معالم السنن مقدمة الحافظ الكبير أبي طاهر السلفي
المتوفى سنة 576 رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم. أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام شيخ الإسلام
الحافظ الصدر بقية السلف أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم
السِّلفي الأصبهاني رضي الله عنه قراءة عليه في منزله وأنا
أسمع فأقرَّ به رضي الله عنه قال: أما بعد حمد الله تعالى
على كل حال، والصلاة على المصطفى محمد وآله خير آل
والمرتضين أصحابه في مقال وفعال، فقد اقترح عليَّ في ذي
قعدة سنة ست وأربعين وخمسمائة جماعة من أعيان فقهاء الثغر
المحروس أن أملي عليهم شيئاً من الحديث في خلال الدروس من
غير اخلال بها وتقصير يلحقها ومداومة يذهب بها بهاؤها
ورونقها، فاستجدت مقالهم وأجبت سؤالهم، وعينت عليّ يومين
الخميس والاثنين، وأمليت من رواياتي عن مشايخي مجالس تحتوي
على الصحيح من الحديث والغريب وبعيد الإسناد والقريب؛
وحكايات في أواخرها ومن الأشعار فاخرها كما جرت به العادة
وسنة قبلنا الحفاط القادة في أماليهن ورواية عواليهم،
ثم قطعتها
(4/355)
معولاً على إملاء كتاب جامع يتضمن أحاديث
الأحكام على أقصى غاية من الأحكام، يصلح الأئمة الكبار؛
وفحول الفقهاء النظار، عرى عن المعهود في الأمالي، ويكون
ذلك من رواياتي العوالي، فلم أتمكن مما عولت عليه وقصدته
لبعد مسموعي عني الذي في حضري وسفري حصلته فدعتني الضرورة
حينئذ إلى العدول عن ذلك إلى إملاء كتاب مصنفه مشهور،
وبالحفظ والثقة مذكور ويستغني بشهرته عن مدح مادح، ولا
يتطرق إليه قدح قادح، وينتفع بما فيه اعلام العلماء، وكافة
الفقهاء، ولا يخلو عن الحديث المعنعن كما يحتوي على الفقه
المستنبط من نصوص الكتاب والسنن، فلولا الإسناد لقال من
شاء ما شاء، ولم يبال أحسن أم أساء، فلم أر ما هو باملاء
أولى، وعند الانتقاء أعلى وأجلى من موطأ الإمام مالك بن
أنس الأصبحي الألمعي الثقة المتفق شرقاً وغرباً على تقدمه
وإمامته وديانته فيما يرويه وأمانته وعلى ما رزق من
الاتقان والضبط والبعد من التخليط والخبط، فعند استقراره
والثبوت على استمراره، سئلت في إبانة ما عسى يتبين في لفظه
أو معناه إشكال ويتعين عنه سؤال، فتأبيت هنالك عجزاً عن
ذلك على ما بينته مبسوطاً، وما يكون به منوطاً في مقدمة
كتاب الاستذكار لابن عبد البر في شرحه المستحق للمبالغة في
تقريظه ومدحه وملت إلى املائه في أبرك الأوقات بعون الله
تعالى والقائه إذ ليس في الشروحات على كثرتها مثله، وقد
بان من تأليفه البديع علمه وفضله فتصديت له وشرعت فيه
شروعاً ارتضيه، وهو كتاب كبير في إحدى النسخ ثلاثون مجلداً
لكن بخط واضح أنيق، وفي أخرى أحد عشر بخط دقيق، وقد كتب به
إلىَّ أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي
رواية، عَن أبي عمر مؤلفه
(4/356)
في الأندلس سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وكان ابتداء الشروع في الالقاء على الأصحاب الفقهاء وفقهم
الله وأعانهم على تحصيل العلم الذي زانهم في المدرستين إما
العادلية أو الصالحية نفع الله منشيهما بالإنشاء واثابنا
نحن بالإملاء على ما كان يتفق ويتسهل في كل أسبوع يومين
الخميس على ما ذكرته آنفاً والاثنين في شهور سنة إحدى
وخمسين وخمسمائة ووقع الفراغ منه في أواخر ذي القعدة سنة
إحدى وستين فحمدت الله تعالى على إفضاله وإنعامه وإكمال
الكتاب واتمامه وهو تعالى المسؤول في نفعنا بالعلم وحمله
وضبطه ونقله وجعلنا من بررة أهله بسعة فضله وطوله.
واخترت بعد استخارة الله سبحانه في هذا الأوان الشروع في
إملاء ديوان آخر شرعي يصلح للفقهاء الأعيان وينتفع به كذلك
المتفقه فيما يكون بصدده ويعده من أوفى عدده ولا يخلو من
الإسناد الذي عليه جل الاعتماد بل يكون به منوطاً ووجوداً
مشروطاً، فلم أر أحسن من شرح أبى سليمان الخطابي البستي
لكتاب أبي داود السجزي فهو كتاب جليل، وفي إلقائه عاجلاً
ذكر جميل، وآجلاً إن شاء الله تعالى ثواب جزيل. وقد أردت
أن أقدم ههنا أيضاً فصلاً في التنبيه على جلالة أبي داود
وما صنفه، وفضل أبي سليمان وشرحه الذي ألفه كما فعلت في
مقدمة الاستذكار الكبير المقدار، وإن كان أبو سليمان قد
كفانا ذلك بما ذكره في خطبة كتابه بحسن خطابته وخطابه.
أما كتاب أبي داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل
الحل والعقد من الفقهاء وحفاط الحديث النبهاء على قبولها
والحكم بصحة أصولها وما ذكره في أبوابها وفصولها بعد
الموطأ المتفق على الصحة وعلو درجة مصنفه ورتبته،
(4/357)
وحين عرض كتاب أبي داود على أحمد بن حنبل
ورآه استحسنه وارتضاه، وحسبه ذلك فخراً.
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي وأحْرِ به حراً حين وقف عليه
وصح ما فيه لديه، ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود
الحديد.
وروي مثل هذا القول عن محمد بن إسحاق الصغاني فيه وقد يقع
الحافر على الحافر، ويوافق قول الأول قول الآخر، وقد قرأت
أنا هذه الحكاية وفوائد أُخر من الكتاب على الإمام أبي
المحاسن الطبري قاضي قضاة طبرستان بالري سنة إحدى
وخمسمائة، وناولني الكتاب جميعه من يده إلى يدي وأذن لي في
روايته عنه على جري العادة ومذهب الفقهاء السادة وحفاط
الحديث في القديم والحديث.
وكان من غرضي كتابته ومن بعد الكتابة قراءته فمنعني عن
بلوغ الغرض عارض من المرض، والله أحمد على ما سرّ وساء
وأشكره على قضاء قد قدر وشاء.
وكان ينفرد به وإليه يرحل من كل قطر بسببه. وشيخُه فيه أبو
نصر البلخي الذي بغزنة رواه عنه عن المؤلف عالياً رواه سوى
أبواب يسيرة سقطت على أبي نصر فأخذها، عَن أبي الحسن
اللبان الدينوري نازلاً بغزنة أيضاً، عَن أبي مسعود
الكرابيسي، عَن أبي سليمان.
وقد كتبه الفقيه أبو بكر الطرطوشي ببغداد بخطه في المدرسة
النظامية سنة ثمان وسبعين وأربعمائة صحيفة من غير سماع إذ
لم يجد من يرويه له بالعراق
(4/358)
وإنما كان ينفرد به أبو المحاسن كما ذكرته
ولم يتيسر إلاّ عنه ولا أخذ رواية إلاّ منه. وأصل كتاب
الطرطوشي هو الآن في ملكي.
واستيفاء ذكر أبي داود وفضله وتقدمه في علم الحديث عند
أهله ومعرفته بكل نقلته ورواته وجل حملته ووعاته يتعذر في
هذه المقدمة فيقتصر على القليل منه الذي لا يستغنى عنه.
فأما نسبه فقد قال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح
والتعديل سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر. وقال
محمد بن عبد العزيز الهاشمي فيما روى عنه ابن جميع
الصيداوي سليمان بن الأشعث بن بشير بن شداد، وروى أبو بكر
بن داسة وأبو عبيد الآجري البصريان فقالا سليمان بن الأشعث
بن إسحاق بن بشير بن شداد، وكذلك نسبه أبو بكر الخطيب في
تاريخ بغداد. وقال ابن شداد بن عمرو بن عمران أبو داود
الأزدي السجستاني زاد بعد شداد عمر أو عمران، وهذا القول
في نسبه أمثل والقلب إليه أميل ثم الله تعالى أعلم.
وشيوخه كثيرون ومنهم عبد الله بن مسلمة القعنبي وأبو
الوليد الطيالسي وأبو عمر الحوضي وسليمان بن حرب الواشحي
وأبو سلمة التبوذكي وأحمد بن يونس اليربوعي وهشام بن عمار
الظفري وأبو الجماهر التنوخي وأبو طاهر بن السرح وقتيبة بن
سعيد وآخرون من أهل العراق والشام ومصر وخراسان وقد تلمذ
على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعنهما أخذ علم الحديث
وعلق عنه أحمد حديثا واحداً وأثبته بخطه في دفتر وأفاده
لابن أبي سمينة أبي جعفر
(4/359)
وحدث عنه من أقرانه الحافظ أبو عبد الرحمن
النسوي وأبو عيسى الترمذي وأبو محمد الجواليقي قاضي
الأهواز وأبو بشر الدولابي الرازي وآخرون من المتأخرين قد
ذكرناهم في غير هذا الموضع، فأذكر الآن ههنا مما قرأت على
أبي المحاسن من الكتاب؛ ويعد من لباب اللباب أعني كتاب
الخطابي فوائد لتقع من طلاب الحديث العارفين بقوانين
التحديث في كل موضع أحسن موقع ولأميزها كذلك عن المناولة
من الكتاب إذ ذلك عين الصواب فالمناولة بالإجماع لا تبلغ
درجة السماع، ولهذا يجب تعيين المسموع من المجاز وتبيين
الحقيقة من المجاز عند من له بالمجازات إيمان وإيقان،
ولديه فيما يعانيه خوفاً من الله ضبط واتقان.
والموعود بإيراده معنعناً بأسناده وإن ليس من إعادته بد في
أثناء خطبة الكتاب على نص ما ذكره مؤلفه للطلاب ما أخبرني
القاضي أبو المحاسن الروياني بقراءتي عليه بالري نا أبو
نصر البلخي بغزنة أنا أبو سليمان الخطابي أخبرني أبو عمر
محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب أبي العباس أحمد بن يحيى
قال: قال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود هذا الكتاب،
يَعني كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود
النبي صلى الله عليه وسلم الحديد، فنظمت أنا هذا الكلام
المنقول عن الحربى بثغر سَلَماس بعد سماعي من أبي المحاسن
بالري لاستحساني ما ماس وقلت:
(4/360)
لان الحديث وعلمه بكماله ... لإمام أهله
أبي داودا
مثل الذي لان الحديد وسبكه ... لنبي أهل زمانه داودا
هكذا كتبناه، عَن أبي المحاسن في صدر معالم السنن للخطابي
من قول إبراهيم بن إسحاق الحربي. وقد أخبرنا محمد بن طاهر
بن علي المقدسي بهمذان أنا أبو القاسم علي بن عبد العزيز
الخشاب بنيسابور أنا محمد بن عبد الله بن البيع فيما أذن
لنا قال سمعت أبا سليمان الخطابي يقول سمعت إسماعيل بن
محمد الصفار يقول سمعت محمد بن إسحاق الصغانى يقول الين
لأبي داود السجستاني الحديث كما الين لداود النبي الحديد.
وسمعت القاضي أبا المحاسن الروياني يقول سمعت أبا نصر
البلخي بغزنة يقول سمعت أبا سليمان الخطابي يقول سمعت أبا
سعيد بن الأعرابي ونحن نسمع منه هذا الكتاب، يَعني كتاب
السنن لأبي داود وأشار إلى النسخة وهي بين يديه ولو أن
رجلاً لم يكن عنده من العلم إلاّ المصحف الذي فيه كتاب
الله تعالى ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم
بتة.
أخبرني القاضي أبو المحاسن بالري، حَدَّثنا أبو نصر البلخي
بغزنة أنا أبو سليمان الخطابي حدثني عبد الله بن محمد
المسكي حدثني أبو بكر بن جابر خادم أبي داود قال: كنت معه
ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب ففتحته فإذا خادم يقول
هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن؛ فدخلت إلى أبي داود
فأخبرته بمكانه فأذن له فدخل وقعد ثم أقبل عليه أبو داود
وقال ماجاء بالأمير في مثل هذا الوقت فقال: خلال ثلاث،
قال: وما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً فترحل
إليك طلبة العلم من أقطار الأرض فتعمر بك، فإنها قد خربت
وانقطع عنها
(4/361)
الناس لما جرى عليها من محن الزنج، فقال
هذه واحدة فهات الثانية، قال وتروي لأولادي السنن، فقال
نعم هات الثالثة، قال وتفرد لهم مجلساً للرواية فإن أولاد
الخلفاء لا يقعدون مع العامة، فقال أما هذه فلا سبيل إليها
لأن النلس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء.
قال ابن جابر فكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون في كمحيرى
ويضرب بينهم وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة.
وهذه جملة ما قرأته على أبي المحاسن من صدر الكتاب سوى ما
لعله من أثنائه أودعه تخريجاً له وسمعته عليه وسأعيدها عند
املاء الكتاب إن شاء الله تعالى أعني كتاب معالم السنن.
وأما السنن فكتاب له صيت في الآفاق، ولا يرى مثله على
الإطلاق، وهو كما ذكرت فيما تقدم أحد الكتب الخمسة التي
اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب والمخالفون لهم
كالمتخلفين عنهم بدار الحرب وكل من رد ما صح من قول الرسول
ولم يتلقه بالقبول ضل وغوى، إذ كان عليه الصلاة والسلام ما
ينطق عن الهوى ومشاققته الرسول الأمين واتباعه غير سبيل
المؤمنين قد رفض الدين وأسخط الله وأرضى إبليس اللعين، وفي
الكتاب العزيز الذي عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ولو كان
بعضهم لبعض ظهيراً {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نواه ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيراً} [النساء: 155] .
وحيث فرغنا من هذا الباب نذكر إسنادنا في الكتاب وقد رواه
عنه أبو علي اللؤلؤي وأبو بكر بن داسة البصريان وغيرهما من
الرواة الأعيان. ومنهم وراقه
(4/362)
أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي.
فأما رواية اللؤلؤي فقد كتب إليَّ أبو طاهر جعفر بن محمد
بن الفضل العباداني من البصرة على يدي صاحبنا أبي نصر
اليونارتي رحمه الله، قال أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر
الهاشمي، حَدَّثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو وأحمد بن
محمد بشرويه وآخرون بأصبهان، قالوا أنبأنا أبو نعيم أحمد
بن عبد الله بن إسحاق الحافظ قال: كتب إلي أبو بكر محمد بن
بكر بن داسة البصري، حَدَّثنا أبو داود.
وقد سمعت الإمام أبا الطيب حبيب بن أبي مسلم الطهراني
بأصبهان سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة يقول سمعت أبا بكر بن
علي المديني يقول سمعت المحسن بن محمد بن إبراهيم الواذري
يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: من
أراد أن يستمسك بالسنن فليقرأ سنن أبي داود. هذا المنام
كما ترى ورؤيا المؤمن عند من قرأ العلم ودرى هي في الصحة
والقوة كجزء من النبوة.
وطهران والمدينة وواذار ثلاثتها من قطر أصبهان، والمدينة
هي المعروفة بشهرستان بلدة كبيرة عامرة بالخلق وطهران
وواذار ضيعتان من ضياعها كبيرتان والمحسن يكنى أبا العلاء
ولأبي سعيد الرستمي وكان من مجيدي شعراء أصبهان (*)
(4/363)
ابن قحطان قصيدة طويلة (*) أبيات يذكر فيها
(*) الدنيا (*) القاضي أبو طاهر أحمد الجربدقاني أنبأنا
أبو الفضل إسماعيل الجربادقاني الكاتب أنبأنا (*) المظفر
ابن شهدان الأصبهاني أنشدنا الرستمي لنفسه:
حجي إلى الباب الجديد وكعبتي ... الباب العتيق وبالمصلى
الموقف
والله لو عرف الحجيج مكاننا ... من زندروز وجسره ما عرفوا
أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا ... بالخندقين عشية ما طوفوا
زار الحجبج مني وزار ذوو الهوى ... جسر الحسين وشعبه
واستشرفوا
ورأوا ظباء الخيف في جنباته ... فرموا هنالك بالجمار
وخيفوا
أرض حصاها جوهر وترابها ... مسك وماء المد فيها قرقف
هذا قد مضى، وفرغ وانقضى، ونرجع إلى السنن فكتاب السنن
أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي بهمذان أنا
أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي الفقيه قدم علينا
الري حاجاً أنا علي بن محمد بن نضرة الدينوري، حَدَّثنا
القاضى أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد المالكي، حَدَّثنا
أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد حدثني أبو بكر محمد بن
إسحاق، حَدَّثنا الصولي قال: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى
الساجي يقول كتاب الله عز وجل الإسلام، وكتاب السنن لأبي
داود عهد الإسلام.
وسمعت أبا الحسن علي بن مسلم بن الفتح السلمي الفقيه بدمشق
يقول سمعت أبا نصر الحسين بن محمد بن طلاب القرشي يقول
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا يقول
سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفضل بن يحيى
بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث
(4/364)
بن عبد المطلب بمكة يقول سمعت أبا داود
سليمان بن الأشعث بن بشير بن شداد السجستاني بالبصرة وسئل
عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جواباً لهم فأملى
عليهم: سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ
هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه
وسلم أما بعد؛ عافانا الله وإياكم فهذه الأربعة الآلاف
والثمانمائة الحديث كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة من
الزهد والفضائل وغيرها من غير هذا فلم أخرجها والسلام
عليكم ورحمة الله، وصلى الله على محمد النبي وآله هذا آخر
ما أخبرنا به الفقيه أبو الحسن بدمشق.
وقد سمعت أبا الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي الحافظ
بهمذان في كتاب اليواقيت من تأليفه يقول: قال أبو داود في
رسالته إلى أهل مكة، وربما اختصرت الحديث الطويل لأني
لوكتبته بطوله لم يعلم بعض من يسمعه ولا يعلم موضع الفقه
منه فاختصرته لذلك. وسمعت أبا الفضل المقدسي بهمذان يقول:
حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أن شرط أبي
داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا
صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال.
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن الأبنوسي
ببغداد أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ حدثني أبو
بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري بلفظه قال
سمعت أبا بكر بن داسة يقول سمعت أبا داود يقول كتبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت
منها ما ضمنته هذا الكتاب، يَعني كتاب السنن جمعت فيه
أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه
ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث أحدها قوله صلى الله
عليه وسلم الأعمال بالنيات، والثاني قوله من حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه، والثالث قوله لا يكون المؤمن
مؤمنا
(4/365)
حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه، والرابع
قوله الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات
الحديث. . أبو داود سليمان بن الأشعث قال أقمت بطرسوس
عشرين سنة كتبت المسند وكتبت أربعة آلاف حديث لمن وفقه
الله فأولها ما رواه الشعبي عن النعمان عن النبي صلى الله
عليه وسلم الحلال بين والحرام بين، لم يذكر أبو نعيم في
روايته هذه عن العثماني غير هذا القدر لا أزيد. وقد رواه
عنه ابن فارس اللغوي مؤلف مجمل اللغة فذكر الأحاديث
الثلاثة الباقية وبينها وعين عليها وأثبتها، وابن فارس
وأبو نعيم في درجة واحدة في رواية هذا الكلام وإن كان ابن
فارس أقدم وفاة وأعلى إسناداً، وقد وقعت الحكاية لنا عالية
من رواية أبي نعيم ورواية ابن فارس النازلة فأنبأنا ابن
السراج البغدادي ببغداد وابن بعلان الكبير الحنوي بحاني
قالا كتب إلينا أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازي من
ثغر صور أبا أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني
حدثني أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني، حَدَّثنا أبو
القاسم يعقوب بن محمد بن صالح القرشي، حَدَّثنا محمد بن
صالح الهاشمي، حَدَّثنا ابن الأشعث قال أقمت بطرسوس عشرين
سنة كتبت المسند فكتبت أربعة آلاف حديث ثم نظرت فإذا مدار
أربعة آلاف على أربعة أحاديث لمن وفقه الله جل ثناءه
فأولها حديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين،
وثانيها حديث عمر الأعمال بالنيات، وثالثها حديث أبي هريرة
إن الله طيب لا يقبل إلاّ الطيب، ورابعها حديث أبي هريرة
أيضاً من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
أخبرنا محمد بن طاهر المقدسي بهمذان أنا أبو بكر أحمد بن
علي الشيرازي
(4/366)
بنيسابور أنا الحاكم أبو عبد الله في
كتابه، قال سمعت الزبيري عبد الله بن موسى الثوري يقول
سمعت أبا عبد الله بن مخلد يقول كان أبو داود سليمان بن
الأشعث يفي بمذاكرة مائة ألف حديث ولما صنف كتاب السنن
وقرأه على الناس صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه
ولا يخالفونه وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
كتب إليَّ أبو مكتوم عسيى بن أبي ذر الهروي من مكه قال
أنبأنا أبو ذر قال أجاز لي أبو علي أحمد بن عبد الله بن
محمد الأصبهاني بالري، قال أجاز لي أبو محمد عبد الرحمن بن
أبي حائم!!! ، قال سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن
عامر الأزدي أبو داود السجستاني روى عن عبد الله بن مسلمة
القعنبي وموسى بن إسماعيل التبوذكي ومحمد بن كثير العبدي
وأحمد بن حنبل ومسدد بن مسرهد رأيته ببغداد وجاء إلى أبي
مسلماً وهو ثقة.
وأنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
ببغداد وآخرون قالوا أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر
البرمكي أنبأنا أبو الحسين محمد بن العباس بن الفرات
الحافظ أنا محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عُصم الضبي،
حَدَّثنا أحمد بن محمد بن ياسين الهروي، قال سليمان بن
الأشعث أبو داود السجزي كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسنده في أعلى درجة
النسك والعفاف والصلاح والورع من فرسان الحديث.
أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بهمذان أنا أبو
عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن منده العبدي بأصبهان
قال: قال أبي أبو عبد الله بن منده الحفاظ الذين أخرجوا
الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب
(4/367)
أربعة أبو عبد الله البخاري وأبو الحسين
مسلم بن الحجاج النيسابوري وبعدهما أبو داود السجستاني
وأبو عبد الرحمن النسائي سمعت القاضي أبا الفتح إسماعيل بن
عبد الجبار بن محمد المالكي بقزوبن، قال سمعت أبا يعلى
الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي الحافظ املاءً في كتاب
الإرشاد في معرفة علماء الحديث من تأليفه قال أبو بكر عبد
الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني الحافظ الإمام ببغداد
في وقته عالم متفق عليه إمام ابن امام له كتاب المصابيح
شارك أباه بمصر والشام في شيوخه سمع عيسى بن حماد وأحمد بن
صالح المصري الحافظ وأيوب العسقلاني والأئمة بمصر وجميع
الشام وبغداد وأصبهان وسجستان وشيراز وخراسان مات سنة ست
عشرة وثلاثمائة أدركت من أصحابه جماعة.
واحتج به من صنف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري وابن
حمزة الأصبهاني وكان يقال أئمة ثلاثة في زمان واحد ابن أبي
داود ببغداد وابن خزيمة بنيسابور وابن أبي حاتم بالري، قال
الخليلي ورابعهم ببغداد أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد
مولى ابن هاشم ثقة إمام يفوق في الحفظ أهل زمانه ارتحل إلى
مصر والشام والحجاز والعراق منهم من تقدمه في الحفظ على
أقرانه منهم أبو الحسن الدارقطني الحافظ ومات ابن صاعد سنة
ثماني عشرة وثلاثمائة، هذا ما ذكره الخليلي في كتابه وكان
من حفاط زمانه متفقاً عليه في حفظه وإتقانه.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ في كتاب معرفة
علوم الحديث من تأليفه الذي قرأته على أبي القاسم إسماعيل
بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان سنة ثلاث وتسعين
وأربعمائة، عَن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي عنه،
وذكر في باب منه نفراً من الحفاظ، ثم قال قد اختصرت هذا
الباب
(4/368)
وتركت أسامي جماعة من أئمتنا كان من حقهم
أن أذكرهم في هذا الموضع فمنهم أبو داود السجستاني، وقرأت
على أبي الحسين علي بن الحسن بن الحسين الطائي بدمشق، عَن
أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقري الأهوازي، قال
سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر محمد بن بكر بن عبد الرزاق
المعروف بابن داسة يقول كنت يوماً سائراً إلى الأُبُلَّة
لالقى أبا داود السجستاني فجعلت طريقي على سهل بن عبد الله
فلما دخلت إليه رأى معي المحبرة، فقال لي تكتب الحديث فقلت
نعم وتمضي إلى أبي داود وتسمع منه، قلت نعم، قال هب أنك
أبو داود السجستاني وكتبت ما كتب وجمعت ما جمع وعشت ما عاش
وصارت الرحلة إليك كما الرحلة إلى أبي داود لا ينفعك شيء
من ذلك أو تعمل به، قال أبو بكر بن داسة فجرح قلبي كلام
الشيخ وتألم سري فجئت أبا داود وأنا منكسر فقال لي مالك،
فقلت له آذى بشري هذا العجمي أعني سهلاً وذكرت ما جرى لي
معه، فقال لي أبو داود قم بنا إليه فجاء معي إليه، فلما
رآه سهل قام له قائماً وكان سهل لا يقوم لأحد وقبله وأجلسه
إلى جنبه وتنحى له من بعض مقعده وتذاكرا، فقال له أبو داود
فيما جرى بينهما حديث كتبت عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد أعياني فقال له سهل ما هو فقال له أبو داود قول
النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على فطرة الإسلام
فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، فقال له سهل: نعم، معنى
قوله: كل مولود يولد على فطرة الإسلام، يَعني عل خلقة
الإسلام، ومعنى قوله فأبواه يهودانه، يَعني يحسنان له
اليهودية والنصرانية والمجوسية ويحملانه إلى بيوت عبادتهم،
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: بعثت داعياً وليس
إليَّ من الهداية شيء وخلق
(4/369)
إبليس مذنباً وليس إليه من الضلالة شيء،
قال: فانكب أبو داود فباس رجل سهل؛ قال أبو علي قال لي أبي
قلت لابن داسة كنت تخرج إلى أبي داود إلى الأبلة فقال لي
أقمت أربع سنين أخرج إليه في كل يوم أمر وأجيء، قال لي أبي
وكان ابن داسة له بستان حسن فكان ربما يقعد في البستان
عمداً لأصحاب الحديث حتى إذا جئنا إليه إلى البستان أطعمنا
شيئاً وقدم لنا من الثمر الذي في البستان في كل حين ما
حضر.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن زنجويه المفتي بزنجان أنا
أبو القاسم الحسن بن محمد بن شبيب الشيرازي بنيسابور حدثني
إسحلق بن إبراهيم الحافظ، قال سمعت الخليل بن أحمد القاضي
يقول سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن الليث قاضي بلدنا يقول
جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني؛ فقال
يا أبا داود لي إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قد
قضيتها مع الإمكان، قال قد قضيتها مع الإمكان، قال اخرج
إلي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أقبله فأخرج إليه لسانه فقبله.
لم يسهل على سهل هذا الفعل مع انقباضه عن الناس وانزوائه
عنهم ميلاً منه إلى اليأس وايثاره الخمول وتركه الفضول
إلاّ لاحياء أبي داود الحديث والشرع الشريف بالبصرة عقيب
ما جرى عليها من الزنوج القائمين مع القرمطي وخرابها وقتل
علماءها وأعيانها ما جرى واشتهر عند الخاص والعام من الورى
واتيان الموفق إليه وسؤاله إياه على التوجه في الانتقال
إليها ليرحل إليه ويؤخذ عنه كتابه في السنن وغير ذلك من
علومه وتتعمر به كما تقدم فيما أمليناه إذ تحقق أن مقامه
بها وكونه بين أهليها يقوم مقام كماة انجاد وحماة أمجاد
وقليل ما فعله
(4/370)
سهل في حقه حين رأى الحق المستحق والله
تعالى يثيب الجميع بنياتهم الجميلة وما قد حازوه من
الفضيلة وينفعنا باتباعهم ومحبتهم ويحشرنا بمنه وكرمه في
زمرتهم.
وفضائل أبي داود كثيرة ورتبته بين أهل الرتب كبيرة وما
أوردته ههنا من فضله، وقول كبير بعد كيير فقليل من كثير،
وغرضا التقليل والاختصار لا التطويل وا لاكثار.
وقد ذكرت الطرق العالية التي وقعت لي إليه في بعض تخريجاتي
على وجه يعول عليه ومن أعزها وجوداً وأحسنها وروداً رواية
أبي بكر الصولي فهو قديم الوفاة يذكر مع الأنباري وابن
دريد ونفطويه وأقرانهم لكونه في زمانهم توفي سنة خمس
وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة ست بالبصرة لإضاقة لحقته
ببغداد فانحدر إليها على ما الخطيب في تاريخه رواها:
ومن قضيت منيته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها
أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي رئيس
أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، أنبأنا أبو عبد الله
الحسين بن الحسن بن محمد الغضائري ببغداد سنة ثلاث عشرة
وأربعمائة،، حَدَّثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي سنة
أربع وثلاثين وثلاثمائة، أنا أبو داود سليمان بن الأشعث،
حَدَّثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حَدَّثنا يحيى عن عبد
الملك عن عطاء عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه
إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما
كسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله عليه وسلم
فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات كبر، ثم قرأ فأطال
القراءة ثم ركع نحواً مما قام ثم رفع رأسه فقرأ دون
القراءة الأولى ثم ركع نحواً مما قام ثم رفع رأسه فقرأ
(4/371)
القراءة الثالثة دون القراءه الثانية، ثم
ركع نحواً مما كان ثم رفع رأسه وانحدر للسجود فسجد سجدتين
ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلاّ
والتي قبلها أطول منها إلاّ أن يكون ركوعه نحواً من قيامه
ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه ثم تقدم فقام في مقامه
وتقدمت الصفوف معه فقضى بعض الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال
يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا
ينكسفان لموت بشر فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فصلوا حتى
تنجلى.
هذا الحديث في علوه كما رواه يفتخر به من سمعه ممن بهذا
السند في هذا الأوان رواه وتقنع من إيراد طرق حديثه
العوالي بهذا الطريق والله تعالى ولي التوفيق.
وقد كان رحمه الله في زمانه يراجع في الجرح والتعديل ويدون
كلامه ويعول عليه غاية التعويل وعندي من ذلك سؤالات في
غاية الجودة مفيدة ممتعة وفي الاعلام لعلة الجسم مقنعة،
ومن جملتها ما رواه عند أبو عبيد الآجري في خمسة أجزاء
ضخام بخطي في كل جزء ثلاثون ورقة سوى الرابع والخامس فهما
انقص من ذلك واذكر ههنا يسيراً منها واجعلها أنموذجاً
عنها.
أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
ببغداد أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور العتيقي قال
كتب إلينا محمد بن عدي بن زحر المنقري من البصرة، حَدَّثنا
أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري البصري، قال سأنت
أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن
عمرو السجستاني عن عروة بن أذينة قال مديني شاعر حدث عنه
يحيى بن سعيد وعبيد الله
(4/372)
بن عمر ومالك لا أعلم له إلاّ حديثاً
واحداً،
وقال سمعت أبا داود يقول: صالح مولى التوأمة هو ابن نبهان
والتوأمة امرأة، وقال سألت أبا داود عن المغيرة بن عبد
الرحمن المخزومي فقال ضعيف، فقلت إن عباساً حكى عن يحيى
أنه يضعف الخزامي ووثق المخزومي فقال غلط عباس، وقال سألت
أبا داود عن عبد الله بن سمعان فقال عبد الله بن سمعان كان
من الكذابين ولي قضاء المدينة وقال سألت أبا داود عن عبد
العزيز الماجشون فقال ثقة قال أبو الوليد كان يصلح
للوزارة، وقال قلت لأبي داود أين مات حمزة الزيات قال مات
بحلوان قال وسألت أبا داود عن وهب بن كيسان فقال ثقة حدث
عنه مالك يكنى أبا نعيم، وقال سئل أبو داود عن نسب مالك
فقال سمعت أحمد بن صالح يقول مالك صحيح النسب من ذي أصبح،
قال الزهري حدثني أنس بن أبي أنس عديد بني تميم، قال وسمعت
أبا داود يقول ولد مالك سنة اثنين وتسعين ومات سنة تسع
وسبعين ومائة، وقال سمعت أبا داود يقول ما رأيت أحمد بن
حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.
هذا القدر يغني عما هو أكثر ويقتنع به عن الذي منه أوفر
ويستدل به على علم أبي داود بالرجال وأنه كان في معرفة
الحديث وروايته جبلاً من الجبال.
ومما يدل على أنه لم يكن يداهن في دينه عند السؤال بل يصرح
بالحق من المقال ما أخبرنا محمد بن أبي العباس الرازي أنا
محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري
(4/373)
أنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن نصر
الذهلي حدثني أبو العباس محمد بن رجاء البصري، قال قلت
لأبي داود السجستاني لم أرك حدثت عن الرمادي فقال رأيته
يصحب الواقفة فلم أحدث عنه. الرمادي هذا هو أبو بكر أحمد
بن منصور من حفاظ الحديث الاعلام وثقات علماء الإسلام وقد
توقف أبو داود عن الرواية عنه لصحبته (1) وما ذكره ومن
أمره أنكروا.
وأما مولده ووفاته فقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن
أحمد الصيرفي ببغداد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد
البرمكي أنا أبو الحسين محمد بن العباس بن الفرات في كتابه
قال قرىء على أبي عبد الله محمد بن مخلد العطار وأنا أسمع
مات أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في شوال سنة خمس
وسبعين ومائتين.
أخبرني أبو بكر بن مختار أنه جاءه كتاب من البصرة بذلك
وأخبرنا أبو الحسين بن الطيوري بمدينة السلام أنا أبو محمد
الجوهري، عَن أبي عمر بن جبويه الخزاز، قال قرىء على أبي
الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وأنا أسمع سنة إحدى
وثلاثين وثلاثماية، قال جاءنا نعي أبي داود سليمان بن
الأشعث السجستاني من البصرة أنه مات سنة خمس وسبعين
ومائتين بالبصرة، وقد بلغ سنه ثلاثاً وسبعين سنة وكان
ميلاده سنة اثنتين ومائتين فيما أخبرنا بذلك عنه.
أخبرنا أبو الحسين القطيعي بقطيعة الربيع أنا أبو الحسن
العتيقي قال كتب إلينا
_________
(1) بياض في الأصل.
(4/374)
محمد بن عدي بن زحر المنقري من البصرة قال،
حَدَّثنا أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري قال سمعت
أبا داود السجستاني يقول ولدت سنة اثنتين ومائتين قال أبو
عبيد ومات لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين وصلى
عليه عباس بن الواحد الهاشمي.
وقد نظمت فيه وفي كتابه العظيم الذكر مقطعات من الشعر فمن
جملتها
أولى كتاب لذي فقه وذي نظر …ومن يكون من الأوزار في وزر
ما قد تولى أبو داود محتسباً……تأليفه فأتى كالضوء في القمر
لا يستطيع عليه الطعن مبتدع……ولو تقطع من ضغن ومو ضجر
فليس يوجد في الدنيا أصح ولا ... أقوى من السنة الغراء
والأثر
وكل ما فيه من قول النبي ومن ... قول الصحابة أهل العلم
والبصر
يرويه عن ثقة عن مثله ثقة… …عن مثله ثقة كالأنجم التزهر
وكان في نفسه فيما أحق ولا……أشك فيه إماماً عالي الخطر
يدري الصحيح من الآثار يحفظه ... ومن روى ذلك من أنثى ومن
ذكر
محققاً صادقاً فيما يجيء به……قد شاع في البدو عنه ذا وفي
الحضر
والصدق للمرء في الدارين منقبة ... ما فوقها أبداً فخر
لمفتخر
هذا ما يتعلق بأبي داود لا اخلاه الله من ثوابه. وأما أبو
سليمان الشارح لكتابه إذا وقف مصنف على مصنفاته، واطلع على
بديع تصرفاته في مؤلفاته
(4/375)
تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته،
وكان قد رحل في (طلب) الحديث وقرأ العلوم وطوف،
ثم ألف في فنون العلم وصنف، وكان رحمه الله قد أخذ الفقه،
عَن أبي بكر القفال الشاشي وأبي علي بن أبي هريرة
ونظرائهما من فقهاء أصحاب الشافعي وفي شيوخه كثير وكذلك في
تصانيفه، ومنها شرح السنن الذي عولنا على الشروع في إملائه
بعون الله تعالى وإلقائه، وهو المسؤل في إتمامه وإكماله
بفضله وإفضاله، وإسنادنا فيه كما قدمناه عال، وكتابه في
غريب الحديث له ظل، ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد ولا ابن
قتيبة في كتابيهما وهو كتاب ممتع مفيد، ومحصله نبيه جميله
موفق سعيد، ناولنيه أيضاً القاضي أبو المحاسن بالري في
التاريخ المقدم ذكره وهو سنة إحدى وخمسمائة وأذن لي في
روايته عنه وشيخه فيه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن
عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري رواية، عَن أبي سليمان
ولم يقع لي من تواليفه بعلوّ سوى هذين الكتابين مناولة لا
سماعاً عند اجتماعي بأبي المحاسن لعارضة قد برحت بي وبلغت
مني ولولاها لما توانيت بعون الله في سماعهما ولم تفتني
لكن من بلغ المنى حتى أبلغها أنا.
وقد روى لنا أبو عبد الله الثقفي رئيس أصبهان وابن رئيسها
سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وتوفي سنة تسع، وكان مولده في
أول سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وابتداء سماعه على ابن
جوله الأبهري أبهر أصبهان سنة ثلاث وأربعمائة في آخرها وهو
ابن ست سنين كتابَ العزلة له، عَن أبي عمرو الرزجاهي ثم
البسطامي
(4/376)
رواه بنيسابور عنه وأنا أشك هل سمعته
كاملاً كما سمعه هو أو بعضه بأصبهان سنة إحدى وتسعين
وأربعمائة.
أنبأنا أبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي (1)
إلى تحت يدي خالي عبيد الله في ذي القعدة سنة أربع وعشرين
وأربعمائة أن الإمام أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي
الجرجاني حدثهم املاء حدثنا محمد بن هارون بن نجدة بن داهر
البصري بالأنبار حدثني هدبة بن خالد ما لا أحصي حدثنا حزم
بن أبي حزم عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال من وعده الله عز وجل على عمل
ثواباً فهو منجز له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار،
هذا رواه لنا الزكي أبو الفتح عن كتاب أبي عمرو.
ولم يرو لنا عنه ممن رآه سوى الرئيس أبي عبد الله رحمه
الله.
ومن جملة ذلك حديث واحد في الأول من فوائد انتقاء غانم بن
محمد بن عبد الواحد، عَن أبي سهل الصعلوكي وحديثان آخران
في كتاب الأربعين الذي خرجه لنا صاحبنا أبو نعيم الحداد
أحدهما، عَن أبي أحمد بن عدي الجرجاني، والآخر عن الحاكم
أبي أحمد النيسابوري.
فأما حديث أبي سهل فقال حدثنا الأستاذ أبو سهل محمد بن
سليمان العجلي الصعلوكي، حَدَّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق
هو ابن خزيمة السلمي، حَدَّثنا علي بن حجر،
_________
(1) بياض في الأصل.
(4/377)
حَدَّثنا هشيم، عَن أبي الزبير عن جابر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلون رجل
بامرأة ثيب إلاّ أن يكون ناكحاً أو ذا محرم.
وأما حديث ابن عدي فقال، حَدَّثنا أبو أحمد عبد الله بن
عدي الحافظ أبا القاسم هو ابن زكريا المطرز، حَدَّثنا أبو
مصعب حدثني علي بن أبي علي الهبي عن محمد بن المنكدر أنه
سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أنتم اليوم في المضمار وغداً السباق فالسبق الجنة
والفائت النار بالعفو تنجون وبالرحمة تديخلون وبأعمالكم
تقتسمون.
وحديث الحاكم فقال حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي
الحافظ بنيسابور سنة ست وستين وثلاثمائة أنا أبو الحسن
أحمد بن محمد بن عبيد الطوايبقي حدثنا الحسن بن عرفة
العبدي، حَدَّثنا ابن عياش، يَعني إسماعيل بن عياش عن عبد
الرحمن بن زياد الافريقي عن عبد الله بن يزيد يدعى عبد
الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى
برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلاً
كل سجل منها مد البصر، فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة
ويخرج له قرطاس مثل هذا وقال بيده فوق الأنملة فيها شهادة
أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله فيوضع في الكفة
الأخرى فيرجح بخطاياه وذنوبه.
هذه الأحاديث الثلاثة جميع ما وجدته عندي عن الرئيس أبي
عمرو فذكرتها لقلتها وأتيت على جملتها ولم يكن من شيوخه
العوالي حتى أجعله من بالي لكن وشحت هذه المقدمة بما رواه
من حديث الرسول تبركاً به عليه السلام بقوله المقبول،
واتخذته رحمه الله طريقاً لتكثير ما يتعلق بالخطابي إذ لم
أظفر الآن في كتبي بما في أثنائه ثناءه، ونستوفي بإيراده
أنباءه، وفي شيوخه رضي الله عنهم سفراً وحضراً كثرة كما في
تصانيفه؛ وكثير منهم قد وقع لي حديثهم
(4/378)
بعلو كأني أرويه عن الراوية «لعله الرواة»
عنه كأبي العباس الأصم واسماعيل الصفار وأبي عمرو بن
السماك وأحمد بن سلمان النجاد ومكرم القاضي وجعفر الخلدي
وأبي عمر غلام ثعلب وحمزة العقبي وآخرين من نظرائهم.
وهؤلاء كلهم من شيوخ بغداد وبها كتب عنهم سوى الأصم فإنه
نيسابوري عالي الإسناد جداً يروي عن محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم وحسن بن نصر الخولاني وغيره من أصحاب ابن وهب
وعن نظرائهم بخراسان والعراق والشام، وكذلك في الرواة عنه
كثرة كما في شيوخه ومنهم أبو ذر عبد بن أحمد بن الهروي
وأبو محمد جعفر بن علي المروزي بالحجاز وأبو مسعود بن محمد
الكرابيسي البستي ببست وأبو بكر محمد بن الحسين المقري
بغزنة وأبو الحسين علي بن الحسن الفقيه السجزي بسجستان
وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الملك الفسوي بفارس
وآخرون.
وقد روى عنه الإمام أبو حامد الاسفراييني الفقيه بالعراق
والحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري بخراسان، وحدث عنه
أبو عبيد الهروي في كتاب الغريبين وقال أحمد بن محمد
الخطابي ولم يكنه ووافقه على ذلك أبو منصور الثعالبي
النيسابوري في كتاب اليتيمة لكنه كناه، وقال أبو سليمان
أحمد بن محمد بن إبراهيم البستي صاحب كتاب غريب الحديث،
والصواب في اسمه حمد كما قاله الجم الغفير والعدد الكثير
لا كما قالاه.
وقال أحد الأدباء ممن أخذ عن ابن خرزاد النجيرمي هو أبو
سليمان حمد
(4/379)
بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي
البستي من ولد زيد بن الخطاب والذي ذكره فهو صحيح وفي اسمه
ونسبه تصريح.
وله رحمه الله شعر هو سحر لكنه حلال يثبت له به جمال وجلال
وينظم بنظمه ذلك إلى قصد خصال محمودة وخلال، وقد ذكر
الثعالبي في كتاب اليتيمة من تأليفه مقطعات منه لم أر
لاثباتها كلها ههنا وجهاً ومن جملتها:
وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم
الشكل
وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها
أهلي
وذكر أبو بكر محمد بن علي بن الحسن بن البسر الغوثي اللغوي
بالمغرب أن القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي
البغدادي أنشده بمصر لأبي منصور الثعالبي في أبي سليمان
الخطابي:
أبا سليمان سر في الأرض أو فأقم ... فأنت جاري دنا مثواك
أو شطنا
ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني ... فديت روحك بل روحي فأنت
أنا
قال ابن البسر وأنشدني إسماعيل بن محمد بن عبدوس
النيسابوري بمصر قال أنشدني أبو منصور الثعالبي بنيسابور
لأبي سليمان الخطابي يقول فيه:
قلبي رهين بنيسابور عند أخ ... ما مثله حين تستقري البلاد
أخ
(4/380)
له صحائف أخلاق مهذبة ... منها التقى
والنهى والحلم تنتسخ
وقد قلت أنا فيه بثغر خيرة لشغفي بتواليفه ورغبتي في تحصيل
تصانيفه سنة خمس وخمسمائة:
ظن هذا الخطّاء في الخطابي ... شيخ أهل العلم والآداب
من على كتبه اعتماد ذوي الفضل ... ومن قوله كفصل الخطاب
أن يحوز الفردوس إذ أتعب النفس ... لها العرش غاية الاتعاب
وتعنى في الأخذ جداً وفي ... التتصنيف من بعد رغبة في
الثواب
نضر الله وجهه من إمام ... ألمعيّ أتى بكل صواب
ولعمري قد فاز بالروح والريحان ... من غير شبهة وارتياب
فلقد كان شُمس متبعي الشر ... ع على الزائغين سوط عذاب
وقلت فيه أيضاً بديار مصر بعد سنين عند إملاء هذه المقدمة
سنة اثنتين وستين:
لم أطلع فيما اطلعت عليه ... من كلام على حديث النبي
كالذي، عَن أبي سليمان قد با……ن الإمام العلامة الألمعي
في كتابتيه حين أملاهما ... الأعلام في شرح كل معنى خفي
في الصحيح الذي البخاري قد ... صنف قدامنا على أتم روي
عدة الموقوف بين يدي خا……لقه الباري العليم العلي
وكتاب المعالم المرتضى إذ ... هو يرضاه كل ندب رضي
(4/381)
فاق في شرحه كتاب أبي دا ... ود أصحابه
صدور الندي
وهما وإن طبق الأرض أعظم ... بهما والمصنف المرضي
رضي الله جل عنه وجازا ... هـ عن الدين والمقال التقي
الذي ينفع الفقيه مدى الدهر ... وكل امرئ زكي تقي
وهذا القدر الذي ذكرناه في حق أبي سليمان أيضاً على
اختصاره مقنع، وفي حق المستفيد كذلك ممتع إن شاء الله
تعالى وعليه الثقة وهو المسؤول في أن يوفقنا لما يوافق
رضاه؛ ويرضينا بما قدره في الأزل وأمضاه، والمقدمة قد نجزت
ولم يبق سوى الشروع وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم. |