تتنفس.
وَقَوله: إِلَّا فهما. يَعْنِي مَا يفهم من فحوى الْكَلَام وَيدْرك من بواطن الْمعَانِي.
وَالْعقل: مَا يتحمله الْعَاقِلَة من دِيَة الْقَتِيل خطأ. وَهَذَا ثَبت من طَرِيق السّنة، وقصدت بِهِ الْمصلحَة، إِذْ لَو أَخذ قَاتل الْخَطَأ بِالدِّيَةِ لأتى ذَلِك على جَمِيع مَاله، وَلَو ترك الدَّم صَار هدرا. فَقيل لعصبة الْقَاتِل: تعاونوا، وَلم يكلفوا إِلَّا بِمَا لَا يجحف. وَلَا يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة فِي التَّحَمُّل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ كَأحد الْعَاقِلَة. وَعَن مَالك كالمذهبين. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه، إِلَّا أَن يَتَّسِع بِحمْل الْعَاقِلَة فَيلْزمهُ مَا يحمل كل وَاحِد من الْعَاقِلَة غير مُقَدّر، وَإِنَّمَا هُوَ على حسب الِاجْتِهَاد فِيمَا يُمكن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَقَدَّر أَكْثَره بأَرْبعَة دَرَاهِم، وَلَا

(1/196)


يتَقَدَّر أَقَله. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَقَدَّر أَقَله بِنصْف دِينَار على الْغَنِيّ وَربع دِينَار على الْمُتَوَسّط، وَلَا يتَقَدَّر أَكْثَره. وَيعْتَبر فِي تحمل الْعقل الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَسْتَوِي الْقَرِيب والبعيد، وَيحمل الْغَنِيّ أَكثر من الْمُتَوَسّط. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوى بَين الْجَمِيع، ويشترك فِي التَّحَمُّل الْغَائِب والحاضر. وَقَالَ مَالك: لَا يحمل الْغَائِب مِنْهَا شَيْئا. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين.
وَأما فكاك الْأَسير فَهُوَ فداؤه من أَيدي الْعَدو.
وَفِي قَوْله: وَألا يقتل مُسلم بِكَافِر دَلِيل على أَنه لَا يقتل الْمُسلم بالذمي، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل بِهِ. وَوَافَقَ فِي الْمُسْتَأْمن أَنه لَا يقتل بِهِ.
121 - / 134 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله فو الله لَئِن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب عَلَيْهِ، وَإِذا حدثتكم فِيمَا بيني وَبَيْنكُم فَإِن الْحَرْب خدعة ".
فِي هَذِه اللَّفْظَة ثَلَاث رِوَايَات:
الأولى: خدعة بِفَتْح الْخَاء وتسكين الدَّال، وَيُقَال: هِيَ لُغَة رَسُول الله. وَالْمعْنَى يَنْقَضِي أمرهَا بخدعة وَاحِدَة.
وَالثَّانِي: خدعة بِضَم الْخَاء وَفتح الدَّال، فَكَأَن الْفِعْل قد أضيف

(1/197)


إِلَى الْحَرْب، أَي أَنَّهَا تخدع الرِّجَال وتهلكهم، كَمَا يُقَال: رجل لعبة: إِذا كَانَ كثير التلعب بالأشياء، وَهَذَا اخْتِيَار الْكسَائي.
وَالثَّالِث: خدعة بِضَم الْخَاء وَسُكُون الدَّال. قَالَ الْخطابِيّ: من قَالَ هَذَا أَرَادَ الِاسْم، كَمَا يُقَال: هَذِه لعبة.
وَمعنى الْكَلَام: أنني أتوقى فِي الرِّوَايَة عَنهُ مَا لَا أتوقى فِي كَلَامي.
وَقَوله: سيخرج قوم حدثاء الْأَسْنَان. يَعْنِي بِهِ الصبوة.
وَقَوله: سُفَهَاء الأحلام. الأحلام: الْعُقُول. قَالَ الزّجاج: أصل السَّفه خفَّة الْحلم، يُقَال: ثوب: سَفِيه: إِذا كَانَ رَقِيقا بَالِيًا، وتسفهت الرّيح الشّجر: إِذا مَالَتْ بِهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(مشين كَمَا اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرِّيَاح النواسم)

وَقَوله: يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْبَريَّة الْخلق. وَأكْثر الْعَرَب والقراء على ترك همزها لِكَثْرَة مَا جرت على الْأَلْسِنَة، وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة، وَمن النَّاس من يزْعم أَنَّهَا مَأْخُوذَة من بريت الْعود. وَمِنْهُم من يزْعم أَنَّهَا من البرا: وَهُوَ التُّرَاب، أَي خلق من التُّرَاب، وَقَالُوا: لذَلِك لَا تهمز. وَقَالَ الزّجاج: لَو كَانَت من البرا وَهُوَ التُّرَاب، لما قُرِئت بِالْهَمْزَةِ، وَإِنَّمَا اشتقاقها من برأَ الله الْخلق.

(1/198)


وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصْلهَا الْهَمْز، إِلَّا أَنهم اصْطَلحُوا على ترك الْهَمْز فِيهَا.
والحناجر جمع حنجرة: وَهِي الْحُلْقُوم.
ويمرقون: يخرجُون. يُقَال: مرق السهْم: إِذا نفذ وَجَاوَزَ فِي رميته، قَالَ: وَظَاهر قَوْله " من الدّين " أَي من أصل الدّين. وَقَالَ الْخطابِيّ: الدّين هَاهُنَا الطَّاعَة، وَالْمعْنَى أَنهم يخرجُون من طَاعَة الْأَئِمَّة. وَفِي هَذَا بعد، لِأَنَّهُ قَالَ: مروق السهْم.
ثمَّ قَالَ: ينظر فِي نصله، فِي فَوْقه، وَالْمعْنَى أَن السهْم مر فَلم يعلق من الدَّم بِشَيْء، فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ لم يعلقوا من الدّين بِشَيْء. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرَّمية: الطريدة المرمية، فعيلة فِي معنى مفعولة. وَهَذَا الحَدِيث فِي صفة الْخَوَارِج.
122 - / 135 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: مَا كنت لأقيم حدا على أحد فَيَمُوت، فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِلَّا صَاحب الْخمر، فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله لم يسنه.
وديت الرجل: إِذا أَعْطَيْت دِيَته.
فَإِن قيل: كَيفَ لم يسنه رَسُول الله وَقد سبق فِي مُسْند عُثْمَان أَن عليا قَالَ: جلد رَسُول الله أَرْبَعِينَ؟
فَالْجَوَاب: أَنا قد ذكرنَا هُنَالك أَن رَسُول الله إِنَّمَا أَرَادَ تَعْزِير الشَّارِب

(1/199)


فَضَربهُ، وَاتفقَ الضَّرْب أَن بلغ أَرْبَعِينَ. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أنس ضرب الشَّارِب بِالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ، فَكَأَنَّهُ مَا سنّ عددا لَا يتَجَاوَز، وَلَا آلَة لَا تَتَغَيَّر، وَإِنَّمَا سنّ أصل الْعقُوبَة، إِذْ لَو سنّ شَيْئا من ذَلِك وتقرر لم يتَجَاوَز.
123 - / 136 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
أَن الْعَبَّاس قَالَ لعَلي فِي مرض رَسُول الله: أَنْت - وَالله - بعد ثَلَاث عبد الْعَصَا.
وَالْمعْنَى أَنه يتأمر عَلَيْك.
124 - / 137 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن عليا شرب قَائِما وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله فعل كَمَا فعلت.
إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين نهي رَسُول الله عَن الشّرْب قَائِما؟
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون فعله لعذر. وَالثَّانِي: لبَيَان الْجَوَاز. وَالْأولَى أَلا يشرب قَائِما.
125 - / 138 - الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ.

(1/200)


أَرَادَ: حدثوهم بِمَا تحتمله أفهامهم من الْعلم.
126 - / 139 - الحَدِيث الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: لَو كَانَ عَليّ ذَاكِرًا عُثْمَان بِسوء ذكره يَوْم جَاءَهُ نَاس يَشكونَ إِلَيْهِ سعاة عُثْمَان، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا الْكتاب إِلَى عُثْمَان، وَأخْبرهُ أَن فِيهِ صَدَقَة رَسُول الله، فَمر سعاتك يعْملُونَ بهَا. فَأَتَيْته بهَا، فَقَالَ: أغنها عَنَّا. فَأتيت عليا فَقَالَ: لَا عَلَيْك، ضعها حَيْثُ وَجدتهَا.
السعاة جمع ساع: وَهُوَ الْعَامِل على الصَّدَقَة، الَّذِي يسْعَى فِي استخراجها، ويؤديها إِلَى الإِمَام.
وَقَوله: أغنها عَنَّا: أَي اصرفها عَنَّا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أغن عني وَجهك: أَي اصرفه، وأغن عني السَّفِيه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه} [عبس: 37] أَي يصرفهُ ويصده عَن قرَابَته. وَإِنَّمَا أعرض عُثْمَان عَن تِلْكَ الصَّحِيفَة لِأَنَّهُ قد كَانَ عِنْده علم من ذَلِك يَكْتَفِي بِهِ.
127 - / 141 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قَالَ عَليّ: اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون، فَإِنِّي أكره الْخلاف حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْن سِيرِين يرى عَامَّة مَا يروون عَن عَليّ كذبا.
لما وجد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام من يرد عَلَيْهِ قَوْله كَمَا روينَا فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا، وكما روينَا فِي حَدِيث التَّمَتُّع، كره الْخلاف.

(1/201)


128 - / 142 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن عليا حِين رجم الْمَرْأَة ضربهَا يَوْم الْخَمِيس، ورجمها يَوْم الْجُمُعَة. وَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله.
اسْم هَذِه الْمَرْأَة شراحة الهمدانية، أَتَت عليا فَقَالَت: إنى زَنَيْت، فَقَالَ: لَعَلَّك غصبت نَفسك. قَالَت: مَا غصبت. قَالَ: لَعَلَّك أتيت وَأَنت نَائِمَة. قَالَت: أتيت طَائِعَة غير مُكْرَهَة، فحبسها، فَلَمَّا ولدت وشب وَلَدهَا جلدهَا مائَة، ثمَّ أَمر فحفر لَهَا فِي الرحبة إِلَى منكبها ثمَّ أدخلت، ثمَّ رمى وَرمى أَصْحَابه.
وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنه يجْتَمع الْجلد وَالرَّجم على الزَّانِي الْمُحصن، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَبهَا قَالَ دَاوُد. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة ترْجم وَلَا تجلد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ.
129 - / 143 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: عَن قيس بن عباد عَن عَليّ قَالَ: أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ قيس: فيهم نزلت: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} [الْحَج: 19] وَقَالَ: هم الَّذين تبارزوا يَوْم بدر: عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة، وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة.
أما قيس بن عباد، فالعين فِي عباد مَضْمُومَة وَالْبَاء مَفْتُوحَة خَفِيفَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي أَسمَاء الْمُحدثين نَظِير.

(1/202)


وَقَوله: يجثو، يُقَال جثا الرجل يجثو: إِذا اعْتمد على رُكْبَتَيْهِ فِي جُلُوسه، فَهُوَ جاث، وَالْجمع جثي. وَإِنَّمَا قَالَ: أَنا أول من يجثو، لِأَن غزَاة بدر كَانَت أول غزَاة قوتل فِيهَا الْمُشْركُونَ، وَكَانَ أول من برز إِلَى قِتَالهمْ عَليّ وَمَعَهُ حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب. وَالسَّبَب فِي خُرُوج هَؤُلَاءِ أَن عتبَة وَشَيْبَة والوليد برزوا وَقَالُوا: من يبارز؟ فَخرج إِلَيْهِ فتية من الْأَنْصَار. وَفِي رِوَايَة: فَخرج إِلَيْهِم شببة من الْأَنْصَار، والشببة جمع شَاب، مثل كَاتب وكتبة، وَقد صحفه عبيد الله بن مُوسَى فَقَالَ: سِتَّة، وَالصَّوَاب الأول. فَقَالَ عتبَة: لَا نُرِيد هَؤُلَاءِ، وَلَكِن يبارزنا من بني عمنَا من بني عبد الْمطلب. فَقَالَ رَسُول الله: " قُم يَا عَليّ، وقم يَا حَمْزَة، وقم يَا عُبَيْدَة " فَقتل الْكفَّار الثَّلَاثَة، وَسلم عَليّ وَحَمْزَة، وَخرج عُبَيْدَة فَمَاتَ، فدفنه رَسُول الله بالصفراء.
وَمعنى قَوْله: {هَذَانِ خصمان} أَي: جمعان، وَلِهَذَا قَالَ: {اخْتَصَمُوا} . وَمعنى {فِي رَبهم} أَي: فِي دينه.
130 - / 145 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّخَتُّم بِالذَّهَب، وَعَن لِبَاس القسي، وَعَن الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَعَن لبس المعصفر.

(1/203)


القسي: ثِيَاب منسوبة إِلَى القس: وَهِي نَاحيَة من نواحي مصر، قريبَة من تنيس. قَالَ أَبُو عبيد: وَأهل مصر يَقُولُونَ: القسية بِفَتْح الْقَاف، وَأَصْحَاب الحَدِيث يكسرونها. وَقَالَ قوم: الأَصْل القز بالزاي فأبدلوا مِنْهَا سينا.
والمعصفر: المفدم المشبع.
131 - / 146 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لعن الله من آوى مُحدثا. لعن الله من غير منار الأَرْض ".
أما الْكَلِمَة الأولى فقد فسرناها فِي الْمسند آنِفا.
أما منار الأَرْض فَهِيَ أعلامها الَّتِي تضرب على الْحُدُود ليتميز بهَا الْأَمْلَاك بَين الجارين، فَإِذا غيرت اخْتلطت الْأَمْلَاك، وَإِنَّمَا يقْصد مغيرها أَن يدْخل فِي أَرض جَاره.
132 - / 147 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [الْأَنْعَام: 79] .
أَي جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي للَّذي فطر - أَي خلق.
و (حَنِيفا) نصب على الْحَال. وَفِي مَعْنَاهُ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه مَأْخُوذ من الْميل، والأحنف الَّذِي تميل قدماه كل

(1/204)


وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى أُخْتهَا بأصابعها. فالحنيف: المائل إِلَى الْعِبَادَة، هَذَا اخْتِيَار الزّجاج.
وَالثَّانِي: أَن الحنيف الْمُسْتَقيم، وَمِنْه قيل للأعرج: حنيف تطيرا إِلَى السَّلامَة، كَمَا يُقَال للديغ سليم، وَهَذَا قَول ابْن قُتَيْبَة.
والنسك جمع نسيكة. وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: النّسك هَاهُنَا الذَّبَائِح، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: هِيَ الدّين وَالْحج والذبائح. قَالَ الزّجاج: كل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ نسك، إِلَّا أَن الْغَالِب عَلَيْهِ أَمر الذَّبَائِح.
وَفِي قَوْله: ومحياي ومماتي قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى: لَا يملك حَياتِي ومماتي إِلَّا الله عز وَجل.
وَالثَّانِي: حَياتِي لله فِي طَاعَته، ومماتي لَهُ فِي رجوعي إِلَى جَزَائِهِ. ومقصود الْكَلَام أَن أحوالي لله عز وَجل وَحده لَا كَمَا تشركون أَنْتُم.
والرب: الْمَالِك. والعالمون: جمع عَالم، وَهُوَ عِنْد أهل اللُّغَة اسْم مَأْخُوذ من الْعلم، فَيَقَع على من يعلم، وهم الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة.
وَقَوله: " واهدني لأحسن الْأَخْلَاق ". اللَّام بِمَعْنى إِلَى، كَقَوْلِه تَعَالَى: {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} [الْأَعْرَاف: 43] .
وَقَوله: لبيْك. فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:

(1/205)


أَحدهَا: أَن أصل التَّلْبِيَة الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ، يُقَال: ألببت بِالْمَكَانِ: إِذا أَقمت بِهِ، ولببت، لُغَتَانِ، ثمَّ قلبوا الْبَاء الثَّانِيَة إِلَى الْيَاء استثقالا، كَمَا قَالُوا: تظنيت، فَكَأَن قَوْله لبيْك: أَي أَنا عنْدك، وَأَنا مُقيم مَعَك، وَقد أَجَبْتُك، ثمَّ بنوه للتوكيد، فَكَانَ الْمَعْنى: أَقمت عنْدك إِقَامَة بعد إِقَامَة، وَإجَابَة بعد إِجَابَة، حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْخَلِيل.
وَالثَّانِي: أَنه بِمَعْنى اتجاهي إِلَيْك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: دَاري تلب دَارك: أَي تواجهها.
وَالثَّالِث: أَنه بِمَعْنى محبتي لَك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: امْرَأَة لبة إِذا كَانَت محبَّة لولدها، عاطفة عَلَيْهِ.
وَمعنى سعديك: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد.
قَوْله: وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك: أَي لَيْسَ مُضَافا إِلَيْك.
وَقد يشكل هَذَا فَيُقَال: أَلَيْسَ كل شَيْء بِقدر؟
فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَا يُضَاف الشَّرّ إِلَيْك فتخاطب بِهِ تأدبا لَك، فَلَا يُقَال: يَا قَاتل الْأَنْبِيَاء، وَيَا مضيق الرزق، وَإِنَّمَا تخاطب بِمَا يَلِيق بالأدب، فَيُقَال: يَا كريم يَا رَحِيم. وَيَقُول المذنب: ظلمت نَفسِي، وَلَا يَقُول: أَنْت قضيت، لِأَنَّهُ كالمناظرة. وَالْمرَاد من الْعِبَادَة الذل للمعبود، وَلِهَذَا الْمَعْنى لما قَامَ آدم مقَام الْعُبُودِيَّة قَالَ: {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} [الْأَعْرَاف: 23] فَلَمَّا التقى بمُوسَى قَالَ لَهُ: " أتلومني على أَمر

(1/206)


قد قدر عَليّ "؟ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن مَسْعُود: أَقُول برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله، وَإِن كَانَ خطأ فمني. وَقَالَ الْخَلِيل: قَوْله: الشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك: أَي لَيْسَ مِمَّا يتَقرَّب بِهِ إِلَيْك.
قَوْله: تَبَارَكت: مَعْنَاهُ ارْتَفَعت.
قَوْله: خشع لَك سَمْعِي وبصري. الْخُشُوع: الخضوع والتواضع. وَالْمعْنَى أَن جوارحي ذليلة منقادة لأمرك.
وَقَوله: مَا أسرفت. الْإِسْرَاف: مُجَاوزَة الْحَد.
133 - / 148 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن الحرورية لما خرجت على عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا: لَا حكم إِلَّا الله، قَالَ عَليّ: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، إِن رَسُول الله وصف لنا نَاسا إِنِّي لأعرف صفتهمْ فِي هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الْحق بألسنتهم، لَا يجوز هَذَا مِنْهُم. وَأَشَارَ إِلَى حلقه. من أبْغض خلق الله إِلَيْهِ، مِنْهُم أسود، إِحْدَى يَدَيْهِ طبي شَاة، أَو حلمة ثدي.
اعْلَم أَن الحرورية قد نسبوا إِلَى حروراء: وَهِي صحراء بِالْكُوفَةِ، خَرجُوا على عَليّ بن أبي طَالب، وأنكروا عَلَيْهِ تحكيمه أَبَا مُوسَى فِي أَمر مُعَاوِيَة، وَقَالُوا لَهُ: شَككت فِي أَمر الله، وحكمت عَدوك، فطالت خصومتهم لَهُ، ثمَّ أَصْبحُوا يَوْمًا قد خَرجُوا براية وهم ثَمَانِيَة آلَاف وأميرهم ابْن الْكواء، فَبعث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِم ابْن عَبَّاس، فناظرهم فَرجع مِنْهُم أَلفَانِ وَبَقِي سِتَّة آلَاف، فَخرج إِلَيْهِم عَليّ فَقَاتلهُمْ.

(1/207)


وَإِنَّمَا لم يجز قَوْلهم حُلُوقهمْ لِأَن أَعْمَالهم لَا ترفع فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَكَانُوا يتعبدون وَلَكِن بِجَهْل، ويبنون على غير أصل.
وَقَوله: طبي شَاة: أَي كطبي شَاة، وطبيها ضرْعهَا. وحلمة الثدي: الناتئة مِنْهُ، والثدي يؤنث وَيذكر، وَجمعه ثدي. وثندوة الرجل كثدي الْمَرْأَة، وَهُوَ مَهْمُوز إِذا ضم أَوله، فَإِن فتح لم يهمز.
134 - / 149 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنه ذكر الْخَوَارِج فَقَالَ: فيهم رجل مُخْدج الْيَد، أَو مثدون الْيَد، أَو مودن الْيَد، لَوْلَا أَن تبطروا لحدثتكم بِمَا وعد الله الَّذين يَقْتُلُونَهُمْ على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
المخدج الْيَد: الَّذِي خلق يَده نَاقص.
وَقَوله: أَو مثدون الْيَد، ويروى مثدن الْيَد: أَي صَغِير الْيَد مجتمعها، وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا كَانَ كَمَا قيل أَنه من الثندوة تَشْبِيها بهَا فِي الْقصر والاجتماع فَالْقِيَاس أَن يُقَال مثند، إِلَّا أَن يكون مقلوبا. قَالَ: وَإِنَّمَا قيل ذُو الثدية فأدخلوا الْهَاء وأصل الثدي ذكر لأَنهم أَرَادوا لحْمَة أَو قِطْعَة من ثدي، وَصغر على هَذَا الْمَعْنى وأنث. قَالَ: وَبَعْضهمْ يرويهِ اليدية بِالْيَاءِ. وَفِي رِوَايَة: مودن الْيَد: أَي قصير، يُقَال: أودنت الشَّيْء: قصرته، وودنته أَيْضا لُغَة.
وَاسم هَذَا المخدج نَافِع، وَكَانَ أسود. قَالَ أَبُو مَرْيَم الثَّقَفِيّ: كَانَ هَذَا المخدج رجلا ضاويا ضَعِيفا، وَكسوته برنسا لفقره، وَكَانَ

(1/208)


يشْهد طَعَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد سمع عليا يذكر الْخَوَارِج، وَأَن فيهم المخدج، سَمعه مِنْهُ مرَارًا، حَتَّى كَانَ لِكَثْرَة مَا يسمع من ذَلِك يمْتَنع من حُضُور الطَّعَام.
والبطر: تجَاوز الْحَد فِي المرح.
135 - / 150 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ذكر الْخَوَارِج أَيْضا. قَالَ سَلمَة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا. أَي سمى لي الْمنَازل الَّتِي نزلوها منزلا بعد منزل.
وَقَوله: كَمَا ناشدوكم يَوْم حروراء. قد ذكرنَا أَن حروراء صحراء بِالْكُوفَةِ.
وَقَوله: فوحشوا برماحهم: أَي رموا بهَا متخففين.
وَمعنى شجرهم النَّاس برماحهم: طعنوهم، يُقَال: تشاجر الْقَوْم بِالرِّمَاحِ: أَي تطاعنوا.
136 - / 151 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: قَالَ عَليّ: يَا رَسُول الله، مَالك تتوق فِي قُرَيْش وَتَدعنَا؟ قَالَ: " وعندكم شَيْء " قلت: نعم، بنت حَمْزَة. فَقَالَ: " إِنَّهَا لَا تحل لي، إِنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة ".
تتوق بتاءين: من تاق إِلَى الشَّيْء: إِذا اشتهاه وأحبه، وَالْمعْنَى تشتاق وترغب فِي نكاحهم، هَكَذَا رَوَوْهُ لنا وفسروه، وَرُبمَا قَالَه بَعضهم بالنُّون مَعَ تَشْدِيد الْوَاو، وَقد ذكر أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب فَقَالَ: تأنق الرجل وتنوق. وَقَالَ مُحَمَّد جرير الطَّبَرِيّ فِي كتاب

(1/209)


" تَهْذِيب الْآثَار ": تنوق: تفعل من التوقان إِلَى الشَّيْء: وَهُوَ التشوق إِلَيْهِ، قَالَ: وَمن قَالَ تنوق فَإِنَّهُ بِمَعْنى يستجيد، من النيقة.
وَأما بنت حَمْزَة فقد روينَا فِي هَذَا الْمسند أَنه كَانَت لَهُ بنت يُقَال لَهَا فَاطِمَة، وَالظَّاهِر أَنَّهَا درجت صَغِيرَة، وَإِنَّمَا الْبَاقِيَة بعده هِيَ الَّتِي اخْتصم عَليّ وجعفر وَزيد فِي كفالتها لما هَاجَرت على مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب، وَالْجَمَاعَة يسمونها أُمَامَة، وَانْفَرَدَ الْوَاقِدِيّ بتسميتها عمَارَة.
وَقَوله: " إِنَّهَا ابْنة أخي " كَانَت ثويبة مولاة أبي بكر قد أرضعت حَمْزَة، ثمَّ أرضعت بعده رَسُول الله، وَكَانَ أَبُو لَهب قد أعْتقهَا، فَلَمَّا مَاتَ رَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام فَقَالَ: مَاذَا لقِيت؟ فَقَالَ: لم نذق بعدكم رخاء، غير أَنى سقيت فِي هَذِه، بعتقي ثويبة، وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع.
وَكَانَ رَسُول الله يكرم ثويبة ويصلها وَهُوَ بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر كَانَ يبْعَث إِلَيْهَا بالصلة، إِلَى أَن جَاءَ خَبَرهَا حِين رَجَعَ من خَيْبَر أَنَّهَا توفيت، وَلَا نعلم أحدا ذكر أَنَّهَا أسلمت إِلَّا مَا حَكَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَنه قَالَ: قد اخْتلف فِي إسْلَامهَا.
137 - / 152 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن عليا خطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، أقِيمُوا الْحُدُود على أرقائكم، من أحصن وَمن لم يحصن، فَإِن أمة

(1/210)


لرَسُول الله زنت فَأمرنِي أَن أجلدها، فأتيتها فَإِذا هِيَ حَدِيثَة عهد بنفاس، فَخَشِيت إِن أَنا جلدتها أَن أقتلها، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: " أَحْسَنت، اتركها حَتَّى تماثل ". والأرقاء: المماليك.
والإحصان: أَصله فِي اللُّغَة الْمَنْع، وَمِنْه سميت الْحُصُون لِأَنَّهَا تمنع من الْعَدو وَقَالَ ثَعْلَب: كل امْرَأَة عفيفة فَهِيَ مُحصنَة ومحصنة، وكل امْرَأَة متزوجة فَهِيَ مُحصنَة لَا غير وَالظَّاهِر من كَلَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أَرَادَ بالإحصان التَّزْوِيج، وَيجوز أَن يُرِيد بِهِ الْإِسْلَام.
وَالرَّقِيق لَا يثبت فِي حَقه الرَّجْم وَلَا الْجلد التَّام، وَإِنَّمَا يضْرب خمسين جلدَة. وَعِنْدنَا أَنه لَا يغرب خلافًا لمَالِك ولأحد قولي الشَّافِعِي، وَعند دَاوُد أَن الْمَمْلُوك فِي جَمِيع ذَلِك كَالْحرِّ، إِلَّا أَنه وَافق فِي الْأمة.
وَقد دلّ قَوْله: أقِيمُوا الْحُدُود على أرقائكم على أَنه يجوز للْمولى أَن يُقيم حد الزِّنَا على رَقِيقه، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، إِلَّا أَن أَحْمد يَسْتَثْنِي الْأمة إِذا كَانَت تَحت زوج، وَالشَّافِعِيّ يُطلق، فَأَما أَبُو حنيفَة فَلَا يُجِيزهُ بِحَال.
وَقَوله: حَدِيثَة عهد بنفاس. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: سميت النُّفَسَاء نفسَاء لما يسيل مِنْهَا من الدَّم، يُقَال نفست الْمَرْأَة: إِذا

(1/211)


حَاضَت، وعركت، ودرست، وَيُقَال امْرَأَة نفسَاء ونفساء ونفساء، وَفِي الْجمع نفساوات ونفاس وَنَفس ونفاس.
وَأكْثر مَا يَمْتَد إِلَيْهِ حكم النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة سِتُّونَ يَوْمًا، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك: لَا حد لَهُ، بل تجْلِس أقْصَى مَا يجلس النِّسَاء، وَيرجع فِي ذَلِك إِلَى أولات الْعلم والخبرة بِهِ مِنْهُنَّ.
وَقَوله: " اتركها حَتَّى تماثل " قد ذكرنَا فِي مُسْند عمر جَوَاز إِقَامَة الْحَد على الْمَرِيض، فَيحمل تَأْخِيره عَن هَذَا لأجل الْوَلَد.
138 - / 154 - الحَدِيث الْعَاشِر: جعل رَسُول الله ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر، وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم.
هَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز الْمسْح فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة لَهُ: لَا يجوز فِي الْحَضَر. وَقَالَت الإمامية وَابْن دَاوُد: لَا يجوز الْمسْح بِحَال. وَقد دلّ الحَدِيث على التَّوْقِيت، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي " الْقَدِيم ": لَا يتوقت، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم.
139 - / 155 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: نهاني عَن لبس القسي،

(1/212)


وَعَن جُلُوس على المياثر.
قد سبق فِي هَذَا الْمسند تَفْسِير القسي.
والمياثر جمع ميثرة. وَقَالَ أَبُو عبيد: الميثرة كَانَت من مراكب الْعَجم، أحسبها من حَرِير أَو ديباج، فجَاء النَّهْي عَنْهَا لذَلِك. وَقَالَ غَيره: الميثرة: جُلُود السبَاع. فعلى هَذَا يكون النَّهْي لنجاسة الْجُلُود، وَالسِّبَاع عندنَا نَجِسَة فِي حَال حَيَاتهَا، فَإِن دبغت جلودها بعد الْمَوْت لم يتَغَيَّر حكم النَّجَاسَة، لِأَن غَايَة الدّباغ أَن يرد الْجلد إِلَى حَالَته فِي الْحَيَاة. وَعند الشَّافِعِي: يطهر بالدباغ كل جلد إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَّا جلد الْخِنْزِير، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَدَاوُد: يطهر الْكل. فَأَما إِذا ذبح مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه فَإنَّا لَا نحكم بِطَهَارَة جلده بذَبْحه، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَعند أبي حنيفَة يحكم بِطَهَارَة جلده؛ لِأَن الذّبْح عِنْده يمْنَع النَّجَاسَة الْحَاصِلَة بِالْمَوْتِ، فَيبقى الحكم بِالطَّهَارَةِ، وَعِنْدنَا أَن هَذَا الْحَيَوَان نجس الْعين، فَلَا ينفع الذّبْح.
140 - / 156 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: قل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والسداد، وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق، والسداد سداد السهْم.

(1/213)


قَالَ اللغويون: أصل الْهدى فِي اللُّغَة التَّوْفِيق.
والسداد بِفَتْح السِّين: إِصَابَة الْمَقْصد، وبكسرها اسْم لكل شَيْء سددت بِهِ خللا، وَمِنْه قَوْلهم: سداد من عوز، وأنشدوا:
(أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر)

وَقَوله: وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق. الْمَعْنى أَن سالك الطَّرِيق إِنَّمَا يؤم سمت الطَّرِيق وَلَا يُفَارق الجادة. فَالْمُرَاد: اخطر بقلبك هِدَايَة الطَّرِيق، وسل الله الْهدى والاستقامة كَمَا تتحراه فِي هِدَايَة الطَّرِيق، وَكَذَلِكَ الرَّامِي يسدد نَحْو الْغَرَض، فاخطر هَذَا الْمَعْنى بقلبك حِين تسْأَل الله السداد ليَكُون مَا تنويه من ذَلِك على شاكلة مَا تستعمله من الرَّمْي.
141 - / 157 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: رَأَيْت رَسُول الله قَامَ فقمنا، وَقعد فَقَعَدْنَا. يَعْنِي فِي الْجِنَازَة.
لما قعد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْقيام نسخ الْقيام وَبَطل حكمه.
142 - / 158 - الحَدِيث الرَّابِع عشر: عَن أبي الْهياج قَالَ: قَالَ لي عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله؟ أَلا تدع تمثالا إِلَّا طمسته، وَلَا قبرا مشرفا إِلَّا سويته.
التمثال: الصُّورَة. وطمسها: محوها.

(1/214)


والمشرف: العالي. وعَلى هَذَا يكره تعلية الْقَبْر: فَأَما التسنيم فَهُوَ السّنة عندنَا، وَعند الشَّافِعِي السّنة تسطيح الْقُبُور.
143 - / 159 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: عَن حضين بن الْمُنْذر قَالَ: شهِدت عُثْمَان أَتَى بالوليد، فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ أَحدهمَا: حمْرَان أَنه شرب الْخمر، وَشهد أَحدهمَا أَنه رَآهُ يتقيأ.
أما حضين فَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة، وَلَيْسَ لاسمه أَخ.
وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عُثْمَان، وَذكرنَا أَن قَول عُثْمَان: إِنَّه لم يتقيأ حَتَّى شربهَا مَحْمُول على أَنهم تيقنوا من الْقَيْء ريح الْمُسكر. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد أَنه إِذا وجد مِنْهُ ريح الْمُسكر حد. قَالَ أَبُو بكر من أَصْحَابنَا: وَهَذَا مَحْمُول على أَنه إِذا تحقق أَنه مُسكر فَأَما إِذا كَانَت الرَّائِحَة تحْتَمل أَن تكون من مُسكر، وَأَن تكون من غير مُسكر فَلَا. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى المنصورة أَنه إِذا وجد سكرانا أَو تقيأ خمرًا، أَو وجد رِيحهَا مِنْهُ فَلَا حد عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقر أَو تقوم الْبَيِّنَة.
وَقَول الْحسن: ول حارها من تولى قارها. وَهَذَا مثل مَعْنَاهُ: ول الْعقُوبَة وَالضَّرْب من توليه الْعَمَل والنفع. والقار: الْبَارِد. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: ول شديدها من تولى هينها.

(1/215)