كشف المشكل من
حديث الصحيحين كشف الْمُشكل من المسانيد الَّتِي انْفَرد
البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهَا
فَمِنْهَا:
(122) مُسْند سعد بن معَاذ
اسْلَمْ على يَدي مُصعب بن عُمَيْر، فَأسلم بِإِسْلَامِهِ
بَنو عبد الْأَشْهَل، وَهِي أول دَار أسلمت من
الْأَنْصَار، وَشهد بَدْرًا وَأحد، وَثَبت مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ، وَرمي يَوْم
الخَنْدَق، ثمَّ انفجر كَلمه بعد ذَلِك فَمَاتَ.
وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا.
2378 - / 3012 - وَفِيه: أَنه نزل على أُميَّة، وَخرج
مَعَه يطوف بِالْبَيْتِ، فَقَالَ أَبُو جهل: أَلا أَرَاك
تَطوف آمنا وَقد آويتم الصباة.
الصباة جمع صابئ. والصابئ: الْخَارِج من دين إِلَى دين.
وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تسمي من خرج من عبَادَة
الْأَوْثَان إِلَى دين الْإِسْلَام صابئا لتِلْك الْعَادة.
وَقَوله: لأمنعن طريقك على الْمَدِينَة. يُشِير إِلَى
خُرُوجه إِلَى الشَّام للتِّجَارَة.
وَأَبُو الحكم هُوَ أَبُو جهل، كَانَ يكنى بالكنيتين.
(4/158)
والوادي هَاهُنَا مَكَّة؛ لِأَنَّهَا بَين
جبلين.
وَقَوله: اسْتنْفرَ أَبُو جهل: أَي دَعَا النَّاس إِلَى
أَن ينفروا لِلْقِتَالِ.
وَالْعير: الْإِبِل تحمل الْميرَة.
والصريخ هَاهُنَا: المستغيث بِالنَّاسِ لِيخْرجُوا.
والجهاز: مَا يصلح الْإِنْسَان. يُقَال: جهزت الْقَوْم:
إِذا هيأت لَهُم مَا يصلحهم، وجهاز الْبَيْت: مَتَاعه.
والأشراف جمع شرِيف: وَهُوَ العالي الْقدر، وَذَلِكَ يكون
بِالنّسَبِ وبالجاه وبالعلم وبالمال، إِلَى غير ذَلِك.
وَأُميَّة قتل يَوْم بدر بِلَا شكّ , وَهُوَ من جملَة من
سحب إِلَى القليب. وَظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله , فَإِنَّهُ
قَالَ: " إِنِّي قَاتلك " وَقد قتل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد أبي بن خلف.
(4/159)
(123) وَأخرج البُخَارِيّ لأبي عقبَة
سُوَيْد بن النُّعْمَان حَدِيثا وَاحِدًا
2379 - / 3013 - وَفِيه: فَأمر بالسويق فثري , فلاك مِنْهُ
ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ.
ثري بِمَعْنى بل، وَمِنْه الثرى وَهُوَ التُّرَاب الندي،
وَأَرْض ثرياء: أَي ندية.
واللوك: ترديد اللُّقْمَة فِي المضغ.
وَقد قيل: هَذَا نَاسخ لأَمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْوضُوءِ مِمَّا مست النَّار.
(4/160)
(125)
2380 - / 3016 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من: مُسْند
رِفَاعَة بن رَافع:
كُنَّا نصلي وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة قَالَ: " سمع الله لمن
حَمده " وَقَالَ رجل وَرَاءه: رَبنَا وَلَك الْحَمد، حمدا
كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ. فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا
يبتدرونها: أَيهمْ يَكْتُبهَا أول ".
قَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّمَا كَانُوا بضعَة
وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهَا بضعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، فَكل
حرف لملك.
(4/161)
(128) وَأخرج لأبي سعيد بن الْمُعَلَّى
حَدِيثا وَاحِدًا
2381 - / 3021 - وَفِيه: كنت أُصَلِّي فدعاني رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أجبه، ثمَّ أَتَيْته فَقلت:
يَا رَسُول الله! إِنِّي كنت أُصَلِّي، فَقَالَ: " ألم يقل
الله: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ}
[الْأَنْفَال: 24] ، ثمَّ قَالَ: " لأعلمنك سُورَة هِيَ
أعظم السُّور فِي الْقُرْآن: {الْحَمد لله رب الْعَالمين}
هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي
أُوتِيتهُ ".
وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْأَمر على
الْفَوْر؛ لِأَنَّهُ عاتبه لما تَأَخّر عَن إجَابَته.
وَفِيه دَلِيل على لُزُوم الْعَمَل بِمُقْتَضى اللَّفْظ،
إِلَّا أَن يصرف عَنهُ دَلِيل؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ألم يقل:
{اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ} .
وَأما السُّورَة فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: من همز السُّورَة
جعلهَا من: أسأرت، يَعْنِي أفضلت، كَأَنَّهَا قِطْعَة من
الْقُرْآن، وَمن لم يهمزها جعلهَا من سُورَة الْبناء: أَي
منزلَة بعد منزلَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا سميت
سُورَة؛ لِأَنَّهَا يرْتَفع فِيهَا من منزلَة إِلَى
منزلَة.
وَقَوله: {الْحَمد لله} دَلِيل على أَن الْبَسْمَلَة لَيست
مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ
(4/162)
ب {الْحَمد} . وَقَوله: {هِيَ السَّبع}
لِأَنَّهَا سبع آيَات.
وَإِنَّمَا سميت بالمثاني لِأَنَّهَا تثنى فِي كل رَكْعَة
, قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي. وَقيل: لِأَنَّهَا مِمَّا
أثني بِهِ على الله عز وَجل , ذكره الزّجاج , قَالَ: و "
من " هَاهُنَا للصفة , فَيكون السَّبع هِيَ المثاني ,
كَقَوْلِه: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} [الْحَج:
30] .
(4/163)
(130) وَأخرج لِمَعْنٍ بن يزِيد حَدِيثا
وَاحِدًا
2382 - / 3023 - وَفِيه: بَايَعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأبي وجدي , وخطب عَليّ فأنكحني ,
وخاصمت إِلَيْهِ: كَانَ أبي يزِيد أخرج دَنَانِير
يتَصَدَّق بهَا فوضعها عِنْد رجل فِي الْمَسْجِد , فَجئْت
فأخذتها , فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ: " وَالله مَا إياك
أردْت , فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: " لَك مَا نَوَيْت يَا يزِيد , وَلَك مَا
أخذت يَا معن ".
معن هُوَ ابْن يزِيد بن الْأَخْنَس بن الْحباب السّلمِيّ،
ويكنى معن أَبَا يزِيد، ويكنى يزِيد أَبَا معن.
وَقَوله: وخطب عَليّ: يَعْنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَوله: كَانَ أبي أخرج دَنَانِير فوضعها عِنْد رجل: أَي
تَركهَا عِنْده ليتصدق بهَا، فَجئْت فأخذتها: أَي
أَعْطَانِي إِيَّاهَا من الصَّدَقَة، فَأَتَيْته: أَي
فَجئْت أبي بِتِلْكَ الدَّنَانِير فَقَالَ: وَالله مَا
إياك أردْت: أَي مَا أخرجتها لأتصدق عَلَيْك بهَا، فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَك مَا نَوَيْت "
أَي لَك ثَوَاب الصَّدَقَة.
(4/164)
(132) وَأخرج لأبى سروعة عقبَة بن
الْحَارِث المَخْزُومِي ثَلَاثَة أَحَادِيث
2383 - / 3025 - وَفِي الحَدِيث الأول: أَنه تزوج امْرَأَة
فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: إِنِّي قد أرضعتكما، فَركب
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ وَقد قيل؟ "
ففارقها عقبَة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: قَوْله: " كَيفَ وَقد قيل
" يدل على أَنه إِنَّمَا اخْتَار لَهُ فراقها من طَرِيق
الْوَرع وَالْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ دون الحكم بذلك،
وَلَيْسَ قَول الْمَرْأَة الْوَاحِدَة شَهَادَة يجب بهَا
حكم فِي أصل من الْأُصُول، وَلَو كَانَ سَبِيلهَا سَبِيل
الشُّهُود لاعتبر عدالتها وصدقها.
2384 - / 3026 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " ذكرت شَيْئا
من تبر عندنَا فَكرِهت أَن يحبسني ".
التبر من الذَّهَب وَالْفِضَّة: مَا كَانَ غير مطبوع.
وَقَوله: " فَكرِهت أَن يحبسني " أَي يشغل قلبِي فيمنعه من
انطلاقه فِيمَا يُرِيد.
(4/165)
(134) وَأخرج لمرداس الْأَسْلَمِيّ حَدِيثا
وَاحِدًا
2385 - / 3028 - وَفِيه: " وَتبقى حثالة كحثالة الشّعير "
وَفِي لفظ: " حفالة " - لَا يبالهم الله بالة ".
حثالة الطَّعَام: رديئه. وحثالة الدّهن: ثفله. والحثالة:
الرَّدِيء من كل شَيْء، وَكَذَلِكَ الحفالة، وَالْفَاء
والثاء يتعاقبان، يُقَال: جدث وجدف، وثوم وفوم. وَمثل
الحثالة الخشارة.
وَقَوله: " لَا يباليهم الله بالة " أَي لَا يُبَالِي بهم
وَلَا يُقيم لَهُم وزنا. والبالة مصدر كالمبالاة،
وَيُقَال: باليت بالشَّيْء بالة ومبالاة. وَتقول: لَا
أُبَالِي بِكَذَا: أَي لَا يجْرِي على بالي. والبال:
الْقلب، إِلَّا أَنه فِي حق الله عز وَجل بِمَعْنى
الْإِعْرَاض عَنْهُم وَسُقُوط قدرهم عِنْده
وَقَوله: " يعبأ بهم " قَالَ الزّجاج: يُقَال: مَا عبأت
بفلان: أَي مَا كَانَ لَهُ عِنْدِي وزن وَلَا قدر.
(4/166)
(136) وَأخرج لعَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي
عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيثا وَاحِد، والمسند مِنْهُ لسَلمَة , فَأَما عَمْرو
فَإِنَّهُ أدْرك زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلم يلقه، وَقد أم الصَّحَابَة فِي حَيَاة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
2386 - / 3031 - وَفِي الحَدِيث: كُنَّا بِمَاء ممر
النَّاس.
أَي: كُنَّا نزلا بِمَاء يمر النَّاس عَلَيْهِ.
والركبان والراكبون والركب لَا يكونُونَ إِلَّا على جمال.
وَقَوله: يغرى فِي صَدْرِي: أَي يلصق بالغراء: وَهُوَ صمغ
أَو مَا يقوم مقَامه.
وَقَوله: تلوم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح: أَي يتربص
وينتظر. وَالْفَتْح: فتح مَكَّة.
وَقَوله: فقدموني. قد بَين سَبَب تَقْدِيمه وَهُوَ كَثْرَة
مَا مَعَه من الْقُرْآن، وَهَذَا دَلِيل على تَقْدِيم
الْقَارئ.
فَأَما صلَاته بهم وَهُوَ صَغِير فيحتج بهَا الشَّافِعِي
فِي جَوَاز إِمَامَة الصَّبِي للبالغين. وَيحْتَمل أَنه
أمّهم فِي النَّافِلَة.
(4/167)
(140) وَأخرج لعبد الله بن هِشَام الْقرشِي
حديثين
2387 - / 3035 - فَفِي الأول: أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول
الله، لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا نَفسِي.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أكون أحب إِلَيْك من
نَفسك ".
إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ كلفه بِمَا لَا يدْخل تَحت طوقه؛
فَإِن الْمحبَّة فِي الْجُمْلَة لَيست إِلَى الْإِنْسَان،
ثمَّ إِن حبه لنَفسِهِ أَشد من حبه لغَيْرهَا، وَلَا
يُمكنهُ تَغْيِير ذَلِك؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا كلفه
الْحبّ الشَّرْعِيّ، وَهُوَ إيثاره على النَّفس وَتَقْدِيم
أوامره على مراداتها. فَأَما الْحبّ الطبعي فَلَا. وَقد
سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند أنس.
2388 - / 3036 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لي بِالْبركَةِ، فَكَانَ
رُبمَا أصَاب الرَّاحِلَة كَمَا هِيَ.
فِي هَذَا الحَدِيث رد على جهلة المتزهدين فِي اعْتِقَادهم
أَن سَعَة الْحَلَال مذمومة.
(4/168)
(141) وَأخرج لشيبة بن عُثْمَان الحجبى
حَدِيثا وَاحِدًا
2389 - / 3037 - قَالَ: قَالَ عمر: لقد هَمَمْت أَلا أدع
فِيهَا صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا قسمته. قلت: إِن
صاحبيك لم يفعلا. قَالَ: هما المرءان أقتدي بهما.
الصَّفْرَاء: الذَّهَب. والبيضاء: الْفضة. وَأَرَادَ مَال
الْكَعْبَة الَّذِي كَانَ اجْتمع فِيهَا، وَكَانُوا
قَدِيما يهْدُونَ إِلَى الْكَعْبَة المَال فيجتمع فِيهَا.
(4/169)
(142) وَأخرج لعَمْرو بن تغلب حديثين
2390 - / 3038 - وَفِي الأول: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أعْطى رجَالًا وَترك رجَالًا , فَبَلغهُ
أَن الَّذين ترك عتبوا.
العتب: الموجدة , فَمَعْنَى عتبوا: وجدوا فِي أنفسهم
كَرَاهِيَة لذَلِك. وَقَوله: " إِنِّي أعطي أَقْوَامًا لما
أرى فِي قُلُوبهم من الْجزع ". الْجزع ضد الصَّبْر: وَهُوَ
شدَّة القلق من الْمُصِيبَة. والهلع: شدَّة الْجزع.
وَقَوله: " أكل أَقْوَامًا إِلَى مَا جعل الله فِي
قُلُوبهم من الْغنى " أَي أتركهم مَعَ مَا وهب الله لَهُم
من غنى النَّفس، وصبروا وتعففوا عَن الطمع والشره.
2391 - / 3039 - والْحَدِيث الثَّانِي: قد سبق شَرحه فِي
مُسْند أبي هُرَيْرَة وَغَيره.
(4/170)
(143) وَأخرج لسلمان بن عَامر الضَّبِّيّ
حَدِيثا وَاحِدًا
2392 - / 3040 - وَفِيه: " مَعَ الْغُلَام عقيقته،
فأهريقوا عَنهُ دَمًا، وأميطوا عَنهُ الْأَذَى ".
قَالَ أَبُو عبيد: الْعَقِيقَة أَصْلهَا الشّعْر الَّذِي
يكون على رَأس الصَّبِي حِين يُولد، وَإِنَّمَا سميت
الشَّاة الَّتِي تذبح عَنهُ عقيقة لِأَنَّهُ يحلق عَنهُ
الشّعْر عِنْد الذّبْح، وَهُوَ قَوْله: " أميطوا الْأَذَى
عَنهُ " وَيَعْنِي بالأذى ذَلِك الشّعْر. وَقَالَ غَيره:
إِنَّمَا كَانَ ذَلِك الشّعْر أَذَى لِأَنَّهُ قد علق بِهِ
دم الرَّحِم. وَقيل: كَانُوا يلطخون رَأس الصَّبِي بِدَم
الْعَقِيقَة وَهُوَ أَذَى , فنهوا عَن ذَلِك. وَقَالَ
بَعضهم: الْعَقِيقَة: الشَّاة نَفسهَا، وَسميت عقيقة
لِأَنَّهَا تعق مذابحها: أَي تشق وتقطع. يُقَال: عق
الْبَرْق فِي السَّحَاب وانعق: إِذا تشقق، وَمِنْه عقوق
الْوَلَد.
وَاعْلَم أَن الْعَقِيقَة عِنْد أَحْمد مُسْتَحبَّة، وَعند
أبي حنيفَة لَا تسْتَحب، وَعند دَاوُد وَاجِبَة، وَقد
اخْتَار هَذَا أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز من أَصْحَابنَا،
وَنَقله عَن أَحْمد.
وَالْمُسْتَحب شَاتَان عَن الْغُلَام، وَعَن الْجَارِيَة
شَاة، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق بن
رَاهْوَيْةِ، وَقَالَ مَالك: شَاة عَن الْجَمِيع. وَكَانَ
الْحسن وَقَتَادَة لَا يريان عَن الْجَارِيَة عقيقة.
(4/171)
وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي " سنَنه " من
حَدِيث أم كرز الْكَعْبِيَّة قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " عَن الْغُلَام شَاتَان
مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة ". قَالَ: وَسمعت أَحْمد
بن حَنْبَل يَقُول: شَاتَان مكافئتان: مستويتان أَو
متقاربتان. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَحَقِيقَة ذَلِك
التكافؤ فِي السن، يُرِيد: شَاتين مُسنَّتَيْنِ تجوزان فِي
الضَّحَايَا، لَا تكون إِحْدَاهمَا مُسِنَّة وَالْأُخْرَى
غير مُسِنَّة.
وَيسْتَحب ذَبحهَا يَوْم السَّابِع، فَإِن لم يتهيأ فَيوم
الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ فَيوم وَاحِد وَعشْرين، لما
روى سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
قَالَ: " الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، تذبح عَنهُ يَوْم
السَّابِع، وَيُسمى ويحلق رَأسه ". وَفِي رِوَايَة: "
ويدمى " مَكَان " وَيُسمى ".
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى ارتهانه بعقيقته: فَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَان: أَجود الْوُجُوه مَا ذهب إِلَيْهِ
أَحْمد بن حَنْبَل فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة
إِن لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: " مُرْتَهن بعقيقته " أَي بأذى
شعره، وَاسْتدلَّ بقوله: " فأميطوا عَنهُ الْأَذَى "
والأذى: مَا علق بِهِ من دم الرَّحِم.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي معنى " يدمى " فَكَانَ قَتَادَة
يَقُول: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة يُؤْخَذ مِنْهَا صوفة
فيستقبل بهَا أوداجها، ثمَّ تُوضَع على يافوخ
(4/172)
الصَّبِي ثمَّ يغسل رَأسه بعده ويحلق.
وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ: يطلى رَأسه بِدَم
الْعَقِيقَة. وَكره أَكثر أهل الْعلم لطخ رَأسه بِدَم
الْعَقِيقَة، وَقَالُوا: كَانَ ذَلِك من عمل
الْجَاهِلِيَّة. وَمِمَّنْ كره ذَلِك: الزُّهْرِيّ وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق , وَتَكَلَّمُوا فِي
هَذَا الحَدِيث من طَرِيق همام عَن قَتَادَة فَقَالُوا:
قَوْله: " يدمى " غلط، وَإِنَّمَا هُوَ " يُسمى ". كَذَلِك
رَوَاهُ شُعْبَة وَسَلام بن أبي مُطِيع عَن قَتَادَة،
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَشْعَث عَن الْحسن.
وَقد اسْتحبَّ جمَاعَة مِنْهُم الْحسن وَمَالك أَلا يُسمى
الصَّبِي قبل السَّابِعَة.
(4/173)
(144) وَأخرج للمقدام بن معدي كرب حديثين
2393 - / 3041 - فَفِي الأول: " كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك
لكم فِيهِ ".
يشبه أَن تكون هَذِه الْبركَة للتسمية عَلَيْهِ فِي
الْكَيْل.
2394 - / 3042 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مَا أكل أحد
طَعَاما خيرا لَهُ من أَن يَأْكُل من عمل يَده ".
وَإِنَّمَا فضل عمل الْيَد لِأَن مَا تناله الْأَعْضَاء من
تنَاول الْأجر فِي مُقَابلَة تعبها.
(4/174)
(148) وَقد حكى أَبُو مَسْعُود صَاحب
التعليقة أَن البُخَارِيّ أخرج من حَدِيث عَمْرو بن
مَيْمُون
2395 - / 3047، 3048 - قَالَ: رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة
قردة زنت فرجموها.
وَهَذَا فِي بعض النّسخ بالبخاري لَا فِي كلهَا، وَلَيْسَ
فِي رِوَايَة النعيمي عَن الْفربرِي. قَالَ الْحميدِي:
وَلَعَلَّ هَذَا من الْمُقْحمَات الَّتِي أقحمت فِي كتاب
البُخَارِيّ. وَقد أوهم أَبُو مَسْعُود بترجمة عَمْرو بن
مَيْمُون أَنه من الصَّحَابَة الَّذين انْفَرد
بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُم البُخَارِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك،
فَإِنَّهُ لَيْسَ من الصَّحَابَة , وَلَا لَهُ فِي
الصَّحِيح مُسْند.
وَكَذَلِكَ فعل فِي أبي رَجَاء العطاردي، وَلَيْسَ من
الصَّحَابَة أَيْضا، وَإِنَّمَا لَهُ حِكَايَة يَقُول
فِيهَا: كُنَّا إِذا لم نجد حجرا جَمعنَا جثوَة من تُرَاب
فحلبنا عَلَيْهَا ثمَّ طفنا بهَا، فَإِذا جَاءَ رَجَب
قُلْنَا: منصل الأسنة.
الجثوة: قدر مَا يجْتَمع فِي الْكَفّ.
ومنصل الأسنة: مخرجها من أماكنها من الرماح والسهام إبطالا
لِلْقِتَالِ، وتركا للحرب. يُقَال: أنصلت السهْم وَالرمْح:
إِذا أخرجت نصلة: وَهِي حديدته.
(4/175)
(150) وَأخرج البُخَارِيّ لوحشي بن حَرْب
حَدِيث مقتل حَمْزَة
2396 - / 3049 - وَفِيه: خرجت مَعَ عبيد الله بن عدي
فسألنا عَن وَحشِي، فَقيل: فِي ظلّ قصره، كَأَنَّهُ حميت،
وَعبيد الله معتجر بعمامته.
الحميت: الزق، وَأكْثر مَا يُقَال هَذَا فِي أوعية السّمن
وَالزَّيْت.
والاعتجار: لف الْعِمَامَة على الرَّأْس دون أَن يتلحى
مِنْهَا بِشَيْء، يُقَال: إِنَّه لحسن العجرة.
فَإِن قيل: فقد قَالَ فِي الحَدِيث: مَا يرى وَحشِي إِلَّا
عَيْنَيْهِ. فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ قد غطى وَجهه بعد
الْعِمَامَة لَا بهَا.
والمبارز: الَّذِي يخرج إِلَى قتال من يتعاطى قِتَاله،
وَهُوَ مَأْخُوذ من البرَاز: وَهُوَ اسْم للفضاء
الْوَاسِع.
وَقَوله: يَا ابْن مقطعَة البظور. البظور جمع بظر: وَهُوَ
مَا تقطعه الخاتنة من فروج النِّسَاء، وَكَانَت أمه خاتنة
تختن النِّسَاء، وَتسَمى الخافضة فَعَيَّرَهُ بذلك. وَبَعض
أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: مقطعَة بِفَتْح الطَّاء،
وَهُوَ خطأ.
(4/176)
وَمعنى المحادة أَن يكون هَذَا فِي حد
وَهَذَا فِي حد، وَكَذَلِكَ المشاقة: أَن يكون هَذَا فِي
شقّ وَهَذَا فِي شقّ.
وَقَوله: فَشد عَلَيْهِ: أَي حمل عَلَيْهِ. فَكَانَ كأمس
الدابر، هَذَا كِنَايَة عَن هَلَاكه.
وَقَوله: وكمنت: أَي استترت، وَمِنْه الكمين.
وَقَوله: " هَل تَسْتَطِيع أَن تغيب وَجهك عني؟ " فِي
هَذَا إِشْكَال على من قل علمه، فَإِنَّهُ يَقُول: إِذا
كَانَ الْإِسْلَام يجب مَا قبله، فَمَا وَجه هَذَا القَوْل
من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَهُوَ قَول يشبه
مُوَافقَة الطَّبْع، وَأَيْنَ الْحلم؟ . وَالْجَوَاب: أَن
الشَّرْع لَا يُكَلف نقل الطَّبْع، إِنَّمَا يُكَلف ترك
الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، وَكَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كلما رأى وحشيا ذكر فعله فتغيظ عَلَيْهِ
بالطبع، وَهَذَا يضر وحشيا فِي دينه، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ
اللطف فِي إبعاده.
وَأما الثلمة فَهِيَ كالفرجة. وأصل الثلمة الْخلَل.
والأورق: الْبَعِير الَّذِي لَونه كلون الرماد.
والثائر الرَّأْس: الَّذِي شعره غير مطمئن.
(4/177)
(153) وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث سعيد
بن الْمسيب عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
2397 - / 3050 - " يرد عَليّ الْحَوْض رجال فيحلئون عَنهُ
" أَي يطردون عَنهُ. وَهَذَا قد سبق فِي مَوَاضِع.
(156)
2398 - / 3053 - وَأخرج عَن سراقَة بن مَالك حَدِيثا
سَيَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة تَاما. وَيَأْتِي تَفْسِيره
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(4/178)
|