معالم السنن

كتاب الترجل
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد حدثنا الجُريري عن عبد الله بن بريدة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الارفاه.
قال الشيخ: معنى الارفاه الاستكثار من الزينة وأن لا يزال يهيء نفسه، وأصله من الرفه وهو أن ترد الإبل الماء كل يوم فإذا وردت يوماً ولم ترد يوماً فذلك الغب وقد أغبت فهي مغِبة فإذا جاوز ذلك صار ظمأ وأول الرِّبْع ولا يقال في الإظماء ثلث، ومنه أخذت الرفاهية وهي الخفض والدَّعة. كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الإفراط في التنعم والتدلك والدهن والترجيل في نحو ذلك من أمرالناس فأمر بالقصد في ذلك، وليس معناه ترك الطهاره والتنظيف فإن الطهارة والنظافة من الدين والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبى أمامة عن عبد الله بن كعب بن مالك، عَن أبي أمامة قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً عنده الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان.
قال أبو داود، يَعني التقحل.
قال الشيخ: البذاذة سوء الهيئة والتجوز في الثياب ونحوهما، يقال رجل باذ الهيئة إذا كان رث الهيئة واللباس.

(4/208)


ومن باب صلة الشعر
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حَدَّثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، قال محمد والواصلات، وقال عثمان والمتنمصات ثم اتفقا والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله.
قال الشيخ: الواشمات من الوشم في اليد وكانت المرأة تغرز معصم يدها بإبرة أومسلة حتى تدميه ثم تحشوه بالكحل فيخضر يفعل ذلك بدارات ونقوش، يقال منه وشمت تشم فهي واشمة، والمستوشمة هي التي تسأل وتطلب أن يفعل ذلك بها، والواصلات هن اللواتي يصلن شعورهن بشعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشعر يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر أو يكون شعرها أصهب فتصل شعرها بشعر أسود فيكون ذلك زوراً وكذباً فنهى عنه، فأما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم وذلك أن الغرور لا يقع بها لأن من نظر إليها لم يشك في أن ذلك مستعار، والمتنمصات من النمص وهو نتف الشعر من الوجه، ومنه قيل للمنقاش المنماص. والنامصة هي التي تنتف الشعر بالمنماص، والمتنمصة هي التي يفعل ذلك بها؛ والمتفلجات هن اللواتي يعالجن أسنانهن حتى يكون لها تحدد واشر يقال ثغر أفلج.

ومن باب المرأة تتطيب للخروج
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم، عَن أبي هريرة قال لقِيته امرأة وجد منها ريح الطيب ولذيلها إعصار

(4/209)


فقال يا أمة الجبار جئت من المسجد، قالت نعم، قال وله تطيبت قالت نعم، قال إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقبل لامرأة صلاة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة.
قال الشيخ: الاعصار غبار ترفعه الريح.

ومن باب الخلوق الرجل
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر قال: قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي فخلَّقوني بزعفران فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد عليَّ ورحب بي وقال إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب. قال ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ.
قال الشيخ: الردغ لطخ من بقية لون الزعفران والمتضمخ المتلطخ به.
وفيه دلالة على أن الجنب الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لم يتوضأ بعد الجنابة، قيل هو الذي لا يغتسل من الجنابة ويتخذه عادة له فهو في أكثر أوقاته جنب.

ومن باب في تطويل الجمة
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام وسفيان بن عقبة السُّوائي هو أخو قبيصة بن عقبة وحميد بن خوار عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب قلت أراه عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر

(4/210)


طويل فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذُباب ذُباب، قال فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال إني لم أعنك وهذا أحسن.
قال الشيخ: أخبرني أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى قال الذباب الشؤم.

ومن باب في الذؤابة
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال: وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة.
قال الشيخ: هكذا جاء تفسيره في الحديث وأصل القزع قطع السحاب المتفرقة شبه تفاريق الشعر في رأسه إذا حلق بعضه وأبقى بعضه بطخارير السحاب.

ومن باب الأخذ من الشارب
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد، عَن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب.
قال السيخ: معنى الفطرة ههنا السنة والاستحداد حلق العانة بالحديد.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمربإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى.
قال الشيخ: إحفاء الشارب أن يوخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضاً معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا استقصيت فيها واعفاء اللحية توفيرها من قولك عفا النبت إذا طال ويقال عفا الشيء بمعنى كثر قال الله تعالى {حتى عفوا} [الأعراف: 95] أي كثروا والله أعلم.

(4/211)


ومن باب الخضاب
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حَدَّثنا ابن وهب أخبرنى ابن جريج، عَن أبي الزبير عن جابر قال: أُتي بأبي قُحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد.
قال الشيخ: الثغامة نبات له ثمر أبيض.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة، عَن أبي الأسود الدؤلى، عَن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم.
قال الشيخ: يقال إن الكتم الوسمة ويشبه أن يكون إنما أراد به استعمال كل واحد منهما منفرداً عن غيره فإن الحناء إذا غل بالكتم جاء أسود، ويقال إن الكتم نوع آخر غير الوسمة.

ومن باب الانتفاع بمداهن العاج
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جُحادة عن حميد الشامي عن سليمان المَنْبِهي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: اشتر لفاطمة عليها السلام قلادة من عصْب وسوارين من عاج.
قال الشيخ: قال الأصمعي العاج الذبل وهو يقال عظم ظهر السلحفاة البحرية فأما العاج الذي تعرفه العامة فهو عظم أنياب الفيلة وهو ميتة لا يجوز استعماله والعصْب في هذا الحديث إن لم يكن هذه الثياب اليمانية فلست أدري ما هو وما أرى أن القلادة تكون منه.

(4/212)


ومن باب خاتم الذهب
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت الركين بن الربيع يحدث عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشرة خلال. الصفرة، يَعني الخلوق وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والتبرج بالزينة لغير محلها والضرب بالكعاب والرُّقى إلاّ بالمعوذات وعقد التمائم وعزل الماء لغير محله أو غير محله وفساد الصبي غير محرِّمه.
قال الشيخ: أما كراهية الخلوق فإنما هي للرجال خاصة دون النساء وتغيير الشيب إنما يكره بالسواد دون الحمرة والصفرة، والتختم بالذهب محرم على الرجال والتبرج للزينة لغير محلها وهو أن تتزين المرأة لغير زوجها، وأصل التبرج أن تظهر المرأة محاسنها للرجال، يقال تبرجت المرأة، ومنه قوله تبارك وتعالى {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33] .
وأما عزل الماء لغير محله فقد سمعت في هذا الحديث عزل الماء عن محله وهو أن يعزل الرجل ماءه عن فرج المرأة وهو محل الماء، وإنما كره ذلك لأن فيه قطع النسل والمكروه منه ما كان من ذلك عن الحرائر بغير إذنهن، فأما المماليك فلا بأس بالعزل عنهن ولا إذن لهن مع أربابهن. وفساد الصبي هو أن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان في ذلك فساد الصبي.
وقوله غير محرمه معناه أنه قد كره ذلك ولم يبلغ في الكراهة حد التحريم.

ومن باب خاتم الحديد
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة المعنى،

(4/213)


أن زيد بن الحباب أخبرهم عن عبد الله بن مسلم أبي طيبة السَّلمي المروزي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شَبَه فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه، فقال يا رسول الله من أي شيء اتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالاً.
قال الشيخ: إنما قال في خاتم الشبه أجد منك ريح الأصنام لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه، وأما الحديد فقد قيل إنما كره ذلك من سهوكته وريحه ويقال معنى حلية أهل النار أنه زي بعض الكفار وهم أهل النار والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن كليب، عَن أبي بردة عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدي هداية الطريق، واذكر بالسداد تسديدك السهم، قال ونهاني أن أضع الخاتم في هذه أو هذه السبابة والوسطى شك عاصم ونهاني عن القَسِية والمِيثرة.
قال الشيخ: قوله واذكر بالهدى هداية الطريق، معناه أن سالك الطريق والفلاة إنما يؤم سمت الطريق ولا يكاد يفارق الجادة ولا يعدل عنها يمنة ويسرة خوفاً من الضلال وبذلك يصيب الهداية وينال السلامة يقول إذا سألت الله الهدى فاخطر بقلبك هداية الطريق وسل الله الهدى والاستقامة كما تتحراه في هداية الطريق إذا سلكتها.
وقوله واذكر بالسداد تسديدك السهم معناه أن الرامي إذا رمى غرضاً سدد بالسهم نحو الغرض، ولم يعدل عنه يميناً ولا شمالاً ليصيب الرمية فلا يطيش

(4/214)


سهمه ولا يخفق سعيه يقول فاخطر المعنى بقلبك حين تسأل الله السداد ليكون ما تنويه من ذلك على شاكلة ما تستعمله في الرمي، وقد فسرنا القسية والميثرة فيما مضى من الكتاب.

ومن باب ربط الأسنان بالذهب
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الخزاعي المعني قالا: حَدَّثنا أبو الأشهب عن عبد الرحمن بن طرَفة أن جده عَرْفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكُلاب فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفاً من ذهب.
قال الشيخ: يوم الكلاب يوم معروف من أيام الجاهلية ووقعة مذكورة من وقائعهم، والورق مكسورة الراء الفضة، والورق بفتح الراء المال من الإبل والغنم.
وفيه إباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الأسنان به وما جرى مجراه مما لا يجري غيره فيه مجراه.

ومن باب في الذهب للنساء
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا يحيى أن محمود بن عمرو الأنصاري حدثه أن أسماء بنت يزيد بن السكن حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها قلادة مثله من النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصاً من ذهب جعل الله في أذنها مثله من النار يوم القيامة.
قال الشيخ: الخرص الحلقة وهذا يتأول على وجهين: أحدهما أنه إنما قال ذلك

(4/215)


في الزمان الأول، ثم نسخ وأبيح للنساء التحلي بالذهب، ققد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير، فقال هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها.
والوجه الآخر أن هذا الوعيد إنما جاء فيمن لا يؤدي زكاة الذهب دون من أداها والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل حدثنا خالد عن ميمون القنَّاد، عَن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النِّمار وعن لُبس الذهب إلاّ مقطعاً.
قال الشيخ: أراد بالمقطع الشيء اليسير نحو الشنف والخاتم للنساء وكره من ذلك الكثير الذي هو عادة أهل السرف وزينة أهل الخيلاء والكبر. واليسير هو ما لا يجب فيه الزكاة، ويشبه أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه لأن صاحبه ربما ضن بإخراج الزكاه منه فيأثم ويحرج وليس جنس الدهب بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله وكثيره.