ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم

ناسخ الحديث ومنسوخه

تصنيف
الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم
(ولد في دولة الرشيد - توفي بعد الستين ومئتين)

تحقيق
عبد الله بن حمد المنصور

الطبعة الأولى
1420 هـ - 1999 م

(/)


الجزء الأول من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه
تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم
ما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عن أبي الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه.
أخبرنا به بالإجازة له من ابن المسلمة أبو محمد طاهر بن سهل الإسفراييني، سماعٌ منه لعلي بن الحسن بن هبة الله الشافعي نفعه الله به.

(1/29)


بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي إجازةً قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الخفاف الموصلي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يعقوب الكوسج قال: قال أبو بكر الأثرم رحمه الله:

(1/30)


1- باب فيمن نسي صلاة أو نام عنها فاستيقظ في وقت لا يصلى فيه
روى همام وغيره عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) .
وروى عبد الجبار بن عباس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نام عن صلاة فليصل إذا استيقظ، ومن نسي صلاة فليصل إذا ذكر)) .
وعطاء بن السائب عن بريد بن أبي مريم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه أمره فأقام الصلاة حين استيقظ فتوضأ)) .
ومعمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكر)) .

(1/31)


وكذلك أيضاً روى حريز بن عثمان عن يزيد بن صالح عن ذي مخمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وشعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ قال: ((افعلوا كما كنتم تفعلون)) .
فهذه الأحاديث كلها بمعنىً واحد.
وروى بشير أبو إسماعيل عن أبي حازم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين استيقظ أن يتنحوا عن ذلك المنزل قبل أن يصلوا.
وروى مثل ذلك هشام عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرتحلوا قبل أن يصلوا.

(1/32)


وروى حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً نحو هذا.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وليست كذلك، ولكن الوجه في ذلك أن منها خاص ومنها عام، فأما العام؛ فالذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله؛ ((فليصل إذا ذكر وإذا استيقظ، لا كافرة لها إلا ذلك)) ولم يقل فليرتحل، ثم ليصل، ولم يرخص في التاخير بعد الذكر، فهذا هو الذي أمر به، وعلمه أمته، فهو العام المعمول به، وأما الخاص فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ارتحل لعلةٍ قد فسرها، قال: ((إن هذا وادٍ به شيطان، فارتحلوا منه)) وهذا شيءٌ لا يعلمه إلا نبي فهو خاص.

(1/33)


2- باب تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب
روى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر يوم الخندق بعد غروب الشمس.
وروى أبو الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة عن عبد الله أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن بعد ما ذهب من الليل ما شاء الله عز وجل.
وروى بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الخندق الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد ما غاب الشفق.
وروى زياد بن عبد الله بن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر يوم الخندق

(1/34)


بعد غروب الشمس.
فجاءت هذه الأحاديث بمعنىً واحد وخالفتها الأحاديث الباقية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في وقتها على ما استطاع، فهذا مخالف لذلك الفعل، فاختلفت هذه الأخبار، فبين ذلك حديث أبي سعيد. روى ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، وذلك قول الله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالاً فأقام الصلاة ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام الصلاة فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، قال: وذلك قبل أن تنزل: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} فبين أن ذلك الفعل الذي كان يوم الخندق منسوخ.

(1/35)


3- باب الفتح على الإمام
روى مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير الكاهلي عن مسور بن يزيد الأسدي، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر، فترك آية فلما فرغ قيل له: تركت آية كذا، فقال: ((فهلا أذكرتنيها إذاً)) ، يعني في الصلاة.
وروى قيس عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في آية في صلاة الصبح، فلم يفتحوا عليه، فلما قضى الصلاة، نظر في وجوه القوم فقال: ((أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب)) قالوا: لا، فرأى القوم أنه إنما تفقده ليفتح عليه.
وروى محمد بن إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث

(1/36)


عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تفتح على الإمام)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، والوجه فيها أن الحديثين الأولين أصح، وإن كانا ليسا بأقوى الأحاديث، لأن حديث الحارث عن علي قد ثبتت فيه علل توهنه، منها: أنه قد جاء عن علي من رواية من هو أوثق من الحارث خلاف ذلك:
روي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال علي عليه السلام: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، فهذه علة.
ومن ذلك أن غير محمد بن إسحاق رواه عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه موقوفاً، فهذه علتان.

(1/37)


ومن ذلك أن أبا إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها، فهذه ثلاث. ومن ذلك أن الحارث متهم في الرواية، قد تكلم فيه نبلاء الناس: الشعبي فمن دونه.

(1/38)


4- باب الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة
روى زيد بن أسلم عن ابن عمر عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده.
وروى هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن أبي الزيبير عن جابر أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأشار إليه.
وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد)) .
فهذا الحديث في ظاهره مخالف لتلك الأحاديث وفيه علتان:

(1/39)


إحداهما: أنه ليس بقوي الإسناد.
والعلة الأخرى: أنه إن كان محفوظاً فقد يكون له وجه، أن تكون الكراهية في الإشارة في حوائج الدنيا من البيع والشراء والأمر والنهي فأما رد السلام فلا.

(1/40)


5- باب النوم في المسجد
روى الزهري عن سالم عن أبيه، وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونقيل فيه.
ومن ذاك أيضاً اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ومبيته فيه، روي ذلك من وجوه.
وروى ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن ابن زياد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ناس من أصحابه وهم رقود في المسجد فقال: ((انقلبوا، فإن هذا ليس لكم بمرقد)) .
وروى داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن

(1/41)


عمه عن أبي ذر قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم نائماً في المسجد فضربني برجله، وقال: ألا أراك نائماً فيه)) ، قلت: يا نبي الله غلبتني عيني.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأولى أثبت التي جاءت بالرخصة، لأن حديث سعد إسناده مجهول منقطع، وحديث أبي ذر فيه رجل ليس بمعروف وهو عم أبي حرب، وليس فيه أيضاً بيان نهي.

(1/42)


6- باب في الثلاثة يصلون جماعة كيف يقومون
روى زيد بن الحباب عن أفلح بن سعيد عن بريدة بن سفيان عن غلام لجده يقال له: مسعود أنه قام مع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر فجعلهما خلفه.
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مثل هذا.
وعن سمرة عن النبي أيضاً مثل هذا.
وأما ابن مسعود فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا ثلاثة أن يصفوا معاً، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره.
فاختلفت هذه الأحاديث، فنرى أن حديث ابن مسعود هو المنسوخ، وبيان ذلك: أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فذكر فيه التطبيق، وذكر فيه أن يكون أحدهما عن يمين الإمام والآخر عن يساره، فلما قال عمر وسعد وغيرهما

(1/43)


ما يدل على أن التطبيق منسوخ، علمنا أن ابن مسعود إنما حكى فعل النبي صلى الله عليه وسلم الأول، وعلمنا أن ابن مسعود هو أقدم إسلاماً وسناً من الذين رووا ما ذكرنا أن يكون الرجلان خلف الإمام مسعود وجابر وسمرة.

(1/44)


7- باب الإيماء في الماء والطين
روى هشام بن أبي عبد الله [عن] يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في ماءٍ وطين، قال: حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته.
وروى كثير بن زياد عن عمرو بن [عثمان] بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فصلى بهم على رواحلهم يوميء إيماءً.
فاختلف هاذان الخبران في ظاهرهما وإنما الوجه في ذلك أن يعمل بهما جميعاً، فحديث أبي سعيد فيما جف من

(1/45)


البلل والطين وأمكن السجود عليه، وإن علق بالوجه بلله.
وحديث يعلى بن أمية فيما لم يمكن السجود عليه من كثرة الماء والطين.

(1/46)


8- باب في الركعتين إذا جاء الإمام يخطب
روى شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين)) .
وروى أبو الزبير عن جابر.
والأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليكاً الغطفاني أن يصلي ركعتين حين دخل وهو يخطب)) .
وروى ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً دخل المسجد في هيئة بذة، فأمره أن يصلي ركعتين، وقال: ((إنما أمرته أن يصلي ركعتين حتى تفطنوا له فتصدقوا عليه)) .

(1/47)


فخالف هذا الحديث تلك الأحاديث في ظاهرها، لأن هذا كأنه خاص وتلك الأحاديث عامة، وكلها صحاح الخاص والعام لقوله: ((إذا جاء أحدكم)) فقد بين ها هنا أنه لم يرد بذلك رجلاً بعينه.
ومما يبين ذلك أن أبا سعيد هو الذي روى الحديث الخاص ثم كان هو يستعمل ذلك إذا جاء والإمام يخطب يمنعه الأحراس فلا يمتنع، ويحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي رواه، فجعله عاماً كسائر الأحاديث.

(1/48)


9- باب الصلاة بعد الجمعة
روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان منكم مصلياً، فليصل بعد الجمعة أربعاً)) .
روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين.
فهذان الحديثان في ظاهرهما مختلفان، وإنما الوجه في ذلك أنه كله جائز: أن يصلي ركعتين، وأن يصلي أربعاً، وأن يصلي أكثر من ذلك، يفصل بين كل ركعتين لقوله: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) .
والدليل على ذلك أن ابن إدريس رواه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان مصلياً، فليصل بعد الجمعة أربعاً، فإن عجل به أمر صلى

(1/49)


ركعتين في المسجد، وركعتين في أهله)) .
وروى شيخ بصري يقال له: محمد بن عبد الرحمن السهمي عن حصين عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة أربع ركعات فيسلم في آخرهن.
وهذا حديثٌ واهٍ، لأن هذا الشيخ السهمي ليس بالمعروف بالعلم، ولأن هذا الحديث قد رواه شعبة وجماعة عن أبي إسحاق فلم يذكروا هذا فيه.

(1/50)


10- باب الصلاة يوم الجمعة بنصف النهار
روى موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: ((ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب)) .
وروى مثل هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن عبسة، والصنابحي، وأبو أمامة.
وروى حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن الصلاة بنصف النهار إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر كل يوم نصف النهار، إلا يوم الجمعة)) .
وروى الواقدي عن سعيد بن مسلم بن بانك عن المقبري

(1/51)


عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)) .
فخالف هذان الحديثان تلك الأحاديث، وأحاديث النهي عامة، أثبت، لأن حديث أبي قتادة فيه علل منها: أنه لم يروه غير حسان ومنها أنه من حديث ليث، ولقد أخبرت عن أبي عبد الله أنه قدم جابراً الجعفي على ليث في صحة الحديث، ومنها أن أبا الخليل لم يلق أبا قتادة، فهذه قصص حديث أبي قتادة.
وأما حديث أبي هريرة: فإنما رواه الواقدي، وقد عرفت قصة الواقدي في روايته.

(1/52)


11- باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة
روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الجمعة: {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية} )) .
وكذلك روى معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الجمعة سورة الجمعة وسورة المنافقين)) .
وروى مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ يوم الجمعة سورة الجمعة و {هل أتاك حديث الغاشية}

(1/53)


)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه فيها أن الأمر في ذلك واسع كله.

(1/54)


12- باب في الساعة التي ترجى يوم الجمعة
روى عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن الجلاح مولى عبد العزيز بن مروان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الساعة التي في الجمعة، فقال: ((التمسوها آخر الساعات بعد العصر)) .
وروى سلم بن قتيبة عن الأصبغ بن زيد عن سعيد بن رافع عن زيد بن علي عن أبيه عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ((إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب)) .
وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: ((ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تقضى الصلاة)) .

(1/55)


وروى محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها فيما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس)) .
وروى مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى قال: قال لي ابن عمر: أسمعت أباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة، قال، فقلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها وفي أسانيدها، وإن أحسن ما يعمل به في ذلك أن تلتمس في جميع هذه الأوقات احتياطاً واستظهاراً.
فأما وجه اختلاف الأحاديث، فلن تخلوا من وجهين:
إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون هذه الساعة تتنقل في الأوقات كانتقال ليلة القدر في ليالي العشر.

(1/56)


13- باب التكبير في العيدين
روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن عوف المزني، وجابر، وأبي واقد الليثي، وعائشة، وابن عمر، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة)) .
وبعضها أقوى من بعض.

(1/57)


وروى عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحولٍ عن أبي عائشة عن أبي موسى الأشعري وحذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يكبر في العيدين أربعاً)) .
فخالف هذا الحديث تلك الأحاديث، وتلك أكثر وأثبت قال: وسمعت أبا عبد الله ذكر عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال: أحاديثه مناكير.
وروى هذا الحديث ابن عون عن مكحول فلم يرفعه كما رفعه ابن ثوبان.

(1/58)


14- باب ما يقرأ به في العيدين
روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قرأ في العيدين بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية} )) .
وكذلك روى معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
وكذلك روى موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى سفيان عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قرأ في العيد بـ {ق} و {اقتربت} ، وكذلك روى ابن

(1/59)


لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله.

(1/60)


15- باب في الصلاة خلف الصف
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمر رجلاً صلى خلف الصف وحده أن يعيد)) ، وكذلك روى ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى موسى بن أنس عن أنس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه فجعله عن يمينه، وقامت أم سليم من ورائهم)) .
فهذا الحديث في ظاهره مخالف لحديث وابصة، وحديث علي بن شيبان، وليس كذلك، ولكن حديث وابصة وعلي بن شيبان في الرجال وهذا في النساء، لأن النساء لا سبيل لهن إلى أن يقمن مع الرجال في الصف.

(1/61)


16- باب طول القراءة في ركعتين بعد المغرب
روى عاصم عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ {قل يا أيها الكافرين} و {قل هو الله أحد} )) .
وروى يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلي بعد المغرب ركعتين يطيل فيهما القراءة)) .
فاختلف هاذان الحديثان، والأول أثبتهما، لأن حديث يعقوب قد أفسدوه:
رواه عدة فقالوا: عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا ابن عباس وهذا مرسل.

(1/62)


وروى بقية عن عتبة بن أبي حكيم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ {إذا زلزلت} . و {قل يا أيها الكافرون} )) .
وهذا خلاف الحديث الأول، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله، والأول أصح إسناداً.

(1/63)


17- باب في الرجل يؤم في بيت غيره
روى أبان بن يزيد عن بديل يعني: العقيلي، عن أبي عطية عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا زار أحدكم قوماً فلا يؤمهم)) .
وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم فقال: ((قوموا فلأصل بكم، فأمهم)) .
وروى شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤم الرجل في بيته إلا بإذنه)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وليست كذلك، ولكن لها وجوه: فأما حديث مالك بن الحويرث فإنه إنما

(1/64)


وجهه: أي لا يؤمهم في ناديهم وفي منازلهم حتى يستأذنهم، وبيان ذلك في حديث أبي مسعود، لقوله: ((إلا بإذنه)) .
وأما حديث أنس فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، لأنه كان إذا كان مع قوم أمهم حيث كانوا.

(1/65)


18- باب القراءة في ركعتي الفجر
روى أبو إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في ركعتي الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} )) .
وكذلك روى يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة، وموسى بن خلف عن قتادة عن أنس،
وعاصم عن أبي وائل عن عبد الله،
كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأول،

(1/66)


وهشام أيضاً عن محمد بن سيرين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان يقرأ فيها في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وفي الثانية {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} )) .
وروى عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن عمر وموسى عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرا فيهما {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وفي الثانية {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول} الآية)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وليست كذلك، لأن الوجه فيها أن ذلك كله جائز، غير أنا نختار الأحاديث الأولى، لأنها هي أكثر، ومن استعمل هاذين الحديثين أيضاً فهو جائز.

(1/67)


19- باب الركعتين بعد المغرب أين تصليان
روى مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم)) .
وكذلك روى سعد بن إسحاق عن أبيه عن جده كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هذه صلاة البيوت)) .
ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم)) .
وروى إسرائيل عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن زر عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم صلى إلى العشاء في المسجد.
وروى يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن

(1/68)


ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلي بعد المغرب ركعتين حتى يتصدع أهل المسجد)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، والأولى أثبت، لأن حديث ابن عباس قد أفسده قومٌ رووه عن سعيد بن جبير مرسلاً في هذا.
ففيه رخصة لمن عمل به، وتلك أوكد، لأنها أمر وهذا فعل، والأمر أوكد من الفعل، لأن الأمر لا يكون إلا عاماً، والفعل قد يكون خاصاً.
وقد وكدت تلك الأحاديث الأولى أحاديث جاءت عن علية الصحابة.

(1/69)


20- باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
روى عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا ركع ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن)) .
وروى عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن)) .
وروى سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن زيد بن أبي عتاب عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت جالسة حدثني، وإن كنت نائمة اضطجع)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فحديث عائشة هذا الآخر يبين لك أن اضطجاعه كان عن غير تعمدٍ للاضطجاع لأنه سنة أو فضيلة، إلا أن حديث أبي هريرة مؤكدٌ، ولم يثبته

(1/70)


أبو عبد الله.
فالذي نختار من ذلك: استعمال حديث عائشة الآخر الذي دل على أن ذلك لا يجب، ومن أخذ بحديث أبي هريرة على ظاهره لم يعنف، وقد عمل به أيضاً أئمة: قد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يفعله، وعن أبي موسى، وأبي سعيد، ورافع بن خديج، وأنس، وغيرهم.

(1/71)


21- باب في الرجل يصلي الجماعة ثم يدرك أخرى
روى يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلى الفجر، فرأى رجلين لم يصليا مع الناس، فدعاهما فقال: ((ما لكما لم تصليا)) ، قالا: قد صلينا، قال: ((إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما الناس يصلون، فصلوا معهم، فإنهما لكما نافلة)) .
فهذا في صلاة الفجر مبين.
وروى زيد بن أسلم عن بشر بن محجن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((مالك لم تصل مع الناس، ألست برجلٍ مسلم)) قلت: قد صليت، قال: ((فإذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت)) .

(1/72)


وروى أسامة بن زيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عفيف بن عمرو عن سعيد بن المسيب أن رجلاً سأل أبا أيوب الأنصاري فقال: أحدنا يصلي ثم يخرج فيجد الناس يصلون فيصلي معهم، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((ذاك له سهمٌ جمع)) .
فهاذان الحديثان في سائر الصلوات.
ثم جاءت أحاديث تنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة التطوع بعد الفجر وبعد العصر.
وروى حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وليست كذلك، ولكن لها وجوه:

(1/73)


فأما الأحاديث الأولى فإنما هي في هذا خاصة في الذي يصلي الفريضة ثم يدخل مسجداً وهو غير متعمد فيجدهم يصلون، أو تقام الصلاة، فأمر أن يصلي معهم.
وأحاديث الكراهية للصلاة بعد العصر والفجر إنما هي على التعمد لذلك على غير هذه السنة في موضعها.
وحديث ابن عمر الذي رواه عمرو بن شعيب قد طعن في إسناده، وله مع ذلك وجه أن يكون إنما نهى عن إعادة الصلاة أن يصلي الفريضة في يوم مرتين، فأما الذي ينوي بالثانية ما أمر به من النافلة، فليس بإعادةٍ للصلاة.
ومما يوهن حديث ابن عمر هذا، أنه قد روي عن ابن عمر خلافه: روى عبيد الله ومالك عن نافع عن ابن عمر قال: إذا صلى في بيته ثم أدرك جماعة صلى معهم، إلا المغرب والفجر.
فقد رأى أن يصلي الصلاة ثانية، فهذا خلاف ذلك.

(1/74)


22- باب في السمر بعد صلاة العشاء
روى يحيى بن سليم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم نائماً قبل العشاء ولا متحدثاً بعدها.
وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها.
وروى عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.
وروى منصور عن خيثمة عن رجل عن عبد الله عن النبي

(1/75)


صلى الله عليه وسلم: ((لا سمر إلا لمصل أو مسافر)) .
وروى عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله قال: جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد صلاة العشاء.
وروى مسلم الأعور عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((نهى عن النوم قبل العشاء والسمر بعدها)) .
وروى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر في بيت أبي بكر الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه.
وروى هشام عن قتادة عن أبي حسان عن عبد الله بن

(1/76)


عمرو قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل عامة ليله –وقال بعضهم- حتى يصبح.
فاختلفت هذه الأحاديث:
فأما حديث يحيى بن سليم الأول فهو عندي حديث ضعيف لم يروه غيره، ومما يبين ضعفه أن حماد بن زيد روى عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كنت أسمر عند عائشة حتى تقول لي يا ابن أختي قد
طلع الفجر، فأين هذا من ذاك، أليس هذا خلافه.
وروى ابن إدريس أيضاً عن هشام بن عروة نحو ما رواه حماد بن زيد، فكلا هذين أثبت من يحيى بن سليم.
وأما حديث عبد الرحمن بن القاسم الثاني فإنه ليس فيه ذكر النهي، إنما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وقد روى غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

(1/77)


فالذي حفظ الشيء فأداه أصح من الذي لم يحفظه.
وحديث أبي برزة جيد الإسناد.
وحديث منصور ليس بالقوي لأن فيه رجلاً لم يسم.
وحديث عطاء بن السائب خطأ، رواه منصور وأبو حصين والأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال: جدب لنا عمر السمر، فهذا هو الحديث، ثم خالفهم فيه عاصم بن بهدلة وعطاء بن السائب، فأين هاذين من هؤلاء.
ثم اضطرب فيه هاذان لأنهما لم يحفظاه:
فقال عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: جدب لنا عمر، ولم يرفعه وترك سلمان بن ربيعة، وأما عطاء بن السائب فقال: عن أبي وائل عن عبد الله قال: جدب لنا رسول الله، أخطأ فيه.
وأما حديث أنس ففي إسناده رجل متروك أو شبهه.
وأما حديث عمر فإن علقمة أيضاً لم يسمعه من عمر.
وحديث عبد الله بن عمرو جيد الإسناد.

(1/78)


فتكافأ في هذا الباب هاذان الحديثان:
حديث أبي برزة في الكراهة، وحديث عبد الله بن عمرو في الرخصة.
ثم اختلفت أيضاً الرواية عن الصحابة في هذا الباب:
فروي عن عمر الكراهة، ورويت عنه الرخصة.
وروي (.. ... ) الكراهة، ورويت عنه الرخصة، وغيرهم أيضاً، فعلمنا بذلك أن للكراهة وجهاً، وللرخصة وجه على أصل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قال: ((كان يسمر في أمر المسلمين)) وفي حديث عبد الله بن عمرو: ((كان يحدثنا عن بني إسرائيل)) . فإذا كان السمر في أمر منفعة للإسلام أو في مذهب علم، فهذا الذي فيه الرخصة وما كان من السمر فيما يكون تلذذاً وتلهياً فهو الذي فيه الكراهة.

(1/79)


23- باب الوتر قبل النوم وبعده
روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) .
وعن أبي هريرة من وجوه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر.
[وروى داود بن عبد الله بن حميد بن عبد الرحمن.. ... عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن (قيس) عن عمر رضي (الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنم إلا (على وتر)) ) .

(1/80)


وروى محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم [أمره بالوتر قبل النوم.
وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم] قال: ((من خاف منكم أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل)) .
وروى ابن عقيل عن جابر، ويحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: ((متى توتر؟)) . قال: أول الليل، فقال لعمر: ((متى توتر؟)) قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: ((أخذت بالحزم)) وقال لعمر: ((أخذت بالقوة)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما أراد بقوله: (الوتر قبل النوم) توكيد الوتر، وبيان ذلك في حديث الأعمش

(1/81)


عن أبي سفيان عن جابر.
وحديث ابن عمر الأول يبين لك أنه إنما أراد أن تكون آخر صلاته بالليل، فإن أراد القيام أخره، وإن لم يرد القيام عجله.

(1/82)


24- باب الوتر بعد طلوع الفجر
روى معمر وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) .
وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا الصبح بالوتر)) .
ومن وجوه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خشيت الصبح فأوتر)) .
وروى بن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب الوتر)) .
وروى ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني

(1/83)


عن أبي بصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هي فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، ولها وجوه: فأما حديث أبي سعيد وأحاديث ابن عمر الأولى فهو الأمر الذي يعمل به، ويتحرى أن لا يكن الوتر بعد الصبح.
وأما حديث ابن عمر: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب الوتر)) فإنما وجهه عندنا أنه قد ذهب وقت الوتر، وأنه إنما هذا بعد قضاء الوتر، بمنزلة الذي يترك الصلاة حتى يخرج وقتها ثم يقضيها، وكذلك حديث أبي بصرة أيضاً إلا أن في حديث أبي بصرة معنىً آخر أنه لا يقضيه بعد الفجر.

(1/84)


25- باب الوتر بركعة وأكثر من ذلك
روى مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة.
وروى ابن أبي ذئب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في ركعتي الوتر.
وروى مالك عن عبد الله بن أبي قطن عن أبيه عن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة.
وروى شعبة وهمام عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الوتر ركعة)) .
وروى زهير بن محمد عن شريك بن أبي نمر عن كريب

(1/85)


عن الفضل بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((افصل بين الركعتين والركعة)) .
وروى أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع.
وأما ابن فضيل فقال عن الأعمش عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع فلما أسن وثقل أوتر بسبع.
وروى الكوفيون عن شعبة عن قتادة عن سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر.
وروى سفيان بن حسين عن الزهري عن عطاء بن يزيد

(1/86)


عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتر بخمس، فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة)) .
وروى السري بن إسماعيل عن الشعبي عن خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاتك بالليل؟ فقال: ((ثماني ركعات، والوتر ثلاث ركعات)) .
وروى أبو عاصم عن ميمون أبي عبد الله عن ثابت عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث.
وروى أبو بكر النهشلي عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن الجزار عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبعاً أو خمساً، أوتر بهن ثم سلم.

(1/87)


وروى حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث.
وروى إسرائيل عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبع أو خمس لا يفصل بينهن.
وروى هشام عن أبيه عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يسلم إلا في آخرهن، ولا يجلس إلا في آخرهن.
وروى شعبة عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ لا يجلس إلا في آخرهن، ولا يسلم إلا في آخرهن.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأحاديث الأولى هي أثبت وأصح مخارجاً، وإياها يختار أهل المعرفة بالعلم وصحة الأسانيد، وأما حديث الأعمش فقد اضطرب فيه، فقال

(1/88)


مرة: عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة، وقال مرة: عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة، وفي الكلام أيضاً اختلاف، وقد بينا ذلك، ويحيى بن الجزار لم يلق واحداً منهما.
وأما حديث سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، فإني سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول هو خطأ.
وأما حديث أبي أيوب فإن الثقات رووه عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب موقوفاً غير مرفوع.
وأما حديث خيثمة عن أبيه ففي إسناده رجل متروك.
واختلفوا فيه أيضاً عن أبي عاصم فرفعه بعضهم ولم يرفعه بعضهم.
وأما حديث يحيى بن الجزار عن ابن عباس فهو من أضعفها لأن ابن عباس قد اشتهرت عنه الرواية أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الوتر واحدة)) من وجوه صحاح، وكان هو يؤكد ذلك ويأمر به.
وحديث يحيى بن الجزار عن ابن عباس عندنا غير متصل.

(1/89)


وكذلك حديث محمد بن قيس عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عندي مدفوع بأنه قد روى شعبة عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وهمام عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك حديث عطاء أن ابن عباس قال له: ألا أعلمك الوتر؟ فصلى ركعة.
ومن ذلك أنه ذكر له أن معاوية أوتر بركعة فقال: أصاب السنة.
وأما حديث عمران بن حصين، فإن حجاجاً أخطأ فيه، وإنما الحديث عن قتادة عن زرارة عن ابن أبزى مرسلٌ، قال: وسمعت أبا عبد الله يذكر أنه خطأ.
وأما حديث منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة فإنه حديث مضطرب، مختلفٌ فيه، قد اختلف فيه عن منصور وخولف فيه أيضاً منصور، ولا أعلم أحداً ذكر فيه ابن عباس غير إسرائيل وبعضهم يجعله عن عائشة وميمونة،

(1/90)


وبعضهم يوقفه ولا يرفعه، فهو حديثٌ واهٍ.
وأما حديث هشام عن أبيه عن عائشة، وحديث سعد بن هشام عن عائشة، فإن الزهري أثبت من روى عن عروة عن عائشة في هذا الباب، وهو الذي ذكرناه أول الباب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة، فهذا أصلح ما في ذلك، ولم يصح في الوتر بثلاثٍ فما زاد من غير تسليمٍ حديثٌ واحدٌ، ولا أكثر منه، وتلك الأحاديث أكثرها صحاح.

(1/91)


26- باب الوتر، أواجبٌ هو
روى عبادة بن الصامت، وطلحة بن عبيد الله، وأنس، وابن عباس، وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى افترض على عباده خمس صلوات.
وروى محمد بن إسحاق وليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة، وقال ابن إسحاق ابن مرة، عن خارجة بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل زادكم صلاة الوتر)) .
وروى ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم عن أبي بصرة

(1/92)


عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
وروى حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
وروى أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا)) .
وروى خليل بن مرة عن معاوية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يوتر فليس منا)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وتلك الأحاديث الأولى أثبت، وأما حديث خارجة بن حذافة وأبي بصرة وعمرو بن شعيب فليست بالقوية.
فإن كانت محفوظة، فليس الوجه فيها أنها فريضة، ولكن

(1/93)


على وجه التوكيد لها والأخذ بالعمل بها. وكذلك حديث بريدة وأبي هريرة ليسا بالقويين، ولكنهما في توكيد أمر الوتر.
ولو كانت الوتر فريضة، كان تاركها كافراً كسائر الصلوات، ولو كانت أيضاً فريضة، لم يختلف العلماء فيه، فيزيد فيها بعضهم على بعض، لأن الفرض موقوف عليه، غير مختلف فيه. ومما يؤكد هذا المذهب: قول علي: إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، وقول ابن عمر حين سئل، أسنةٌ هو؟ فقال: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولم يزد، ومن ذلك قول عبادة بن الصامت للذي قال الوتر واجب: كذب أبو محمد، ومن ذلك حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوتروا يا أهل القرآن)) فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ليست لك ولا لأصحابك.

(1/94)


27- باب ما يقرأ به في الوتر
روى خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
وروى يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى زبيد عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} . ولم يذكر المعوذتين.

(1/95)


وروى أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وحجاج عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {إذا زلزلت الأرض زلزالها} و {ألهاكم التكاثر} و {والعصر} و {إذا جاء نصر الله والفتح} و {إنا أعطيناك الكوثر} و {قل يا أيها الكافرون} و {تبت} و {قل هو الله أحد} .

(1/96)


فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وبعضها أثبت من بعضن وكلها أثبت من حديث الحارث عن علي رضي الله عنه، وأتمها حديث عائشة الأول، فمن أخذ به فقد أخذ بالأحاديث كلها إلا حديث الحارث عن علي.
فأما حديث الحارث عن علي فهو حديث ضعيف، ولم يسمعه أبو إسحاق من الحارث، وفي الحارث أيضاً ما فيه، واختلفوا فيه أيضاً فأوقفه بعضهم.

(1/97)


28- باب القنوت في الفجر
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر والمغرب.
وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى مات.
وقال أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا شهراً.
وقال أبو مالك الأشجعي عن أبيه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت. وقال: هو محدثٌ.
وقال هشام عن قتادة عن أنس.
والتيمي عن أبي مجلز عن أنس.

(1/98)


وعاصم عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً.
وقال أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا عشرين يوماً.
فهذه الأحاديث مختلفةٌ، وأثبتها ما روى قتادة والتيمي وعاصم عن أنس أنه إنما قنت شهراً، ثم تركه.
فأما حديث أنس الآخر أنه لم يزل يقنت حتى مات فإنه حديث ضعيف، مخالفٌ للأحاديث.
وأما حديث أبي مالك عن أبيه فإنه أنكر القنوت، لأنه لم يشهده، وشهده غيره، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقنت إذا دعى لقومٍ، أو دعى على قومٍ، ولم يكن يديمه، وكذلك فعلت الأئمة بعده: قنت أبو بكر الصديق على أهل الردة، وعمر على أهل فارس، وعليٌ حين حارب، ولم يكونوا يفعلونه دائماً.

(1/99)


29- باب القنوت قبل الركوع أو بعده
روى أيوب عن محمد عن أنس،
وهشام عن قتادة عن أنس،
والتيمي عن أبي مجلز عن أنس،
وحنظلة عن أنس،
كلهم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع.
وخالفهم عاصم عن أنس فقال: قبل الركوع.
ثم روى من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع:
هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعباد بن منصور عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1/100)


ومحمد بن إسحاق عن عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي عن خفاف بن إيماء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فكل هؤلاء يقول بعد الركوع.
وقد روى أبان بن أبي عياش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع. وهذا أضعف ما روي في هذا الباب، لأن أبان متروك.
ومما يبين وهن هذا الحديث أن هشاماً رواه عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله موقوفاً.
وروي عن ابن مسعود من وجوه موقوفاً.
ومما يزيده وهناً أن أبان بصري، فلم يشاركه أحد من الكوفيين فيما روى عن إبراهيم، ولعله لم يرو عن إبراهيم غير هذا فتفرد به.

(1/101)


30- باب القنوت في غير صلاة الفجر
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر والمغرب.
وروى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في العشاء الآخرة.
وروى هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح.
وسائر الأحاديث فإنما هي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الصبح، وكذلك الأحاديث عن الصحابة أكثرها وأعلاها إنما هي في الفجر.

(1/102)


31- باب الصلاة بعد العصر
روى قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح.
وروى إبراهيم بن سعد عن أبيه عن معاذ بن عبد الرحمن عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وشعبة عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن معاذ القرشي عن معاذ بن عفراء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وسفيان عن ضمرة بن سعيد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وفي النهي أحاديث كثيرة.
وروى هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم

(1/103)


ركعتين بعد العصر في بيتي قط.
وروى أبو الضحى عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر.
وروى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما.
فاختلفت الرواية في هذا الباب، والرواية في النهي أكثر وأشهر وأثبت.
فأما حديث عائشة فهو حديث مضطرب فيه، قد عارضه ما هو أقوى منه، فمن ذلك تظاهر الأحاديث وكثرتها عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصلاة بعد العصر.
ومن ذلك أن عائشة نفسها قد روي عنها أيضاً النهي عن الصلاة بعد العصر.
ومن ذلك أن الأزرق بن قيس روى عن ذكوان عن عائشة أن أم سلمة أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما. قالت: فسألت عن

(1/104)


ذلك، فقال: ((إني كنت أصلي بعد الظهر فجاءني مال فشغلني، فصليتهما الآن)) .
فقد ثبت ها هنا أنها إنما روت ذلك عن أم سلمة، وأنه إنما فعلهما قضاء لما كان بعد الظهر.
والأحاديث في النهي هي التي يعمل بها وهي أوكد.
وروى منصور عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة)) .
فهذا أيضاً مخالفٌ للأحاديث.

(1/105)


32- باب الركعتين قبل المغرب
روى حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء)) .
وروى سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: هذه صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى المختار بن فلفل عن أنس قال: كنا نصليهما والنبي صلى الله عليه وسلم يرانا.
وروى الجريري وكهمس عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين كل أذانين صلاة لمن شاء)) .

(1/106)


وروى عبيد الله بن موسى عن حيان بن عبيد الله عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عند كل أذان صلاة، ما خلا المغرب)) .
فهذه الأحاديث مختلفة، وتلك الأحاديث الأولى أثبت وأكثر، فأما هذا الآخر فليس بشيء، قد رواه عن ابن بريدة ثلاثة ثقات: الجريري وكهمس وحسين المعلم على خلاف ما رواه هذا الشيخ الذي لا يعرف في الإسناد والكلام جميعاً.

(1/107)


33- باب في الأمير يؤخر الصلاة عن الوقت
روى جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن أَبي أُبي ابن امرأة عبادة عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها)) .
وكذلك روى أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك روى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن طهمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك روى قدامة بن موسى عن عمرو بن حسن بن حسن بن علي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن جريج عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء يصلون

(1/108)


الصلاة، يؤخرونها عن وقتها، فإن أخروها عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، وإن صلوها لوقتها فلكم ولهم)) .
وروى أبو أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا أيضاً.
وروى أبو هاشم صاحب الزعفراني عن صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا بكم القبلة)) .
فهذه الثلاثة الأحاديث، خلاف الأولى، وتلك أثبت، وبها يعمل، لأن حديث عامر بن ربيعة في إسناده رجل ضعيف، وكذلك حديث أبي هريرة، وحديث قبيصة في إسناده رجل لا يعرف، وتلك أحاديث حسان وفيها ما يحتج به.

(1/109)


34- باب الصلاة في ثياب النساء
روى أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه.
وروى طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرطٍ لها وهي إلى جنبه وهي حائض وعليها بعضه.
وروى أبو حمزة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فوجد القر، فقال: ((يا عائشة: أرخي علي مرطك)) فقلت: إني حائض، فقال: ((أعلةً وبخلاً، إن حيضتك ليست في يديك)) .
وروى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن أم حبيبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

(1/110)


يصلي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم ير فيه أذىً.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وأحاديث الرخصة أكثر وأشهر، وحديث الكراهية قد عارضته الأحاديث عن عائشة، ورواه الأشعث فلم يسنده.
ولو فسد على الرجال الصلاة في شعر النساء، لفسدت الصلاة فيها على النساء.

(1/111)


35- باب خروج النساء إلى المساجد
روى هشام عن حفصة عن أم عطية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج يوم الفطر العواتق وذوات الخدور والحيض.
وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله عز وجل مساجد الله عز وجل)) .
ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وعبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد.
وروى جرير بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن

(1/112)


النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأن تصلي المرأة في داخلها أعظم لأجرها من أن تصلي في بيتها، وأعظم لأجرها من أن تصلي في دارها، ولأن تصلي في دارها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد قومها، ولأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد الجماعة)) .
وروى سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن يحيى بن جعفر بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضاً.
وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير مساجد النساء قعر بيوتهن)) .
وروى همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في

(1/113)


حجرتها)) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، فيرى أن الوجه فيها أن الفضل في صلاتها في بيتها، لما يجب عليها من الستر، وأن خروجها مباح لها ليس على وجه الفضيلة، وإنما الإباحة على وجه السلامة إذا لم تكن مخافة، لقوله: ((وليخرجن تفلات)) .

(1/114)


36- باب ما يجوز أن يصلى فيه من المواضع
روى جماعة منهم أبو ذر،
وحذيفة،
وجابر،
وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جعلت لي الأرض كلها طهوراً ومساجد)) .
وروى عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأرض كلها مسجد، إلا الحمام والمقبرة)) .
وروى زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المقبرة، والمجزرة، والحمام، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله عز وجل، ومعاطن الإبل)) .

(1/115)


وروى عدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في معاطن الإبل.
وحديث أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى القبور.
فهذه الأحاديث جاءت في ظاهرها مختلفة، ولها وجوه:
فأما قوله: ((جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)) فإنما أراد الخلاف على أهل الكتاب، لأنهم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم، فقال: فضلت على الناس بذلك وبغيره، ثم استثنى بعد الخلاف عليهم مواضع لمعانٍ غير معنى أهل الكتاب.
فأما الحمام والمقبرة، فإن الحمام ليس من بيوت الطهارة، لأنه بمنزلة المراحيض التي يغتسل فيها من الجنابة والحيض.
والمقبرة أيضاً إنما كرهت للتشبه بأهل الكتاب، لأنهم

(1/116)


يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
وسائر المواضع التي استثناها إنما كره نجاستها.
ومعاطن الإبل قال: لأنها خلقت من الشياطين.
فقد بين في كل شيءٍ معناه.

(1/117)


37- باب صلاة الضحى
روى شعبة عن الفضيل بن فضالة عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه رأى ناساً يصلون الضحى، فقال: إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه.
وروى أبو تميلة يحيى بن واضح عن عبد المؤمن بن خالد عن الصلت بن إياس قال: قلت لابن عمر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، قال: لا.
وروى مالك وابن جريج وابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الضحى.
ثم اختلفت في ذلك الرواية عن عائشة:

(1/118)


فروى الزهري هذا، وهو أثبت ما روي في ذلك عنها.
وروى معمر عن قتادة عن معاذة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصلي الضحى.
وروى يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى يوسف بن الماجشون عن أبيه عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رميثة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
فأما حديث قتادة عن معاذة: فإن قتادة فيما يقال لم يسمع من معاذة.
وأما حديث يزيد الرشك: فإني سمعت أبا عبد الله يضعفه.
وأما حديث رميثة: فإن القعقاع بن حكيم رواه عن رميثة عن عائشة موقوفاً. وهذا أثبت من حديث يوسف بن

(1/119)


الماجشون.
ثم جاءت في صلاة الضحى أحاديث كثيرة، منها:
حديث النهاس بن قهم عن شداد أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوب ولو كانت مثل زبد البحر)) .
وهذا حديث ليس بالقوي.
وروى سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا مرة.
وروى كهمس عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه.
وروى أبو صخر عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة: رجل توضأ في بيته، ثم عمد إلى مسجدٍ، فصلى فيه صلاة الغداة، ثم عقب

(1/120)


بصلاة الضحى)) .
وروى أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن مرة عن عمار ابن عاصم عن نافع بن جبير عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى.
وروى شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى.
وروى الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الله بن حنيف عن أبي مرة عن أبي الدرداء قال: أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى.
وفيها حديث كثير.
فالوجه في هذه الأحاديث أنه كان يصليها ويتركها، وقد ذكر فضلها، فرآه قوم يصليها فحفظوا ذاك، ورآه قوم تركها

(1/121)


فحفظوا ذاك.
آخر الجزء الأول، ويتلوه في الجزء الثاني باب كم ركعة تصلى الضحى
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.

(1/122)