معالم السنن كتاب العتق
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو بدر
حدثني أبو عتبة حدثني سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد
ما بقي عليه من مكاتبته درهم.
قال الشيخ: في هذا حجة لمن رأى بيع المكاتب جائزاً لأنه
إذا كان عبداً فهو مملوك وإذا كان باقياً على أصل الملك لم
يحدث لغيره فيه ملك كان غيرممنوع من بيعه، واحتج من أجاز
بيعه بأنه لا خلاف أن أحكامه أحكام المماليك في شهاداته
وجناياته والجناية عليه وفي ميراثه وحدوده وسهمه إن حضر
القتال. وممن ذهب إلى إجازة بيعه إبراهيم النخعي وأحمد بن
حنبل وهو قول مالك بن أنس على نوع من الشرط فيه، وكان
الشافعي يقول به في القديم ثم رجع أن بيعه غير جائز وهو
قول أبي حنيفة وأصحابه، وقال الأوزاعى يكره بيع المكاتب
قبل عجزه للخدمة، وقال لا بأس أن يباع للعتق.
قلت كل ما أجاز بيعه فإنما أجازه على إثبات الكتابة له
فيقوم المشتري مقام الذي كاتبه فيه أن يؤدي إليه عتق.
(4/62)
فأما بيعه على أن يبطل كتابته وهو ماض فيها
مؤد ما يجب عليه من نجومه فلا أعلم أحداً ذهب إليه إلاّ أن
يعجز المكاتب عن اداء نجومه فيجوز عندئذ بيعه لأنه قد عاد
رقيقاً كما كان قبل الكتابة.
وفي قوله المكاتب عبد ما بقي عليه درهم دليل على أن
المكاتب إذا مات قبل أن يؤدي نجومه بكمالها لم يكن محكوماً
بعتقه وإن ترك وفاء لأنه إذا مات وهو عبد لم يصر حراً بعد
الموت ويأخذ المال سيده ويكون أولاده رقيقا له.
وقد روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت، وإليه
ذهب عمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة وهو قول الشافعي
وأحمد بن حنبل.
واستدل بعضهم في ذلك بأن تلف المبيع قبل القبض يبطل حكم
العقد والمكاتب مبيع تلف قبل أن يقبض فيملك نفسه ونزول يد
السيد عنه.
وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا إذا ترك المكاتب وفاء
بما بقي عليه من الكتابة عتق، وإن ترك زيادة كانت لولده
الأحرار، وهو قول عطاء وطاوس والنخعي والحسن وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه وقال مالك نحواً من ذلك.
وفيه دليل على أن ليس للمكاتب أن يكاتب عبده لأنه عبد
وأداء الكتابة توجب الحرية والحرية توجب الولاء، وليس
المكاتب ممن يثبت له الولاء لأن الولاء بمنزلة النسب، وإلى
هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه، وفي قوله الآخر يجوز له أن
يكاتبه لأنه من باب المكاسب وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن نبهان
مكاتب لأم سلمة، قال سمعت أم سلمة تقول: قال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما
يؤدي فلتحتجب منه.
(4/63)
قال الشيخ: وهذا كالدلالة على أنه إذا مات
وترك الوفاء بكتابته كان حراً.
وقد يتأول أيضاً على أنه أراد به الاحتياط في أمره لأنه
بعرض أن يعتق في كل ساعة بأن يعجل نجومه إذا كان واجداً
لها والله أعلم.
ومن باب بيع المكاتب إذا فسخت
المكاتبة
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وحدثنا عبد الله بن
مسلمة القعنبي قالا: حَدَّثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة
أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها
ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً، فقالت لها عائشة ارجعي إلى
أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت،
فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب
عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابتاعي فأعتقى فإنما الولاء لمن أعتق، ثم قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست
في كتاب الله من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن
شرط مائة شرط شرط الله أحق وأوثق.
قال الشيخ: في خبر بريرة دليل على أن بيع المكاتب جائز
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لعائشة في
ابتياعها وهي إنما جاءتها للأداء ولتستعين بها في ذلك، ولا
دلالة في الحديث على أنها كانت قد عجزت عن أداء نجومها.
وتأول الخبر من منع من بيع المكاتب على أن بريرة قد رضيت
أن تباع وأن بيعها للعتق كان فسخاً للكتابة ولم يكن بيعها
بيع مكاتبة.
وزعم بعضهم أنهم إنما باعوا نجوم كتابتها واستدل على ذلك
بقول عائشة
(4/64)
رضي الله عنها فإن أحبوا أن أقضي عنك
كتابتك، وهذا لا يدل على جواز بيع نجوم الكتابة، وقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وربح ما
لم يضمن. ونجوم الكتابة غير مقبوضة وهي كالسلم لا يجوز
بيعه، وإنما معنى قضاء الكتابة هو الثمن الذي يعطيهم على
البيع عوضاً عن الرقبة.
والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي فدل
أن الأمر قد استقر على البيع الذي هو العقد على الرقبة.
وقوله إنما الولاء لمن أعتق دليل على أنه لا ولاء لغير
معتق وإن من أسلم على يدي رجل لم يكن له ولاؤه لأنه غير
معتق. وكلمة إنما تعمل في الإيجاب والسلب جميعاً.
وقد توهم بعض الناس أن في قوله ابتاعي فأعتقي خلفاً لما
اشترطوه على عائشة ورد الحديث من أجل ذلك، وقال إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بغرور الإنسان.
أخبرني أبو رجاء الغنوي حدثني أبي عن يحيى بن أكثم أنه كان
يقول ذلك في هذا الحديث.
قلت وليس في الحديث شيء مما يشبه معنى الغرور والخلف وإنما
فيه أن القوم كانوا قد رغبوا في بيعها فأجازه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأذن لعائشة في امضائه وكانوا جاهلين
بحكم الدين في أن الولاء لا يكون إلاّ لمعتق وطمعوا أن
يكون الولاء لهم بلا عتق، فلما عقدوا البيع وزال ملكهم
عنها ثبت ملك رقبتها لعائشة فأعتقتها وصار الولاء لها لأن
الولاء من حقوق العتق وتوابعه فلما تنازعوه قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبين أن الولاء في قضية الشريعة إنما
هو لمن أعتق وأن من شرط
(4/65)
شرطاً لا يوافق حكم كتاب الله عز وجل فهو
باطل.
وقد روى من طريق عروة بن هشام في هذه القصة زيادة لم يتابع
عليها ولم يذكرها أبو داود وهي أنه قال اشترطي لهم الولاء،
وهذه اللفظة يقال إنها غير محفوظة ولو صحت تأولت على معنى
أن لا تبالي بما يقولون ولا تعبئي بقولهم فإن الولاء لا
يكون إلاّ لمعتق وليس ذلك على أن يشترطه لهم قولاً ويكون
خلفاً لموعود شرط وإنما هو على المعنى الذي ذكرته من أنهم
يحلّون، وقولهم ذلك لا يلتفت إليه إذا كان لغواً من الكلام
خلفاً من القول.
وكان المزني يتأوله فيقول قوله اشترطي لهم الولاء معناه
اشترطي عليهم الولاء كما قال سبحانه {أولئك لهم اللعنة}
[الرعد: 25] بمعنى عليهم اللعنة.
وقوله ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله يريد
أنها ليست من حكم كتاب الله تعالى وعلى موجب قضاياه ولم
يرد أنها ليست في كتاب الله مذكوراً، ولكن الكتاب قد أمر
بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واعلم أن سنته بيان له،
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق فكان
ذلك منصرفاً إلى الكتاب ومضافاً إليه على هذا المعنى والله
أعلم.
وقد استدل الشافعي من هذا الحديث على أن بيع الرقبة بشرط
العتق جائز وموضع هذا الدليل ليس بالبين في صريح لفظ
الحديث وإنما هو مستنبط من حكمه، وذلك أن القوم لا يشترطون
الولاء إلا وقد تقدمه شرط العتق فثبت أن هذا الشرط على هذا
المعنى في العقد والله أعلم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم من رواية الليث عن ابن شهاب
عن عروة ابتاعي وأعتقي بيان
(4/66)
هذا المعنى، وقد روي أيضاً صريحاً من طريق
الأسود.
حدثناه إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري حدثنا يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم الضبي حدثنا عفان حدثنا شعبة عن الحكم عن
إبراهيم عن الأسود أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تشتري
بريرة تعتقها فاشترطوا ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعطى
الثمن.
قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ
الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر
بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، قالت
وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن
شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاَحة
وذكرت القصة في تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها.
قال الشيخ: قوله ملاحة، يقال جارية مليحة وملاحة وفعالة
يجيء في النعوت بمعنى التوكيد، فإذا شدد كان أبلغ في
التوكيد كقوله سبحانه {ومكروا مكراً كباراً} [نوح: 22] .
وقال الشماخ:
يا ظبية عطلاً حسانة الجيد
ومن باب العتق على شرط
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن سعيد بن
جهمان عن سفينة قال كنت مملوكاً لأم سلمة فقالت اعتقك
واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت
فقال إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما عشت فأعتقتنى واشترطت عليَّ.
قال الشيخ: هذا وعد عبر عنه باسم الشرط، وأكثر الفقهاء لا
يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكاً
ومنافع الحر لا يملكها غيره
(4/67)
إلاّ بإجازة أو ما في معناها.
وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا،
وسئل أحمد بن حنبل عنه، فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه
الذي اشترط له قيل له تشترى بالدراهم قال نعم.
ومن باب من أعتق نصيباً له من مملوك
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام قال
وحدثنا محمد بن كثير المعنى أنبأنا همام عن قتادة، عَن أبي
المليح، قال أبو الوليد عن أبيه أن رجلاً أعتق شقصاً من
غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله
شريك، زاد ابن كثير في حديثه فأجاز النبي صلى الله عليه
وسلم عتقه.
قال الشيخ: فيه دليل على أن المملوك يعتق كله إذا أعتق
الشقص منه ولا يتوقف على عتق الشريك الآخر وأداء القيمة
ولا على الاستسعاء، ألا تراه يقول فأجاز النبي صلى الله
عليه وسلم عتقه وقال ليس لله شريك فنفى أن يقارّ الملك
العتق وأن يجتمعا في شخص واحد، وهذا إذا كان المعتق موسراً
فإذا كان معسراً فإن الحكم بخلاف ذلك على ما ورد بيانه في
السنة وسيجيء ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب ابن أبي ليلى وابن شبرمة
وسفيان الثوري والشافعي في أظهر قوليه إلى أن العتق إذا
وقع من أحد الشريكين في شقصه وكان موسراً سرى في كله وعتق
العبد ثم غرم المعتق لشريكه قيمة نصفه ويكون الولاء كله
للمعتق.
وقال مالك بن أنس نصيب الشريك لا يعتق حتى يقوم العبد على
المعتق
(4/68)
ويؤمر بأداء حصته من القيمة إليه فإذا
أداها عتق العبد كله، وهو أحد قولي الشافعي القديم وهذا
القول مبني على النظر للشريك والقول الأول مبني على النظر
للعبد.
ويحكى عن الشافعي فيه قول ثالث وهو أن يكون العتق موقوفاً
على الأداء وهذا مبني على النظر للشريك والعبد معاً.
وقال أبو حنيفة إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو موسر
فشريكه الذي لم يعتق بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق وكان
الولاء بينهما نصفين، وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته
ورجع شريكه بما ضمن على العبد فاستسعاه فيه فإذا أداه عتق
وكان الولاء كله للمعتق. وخالفه أصحابه وقالوا بمثل قول
الثوري وسائر أهل العلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا همام عن قتادة عن
النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عَن أبي هريرة أن رجلاً
أعتق شقصاً من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه
وغرمه بقية ثمنه.
قال الشيخ: وهذا يبين لك أن العتق قد كمل له بإعتاق الشريك
الأول نصيبه منه فلولا أنه قد استهلكه لم يكن لقوله وغرمه
بقية ثمنه معنى لأن الغرم إنما يقع في الشيء المستهلك.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا
قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عَن أبي هريرة
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصاً في مملوك
فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير
مشقوق عليه.
قال الشيخ: هذا الكلام لا يثبته أكثر أهل النقل مسنداً عن
النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه من كلام قتادة.
(4/69)
وأخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر فقال
هذا الكلام من فتيا قتادة ليس من متن الحديث.
قال وحدثنا علي بن الحسين حدثنا المقري حدثنا همام عن
عمارة عن النضر بن أنس عن رجل، عَن أبي هريرة أن رجلاً
أعتق شريكاً له في مملوك فغرمه النبي صلى الله عليه وسلم
بقية ثمنه.
وكان قتادة يقول إن لم يكن له مال استسعى قال ابن المنذر
وقد أخبر همام ان ذكر السعاية من قول قتادة، قال وألحق
سعيد بن أبي عروبة الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله
متصلاً بالحديث.
قلت وقد تأول بعض الناس فقال معنى السعاية أن يُستسعى
العبد لسيده أي يستخدم ولذلك قال غير مشقوق عليه أي لا
يحمل فوق ما يلزمه من الخدمة بقدر ما فيه من الرق لا يطالب
باكثر منه.
قال أبو داود: حدثنا على بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر عن
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن
نَهيك، عَن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من أعتق شِقصاً أو شقيصاً له في مملوك فخلاصه عليه في ماله
إن كان له مال فإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل ثم
استُسعي لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه.
قال أبو داود ورواه يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد بن
أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية. ورواه يزيد بن زريع عن
سعيد فذكر فيه السعاية. وقال محمد بن إسماعيل ورواه شعبة
عن قتادة فلم يذكر السعاية.
قال الشيخ: اضطراب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة
يذكرها ومرة
(4/70)
لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث
عنده وإنما هو من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام
وبينه.
ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه وقد ذكره أبو
داود في هذا الباب الذي يليه.
ومن باب من رأى من لم يكن له
مال لم يستسع
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من أعتق شقصاً له في مملوك أقيم عليه قيمة العدل فأعطى
شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق.
قال الشيخ: قوله وإلا فقد عتق عليه ما عتق يدل على أنه لا
عاقبة وراء ذلك، وفيه سقوط السعاية وهو أثبت شيء روي من
الحديث في هذا الباب.
قال أبو داود قال أيوب وروي هذا الحديث عن نافع فقال كان
نافع ربما قال فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمروعن
سالم عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان
العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فان كان موسراً يقوم
عليه قيمة لا وَكس ولا شطط ثم يعتق.
قال الشيخ في قوله ثم يعتق حجة لمن ذهب إلى أن العتق لا
يقع بنفس الكلام ولكنه بعد التقويم والأداء، وهو قول مالك
بن أنس وربيعة بن عبد الرحمن.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر
حدثنا شعبة عن خالد، عَن أبي بشر العنبري، عَن أبي
التَّلِب عن أبيه أن رجلاً أعتق نصيباً له في مملوك فلم
يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم.
(4/71)
قال الشيخ: هذا غير مخالف للأحاديث
المتقدمة وذلك لأنه إذا كان معسراً لم يضمن وبقي الشقص
مملوكاً كما كان.
ومن باب من ملك ذا رحم محرم
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل
قالا: حَدَّثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة
فيما يحسب حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ملك ذا رحم محرم فهو حر.
قال أبو داود لم يحدث هذا الحديث إلاّ حماد بن سلمة وقد شك
فيه.
قال أبو داود: قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو
أسامة عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد والحسن مثله. قال
أبو داود وشعبة احفظ من حماد بن سلمة.
قال الشيخ: قلت الذي أراد أبو داود من هذا أن الحديث ليس
بمرفوع أو ليس بمتصل إنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
وقد اختلف الناس في هذا فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه إذا
ملك ذا رحم محرم عتق عليه، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد
الله بن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما مخالف في
الصحابة وهو قول الحسن وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزبير
والحكم وحماد وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسفيان وأحمد
وإسحاق.
وقال مالك بن أنس يعتق عليه الولد والوالد والإخوة ولا
يعتق عليه غيرهم.
وقال الشافعي لا يعتق عليه إلاّ أولاده وآباؤه وأمهاته ولا
يعتق عليه إخوته ولا أحد من ذوي قرابته ولحمته.
وأما ذوو المحارم من الرضاعة فإنهم لا يعتقون في قول أكثر
أهل العلم،
(4/72)
وكان شريك بن عبد الله القاضي يعتقهم.
وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب لا يعتق على
الابن إذا ملكه واحتجوا بقوله لا يجزي ولد والده إلاّ أن
يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه قالوا وإذا صح الشراء فقد ثبت
الملك ولصاحب الملك التصرف، وحديث سمرة غير ثابت.
ومن باب في أمهات الأولاد
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس عن
عطاء عن جابر بن عبد الله قال بعنا أمهات الأولاد على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فلما
كان عمر رضي الله عنه نهانا فانتهينا.
قال الشيخ: ذكر أبو داود في صدر هذا الباب حديثاً ليس
إسناده بذاك.
، قال: حَدَّثنا النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق
عن خطاب بن صالح مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت معقِل
امرأة من قيس عيلان أن عمها قدم بها المدينة في الجاهلية
فباعها من الحُبَاب بن عمرو فولدت له عبد الرحمن بن
الحباب.
قال الشيخ:، يَعني ثم هلك فأرادوا بيعها فأمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم بإعتاقها وعوضهم منها غلاماً.
وذهب عامة أهل العلم إلى أن بيع أم الولد فاسد وإنما روي
الخلاف عن علي رضي الله عنه فقط.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنها تعتق في نصيب ولدها.
وقد روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين أنه قال
لأبي معشر
(4/73)
إني اتهمكم في كثير مما تروون عن علي رضي
الله عنه لأني قال لي عبيدة بعث إليّ عليّ وإلى شريح يقول
إني أبغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون،، يَعني في أم
الولد حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات صاحباي، قال
فقتل علي رضي الله عنه قبل أن يكون للناس جماعة حدثونا
بذلك عن علي بن عبد العزيز، عَن أبي النعمان عن حماد.
قلت واختلاف الصحابة إذا ختم بالاتفاق وانقرض العصر عليه
صار إجماعاً وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال نحن لا نورث ما تركنا صدقة.
وقد خلف صلى الله عليه وسلم أم ولده مارية فلو كانت مالاً
لبيعت وصار ثمنها صدقة.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين الأولاد
والأمهات وفي بيعهن تفريق بينهن وبين أولادهن، ووحدنا حكم
الأولاد وحكم أمهاتهم في الحرية والرق، وإذا كان ولدها من
سيدها حراً دل على حرية الأم.
وقال بعض أهل العلم ويحتمل أن يكون هذا الفعل منهم في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يشعر بذلك لأنه أمر يقع
نادراً، وليست أمهات الأولاد كسائر الرقيق التي يتداولها
الأملاك فيكثر بيعهن وشراؤهن فلا يخفى الأمر على العامة
والخاصة في ذلك.
وقد يحتمل أن يكون ذلك مباحاً في العصر الأول ثم نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل خروجه من الدنيا ولم يعلم
به أبو بكر رضي الله عنه لأن ذلك لم يحدث في أيامه لقصر
مدتها ولاشتغاله بأمور الدين ومحاربة أهل الردة واستصلاح
أهل الدعوة ثم بقي الأمر على ذلك في عصر عمر رضي الله عنه
مدة من الزمان، ثم نهى عنه عمر حين بلغه ذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فانتهوا عنه والله أعلم.
(4/74)
ومن باب في بيع
المدبر
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم عن عبد الملك
بن أبي سليمان عن عطاء وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن
كُهيل عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رجلاً أعتق غلاماً
له عن دُبُر منه لم يكن له غيره فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم فبيع بسبعمائة أو تسعمائة.
قال الشيخ: قد اختلف مذاهب الناس في بيع المدبر واختلف
أقاويلهم في تأويل هذا الحديث، فأجاز الشافعي وأحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه بيع المدبر على الأحوال كلها، وروي
ذلك عن مجاهد وطاوس.
وكان الحسن يرى بيعه إذا احتاج صاحبه إليه، وكان مالك يجيز
بيع الورثة إذا كان على الميت دين يحيط برقبته ولا يكون
للميت مال غيره.
وكان الليث بن سعد يكره بيع المدبر ويجيز بيعه إذا أعتقه
الذي ابتاعه. وكان ابن سيرين يقول لا يباع إلاّ من نفسه.
ومنع من بيع المدبر سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي
والزهري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وإليه ذهب سفيان
والأوزاعي.
وتأول بعض أهل العلم الحديث في بيع المدبر على التدبير
المعلق، قال وهو أن يقول لمملوكه إن مت من مرضي هذا فأنت
حر، قال وإذا كان كذلك جاز بيعه، قال وأما إذا قال أنت حر
بموتي أو بعد موتي فقد صار المملوك مدبراً على الإطلاق ولا
يجوز بيعه.
قلت ليس في الحديث بيان ما ذكره من تعليق التدبير، وإنما
جاء الحديث ببيع المدبر. واسم التدبير إذا أطلق كان على
هذا المعنى لا على غيره.
(4/75)
وقد باعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان ظاهره جواز بيع المدبر؛ والمدبر هو من أعتق عن دبر.
ولم يختلفوا في أن عتق المدبر من الثلث فكان سبيله سبيل
الوصايا وللموصي أن يعود فيما أوصى به وإن كان سبيله سبيل
العتق بالصفة فهو أولى بالجواز ما لم يوجد الصفة المعلق
بها العتق والله أعلم.
ومن باب فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغوا الثلث
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب،
عَن أبي قلابة، عَن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلاً
أعتق ستة أعبد عند موته لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قولاً شديداً ثم دعاهم
فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأَرَقَّ
أربعة.
قال الشيخ: في هذا بيان أن حكم عتق البتات في المرض الذي
يموت به المعتق حكم الوصايا وإن ذلك من ثلث ماله.
وفيه إثبات القرعة في تمييز العتق الشائع في الأعيان وجمعه
في بعض دون بعض.
وقوله فجزأهم ثلاثة أجزاء يريد أنه جزأهم على عبرة القيم
دون عدد الرؤوس إلاّ أن القيم قد تساوت فيهم فخرج عدد
الرؤوس على مساواة القيم وعبيد أهل الحجاز إنما هم الزنوج
والحبش والقيم قد تتساوى فيها غالباً أو تتقارب.
وتفريق العتق في أجزاء العبيد يؤدي إلى الضرر في الملاك
والمماليك معاً وجمع العتق يرفع الضرر وينفي سوء المشاركة.
وأما الاستسعاء فقد ذكرنا فيما تقدم أن الحديث فيه غير
صحيح فجمع الحرية به متعذر غير متيسر.
(4/76)
وقد اعترض على هذا قوم فقالوا في هذا ظلم
للعبيد لأن السيد إنما قصد إيقاع العتق عليهم جميعاً، فلما
منع حق الورثة من استغراقهم وجب أن يقع الجائز منه شائعاً
فيهم لينال كل واحد منهم حصته منه كما لو وهبهم ولا مال له
غيرهم وكما لو كان أوصى بهم فإن الهبة والوصية قد تصح في
الجزء في كل واحد منهم.
قلت هذا قياس ترده السنة، وإذا قال صاحب الشريعة قولاً
وحكم بحكم لم يجز الاعتراض عليه برأي ولا مقابلة بأصل آخر
ويجب تقريره على حاله واتخاذه أصلاً في بابه. والوصايا
والهبات مخالفة للعتق لأن الورثة لا يتضررون بوقوع الهبة
والوصية شائعين في العبد ويتضررون بوقوع العتق شائعاً،
وأمرالعتق مبني على التغليب والتكميل إذا وجد إليه السبيل
وحكم الدين قد منع من إكمال في جماعتهم فأكمل لمن خرجت له
القرعة منهم.
قال الشافعي وهذا الحديث أصل في جواز الوصية في المرض
بالثلث للأجانب لأن عتقه إياهم في معنى الوصية لهم وهم
أجانب، قال وكانت العرب لا تستعبد من بينها وبينه نسب تريد
بهذا أن الوصية للأقربين منسوخة بآية الميراث.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فقال بظاهر الحديث مالك
والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روى ذلك عن
عمر بن عبد العزيز.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يعتق من كل واحد منهم الثلث
ويستسعى في ثلثيه للورثة ويتق، ويروى ذلك عن الشعبي
والنخعي، وعلى هذا القياس إذا اعتق في المرض الذي مات فيه
عبداً لم يكن له مال غيره فإنه يعتق منه الثلث ويكون ثلثاه
رقيقا للورثة في قول مالك والشافعي، وعند أبي حنيفة
وأصحابه يعتق ثلثه ويستسعى في ثلثيه للورثة ويعتق.
(4/77)
وتأول بعضهم الحديث على أنه إنما أراد
بالتجزئة إفراز حصة الورثة من حصة العبيد دون تجزئة
الأعيان وهذا تأويل فاسد.
وقد أخبر عمران بن حصين في هذا الحديث أنه أعتق اثنين منهم
وأرق أربعة فصرح بوقوع القسمة في الأعيان دون الأجزاء ولو
أراد الأجزاء لقال فأعتق الثلث وأرق الثلثين وما أشبه ذلك
من الكلام والله أعلم.
وفي قوله فاعتق اثنين بيان صحة وقوع العتق لهما والرق لمن
عداهما.
وفي قول من يرى استسعاء كل واحد منهما في ثلثي قيمته ترك
للأمرين معاً لأنه لا يعتق أحداً منهم ولا يرقّه وفي ذلك
مخالفة للحديث على وجهه، وقد جاء بيان ما قلناه صريحاً من
رواية الحسن عن عمران بن حصين.
حدثناه إبراهيم بن فراس حدثنا أحمد بن علي بن سهل حدثنا
عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء
الخراساني عن سعيد بن المسيب، وأيوب عن محمد بن سيرين عن
عمران بن حصين وقتادة وحميد وسماك بن حرب عن الحسن عن
عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته وليس
له مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم
فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق.
قوله ورد أربعة في الرق يبطل كل تأويل يتأول بخلاف ظاهر
الحديث.
قال ابن فراس قوله عن سعيد بن المسيب هو مرسل عن النبي صلى
الله عليه وسلم وحديث أيوب عن ابن سيرين غريب والمشهور عن
الحسن.
ومن باب من أعتق عبداً وله مال
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني
ابن لهيعة والليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير
بن الأشجع عن نافع عن عبد الله
(4/78)
بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: من أعتق عبداً وله مال فمال العبد له
إلاّ أن يشترط السيد.
قال الشيخ: الأصل أن مال العبد لسيده كما أن رقبته له
وإنما أضيف إليه المال مجازاً على معنى أنه يتولى حفظه
ويتصرف فيه بإذن سيده كما قيل غنم الراعي وصبيان المعلم،
والعبد لا يملك في قول أكثر العلماء، وقد قال مالك إذا
ملكه سيده ملك.
وحكي ذلك أيضاً عن الحسن البصري ولا أعلم خلافاً في أنه لا
يرث، وإذا كان أصح وجوه الملك وأقواها الميراث وهو لا
يملكه بلا خلاف فما عداه أولى بذلك.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع عبداً
وله مال فمال للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع فجعل المال
مردوداً على البائع إلاّ أن يبتاعه المشتري كما يبتاع
رقبته فيكون عبداً ومالاً معلوماً بثمن معلوم، وإذا كان
كذلك وجب أن يكون ما قاله في مال العبد المعتق متأولاً على
وجه الندب والاستحباب لأن يسمح به للعبد إذ كان العتق منه
إنعاماً عليه ومعروفاً اصطنعه إليه فندب إلى مسامحته فيما
في يده من المال ليكون إتماماً للصنيعة ورباً للنعمة التي
أسداها إليه، وقد جرى من عادة السادة أن يحسنوا إلى
مماليكهم إذا أرادوا إعتاقهم وأن يرضخوا لهم فكان أقرب ذلك
أن يتجافى له عما في يده والله أعلم.
وحكى حمدان بن سهل عن إبراهيم النخعي أنه كان يرى المال
للعبد إذا أعتقه السيد، وإليه كان يذهب حمدان قولاً بظاهر
الحديث.
ومن باب عتق ولد الزنا
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا جرير عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا شر الثلاثة.
(4/79)
قال الشيخ: اختلف الناس في تأويل هذا
الكلام فذهب بعضهم إلى أن ذلك إنما جاء في رجل بعينه كان
موسوماً بالشر، وقال بعضهم إنما صار ولد الزنا شراً من
والديه لأن الحد قد يقام عليهما فيكون العقوبة تمحيصاً
لهما؛ وهذا في علم الله لا يدري ما يصنع به وما يفعل في
ذنوبه.
وأنبأنا أبو هاشم حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبد الكريم قال كان أبو ولد الزنا يكثر أن يمر بالنبي
صلى الله عليه وسلم فيقولون هو رجل سوء يا رسول الله فيقول
صلى الله عليه وسلم: هو شر الثلاثة، يَعني الأب فحول الناس
الولد شر الثلاثة، وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا قيل ولد
الزنا شر الثلاثة قال بل هو خير الثلاث.
قلت هذا الذي تأوله عبد الكريم أمر مظنون لا يدرى صحته
والذي جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة إنما هو ولد
الزنا شر الثلاثة فهو على ما قاله رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وقد قال بعض أهل العلم أنه شر الثلاثة أصلاً وعنصراً
ونسباً ومولوداً وذلك لأنه خلق من ماء الزاني والزانية وهو
ماء خبيث.
وقد روي في بعض الحديث العرق دساس فلا يؤمن أن يؤثر ذلك
الخبث فيه ويدب في عروقه فيحمله على الشر ويدعوه إلى
الخبث، وقد قال سبحانه في قصة مريم {ما كان أبوك امرأ سوء
وما كانت أمك بغياً} [مريم: 28] فقضوا بفساد الأصل على
فساد الفرع.
وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في
قوله تعالى {ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس} [الأعراف:
179] أنه قال ولد الزنا مما ذرىء لجهنم.
وعن سعيد بن جبير أنه قال ولد الزنا ذرىء لجهنم.
وكان مالك لا يجيز شهادة ولد الزنا على الزنا خاصة دون
غيره من الشهادات للتهمة.
(4/80)
وروى بعض من احتج له في ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله
تعالى عنه أنه قال ودت الزانية أن النساء كلهن زنين.
وحكى ابن المنذر، عَن أبي حنيفة رصي الله عنه في كتاب
الاختلاف أن من ابتاع غلاماً فوجده ابن زنا كان له أن يرده
بالعيب.
فأما قول ابن عمر أنه خير الثلاثة فإنما وجهه أنه لا إثم
له في الذنب الذي باشره والده فهو خير منهما لبراءته من
ذنبهما والله أعلم.
ومن باب في ثواب العتق
قال أبو داود: حدثنا عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن
ابن أبي عبلة عن العَريف بن الديلمي عن واثلة بن الأسقع
قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب،
يَعني النار بالقتل، فقال اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو
منه عضواً من النار.
قال الشيخ: كان بعض أهل العلم يستحب أن لا يكون العبد
المعتق خصياً لئلا يكون ناقص العضو ليكون معتقه قد نال
الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه من الرق
في الدنيا. |