النهاية في غريب الحديث والأثر

الجزء الثانى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حرف الخاء

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْبَاءِ

(خَبَأَ)
فِي حَدِيثِ ابن صياد «قَدْ خَبَأْتُ لك خَبْأً» الْخَبْءُ كُلُ شَيْءٍ غَائِب مَسْتُورٍ. يُقَالُ خَبَأْتُ الشيء أَخْبَؤُهُ خَبْأً إذا أخْفَيْتَه والْخَبْءُ والْخَبِيُّ، والْخَبِيئَةُ: الشَّيْءُ الْمَخْبُوءُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «ابْتَغُوا الرِّزْق في خَبَايَا الأرض» هي جَمْعُ خَبِيئَةٍ كخطٍيئَة وخَطَاَياَ، وَأَرَادَ بِالْخَبَايَا الزٍّرع؛ لِأَنَّهُ إِذَا ألقَى البَذْر فِي الْأَرْضِ فَقَدْ خَبَأَهُ فِيهَا. قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ:
ازرَع فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
تَتَبَّعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وادْعُ مَلِيكَهَا ... لَعلَّك يّوْماً أَنْ تُجَابَ وتُرَزَقَا
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا خَبَأَهُ اللَّه فِي مَعَادن الْأَرْضِ.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «قَالَ: اخْتَبَأْتُ عِنْدَ اللَّه خِصاَلاً؛ إِنِّي لَرابعُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا وَكَذَا» أَيِ ادّخَرْتُها وجَعَلْتُها عِنْدَهُ لِي خَبِيئَةً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «ولَفَظَتْ لَهُ خَبِيئُهَا» أَيْ مَا كَانَ مَخْبُوءاً فِيهَا مِنَ النَّبات؛ تَعْنِي الأرضَ، وهو فَعِيلٌ بمعنى مفعول.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «لَمْ أَرَ كَاليَوْم ولاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ» الْمُخَبَّأَةُ: الجَارِيَة الَّتِي فِي خدْرِها لَمْ تَتَزَوّج بعدُ؛ لِأَنَّ صِيَانَتَها أَبْلَغُ مِمَّنْ قَدْ تزَوّجت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزِّبْرِقان «أبْغَضُ كنَائِني إليِّ الطُّلَعَةُ الْخُبَأَةُ» هِيَ الَّتِي تطَّلعُ مرة ثم تَخْتَبِئُ أخرى.

(خبب)
(س) فِيهِ «إِنَّهُ كَانَ إِذَا طافَ خَبَّ ثَلاثاً» الْخَبَبُ: ضَرْبٌ مِنَ العَدْو.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: وسُئلَ عَنِ السَّير بالجنَازة فَقَالَ: «مَا دونَ الْخَبَبِ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُفَاخَرة رعَاء الْإِبِلِ والغَنَم «هَلْ تَخُبُّونَ أَوْ تَصيدون» أَرَادَ أَنَّ

(2/3)


رعَاء الغَنَم لاَ يحتاجُون أَنْ يَخُبُّوا فِي آثَارِهَا؛ وَرِعَاءُ الْإِبِلِ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِذَا سَاقُوهَا إلى الماء.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَكِبَ البَحْر أَخَذَهُمْ خَبٌّ شَدِيدٌ» يُقَالُ خَبَّ الْبَحْرُ إذا اضطرب.
(س) وَفِيهِ «لَا يدخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌّ وَلَا خَائن» الْخَبُّ بِالْفَتْحِ: الْخَدَّاعُ، وَهُوَ الْجُرْبُزُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَ النَّاسِ بالفَسَاد. رجُل خَبٌّ وإِمرأةٌ خَبَّةٌ. وَقَدْ تُكْسَرُ خَاؤه. فَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَبِالْكَسْرِ لَا غير (س) ومنه الحديث الآخر «الفَاجر خَبٌّ لئِيمٌ» (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً أوْ مملُوكا عَلَى مُسْلم فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ خَدَعه وَأَفْسَدَهُ.

(خَبَتَ)
فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «واجْعَلني لَكَ مُخْبِتاً» أَيْ خَاشعا مُطِيعًا، والْإِخْبَاتُ: الخُشوع والتَّواضُع وَقَدْ أَخْبَتَ لِلَّهِ يُخْبِتُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فيجعلها مُخْبِتَةً مُنِيبَة» وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَصْلُهَا من الْخَبْتِ: المُطمَئن من الأرض.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ يَثْربّيٍ «إِنْ رَأَيْتَ نَعْجةً تَحْمل شَفْرة وَزِنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ فَلَا تهِجْها» قَالَ القُتَيبْي: سَأَلْتُ الحجازِيّين فَأَخْبَرُونِي أنَّ بَين الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ صَحْرَاءَ تُعْرَف بِالْخَبْتِ، وَالْجَمِيشُ: الَّذِي لَا يُنْبت. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْجِيمِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ «لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ قَدْ بَايعوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّر وخَبُتَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا رُوِيَ بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ. يُقَالُ رَجُلٌ خَبِيتٌ أَيْ فَاسِدٌ. وَقِيلَ هُوَ كَالْخَبِيثِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. وَقِيلَ هُوَ الْحَقِيرُ الرديء، والْخَتِيتُ بتاءين: الخسيس.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ «أَنَّهُ مرَّ بِرَجُلٍ نَائِمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَدفَعه بِرِجْلِهِ وَقَالَ: لَقَدْ عُوفيتَ، إِنَّهَا سَاعَةٌ تَكُونُ فِيهَا الْخَبْتَةُ» يُرِيدُ الْخَبْطَةَ بِالطِّاءِ: أَيْ يَتَخَبَّطه الشَّيْطَانُ إِذَا مَسَّه بِخَبَلٍ أَوْ جُنُونٍ. وَكَانَ فِي لِسَانِ مَكْحُولٍ لُكْنة فَجَعَلَ الطَّاءَ تَاءً.

(خَبَثَ)
فِيهِ «إِذَا بَلَغ الْمَاءُ قُلَّتين لَمْ يَحْملْ خَبَثاً» الْخَبَثُ بِفَتْحَتَيْنِ: النَّجَسُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُلّ دَوَاء خَبِيثٍ» هُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ: إحْدَاهما النَّجاسة وَهُوَ الحرَام كَالْخَمْرِ وَالْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ كُلُّهَا نَجسة خَبِيثَةٌ، وتَناوُلها حَرَامٌ إِلَّا مَا خصَّته السُّنَّة مِنْ

(2/4)


أَبْوَالِ الْإِبِلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، ورَوْث مَا يُؤكل لحمهُ عِنْدَ آخَرِينَ. وَالْجِهَةُ الأخْرى مِنْ طَرِيقِ الطَّعْم والمَذَاق؛ وَلَا يُنْكر أَنْ يَكُونَ كَرِه ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الطِّبَاعِ وَكَرَاهِيَةِ النُّفُوسِ لَهَا «1» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلا يَقْربَنَّ مسجدَنا» يُريد الثُّومَ والبَصَل والكُرَّاثَ، خُبْثُهَا مِنْ جهَة كَرَاهَةِ طَعْمها وَرِيحِهَا؛ لِأَنَّهَا طَاهرَة وَلَيْسَ أكلُها مِنَ الْأَعْذَارِ المَذْكورة فِي الانْقطَاع عَنِ الْمَسَاجِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِزَالِ عُقُوبَةً ونَكالاً؛ لِأَنَّهُ كان يتأذَّى بريحها.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَهْرُ البَغيّ خَبِيثٌ، وثمنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وكسبُ الحجَّام خَبِيثٌ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَجْمَع الكلامُ بَيْنَ الْقَرَائِنِ فِي اللَّفْظِ ويُفْرَق بَيْنَهَا فِي الْمَعْنَى، ويُعْرَف ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ. فَأَمَّا مَهْرُ البَغيّ وثمَن الكَلْب فَيُريد بِالْخَبِيثِ فِيهِمَا الحرَامَ لِأَنَّ الْكَلْبَ نَجسٌ، وَالزِّنَا حَرَامٌ، وبَذْلُ العوَض عَلَيْهِ وأخْذُه حَرَامٌ. وَأَمَّا كَسْبُ الحجَّام فيُريد بِالْخَبِيثِ فِيهِ الكَرَاهةَ، لِأَنَّ الْحِجَامَةَ مُبَاحةٌ. وَقَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْفَصْلِ الْوَاحِدِ بعضُه عَلَى الْوُجُوبِ، وَبَعْضُهُ عَلَى النَّدب، وبعضُه عَلَى الحقِيقَة، وبعضُه عَلَى المَجازِ، ويُفْرَق بَيْنَهَا بِدَلَائِلِ الْأُصُولِ وَاعْتِبَارِ مَعَانِيهَا.
وَفِي حَدِيثِ هرَقْلَ «أَصْبَحَ يَوْمًا وَهُوَ خَبِيثُ النفسِ» أَيْ ثَقِيلُها كَرِيهُ الْحَالِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَقُولَنّ أحَدُكم خَبُثَتْ نَفْسِي» أَيْ ثَقُلَتْ وَغَثَتْ، كَأَنَّهُ كَره اسْمَ الخُبث.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يُصَلّين الرجُل وَهُوَ يُدَافع الْأَخْبَثَيْنِ» هُمَا الغَائط والبَوْل.
(س) وفيه «كما يَنْفي الكِير الْخَبَثَ» هو مَا تُلقيه النَّارُ مِنْ وسَخ الفِضَّة وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا أُذِيبَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّهُ كَتَبَ للعَدَّاء بْنِ خَالِدٍ- اشترى منه عبدا أو أمة- لاداء، وَلَا خِبْثَة، وَلَا غَائِلَة» أَرَادَ بِالْخِبْثَة الحرامَ، كَمَا عَبَّر عَنِ الحَلاَل بالطَّيِّب. والْخِبْثَة: نَوْع مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ، أَرَادَ أنَّه عبدٌ رقيقٌ، لَا أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحلِ سبْيُهم، كَمَنْ أعْطِيَ عهْدا أَوْ أَماناً، أَوْ مَن هو حرّ فى الأصل.
__________
(1) قال فى الدر النثير: قلت: فسر فى رواية الترمذى بالسم.

(2/5)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا خِبْثَة» يُرِيدُ يَا خَبِيثُ. ويقال للأخْلاق الْخَبِيثَةِ خِبْثَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ «كَذب مَخْبَثَانُ» الْمَخْبَثَانُ الْخَبِيثُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا، وَكَأَنَّهُ يدُلُّ عَلَى المبالغة.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ يُخاطِب الدُّنيا «خَبَاثِ، كُلَّ عِيدَانِكِ مَضَضْنا فَوَجَدْنَا عاقِبَتَه مُرَّا» خَبَاث- بِوَزْنِ قَطام- مَعْدُول، مِنَ الْخُبْثِ، وَحَرْفُ النِّدَاءِ مَحْذُوفٌ: أَيْ يَا خَبَاث. والمَضَّ مِثْلُ المَصّ: يُرِيدُ إِنَّا جَرَّبناكِ وخَبَرْنَاكِ فوَجَدْنا عاقِبَتَك مُرَّة.
(هـ) وَفِيهِ «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ والْخَبَائِثِ» بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ الْخَبِيثِ، والْخَبَائِثُ جمعُ الْخَبِيثَةِ، يُريد ذكورَ الشَّيَاطِينِ وإناثَهم. وَقِيلَ هُوَ الْخُبْثُ بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ خِلَافُ طَيِّب الفِعْلِ مِنْ فُجُور وَغَيْرِهِ. والْخَبَائِثُ يُرِيدُ بِهَا الأفعالَ المَذمُومة والخصالَ الرديئةَ.
(هـ) وَفِيهِ «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ» الْخَبِيثُ ذُو الخُبْث فِي نَفْسه، والْمُخْبِثُ الَّذِي أَعْوَانُهُ خُبَثَاءُ، كَمَا يُقَالُ لِلَّذِي فَرَسُهُ ضَعيف مُضْعِف. وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُعَلّمهم الخُبث ويُوقعهم فِيهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قَتْلَى بَدْر «فأُلْقُوا في قَليبٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ» أَيْ فاسدٍ مُفْسد لمَا يَقَعُ فِيهِ (هـ) وَفِيهِ «إِذَا كَثُر الْخُبْثُ كَانَ كَذَا وَكَذَا» أرادَ الفسقَ والفُجُورَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبادة «أَنَّهُ أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُل مُخْدَجٍ سَقِيم وُجِد مَعَ أمَةٍ يَخْبُثُ بِهَا» أَيْ يَزْنِي.

(خَبَجَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ خَبَجٌ» الْخَبَجُ بِالتَّحْرِيكِ: الضُّراط. وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ خَرَج الشَّيْطَانُ وَلَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ» .

(خَبْخَبَ)
فِيهِ ذِكْرُ «بَقِيعِ الْخَبْخَبَة» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْأُولَى: مَوْضِعٌ بِنُوَاحِي الْمَدِينَةِ.

(خَبَرَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْخَبِيرُ» *
هُوَ العَالِم بِمَا كَان وَبِمَا يَكُونُ. خَبَرْتُ الْأَمْرَ أَخْبُرُهُ إِذَا عرَفتَه عَلَى حَقِيقَتِهِ.

(2/6)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ بَعَثَ عَيْناٌ مِنْ خُزَاعَةَ يَتَخَبَّرُ لَهُ خَبَرَ قُرَيش» أَيْ يَتَعرّف.
يُقَالُ تَخَبَّرَ الْخَبَرَ، واسْتَخْبَرَ إِذَا سَأَلَ عَنِ الْأَخْبَارِ ليَعْرفها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ» قِيلَ هِيَ المُزارَعة عَلَى نَصيب مُعَيَّن كَالثُّلُثِ والرُّبع وَغَيْرِهِمَا. والْخُبْرَةُ النَّصيبُ «1» ، وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْخَبَارِ: الْأَرْضِ اللَّيِّنَةِ. وَقِيلَ أَصْلُ الْمُخَابَرَةِ مِنْ خَيْبَر؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ أقرَّها فِي أَيْدِي أَهْلِهَا عَلَى النِّصف مِنْ مَحْصُولِهَا، فَقِيلَ خَابَرَهم: أَيْ عَامَلَهُمْ في خَيبر.
(س) وَفِيهِ «فدَفَعْنا فِي خَبَارٍ مِنَ الْأَرْضِ» أَيْ سَهْلة لَيِّنة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَهْفةَ «ونسْتَخْلِب الْخَبِير» الْخَبِيرُ: النَّبَاتُ والعُشب، شُبِّه بِخَبِيرِ الْإِبِلِ وَهُوَ وبَرُها، واسْتِخْلابه: إحْتِشاشه بالمِخْلَب وَهُوَ المِنْجَل. والْخَبِيرُ يقع على الوبرَ والزَّرع والأكَّار.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «حِينَ لَا آكُل الْخَبِيرَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: أَيِ الخُبْز المأدُومَ. والْخَبِيرُ والْخُبْرَةُ: الْإِدَامُ. وَقِيلَ هِيَ الطَّعَامُ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ. يُقَالُ اخْبُرْ طَعَامَكَ: أَيْ دَسِّمه. وَأَتَانَا بخُبْزة وَلَمْ يَأْتِنَا بِخُبْرَةٍ.

(خَبَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ «نَهَى أَنْ يُخْبَطَ شجرُها» الْخَبْط: ضرْبُ الشَّجَرِ بِالْعَصَا ليتنائر ورقُها، وَاسْمُ الْوَرَقِ السَّاقِطِ خَبَطٌ بِالتَّحْرِيكِ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مِنْ عَلَفِ الْإِبِلِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ «خَرَجَ فِي سَريّة إِلَى أَرْضِ جُهَينة فَأَصَابَهُمْ جُوعٌ فَأَكَلُوا الْخَبَط، فسُمُّوا جيشَ الْخَبَط» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فضَرَبتْها ضَرَّتُها بِمِخْبَط فأسْقَطَت جَنِينا» الْمِخْبَط بِالْكَسْرِ: الْعَصَا الَّتِي يُخْبَط بها الشجر.
__________
(1) أنشد الهروى:
إذا ما جعلت الشاةَ للناسِ خُبْرَةً ... فَشأنَك إِنّي ذاهبٌ لشُئوني

(2/7)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَقَدْ رَأَيْتُنِي بِهَذَا الْجَبَلِ أَحْتَطِبُ مَرَّةً وأَخْتَبِطُ أُخْرَى» أَيْ أَضْرِبُ الشَّجَرَ ليَنْتثِر الْخَبَط مِنْهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «سُئل هَلْ يَضُر الغُبْط؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا كَمَا يَضُر العِضاهَ الْخَبْطُ» وَسَيَجِيءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مبيَّنا فِي حَرْفِ الْغَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ» أَيْ يَصْرَعَنِي ويَلْعَبَ بِي.
والْخَبْطُ بِالْيَدَيْنِ كالرَّمْح بالرِّجْلَين.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «لَا تَخْبِطُوا خَبْطَ الْجَمَلِ، وَلَا تَمُطُّوا بِآمِينَ» نَهَاهُ أَنْ يقدِّم رجْله عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ السُّجُودِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «خَبَّاطُ عَشْوات» أَيْ يَخْبِطُ فِي الظَّلام. وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي فِي اللَّيْلِ بِلَا مِصباح فيتحيَّر ويَضل، وَرُبَّمَا تَردّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَط عَلَى سُبع، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: يَخْبِطُ فِي عَمْياء؛ إِذَا ركِب أَمْرًا بجَهالة.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَامِرٍ «قِيلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: قَدْ كُنْتَ تَقْرِى الضَّيف، وتُعْطي الْمُخْتَبِطَ» هُوَ طَالِبُ الرِّفْدِ مِنْ غَيْرِ سَابِقِ مَعْرِفَةٍ وَلَا وَسِيلةٍ، شُبِّه بِخَابِطِ الورَق أَوْ خَابِطِ اللَّيْلِ.

(خَبَلَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ أُصيبَ بدَم أَوْ خَبْلٍ» الْخَبْلُ بِسُكُونِ الْبَاءِ: فسادُ الْأَعْضَاءِ.
يُقَالُ خَبَلَ الحُبُّ قلبَه: إِذَا أَفْسَدَهُ، يَخْبِلُهُ ويَخْبُلُهُ خَبْلًا. وَرَجُلٌ خَبِلٌ ومُخْتَبِلٌ: أَيْ مَنْ أُصِيبَ بقَتْل نَفْسٍ، أَوْ قَطْع عُضو. يُقَالُ بَنُو فُلَانٍ يُطالبون بِدماء وخَبْلٍ: أَيْ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْل.
(هـ س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْخَبْل» أَيِ الفتن المفسدة.
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَنْصَارِ «أَنَّهَا شكَت إِلَيْهِ رَجُلًا صاحبَ خَبْلٍ يَأْتِي إِلَى نَخْلهم فيُفْسِده» أَيْ صَاحِبَ فَسَادٍ.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ شَرِب الخَمْر سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْخَبَالَ عُصارة أَهْلِ النَّارِ. والْخَبَالُ فِي الْأَصْلِ: الفسادُ، وَيَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَبْدَانِ والعُقول.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَبِطَانَةٌ لَا تَألوه خَبَالًا» أَيْ لَا تُقَصر فِي إِفْسَادِ أَمْرِهِ.

(2/8)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنَّ قَوما بَنَوْا مَسْجِدًا بِظَهْرِ الْكُوفَةِ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: جِئْتُ لأكْسِرَ مَسْجِدَ الْخَبَال» أَيِ الْفَسَادِ.

(خَبَنَ)
فِيهِ «مَنْ أَصَابَ بفِيه مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَة فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» الْخُبْنَةُ:
مَعْطِفُ الإزارِ وطرَفُ الثَّوب: أَيْ لَا يأخُذ مِنْهُ فِي ثَوبه. يُقَالُ أَخْبَنَ الرَّجُلُ إِذَا خَبأ شَيْئًا فِي خُبْنه ثَوْبِهِ أَوْ سَراويله.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فْليأكلْ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» .

(خَبَا)
فِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ «فأمرَ بِخِبَائِهِ فقُوِّض» الْخِبَاءُ: أحدُ بُيوت الْعَرَبِ مِنْ وَبر أَوْ صُوفٍ، وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعَر. وَيَكُونُ عَلَى عَمُوَدين أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَالْجَمْعُ أَخْبِيَةٌ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ مُفْرداً وَمَجْمُوعًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هِنْدٍ «أهلُ خِبَاءٍ أَوْ أَخْبَاءٍ» عَلَى الشَّك. وَقَدْ يُستعمل فِي المَنازِل وَالْمَسَاكِنِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ» يُرِيدُ مَنْزِلها. وَأَصْلُ الخِباء الْهَمْزُ، لِأَنَّهُ يُخْتَبأ فِيهِ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ التَّاءِ

(خَتَتَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي جَنْدل «أَنَّهُ اخْتأتَ للضَّرب حَتَّى خِيف عَلَيْهِ» قَالَ شَمِرٌ:
هَكَذَا رُوِيَ. وَالْمَعْرُوفُ: أَخَتَّ الرَّجُلُ إِذَا انْكَسَرَ واستحيا. والْمُخْتَتِيُّ مِثْلُ الْمُخِتِّ، وَهُوَ الْمُتَصَاغِرُ الْمُنْكَسِرُ.

(خَتَرَ)
فِيهِ «مَا خَتَرَ قَوْمٌ بالعَهْد إٍلَّا سُلِّط عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ» الْخَتْرُ: الْغَدْرُ. يُقَالُ: خَتَرَ يَخْتِرُ فَهُوَ خَاتِرٌ وخَتَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ.

(خَتَلَ)
فِيهِ «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُعَطَّل السُّيُوفُ مِنَ الْجِهَادِ، وَأَنْ تُخْتَلَ الدُّنْيَا بالدِّين» أَيْ تُطْلَبَ الدُّنْيَا بعَمل الْآخِرَةِ. يُقَالُ خَتَلَهُ يَخْتِلُهُ إِذَا خَدعه وراوَغَه. وخَتَلَ الذئب الصَّيْد إذا تَخَفَّى له.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ فِي طُلَّاب الْعِلْمِ «وَصِنْفٌ تعلّموه للاستِطالة والْخَتْلِ» أي الخِداع.

(2/9)


(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ ليَطْعُنَه» أَيْ يُدَاورُه ويَطْلُبه مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر.

(خَتَمَ)
(هـ) فِيهِ «آمِينَ خَاتَمُ ربِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ» قِيلَ مَعْنَاهُ طابَعُه وعلامتُه الَّتِي تَدْفع عَنْهُمُ الْأَعْرَاضَ وَالْعَاهَاتِ؛ لِأَنَّ خَاتَمَ الْكِتَابِ يَصُونه وَيَمْنَعُ النَّاظِرِينَ عَمَّا فِي باطنه.
وتُفْتح تاؤه وتُكسر، لُغَتان.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُبْس الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلطان» أَيْ إِذَا لبِسَه لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَكَانَ لِلزِّينَةِ المحْضَة، فكَره لَهُ ذَلِكَ، ورَخَّصها للسلطان لحاجته إليها في خَتْمِ الكُتُب.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ خَاتَمُ شَبَه فقال: مالى أجِدُ مِنْكَ ريحَ الْأَصْنَامِ» لِأَنَّهَا كَانَتْ تُتَّخَذ من الشَّبَه. وقال في خَاتَمِ الحديد «مالي أَرَى عَلَيْكَ حلْية أَهْلِ النَّارِ» لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ زِيّ الكُفار الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ.
وَفِيهِ «التَّخَتُّمُ بِالْيَاقُوتِ يَنْفي الفَقْر» يُريد أَنَّهُ إِذَا ذَهب مالُه بَاعَ خَاتَمَهُ فَوَجَدَ فِيهِ غِنًى، وَالْأَشْبَهُ- إِنْ صَحّ الْحَدِيثُ- أَنْ يَكُونَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ.

(خَتَنَ)
(هـ) فِيهِ «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وجَبَ الغُسْل» هُمَا مَوْضع القَطْع مِنْ ذَكر الْغُلَامِ وَفَرْجِ «1» الْجَارِيَةِ. وَيُقَالُ لقَطْعِهما: الإعْذار والخفْض.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آجَر نفْسَه بِعِفَّة فرْجه وشبَع بَطْنِهِ، فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ:
إنَّ لَكَ فِي غَنَمي مَا جَاءَتْ بِهِ قالبَ لَوْن» أَرَادَ بِخَتَنِهِ أَبَا زَوْجته. والْأَخْتَانُ مِنْ قِبل الْمَرْأَةِ. وَالْأَحْمَاءُ مِنْ قِبل الرجُل. وَالصِّهْرُ يَجْمَعُهُمَا. وخَاتَنَ الرَّجُلُ الرجُلُ إِذَا تَزوّج إِلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عليٌّ خَتَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ زَوْج ابْنَته.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ جُبير «سُئِل ايَنْظُر الرجُل إِلَى شَعر خَتَنَتِهِ؟ فَقَرأ: ولا يُبْديِنَ زينتهنّ ... الْآيَةَ. وَقَالَ: لَا أَرَاهُ فِيهِمْ، وَلَا أَرَاهَا فيهن» أراد بِالْخَتَنَةِ أمّ الزوجة «2» .
__________
(1) فى الهروى: ونواة الجارية، وهى مخفضها.
(2) في الهروي والدر النثير: قال ابن شميل سميت المصاهرة مخاتنة لالتقاء الختانين.

(2/10)


باب الخاء مع الثاء

(خثر)
(س) فِيهِ «أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَاثِرُ النَّفْس» أَيْ ثَقيل النَّفْس غَيْرُ طَيِّب وَلَا نَشيط.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ: ياَ أمّ سليم مالي أرَى ابْنَك خَاثِرَ النَّفْس؟ قَالَتْ: ماتَت صَعْوَتُه» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ذَكَرْنا لَهُ الَّذِي رَأَيْنَا مِنْ خُثُورِهِ» .

(خَثَلَ)
فِي حَدِيثِ الزِّبْرِقان «أحَبُّ صبْياننا إِلَيْنَا العَريضُ الْخَثْلَةِ» هِيَ الحوْصَلة. وَقِيلَ:
مَا بَيْنَ السُّرَّة إِلَى الْعَانَةِ. وَقَدْ تُفْتَحُ الثَّاءُ.

(خَثَا)
فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «فَأَخَذَ مِنْ خِثْيِ الْإِبِلِ فَفَتَّهُ» أَيْ رَوْثها. وأصْل الْخثْيِ للبقِر فَاسْتَعَارَهُ لِلْإِبِلِ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْجِيمِ

(خَجَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وذَكَر بنَاء الْكَعْبَةِ «فبَعث اللَّهُ السَّكينة، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوج، فتطوَقت بِالْبَيْتِ» هَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ. وَفِي كِتَابِ الْقُنَيْبِيِّ «فَتَطَوَّتْ مَوْضِعَ الْبَيْتِ كالحجَفَة» يُقَالُ رِيحٌ خَجُوجٌ أَيْ شَدِيدَةُ الْمُرُورِ فِي غَيْرِ اسْتواء. وَأَصْلُ الْخَجِّ الشَّقُّ وَجَاءَ فِي كِتَابِ المُعْجم الأوسَط للطَّبَراني عَنْ عَلِيٍّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّكينة رِيحٌ خَجُوجٌ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَمَلَ فَكَأَنَّهُ خَجُوجٌ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَذَكَرَ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ لقُرَيش وَكَانَ رُوميَّا «كَانَ فِي سَفينة أَصَابَتْهَا رِيحٌ فَخَجَّتْهَا» أَيْ صرفتهاَ عَنْ جِهَتِهَا ومقْصدها بِشدَّة عَصْفها.

(خَجَلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسَاءِ: إِنَّكُنَّ إِذَا شَبِعْتُنَّ خَجِلْتُنَّ» أَرَادَ الكَسَل والتَّواني؛ لِأَنَّ الْخَجِلَ يَسْكُتُ وَيَسْكُنُ وَلَا يَتَحَرَّكُ. وَقِيلَ: الْخَجِلُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى الرَّجُلِ أمْرُه فَلَا يَدْري

(2/11)


كيف المخرج منه. وقيل: الْخَجَل هاهنا: الأَشَر والبَطَر مِنْ خَجِلَ الْوَادِي: إِذَا كَثُر نباته وعُشْبه.
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إِنَّ رَجُلا ذَهَبت لَهُ أيْنُقٌ فَطَلَبَهَا، فَأَتَى عَلَى وَادٍ خَجِلٍ مُغِنٍّ مُعْشب» الْخَجِل فِي الْأَصْلِ: الْكَثِيرُ النَّبَاتِ الْمُلْتَفِّ الْمُتَكَاثِفِ. وخَجِلَ الْوَادِي والنَّبات:
كَثُرَ صَوْتُ ذِبَّانه لكثرة عُشْبه.

(خجى)
(س) فِي حَدِيثِ حُذيفة «كالكُوز مُخَجِّياً» قَالَ أَبُو موسى: هكذا أورَدَه صاحب التّنمّة، وَقَالَ: خَجَّى الكُوز: أَمَالَهُ. والمشْهُور بِالْجِيمِ قَبْلَ الخاءْ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَرْفِ الْجِيمِ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الدَّالِ

(خَدَبَ)
(هـ) فِي صِفَةِ عُمَرَ «خِدَبٌّ مِنَ الرِّجال كَأَنَّهُ رَاعي غَنَم» الْخِدَبُّ- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ- العظيم الجافي.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُمَيد بْنِ ثَوْر فِي شعْره:
وبَين نِسْعَيهِ خِدَبّاً مُلْبِداً يُرِيدُ سَنَام بَعِيرِهِ، أَوْ جَنْبَه: أَيْ إِنَّهُ ضَخْم غَليظٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ:
لأُنكحَنَّ بَبَّه ... جَاريَةً خِدَبَّةً «1»

(خَدَجَ)
(هـ) فِيهِ «كلُّ صَلَاةٍ ليسَتْ فِيهَا قِراءة فَهِيَ خِدَاجٌ» الْخِدَاجُ: النُّقْصَان.
يُقَالُ: خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا ألْقَتْ ولدَها قَبل أوَانِه وَإِنْ كَانَ تَامَّ الخلْق. وأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصَ الخلْق وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْحَمْلِ. وَإِنَّمَا قَالَ فَهِيَ خِدَاجٌ، والْخِدَاجُ مَصْدَرٌ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ ذَاتُ خِدَاجٍ، أَوْ يَكُونُ قَدْ وَصَفَها بالمَصْدر نفْسه مبالغة كقوله:
__________
(1) انظر هامش ص 92 من الجزء الأول من هذا الكتاب.

(2/12)


فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وإدْبارُ «1» (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبيعٌ خَدِيجٌ» أَيْ نَاقِصُ الخلْق فِي الْأَصْلِ. يُرِيدُ تبيعٌ كَالْخَدِيجِ فِي صغَر أَعْضَائِهِ وَنَقْصِ قُوَته عَنِ الثَّنِيِّ وَالرَّبَاعِيِّ. وخَدِيجٌ فَعيل بِمَعْنَى مُفعَل: أَيْ مُخْدَج.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «أَنَّهُ أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخْدَجٍ سَقِيم» أَيْ نَاقِصِ الخلْق.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ذِي الثُّدَيَّة «إِنَّهُ مُخْدَجُ اليَد» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «تُسَلم عَلَيْهِمْ وَلَا تُخْدِجِ التَّحِيَّةَ لَهُمْ» أَيْ لَا تُنْقِصْهَا.

(خَدَدَ)
فِيهِ ذِكْرُ «أَصْحابُ الْأُخْدُودِ»
الْأُخْدُودُ: الشَّقُّ [فِي الْأَرْضِ] «2» ، وَجَمْعُهُ الْأَخَادِيدُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَسْرُوقٍ «أنْهَار الجَّنة تَجْري فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ» أَيْ فِي غَيْرِ شَق فِي الْأَرْضِ.

(خدر)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا خُطِبَ إِلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ أَتَى الْخِدْر فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا خَطَبك إِلَيَّ، فَإِنْ طَعَنتْ فِي الْخِدْرِ لَمْ يُزوّجها» الْخِدْرُ نَاحِيَةٌ فِي الْبَيْتِ يُتْرك عَلَيْهَا سِتْرٌ فَتَكُونُ فِيهِ الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ، خُدِّرَتْ فَهِيَ مُخَدَّرَةٌ. وَجَمْعُ الْخِدْر الْخُدُورُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَمَعْنَى طَعَنَت فِي الْخِدْر: أَيْ دخَلَت وذَهَبت فِيهِ، كَمَا يُقَالُ طَعَن فِي الْمَفَازَةِ إِذَا دَخَل فِيهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ضَرَبت بيَدها عَلَى الستْر، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «نَقَرتْ الْخِدْر» مَكَانَ طَعَنت. وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
منْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُه ... بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَه غِيلُ
خَدَرَ الأسَدُ وأَخْدَرَ، فَهُوَ خَادِرٌ ومُخْدِرٌ: إِذَا كَانَ فِي خِدْرِهِ، وَهُوَ بيتُه.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ رَزَق النَّاسَ الطِّلاَءَ، فشَربَه رجُل فَتَخَدَّرَ» أَيْ ضَعُفَ وفَتَرَ كَمَا يُصيب الشاربَ قبْل السُّكْر. وَمِنْهُ خَدَرُ الرّجْلِ واليَدِ (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ خَدِرَتْ رِجْله، فَقِيلَ لَهُ: مَا لِرِجْلِك؟ قَالَ: اجتمعَ عَصَبُها. قِيلَ لَهُ: اذْكُر أحَبَّ النَّاسِ إِليك» قَالَ: يا محمدُ، فَبَسَطَها.
__________
(1) أى مقبلة مدبرة.
(2) الزيادة من واللسان

(2/13)


(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ «اشْتَرَط أَنْ لَا يَأخذ تَمْرة خَدِرَة» أَيْ عَفِنة، وَهِيَ الَّتِي اسْوَدَّ باطنها.

(خدش)
(س) فِيهِ «مَنْ سَألَ وَهُوَ غَنيٌ جَاءَتْ مسألتُه يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشاً فِي وَجْهِهِ» خَدْشُ الْجِلْدِ: قَشْرُه بِعُود أَوْ نَحْوِهِ. خَدَشَهُ يَخْدِشُهُ خَدْشاً. والْخُدُوشُ جَمْعُهُ؛ لِأَنَّهُ سُمّي بِهِ الْأَثَرُ وَإِنْ كان مصْدرا.

(خدع)
(هـ س) فِيهِ «الحرْب خَدْعَةٌ» يُرْوَى بِفَتْحِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ سُكُونِ الدَّالِ، وَبِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الدَّالِ، فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ أَنَّ الحرْبَ يَنْقضي أمرُها بِخَدْعَةٍ واحدَة، مِنَ الْخِدَاعِ:
أَيْ أَنّ المُقَاتلَ إِذَا خُدِعَ مرَّة وَاحِدَةً لَمْ تَكُنْ لَهَا إقَالَة، وَهِيَ أَفْصَحُ الرِّوَايَاتِ وَأَصَحُّهَا. وَمَعْنَى الثَّانِي:
هُوَ الإسْمُ مِنَ الْخِدَاعِ. وَمَعْنَى الثَّالِثِ أَنَّ الْحَرْبَ تَخْدَعُ الرِّجَالَ وتُمنّيهم وَلَا تَفي لَهُمْ، كَمَا يُقَالُ:
فلانٌ رَجُلٌ لُعَبة وضُحَكَة: أَيُّ كَثِيرُ اللَّعِبِ والضَّحك.
(هـ) وَفِيهِ «تَكُونُ قَبْلَ السَّاعة سنُون خَدَّاعَةٌ» أَيْ تَكثُر فِيهَا الْأَمْطَارُ وَيَقِلُّ الرَّيْع، فَذَلِكَ خَدَاعُهَا؛ لِأَنَّهَا تُطْمِعُهم فِي الخِصْب بِالْمَطَرِ ثُمَّ تُخْلِف. وَقِيلَ الْخَدَّاعَة: الْقَلِيلَةُ الْمَطَرِ، من خَدَعَ الرِّيقُ إذا جَفَّ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ أحْتَجَم عَلَى الْأَخْدَعَيْنِ والكاهِل» الْأَخْدَعانِ: عِرْقان في جَانِبَيِ العُنُق.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ أعْرَابيا قَالَ لَهُ: قَحَطَ السَّحاَبُ، وخَدَعَت الضِّبابُ، وجَاعتِ الأعْراب» خَدَعَت: أَيِ اسْتَتَرت فِي جِحَرَتها؛ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوهَا وَمَالُوا عَلَيْهَا لِلْجَدْبِ الَّذِي أَصَابَهُمْ.
والْخَدْع: إِخْفَاءُ الشَّيْءِ، وَبِهِ سُمّي الْمَخْدَع، وَهُوَ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ.
وتُضَم ميِمُه وتُفْتح.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الفِتن «إنْ دَخَلَ عَلَىَّ بَيْتي قَالَ: أدخُلُ الْمَخْدَعَ» .

(خَدَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ اللِّعَان «وَالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ خَدْلٌ جَعْدٌ» الْخَدْلُ: الغليظ الممتلى السّاق.

(2/14)


(خدلج)
(س) فِي حَدِيثِ اللِّعَان «إِنْ جاَءت بِهِ خَدَلَّجَ السَّاقَين فَهُوَ لفُلان» أَيْ عظيمَهما، وَهُوَ مِثْل الخَدْلِ أَيْضًا.

(خَدَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «الحمْد لِلَّهِ الَّذِي فَضَّ خَدَمَتَكُمْ» الْخَدَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ: سَيْر غَلِيظٌ مَضْفور مِثْلُ الحَلْقة يُشَد فِي رُسْغِ الْبَعِيرِ ثُمَّ تُشَدّ إِلَيْهَا سَرَائِحُ نَعْلِهِ، فَإِذَا اْنَفَّضت الخَدَمَة انْحَّلت السرائحُ وسَقَط النَّعْل، فَضُرِبَ ذَلِكَ مَثَلاً لِذَهَابِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وتفرُّقِهِ، وشَبَّه اجتِمَاع أمْر العَجَم واتِّساقَه بالحَلقة الْمُسْتَدِيرَةِ، فَلِهَذَا قَالَ: فَضَّ خَدَمَتَكُمْ: أَيْ فَرّقها بَعْدَ اجْتِماعها.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْخَدَمَة فِي الْحَدِيثِ. وَبِهَا سُمّي الخَلْخال خَدَمَة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَحُول بَيْنَنَا وبَين خَدَمِ نسَائكم شَيْءٌ» هُوَ جَمْعُ خَدَمَةٍ، يَعْنِي الخلْخَالَ، ويُجمع عَلَى خِدَامٍ أَيْضًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُنّ يَدْلَحْنَ بالقِرَب عَلَى ظُهورهنّ، يَسْقين أَصْحَابَهُ باديَةً خِدَامُهُنَّ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «أَنَّهُ كَانَ عَلَى حِمَار وَعَلَيْهِ سَرَاويلُ وخَدَمَتَاهُ تَذَبْذَبَان» أَرَادَ بِخَدَمَتَيْهِ سَاقَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الخَدَمتين. وَقِيلَ أَرَادَ بِهِمَا مخرجَ الرّجْلين مِنَ السَّرَاويل.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «اسْأَلِي أَبَاكِ خَادِماً يقِيك حَرّ مَا أَنْتِ فِيهِ» الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخَدَم، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لإجْرائه مُجْرى الْأَسْمَاءِ غَيْرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الأفعال، كحائض وعاتق.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فمتَّعها بِخَادِمٍ سَوداء» أَيْ جَارِيَةٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(خَدَنَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنِ احْتاج إِلَى مَعُونتهم فَشَرُّ خَليل والأَمُ خَدِينٍ» الْخِدْنُ والْخَدِينُ: الصَّديق.

(خَدَا)
فِي قَصِيدِ كَعْبِ بن زهير:
تَخْدِي على يسرات وهي لاهيَةٌ «1» الْخَدْيُ: ضَرْب مِنَ السَّير. خَدَى يَخْدِي خَدْياً فهو خَادٍ.
__________
(1) فى شرح ديوانه ص 13: «لاحقة» واللاحقة: الضامرة.

(2/15)


باب الخاء مع الذال

(خذع)
(س) فِيهِ «فَخَذَعَهُ بِالسَّيْفِ» الْخَذْعُ: تَحْزيز اللَّحْمِ وتَقْطيعه مِنْ غَيْرِ بَيْنُونة، كالتَّشْريح. وخَذَعَهُ بالسَّيف: ضَرَبه بِهِ.

(خَذَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ» هُوَ رَمْيك حَصَاة أَوْ نَوَاةً تَأْخُذُهَا بَيْنَ سُبَّابَتَيك وتَرْمي بِهَا، أَوْ تَتَّخذُ مِخْذَفَةً مِنْ خَشَبٍ ثُمَّ تَرْمِي بِهَا الْحَصَاةَ بَيْنَ إبْهامك وَالسَّبَّابَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ رَمْي الجمَار «عَلَيْكُمْ بمثل حصى الْخَذْف» أي صغَارا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمْ يَتْرُكْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا مِدْرَعَة صُوفٍ ومِخْذَفَة» أَرَادَ بِالْمِخْذَفَةِ المقْلاع. وَقَدْ تَكَرَّر ذِكْرُ الْخَذْفِ فِي الْحَدِيثِ.

(خَذَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «قِيلَ لَهُ أتَذْكُر الفيلَ؟ فَقَالَ: أذْكَر خَذْقَهُ» يَعْنِي رَوْثه. هَكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ الْهَرَوِيِّ والزَّمخشري وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُعَاوية. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُعاوية يَصْبُو عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنة، فَكَيْفَ يَبْقَى رَوْثُه حَتَّى يَرَاه؟ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ حَدِيثُ قَباث بْنِ أشْيَمَ «قِيلَ لَهُ أَنْتَ أكبَرُ أمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أقدَمُ مِنْهُ فِي الميلاَد، وَأَنَا رَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أخْضرَ مُحيلا» .

(خَذَلَ)
(هـ) فِيهِ «والمؤمنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لَا يَخْذُلُهُ» الْخَذْلُ: تَرْكُ الْإِغَاثَةِ والنُّصْرَةِ.

(خَذَمَ)
(هـ) فِيهِ «كأنَّكم بالتُّرْك وَقَدْ جَاءتكُم عَلَى بَرَاذينَ مُخَذَّمَة الْآذَانِ» أَيْ مُقَطَّعتهَا والْخَذْمُ: سُرْعة الْقَطْعِ، وَبِهِ سُمِّيَ السَّيْفُ مِخْذَماً.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِذَا أذَّنْت فاسْتَرْسل، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاخْذِمْ» هَكَذَا أخْرَجه الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَمَعْنَاهُ التَّرْتِيلُ كَأَنَّهُ يَقْطع الْكَلَامَ بَعْضه عَنْ بَعْضٍ، وغيرُه يَرْوِيهِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الزِّنَادِ «أُتي عَبدُ الْحَمِيدِ- وَهُوَ أَمِيرُ الْعِرَاقِ- بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ قَدْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ وخَذَمُوا بِالسُّيُوفِ» أي ضربوا الناس بها في الطريق.

(2/16)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ «بمَوَاسي خَذِمَةٍ» أي قاطعة.
(س) وَحَدِيثُ جَابِرٍ «فضُرباَ حتَّى جَعَلَا يَتَخَذَّمَانِ الشجرةَ» أي يَقْطعانها.

(خذا)
(س) فِي حَدِيثِ النَّخَعِي «إِذَا كَانَ الشَّق أَوِ الخَرْق أَوِ الْخَذَا فِي أُذُن الأُضْحية فَلَا بَأسَ» الْخَذَا فِي الْأُذُنِ: انْكِساَرٌ واسْتِرخاء. وأذنٌ خَذْوَاءُ:
أَيْ مُسْتَرْخِيَة.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيِّ «قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْخَذَوَاتِ وَقَدْ حَلَّ سُفْرَة مُعلَّقة» الْخَذَوَاتُ: اسْمُ مَوْضِعٍ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الرَّاءِ

(خَرَأَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سلْمان «قَالَ لَهُ الكُفَّار: إِنَّ نَبِيَّكُم يُعَلّمُكُم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ أجَلْ» الْخِرَاءَةُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: التَّخَلي والقُعود للحَاجة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَكْثَرُ الرُّواة يَفْتَحُونَ الْخَاءَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «إِنَّهَا الْخَرَاءَةُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ. يُقَالُ خَرِئَ خِرَاءَةً، مِثْلَ كَرِه كَراهة» .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ.

(خَرَبَ)
(هـ) فِيهِ «الحَرَم لَا يُعيذ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِخَرَبَةٍ» الْخَرَبَةُ: أَصْلُهَا الْعَيْبُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا الَّذِي يفرُّ بِشَيْءٍ يُرِيدُ أَنْ ينْفَرِد بِهِ ويغْلِب عَلَيْهِ مِمَّا لَا تُجيزُه الشَّريعة. والْخَارِبُ أَيْضًا: سَارِق الْإِبِلِ خاصَّة، ثُمَّ نُقِل إِلَى غَيرها اتِّساعا، وَقَدْ جَاءَ فِي سِياق الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ:
أَنَّ الْخَرَبَةَ: الْجِنَايَةُ وَالْبَلِيَّةُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوي بِخَزْيَة، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُسْتَحْيا مِنْهُ، أَوْ مِنَ الهوَان وَالْفَضِيحَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الفَعْلة الواحدة منها.
(س) وَفِيهِ «مِن اْقترابِ السَّاعة إِخْرَابُ الْعَامِرِ وَعِمَارَةُ الْخَرَابِ» الْإِخْرَابُ: أَنْ يُتْرَك الْمَوْضِعُ خَرِباً، والتَّخْرِيبُ الهدْم، والمرادُ مَا تُخَرِّبُهُ الْمُلُوكُ مِنَ العُمْران وتعْمُرهُ مِنَ الْخَرَابِ شَهْوَةً لَا إصْلاحا، ويَدْخل فِيهِ مَا يَعْمَله المُتْرَفُون مِنْ تَخْرِيبِ المَسَاكن الْعَامِرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وإنْشَاء عمارَتِها.

(2/17)


وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ «كَانَ فِيهِ نخلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وخِرَبٌ، فَأَمَرَ بِالْخِرَبِ فسُوِّيَتْ» الْخِرَبُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ خَرِبَة، كَنَقِمَةٍ ونَقِمٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَمْعَ خَرِبَة- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى التَّخْفِيفِ- كنِعْمة ونِعَم، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَرِبُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كنَبِقَةٍ ونَبِقٍ، وكلمةٍ وكَلِمٍ. وَقَدْ رُوي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ المثلَّثة، يُرِيدُ بِهِ الْمَوْضِعَ المَحْرُوث لِلزِّرَاعَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ سَأَلَهُ رجُل عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أدْبارِهنَ، فَقَالَ: فِي أَيِ الْخُرْبَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الخُرْزَتين، أَوْ فِي أيِّ الخُصْفَتين» يَعْنِي فِي أَيِّ الثُّقْبَيْن. وَالثَّلَاثَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَكُلُّهَا قَدْ رَوِيَتْ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَأَنِّي بِحَبَشِيٍّ مُخَرَّبٍ عَلَى هَذِهِ الْكَعْبَةِ» يُرِيدُ مَثْقوبَ الأُذُن.
يُقَالُ مُخَرَّبٌ ومُخَرَّم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «كَأَنَّهُ أمةٌ مُخَرَّبَةٌ» أَيْ مَثْقُوبة الأُذُن. وتلك الثُّقْبة هي الْخُرْبَةُ.
(هـ س) فى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فِي الَّذِي يُقَلّدُ بَدَنَتَه ويَبْخَل بالنَّعْل، قَالَ: يُقَلّدها خُرَّابَة» يُرْوَى بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، يُرِيدُ عُرْوة المَزادة. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ عُرْوَةَ الْمَزَادَةِ خُرْبَةٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاسْتِدَارَتِهَا، وَكُلُّ ثُقْبٍ مستدير خُرْبَة.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «وَلَا سَتَرْتَ الْخَرَبَة» يَعْنِي العَوْرة. يُقَالُ مَا فِيهِ خَرَبَةٌ:
أَيْ عَيْب.
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «كَانَ يَنْبُت فِي مُصَلاه كلَّ يَوْمٍ شجرةٌ، فَيَسْأَلُهَا مَا أَنْتِ؟
فَتَقُولُ: أَنَا شجرةُ كَذَا أنبُت فِي أَرْضِ كَذَا، أَنَا دَواءٌ مِنْ دَاءِ كذا، فيأمر بها فتُقْطَع، ثم تُصَرّ وتكتب عَلَى الصُّرة اسْمُهَا ودَواؤها، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ ذَلِكَ نَبَتَت اليَنْبوتةُ، فَقَالَ: مَا أنتِ؟ فَقَالَتْ أَنَا الْخَرُّوبَةُ وَسَكَتَتْ، فَقَالَ: الْآنَ أعْلَم أَنَّ اللَّهَ قَدْ أذِن فِي خَراب هَذَا الْمَسْجِدِ وذَهاب هَذَا المُلْكِ» .
فَلَمْ يَلْبَث أَنْ مات.

(2/18)


(هـ) وَفِيهِ ذِكْرُ «الْخُرَيْبَة» هِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ مُصَغَّرَةٌ: مَحِلَّةٌ مِنْ محالَ البَصْرة يُنْسب إِلَيْهَا خَلْق كَثِيرٌ.

(خَرْبَزَ)
فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجمع بَيْنَ الرُّطَب والْخِرْبِز» هُوَ الْبِطِّيخُ بِالْفَارِسِيَّةِ.

(خَرْبَشَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ كِتَابُ فُلَانٍ مُخَرْبَشاً» أَيْ مُشَوَّشا فَاسِدًا، الْخَرْبَشَةُ والْخرمشة:
الْإِفْسَادُ والتَّشْويش.

(خَرْبَصَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ تَحلّى ذَهَباً أَوْ حَلَّى وَلده مِثْلَ خَرْبَصِيصَة» هِيَ الهَنَة الَّتِي تُتَراءَى فِي الرَّمْلِ لَهَا بَصيِص كَأَنَّهَا عَيْنُ جَرَادَةٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ نَعيم الدُّنْيَا أقلُّ وَأَصْغَرُ عند الله من خُرْبَصِيصَة» .

(خرت)
(س) فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «قَالَ لَمَّا احتُضِر: كَأَنَّمَا أتَنَفَّسُ مِنْ خُرْتِ إبْرة» أَيْ ثَقبها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «فاستأجَرَا رجُلا مِنْ بَنِي الدِّيل هَادِيًا خِرِّيتاً» الْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ الَّذِي يَهْتَدي لِأَخْرَاتِ الْمَفَازَةِ، وَهِيَ طُرُقُها الخفيَّة ومَضايقُها. وَقِيلَ: إِنَّهُ يَهتدي لمثْل خَرْتِ الإبْرة مِنَ الطَّرِيقِ.

(خَرَثَ)
فِيهِ «جَاءَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ وخُرْثِيٌّ» الْخُرْثيُّ: أثاثُ الْبَيْتِ ومَتاعُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَير مَوْلَى آبي اللّحْم «فأمَر لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ» .

(خَرَجَ)
(هـ) فِيهِ «الْخَرَاج بالضَّمان» يُرِيدُ بِالْخَرَاجِ مَا يَحْصُل مِنْ غَلة الْعَيْنِ المُبْتاعة عَبْدًا كَانَ أَوْ أمَة أَوْ مِلْكا، وَذَلِكَ أَنْ يَشْترِيَه فيَسْتَغِلَّه زَمَانًا ثُمَّ يَعْثُر مِنْهُ عَلَى عَيْب قَدِيمٍ لَمْ يُطْلعْه الْبَائِعُ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يعْرِفه، فَلَهُ رَدُّ الْعَيْنِ المَبِيعة وأخْذُ الثَّمن، وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا اسْتَغَلَّهُ، لِأَنَّ المَبيع لَوْ كَانَ تَلَفَ فِي يَدِهِ لكَان مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ. وَالْبَاءُ فِي بِالضَّمَانِ مُتعلقة بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْخَرَاجُ مُستحَق بالضَّمان: أي بسببه.

(2/19)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُريح «قَالَ لرَجُليْن احْتَكما إِلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: رُدَّ الدَّاء بدائه، ولك الغَلَّة بالضمان» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «مِثْلُ الأُترُجَّةِ طَيِّبٌ رِيحُها طَيِّبٌ خَرَاجُهَا» أَيْ طَعْم ثَمرها، تَشْبيها بِالْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ نفْع الأَرَضين وَغَيْرِهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «يَتَخَارَجُ الشَّرِيكانِ وأهلُ الْمِيرَاثِ» أَيْ إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ بَيْنَ وَرَثَةٍ لَمْ يَقْتَسِموه، أَوْ بَيْنَ شُرَكاء وَهُوَ فِي يَدِ بَعْضهِمْ دُون بَعْضٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يتبَايعوه بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقْبضه، وَلَوْ أَرَادَ أجْنبي أَنْ يَشْتَرِيَ نَصيب أحَدِهم لَمْ يَجزُ حَتَّى يَقْبضه صَاحبُه قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنْهُ مُفَسَّرًا، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَج القومُ فِي الشَّركة تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فيأخذُ هَذَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْداً، وَهَذَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ دَيْناً. والتَّخَارُجُ: تفاعُلٌ مِنَ الْخُرُوجِ، كَأَنَّهُ يَخْرُجُ كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ عَنْ مِلْكه إِلَى صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ.
وَفِي حَدِيثِ بدْرٍ «فَاخْتَرَجَ تَمْرَاتٍ مِنْ قَرَنِه» أَيْ أَخْرَجَهَا، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْهُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ نَاقَةَ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مُخْتَرَجَةً» يُقَالُ ناقةٌ مُخْتَرَجَة إِذَا خَرَجَتْ عَلَى خِلْقَة الْجَمَلِ البُخْتِيِّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سُوَيد بْنِ عَفَلة قَالَ «دَخَلْت عَلَى عَليٍّ يَوْمَ الْخُرُوجِ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ فاثُور عَلَيْهِ خُبْز السَّمْرَاء، وصَحْفَةٌ فِيهَا خَطِيفَةٌ ومِلْبَنة» يومُ الخُرُوج هُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ الزِّينَةِ، وَيَوْمُ الْمَشْرِقِ. وخُبْزُ السَّمْرَاء: الخُشْكَار لِحُمْرَتِهِ، كما قيل للُّباب الحُوَّارَى لبياضه.

(خردق)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «قَالَتْ: دَعَا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ كَانَ يَبِيعُ الْخُرْدِيقَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الخُرْدِيق: المَرق، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، أَصْلُهُ خُورْديك. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دَقِيقا ... واشْتَرْ شُحَيماً نَتَّخِذْ خُرْدِيقاً

(خَرْدَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَهْلِ النَّارِ «فَمِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ» هُوَ المَرْميّ المَصْروع. وَقِيلَ المُقَطَّع، تُقَطِّعُه كلالِيبُ الصِّرَاطِ حَتَّى يَهْوِي فِي النَّارِ. يُقَالُ خَرْدَلْتُ اللَّحْمَ- بِالدَّالِ وَالذَّالِ- أَيْ فَصَّلت أَعْضَاءَهُ وقطّعته.

(2/20)


وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
يَغْدُو فيَلْحَمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيشُهُما ... لَحْمٌ مِنَ القَوْم مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ
أَيْ مُقَطَّع قِطَعا.

(خَرَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَام «بايَعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا» خَرَّ يَخُرُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: إِذَا سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ. وخَرَّ الْمَاءُ يَخِرُّ بِالْكَسْرِ.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا أمُوت إِلَّا مُتَمسِّكاً بِالْإِسْلَامِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا أَقَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تجَارَتي وأُموري إِلَّا قمتُ بِهِ مُنْتَصباً لَهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا أَغْبِنُ وَلَا أُغْبَنُ.
وَفِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ «إلاَّ خَرَّتْ خَطَاياه» أَيْ سقَطت وَذَهَبَتْ. وَيُرْوَى جَرَتْ بِالْجِيمِ:
أَيْ جَرَتْ مَعَ ماء الوضوء (س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لِلْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: خَرَرْتَ مِنْ يَدَيْكَ» أَيْ سَقَطْتَ مِنْ أَجْلِ مَكْرُوهٍ يُصِيبُ يَدَيْكَ مِنْ قَطْعٍ أَوْ وَجَعٍ. وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخَجَلِ، يُقَالُ خَرَرْتُ عَنْ يَدِي: خَجِلْتُ. وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطْتَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ سَبَبِ يَدَيْكَ: أَيْ مِنْ جِنَايَتِهِمَا، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي مَكْرُوهٍ: إِنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ: أَيْ مِنْ أَمْرٍ عَمِلَهُ، وحيث كان العمل باليد أضيف إليها.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَيه فِي أُذُنَيه سَمِعَ خَرِيرَ الكَوْثَر» خَرِيرُ الْمَاءِ: صَوْتُه، أَرَادَ مِثْلَ صَوْتِ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسّ «وَإِذَا أَنَا بعينٍ خَرَّارَةٍ» أَيْ كَثِيرَةِ الجَرَيان.
وَفِيهِ ذِكْرُ «الْخَرَّارِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْأُولَى: مَوْضِعٌ قُرْب الجُحفَة بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وقَّاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سَرِيَّةٍ.

(خَرَسَ)
(هـ) فِيهِ فِي صِفة التَّمر «هي صمنة الصَّبِيّ وخُرْسَةُ مَرْيَم» الْخُرْسَةُ: مَا تَطْعَمُه الْمَرْأَةُ عِنْدَ وِلادِها. يُقَالُ: خَرَّسَت النُّفَساء: أَيْ أطعمْتُها الخُرْسَة. وَمَرْيَمُ هِيَ أُمُّ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،

(2/21)


أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، فَكُلِي» فَأَمَّا الخُرْسُ بِلَا هَاءٍ فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حَسَّان «كَانَ إِذَا دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ قَالَ: أَفِي عُرْس، أَمْ خُرْس، أَمْ إعْذار» فَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أجابَ، وَإِلَّا لَمْ يُجِب.

(خَرَشَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ أَفَاضَ وَهُوَ يَخْرِشُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ» أَيْ يَضْرِبُهُ بِهِ ثُمَّ يَجْذِبُهُ إِلَيْهِ، يُرِيدُ تَحْرِيكَهُ لِلْإِسْرَاعِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخَدْشِ والنّخس.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْ رأيتُ الْعَيْرَ تَخْرِشُ ما بين لا بتيها مَا مَسَسْتُهُ» يَعْنِي الْمَدِينَةَ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ مِنِ اخْتَرَشْتُ الشَّيْءَ إِذَا أخذتَه وحَصّلته. وَيُرْوَى بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ الحَرْبي: أظنُّه بالجيم والسين المهملة، من الجَرْس: الأكلِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ صَيْفي «كَانَ أَبُو مُوسَى يَسْمعُنا وَنَحْنُ نُخَارِشُهُمْ فَلَا يَنْهانا» يَعْنِي أَهْلَ السَّوَادِ، ومُخَارَشَتُهُم: الْأَخْذُ مِنْهُمْ عَلَى كُرْه. والْمِخْرَشَةُ والْمِخْرَشُ: خَشَبة يَخُط بِهَا الخَرّاز:
أَيْ يَنْقُش الجِلد، ويُسَمَّى المِخَطّ والمِخْرَش. والْمِخْرَاشُ أَيْضًا: عَصاً مُعْوجَّةُ الرَّأْسِ كالصَّوْلَجان.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ضَرَبَ رَأْسَهُ بِمِخْرَشٍ» .

(خَرَصَ)
فِيهِ «أيُّما امرأةٍ جَعَلَت فِي أُذُنها خُرْصاً مِنْ ذَهَب جُعِل فِي أُذُنها مِثُلهُ خُرْصاً مِنَ النَّارِ» الْخِرْصُ- بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ- الحلْقة الصَّغِيرَةُ مِنَ الحَلْى، وَهُوَ مِنْ حَلْى الأذُن. قِيلَ كَانَ هَذَا قَبْلَ النَّسْخِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَت إباحةُ الذَّهب لِلنِّسَاءِ. وَقِيلَ هُوَ خاصٌّ بِمَنْ لَمْ تؤدِّ زكاةَ حَلْيِها.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ وَعَظ النِّسَاءَ وحَثَّهُنّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَت الْمَرْأَةُ تُلْقي الْخُرْصَ والخاتَم» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «إِنَّ جُرْح سَعْد بَرَأ فَلَمْ يَبْق مِنْهُ إِلَّا كالخُرْصِ» أَيْ فِي قِلَّةِ مَا بَقِيَ مِنْهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكْرُه فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ أَمَرَ بِخَرْص النَّخْلِ والكَرْم» خَرَصَ النَّخْلَةَ والكَرْمة يَخْرُصُهَا خَرْصاً:
إِذَا حَزَرَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطب تَمْرا وَمِنَ الْعِنَبِ زَبِيبًا، فَهُوَ مِنَ الْخَرْصِ: الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الحَزْر إِنَّمَا هُوَ

(2/22)


تَقْدِيرٌ بِظَنٍّ، وَالِاسْمُ الْخِرْص بِالْكَسْرِ. يُقَالُ كَمْ خِرْصُ أرضِك؟ وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْخَارِصُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ العِنَبَ خَرْصاً» هُوَ أَنْ يَضعَه فِي فِيهِ ويُخْرِج عُرْجُونه عَارِيًا مِنْهُ، هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الروايات، والمَرْوِيّ خَرْطاً بالطاء. وسيجيء.
(س) وفي حديث علي «كنت خَرِصاً» أي بي جُوع وبَرْد. يُقَالُ خَرِصَ بِالْكَسْرِ خَرَصاً، فَهُوَ خَرِصٌ وخَارِصٌ: أَيْ جَائِعٌ مَقْرور.

(خَرَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ العِنبَ خَرْطاً» يُقَالُ خَرَطَ العُنْقود واخْتَرَطَهُ إِذَا وَضَعَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ يَأْخُذُ حبَّه ويُخْرج عُرْجونه عَارِيًا مِنْهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَتَاهُ قَوْمٌ برجُل فَقَالُوا إِنَّ هَذَا يَؤُمُّنا وَنَحْنُ لَهُ كارِهُون، فَقَالَ لَهُ عليٌ: إنَّك لَخَرُوطٌ» الْخَرُوطُ: الَّذِي يَتهَوَّر فِي الْأُمُورِ وَيَرْكَبُ رأسَه فِي كُلِّ مَا يُرِيدُ جَهْلًا وقِلَّة مَعْرِفَةٍ، كالفَرَس الخَرُوطِ الَّذِي يَجْتَذِبُ رَسَنَه مِنْ يَدِ مُمْسِكه ويَمضي لِوَجْهِهِ.
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ «فَاخْتَرَطَ سَيفَه» أَيْ سَلَّه مِنْ غِمدِه، وَهُوَ افْتَعل، مِنَ الخَرْطِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ رَأَى فِي ثَوْبِهِ جَنابة فَقَالَ: خُرِطَ عَلَيْنَا الِاحْتِلَامُ» أَيْ أُرسِل عَلَيْنَا، مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَطَ دَلْوَه فِي الْبِئْرِ: أَيْ أرسَله. وخَرَطَ البازىَّ إِذَا أرسَلَه مِنْ سَيْره.

(خَرْطَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- وذَكَر أصحابَ الدَّجَّال فَقَالَ- «خِفافُهم مُخَرْطَمَةٌ» أَيْ ذاتُ خَرَاطِيمَ وأُنُوفٍ، يعني أن صُدُورها ورؤسها مُحَدَّدة.

(خَرَعَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ المُغِيبة يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَا لَمْ تَخْتَرِعْ مالَه» أَيْ مَا لَمْ تَقْتطِعْه وَتَأْخُذْهُ. والِاخْتِرَاعُ: الخِيانة. وَقِيلَ: الِاخْتِرَاعُ: الِاسْتِهْلَاكُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الخدرِي «لَوْ سَمِع أحدُكم ضَغْطة القَبْر لَخَرِعَ» أَيْ دَهِشَ وضَعُف وَانْكَسَرَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ «لَوْلَا أَنَّ قُريشا تَقُولُ أدْرَكَه الْخَرَعُ لقُلْتُها» ويُرْوى بِالْجِيمِ وَالزَّايِ، وَهُوَ الخَوْفُ. قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ وَالرَّاءِ.

(2/23)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «لَا يُجْزِي فِي الصَّدَقَةِ الْخَرِعُ» هُوَ الفَصِيل الضعيفُ.
وَقِيلَ هُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي يُرْضَعُ. وَكُلُّ ضَعِيفٍ خَرِعٌ.

(خَرَفَ)
(هـ) فِيهِ «عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى مَخَارِفِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» الْمَخَارِفُ جَمْع مَخْرَف بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَائِطُ مِنَ النَّخْلِ: أَيْ أنَّ العائد فيما يَجُوز مِنَ الثَّواب كَأَنَّهُ عَلَى نَخْلِ الْجَنَّةِ يَخْتَرِفُ ثِمَارَها وَقِيلَ الْمَخَارِفُ جَمْعُ مَخْرَفَة، وَهِيَ سكَّة بَيْنَ صَفَّيْنِ مِنْ نَخْلٍ يَخْتَرِفُ مِنْ أيِّهما شَاءَ: أَيْ يَجْتَنِي. وَقِيلَ الْمَخْرَفَةُ الطَّرِيقُ: أَيْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقٍ تُؤَدِّيهِ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «تَرَكتُكم عَلَى مِثل مَخْرَفَةِ النَّعَم» أَيْ طُرُقها الَّتِي تُمَهِّدها بِأَخْفَافِهَا.
(هـ) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ «إِنَّ لِي مَخْرَفاً، وَإِنَّنِي قَدْ جَعَلْتُهُ صَدَقة» أَيْ بُسْتانا مِنْ نَخْل. والمَخْرَف بِالْفَتْحِ يَقَعُ عَلَى النخل وعلى الرُّطَب.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي قَتادة «فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً» أي حائط نخْل يُخْرَف منه الرُّطَب.
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ» أَيْ فِي اجْتِناء ثَمَرِها. يُقَالُ: خَرَفْتُ النَّخلة أَخْرُفُهَا خَرْفاً وخِرَافاً.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى خُرْفَة الْجَنَّةِ» الخُرْفَة بِالضَّمِّ: اسْمُ مَا يُخْتَرَفُ مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرِكُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَائِدُ الْمَرِيضِ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ» أَيْ مَخْرُوفٌ مِنْ ثَمَرِها، فَعيلٌ بمعنى مفعول.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عَمْرَة «النَّخْلَةُ خُرْفَةُ الصَّائِمِ» أَيْ ثَمَرَتهُ الَّتِي يَأْكُلُهَا، ونَسَبَها إِلَى الصَّائِمِ لِأَنَّهُ يُستَحَبُّ الإفْطارُ عَلَيْهِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ أَخَذَ مِخْرَفاً فَأَتَى عِذْقًا» الْمِخْرَفُ بِالْكَسْرِ: مَا يجتنى فيه الثمر.
(س) وَفِيهِ «إنَّ الشَّجَرَ أبعدُ مِنَ الْخَارِفِ» هُوَ الَّذِي يَخْرُفُ الثَّمَرَ: أَيْ يَجْتَنِيهِ.
وَفِيهِ «فُقَراءُ أُمَّتِي يَدْخُلون الجَنَّة قَبْلَ أغْنِيِائهم بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً» الْخَرِيفُ: الزَّمَانُ المَعْرُوفُ مِنْ فُصُولِ السَّنّة مَا بَيْنَ الصَّيف وَالشِّتَاءِ. وَيُرِيدُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَنَة لِأَنَّ الْخَرِيفَ لَا يَكُونُ

(2/24)


فِي السَّنَة إِلَّا مَرَّة وَاحِدَةً، فَإِذَا انْقَضَى أربَعُون خَرِيفًا فَقَدْ مَضَتْ أَرْبَعُونَ سَنة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ أهْل النَّار يَدْعُون مالِكاً أربَعين خَرِيفاً» .
(هـ) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَا بَيْنَ مَنْكَبِيِ الخازِنِ مِنْ خزَنَةِ جَهنَّمَ خَرِيفٌ» أَيْ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ مَا بَيْنَ الخَرِيف إِلَى الخَرِيف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَلَمة بْنِ الْأَكْوَعِ ورجَزِه:
لَمْ يَغْذُها مَدٌّ وَلَا نَصِيفُ ... وَلَا تمَيْرَاتٌ وَلَا رَغِيفُ «1»
لَكِن غَذَاها لَبَنٌ خَرِيفُ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: اللّبَن يَكُونُ فِي الخَرِيف أدسَمَ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: الرِّوَايَةُ اللَّبَنُ الخَرِيفُ، فيُشْبِه أَنَّهُ أجْرَى اللَّبَنَ مُجْرَى الثِّمَارِ الَّتِي تَخْتَرِفُ، عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، يُريدُ الطَّريَّ الحديث العهد بالحَلب.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إِذَا رأيتَ قَوْمًا خَرَفُوا فِي حَائطهم» أَيْ أَقَامُوا فِيهِ وقْتَ اخْتِرَافِ الثِّمَارِ وَهُوَ الخَرِيف، كَقَوْلِكَ صافُوا وشَتَوا: إِذَا أَقَامُوا فِي الصَّيف وَالشِّتَاءِ، فَأَمَّا أَخْرَفَ وأصَاف وأشْتَى، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ دخل في هذه الأوقات.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْجَارُودِ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَوْدٌ نَأْتِي عَلَيهِنّ فِي خُرُفٍ، فَنَسْتَمْتِعُ مِنْ ظُهُورهِنّ، وَقَدْ عَلمْتَ مَا يَكْفِينَا مِنَ الظَّهْر، قَالَ: ضَالَّة المُؤمن حَرَقُ النَّارِ» قِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي خُرُفٍ: أَيْ فِي وَقْتِ خُرُوجهنّ إلى الخَرِيف.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِنَّمَا أبْعَثُكُمْ كالكِبِاش تَلْتَقِطُون خِرْفَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» أَرَادَ بالكِباش الكِبِارِ والعُلَمِاء، وبِالْخِرْفَانِ الشُّبَّانَ والجُهَّال.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَ لَهَا حَدّثيني، قَالَتْ مَا أُحَدّثُك حَديثَ خُرَافَةَ» خُرَافَةُ:
اسْمُ رجُل مِنْ عُذْرة اسْتَهْوَتهْ الْجِنُّ؛ فَكَانَ يَحدّث بِمَا رَأَى، فَكَذَّبُوهُ وَقَالُوا حَدِيثُ خُرَافَة، وأجرِوه عَلَى كُلِّ مَا يُكَذّبونه مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَى كُلِّ مَا يُسْتَمْلَحُ وَيُتَعَجَّبُ مِنْهُ. وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «خُرَافَةُ حقٌّ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(خَرْفَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَره السَّرَاويلَ الْمُخَرْفَجَةَ» هِيَ الوِاسعة الطَّويلة الَّتِي تَقَع عَلَى ظُهور القَدَمين. ومنه عيش مُخَرْفَجٌ.
__________
(1) رواية الهروي والجوهري: «ولا تعجيف» والتعجيف: الأكل دون الشبع.

(2/25)


(خَرَقَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بشَرْقاء أَوْ خَرْقَاءَ» الْخَرْقَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا ثَقْبٌ مُسْتَدِيرٌ. والْخَرْقُ: الشَّقُّ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَة البقرة وآل عمران «كأنهما خَرْقَان خِرْقَان مِنْ طيرٍ صَوَافَّ» هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا بِالْفَتْحِ فَهُوَ مِنَ الْخَرْقِ: أَيْ مَا انْخَرَقَ مِنَ الشَّيْءِ وبَانَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ مِنَ الْخِرْقَةِ: القطعة من الجراد. وقيل الصواب «حزقان» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، مِنَ الحِزْقَة وَهِيَ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَالطَّيْرِ وَغَيْرِهِمَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ «فَجَاءَتْ خِرْقَةٌ مِنْ جَرَاد فاصْطادَتْ وشَوَتْه» .
وَفِيهِ «الرِّفْقُ يمْنٌ والْخُرْقُ شُؤمٌ» الخُرْق بِالضَّمِّ: الْجَهْلُ والحُمقُ. وَقَدْ خَرِقَ يَخْرَقُ خَرَقاً فهو أَخْرَقُ. والاسم الْخُرْقُ بالضم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَع لِأَخْرَقَ» أَيْ جَاهِلٍ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَعْمَله وَلَمْ يكن في يديه صَنْعة يكتَسِب بها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِخَرْقَاءَ مثْلَهُنّ» أَيْ حَمْقَاء جَاهِلَةٍ، وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَخْرَقِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ تَزْوِيجِ فَاطِمَةَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَاهَا فَجَاءَتْ خَرِقَةً مِنَ الْحَيَاءِ» أَيْ خَجِلة مَدْهُوشَة، مِنَ الْخَرَقِ: التَّحَيُّرِ. وَرُوِيَ أَنَّهَا أَتَتْهُ تعثُر فِي مِرْطِها من الخَجَل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَكْحُولٍ «فَوَقَعَ فَخَرِقَ» أَرَادَ أَنَّهُ وَقَعَ مَيِّتًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «البَرْقُ مَخَارِيقُ الْمَلَائِكَةِ» هِيَ جَمْعُ مِخْرَاقٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ ثَوْبٌ يُلَف ويَضْرِب بِهِ الصِّبيانُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَرَادَ أَنَّهُ آلَةٌ تَزْجُر بِهَا الْمَلَائِكَةُ السَّحاب وتَسُوقه، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «البَرْق سَوط مِنْ نُورٍ تَزْجُر بِهِ الْمَلَائِكَةُ السحابَ» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ أَيْمَنَ وفْتَية مَعَهُ حَلَّوا أُزُرَهم وَجَعَلُوهَا مَخَارِيقَ واجْتلدوا بِهَا، فَرَآهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا مِنَ اللَّهِ اسْتَحْيَوْا، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ اسْتَتَروا، وأُمُ أَيْمَنَ تَقُولُ: استغفرْ لَهُمْ، فَبِلأْىٍ مَا اسْتَغْفَرَ لهم» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «عِمَامَةٌ خُرْقَانِيَّة» كَأَنَّهُ لَوَاها ثمَّ كَوّرها كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ

(2/26)


الرَّساتِيق. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَدْ رُويت بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(خَرَمَ)
فِيهِ «رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَةٍ خَرْمَاءَ» أَصْلُ الْخَرْمِ الثَّقْب والشَّق. والْأَخْرَمُ: الْمَثْقُوبُ الْأُذُنِ، وَالَّذِي قُطعت وَتَرَة أَنْفِهِ أَوْ طَرَفُه شَيْئًا لَا يَبْلُغُ الْجَدْعَ وَقَدِ انْخَرَمَ ثَقْبُه: أَيِ انْشَقَّ، فإذا لم يَنْشَقّ فهو أخْزَمُ، والأنثى خَزْماء.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالْمُخَرَّمَةِ الأُذُن» قِيلَ أَرَادَ المَقْطوعَة الْأُذُنِ، تَسْمِية لِلشَّيْءِ بِأَصْلِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُخَرَّمَةَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، كأنّ فيها خُرُوماً وشُقوقا كثيرة.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «فِي الْخَرَمَاتِ الثَّلَاثِ مِنَ الْأَنْفِ الدّيةُ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ثُلُثُها» الْخَرَمَاتُ جَمْعُ خَرَمَةٍ: وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ مِنْ نَعْتِ الْأَخْرَمِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَرَمَاتِ الْمَخْرُومَاتِ، وَهِيَ الحُجُب الثَّلَاثَةُ فِي الْأَنْفِ: اثْنَانِ خَارِجَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَالثَّالِثُ الْوَتَرَةُ يَعْنِي أَنَّ الدِّيَةَ تتعلَّق بِهَذِهِ الحُجُب الثَّلَاثَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَعْد «لَّما شَكَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى عُمَرَ فِي صَلَاتِهِ قَالَ: مَا خَرَمْتُ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا» أَيْ مَا تَركْتُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمْ أَخْرِمْ مِنْهُ حَرْفاً» أَيْ لَمْ أدَعْ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِيهِ «يُرِيدُ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ القرْنُ» القرنُ: أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ، وانْخِرَامُهُ: ذهابُه وانقِضاؤُه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ «كدْت أَنْ أكُون السَّواد الْمُخْتَرَم» يُقَالُ اخْتَرَمَهُم الدَّهْرُ وتَخَرَّمَهُمْ: أَيِ اقْتَطعَهم واسْتأصلَهم.
وَفِيهِ ذكْر «خُرَيْم» هُوَ مُصَغَّرٌ: ثَنيَّةٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ والرَّوْحاء، كَانَ عَلَيْهَا طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مُنْصَرَفَة من بدر.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «مَرَّا بِأَوْسٍ الْأَسْلَمِيِّ، فَحَمَلَهُمَا عَلَى جَمَلٍ وَبَعَثَ مَعَهُمَا دَليلاً وَقَالَ: اسلُكْ بِهِمَا حَيْثُ تَعْلم مِنْ مَخَارِم الطُّرُق» المَخَارِمُ جَمْعُ مَخْرِمٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ: وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الجَبل أَوِ الرَّمل. وَقِيلَ: هُوَ مُنْقَطَع أنْف الْجَبَلِ.

(خَرْنَبَ)
فِي قِصَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ذِكْر «خَرْنَبَاء» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ: مَوْضِعٌ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.

(2/27)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ الزَّايِ

(خَزَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عِتْبان «أَنَّهُ حَبَس رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَزِيرَةٍ تُصْنَعُ لَهُ» الْخَزِيرَةُ: لَحْمٌ يَقَطَّع صِغَارًا ويُصَبُّ عَلَيْهِ ماءٌ كَثِير، فَإِذَا نَضِج ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقيق، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ فَهِيَ عَصِيدَة. وَقِيلَ هِيَ حَساً مِنْ دَقِيقٍ ودَسَم. وَقِيلَ إِذَا كَانَ مِنْ دَقيق فَهِيَ حَرِيرَة، وَإِذَا كَانَ مِنْ نُخَالة فَهُوَ خَزِيرَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «كَأَنِّي بِهِمْ خُنْسُ الأُنُوف، خُزْرُ الْعُيُونِ» الْخَزَرُ بِالتَّحْرِيكِ: ضِيقُ الْعَيْنِ وصغَرُها. وَرَجُلٌ أَخْزَرُ، وَقَوْمٌ خُزْرٌ.
(س) وَفِي الْحَدِيثِ «أنَّ الشَّيْطَانَ لمَّا دَخَلَ سَفِينَةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: اخْرُجْ يَا عَدُوّ اللَّهِ مِنْ جَوِفها فَصَعِد عَلَى خَيْزُرَانِ السَّفِينَةِ» هُوَ سُكَّانها. وَيُقَالُ لَهُ خَيْزُرَانَةٌ وَكُلُّ غُصنٍ مُتَثَن خَيْزُرَان. وَمِنْهُ شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ:
فِي كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ ... مِنْ كَفِّ أرْوَعَ فِي عِرْنينِه شَممُ

(خزز)
(س) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ركُوب الخَزِّ وَالْجُلُوسِ عَلَيْهِ» الخَزُّ الْمَعْرُوفُ أَوَّلًا: ثِيَابٌ تُنْسَج مِنْ صُوف وإبْرَيَسم، وَهِيَ مُبَاحة، وَقَدْ لَبسها الصَّحابة والتَّابعون، فَيَكُونُ النَّهي عَنْهَا لِأَجْلِ التَّشبُّه بِالْعَجَمِ وَزِي المُتْرَفِينَ. وَإِنْ أُرِيدَ بِالخَزِّ النَّوعُ الْآخَرُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ جميعَه معمولٌ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «قَومٌ يَسْتَحِلُّون الخَزَّ وَالْحَرِيرَ» .

(خَزَعَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ عَاهَدْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقاتلَه وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، ثُمَّ غدَرَ فَخَزَعَ مِنْهُ هجَاؤه لَهُ فَأَمَرَ بقَتْله» الخَزْعُ: القَطْع. وخَزَعَ مِنْهُ، كقولِك نَالَ مِنْهُ ووَضَع مِنْهُ، وَالْهَاءُ فِي مِنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ نَالَ مِنْهُ بِهِجَائِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لكَعْب، وَيَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ هِجَاءَهُ [إِيَّاهُ] «1» قَطَع منه عَهْدَه وذمَّتَه.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ «فَتَوزّعُوها، أَوْ تَخَزَّعُوهَا» أي فرقوها، وبه سمّيت
__________
(1) الزيادة من اواللسان.

(2/28)


الْقَبِيلَةُ خُزَاعَة لتَفَرّقهم بِمَكَّةَ، وتَخَزَّعْنَا الشيءَ بيننَا: أَيِ اقْتَسَمْنَاهُ قِطعا.

(خَزَقَ)
فِي حَدِيثِ عَدِيّ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْمِي بالمِعْراضِ، فَقَالَ: كُلْ مَا خَزَقَ، وَمَا أَصَابَ بعَرْضه فَلَا تأكلْ» خَزَقَ السّهمُ وخَسَق: إِذَا أَصَابَ الرَّميَّة ونَفَذ فِيهَا. وسَهْمٌ خَازِقٌ وخاسِق.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَلَمة بْنِ الْأَكْوَعِ «فَإِذَا كنتُ فِي الشَّجْراء خَزَقْتُهُمْ بالنَّبْل» أَيْ أصبْتُهم بِهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «لَا تأْكُلْ مِنْ صَيْدِ الِمْعَرَاضِ إلاَّ أَنْ يَخْزِقَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الحديث.

(خزل)
(س) فِي حَدِيثِ الْأَنْصَارِ «وَقَدْ دَفَّت دّافَّةٌ مِنْكُمْ يُريدون أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا» أَيْ يَقْتَطِعُونا وَيَذْهَبُوا بنَا مُنْفَرِدِين.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَرَادُوا أَنْ يَخْتَزِلُوهُ دُونَنَا» أَيْ يَنْفَرِدُون بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُحُد «انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّه بنُ أبَيّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ» أَيِ أنْفَرد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبي «قُصَل الَّذِي مَشَى فَخَزِلَ» أَيْ تَفَكَّك فِي مشْيه.
وَمِنْهُ «مِشْيَة الْخَيْزَلَى» .

(خَزَمَ)
(هـ) فِيهِ «لَا خِزَامَ وَلَا زِمامَ فِي الْإِسْلَامِ» الْخِزَامُ: جَمْعُ خِزَامَة، وَهِيَ حلَقَةَ مِنْ شَعْر تُجْعَلُ فِي أَحَدِ جانِبَي مَنْخِرَي الْبَعِيرِ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَخْزِمُ أنُوفها وتَخْرِق ترَاقِيَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْذِيبِ، فوضَعه اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأمَّةِ، أَيْ لَا يُفْعل الْخِزَام فِي الْإِسْلَامِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ودَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وجَد مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدا، وَأَنَّهُ خُزِمَ أنْفُه بِخِزَامَةٍ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ «اقْرَأْ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ ومُرْهُمْ أَنْ يُعْطُوا الْقُرْآنَ بِخَزَائِمِهِمْ» هِيَ جَمْعُ خِزَامَة، يُرِيدُ بِهِ الإنقيادَ لحُكم الْقُرْآنِ، وإلقاءَ الأزِمَّةِ إِلَيْهِ. ودخُولُ الْبَاءِ فِي خَزَائِمِهِمْ- مَعَ كَوْنِ أَعْطَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ- كَدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ: أَعْطَى بِيَدِهِ: إِذَا انْقَادَ وَوَكَلَ أمْرَه إِلَى مَن أَطَاعَهُ

(2/29)


وَعَنَا لَهُ. وَفِيهَا بَيَانُ مَا تَضَمَّنَتْ مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَى الْإِعْطَاءِ المَجَّرد. وَقِيلَ الْبَاءُ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ يَعْطُوا مَفْتُوحَةَ الْيَاءِ مِنْ عَطَا يَعْطُو إِذَا تنَاول، وَهُوَ يَتعدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنْ يَأْخُذُوا الْقُرْآنَ بِتمَامه وَحَقِّهِ، كَمَا يُؤْخَذُ الْبَعِيرُ بِخِزَامَتِهِ. وَالْأَوَّلُ الوَجْهَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ صانِعَ الْخَزَم وَيَصْنَعُ كُلَّ صَنْعَة» الْخَزَم بِالتَّحْرِيكِ: شَجَرٌ يُتَّخَذ مِنْ لِحائه الحِبال، الواحِدة خَزَمَة، وَبِالْمَدِينَةِ سُوقٌ يُقَالُ لَهُ سُوقُ الخَزَّامِين، يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الصِّنَاعَةَ وصَانِعَها، كَقَوْلِهِ تعالى «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» ويُريد بِصَانِع الخَزَم صَانِعَ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْخَزَم.

(خَزَا)
فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «مَرْحباً بالوَفْدِ غيرَ خَزَايَا وَلَا ندامَى» خَزَايَا: جَمْعُ خَزْيَانَ: وَهُوَ الْمُسْتَحِيِي. يُقَالُ خَزِيَ يَخْزَى خَزَايَةً: أَيِ اسْتَحْيا، فَهُوَ خَزْيَانُ، وَامْرَأَةٌ خَزْيَاءُ.
وخَزِيَ يَخْزَى خِزْياً: أَيْ ذَلَّ وهَانَ.
وَمِنْهُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ «غَير خَزَايَا وَلَا نَادِمِينَ» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِنَّ الحَرَم لَا يُعيذ عَاصِيًا وَلَا فَارَّاً بِخَزْيَةٍ» أَيْ بِجَرِيمَة يُسْتَحْيا مِنْهَا.
هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبي «فأصَابَتْنا خِزْيَة لَمْ نَكُن فِيهَا بَرَرة أتْقِيَاءَ، وَلَا فَجَرَة أقْوياءَ» أَيْ خَصْلة اسْتَحْيَينَا مِنْهَا.
(هـ) وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ شَجَرة «انْهَكُوا وُجُوهَ الْقَوْمِ وَلَا تُخْزُوا الحُورَ العِينَ» أَيْ لَا تَجْعَلُوهُنّ يَسْتَحْيين مِنْ تَقْصيركم فِي الجِهَاد. وَقَدْ يَكُونُ الْخِزْيُ بِمَعْنَى الهَلاَك وَالْوُقُوعِ فِي بَلِيَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ شَارِبِ الْخَمْرِ «أَخْزَاهُ اللَّهُ» وَيُرْوَى «خَزَاهُ اللَّهُ» أَيْ قَهره. يُقَالُ مِنْهُ خَزَاهُ يَخْزُوهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْخِزْي والْخَزَايَة فِي الحديث.

(2/30)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ السِّينِ

(خسِأ)
فِيهِ «فَخَسَأْتُ الْكَلْبَ» أَيْ طَرَدْتُهُ وَأَبْعَدْتُهُ. والْخَاسِئُ: المُبْعَد. وَمِنْهُ قوله تعالى «قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ»
يُقَالُ خَسَأْتُهُ فَخَسِئَ، وخَسَأَ وانْخَسَأَ، وَيَكُونُ الْخَاسِئُ بِمَعْنَى الصَّاغر القَمِىء.

(خَسَسَ)
فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ فَتَاةً دَخَلت عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إنَّ أبِي زَوّجني مِنِ ابْنِ أخِيهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْفع بى خَسِيسَتَهُ» الْخَسِيسُ: الدّنئ. والْخَسِيسَةُ والْخَسَاسَةُ: الْحَالَةُ الَّتي يَكُونُ عَلَيْهَا الْخَسِيسُ. يُقَالُ رَفَعْتُ خَسِيسَتَهُ ومِن خَسِيسَتِهِ: إِذَا فَعَلْتَ به فِعْلا يكون فيه رِفْعُته.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الأحْنَف «إِنْ لَمْ تَرفع خَسِيسَتنَا» .

(خَسَفَ)
فِيهِ «إِنَّ الشَّمسَ والقمَر لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ وَلَا لحَيَاتِه» يُقَالُ خَسَفَ القَمَرُ بِوَزْنِ ضَرَبَ إِذَا كَانَ الفْعلُ لَهُ، وخُسِفَ الْقَمَرُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَدْ وَرَد الْخُسُوفُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا لِلشَّمْسِ، والمَعْروف لَهَا فِي اللُّغَةِ الكُسُوف لَا الْخُسُوف، فَأَمَّا إِطْلَاقُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَغْليبا لِلْقَمَرِ لِتَذْكِيرِهِ عَلَى تَأْنِيثِ الشَّمْسِ، فجَمع بَيْنَهُمَا فِيمَا يَخُص الْقَمَرَ، وللمُعاوَضة أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسفان» وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْخُسُوفِ عَلَى الشَّمْسِ مُنْفَرِدَةً، فلا شتراك الْخُسُوفِ والكُسُوف فِي مَعْنَى ذَهَابِ نورِهما وَإِظْلَامِهِمَا. والِانْخِسَافُ مُطَاوع خَسَفْتُهُ فَانْخَسَفَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَنْ تَرَك الجِهاد ألْبَسَه اللهُ الذَلَّة وسِيمَ الْخَسْفَ» الْخَسْفُ:
النُّقْصَانُ والهَوانُ. وَأَصْلُهُ أَنْ تُحْبَس الدَّابَّةُ عَلَى غَيْرِ عَلَفٍ، ثُمَّ استُعِير فوُضِع مَوْضِعَ الهَوَان.
وسِيمَ: كُلِّفَ وأُلْزم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأله عَنِ الشُّعَراء فَقَالَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ سابِقُهُم، خَسَفَ لَهُمْ عَينَ الشِّعْرِ فافْتقَر عَنْ مَعَانِ عُورٍ أصَحَّ بَصَرًا» أَيْ أنْبَطها وأغْزَرها لهُم، مِنْ قَوْلِهِمْ خَسَفَ البئرَ إِذَا حفَرَها فِي حِجَارَةٍ فنَبعت بِمَاءٍ كَثير، يُريد أَنَّهُ ذَلَّل لَهُمُ الطَّريق إِلَيْهِ، وبَصَّرَهُم بمعَانيه، وفَنَّنَ أنْواعَه، وقَصَّده، فاحْتَذى الشُّعراء عَلَى مثَاله، فَاسْتَعَارَ العَينَ لِذَلِكَ.

(2/31)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «قَالَ لِرَجُلٍ بعثَه يَحْفِرُ بِئْرًا: أَخْسَفْتَ أمْ أوْشَلْت؟» أَيْ أطْلَعتَ ماء غَزِيرا أم قَلِيلاً.

(خسا)
(س) فِيهِ «مَا أدْرِي كَمْ حدَّثَني أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخَسًا أَمْ زَكَا» يَعْنِي فَرْداً أَمْ زَوْجاً.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الشِّينِ

(خَشَبَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قال لَهُ: إِنْ شئْتَ جَمَعْتَ عَلَيهم الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ دَعْني أُنْذِرْ قَوْمي» الْأَخْشَبَانِ: الجَبَلَانِ الْمُطِيفَانِ بِمَكَّةَ، وهُمَا أَبُو قُبَيْس والأحْمَرُ، وَهُوَ جَبَلٌ مُشْرِفٌ وَجْهُهُ عَلَى قُعَيْقِعَان. والْأَخْشَبُ كُلُّ جَبَلٍ خَشِنٍ غَلِيظِ الْحِجَارَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا تزُولُ مَكَّةُ حَتَّى يزُول أَخْشَبَاهَا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَفْد مَذْحِج «عَلَى حَرَاجِيجَ كَأَنَّهَا أَخَاشِبُ» جَمْعُ الْأَخْشَبِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «اخْشَوْشِبُوا وتمَعْدَدُوا» اخْشَوْشَبَ الرجُل إِذَا كَانَ صُلْباً خَشِناً فِي دِينِه ومَلْبَسِه وَمَطْعَمِه وجَميع أَحْوَالِهِ. وَيُرْوَى. بِالْجِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ، يُرِيدُ عيشُوا عيشَ العَرَب الْأُولَى وَلَا تُعَوِّدوا أَنْفُسَكُمُ التَّرَفُّه فيقعُدَ بِكُمْ عَنِ الغَزْو.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُنَافِقِينَ «خُشُبٌ بِاللَّيْلِ صُخُبٌ بالنَّهار» أَرَادَ أَنَّهُمْ يَنَامُون اللَّيْلَ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُطَرَّحَة لَا يُصَلُّون فِيهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ»
وتُضَمُّ الشِّينُ وتُسَكَّن تَخْفِيفًا.
(هـ) وَفِيهِ ذِكْرُ «خُشُب» بضمَّتَين، وَهُوَ وَادً عَلَى مَسيرة لَيْلة مِنَ الْمَدِينَةِ، لَهُ ذكرٌ كَثِيرٌ فِي الْحَدِيثِ والمَغَازي. ويقال له ذُو خُشُب.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «قِيلَ كَانَ لَا يَكادُ يُفْقَه كَلاَمُه مِنْ شدَّة عُجْمَتِه، وَكَانَ يُسمِّي الْخَشَبَ الْخُشْبَانَ» . وَقَدْ أُنكر هَذَا الحديثُ، لِأَنَّ كَلَامَ سَلْمَانَ يُضَارِعُ كَلَامَ الفُصَحاء، وَإِنَّمَا الْخُشْبَانُ جَمْعُ خَشَبٍ، كَحَمل وحُمْلان قَالَ:
كَأَنَّهُمْ بِجَنوبِ القَاعِ خُشْبَانُ

(2/32)


وَلَا مَزِيدَ عَلَى مَا تَتَساعد عَلَى ثُبُوته الرّواية والقياس.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنه كَانَ يُصلّي خَلْف الْخَشَبِيَّة» هُمْ أَصْحَابُ المُخْتار بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ. وَيُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ الشّيعَة الْخَشَبِيَّةُ. قِيلَ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا خَشَبَة زَيْد بْنِ عَلِيٍّ حِينَ صُلِبَ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ صَلْبَ زَيدٍ كَانَ بَعْد ابْنِ عُمَرَ بكثير.

(خشخش)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إلاَّ سمعتُ خَشْخَشَةً، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا بِلَالٌ» الْخَشْخَشَةُ: حَرَكَةٌ لَهَا صوت كصوت السلاح.

(خشر)
(هـ س) فِيهِ «إِذَا ذَهَب الْخِيَارُ وَبَقِيَتْ خُشَارَة كَخُشَارَةِ الشّعير» الْخُشَارَةُ:
الرّدى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

(خَشْرَمَ)
(هـ) فِيهِ «لَتَركَبُن سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ذِراعا بِذراع، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا خَشْرَم دَبْرٍ لَسلَكْتُموه» الْخَشْرَمُ: مَأوَى النَّحل وَالزَّنَابِيرِ «1» ، وَقَدْ يُطلق عَلَيْهِمَا أنفُسِهما.
والدَّبر: النَّحل.

(خَشَشَ)
(هـ) فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ امْرَأَةً رَبَطَتْ هِرّة فَلَمْ تُطْعِمْها وَلَمْ تَدَعْها تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشُ الأرضِ» أَيْ هَوامِّها وحشَراتِها، الْوَاحِدَةُ خَشَاشَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ خَشِيشِهَا» وَهِيَ بِمَعْنَاهُ.
وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ يَابِسُ النَّبات، وَهُوَ وَهْمٌ. وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ خُشَيْشٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ خَشَاشٍ عَلَى الْحَذْفِ، أَوْ خُشَيِّشٌ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ العُصفور «لَمْ يَنْتَفع بِي ولَم يَدَعْني أَخْتَشُّ مِنَ الْأَرْضِ» أَيْ آكُلُ مِنْ خَشَاشِهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ «هُوَ أقَلُّ فِي أنفُسِنا مِنْ خَشَاشَةٍ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ أهْدى فِي عُمرتها جَمَلا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ خِشَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ» الْخِشَاشُ: عُوَيدٌ يُجعل فِي أنْف الْبَعِيرِ يُشَدُّ بِهِ الزِّمام لِيَكُونَ أسرعَ لانقياده.
__________
(1) قال الهروي: «وقد جاء الخشرم في الشعر اسما لجماعة الزنابير» وأنشد في صفة كلاب الصيد:
وكأنّها خلف الطّري ... دة خشرم متبدّد

(2/33)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فانْقادت مَعَهُ الشَّجَرَةُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ» هُوَ الَّذِي جُعل فِي أَنْفِهِ الخِشَاشُ. والْخِشَاشُ مُشْتقٌّ مِنْ خَشَّ فِي الشَّيْءِ إِذَا دَخَل فِيهِ، لأنهُ يُدخَل فِي أَنْفِ البَعير.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خُشُّوا بَيْنَ كلامِكم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» أَيْ أَدْخِلُوا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنيس «فَخَرَجَ رَجُلٌ يَمشي حَتَّى خَشَّ فِيهِمْ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَوَصَفَت أَبَاهَا فَقَالَتْ: «خَشَاشُ المَرْآة والمَخْبَر» أَيْ أَنَّهُ لَطِيفُ الْجِسْمِ وَالْمَعْنَى. يُقَالُ رَجُلٌ خِشَاشٌ وخَشَاشٌ إِذَا كَانَ حادَّ الرأس ماضياً لطيف المَدْخَل.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَعَلَيْهِ خُشَاشَتَانِ» أَيْ بُرْدَتان، إِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِالتَّخْفِيفِ فَيُرِيدُ خِفَّتَهما ولُطفَهما، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّشْدِيدِ فَيُرِيدُ بِهِ حرَكَتهما، كَأَنَّهُمَا كَانَتَا مصْقُولَتين كَالثِّيَابِ الجُدُد المصْقولة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ رجُل: رَمَيْت ظَبْياً وَأَنَا مُحْرِمٌ فأصَبْتُ خُشَشَاءَهُ» هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ خَلْف الأُذن، وهَمْزتُه منقَلِبة عَنْ أَلِفِ التَّأْنِيثِ، وَوَزْنُهَا فُعَلاء كَقُوبِاء، وَهُوَ وَزْن قَلِيلٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ.

(خَشَعَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَتِ الْكَعْبَةُ خُشْعَةً عَلَى الْمَاءِ فدُحِيَت مِنْهَا الأرضُ» الْخُشْعَةُ: أكَمَةٌ لاطِئةٌ بِالْأَرْضِ، والجمْع خُشَعٌ. وَقِيلَ هُوَ مَا غَلَبت عَلَيْهِ السُّهولة: أَيْ لَيْسَ بحَجر وَلَا طِينٍ. ويروى خشفة بالخاء والفاء، وسيأتي.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ أقْبَل عَلَيْنَا فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُحِب أَنْ يُعْرِض اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ فَخَشَعْنَا» أَيْ خَشينا وخضَعنا. والْخُشُوع فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ كالخُضُوع فِي الْبَدَنِ. هَكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ أَبِي مُوسَى. وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ «فَجَشِعْنا» بِالْجِيمِ وشرَحه الحُمَيْدي فِي غَرِيبِهِ فَقَالَ:
الجَشَع: الفَزَعُ وَالْخَوْفُ.

(خَشَفَ)
(هـ) فِيهِ «قَالَ لِبلال: مَا عَمَلُك؟ فَإِنِّي لَا أَرَانِي أدخُلُ الْجَنَّةَ فأسمعِ الْخَشْفَةَ فَأَنْظُرُ إلاَّ رأيتُك» الْخَشْفَةُ بِالسُّكُونِ: الحِسُّ والحرَكة. وَقِيلَ هُوَ الصَّوت. والْخَشَفَةُ بِالتَّحْرِيكِ: الْحَرَكَةُ.
وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى، وَكَذَلِكَ الخَشْف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «فسَمِعَت أمِّي خَشْفَ قدمى» .

(2/34)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْكَعْبَةِ «إِنَّهَا كَانَتْ خَشَفَةً عَلَى الْمَاءِ فدُحُيَت مِنْهَا الْأَرْضُ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
الْخَشَفَةُ وَاحِدَةُ الخَشَف: وَهِيَ حِجَارَةٌ تَنْبُت فِي الْأَرْضِ نَباتاً. وتُروَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْعَيْنِ بَدَلَ الْفَاءِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «كَانَ سَهْم بن غالِبٍ من رُؤوسِ الخَوَارج، خَرج بِالْبَصْرَةِ فَأَمَّنَه عَبدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، فكتَب إِلَيْهِ مُعاويةُ: لَوْ كنتَ قَتَلْته كَانَتْ ذٍمَّةً خَاشَفْتَ فِيهَا» أَيْ سارَعت إِلَى إخْفَارِها. يُقَالُ: خَاشَفَ إِلَى الشَّرِّ إِذَا بادَرَ إِلَيْهِ، يُريد لَمْ يَكُنْ فِي قَتْلِك لَهُ إلاَّ أنْ يُقال قَدْ أخْفَر ذِمَّته.

(خَشَمَ)
(س) فِيهِ «لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهُوَ أَخْشَمُ» الْأَخْشَمُ: الَّذِي لَا يَجِدُ رِيحَ الشَّيْءِ، وَهُوَ الْخُشَامُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِنَّ مَرْجَانة ولِيدَتَه أتَتْ بولدِ ِزناً، فَكَانَ عمرُ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ويَسْلِتُ خَشَمَهُ» الْخَشَمُ: مَا يَسيل مِنَ الخَيَاشِيم: أي يَمْسَح مُخَاطه.

(خشن)
(س) فِي حَدِيثِ الْخُرُوجِ إِلَى أُحُد «فَإِذَا بِكَتِيبَة خَشْنَاء» أَيْ كثيرةِ السِّلاح خَشِنَتِهِ. واخْشَوْشَنَ الشَّيْءُ مبالغةٌ فِي خُشُونَتِهِ. واخْشَوْشَنَ: إِذَا لَبِسَ الخَشِنَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «اخْشَوْشِنُوا» فِي إِحْدَى رِوَاياته.
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: نِشْنِشةٌ مِن أَخْشَن» أَيْ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ. وَالْجِبَالُ تُوصف بالخُشُونَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أُخَيْشِنُ فِي ذَاتِ الله» هو تصغير الْأَخْشَن لِلْخَشِنِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ظَبيْان «ذَنّبُوا خِشَانَهُ» الْخِشَان: مَا خَشُنَ مِنَ الْأَرْضِ.

(خَشِيَ)
فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ أكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يكونَ ذَلِكَ أسْهَلَ لَكَ عِنْدَ نُزُولِهِ» خَشِيتُ هَاهُنَا بِمَعْنَى رَجَوتُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ «أَنَّهُ لمَّا أخَذَ الرَّايَةَ يَوْمَ مُؤتَه دَافَع الناسَ وخَاشَى بِهِمْ» أَيْ أبْقَى عَلَيْهِمْ وحَذِر فانْحازَ. خَاشَى: فَاعَل مِنَ الْخَشْيَةِ. يُقَالُ خَاشَيْتُ فُلَانًا: أَيْ تَارَكْتُهُ.

(2/35)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ الصَّادِ

(خَصَبَ)
فِيهِ ذِكْرُ «الْخِصْب» مُتَكَرِّرًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ. أَخْصَبَتِ الْأَرْضُ، وأَخْصَبَ الْقَوْمُ، وَمَكَانٌ مُخْصِبٌ وخَصِيبٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبدِ القَيسِ «فأقْبَلْنا مِنْ وِفَادَتِنا، وإنَّما كَانَتْ عِنْدَنَا خَصْبَةٌ نَعْلِفها إبِلَنَا وحَميرَنا» الْخَصْبَةُ: الدَّقَل، وَجَمْعُهَا خِصَابٌ. وَقِيلَ هِيَ النَّخْلَةُ الْكَثِيرَةُ الحَمْلِ.

(خَصَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى البَقِيع وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ لَهُ» الْمِخْصَرَةُ: مَا يَخْتَصِرُهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ فَيُمسِكه مِنْ عَصًا، أَوْ عُكَّازةٍ، أَوْ مِقْرَعَةٍ، أَوْ قضيب، وقد يتّكى عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْمُخْتَصِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجوههم النُّورُ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْمُتَخَصِّرُونَ» أَرَادَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ وَمَعَهُمْ أعْمَال لَهُمْ صَالِحَة يَتّكئون عَلَيْهِمْ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَإِذَا أسْلَموا فاسْأَلْهُمْ قُضُبَهُم الثَّلَاثَةَ الَّتِي إِذَا تَخَصَّرُوا بِهَا سُجِد لَهُمْ» أَيْ كَانُوا إِذَا أمْسَكوها بِأَيْدِيهِمْ سَجَد لَهُمْ أصحابُهم؛ لِأَنَّهُمْ إنَّما يُمْسِكونها إِذَا ظَهَرُوا لِلنَّاسِ.
والْمِخْصَرَةُ كَانَتْ مِنْ شِعَار الْمُلُوكِ. والجمْع الْمَخَاصِرُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وذَكر عُمَرَ فَقَالَ «واخْتَصَرَ عنزتَه» العَنَزَة: شِبْه العُكَّازة.
(هـ) وَفِيهِ «نَهَى أَنْ يُصَلْي الرَّجُلُ مُخْتَصِراً» قِيلَ هُوَ مِنَ الْمِخْصَرَةِ، وَهُوَ أَنْ يأخُذَ بِيَدِهِ عَصًا يتّسكىء عَلَيْهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ آخِرِ السُّورَة آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَلَا يَقْرَأُ السُّورَة بِتَمَامها فِي فَرْضه. هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: مُتَخَصِّراً، أَيْ يُصَلّي وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى خَصْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُخْتَصِرُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ اخْتِصَارِ السَّجْدة» قِيلَ أَرَادَ أَنْ يَخْتَصِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدة فِي الصَّلاة فَيَسْجُدُ فِيهَا. وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ، فَإِذَا انْتَهَى إلى السجدة جَاوَزَها ولم يسْجُدْ لها.
__________
(1) في الدر النثير: قال ثعلب: معناه المصلون بالليل، فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم من التعب. حكاه ابن الجوزي.

(2/36)


(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحةُ أهلِ النَّار» أَيْ إِنَّهُ فِعْل الْيَهُودِ فِي صَلاَتهم، وَهُمْ أَهْلُ النَّار، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ النَّار الَّذِينَ هُمْ خَالِدُون فِيهَا رَاحَةٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَذَكَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ «فَخَرَجَ مُخَاصِراً مَرْوانَ» الْمُخَاصَرَةُ: أَنْ يَأْخُذَ الرجُل بِيَدِ رَجُل آخَر يَتَمَاشَيَان ويَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ خَصْرِ صَاحِبه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فأصَابَني خَاصِرَةٌ» أَيْ وَجَعٌ فِي خَاصِرَتِي. قِيلَ: إِنَّهُ وجَعٌ في الكُلْيَتَيْن.
(س) فِيهِ «أَنَّ نَعْلَه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَتْ مُخَصَّرَةً» أَيْ قُطع خَصْرَاهَا حَتَّى صَارَا مُسْتَدَقَّينِ. وَرَجُلٌ مُخَصَّرٌ: دَقِيق الْخَصْر. وَقِيلَ الْمُخَصَّرَةُ الَّتِي لها خَصْرَان.

(خصص)
(س) فِيهِ أَنَّهُ مَرّ بِعَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرو وَهُو يُصْلِحُ خُصّاً لَهُ وَهَى» . الْخُصُّ:
بَيْت يُعْمَل مِنَ الْخَشَبِ والقَصَب، وَجَمْعُهُ خِصَاصٌ، وأَخْصَاصٌ «1» ، سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِصَاصِ وَهِيَ الفُرَج والأنْقاب.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أعْرَابيَّا أتَى بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خَصَاصَة الْبَابِ» أَيْ فُرْجَتَه.
وَفِي حَدِيثِ فَضالة «كَانَ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْخَصَاصَة» أَيِ الجُوع والضَّعف. وأصلُها الفَقرُ والحاجَةُ إِلَى الشَّيْءِ.
(هـ) وَفِيهِ «بادِرُوا بالأعْمَال سِتًّا: الدَّجّالَ وَكَذَا وَكَذَا وخُوَيْصَّةُ أحَدِكم» يُرِيدُ حادِثَةَ المَوت الَّتِي تَخُصُّ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَهِيَ تَصْغِيرُ خَاصَّة، وصُغِّرَتْ لِاحْتِقَارِهَا فِي جَنْبِ مَا بَعْدَهَا مِنَ البَعْثِ والعَرْض وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى مُبادَرتِها بِالْأَعْمَالِ. الإنْكِمَاشُ «2» فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. والإهْتمامُ بِهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا. وَفِي تَأْنِيثِ السِّت إشارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَصَائِبُ ودَواهٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ «وخُوَيْصَّتُكَ أنَسٌ» أَيِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِخِدمَتِك، وصَغّرته لِصِغَر سِنّه يَوْمَئِذٍ.

(خَصَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلى، فَأَقْبَلَ رجُل فِي بَصَرِه سُوءٌ فَمَرَّ بِبِئْرٍ عَلَيْهَا خَصَفَة فَوَقَعَ فِيهَا» الْخَصَفَةُ بِالتَّحْرِيكِ: وَاحِدَةُ الخَصَف: وَهِيَ الجُلّة الَّتِي يُكنَزُ فِيهَا التَّمْرُ، وَكَأَنَّهَا فَعَل بِمَعْنَى مَفْعُول، مِنَ الْخَصْفِ، وَهُوَ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ، لأنه شيء منسوج من الخُوص.
__________
(1) وخُصوص أيضاً كما في القاموس.
(2) أي الإسراع.

(2/37)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ لَهُ خَصَفَةٌ يَحْجُرُها ويُصَلّى عليها» .
(س) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ كَانَ مُضْطَجِعاً عَلَى خَصَفَةٍ» وتُجْمَع عَلَى الْخِصَافِ أَيْضًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ تُبَّعاً كَسَا الْبَيْتَ المُسُوح فانْتَفَض الْبَيْتُ مِنْهُ ومَزَّقه عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ كسَاه الْخَصَف فَلَمْ يَقْبَله، ثُمَّ كَسَاهُ الأنْطَاع فَقَبِلَهَا» قِيلَ أَرَادَ بِالْخَصَفِ هَاهُنَا الثّيابَ الغِلاَظَ جِدًّا، تشَبْيِهاً بالخَصَف الْمَنْسُوجِ مِنَ الخُوصِ.
وَفِيهِ «وَهُوَ قَاعِدٌ يَخْصِفُ نعلَه» أَيْ كَانَ يَخْرِزُها، مِنَ الْخَصْفِ: الضَّمِّ وَالْجَمْعِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي ذِكْرِ عَلِيٍّ «خَاصِفُ النَّعل» .
(هـ) وَمِنْهُ شِعْرُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْدَحُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مِنْ قَبْلِها طِبْت فِي الظّلاَلِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
أَيْ فِي الجَنَّة، حَيْثُ خَصَفَ آدمُ وحَوّاء عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.
وَفِيهِ «إِذَا دَخل أحدُكُم الحَمَّامَ فَعَلَيْهِ بالنَّشِيرِ ولا يَخْصِفُ» النّشيرُ: المِئْزَرُ. وَقَوْلُهُ لَا يَخْصِف: أَيْ لَا يَضَع يَدَه عَلَى فَرْجِهِ.

(خَصَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْمى، فَإِذَا أَصَابَ خَصْلَةً قَالَ: أَنَا بِهَا أَنَا بِهَا» الخَصْلَةُ: المَرّة مِنَ الخَصْل، وَهُوَ الغَلَبة فِي النِّضَالِ وَالْقَرْطَسَةُ فِي الرَّمْي. وَأَصْلُ الخَصْلِ القَطْع؛ لِأَنَّ المُتَرَاهنين يُقَطِّعُونَ أمْرَهم عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ. والخَصْلُ أَيْضًا: الخَطَر الَّذِي يُخاطَر عَلَيْهِ.
وتَخَاصَلَ الْقَوْمُ: أَيْ تَراهنوا فِي الرَّمْي، ويُجْمع أَيْضًا عَلَى خِصَالٍ.
وَفِيهِ «كَانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِنْ خِصَال النِّفاق» أَيْ شُعْبة مِنْ شُعَبه وجُزء مِنْهُ، أَوْ حالة من حالته (هـ) وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ «كَمِيش الإِزار مُنْطَوِي الْخَصِيلَة» هِيَ لَحْمُ العَضُدَينِ والفَخِذَين والسَاقين. وَكُلُّ لَحْمٍ فِي عَصَبةٍ خَصِيلَة، وَجَمْعُهَا خَصَائِلُ «1» .

(خَصَمَ)
(هـ) فِيهِ «قَالَتْ لَهُ أمُّ سَلمة أَرَاكَ ساهمَ الْوَجْهِ أمِنْ علَّة؟ قَالَ لَا، وَلَكِنَّ السَّبعةُ الدَّنانير الَّتِي أُتينا بِهَا أمْسِ نَسِيتُها فِي خُصْمِ الفِراش، فبِتُّ وَلَمْ أقْسِمها» خُصْمُ كُلِّ شَيْءٍ: طَرَفُه وجانِبُه، وجمعه خُصُومٌ، وأَخْصَامٌ «2» .
__________
(1) وخصيل أيضاً كما في القاموس.
(2) ويروى بالضاد المعجمة، وسيأتي.

(2/38)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْل بْنِ حُنَيف يَوْمَ صِفِّينَ لَمَّا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ «هَذَا أَمْرٌ لَا يُسَدُّ مِنْهُ خُصْمٌ إِلَّا انْفَتح عَلَيْنَا مِنْهُ خُصْمٌ آخَرُ» أَرَادَ الإخْبارَ عَنِ انْتِشار الْأَمْرِ وشِدَّتِه، وَأَنَّهُ لَا يَتَهيَّأ إصْلاحُه وتَلافيه، لِأَنَّهُ بِخِلَافِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الإتِّفاق.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الضَّادِ

(خَضَبَ)
(هـ) «فِيهِ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دمعهُ الحَصَى» أَيْ َبلَّها، مِنْ طَرِيقِ الإسْتِعارة، والأشْبَهُ أَنْ يكونَ أَرَادَ المُبالغةَ فِي البُكاء، حَتَّى احْمَرّ دمْعُه فَخَضَبَ الحصَى.
(هـ) وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أجْلِسوني فِي مِخْضَبٍ فاغْسِلوني» الْمِخْضَبُ بِالْكَسْرِ: شِبْه المِرْكَن، وَهِيَ إجَّانةٌ تُغْسَل فِيهَا الثِّيَابُ.

(خَضْخَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «سُئل عَنِ الْخَضْخَضَةِ فَقَالَ: هُوَ خيرٌ مِنَ الزِّنَا.
ونكاحُ الأَمَة خيرٌ مِنْهُ» الْخَضْخَضَةُ: الاسْتمْناء، وَهُوَ اسْتِنْزال المَنِيِّ فِي غَيْرِ الفَرْج. وَأَصْلُ الْخَضْخَضَةِ التَّحْرِيكُ.

(خَضَدَ)
فِي إِسْلَامِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ قَالُوا السَّفَرُ وخَضْدُهُ» أَيْ تَعَبُه وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْإِعْيَاءِ. وَأَصْلُ الْخَضْدِ: كسْر الشَّيْءِ اللَّين مِنْ غَيْرِ إبانةٍ لَهُ. وَقَدْ يَكُونُ الخَضْد بِمَعْنَى القَطْع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «تَقْطَع بِهِ دابِرَهم وتَخْضِدُ بِهِ شَوْكَتَهم» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «حَرامُها عِنْدَ أقْوام بِمَنْزِلَةِ السِّدْر الْمَخْضُود» أَيِ الَّذِي قُطِع شَوْكه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ظَبْيانَ «يُرَشِّحون خَضِيدَهَا» أَيْ يُصْلِحونه ويَقومون بِأَمْرِهِ. والخَضِيدُ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَفِي حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ «بالنِّعَم محفُود، وبالذَّنب مَخْضُودٌ» يُرِيدُ بِهِ هَاهُنَا أَنَّهُ مُنْقطع الحُجَّة كَأَنَّهُ مُنْكسر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ حِينَ ذَكَر الكُوفة فَقَالَ «تَأْتِيهِمْ ثِمَارُهُمْ لَمْ تُخْضَدْ» أَرَادَ أَنَّهَا تَأْتِيهِمْ بِطَرَاوَتِهَا لَمْ يُصِبْهَا ذُبُول وَلَا انْعِصَارٌ؛ لِأَنَّهَا تُحْمَل فِي الأنْهار الْجَارِيَةِ. وَقِيلَ صوابُهُ لَمْ تَخْضَدْ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَهَا، يُقَالُ خَضِدَتِ الثمرةُ تُخْضَدُ خَضَداً إِذَا غبَّت أَيَّامًا فَضَمُرَتْ وَانْزَوَتْ

(2/39)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّهُ رَأَى رجُلا يُجِيد الأكْلَ فَقَالَ: إِنَّهُ لمِخْضَد» الْخَضْدُ: شِدَّةُ الْأَكْلِ وسُرْعتُه. ومِخْضَدٌ مِفْعَل مِنْهُ، كَأَنَّهُ آلَةٌ لِلْأَكْلِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ «أَنَّهُ قَالَ لعَمْرو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ هَذَا لَمِخْضَدٌ» أَيْ يَأْكُلُّ بجفَاءٍ وسُرْعة.

(خَضَرَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ أخْوَف مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدي مَا يُخْرِج اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زهْرَة الدُّنْيَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ، وَإِنَّ ممَّا يُنْبِتُ الربيعُ مَا يقْتُل حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ، إلاَّ آكِلَةَ الخَضِرِ، فَإِنَّهَا أكَلتْ حَتَّى إِذَا امْتدَّت خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلت عينَ الشَّمْسِ فَثَلَطتْ وبالتْ ثُمَّ رَتعت، وَإِنَّمَا هَذَا المالُ خَضِرٌ حُلْوٌ، ونعْمَ صاحبُ المُسْلم، هُوَ لِمَنْ أعْطي مِنْهُ الْمِسْكِينَ واليَتيمَ وابنَ السَّبِيلِ» هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْح إلْفاظه مُجْتمعةً، فَإِنَّهُ إِذَا فُرّق لَا يَكَادُ يُفهم الْغَرَضُ مِنْهُ:
الحبَط بِالتَّحْرِيكِ: الْهَلَاكُ. يُقَالُ حَبِط يَحبَط حَبْطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَاءِ. ويُلِمّ: يَقْرُب.
أَيْ يَدْنُو مِنَ الْهَلَاكِ. والخَضِرُ بِكَسْرِ الضَّادِ: نَوْعٌ مِنَ البُقول. لَيْسَ مِنْ أَحْرَارِهَا وجَيّدها. وثَلَطَ الْبَعِيرُ يَثْلِط إِذَا ألْقى رَجِيعه سَهْلاً رَقيقاً. ضَرَب فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَثَلين: أحَدُهما لِلْمُفْرط فِي جَمْع الدُّنيا والمَنْع مِنْ حَقّها، وَالْآخَرُ للْمُقْتَصِدِ فِي أخْذِها والنَّفع بِهَا. فَقَوْلُهُ: إنَّ ممَّا يُنْبِتُ الربيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ، فَإِنَّهُ مَثَل للمُفْرط الَّذِي يَأخُذ الدُّنْيَا بِغَيْرِ حَقّها، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحْرَارَ البُقول فَتَسْتَكْثر الماشِية مِنْهُ لاسْتطَابَتِها إِيَّاهُ، حَتَّى تُنْتَفِخَ بُطُونُها عِنْدَ مُجَاوَزتِها حَدّ الاحْتمالِ، فتَنْشَقّ أمعاؤُها مِنْ ذَلِكَ فتّهْلِك أَوْ تُقَارب الْهَلَاكَ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَع الدُّنيا مِنْ غَيْرِ حِلّها ويَمْنَعُها مُسْتَحِقّها قَدْ تَعرّض لِلْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ بدخُول النَّار، وَفِي الدُّنْيَا بأذَى النَّاسِ لَهُ وحَسدهم إيَّاه، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الأذَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا آكِلة الْخَضِر، فَإِنَّهُ مَثَلٌ للمُقْتَصِد، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِر لَيْسَ مِنْ أحْرار البُقول وجَيّدِها الَّتِي يُنْبتُها الربيعُ بِتَوَالِي أمْطاره فتحْسُنُ وتَنْعُمُ، ولكنَّه مِنَ البُقول الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْج البُقول ويُبْسِها حَيْثُ لَا تَجِدُ سِوَاهَا، وتُسمِّيها العَربُ الجَنَبة، فَلَا تَرى الماشِية تُكثر مِنْ أكْلها وَلَا تَسْتَمْرِئها، فضرَب آكِلة الخَضِر مِنَ الْمَوَاشِي مَثَلًا لِمَنْ يَقتْصد فِي أخْذ الدُّنْيَا وجَمْعها، وَلَا يَحْمله الحِرْصُ عَلَى أخْذِها بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَهُوَ بنَجْوةٍ مِنْ وَبَالِهَا، كَمَا نَجَتْ آكِلَةُ الخَضِر،

(2/40)


أَلَا تَرَاهُ قَالَ: أكَلْت حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتاها اسْتَقْبَلت عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَت وَبَالَتْ، أَرَادَ أَنَّهَا إِذَا شَبِعَت مِنْهَا برَكَت مُسْتَقْبِلةً عَيْنَ الشَّمْسِ تَسْتَمْرِئُ بِذَلِكَ مَا أكلَتْ، وتجْتَرُّ وتَثْلِطُ، فَإِذَا ثَلَطَت فَقَدْ زَالَ عَنْهَا الحَبَطُ. وَإِنَّمَا تَحبَط الْمَاشِيَةُ لِأَنَّهَا تَمْتَلِئُ بُطُونها وَلَا تَثْلِطُ وَلَا تَبُول، فتَنْتفِخُ أجْوَافها، فَيَعْرِضُ لَهَا الْمَرَضُ فتبهلك. وَأَرَادَ بزَهْرة الدُّنْيَا حُسنَها وبَهْجَتَها، وببَركات الأرضِ نَمَاءَها وَمَا يَخْرُجُ مِنْ نَبَاتِها.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ» أَيْ غَضَّة ناعِمَةٌ طَرِيَّة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «اغْزُوا والغَزْوُ حُلْو خَضِرٌ» أَيْ طَرِيّ مَحْبُوبٌ لِمَا يُنْزل اللَّهُ فِيهِ مِنَ النَصْر ويُسَهِّلُ مِنَ الْغَنَائِمِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «اللَّهُمَّ سَلِّط عَلَيْهِمْ فَتى ثَقِيف الذَّيَّالَ «1» يَلْبَسُ فَرْوَتَها، وَيَأْكُلُ خَضِرَتَهَا» أَيْ هَنِيئَهَا، فَشَبَّهَه بِالْخَضِرِ الغَضّ النَّاعم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْقَبْرِ «يُمْلأَ عَلَيْهِ خَضِراً «2» » أَيْ نِعَماً غَضّةً.
(هـ) وَفِيهِ «تَجَنَّبُوا مِنْ خَضْرَائِكُمْ ذَوَاتِ الرِّيحِ» يَعْنِي الثُّومَ والبَصَل والكُرَّاث وَمَا أشْبَهها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُخَاضَرَةِ» هِيَ بَيْع الثِّمَارِ خُضْراً لَمْ يَبْد صَلَاحُهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ اشْتراط المشْتَري عَلَى الْبَائِعِ «أَنَّهُ ليْس لَهُ مِخْضَارٌ» الْمِخْضَار: أَنْ يُنْتَثر البُسْرُ وَهُوَ أَخْضَرُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُجَاهد «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقة» يَعْنِي الْفَاكِهَةَ وَالْبُقُولَ. وقياس ما كان على هَذَا الوَزن مِنَ الصِّفَاتِ أَنْ لَا يُجْمَعَ هَذَا الْجَمْعَ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ بِهِ مَا كَانَ اسْمًا لَا صِفة، نَحْوَ صحْراء، وخُنفُساء، وَإِنَّمَا جَمَعَهُ هَذَا الجَمْع لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ اسْماً لِهَذِهِ البقُول لَا صفَة، تَقُولُ العَربُ لِهَذِهِ البُقول: الْخَضْرَاءُ لَا تُريدُ لَوْنَهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أُتِي بِقِدر فِيهِ خَضِراتٌ» بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ بُقُول، واحدها خَضِرَةٌ.
__________
(1) هو الحجاج بن يوسف الثقفي
(2) في الدر النثير: قلت قال القرطبي في التذكرة: فسر في الحديث بالريحان.

(2/41)


(هـ) وَفِيهِ «إِيَّاكُمْ وخَضْرَاءَ الدِّمَن» جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْمَرْأَةُ الحَسْنَاء فِي مَنْبِت السُّوء، ضَرَب الشجرةَ الَّتِي تنْبُتُ فِي المَزْبلة فتَجيء خَضِرَةً نَاعِمَةً نَاضِرَةً، ومَنْبِتُها خَبِيثٌ قذِر مَثلاً لِلْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ الْوَجْهِ اللَّئيمة المنِصب.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ «مَرَّ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبته الْخَضْرَاءِ» يُقَالُ كَتِيبة خَضْرَاء إذا غلب عَلَيْهَا لُبْسُ الْحَدِيدِ، شُبّه سَوَادُه بِالْخُضْرَةِ. والعَرَبُ تُطلق الخُضْرَةَ على السَّواد.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ الحكَم «أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَرَآهَا خَضْرَاءَ فطلَّقها» أَيْ سَوْداء.
وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ «أُبيدَت خَضْرَاء قُرَيش» أَيْ دهْماؤُهم وسَوادهم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فَأَبِيدُوا خَضْرَاءَهُمْ» .
وَفِي الْحَدِيثِ «مَا أظلَّت الخَضْرَاءُ وَلَا أقلَّت الغبْراءُ أصْدقَ لهجَةً مِنْ أَبِي ذرٍّ» الْخَضْرَاءُ السَّمَاء، والغّبْرَاء الْأَرْضُ.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ خُضِّرَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْه» أَيْ بُورك لَهُ فِيهِ ورُزق مِنْهُ. وحَقِيقته أَنْ تُجْعَل حالَته خَضْرَاء.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا أرَاد اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرّاً أَخْضَرَ لَهُ فِي اللَّبِنِ والطِّين حَتَّى يَبْني» .
(هـ) وَفِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ أَخْضَرَ الشَّمَط» أَيْ كَانَتِ الشَّعَرات الَّتِي قَدْ شَابَتْ مِنْهُ قَدِ اخْضَرَّت بِالطِّيبِ والدُّهن المُرَوَّح.

(خَضْرَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ خَطَبَ النَّاس يَوْمَ النَّحر عَلَى نَاقَةٍ مُخَضْرَمَةٍ» هِيَ الَّتِي قُطِع طرَفُ أُذُنها، وَكَانَ أهلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُخَضْرِمُونَ نَعَمَهُم، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أمرَهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَضْرِمُوا فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَضْرِمُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَصْلُ الخَضْرَمَةِ: أَنْ يُجعَل الشَّيْءُ بينَ بينَ، فَإِذَا قُطِعَ بعضُ الأُذن فَهِيَ بَيْنَ الوَافرَة والناقِصَة. وَقِيلَ هِيَ المنْتُوجَة بَيْنَ النَّجائب والعُكاظِيَّات.
وَمِنْهُ قِيلَ لِكُلِّ مَنْ أدْرَك الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ مُخَضْرَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْخَضْرَمَتَيْنِ.

(2/42)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ قوْماً بُيّتُوا لَيْلًا وسيقَت نَعَمُهُمْ فادَّعوا أَنَّهُمْ مُسلمون، وَأَنَّهُمْ خَضْرَمُوا خَضْرَمَةَ الْإِسْلَامِ» .

(خَضَعَ)
فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَخْضَعَ الرجُل لِغَيْرِ امرأتِهِ» أَيْ يَلِينُ لَهَا فِي القَول بِمَا يُطْمِعها مِنْهُ. والْخُضُوعُ: الِانْقِيَادُ وَالْمُطَاوَعَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»
وَيَكُونُ لَازِمًا كَهَذَا الْحَدِيثِ ومَتعدّيا.
(هـ) كَحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إِنَّ رَجُلًا مّرَّ فِي زَمَانِهِ برجلٍ وامْرَأةٍ وَقَدْ خَضَعَا بينهُما حَدِيثًا، فَضَربه حَتَّى شجَّه فأهْدره عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» : أَيْ لَيّنا بَيْنَهُمَا الْحَدِيثَ وتَكلَّما بما يُطْمع كلاًّ منهما في الآخر.
(س) وَفِي حَدِيثِ اسْتراق السَّمْعِ «خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ» الخُضْعَانُ مصْدر خَضَعَ يَخْضُعُ خُضُوعاً وخُضْعَاناً، كَالْغُفْرَانِ وَالْكُفْرَانِ. وَيُرْوَى بِالْكَسْرِ كالوِجْدان. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خَاضِعٍ. وَفِي رِوَايَةٍ خُضَّعاً لِقَوْلِهِ، جَمْعُ خَاضِعٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ كَانَ أَخْضَعَ» أَيْ فِيهِ انْحناء.

(خَضَلَ)
فِيهِ «أَنَّهُ خَطَبَ الأنْصَار فبكَوْا حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُم» أَيْ بلُّوها بالدُّموع.
يُقَالُ خَضِلَ واخْضَلَّ إِذَا نَدِي، وأَخْضَلْتُهُ أَنَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَمَّا أَنْشَدَهُ الْأَعْرَابِيُّ:
يَا عُمَرَ الخيْر جُزِيتَ الجَنَّةْ الْأَبْيَاتَ بكَى عمر حتى اخْضَلَّتْ لِحْيتُه.
(س) وَحَدِيثُ النَّجَاشِيِّ «بكَى حَتَّى أَخْضَلَ لِحيتَه» .
(هـ) وَحَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ «قَالَ لَهَا خَضِّلِي قنازعَكِ» أَيْ نَدِّي شَعرَكِ بِالْمَاءِ والدُّهن لِيَذْهَبَ شَعَثُه. والقَنَازِعُ: خُصَل الشَّعَر.
(س) وَفِي حَدِيثِ قُسّ «مُخْضَوْضَلَة أغصانُها» هُوَ مُفْعَوْعِلَة مِنْهُ للمُبالَغة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: تَزَوّجَني هَذَا عَلَى أَنْ يُعطيَني خَضْلًا نَبيلاً» تَعْنِي لُؤلُؤاً صَافِيًا جَيّداً. الْوَاحِدَةُ خَضْلَةٌ، والنَّبيل: الكَبير، يُقَالُ دُرَّة خَضْلَةٌ.

(2/43)


(خَضَمَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «فَقَامَ إِلَيْهِ بَنُو أمَيَّة يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَ الإبلِ نَبْتَةَ الرَّبيع» الخَضْمُ: الْأَكْلُ بأقْصَى الْأَضْرَاسِ، والقَضْمُ بأدْنَاها. خَضِمَ يَخْضَمُ خَضْماً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «تَأْكُلُونَ خَضْماً وَنَأْكُلُ قَضْماً» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ مَرَّ بِمَرْوَانَ وَهُوَ يَبْني بُنْيَاناً لَهُ، فَقَالَ: ابْنُوا شديدا، وأمّلُوا بَعيدا، واخْضَمُوا فَسَنَقْضم» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «بِئْسَ لعَمْرُ اللَّهِ زَوجُ الْمَرْأَةِ المسْلمة خُضَمَةٌ حُطَمَةٌ» أَيْ شَدِيدُ الخَضْم. وَهُوَ مِنْ أبْنِيَةِ المُبَالغَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «الدَّنَانِيرُ السَّبعة نَسِيتُها فِي خُضْمِ الفرَاش» أَيْ جَانِبِهِ، حَكَاهَا أَبُو مُوسَى عَنْ صَاحِبِ التَّتِمة، وَقَالَ الصَّحِيحُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَذَكَرَ الْجُمُعَةَ «فِي نَقِيع يُقَالُ لَهُ نقيعُ الخَضَمَات» وَهُوَ مَوْضِعٌ بنَواحي الْمَدِينَةِ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الطَّاءِ

(خَطَأَ)
(هـ) فِيهِ «قَتِيلُ الخَطَإِ دِيَتُه كَذَا وَكَذَا» قَتْلُ الخَطَإِ ضِدُّ العَمْدِ، وَهُوَ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا بفعْلك مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْصد قَتْله، أوْ لَا تَقْصِد ضَرْبَه بِمَا قَتَلْتَه بِهِ. قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الخَطَإِ والخَطِيئَةِ فِي الْحَدِيثِ. يُقَالُ خَطِئَ فِي دِينِهِ خِطْأً إِذَا أَثِمَ فِيهِ. والخِطْءُ: الذَّنْبُ وَالْإِثْمُ.
وأَخْطَأَ يُخْطِئُ. إِذَا سَلَك سَبيلَ الخَطَإِ عَمْدا أَوْ سَهْوا. وَيُقَالُ خَطِئَ بِمَعْنَى أَخْطَأَ أَيْضًا. وَقِيلَ خَطِئَ إِذَا تَعَمَّد، وأَخْطَأَ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّد. وَيُقَالُ لِمَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَفعَل غَيْرَهُ، أَوْ فَعَل غَيْرَ الصَّوَابِ: أَخْطَأَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ «إِنَّهُ تَلدُه أمُّه فيَحْملن النساءُ بِالْخَطَّائِينَ» يُقَالُ رَجُلٌ خَطَّاءٌ إِذَا كَانَ مُلاَزِما لِلْخَطَايَا غَيْرَ تاركٍ لَهَا، وَهُوَ مِنْ أبْنِية المُبالَغةِ. وَمَعْنَى يَحْمِلْن بِالْخَطَّائِينَ: أَيْ بالكَفَرة والعُصاة الَّذِينَ يَكُونُونَ تَبَعاً للدَّجَّال. وَقَوْلُهُ يحملْن النِّسَاءُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

(2/44)


وَلَكِنْ دِيَافِيٌّ أَبُوهُ وأمُّهُ ... بِحَوْرانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أقَاربُه
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ سُئل عَنْ رَجُلٍ جَعَل أمْرَ امْرَأتِه بِيدِها، فقالَتْ أنتَ طالِقٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ: خَطَّأَ اللَّهُ نَوْءَهَا، ألاَ طَلَّقَتْ نَفْسها!» يُقَالُ لمَنْ طَلَب حاجَةً فلم يَنْجَح:
أَخْطَأَ نوؤك، أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْءَهَا مُخْطِئاً لَهَا لَا يُصيبُها مَطَرُه. ويُروى خَطَّى اللَّهُ نَوْءِهَا بِلَا هَمْزٍ، وَيَكُونُ مِنْ خَطَطَ، وَسَيَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْكَ السُّوءَ: أَيْ جعَله يتخَطَّاكَ، يُرِيدُ يتَعدَّاها فَلَا يُمْطرها. وَيَكُونُ مِنْ بَابِ المُعْتَلّ اللَّامِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَةٍ مُلِّكت أمْرها فطَلَّقت زَوْجَها: إِنَّ اللَّهَ خَطَّأَ نَوْءَها» أَيْ لَمْ تَنْجَحْ فِي فِعْلِها، وَلَمْ تُصِب مَا أَرَادَتْ مِنَ الخَلاص.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُمْ نَصَبوا دَجاجةً يَتَرامَوْنَها، وَقَدْ جَعَلُوا لصاحبِها كلَّ خَاطِئَة مِنْ نَبْلِهِمْ» أَيْ كُلَّ وَاحِدَةٍ لَا تُصِيِبُهَا. والْخَاطِئَةُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمُخْطِئَة.
وَفِي حَدِيثِ الكُسوفِ «فَأَخْطَأَ بِدرْع حَتَّى أُدرِكَ برِدائِه» أَيْ غَلْطَ. يُقَالُ لِمَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَفَعَلَ غَيْرَهُ: أَخْطَأَ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ قَصَد ذَلِكَ، كَأَنَّهُ فِي استِعْجالِه غَلِط فَأَخَذَ دِرْع بعضِ نسائهِ عِوَضَ ردائِه. وَيُرْوَى خَطَا، مِنَ الخَطْو: المَشْي، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ.

(خَطَبَ)
(هـ) فِيهِ «نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرجُل عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» هُوَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتركَنَ إِلَيْهِ ويَتَّفِقا عَلَى صَداق مَعْلُومٍ وَيَتراضَيا، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا العَقْدُ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّفقا ويَتراضَيا وَلَمْ يَرْكَن أحدُهما إِلَى الآخرِ فَلَا يُمنَع مِنْ خِطْبَتِهَا، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ النَّهي. تَقُولُ مِنْهُ خَطَبَ يَخْطُبُ خِطْبَةً بِالْكَسْرِ، فَهُوَ خَاطِبٌ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْخُطْبَةُ أَيْضًا. فَأَمَّا الْخُطبة بِالضَّمِّ فهو من القَول والكلام.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّهُ لَحَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُخَطَّبَ» أَيْ يجابَ إِلَى خِطْبَتهِ. يُقَالُ خَطَبَ إِلَى فُلَانٍ فَخَطَّبَهُ وأَخْطَبُهُ: أَيْ أجابَه.
وَفِيهِ «قَالَ مَا خَطْبُك» ، أَيْ مَا شَأْنُكَ وحالُك. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. والْخَطْبُ:
الأمْرُ الَّذِي يَقَع فِيهِ الْمُخَاطَبَةُ، والشَّأن والحالُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَلَّ الْخَطْبُ: أَيْ عَظُمَ الْأَمْرُ والشَّأن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، وَقَدْ أفْطَر فِي يَوْمِ غَيْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: «الْخَطْبُ يَسير» .
وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «أمِنْ أهْلِ المَحاشِد والمَخَاطِبِ؟» أَرَادَ بالمَخَاطِبِ الخُطَبَ، جمعٌ عَلَى

(2/45)


غَيْرِ قِيَاسٍ، كالمشَابِهِ والملامِحِ. وَقِيلَ هُوَ جّمعُ مَخْطَبَة، والْمَخْطَبَةُ: الْخُطْبَة. والْمُخَاطَبَةُ: مُفاعَلة، مِنَ الخِطَاب والمُشاوَرة، تَقُولُ خَطَبَ يَخْطُبُ خُطْبَةً بِالضَّمِّ فَهُوَ خَاطِبٌ وخَطِيبٌ؛ أَرَادَ: أَأَنْتَ مِنَ الَّذِينَ يَخْطُبُونَ الناسَ ويَحُثُّونهم عَلَى الخُروج وَالِاجْتِمَاعِ لِلْفِتَن؟.

(خَطَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «وَاللَّهِ مَا يَخْطِرُ لَنَا جَمَل» أَيْ مَا يُحَرّك ذَنَبهُ هُزالاً لِشِدّة القَحْطِ والجَدْبِ. يُقَالُ خَطَرَ البَعير بذَنَبه يَخْطِرُ إِذَا رَفَعه وحَطَّه. وَإِنَّمَا يَفعل ذَلِكَ عِنْدَ الشِّبَع والسِّمَن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا قَتَلَ عَمْرو بْنَ سَعِيدٍ «وَاللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُه وَإِنَّهُ لَأَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ جِلْدَةِ مَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَلَكِنْ لَا يَخْطِر فَحْلانِ فِي شَوْلِ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَرْحَبٍ «فَخَرج يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ» أَيْ يَهُزُّه مُعْجباً بِنَفْسِهِ مُتُعُرِّضاً للمُبَارَزَة، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَخْطِرُ فِي مِشْيته: أَيْ يَتَمَايَل ويَمشِي مِشْيةَ المُعْجب وسَيْفه فِي يَدِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَخْطِرُ وَسَيْفُهُ مَعَهُ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ لمَّا نَصب المَنْجَنِيق عَلَى مَكَّةَ:
خَطَّارَةٌ كالجَمَل الفَنِيق شَبَّه رَمْيَها بِخَطَرَانِ الجَمَل.
وَفِي حَدِيثِ سُجُودِ السَّهُو «حَتَّى يَخْطِر الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْمَرْءِ وقَلْبه» ، يُرِيدُ الوَسْوسة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَامَ نَبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُصَلِّي فَخَطَرَ خَطْرَةً، فَقَالَ المُنافِقون: إِنَّ لَهُ قَلْبَين» .
(هـ) وَفِيهِ «ألاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا» أَيْ لَا عِوَضَ لَهَا وَلَا مِثْلَ.
والْخَطَرُ بِالتَّحْرِيكِ فِي الْأَصْلِ: الرَّهْن وَمَا يُخَاطَرُ عَلَيْهِ. ومِثْلُ الشَّيْءِ، وعِدْلُه. وَلَا يُقَالُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ قَدْر ومَزِيَّة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ألاَ رَجُلٌ يُخَاطِرُ بنفْسه ومالِه» أي يُلْقِيهما في الهَلَكةِ بالجهاد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ فِي قِسْمة وادِي القُرى «فَكَانَ لِعُثْمَانَ مِنْهُ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ خَطَرٌ» أَيْ حَظٌّ ونَصِيبٌ.

(2/46)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّن «قَالَ يَوْمَ نَهاوَنْد: إِنَّ هَؤُلَاءِ- يَعْنِي المَجُوس- قَدْ أَخْطَرُوا لَكُمْ رِثَّةً ومَتاعاً، وأَخْطَرْتُمْ لَهُمُ الْإِسْلَامَ، فنافِحُوا عَنْ دِينكم» الرِّثَّة: رَدِيء الْمَتَاعِ. الْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرطوا لَكُمْ ذَلِكَ وَجَعَلُوهُ رَهْناً مِنْ جَانِبِهِمْ، وجَعلتم رَهْنَكُم دينَكم، أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يُعَرِّضوا للهَلاك إِلَّا مَتاعا يَهونُ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتُمْ عَرَّضْتم لَهُمْ أعظَم الْأَشْيَاءِ قَدْراً وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ أشارَ إِلَى عَمَّارٍ وَقَالَ: جُرُّوا لَهُ الْخَطِيرَ مَا انْجَرَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا جَرَّه لَكُمُ» الْخَطِيرُ: الحَبْل. وَقِيلَ زِمام الْبَعِيرِ. الْمَعْنَى اتَّبِعُوهُ مَا كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ مُتَّبَعٌ، وَتَوَقَّوْا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْضِعٌ. وَمِنْهُمْ مَن يَذْهَبُ بِهِ إِلَى إِخْطَارِ النفْس وإشْراطِها فِي الحَرْب:
أَيِ اصْبِرُوا لِعَمَّارٍ مَا صَبَرَ لَكُمْ.

(خَطْرَفَ)
فِي حَدِيثِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «وَإِنَّ الِانْدِلَاثَ والتَّخَطْرُفُ مِنَ الِانْقِحَامِ وَالتَّكَلُّفِ» تَخْطَرَفَ الشَّيْءَ إِذَا جاوَزَه وتَعّداه. وقَال الْجَوْهَرِيُّ: خَظْرَفَ الْبَعِيرُ فِي سَيْرِهِ- بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ- لغةٌ فِي خَذْرَفَ، إِذَا أسْرَع وَوَسَّعَ الخَطْو.

(خَطَطَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَم «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَطِّ، فَقَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وافَق خَطَّهُ عَلِمَ مِثْلَ عِلْمه» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَطُّ هُوَ الَّذِي يَخُطُّهُ الحازِي، وَهُوَ عِلْمٌ قَدْ تَركه النَّاسُ، يَأْتِي صاحبُ الحاجةِ إِلَى الحازِي فيُعْطِيه حُلْواناً، فيقولُ لَهُ اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ يَدَي الْحَازِي غُلام لَهُ مَعَهُ مِيلٌ، ثُمَّ يَأْتِي إِلَى أرضٍ رِخْوة فَيَخُطُّ فِيهَا خُطُوطاً كَثِيرَةً بالعَجَلة لِئَلَّا يَلْحَقَها العَدَدُ، ثُمَّ يَرْجع فيَمْحو مِنْهَا عَلَى مَهَل خَطَّين خَطَّين، وغُلامه يَقُولُ للتَّفاؤُل: اْبنَىْ عِيان أسْرِعا الْبَيَانَ، فَإِنْ بَقِيَ خَطَّان فَهُمَا علامةُ النُّجْح، وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ عَلَامَةُ الخَيْبة. وَقَالَ الحَرْبيُّ: الْخَطُّ هُوَ أَنْ يَخُطَّ ثَلَاثَةَ خُطُوطٌ، ثُمَّ يَضْرِبَ عَلَيْهِنَّ بِشَعِيرٍ أَوْ نَوًى وَيَقُولَ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْكِهَانَةِ. قُلْتُ: الخَطُّ المُشار إِلَيْهِ عِلْم مَعْرُوفٌ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ تصانِيفُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ إِلَى الْآنِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَوْضَاعٌ وَاصْطِلَاحٌ وأسامٍ وعَملٌ كَثِيرٌ، ويَسْتَخرِجون بِهِ الضمير وغيره، وكثيرا ما يصيبون فيه.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أُنيسٍ «ذَهب بِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ فدعا

(2/47)


بِطَعَامٍ قَلِيلٍ، فَجَعلْت أُخَطِّطُ ليَشْبَع رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ أَخُطُّ فِي الطعام أُرِيه أني آكل ولست بآكل.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَيْلة «أيُلام ابْنُ هَذِهِ أَنْ يَفْصِل الْخُطَّة» أَيْ إِذَا نَزَلَ بِهِ أمْرٌ مُشْكل فَصَلَهُ برَأيه. الْخُطَّةُ: الحالُ وَالْأَمْرُ والخَطْبُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ «لَا يَسألوني خُطَّة يُعَظِّمون فِيهَا حُرُماتِ اللَّهِ إِلَا أعْطَيتهم إيَّاها» .
وَفِي حَدِيثِهَا أَيْضًا «أَنَّهُ قَدْ عرضَ عَلَيْكُمْ خُطَّة رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا» أَيْ أَمْرًا وَاضِحًا فِي الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ ورَّث النِّسَاءَ خِطَطَهُنَّ دُونَ الرِّجَالِ» الخِطَطُ جَمْعُ خِطَّةٍ بِالْكَسْرِ، وَهِيَ الْأَرْضُ يَخْتَطُّها الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَلِّم عَلَيْهَا عَلَامَةً ويَخُطُّ عَلَيْهَا خَطّاً لِيُعْلم أَنَّهُ قَدِ احْتازَها، وَبِهَا سُمِّيت خِطَطُ الكُوفة والبَصرة. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعْطى نِساءً، مِنْهُنَّ أمُّ عَبْدٍ خِطَطاً يَسْكُنَّها بِالْمَدِينَةِ شِبْهَ الْقَطَائِعِ لَا حَظَّ للرِّجال فِيهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أمُّ زَرْع «وَأَخَذَ خَطِّيّاً» الْخَطِّيُّ بِالْفَتْحِ: الرُّمح الْمَنْسُوبُ إِلَى الخَطُّ، وَهُوَ سِيفُ البَحر عِنْدَ عُمان والبَحْرَين؛ لِأَنَّهَا تُحمل إليه وتُثَقَّف به.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُه أَوْ خَطِيطُهُ» الْخَطِيطُ قرِيب مِنَ الغَطِيطِ: وَهُوَ صَوْتُ النَّائِمِ. وَالْخَاءُ والغَينُ مُتقاربتان.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «خَطَّ اللَّهُ نَوْءَهاَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وفُسر أَنَّهُ مِنَ الْخَطِيطَة، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُمْطَر بَيْن أرْضَين ممْطُورَتَين.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «نَرْعى الْخَطَائِطَ ونَرِدُ المَطَائط» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صِفَة الْأَرْضِ الخَامِسة « [فِيهَا] «1» حَيَّاتٌ كسلاَسِل الرَّمْل، وكَالْخَطَائِطِ بَيْنَ الشقائِق» الْخَطَائِطُ: الطَّرَائِق، واحِدَتُها خَطِيطَةٌ.

(خَطَفَ)
فِيهِ «لَينْتَهِينَّ أقْوَام عَنْ رَفْعِ أبْصَارهم إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أبْصارُهم»
__________
(1) زيادة من ا

(2/48)


الخَطْف: اسْتلابُ الشَّيْءِ وأخْذه بسُرْعة، يُقَالُ خَطِفَ الشَّيْءَ يَخْطَفُهُ، واخْتَطَفَهُ يَخْتَطِفُهُ. وَيُقَالُ خَطَفَ يَخْطِفُ، وَهُوَ قَلِيلٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُحُد «إِنْ رَأيْتُمونا تَخْتَطِفُنَا الطَّيرُ فَلَا تَبْرَحوا» أَيْ تَسْتَلِبنا وتَطِيرُ بنَا، وَهُوَ مُبالغة فِي الهَلاَك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجِنِّ «يَخْتَطِفُونَ السَّمْعَ» أَيْ يَسْتَرِقُونَه ويَسْتَلِبُونه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نهَى عَنِ المُجثَّمَة والْخَطْفَة» يُرِيدُ مَا اخْتَطَفَ الذئبُ مِنْ أَعْضَاءِ الشَّاةِ وَهِيَ حيَّة؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّتٌ، وَالْمُرَادُ مَا يُقْطَع مِنْ أَطْرَافِ الشَّاة، وَذَلِكَ أَنَّهُ لمَّا قَدم المَدينةَ رَأَى النَّاسَ يَجُبُّون أسْنمة الْإِبِلِ وألَيَات الْغَنَمِ ويأكُلونها. والْخَطْفَةُ المَرَّة الواحدةُ مِنَ الخطْف، فسُمِّي بِهَا العُضْو المُخْتَطَف.
(س) وَفِي حَدِيثِ الرَّضَاعَةِ «لَا تُحَرِّمُ الخَطْفَةُ والْخَطْفَتَانِ» أَيِ الرَّضْعةُ القَلِيلة يأخذُها الصَّبِيُّ مِنَ الثَّدي بِسُرْعَةٍ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «فَإِذَا بَيْنَ يَديه صَحْفة فِيهَا خَطِيفَة ومِلْبَنَة» الخَطِيفَة:
لَبن يُطْبَخ بِدَقِيقٍ ويُخْتَطَفُ بالملاَعق بسُرعة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّ أمَّ سُليم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ عِنْدَهَا شَعير فجشَّتْه وجَعلته خَطِيفَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «نَفَقَتُك رِياءً وسُمعةً لِلْخَطَّافِ» هُوَ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ:
الشَّيْطَانُ لِأَنَّهُ يَخْطَفُ السَّمع. وَقِيلَ هُوَ بِضَمِّ الخَاء عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ خَاطِفٍ، أَوْ تَشْبيهاً بِالْخُطَّافِ، وَهُوَ الحَديدة الْمُعْوجّة كالكَلُّوب يُخْتَطَفُ بِهَا الشيءُ، وَيُجْمَعُ عَلَى خَطَاطِيفَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْقِيَامَةِ. «فِيهِ خَطَاطِيفُ وكَلاَلِيبُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لأنْ أكُونَ نَفَضْتُ يديَّ مِنْ قُبُورِ بَنيَّ أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يَقَع مِنِّي بَيضُ «1» الخُطَّاف فَيَنْكَسِر» الْخُطَّافُ: الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ ذلك شَفَقةً ورحمةً.
__________
(1) في الأصل واللسان « ... من أن يقع من بيض الخطاف ... » والمثبت من ا.

(2/49)


(خَطَلَ)
فِي خُطبة عَلِيٍّ «فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَل وزيَّن لَهُمُ الخَطَل» الْخَطَلُ: المَنْطقُ الْفَاسِدُ.
وَقَدْ خَطِلَ فِي كَلَامِهِ وأَخْطَلَ.

(خَطَمَ)
فِيهِ «تَخْرُجُ الدابَّة وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وخاتمُ سُليمان، فتُجَلَّى «1» وجْه الْمُؤْمِنِ بالعَصَا وتَخْطِمُ أنفَ الكَافِر بالخَاتَم» أَيْ تَسِمُه بِهَا، مِنْ خَطَمْتُ البَعير إِذَا كَوَيْتَه خَطَّا مِنَ الْأَنْفِ إِلَى أَحَدِ خدَّيه، وتُسمى تِلْكَ السِّمَةُ الْخِطَامَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «تَأْتِي الدَّابة المؤمنَ فَتُسَلّم عَلَيْهِ، وَتَأْتِي الْكَافِرَ فَتَخْطِمُهُ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ لَقيطٍ فِي قِيَامِ السَّاعَةِ والعَرْض عَلَى اللَّهِ «وأمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ بِمِثْلِ الحُمَمِ الأسْود» أَيْ تُصِيبُ خَطْمَهُ وَهُوَ أنْفُه، يَعْنِي تُصِيبه فَتَجْعَلُ لَهُ أَثَرًا مِثْلَ أَثَرِ الْخِطَام فَتَرُدُّهُ بِصُغْرٍ «2» . والحُمَمُ: الفَحْمُ.
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا» أَيْ وَضَع الْخِطَام فِي رَأْسِهَا وَأَلْقَاهُ إِلَيْهِ لِيَقُودَها بِهِ. خِطَامُ الْبَعِيرِ أَنْ يُؤْخذ حَبْل مِنْ لِيفٍ أَوْ شَعر أَوْ كَتَّان فيُجْعَل فِي أحَد طَرَفيه حَلْقة ثُمَّ يُشَدّ فِيهِ الطَّرف الْآخَرُ حَتَّى يَصِير كالحْلقة، ثُم يُقَاد البَعير، ثُمَّ يُثَنَّى عَلَى مَخْطِمِهِ. وَأَمَّا الَّذِي يُجْعل فِي الْأَنْفِ دَقِيقاً فَهُوَ الزِّمام.
وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ «يَبْعَث اللهُ مِنْ بَقِيعِ الغَرْقَد سَبْعينَ أَلْفًا هُم خِيَارُ مَنْ يَنْحَتُّ عَنْ خَطْمِهِ المَدَرُ» أَيْ تَنْشَق عَنْ وجْهِه الْأَرْضُ. وَأَصْلُ الْخَطْمِ فِي السِّبَاعِ: مَقَاديم أنُوفها وَأَفْوَاهِهَا، فاسْتَعَارها للنَّاس.
وَمِنْهُ قَصيد كَعْبِ بْنِ زُهَير:
كَأنَّ مَا فَاتَ عَيْنَيْها ومَذْبَحَهَا ... مِنْ خَطْمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْن بِرْطِيلُ
أَيْ أنْفَهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يُصَلي أحَدُكم وثَوبُه عَلَى أنْفِه فإنَّ ذَلِكَ خَطْمُ الشَّيْطَانِ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «لمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ عُمَرُ: لَا يُكَفَّن إلاَّ فِيمَا أوْصَى به،
__________
(1) في اللسان: فتحلى. وأشار مصححه إلى أنها في التهذيب: فتجلو.
(2) الصغر- بالضم- الذل والضيم.

(2/50)


فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ مَا وَضَعتَ الخُطُم عَلَى أُنُفِنا» أَيْ مَا ملَكْتَنَا بَعدُ فَتَنْهانا أَنْ نَصْنَع مَا نُرِيدُ.
والْخُطُمُ جَمْعُ خِطَامٍ، وَهُوَ الحَبْل الَّذِي يُقَاد بِهِ الْبَعِيرُ.
وَفِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ «مَا تَكَلَّمتُ بِكَلِمَة إِلَّا وأنا أَخْطِمُهَا» أي أربُطُها وأشدُّها، يُريد الاحْتِرازَ فِيمَا يَقُولُهُ، والاحتياطَ فِيمَا يَلفِظ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «خَبَأتُ لَكُمْ خَطْمَ شَاة» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ وَعَدَ رَجُلا أَنْ يَخْرُج إِلَيْهِ فأبطأ عليه، فاما خَرَج قَالَ: شَغَلني عَنْكَ خَطْمٌ» قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ الخَطْبُ الجَليل. وَكَأَنَّ الْمِيمَ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أمْرٌ خَطَمَهُ أَيْ مَنَعه مِنَ الخُرُوج.
وَفِيهِ «أنَّه كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُب، يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ وَلَا يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ» أَيْ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَفِي بِالْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الْخَطْمِي ويَنْوي بِهِ غُسْل الجَنَابة، وَلَا يَسْتَعمل بَعْدَهُ مَاءً آخَرَ يَخُص بِهِ الغُسْل.

(خَطَا)
فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «رَأَى رجُلا يَتَخَطَّى رقَابَ النَّاس» أَيْ يَخْطُو خُطْوَةً خُطْوَةً.
والْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ: بُعْد مَا بَيْنَ القَدَمين فِي المشْي، وَبِالْفَتْحِ المَرَّةُ «1» . وَجَمْعُ الْخُطْوَةِ فِي الكَثْرة خُطًا، وَفِي القلَّة خُطْوَات بِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ» وخُطُوَات الشَّيْطَانِ «2» .

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الظَّاءِ

(خَظَا)
فِي حَدِيثِ سَجَاح امْرَأَةِ مُسَيْلِمَةَ «خَاظِي البَضِيع» يُقَالُ خَظَا لحمُهُ يَخْظُو أَيِ اكتَنَز.
وَيُقَالُ لَحْمُهُ خَظًا بَظًا: أَيْ مُكْتَنِز، وَهُوَ فَعَلٌ، والبَضِيع: اللَّحْمُ.
__________
(1) وجمعها. خطوات بالتحريك، وخطاء بالكسر. كما في اللسان.
(2) كذا فى الأصل وا. والذي في اللسان: وقوله عز وجل وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قيل هي طرقة، أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليها.

(2/51)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْفَاءِ

(خَفَتَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَثَل المُؤْمن كمَثَل خَافِتِ الزَّرْعِ يَميل مَرَّةً ويَعْتَدل أُخْرَى» وَفِي رِوَايَةٍ «كَمَثَلِ خَافِتَةِ الزَّرْعِ» الْخَافِتُ: والْخَافِتَةُ مَا لاَنَ وَضَعُف مِنَ الزَّرْعِ الغَضّ، ولحُوق الْهَاءِ عَلَى تَأْوِيلِ السُّنْبُلة. وَمِنْهُ خَفَتَ الصَّوت إِذَا ضَعُفَ وسكَن. يَعْنِي أَنَّ المُؤْمِنَ مُرَزَّأٌ فِي نَفْسه وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، مَمْنُوٌّ بِالْأَحْدَاثِ فِي أَمْرِ دُنْياه. ويُروى كَمَثل خَامَة الزَّرع.
وَسَتَجِيءُ فِي بَابِهَا.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَوم المُؤْمن سُبات، وسمعُه خُفَاتٌ» أَيْ ضَعِيفٌ لَا حِسَّ لَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ «سَمْعُه خُفَاتٌ، وفَهْمُه تَارَاتٌ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «رُبَّما خَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَتِهِ، وَرُبَّمَا جَهَرَ» .
وَحَدِيثُهَا الْآخَرُ «أُنْزِلَتْ «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها»
فِي الدُّعاء» وَقِيلَ فِي القِراءة. والْخَفْتُ ضِدّ الجَهْر.
وَفِي حَدِيثِهَا الْآخَرِ «نَظَرَت إِلَى رجُل كَادَ يَموت تَخَافُتاً، فَقَالَتْ مَا لِهَذَا؟ فَقِيلَ إِنَّهُ مِنَ القُرَّاء» التَّخَافُتُ: تَكَلُّف الْخُفُوت، وَهُوَ الضَّعف والسُّكونُ وإظْهارُه مِنْ غَيْرِ صحَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مُخَافَتَة» هُوَ مُفَاعَلة مِنْهُ.

(خَفَجَ)
فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو «فَإِذَا هُوَ يَرى التُّيُوسَ تَنِبُّ عَلَى الْغَنَمِ خَافِجَةً» الخَفَجُ: السِّفَادُ. وَقَدْ يُسْتعمل فِي النَّاس. ويَحْتمل أَنْ يَكُونَ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الخَاء، وَهُوَ أَيْضًا ضرْب مِنَ المُباضَعَة.

(خَفَرَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ صَلَّى الغَدَاة فَإِنَّهُ فِي ذِمَّة اللَّهِ فَلَا تُخْفِرُنَّ اللَّهَ فِي ذِمَّتِه» خَفَرْت الرجُل: أجَرْته وحَفِظْته. وخَفَرْتُهُ إِذَا كُنْتَ لَهُ خَفِيراً، أَيْ حَامِياً وكفِيلاً. وتَخَفَّرت بِهِ إِذَا اسْتَجَرت بِهِ. والْخُفَارَةُ- بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ-: الذِّمَامُ. وأَخْفَرْتُ الرَّجُلَ، إِذَا نقضتَ عَهْدَهُ وذِمامه. وَالْهَمْزَةُ فِيهِ

(2/52)


لِلإزَالة: أَيْ أَزَلْتَ خِفَارَتَهُ، كأشْكَيته إِذَا أزلْتَ شِكَايَته، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «مَنْ ظَلَمَ أحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَد أَخْفَرَ اللَّهَ» وَفِي رِوَايَةٍ «ذمَّة اللَّهِ» .
(هـ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي خُفْرَةِ اللَّهِ» أَيْ فِي ذِمَّتِهِ.
(س) وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «الدُّموع خُفَرُ العُيون» الْخُفَرُ: جَمْعُ خُفْرَةٍ، وَهِيَ الذِّمَّةُ: أَيْ أَنَّ الدُّموع الَّتِي تّجْري خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تُجير العُيون مِنَ النَّارِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَيْنان لَا تَمَسُّهُما النَّارُ: عينٌ بكَت مِنْ خَشْية اللَّهِ تَعَالَى» .
(س) وَفِي حَدِيثِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ «حَيِيٌّ خَفِرٌ» أَيْ كَثِيرُ الحَياءِ. والخَفَرُ بِالْفَتْحِ: الْحَيَاءُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سلَمة لِعَائِشَةَ «غَضُّ الأطْراف وخَفَرَ الإعْراض» أَيِ الْحَيَاءُ مِنْ كُلِّ مَا يُكْره لَهُنَّ أَنْ ينظرْنَ إِلَيْهِ، فَأَضَافَتِ الْخَفَر إِلَى الإِعْرَاض: أَيِ الَّذِي تَسْتَعمله لِأَجْلِ الإعْرَاض.
وَيُرْوَى الْأَعْرَاضُ بِالْفَتْحِ: جَمْعُ العِرْض: أَيْ إِنَّهُنَّ يسْتَحْيِين ويَتَستَّرن لِأَجْلِ أعْرَاضِهِن وصَوْنها.

(خفش)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَأَنَّهُمْ مِعْزًى مَطِيرَة فِي خَفْشٍ» قَالَ الخطَّابي: إنَّما هُوَ الْخَفَشُ، مَصْدَر خَفِشَتْ عَينُه خَفَشاً إِذَا قَلَّ بَصرُها، وَهُوَ فسادٌ فِي الْعَيْنِ يَضْعفُ مِنْهُ نورُها، وتَغْمَصُ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ وَجَع: تَعْني أَنَّهُمْ فِي عَمًى وحَيْرَة، أَوْ فِي ظُلْمة لَيْلٍ. وَضَرَبَت المِعْزَى مَثَلاً لِأَنَّهَا مِنْ أضْعف الغَنَم فِي الْمَطَرِ والبرْد.
وَمِنْهُ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ «قاتَلكَ اللَّهُ أُخَيْفِش العَينَين» هُوَ تَصْغِيرُ الْأَخْفَشِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(خَفَضَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الخَافِضُ» هُوَ الَّذِي يَخْفِضُ الجبَّارِين والفَرَاعِنة: أَيْ يَضَعُهُم ويُهِينُهم، ويَخْفِضُ كلَّ شَيْءٍ يُرِيدُ خَفْضَهُ. والخَفْضُ ضِدُّ الرَّفع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ اللَّهَ يَخْفِضُ القِسط ويَرْفُعه» القِسْط: العَدْل يُنْزِله إِلَى الْأَرْضِ مرَّة وَيَرْفَعُهُ أخْرَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجّال «فَرَفَّعَ فِيهِ وخَفَّضَ» أَيْ عظَّم فِتْنَته ورفَعَ قدْرَها، ثُمَّ وهَّن أمْرَه وقدْرَه وَهَوَّنَه. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ رفَع صوتَه وخَفَضه فِي اقْتِصاص أمْره.

(2/53)


وَمِنْهُ حَدِيثُ وفْدِ تَمِيم «فَلَمَّا دَخَلوا المَدينة بهَشَ إِلَيْهِمُ النِّسَاء والصّبْيانُ يَبْكُون فِي وُجُوهِهِمْ فَأَخْفَضَهُمْ ذَلِكَ» أَيْ وَضَع مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو مُوسَى: أظُنُّ الصَّواب بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ:
أَيْ أغْضبهم.
وَفِي حَدِيثِ الإفْكِ «وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ» أَيْ يُسكِّنهم ويُهَوِّن عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ، مِن الخَفْضِ: الدَّعة والسُّكون.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ لِعَائِشَةَ فِي شَأْنِ الإفكِ: «خَفِّضِي عليكِ» أَيْ هَوِّني الأمْرَ عليكِ وَلَا تَحْزَني لَهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «إِذَا خَفَضْتِ فأشِمِّي» الخَفْضُ لِلنِّسَاءِ كالختان للرّجال. وقد يقال للخائن خَافِضٌ، وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ.

(خَفَفَ)
فِيهِ «إِنَّ بَيْنَ أيْدينا عقَبةً كَؤُوداً لَا يجُوزها إِلَّا المُخِفُّ» يُقَالُ أَخَفَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مُخِفٌّ وخِفٌّ وخَفِيفٌ، إِذَا خَفَّت حَالُهُ ودابَّته، وَإِذَا كَانَ قَلِيلَ الثَّقَل، يُرِيدُ بِهِ الْمُخِفَّ مِنَ الذُّنوب وَأَسْبَابِ الدُّنْيَا وعُلَقها.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «نَجَا المُخِفُّونَ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ، لمَّا اسْتَخْلفه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوة تَبُوك، قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ يزعُم المُنَافِقُون أَنَّكَ اسْتَثْقَلْتَنى وتَخَفَّفْتَ منِّي» أَيْ طَلَبْتَ الخِفَّةَ بِتَرْكِ اسْتِصْحابي مَعَكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ كَانَ خَفِيفَ ذَاتِ اليَدِ» أَيْ فَقِيراً قَلِيلَ الْمَالِ والحَظّ من الدنيا. ويُجمع الْخَفِيفُ على أَخْفَافٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خَرج شُبَّان أَصْحَابِهِ وأَخْفَافُهُمْ حُسَّرا» وهُم الَّذِينَ لَا مَتَاع مَعَهُمْ وَلَا سِلاح. وَيُرْوَى خِفَافهم وأَخِفَّاؤُهُمْ، وَهُمَا جمعُ خَفِيفٍ أَيْضًا.
وَفِي حَدِيثِ خُطْبَته فِي مَرَضه «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قدْ دَنَا مِنِّي خُفُوفٌ مِنْ بَيْنِ أظهرُكم» أَيْ حَركةٌ وقُرب ارْتحاَل. يُريد الْإِنْذَارَ بموته صلى الله عليه وسلم.

(2/54)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَر «قَدْ كَانَ مِنِّي خُفُوفٌ» أَيْ عَجَلَةٌ وسُرعةُ سَيْر.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمَّا ذُكِر لَهُ قَتْل أَبِي جَهْلٍ اسْتَخَفَّهُ الفَرَح» أَيْ تَحرّك لِذَلِكَ وخَفَّ. وَأَصْلُهُ السُّرعة.
[هـ] وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ لبَعْض جُلَسَائِهِ «لَا تَغْتَابَنَّ عِندي الرَّعيّةَ فَإِنَّهُ لَا يُخِفُّنِي» أَيْ لَا يَحمِلني عَلَى الْخِفَّةِ فأغْضَبَ لِذَلِكَ.
وَفِيهِ «كَانَ إِذَا بَعَث الخُرَّاصَ قَالَ خَفِّفُوا الخَرْصَ، فَإِنَّ فِي الْمَالِ العَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ» أَيْ لَا تَسْتَقْصُوا عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يُطْعِمُون مِنْهَا ويُوصُون.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «خَفِّفُوا عَلَى الْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَةٍ «خِفُّوا» أَيْ لَا تُرْسِلوا أَنْفُسَكُم فِي السُّجود إرْسَالا ثَقِيلاً فَيُؤَثِّرَ فِي جِبَاهكم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «إِذَا سَجَدْتَ فَتَخَافَّ» أَيْ ضَعْ جَبْهتك عَلَى الْأَرْضِ وضْعاً خَفِيفاً.
ويُروى بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِيهِ «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْل أَوْ حَافِر» أَرَادَ بالخُفِّ الإبلَ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضافٍ: أَيْ فِي ذِي خُفٍّ وَذِي نَصْل وَذِي حَافر. والخُفُّ لِلْبَعِيرِ كَالْحَافِرِ للفَرس.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «نَهى عَنْ حَمْيِ الأرَاك إلاَّ مَا لَمْ تَنَلْه أَخْفَافُ الْإِبِلِ» أَيْ مَا لَمْ تَبْلُغه أفواهُها بمَشْيها إِلَيْهِ. قَالَ الأصمعيُّ: الخُفُّ: الْجَمَلُ المُسِن، وَجَمْعُهُ أَخْفَافٌ: أَيْ مَا قَرُبَ مِنَ المَرْعَى لَا يُحْمَى، بَلْ يُتْرَك لمَسَانّ الْإِبِلِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الضِّعاف الَّتِي لَا تَقْوَى عَلَى الإمْعان فِي طَلَبِ المَرْعَى.
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «غَلِيظَةُ الْخُفُّ» اسْتَعار خُفَّ الْبَعِيرِ لقَدَم الْإِنْسَانِ مَجَازًا.

(خَفَقَ)
(هـ) فِيهِ «أيُّما سَرِيّةٍ غَزَت فَأَخْفَقت كَانَ لَهَا أجْرُها مَرَّتَين» الْإِخْفَاقُ:
أَنْ يَغْزُوَ فَلَا يَغْنَم شَيْئًا، وَكَذَلِكَ كلُّ طَالِبِ حَاجَةٍ إِذَا لَمْ تُقْضَ لَهُ. وَأَصْلُهُ مِنَ الخَفْقِ: التحرُّكِ:
أَيْ صادَفَت الغنيمةَ خَافِقَةً غَيْرَ ثابتةٍ مُسْتَقِرة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ وإدْبار مِنَ الْعِلْمِ» أَيْ فِي حالِ

(2/55)


ضَعْف مِنَ الدِّينِ وقِلَّةِ أَهْلِهِ، مِنْ خَفَقَ اللَّيْلُ إِذَا ذَهَب أَكْثَره، أَوْ خَفَقَ إِذَا اضْطَرَب، أَوْ خَفَقَ إِذَا نَعَس. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ جَابِرٍ. وَذَكَرَهُ الخَطّابي عَنْ حُذَيفة بْنِ أُسَيْدٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانُوا يَنْتَظِرُونَ العشاء حتى تَخْفِقَ رؤوسهم» أَيْ يَنَامُونَ حَتَّى تَسْقُطَ أَذْقَانُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ. وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْخُفُوقِ: الِاضْطِرَابِ.
وَفِي حَدِيثِ مُنكر ونَكير «إِنَّهُ لَيَسْمَع خَفْقَ نِعالِهم حِينَ يُوَلّون عَنْهُ» يَعْنِي المَيّت:
أَيْ يَسْمع صوتَ نِعالِهم عَلَى الْأَرْضِ إِذَا مَشَوْا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فَضَرَبَهما بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَباَتٍ وفَرَّق بَيْنَهُمَا» الْمِخْفَقَةُ: الدِّرَّة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُبيدة السَّلْماني «سُئل مَا يُوجب الغُسْل؟ قَالَ: الخَفْقُ والخِلاط» الْخَفْقُ:
تَغْييبُ القَضِيب فِي الفَرْج، مِنْ خَفَقَ النجمُ وأَخْفَقَ إِذَا انحَطَّ فِي المَغْرب. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْخَفْق: الضَّرب.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْكِبَا إسرافِيلَ يَحُكَّان الْخَافِقَيْنِ» هُمَا طَرَفَا السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقِيلَ المَغْرب وَالْمَشْرِقُ. وخَوَافِق السَّمَاءِ: الجِهاتُ الَّتِي تَخْرُج مِنْهَا الرِّياح الْأَرْبَعُ.

(خَفَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ سَأَلّ عَنِ البَرْق فَقَالَ: أخَفْواً أمْ وَمِيضاً» خَفَا البَرْق يَخْفُو ويَخْفِي خَفْواً وخَفْياً إِذَا بَرَق بَرْقاً ضَعِيفًا.
(هـ) وَفِيهِ «مَا لَمْ تَصْطَبِحوا أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَخْتَفُوا بَقْلاً» أَيْ تُظْهِرُونه. يُقَالُ اخْتَفَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا أظهرتَه «1» ، وأَخْفَيْتُهُ إِذَا ستَرْتَه. وَيُرْوَى بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي صَوْته بِآمِينَ» رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ خَفَى يَخْفِي إِذَا أظْهَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها»
فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ الحَزاءة تَشْتَريها أكايسُ النِّسَاءِ لِلْخَافِيَةِ والإقْلات» الْخَافِيَةُ: الْجِنُّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لاسْتِتارهم عَنِ الْأَبْصَارِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُحْدِثوا فِي القَرَع فإِنه مُصَلَّى الْخَافِين» أَيِ الْجِنِّ. والقَرَع بِالتَّحْرِيكِ:
قِطَعٌ مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ الكَلأ لَا نَبات فِيهَا.
__________
(1) في الدر النثير: «عبارة ابن الجوزي في قولك اختفيت الشيء أي استخرجته» . ومثله في اللسان

(2/56)


(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخْتَفِي والْمُخْتَفِيَةَ» الْمُخْتَفِي: النَّبّاش عِنْدَ أَهْلِ الحِجاز، وَهُوَ مِنَ الِاخْتِفَاءُ: الِاسْتِخْرَاجِ، أَوْ مِنَ الاسْتِتار؛ لِأَنَّهُ يَسْرِقُ فِي خُفْيَةٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنِ اخْتَفَى مَيِّتًا فَكَأَنَّمَا قَتَله» .
(س) وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ رَباح «السُّنَّة أَنْ تُقْطَع اليَدُ الْمُسَتَخْفِيَةُ وَلَا تُقْطَع اليَدُ المُسْتَعْلية» يُرِيدُ بِالْمُسْتَخْفِيَةِ يَدَ السَّارِقِ وَالنَّبَّاشِ، وبالمُسْتَعْلية يدَ الْغَاصِبِ وَالنَّاهِبِ ومَن فِي مَعْنَاهُمَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «سَقَطْتُ كَأَنِّي خِفَاء» الْخِفَاء: الكِساء، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّيت بِهِ شَيْئًا فَهُوَ خِفَاءٌ.
وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقيَّ الغّنيَّ الْخَفِيَّ» هُوَ المُعْتَزِلُ عَنِ النَّاسِ الَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِمْ مَكَانُهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْهِجْرَةِ «أَخْفِ عنَّا» أَيِ استُر الخَبر لِمَنْ سَأَلَكَ عنَّا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خَيْرُ الذِّكر الْخَفِيُّ» أَيْ مَا أَخْفَاهُ الذاكِر وسَتَره عَنِ النَّاسِ. قَالَ الحَرْبي: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ الشُّهرة وانْتِشارُ خَبَرِ الرجُل؛ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وقَّاص أَجَابَ ابنَه عُمر عَلَى مَا أرادَه عَلَيْهِ ودَعاه إِلَيْهِ مِنَ الظُّهور وطَلَب الخلافةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «إنَّ مدينةَ قَوم لُوطٍ حَمَلها جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى خَوَافِي جَناحه» هِيَ الريشُ الصِّغار الَّتِي فِي جَناح الطَّائِرِ، ضِدُّ القَوادم، واحداتُها خَافِيَةٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ «وَمَعِي خَنْجَرٌ مِثلُ خَافِيَةِ النَّسر» يُريد أَنَّهُ صَغِيرٌ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْقَافِ

(خَقَقَ)
(هـ) فِيهِ «فَوَقَصَت بِهِ ناقتُه فِي أَخَاقِيق جُرْذان فماتَ» الْأَخَاقِيقُ: شُقوق فِي الْأَرْضِ كالأخادِيد، واحدُها أُخْقُوقٌ. يُقَالُ خَقَّ فِي الْأَرْضِ وخَدّ بِمَعْنًى. وَقِيلَ إِنَّمَا هِيَ لخَاقِيقُ، وَاحِدُهَا لُخْقُوق، وصحَّحَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَوَّلَ وَأَثْبَتَهُ.

(2/57)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «كتَب إِلَى الحجَّاج: أَمَّا بعدُ فَلَا تَدَعْ خَقًّا مِنَ الْأَرْضِ وَلَا لَقًّا إلاَّ زَرَعْتَه» الخَقُّ: الجُحْرُ، واللَّقُّ بِالْفَتْحِ: الصَّدْع.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ اللَّامِ

(خَلَأَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ بركَت بِهِ راحِلَتُه فَقَالُوا خَلَأَتِ القَصْواء، فَقَالَ مَا خَلَأَت القَصْواء، وَمَا ذَاكَ لَهَا بخُلُق، وَلَكِنْ حبَسَها حابِسُ الفِيل» الخِلَاءُ للنُّوق كالإِلْحاح لِلْجِمَالِ، والحِران لِلدَّوَابِّ. يُقَالُ: خَلَأَت النَّاقَةُ، وأَلَحّ الْجَمَلُ، وحَرَنَ الفَرس.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ فِي الأُلْفة والرِّفاءِ، لَا فِي الفُرْقة والْخِلَاء» الْخِلَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: المباعَدة والمُجانبة.

(خَلَبَ)
(هـ) فِيهِ «أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُب، فَنَزَلَ إِلَيْهِ وَقَعَدَ عَلَى كُرسي خُلْبٍ قَوَائِمُهُ مِنْ حَدِيدٍ» الْخُلْب: اللِّيف، واحدتُه خُلْبَةٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أحْمَر مَخْطوم بِخُلْبَةٍ» وَقَدْ يُسَمَّى الحَبل نفسُه خُلْبَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بليفٍ خُلْبَة» عَلَى البَدَل.
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ لَهُ وِسَادَةٌ حَشْوُها خُلْب» وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «اللَّهُمَّ سُقْيا غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقها» أَيْ خالٍ عَنِ المَطر. الْخُلَّب:
السَّحاب يُومِض بَرْقُه حَتَّى يَرْجى مَطَرُه، ثُمَّ يُخْلِف ويُقْلِع ويَنْقَشع، وَكَأَنَّهُ مِنَ الخِلَابَة وَهِيَ الخِداع بِالْقَوْلِ اللَّطِيفِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ أسْرَع مِنْ بَرْق الْخُلَّب» إِنَّمَا خَصَّه بالسُّرعة لخفَّتِه بخُلُوّه مِنَ الْمَطَرِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا بِعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» أَيْ لَا خِدَاعَ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ «فَقُلْ لَا خِيَابَةَ» بِالْيَاءِ، وَكَأَنَّهَا لُثْغَةٌ مِنَ الرَّاوِي أبْدَل اللَّامَ يَاءً.

(2/58)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ بَيْع المُحَفَّلات خِلَابَةٌ، وَلَا تحلَّ خِلَابَةُ مُسْلِمٍ» والمُحَفَّلات: الَّتِي جُمِع لَبَنُهَا فِي ضَرْعها.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «1» «إِذَا لَمْ تْغلِب فَاخْلُبْ» أَيْ إِذَا أَعْيَاكَ الْأَمْرُ مُغالبةً فاطْلُبْه مُخَادَعَةً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنْ كَانَ خَلَبَهَا» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَهْفة «ونَسْتَخْلِب الخَبير» أَيْ نَحْصُده ونَقْطَعُه بِالْمِخْلَبِ، وَهُوَ المِنْجَل، وَالْخَبِيرُ: النَّبات.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ حاجَّه عُمَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ» فَقَالَ عُمر: حامِية، فَأَنْشَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ لتُبَّع:
فَرأى مَغَار الشَّمسْ عِنْد غُروبِها ... فِي عَيْن ذِي خُلُبٍ وثَأطٍ حَرْمَد
الْخُلُب: الطِّينُ اللّزجُ والحَمْأة.

(خَلَجَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فجهر فيها بالقرَاءة وجَهَر خَلْفَه قارِىء، فَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضهم خَالَجَنِيهَا» أَيْ نَازَعَنِيهَا. وَأَصْلُ الخَلْجِ: الْجَذْبُ والنَّزْع.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ليَرِدَنّ عَلَيَّ الحَوْضَ أقْوام ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُوني» أي يُجْتَذبُون ويُقْتَطعُون.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَخْتَلِجُونَهُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ» أَيْ يَجْتَذِبُونه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمَّارٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ «فَاخْتَلجهَا مِنْ جُحْرها» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذِكْرِ الْحَيَاةِ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعل الْمَوْتَ خَالِجاً لأشْطَانِها» أَيْ مُسرِعاً فِي أخْذِ حِبالها.
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «تَنَكَّب الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَح السَّبيل» أَيِ الطُّرق المُتَشَعِّبةَ عَنِ الطَّريق الأعْظم الوَاضِح.
__________
(1) هو في الهروي واللسان والتاج مثل. قال في اللسان: «ويروى فأخلب بالكسر. ومعناه على الضم: اخدع. وعلى الكسر: انتش قليلا شيئا يسيرا بعد شيء، كأنه أخذ من مخلب الجارحة» .

(2/59)


وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «حَتَّى تَرَوْه يَخْلِجُ فِي قَوْمِهِ أَوْ يَحْلِج» أَيْ يُسْرع فِي حَبّهم. يُرْوَى بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ. وَقَدْ تقدَم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فحنَّتِ الخَشَبة حَنِين النَّاقة الْخَلُوج» هِيَ الَّتِي اخْتُلِجَ ولدُها:
أَيِ انْتزِع مِنْهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَز «إِذَا كَانَ الرجُل مُخْتَلِجاً فسَرَّك أَنْ لَا تكْذِب فانْسُبْه إِلَى أمِّه» : يُقَالُ رَجُلٌ مُخْتَلِجٌ إِذَا نُوزع فِي نَسَبه، كَأَنَّهُ جُذب مِنْهُمْ وانْتُزِع. وَقَوْلُهُ فانْسُبْه إِلَى أمِّه يُريد إِلَى رَهْطها وعشِيرتها، لاَ إِلَيْهَا نَفْسها.
وَفِي حَدِيثِ عَدي قَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَخْتَلِجنّ فِي صَدْرِكَ طَعَام» أَيْ لَا يَتَحرّك فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الرِّيبة وَالشَّكِّ. ويُروى بِالْحَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وأصْل الِاخْتِلَاجِ:
الحرَكة والاضْطراب.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وسُئِلَت عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ: «إِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فدَعْه» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا اخْتَلَجَ عرْق إِلَّا ويُكَفّر اللَّهُ بِهِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «إِنَّ الْحَكَم بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أمَيَّة أباَ مَرْوَانَ كَانَ يَجْلس خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا تَكَلَّمَ اخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ، فَرَآهُ فَقَالَ لَهُ: كُنْ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ» أَيْ كَانَ يُحَرّك شفَتَيه وذَقَنَه اسْتهزاءً وحِكايةً لفعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبقِيَ يَرْتَعِد ويَضْطَرِب إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَفِي رِوَايَةٍ «فضُرِب بِهِ شَهْرَين، ثُمَّ أَفَاقَ خَلِيجاً» أَيْ صُرِع ثُمَّ أَفَاقَ مُخْتَلِجاً قَدْ أُخذ لَحْمُه وقُوّتُه. وَقِيلَ مُرْتَعِشاً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ شُرَيح «إِنَّ نِسْوة شَهدْن عِنْدَهُ عَلَى صَبيٍّ وقَع حَيًّا يَتَخَلَّجُ» أَيْ يَتَحَرّك.
(هـ) وَحَدِيثُ الْحَسَنِ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي مِشْيَةً أنْكَرَها، فَقَالَ: تَخَلَّجَ فِي مشْيَته خَلَجَانَ المجْنُون» الخَلَجَانُ بالتَّحريك: مصدر، كالنَّزَوان.

(2/60)


(س) وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «إِنَّ فُلَانًا سَاقَ خَلِيجاً» الْخَلِيجُ: نَهْر يُقْتَطَع مِنَ النَّهر الأعْظَم إِلَى موضع يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ.

(خَلَدَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَذُمّ الدُّنيا «مَن دَانَ لهَا وأَخْلَدَ إِلَيْهَا» أَيْ رَكَن إِلَيْهَا ولَزمها.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ» .

(خَلَسَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ الْخَلِيسَةِ» وَهِيَ مَا يُسْتَخْلَص مِنَ السَّبُع فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُذكَّى، منْ خَلَسْتُ الشَّيْءَ واخْتَلَسْتُهُ إِذَا سَلَبْتُه، وَهِيَ فَعيلة بِمَعْنَى مَفْعُوِلَةٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَيْسَ فِي النُّهْبة وَلَا فِي الْخَلِيسَةِ قَطْعٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا فِي الْخُلْسَة» أَيْ مَا يُؤْخَذُ سَلْبا ومُكابَرة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ مَرَضاً حابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً» أَيْ يَخْتَلِسُكُمْ عَلَى غَفْلة.
(هـ) وَفِيهِ «سرْ حَتَّى تَأْتِيَ فَتَياتٍ قُعْساً وَرِجَالًا طُلْساً، ونِسَاءً خُلْساً» الْخُلْسُ:
السُّمْر، وَمِنْهُ «صَبيٌّ خِلَاسِيٌّ» ، إِذَا كَانَ بَيْنَ أبْيَض وأسْوَد «1» يُقَالُ خَلَسَتْ لِحْيَتُه إِذَا شَمِطَتْ.

(خَلَصَ)
فِيهِ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ هِيَ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ» سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا خَالِصَةٌ فِي صِفة اللَّهِ تَعَالَى خاصَّة، أَوْ لِأَنَّ الَّلافظ بِهَا قَدْ أَخْلَصَ التَّوحيد لِلَّهِ تَعَالَى.
وَفِيهِ «أَنَّهُ ذَكر يَوْمَ الخَلَاصِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَوْمُ الخَلَاصِ؟ قَالَ يَوْم يَخْرُج إِلَى الدَّجَّال مِنَ الْمَدِينَةِ كُلُّ مُنافق ومُنافقة، فيتمَيَّز الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ ويَخْلُصُ بَعْضُهم مِنْ بَعْضٍ» .
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فَلْيَخْلُصْ هُوَ ووَلَدُهُ ليتَميَّز مِنَ النَّاسِ» .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا»
أَيْ تَمَيَّزوا عَنِ النَّاسِ مُتَنَاجِين.
وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «فَلَمَّا خَلَصْتُ بِمُسْتَوًى» أَيْ وصَلْت وبَلَغْتُ. يُقَالُ خَلَصَ فُلان إِلَى فُلان: أَيْ وَصَلَ إليه. وخَلَصَ أيضاً إذا سلم ونجا «2» .
__________
(1) كذا فى الأصل وا، ولو قال: « ... إذا كان بين أبوين أبيض وأسود» - كما عبر القاموس- لكان أبين. وعبارة اللسان: الخلاسي: الولد بين أبيض وسوداء، أو بين أسود وبيضاء» .
(2) في الأصل: «ونجا منه» . وقد أسقطنا «منه» حيث لم ترد في اواللسان والدر النثير:

(2/61)


وَمِنْهُ حَدِيثُ هِرَقْل «إِنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ بالْمَعْنَيَين.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ قضَى فِي حُكُومة بِالْخَلَاصِ» أَيِ الرُّجُوعِ بالثَّمن عَلَى الْبَائِعِ إِذَا كَانَتِ العَيْن مُسْتَحَقَّة وَقَدْ قَبَض ثمَنها: أَيْ قَضَى بمَا يُتَخَلَّصُ بِهِ مِنَ الخُصومة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيْح «أَنَّهُ قَضى فِي قَوْس كسرَهَا رجُل بِالْخَلَاصِ» .
وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «أَنَّهُ كاتَب أهْلَه عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقيَّةَ خِلَاص» .
الْخِلَاصُ بالكَسْر: مَا أَخْلَصَتْهُ النَّار مِنَ الذَّهَب وغَيْره، وَكَذَلِكَ الْخُلَاصَةُ بالضَّم.
(هـ) وَفِيهِ «لَا تَقُوم السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ» هُوَ بَيْتٌ كَانَ فِيهِ صَنَم لَدوْس وخَثْعم وبَجيلَة وغَيْرهم. وَقِيلَ ذُو الْخَلَصَةِ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الَّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ، فأنْفذَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَخَرَّبَهَا. وَقِيلَ ذُو الْخَلَصَةِ:
اسْم الصَّنم نَفْسِه، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ ذُو لَا يُضاف إلاَّ إِلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرْتدُّون ويَعُودُون إِلَى جاهليَّتهم فِي عِبادة الْأَوْثَانِ، فَيَسْعَى نِساء بَني دَوْس طائفاتٍ حَوْل ذِي الْخَلَصَةِ، فَترْتج أعْجازُهُنّ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.

(خَلَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «لَا خِلَاط ولاَ وِرَاط» الْخِلَاطُ مَصْدَر خَالَطَهُ يُخَالِطُهُ مُخَالَطَةً وخِلَاطاً. وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخْلِطَ الرَّجُلُ إِبِلَهُ بِإِبِلِ غَيْرِهِ، أَوْ بَقَره أَوْ غَنَمة ليمْنَع حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا ويَبْخَسَ المُصَدِّقَ فِيمَا يَجب لَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَا يُجْمَع بَيْنَ مُتَفَرّق وَلَا يُفَرّق بَيْنَ مُجْتَمع خَشْيَة الصَّدَقَةِ» أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ المُتَفَرِّق فَهُوَ الخِلَاطُ. وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مَثَلًا، وَيَكُونُ لكُلّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَقَدْ وجَب عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ، فَإِذَا أظَلَّهُم المُصَدّق جَمَعُوهَا لِئَلَّا يكُون عَلَيْهِمْ فِيهَا إلاَّ شَاة وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ المُجْتَمع فَأَنْ يَكُونَ اثْنان شريكان، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِي مَالَيْهما ثلاثُ شيَاه، فَإِذَا أظَلَّهُما المُصَدّق فَرَّقَا غَنَمهما، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الخطَاب فِي هَذَا لِلْمُصَدِّقِ وَلِرَبِّ الْمَالِ.
قَالَ: والخَشْيَة خَشْيَتان: خَشْيَة السَّاعي أَنْ تَقِلَّ الصَّدقة، وخَشْية رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقِلَّ مالُه، فأمَر كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لَا يُحْدِث فِي الْمَالِ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ والتَّفريق. هَذَا عَلَى مذهب الشافعى، إذا الْخُلْطَةُ مُؤَثِّرَةٌ عِنْدَهُ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا أثَر لَهَا عِنْدَهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَفْي الْخِلَاطِ

(2/62)


لِنفْي الْأَثَرِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ فِي تَقليل الزَّكَاةِ وَتَكْثِيرِهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ أَيْضًا «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بالسَّويَّة» الْخَلِيطُ: الْمُخَالِطُ، وَيُرِيدُ بِهِ الشَّرِيكَ الَّذِي يَخْلِطُ مَالَهُ بِمَالِ شَرِيكِهِ. والتراجُعُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ لأحدِهما مَثلا أَرْبَعُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً، وَمَالُهُمَا مُخْتَلِطٌ، فَيَأْخُذُ السَّاعِي عَنِ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَعَنِ الثَلَاثِينَ تَبِيعًا، فَيَرْجِعُ بَاذِلُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا عَلَى شَرِيكِهِ، وباذِل التَّبيع بِأَرْبَعَةِ أسْباعه عَلَى شَرِيكِهِ، لِأَنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنَ السِّنَّين واجبٌ عَلَى الشُّيُوعِ، كَأَنَّ الْمَالَ مِلْكُ وَاحِدٍ. وَفِي قَوْلِهِ بِالسَّوِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا فَأَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يرجِع بِهَا عَلَى شَرِيكه، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْوَاجِبِ دُون الزِّيَادَةِ. وَفِي التَّرَاجُعِ دليلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ مَعَ تَمْيِيزِ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ مَن يَقُولُ بِهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّبِيذ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَلِيطَيْنِ أَنْ يُنْبَذا» يُرِيدُ مَا يُنْبَذُ مِنَ البُسر والتَّمر مَعًا، أَوْ مِنَ العِنَب والزَّبيب، أَوْ مِنَ الزَّبيب وَالتَّمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُنْبَذ مُخْتَلِطاً. وَإِنَّمَا نَهى عَنْهُ لِأَنَّ الأنْواع إِذَا اختَلَفت فِي الانْتبَاذِ كَانَتْ أسْرَع لِلشِّدَّةِ والتَّخْمِير.
والنَّبيذُ المعمولُ مِنْ خَلِيطَيْنِ، ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْريمه وَإِنْ لَمْ يُسْكِر أخْذاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وعامَّة المُحَدِّثين قَالُوا: مَنْ شَرِبه قَبْلَ حُدوث الشَّدة فِيهِ فَهُوَ آثِمٌ مِنْ جهةٍ واحدةٍ، ومَن شَرِبه بَعْدَ حُدوثها فَهُوَ آثِمٌ مِنْ جِهَتَين: شُرْبِ الْخَلِيطَيْنِ وشُرْبِ المُسْكِر. وَغَيْرُهُمْ رخَّص فِيهِ وعَلَّلوا التحريم بالإسكار.
(س) وَفِيهِ «مَا خَالَطَت الصَّدقة مَالًا إِلَّا هَلَكته» قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي أَنَّ خِيانة الصَّدقة تُتْلف الْمَالَ الْمَخْلُوطُ بِهَا. وَقِيلَ هُوَ تَحْذِير للعُمال عَنِ الْخِيَانَةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَقِيلَ هُوَ حَثٌ عَلَى تَعْجِيلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الشُّفْعة «الشَّرِيك أَوْلَى مِنَ الْخَلِيطِ، والخَلِيطُ أَوْلَى مِنَ الجارِ» الشَّرِيكُ:
المُشارِكُ فِي الشُّيوع، والخَلِيطُ: المُشارك فِي حُقوق المِلْكِ كالشِّرْب والطَّريق وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الوَسْوَسة «رَجَع الشَّيْطَانُ يَلْتمِسُ الخِلَاط» أَيْ يُخَالِطُ قَلْب المُصَلي بِالْوَسْوَسَةِ.

(2/63)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبَيْدَةَ «وَسُئِلَ مَا يُوجب الغُسل؟ قَالَ: الخَفْق والخِلَاطُ» أَيِ الجماعُ، مِنَ الْمُخَالَطَةِ.
(س) وَمِنْهُ خُطْبَةُ الْحَجَّاجِ «لَيْسَ أَوَانٌ يَكْثُر الْخِلَاطُ» يَعْنِي السِّفاد.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَقَدَّمَا إِلَيْهِ فَادَّعَى أحدُهما عَلَى صَاحِبِهِ مَالًا، وَكَانَ المُدَّعي حُوَّلاً قُلَّبا مِخْلَطاً مِزْيَلاً» الْمِخْلَطُ بِالْكَسْرِ الَّذِي يَخْلِطُ الْأَشْيَاءَ فيُلْبِسُها عَلَى السَّامِعِينَ وَالنَّاظِرِينَ.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «وَإِنْ كان أحدُنا لَيَضَع كما تَضَع الشاة، ماله خِلْطٌ» أَيْ لَا يَخْتَلِطُ نَجْوُهُم بعضُه بِبَعْضٍ لِجَفَافِهِ ويُبْسِه، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ خُبْز الشَّعِيرِ وَوَرَقَ الشَّجَرِ لفَقْرِهم وحاجتِهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُرْزَقُ تمْر الجَمْع عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم» وهو الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ: أَيِ الْمُخْتَلِطُ مِنْ أَنْوَاعٍ شِتَّى.
وَفِي حَدِيثِ شُرَيح «جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقت امْرَأَتِي ثَلَاثًا وَهِيَ حائضٌ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَخْلِطُ حَلَالًا بِحَرَامٍ» أَيْ لا أحْتَسِب بالحيْضة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطلاقُ مِنَ العِدّة، لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَلَالًا فِي بَعْضِ أَيَّامِ الحْيضة وحراما في بعضِها.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ يَصِفُ الأبْرَارَ «وَظَنَّ الناسُ أَنْ قَدْ خُولِطُوا وَمَا خُولِطُوا، وَلَكِنْ خَالَطَ قلبَهم هَمٌّ عظيمٌ» يُقَالُ خُولِطَ فُلان فِي عَقْله مُخَالَطَةً إِذَا اخْتَلَّ عَقْله.

(خَلَعَ)
(س) فِيهِ «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طاعةٍ لَقى اللَّهَ تَعَالَى لَا حُجَّةَ لَهُ» أَيْ خَرَج مِنْ طَاعَةِ سُلْطانه، وَعَدَا عَلَيْهِ بِالشَّرِّ، وَهُوَ مِنْ خَلَعْتُ الثَّوب إِذَا ألقيتَه عَنْكَ. شَبَّه الطَّاعَةَ واشْتِمالها عَلَى الْإِنْسَانِ بِهِ، وخّصَّ الْيَدَ لِأَنَّ المُعاهدة والمُعاقدة بِهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَقَدْ كَانَتْ هُذَيل خَلَعُوا خَلِيعاً لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» كَانَتِ الْعَرَبُ يتعاهدُون وَيَتَعَاقَدُونَ عَلَى النُّصرة وَالْإِعَانَةِ، وَأَنْ يُؤْخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْآخَرِ، فَإِذَا أَرَادُوا أن يتبرّأوا مِنْ إِنْسَانٍ قَدْ حَالَفُوهُ أَظْهَرُوا ذَلِكَ إِلَى النَّاسِ، وسَمَّوا ذَلِكَ الْفِعْلَ خَلْعاً، والمُتَبَرّأ مِنْهُ خَلِيعاً: أَيْ مَخْلُوعاً، فَلَا يُؤْخَذون بجنَايَته وَلَا يُؤْخَذُ بجنايتهِم، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ خَلَعُوا الْيَمِينَ الَّتِي كَانُوا قَدْ لَبِسوها

(2/64)


مَعَهُ، وسَمَّوْه خَلْعاً وخَلِيعاً مَجازا واتِّساعا، وَبِهِ يُسَمى الْإِمَامُ والأميرُ إِذَا عُزِل خَلِيعاً، كَأَنَّهُ قَدْ لَبِس الْخِلَافَةَ وَالْإِمَارَةَ ثُمَّ خَلَعَهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «قَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ سَيُقَمِّصُك قَمِيصًا وَإِنَّكَ تُلاصُ عَلَى خَلْعِهِ» أَرَادَ الخلافةَ وتَرْكَها وَالْخُرُوجَ مِنْهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «إِنَّ مِنْ تَوْبتي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً» أَيْ أخْرُجَ مِنْهُ جَمِيعَهُ وأتَصَدَّقَ بِهِ وأعْرَى مِنْهُ كَمَا يَعْرَى الإنسانُ إِذَا خَلَعَ ثوبَه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «كَانَ إِذَا أُتيَ بالرجُل الَّذِي قَدْ تَخَلَّعَ فِي الشَّراب المُسْكر جَلَده ثَمَانِينَ» هُوَ الَّذِي انْهَمَك فِي الشُّرب وَلَازَمَهُ، كَأَنَّهُ خَلَعَ رَسَنَه وأعْطى نفْسَه هَوَاهَا، وَهُوَ تَفَعَّل، مِنَ الْخَلْعِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الصَّبْغاء «فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ خَلِيعٌ» أَيْ مُسْتَهْتَر بالشُّرب واللَّهو، أَوْ مِنَ الْخَلِيعِ: الشَّاطِرِ الخبيث الذي خَلَعَتْهُ عشيرتُه وَتَبَرَّأوا منه.
(هـ س) وَفِيهِ «الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنافقات» يَعْنِي اللَّاتِي يَطْلُبْن الخُلْعَ وَالطَّلَاقَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ بِغَيْرِ عُذر. يُقَالُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعاً، وخَالَعَهَا مُخَالَعَةً، واخْتَلَعَتْ هِيَ مِنْهُ فَهِيَ خَالِعٌ. وأصلُه مِنْ خَلْعٍ الثَّوْب. والْخُلْعُ أَنْ يُطلِّق زَوْجَتَهُ عَلَى عِوَض تَبْذُلُهُ لَهُ، وَفَائِدَتُهُ إِبْطَالُ الرَّجْعَةِ إِلَّا بعَقْد جَدِيدٍ. وَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خلافٌ: هَلْ هُوَ فَسْخ أو طلاق، وقد يُسمَّى الخُلْع طلاقا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِنَّ امْرَأَةً نَشَزَت عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اخْلَعْهَا» أَيْ طَلِّقها واتْرُكْها.
وَفِيهِ «مِنْ شَرِّ مَا أُعْطيَ الرَّجُلُ شُحٌّ هالعٌ وجُبْنٌ خَالِعٌ» أَيْ شَدِيدٌ كَأَنَّهُ يَخْلَعُ فُؤَادَهُ مِنْ شِدَّةِ خّوْفه، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْخَلْعِ. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعْرِضُ مِنْ نوازِع الْأَفْكَارِ وضَعْفِ الْقَلْبِ عِنْدَ الخَوف.

(خَلَفَ)
(هـ) فِيهِ «يَحْمل هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُون عَنْهُ تَحْرِيف الْغَالِينَ وانْتِحالَ المُبْطِلِين، وتأوُّل الْجَاهِلِينَ» الخَلَفُ بِالتَّحْرِيكِ وَالسُّكُونِ: كُلُّ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَ مَنْ مَضَى،

(2/65)


إِلَّا أَنَّهُ بِالتَّحْرِيكِ فِي الخَير، وَبِالتَّسْكِينِ فِي الشَّرّ. يُقَالُ خَلَفُ صِدْقٍ، وخَلْفُ سُوءٍ. وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا القَرْن مِنَ الناسِ. وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَفْتُوحُ.
(هـ) وَمِنَ السُّكُونِ الْحَدِيثُ «سيكونُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ
» .
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ «1» خُلُوفٌ» هِيَ جَمْعُ خَلْفٍ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «اللَّهُم أعْط كلَّ منْفق خَلَفاً» أَيْ عِوَضاً. يُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ لَكَ خَلَفاً بِخَيْرٍ، وأَخْلَفَ عَلَيْكَ خَيْرًا: أَيْ أبْدَلك بِمَا ذَهَب مِنْكَ وعَوَّضَك عَنْهُ. وَقِيلَ إِذَا ذَهب للرَّجل مَا يَخْلُفُهُ مِثْلَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ قِيلَ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ وعَلَيْك، وَإِذَا ذَهَبَ لَهُ مَا لَا يَخْلُفُهُ غَالِبًا كَالْأَبِ وَالْأُمِّ قِيلَ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ. وَقَدْ يُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِذَا مَاتَ لَكَ ميِّت: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ.
وأَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك: أَيْ أبْدَلك.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَكَفَّل اللَّهُ للْغازِي أَنْ يُخْلِفَ نَفَقَته» .
وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ «اخْلُفْهُ فِي عَقِبه» أَيْ كُن لَهُمْ بَعْده.
وَحَدِيثُ أُمِّ سَلمة «اللَّهُمَّ اخْلُفْ لِي خَيْراً مِنْهُ» .
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فلينْفُضْ فِرَاشه فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ» [أَيْ] «2» لعلَّ هَامَّةً دَبَّت فَصَارَتْ فِيهِ بَعْدَهُ، وخِلَاف الشَّيْءِ: بَعْدَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَدَخَلَ ابنُ الزُّبير خِلَافَهُ» .
وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّال «قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذُرّياتِهم» .
وَحَدِيثُ أَبِي اليَسَر «أخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟» يُقَالُ خَلَفْتُ الرَّجل فِي أَهْلِهِ إِذَا أقمتَ بَعْدَهُ فِيهِمْ وقمتَ عَنْهُ بِمَا كَانَ يَفْعَلُهُ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ.
وَحَدِيثُ ماعِز «كُلَّمَا نَفَرْنا فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَلَفَ أحدُهم لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ» وحديث الأعشى الحِرْمَازِي.
فَخَلَفَتْنِي بنِزاعٍ وحَرَبْ أَيْ بَقِيَتْ بَعْدِي، وَلَوْ رُوي بالتَّشديد لَكَانَ بِمَعْنَى تركَتْنِي خَلفها. وَالحَرَبُ: الغَضَب.
__________
(1) فى اوالأصل: من بعده. وأشار مصححه إلى أنها هكذا في جميع نسخ النهاية التي بين يديه. وما أثبتناه نحن من اللسان وتاج العروس.
(2) زيادة من اوالدر النثير.

(2/66)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَرِير «خَيْرُ المَرْعَى الأراكُ والسَّلّم إِذَا أَخْلَفَ كَانَ لَجِيناً» أَيْ إِذَا أَخْرَجَ الْخِلْفَة وَهُوَ ورَقٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْوَرَقِ الْأَوَّلِ فِي الصَّيف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ خُزَيمة السُّلميّ «حَتَّى آلَ السُّلامَى وأَخْلَفَ الخُزامَى» أَيْ طَلَعَتْ خِلْفَتُهُ مِنْ أصُوله بِالْمَطَرِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «أَتَخَلَّفُ عَنْ هجَرتي» يُرِيدُ خوْفَ الْمَوْتِ بِمَكَّةَ، لأنهَّا دَار تَرَكُوهَا لِلَّهِ تَعَالَى وهَاجَرُوا إِلَى المدِينة، فَلَمْ يُحِبُّوا أَنْ يَكُونَ موتُهم بِهَا، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا.
والتَّخَلُّفُ: التَّأخُّر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «فَخَلَّفَنَا فَكُنَّا آخِرَ الْأَرْبَعِ» أَيْ أخرَنا وَلَمْ يُقَدِّمْنا.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «حَتَّى إنَّ الطَّائر ليمُرُّ بجَنباتهم فَمَا يُخَلِّفُهُمْ» أَيْ مَا يَتقدَّم عليهم ويَتْرُكهم وراءه.
(س) وفيه «سؤوا صُفُوفكم وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكم» أَيْ إِذَا تَقَدَّم بعضُكم عَلَى بعضٍ فِي الصُّفُوفِ تأَثَّرت قُلُوبكم، وَنَشَأَ بَيْنَكُمُ الْخُلْفُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفكم، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْن وُجُوهِكم» يُرِيدُ أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمْ يَصْرِفُ وجْهه عَنِ الْآخَرِ، وَيُوقِعُ بَيْنَهُمُ التَّباغُض، فإنَّ إقْبال الوَجْه عَلَى الوَجْه مِنْ أَثَرِ المَودَّة والأُلْفَة. وَقِيلَ أَرَادَ بِهَا تَحْويلَها إِلَى الأدْبار. وَقِيلَ تَغْيِيرُ صُورِها إِلَى صُور أخْرى.
َوَفِيهِ «إِذَا وعَدَ أَخْلَفَ» أَيْ لَمْ يَفِ بِوَعْدِهِ وَلَمْ يصدُق. وَالِاسْمُ مِنْهُ الْخُلْفُ بِالضَّمِّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ «خِلْفَةُ فَمِ الصَّائم أطْيبُ عِندَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المسْكِ» الْخِلْفَةُ بِالْكَسْرِ: تَغَيُّر رِيحِ الفَمِ. وَأَصْلُهَا فِي النَّبَات أَنْ يَنْبُت الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهَا رائحةٌ حَدَثت بَعْدَ الرَّائِحَةِ الْأُولَى. يُقَالُ خَلَفَ فمُه يَخْلُفُ خِلْفَةً وخُلُوفاً.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائم أطيبُ عِند اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسك» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ، وسُئل عَنْ قُبْلة الصَّائِمِ فَقَالَ: «وَمَا أرَبُك إِلَى خُلُوفِ فِيهَا؟» .

(2/67)


(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: لَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَتْرُكْ أهلَه خُلُوفاً» أَيْ لَمْ يَتْرُكْهنّ سُدًى لَا راعِيَ لَهُنَّ وَلَا حامِيَ. يُقَالُ حَيًّ خُلُوفٌ: إِذَا غَابَ الرِّجَالُ وَأَقَامَ النساءُ. ويُطْلَقُ عَلَى المُقِيمين والظاعِنين.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ والمَزادَتَين «ونَفَرُنا خُلُوف» أَيْ رِجالُنا غُيَّبً.
وَحَدِيثُ الخُدْرِي «فَأَتَيْنَا القومَ خُلُوفاً» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الدِّيَةِ «كَذَا وَكَذَا خَلِفَة» الْخَلِفَة- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ-: الْحَامِلُ مِنَ النُّوق، وتُجْمع عَلَى خَلِفَات وخَلَائِف. وَقَدْ خَلِفَتْ إِذَا حَمَلَتْ، وأَخْلَفَتْ إِذَا حَالَتْ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدة وَمَجْمُوعَةً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرؤهُنّ أحدُكم خيرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ سِمان عِظام» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ هَدْم الْكَعْبَةِ «لمَّا هَدَمُوها ظَهَر فِيهَا مثْلُ خَلَائِفِ الإبِل» أَرَادَ بِهَا صُخوراً عِظاما فِي أساسِها بقَدْر النُّوق الحَوامِلِ.
(س) وَفِيهِ «دَعْ داعِيَ اللَّبَن، قَالَ فتَركْتُ أَخْلَافَها قَائِمَةً» الْأَخْلَاف: جَمع خِلْف بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الضَّرْع لِكُلِّ ذاتِ خُفٍّ وظِلْف. وَقِيلَ هُوَ مَقْبِض يدِ الحالِب مِنَ الضَّرْع. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وبِناء الْكَعْبَةِ «قَالَ لَهَا: لَوْلَا حِدْثانُ قَوْمِك بالكُفر لبَنَيْتُها عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، وجَعلْت لَهَا خَلْفَيْنِ، فإِنَّ قريْشا اسْتَقْصَرت مِنْ بِنَائِهَا» الْخَلْف: الظَّهر، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجعل لَهَا بابَيْن، وَالْجِهَةُ الَّتِي تُقابِل الْبَابَ مِنَ البَيْت ظَهْرهُ، فَإِذَا كَانَ لَهَا بابانِ فَقَدْ صَارَ لَهَا ظَهْرانِ.
وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْخَاءِ: أَيْ زِيادَتَين كالثَّدْيَين، وَالْأَوَّلُ الوجهُ.
وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «ثُم أُخَالِف إِلَى رِجَالٍ فأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيوتَهم» أَيْ آتِيهم مِنْ خَلْفِهِمْ، أَوْ أُخَالِف مَا أظْهَرْت مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وأرْجِع إِلَيْهِمْ فآخُذهم عَلَى غَفْلة، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ بِمُعَاقَبَتِهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ السَّقِيفة «وخَالَف عنَّا عَلِيٌّ والزُّبير» أَيْ تَخَلَّفَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرحمن ابن عَوْفٍ «إنَّ رَجُلًا أَخْلَفَ السَّيْف يَوْمَ بَدْر» يقال

(2/68)


أَخْلَفَ يَدَه: إِذَا أَرَادَ سَيْفه فَأَخْلَفَ يَدَه إِلَى الكِنانة. وَيُقَالُ: خَلَفَ لَهُ بِالسَّيْفِ: إِذَا جَاءَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَربَه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «جِئتُ فِي الْهَاجِرَةِ فوجَدْت عُمر يُصَلِّي، فقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخْلَفَنِي فَجعلَني عَنْ يَمِينِهِ» أَيْ أدارَني مِنْ خَلْفه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَأَخْلَفَ بيَدِه وأخَذ يَدْفَع الفَضْلَ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «جَاءَهُ أعْرابي فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ خَلِيفَة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لَا. قَالَ فَمَا أنتَ؟ قَالَ: أَنَا الْخَالِفَةُ بَعْدَهُ» «1» الْخَلِيفَةُ مَن يَقُومُ مَقام الذَّاهِبِ ويَسُدّ مَسَدّه، وَالْهَاءُ فِيهِ للمبالَغة، وجَمْعه الْخُلَفَاءُ عَلَى مَعْنَى التَّذكير لَا عَلَى اللَّفْظِ، مِثْل ظَرِيف وظُرَفاء.
ويُجْمَع عَلَى اللَّفْظِ خَلَائِفُ، كظَرِيفة وظَرائِفَ. فَأَمَّا الْخَالِفَةُ فَهُوَ الَّذِي لَا غَنَاء عِنْدَهُ وَلَا خيرَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ الْخَالِفُ. وَقِيلَ هُوَ الْكَثِيرُ الخِلَافُ، وَهُوَ بَيِّن الخَلَافَة بِالْفَتْحِ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَواضُعاً وهَضْماً مِنْ نَفْسِهِ حِينَ قَالَ لَهُ أَنْتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لمَّا أسْلم سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ لَهُ بَعْضُ أهلِه: إِنِّي لأحْسَبُك خَالِفَة بَني عَدِيّ» أَيِ الْكَثِيرَ الْخِلَافِ لَهُمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «إِنَّ الخَطَّاب أَبَا عُمَر قَالَهُ لزّيْد بْنِ عَمْرو أبِي سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ لمَّا خَالَفَ دِينَ قَوْمه. وَيَجُوزُ أَنْ يُريدَ بِهِ الَّذِي لَا خَيْرَ عِنْدَهُ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أيُّما مُسْلمٍ خَلَفَ غازيا في خَالِفَتِهِ» أي فِيمن أَقَامَ بَعْده مِنْ أَهْلِهِ وتَخَلَّفَ عَنْهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَوْ أطَقْتُ الْأَذَانَ مَعَ الخِلِّيفَى لأذَّنْتُ» الخِلِّيفَى بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ: الْخِلَافَةُ، وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الأبْنِية، كالرِّمِّيَّا والدِّلِّيلا، مصدَرٌ يَدُل عَلَى مَعْنَى الكَثْرة.
يُريدُ بِهِ كَثْرَةَ اجْتِهَادِهِ فِي ضَبْط أُمُورِ الخِلافة وتَصْريف أعِنَّتِها.
وَفِيهِ ذِكْر «خَلِيفَة» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ: جَبَل بِمَكَّةَ يُشْرِف عَلَى أجْياد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «مَنْ تَحوّل مِنْ مِخْلَاف إِلَى مِخْلَاف فعُشْرُه وصَدَقَتُه إلى مِخْلَافِهِ
__________
(1) أراد القاعد بعده. قاله الهروي نسبة إلى ثعلب. ثم قال: والخالفة: الذي يستخلفه الرئيس على أهله وماله ثقة به.

(2/69)


الْأَوَّلِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْل» المِخْلَافُ فِي الْيَمَنِ كالرُّسْتاق فِي العِراق، وَجَمْعُهُ المَخَالِيفُ، أَرَادَ أَنَّهُ يُؤَدِّي صَدَقَتَهُ إِلَى عَشِيرَتِهِ الَّتِي كَانَ يُؤدِّي إِلَيْهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ذِي المِشْعار «مِنْ مِخْلَاف خارِف ويَامٍ» هُمَا قَبيلَتان مِنَ اليَمن.

(خَلَقَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْخالِقُ» وَهُوَ الَّذِي أوْجد الْأَشْيَاءَ جميعَها بَعْدَ أَنْ لَمْ تكنْ مَوْجُودة. وَأَصْلُ الخَلْقِ التَّقْدير، فَهُوَ باعتِبار تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وُجُودُها، وَبِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ عَلَى وَفْق التَّقْدِيرِ خَالِقٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ والْخَلِيقَة» الْخَلْقُ: النَّاسُ. والْخَلِيقَةُ: الْبَهَائِمُ. وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ويُريد بِهِمَا جميعَ الْخَلَائِقِ.
وَفِيهِ «لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أثْقَل مِنْ حُسْنِ الْخُلُق» الخُلُقُ- بِضَمِّ اللَّامِ وسُكونها-: الدِّين والطَّبْع والسَّجِيَّة، وحقيقتُه أَنَّهُ لِصُورة الإنسانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسُه وأوْصافُها ومَعانِيها المُخْتصَّة بِهَا بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورته الظَّاهِرَةِ وأوْصافِها ومَعانيها، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنة وقَبيحة، والثَّواب والعِقاب ممَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورة الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلِهَذَا تَكَرَّرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مَدْح حُسْن الخُلُق فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
(س) كَقَوْلِهِ «أكثرُ مَا يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الخُلُقِ» .
(س) وَقَوْلِهِ «أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أحْسنُهم خُلُقا» .
(س) وَقَوْلِهِ «إِنَّ العَبْد ليُدْرِك بحُسْن خُلُقِهِ درجةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» .
وَقَوْلِهِ «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وَأَحَادِيثَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي ذَمّ سُوء الْخُلُق أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ خُلُقُه القرآنَ» أَيْ كَانَ مُتُمسّكاً بِآدَابِهِ وَأَوَامِرِهِ ونَواهيه وَمَا يَشْتَمل عَلَيْهِ مِنَ المَكارم والمَحاسن والألْطاف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَم اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نفسِه شانَه اللَّهُ» أَيْ تكلّفَ أَنْ يُظْهِر مِنْ خُلُقِهِ خِلاف مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ، مِثْل تَصَنَّع وتَجَمَّل إِذَا أظْهَر الصَّنِيع وَالْجَمِيلَ.
وَفِيهِ «لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ» الخَلَاق بِالْفَتْحِ: الحظُّ والنَّصِيب.

(2/70)


وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيّ «وَأَمَّا طَعامٌ لَمْ يُصْنَع إِلَّا لَكَ فَإِنَّكَ إِنْ أكَلْتَه إِنَّمَا تَأْكُلُ مِنْهُ بِخَلَاقِك» أَيْ بحَظِّك ونَصِيبك مِنَ الدِّين. قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي طَعام مَن أقْرأه القُرآن، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ»
أَيْ كَذِبٌ، وَهُوَ اْفتِعال مِنَ الخَلْقِ والإبْداع، كَأَنَّ الْكَاذِبَ يَخْلُقُ قَوْلَهُ. وَأَصْلُ الخَلْقِ: التَّقْدِيرُ قبْل القَطْع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أخْتِ أمَيَّة بْنِ أَبِي الصَّلْت «قَالَتْ: فدَخَل عليَّ وَأَنَا أَخْلُقُ أدِيماً» أَيْ أُقَدِّرُه لأقْطَعَه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ خَالِدٍ «قَالَ لَهَا أبْلِي وأَخْلِقِي» يُرْوَى بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، فَبِالْقَافِ مِنْ إِخْلَاقِ الثَّوب تَقْطِيعه، وَقَدْ خَلُقَ الثوبُ وأَخْلَقَ. وَأَمَّا الْفَاءُ فَبمعْنى العِوَض والبَدَل، وَهُوَ الأشْبَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِخْلَاق بِالْقَافِ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخْلَقُ مِنَ الْمَالِ» أَيْ خِلْوٌ عَارٍ.
يُقَالُ حَجَرٌ أَخْلَقُ: أَيْ أمْلَسُ مُصْمَتٌ لَا يُؤثِّر فِيهِ شَيْءٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَيْسَ الفَقير الَّذِي لَا مالَ لَهُ، إنَّما الفَقير الْأَخْلَقُ الكَسْب» .
أرادَ أَنَّ الفَقْر الأكْبر إِنَّمَا هُوَ فَقْر الْآخِرَةِ، وَأَنَّ فَقْرَ الدنيَا أهوَن الفَقْرَيْنِ. ومَعْنى وصْفِ الكَسْب بِذَلِكَ أنَّهُ وافِر مُنْتَظم لَا يقَع فِيهِ وَكْسٌ وَلَا يَتَحَيَّفه نَقْص، وَهُوَ مَثَل للرَّجُل الَّذِي لَا يُصاب فِي مالِه وَلَا يُنْكَبُ، فَيُثَاب عَلَى صَبْره، فَإِذَا لَمْ يُصَبْ فِيهِ وَلَمْ يُنْكَبْ كانَ فَقِيراً مِنَ الثَّواب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «كُتِب لَهُ فِي امْرأة خَلْقَاءَ تَزوّجَها رجُل، فكَتب إليْه:
إنْ كَانُوا عَلِمُوا بِذَلِكَ- يَعْني أوْلِيَاءها- فأغْرمْهُم صَدَاقها لِزَوْجهَا» الْخَلْقَاءُ: هِيَ الرَّتْقَاء، مِنَ الصَّخْرة المَلْساء المُصْمَتة.
وَفِيهِ ذِكْرُ «الْخَلُوق» قَدْ تَكَرَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ طيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكب يُتَّخذ مِنَ الزَّعْفَرَان وَغَيْرِهِ مِنْ أنْواع الطِّيبِ، وتَغْلب عَلَيْهِ الْحُمرة والصُّفْرة. وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بإباحَتِه وَتَارَةً بالنَّهْي عَنْهُ، والنَّهْيُ أكْثر وأثْبَتُ. وإنَّما نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طِيب النِّساء، وكُنَّ أكْثَر اسْتعمالاً لَهُ مِنْهُمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْي نَاسِخة.

(2/71)


وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وقَتْلِه أَبَا جَهْل «وَهُوَ كالجَمل الْمُخَلَّق» أَيِ التَّامّ الخَلْق.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحَابِ «واخْلَوْلَقَ بَعْدَ تَفَرُّق» أَيِ اجْتَمع وتَهيَّأ للمَطر وصاَر خَلِيقاً بِهِ. يُقَالُ خَلُقَ بالضَّم، وَهُوَ أَخْلَق بِهِ، وَهَذَا مَخْلَقَة لِذَلِكَ: أَيْ هُوَ أجدَر، وجديرٌ بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ خُطْبة ابْنِ الزُّبَيْرِ «إِنَّ المَوْت قَدْ تَغَشَّاكُم سَحَابُه، وأحْدَق بِكُمْ رَبَابُه، واخْلَوْلَقَ بَعْد تَفَرُّق» وَهَذَا البنَاء للمبَالغة، وَهُوَ افْعَوْعَلَ، كاغْدَوْدَن، واعْشَوْشب.

(خَلَلَ)
فِيهِ «إِنِّي أبْرَأُ إِلَى كُلّ ذِي خُلَّةٍ مِنْ خُلَّتِهِ» الْخُلَّة بالضَّم: الصَّدَاقة والمَحَبَّة الَّتِي تَخَلَّلَتِ القَلْب فَصَارَتْ خِلَالَهُ: أَيْ فِي بَاطِنِهِ. والْخَلِيلُ: الصَّدِيق، فَعِيل بِمَعْنَى مُفاعِل، وَقَدْ يكُون بِمَعْنَى مَفْعول، وإنَّما قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ خُلَّتَهُ كَانَتْ مَقْصُورَة عَلَى حُبّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ فِيهَا لِغَيرِه مُتَّسَع وَلَا شَرِكَة مِنْ مَحابِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَهَذِهِ حَال شَرِيفَة لَا يَنَالها أحدٌ بِكسْب واجْتِهاد، فإنَّ الطِّبَاع غالبَة، وإنَّما يَخُصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَاِده مِثْل سَيِّد الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، ومَن جَعَل الخَلِيل مُشْتَقاًّ مِنَ الخَلَّة وَهِيَ الْحَاجَةُ والفَقْر، أَرَادَ إِنِّي أبْرَأ مِنَ الاعْتِماد والافْتِقار إِلَى أحَدٍ غَيْر اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي رِوَايَةٍ «أبْرَأ إِلَى كُلّ خِلٍّ مِنْ خَلَّتِهِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا وهُما بمعْنى الخُلَّة والخَلِيل.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلًا لاتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «الْمَرْءُ بِخَلِيلِهِ، أَوْ قَالَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فلْيَنْظرِ امْرؤٌ مَنْ يُخَالِلْ» وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكْره فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ تُطْلَق الْخُلَّة عَلَى الخَلِيل، وَيسْتَوي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ. تَقُولُ خَلِيل بَيِّن الخُلَّة والخُلُولَة، ومنه قصيدُ كعب بن زهير:
ياَوَيْحَها خُلَّة لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ ... مَوْعُودَهَا «1» أَوْ لَوَ انَّ النُّصْح مَقْبُولُ
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُسْن العَهْد «فَيُهْديها فِي خُلَّتِهَا» أَيْ أهْل ودِّها وصَدَاقَتِها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فَيُفَرّقُها فِي خَلَائِلِهَا» جَمْع خَلِيلَةٍ.
(هـ) وَفِيهِ «اللَّهُم سَادَّ الخَلَّة» الخَلَّةُ بالفَتح: الحاجة والفَقْر: أي جَابِرَها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ «اللَّهُم اسْدُد خَلَّتَهُ» وأصْلُها من التَّخَلُّلِ بين الشّيئين،
__________
(1) الرواية فى شرح ديوانه ص 7: «ما وعدت» .

(2/72)


وَهِيَ الفُرْجة والثُّلْمَة الَّتِي تَرَكَهَا بَعْدَهُ؛ مِنَ الْخَلَل الَّذِي أَبْقَاهُ فِي أُمُورِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حديث عامر بن ربيعة «فو الله ماعدا أَنْ فَقَدْنَاهَا اخْتَلَلْنَاها» أَيِ احْتَجْنا إِلَيْهَا فَطَلَبْناها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَلَيْكُم بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أحَدَكُم لَا يَدْري مَتَى يُخْتَلُّ إِلَيْهِ» أَيْ يُحتاج إِلَيْهِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ أُتِي بَفَصِيل مَخْلُولٍ أَوْ مَحْلول» : أَيْ مَهْزُول، وَهُوَ الَّذِي جُعل عَلَى أنْفِهِ خِلَالٌ لِئِلاَّ يرضَع أُمَّهُ فتُهْزل. وَقِيلَ الْمَخْلُولُ: السَّمِين ضِدَّ المَهْزول. والمهْزول إنِّما يُقَالُ لَهُ خَلٌّ ومُخْتَلٌّ، وَالْأَوَّلُ الوجْه. وَمِنْهُ يُقَالُ لِابْنِ المَخاض خَلٌّ لِأَنَّهُ دَقيق الجِسْم.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ «كَانَ لَهُ كسَاء فَدكِيُّ فإذَا ركِبَ خَلَّه عَلَيْهِ» أَيْ جَمَع بَيْنَ طَرَفيْه بِخِلَال مِنْ عُود أَوْ حَديد.
وَمِنْهُ: خَلَلْتُهُ بالرُّمْح إِذَا طَعَنْتَه بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ بَدْرٍ وقَتلِ أميَّةَ بْنِ خَلَف «فَتَخَلَّلُوه بالسُّيوف مِنْ تحْتي» أَيْ قَتَلُوه بِهَا طَعنا حَيْثُ لَمْ يقْدِروا أَنْ يَضْربوه بِهَا ضَرْباً.
(س) وَفِيهِ «التَّخَلُّلُ مِنَ السُّنَّة» هُوَ اسْتعمال الخِلَال لِإِخْرَاجِ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنَ الطَّعام.
والتَّخَلُّلُ أَيْضًا والتَّخْلِيلُ: تَفْرِيقُ شَعَر اللِّحْية وَأَصَابِعِ اليديْن والرِّجلين فِي الْوُضُوءِ. وَأَصْلُهُ مِنْ إِدْخَالِ الشَّيء فِي خِلَال الشَّيْءِ، وَهُوَ وسْطُهُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «رَحِم اللَّه الْمُتَخَلِّلِين مِنْ اْمَّتي فِي الْوُضُوءِ وَالطَّعَامِ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خَلِّلُوا بَيْنَ الأصَاَبِع لَا يُخَلِّلُ اللَّه بينَها بالنَّار» .
وَفِيهِ «إنَّ اللَّه يُبْغِضُ البليغَ مِنَ الرِّجال الَّذِي يَتَخَلَّلُ الْكَلَامَ بلسَانه كَمَا تَتَخَلَّلُ البَاقِرة الكَلأَ بِلِسَانها» هُوَ الَّذِي يَتَشَدَّق فِي الْكَلَامِ ويُفَخّم بِهِ لسَانه ويَلُفُّه كَمَا تَلُفُّ الْبَقَرَةُ الْكَلَأَ بِلِسَانِهَا لفَّا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الدَّجّال «يَخْرُجُ مِنْ خَلَّة بَيْن الشَّام والعِرَاق» أَيْ فِي طَرِيق بينهما.

(2/73)


وَقِيلَ للطَّريق والسَّبِيل خَلَّةٌ؛ لِأَنَّهُ خَلَّ مَا بَيْن البَلَدين: أَيْ أخَذ مَخِيط «1» مَا بَيْنَهُما. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مِنَ الحُلُول: أَيْ سَمْتَ ذلك وقُبَالَتَه.
(س) وَفِي حَدِيثِ المِقْدام «مَا هَذَا بِأَوَّلِ مَا أَخْلَلْتُمْ بِي» أَيْ أوْهَنْتُموني وَلَمْ تُعِينُوني.
والْخَلَل في الأمر والحَرْب كالوَهْنِ والفسَاد.
(س) وَفِي حَدِيثِ سِنان بْنِ سَلَمَةَ «إِنَّا نَلْتَقِطُ الْخِلَال» يَعْني البُسْر أَوَّلَ إدْرَاكِه، واحِدَتُها خَلَالَة بِالْفَتْحِ.

(خَلَا)
(س) فِي حَدِيثِ الرُّؤْيا «ألَيْس كُلُّكم يرَى القمرَ مُخْلِياً بِهِ» يُقال خَلَوْتُ بِهِ ومَعه وَإِلَيْهِ. وأَخْلَيْتُ بِهِ إِذَا انْفَرَدْت بِهِ: أَيْ كُلٌّكم يرَاهُ مُنْفرِداً لنَفْسِه، كَقَوْلِهِ: لا تُضَارُّون في رُؤيته.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَة «قَالَتْ لَهُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ» أَيْ لَمْ أجِدْك خَالِياً مِنَ الزَّوْجات غَيْري. وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهم امْرَأة مُخْلِيَةٌ إِذَا خَلَتْ مِنَ الزَّوْج.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «تَزَوَّجْتُ امْرأة قَدْ خَلَا مِنْها» أَيْ كَبِرَت ومَضَى مُعْظم عُمرِها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فلمَّا خَلَا سِنِّي ونَثَرتُ لَهُ ذَا بَطْنِي» تُرِيد أنَّها كَبِرَتْ وأَوْلَدَتْ لَهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ القُشَيري «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: أنْ تَقُولَ أسْلَمْتُ وجْهي إِلَى اللَّهِ وتَخَلَّيْتُ» التَّخَلِّيُّ: التَّفَرُّغ. يُقَالُ تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ تَفَعّل، مِنَ الْخُلُوِّ.
وَالْمُرَادُ التَّبَرُّؤ مِنَ الشّرْك، وعَقْدُ القَلْب عَلَى الْإِيمَانِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «أنْتَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي» الخِلْوُ بالكَسْر: الفَارِغ البَالِ مِنَ الهمُوم. والخِلْوُ أَيْضًا: المنْفَرد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا كٌنتَ إمَاماً أَوْ خِلْواً» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِذَا أدْرَكْتَ مِنَ الجُمُعَة رَكْعَةً، فَإِذَا سَلَّم الْإِمَامُ فَأَخْلِ وجْهَك وضُمَّ إِلَيْهَا رَكْعَةً» يُقال أَخْلِ أَمْرَك، واخْلُ بِأَمْرِكَ. أَيْ تَفَرَّغْ لَهُ وتَفَرّد به. وورد في تَفْسِيره
__________
(1) في الأصل: محيط- بضم الميم وكسر الحاء- والمثبت من اواللسان والهروى. وفى الهروى: يقال: خطت اليوم خيطة، أي سرت سيره.

(2/74)


اسْتَتِرْ بإنْسَان أَوْ بِشَيْءٍ وصَلِّ رَكْعَةً أخْرَى، ويُحْمَل الاسْتِتَار عَلَى أنْ لَا يَراه الناسُ مُصَلِّيا مَا فاتَه فيَعْرِفُوا تَقْصيرَه فِي الصَّلَاةِ، أوْ لِأَنَّ النَّاس إِذَا فَرغُوا مِنَ الصَّلاَة انْتَشَرُوا رَاجِعِين فأمرَه أَنْ يَسْتَتِر بِشَيْءٍ لِئَلَّا يَمُرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: في قوله تعالى «لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ» قَالَ فَخَلَّى عَنْهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ قَالَ: «اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ» أَيْ تركَهُم وأعْرَض عَنُهم.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ أُنَاسٌ يَسْتَحْيُون أنْ يَتَخَلَّوْا فيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ» يَتَخَلَّوْا مِنَ الْخَلَاءِ وَهُوَ قَضَاء الْحَاجَةِ، يَعْنِي يَسْتَحْيُون أَنْ يَنْكَشفُوا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ تحْتَ السَّمَاءِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ «لَا يُخْتَلَى خَلَاها» الْخَلَا مَقْصُورٌ: النَّبَاتُ الرَّطْبُ الرَّقِيقُ مَا دَامَ رَطْبًا، واخْتِلَاؤُهُ: قَطْعه. وأَخْلَتِ الْأَرْضُ: كَثُرَ خَلَاهَا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ حَشِيشٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يَخْتَلِي لِفَرسه» أَيْ يَقْطَع لَه الخَلاَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرّة:
إِذَا اخْتُلِيَتْ فِي الحرْبِ هامُ الأكابر أي قُطِعتْ رُؤوسُهم.
وَفِي حَدِيثِ مُعْتَمِرٍ «سُئل مَالِكٌ عَنْ عَجِين يًعْجَن بِدُرْدِيٍّ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يُسْكر فَلا، فَحدَّث الأصمعيّ به مُعْتَمِراً فقال: أوَ كَان كَمَا قَالَ:
رَأى فِي كَفِّ صَاحِبه خَلَاةً ... فَتُعْجِبُهُ ويُفْزِعُه الجَرِيرُ
الْخَلَاةُ: الطَّائِفة مِنَ الْخَلَا، ومَعْنَاه أَنَّ الرجُل يَنِدُّ بَعيرُه فَيَأْخُذُ بإِحْدَى يَدَيْهِ عُشْبا وبالأخْرى حَبْلاً، فَيَنْظُر الْبَعِيرُ إِلَيْهِمَا فَلَا يَدْرِي مَا يُصْنَع، وَذَلِكَ أَنَّهُ أعْجَبَتْه فَتْوَى مَالِكٍ، وَخَافَ التَّحْريم لاخْتِلاف النَّاسِ فِي المُسْكِر، فَتَوَقَّفَ وتَمثل بالبَيْت.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْخَلِيَّةُ ثَلَاثٌ» كَانَ الرجُل فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُول لزَوْجَته: أنتِ خَلِيَّةٌ فَكَانَتْ تَطْلُق مِنْهُ، وَهِيَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاَق، فَإِذَا نَوى بِهَا الطَّلاَق وَقع. يُقَالُ رَجُلٌ خَلِيٌّ لَا زَوْجة لَهُ، وامْرأة خَلِيَّةٌ لَا زَوْجَ لَهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ رُفع إِلَيْهِ رجُل قَالَتْ لَهُ امْرِأته شَبِّهني، فَقَالَ كأنَّك ظَبْيَة،

(2/75)


كَأَنَّكِ حَمامة، فَقَالَتْ لَا أرْضَى حتَّى تَقُولَ خَلِيَّة طَالِق، فقَال ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَر: خُذْ بِيَدِهَا فَإِنَّهَا امْرَأَتُكَ» . أَرَادَ بِالْخَلِيَّةِ هَاهُنَا النَّاقّةّ تُخَلَّى مِنْ عِقَالِها، وطلَقَتْ مِنَ العِقَال تَطْلُق طَلْقاً فَهِيَ طَالِقٌ.
وَقِيلَ أَرَادَ بِالْخَلِيَّةِ الْغَزِيرَةَ يُؤْخَذُ وَلَدُهَا فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وتُخَلَّى للْحَيِّ يَشْرَبون لَبَنَها. وَالطَّالِقُ النَّاقَةُ الَّتِي لَا خِطَام عَلَيْهَا، وَأَرَادَتْ هِيَ مُخَادَعَته بِهَذَا القَول ليَلْفِظَ بِهِ فيقَع عَلَيْهَا «1» الطَّلاق، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: خُذْ بِيَدِهَا فَإِنَّهَا امْرَأتُك، وَلَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا الطلاق لأنه لم ينوبه الطَّلَاقَ، وَكَانَ ذَلِكَ خدَاعاً مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ فِي الْأُلْفَةِ وَالرِّفَاءِ لَا فِي الْفُرْقَةِ والخَلَاء» يَعْنِي أَنَّه طَلَّقها وَأَنَا لَا أطَلّقُك.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إنَّ عَامِلًا لَهُ عَلَى الطَّائف كَتب إِلَيْهِ: إنَّ رِجالا مِنْ فَهْم كَلّمُوني فِي خَلَايَا لَهُم أسْلَموا عَلَيْهَا وَسَأَلُونِي أنْ أحْمِيها لَهُم» الخَلَايَا جَمْعُ خَلِيَّة وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُعسِّل فِيهِ النَّحْل، وكأنَّها الْمَوْضِعُ الَّتِي تُخْلِي فِيهِ أجوافَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «فِي خَلَايَا العَسل العُشْر» .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وخَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا» يُقالُ افْعَلْ ذَلِكَ وخَلَاكَ ذَمَّ، أَيْ أُعذِرْت وسَقَط عَنْكَ الذَّمُّ.
وَفِي حَدِيثِ بَهْز بْنِ حَكِيمٍ «إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أنَّك تَنْهَى عَنِ الغَيِّ وتَسْتَخْلَى بِهِ» أَيْ تَسْتَقلُّ بِهِ وتَنْفرِد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أحدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلاَّ لَمْ يُوافِقاه» يَعْنِي الْمَاءَ واللَّحم: أَيْ يَنْفردُ بِهِمَا. يُقَالُ خَلَا وأَخْلَى. وَقِيلَ يَخْلُو يَعْتَمِد، وأَخْلَى إِذَا انْفَرد.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَاسْتَخْلَاهُ البُكاء» أَيِ انْفَرد بِهِ. وَمِنْهُ قولُهم: أَخْلَى فُلانٌ عَلَى شُرْب اللَّبَنِ إِذَا لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: هو بالخاء المعجمة، وبالحاء لا شيء.
__________
(1) في الأصل: عليه. والمثبت من اواللسان

(2/76)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْمِيمِ

(خَمَرَ)
(هـ) فِيهِ «خَمِّرُوا الْإِنَاءَ وَأَوْكِئُوا السِّقاء» التَّخْمِيرُ: التَّغْطِيه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّهُ أُتِي بِإِنَاءٍ مِنْ لَبن، فَقَالَ: هلاَّ خَمَّرْتَهُ وَلَوْ بعُود تَعْرضُه عَلَيْهِ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَجِدُ الْمُؤْمِنَ إلاَّ فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: فِي مسجدٍ يَعْمُره، أَوْ بَيْت يُخَمِّرُهُ، أَوْ مَعِيشةٍ يُدَبِّرها» أَيْ يَسْتُره ويُصْلح مِنْ شَأنه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهل بْنِ حُنَيْف «انْطَلَقْت أَنَا وفُلان نَلتَمِس الْخَمَرَ» الخَمَرُ بِالتَّحْرِيكِ:
كُلُّ مَا سَتَرك مِنْ شَجَرٍ أَوْ بِناء أَوْ غَيْرِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي قَتادة «فأَبْغِنا مَكانا خَمِراً» أَيْ سَاتِرًا يَتَكاثَفُ شجرُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ «حَتَّى يَنْتَهوا «1» إِلَى جَبَل الْخَمَرِ» هَكَذَا يُروى بِالْفَتْحِ، يَعْنِي الشَّجَرَ الملْتَفّ، وَفُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَبَل بَيْت المقدسِ لِكَثْرَةِ شَجَرِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلمان «أَنَّهُ كَتب إِلَى أَبِي الدّرْداء: يَا أَخِي إنْ بَعُدَت الدارُ مِنَ الدَّارِ فَإِنَّ الرُّوحَ مِنَ الرُّوحِ قَرِيبٌ، وطَيْر السَّمَاءِ عَلَى أرْفَةِ خَمَرِ الْأَرْضِ تَقَع» الأرْفَه: الأخْصَبُ، يُرِيدُ أنَّ وطَنَه أرْفَقُ بِهِ وأرْفَه لَهُ فَلَا يُفارِقُه. وَكَانَ أَبُو الدَّرْداء كَتب إِلَيْهِ يَدْعُوه إِلَى الْأَرْضِ المقدَّسة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ «قَالَ دَخَلْت المسجد وَالنَّاسُ أَخْمَرُ مَا كَانُوا» أَيْ أوْفَر.
يُقَالُ دَخَل فِي خَمَارِ النَّاسِ: أَيْ فِي دَهْمائهم. ويُروَى بِالْجِيمِ «2» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُوَيْس القَرَني «أَكُونُ فِي خَمَارِ النَّاسِ» أَيْ فِي زَحْمَتِهِم حَيْث أخْفَى وَلَا أُعْرَف.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ ناوِلِيني الْخُمْرَة» هِيَ مقدارُ مَا يَضَع الرجُل عَلَيْهِ وجْهه فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِير أَوْ نَسِيجة خُوص وَنَحْوِهِ مِنَ النَّباتِ، وَلَا تَكُونُ خُمْرَة إِلَّا فِي هذا المقدار
__________
(1) في ا: حتى ينتهي. وفي اللسان: تنتهوا
(2) بمعنى أجمع. وقد تقدم

(2/77)


وسُمِّيت خُمْرَة لِأَنَّ خُيوطها مَسْتُورة بِسَعَفِها، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ. هَكَذَا فُسِّرت. وَقَدْ جَاءَ فِي سُنن أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ فأرةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرّ الفَتِيلة، فَجَاءَتْ بِهَا فألقَتْها بَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الخُمْرَة الَّتِي كَانَ قاعِداً عَلَيْهَا، فأحْرقتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ دِرهَمٍ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِطْلَاقِ الخُمْرَة عَلَى الْكَبِيرِ مِنْ نَوْعها.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَمْسَح عَلَى الخُفّ والخِمَار» أَرَادَ بِهِ الْعِمَامَةَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطّي بهِا رأسَه، كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تغطِّيه بِخِمَارِهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ قَدِ اعْتمَّ عِمَّه الْعَرَبِ فأدارَها تَحْتَ الحَنَكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ نَزْعَها فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَصِيرُ كالخفَّين، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَسح الْقَلِيلِ مِنَ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسح عَلَى الْعِمَامَةِ بَدَلَ الاسْتيعاب.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عمْرو «قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: مَا أشْبه عَيْنَك بِخِمْرَة هِند» الخِمْرَةُ هَيْئة الِاخْتِمَارِ.
وَفِي المَثل «إنَّ العَوانَ لَا تُعَلَّم الخِمْرَةَ» أَيِ الْمَرْأَةُ المُجَرِّبة لَا تُعَلَّم كَيْفَ تَفْعَل.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «مَنِ اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أوّلُهم أَحْرَارٌ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفُونَ فَإِنَّ لَهُ مَا قَصَرَ فِي بيتِه» اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أَيِ اسْتَعْبَدَهم بلُغة الْيَمَنِ. يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَخْمِرْنِي كَذَا: أَيْ أعْطنيه ومَلِّكْني إِيَّاهُ: الْمَعْنَى مَن أخَذ قَوْمًا قهْراً وتملُّكا، فإنَّ مَن قَصَره: أَيِ احْتَبَسه واحْتَازَه فِي بَيْتِه واسْتَجْراه فِي خدْمتِه إِلَى أنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عبْد لَهُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمُخَامَرَةُ: أَنْ يَبيع الرجُلُ غُلَامًا حُرَّا عَلَى أَنَّهُ عبْد، وَقَوْلُ مُعاذ مِنْ هَذَا، أَرَادَ مَن اسْتَعْبَد قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَلَهُ مَا حَازَه فِي بَيْتِه لَا يُخْرج مِنْ يَدِهِ. وَقَوْلُهُ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفون، أَرَادَ رُبَّمَا اسْتَجَارَ بِهِ قَوْمٌ أَوْ جَاوَرُوهُ فاسْتَضْعَفَهم واسْتَعْبَدَهم، فَكَذَلِكَ لَا يُخْرَجون مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا مَبْنيٌّ عَلَى إقْرَار النَّاس عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَلِّكْه عَلَى عُرْبهم وخُمُورهم» أَيْ أَهْلِ الْقُرَى، لِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ مَغْمُورون بِمَا عليْهم مِنَ الخرَاج والكُلف والأثْقال، كَذَا شرَحه أَبُو مُوسَى.
وَفِي حَدِيثِ سَمُرة «أَنَّهُ بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرة» الْحَدِيثَ. قَالَ الخطَّابي: إِنما بَاعَ عَصِيراً ممَّن يَتَّخِذه خَمْراً، فَسمَّاه باسم ما يَؤُول إِلَيْهِ مَجَازًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً»

(2/78)


فَنَقَم عَلَيْهِ عُمَرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مكْرُوه أَوْ غَيْرُ جَائِزٍ. فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمُرة بَاعَ خَمْراً فَلاَ، لِأَنَّهُ لَا يَجْهل تَحْرِيمه مَعَ اشْتِهَاره.

(خمسْ)
فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ «محمَّدٌ والْخَمِيسُ» الْخَمِيسُ: الْجَيْشُ، سُمّي بِهِ لِأَنَّهُ مَقْسوم بخَمْسة أَقْسَامٍ: المُقَدّمة، والسَّاقة، والميْمنَة، والمَيْسرة، والقَلْب. وَقِيلَ لأنَّه تُخَمَّسُ فِيهِ الْغَنَائِمُ. ومحمَّد خبرُ مُبْتَدأ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذَا مُحَمَّدٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرو بْنِ مَعْدي كرِب «هُمْ أعْظَمُنا خَمِيساً وأشَدُّنا شَرِيساً» أَيْ أعْظَمُنا جَيْشاً.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَدي بْنِ حَاتِمٍ «رَبَعْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وخَمَسْتُ فِي الإسْلام» أَيْ قُدْتُ الجيْشَ فِي الحَالَيْن، لأنَّ الأميرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يأخُذُ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ فَجَعَلَهُ الْخُمُسَ، وجَعل لَهُ مصَارِفَ، فيكونُ حِينئذٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَبَعْتُ القومَ وخَمَسْتُهُمْ- مُخَففاً- إِذَا أخذْت رُبع أَمْوَالِهِمْ وخُمُسَهَا. وَكَذَلِكَ إِلَى العَشَرة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ مُعَاذ «كَانَ يَقُول فِي الْيَمَنِ: ائتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبيس آخُذه مِنْكُمْ فِي الصَّدَقة» الْخَمِيسُ: الثَّوبُ الَّذِي طُولُه خَمْسُ أذرُع. وَيُقَالُ لَهُ الْمَخْمُوسُ أَيْضًا. وَقِيلَ سُمّي خَمِيساً لِأَنَّ أولَ مَنْ عَملَه مَلِكٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ الخِمْسُ بِالْكَسْرِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «الخِمْسُ: ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ» . وَجَاءَ فِي البُخَاري خَمِيصٌ بِالصَّادِ، قِيلَ إِنْ صَحَّت الرِّوَايَةُ فَيَكُونُ مُذَكَّرَ الخَميصَة، وَهِيَ كِسَاءٌ صَغيرٌ، فاستعارَها للثَّوب.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ «أنَّه سَأَلَ عَمَّن يَشْتَري غُلَامًا تَامًّا سَلَفاً، فَإِذَا حَلَّ الأجَلُ قَالَ:
خُذْ مِنِّي غلامَيْن خُمَاسِيَّيْنِ، أَوْ عِلْجاً أمْرَدَ، قْيل لَا بَأْسَ» الخُمَاسِيَّان: طُول كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أشْبار، والأنْثَى خُمَاسِيَّة. وَلَا يُقَالُ سُدَاسِيٌّ وَلَا سُبَاعِيٌّ وَلَا فِي غَيْرِ الخَمْسة.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «أَنَّهُ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْمُخَمَّسَةِ» هِيَ مَسْألَةٌ مِنَ الفَراَئِض اخْتَلفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنَ الصَّحابة: عُثْمان، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مسعودٍ، وزَيْد، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَهِيَ أمٌّ وأخْتٌّ وجَدٌّ.

(خَمَشَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ سَأَلَ وَهُوَ غَنِيٌّ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشاً فِي وجْهِه» أَيْ

(2/79)


خُدُوشاً، يُقَالُ خَمَشَتِ المَرْأة وجْهَها تَخْمِشُهُ خَمْشاً وخُمُوشاً. الْخُمُوشُ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعاً للمصْدَر حيْث سُمّيَ بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «حِينَ سُئِلَ هَلْ يُقْرَأ فِي الظُّهر والعَصْر؟ فَقَالَ: خَمْشاً» دَعَا عَليه بِأَنْ يُخْمَشَ وجْهُه أَوْ جلْده، كَمَا يُقال جَدْعاً وقَطْعاً، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بفعْل لَا يَظْهَر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «كَانَ بَيْننَا وبَيْنَهم خُمَاشَاتٌ فِي الجاهليَّة» واحدُها خُمَاشَةٌ: أَيْ جرَاحات وجنَايات، وَهِيَ كُلُّ مَا كَانَ دُون القَتْل والدّيَة مِنْ قَطْع، أَوْ جَدْع، أَوْ جَرْح، أَوْ ضَرْب أَوْ نَهْب وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الأذَى.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَسن «وسُئل عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» فَقَالَ: هَذَا مِنَ الخُمَاشِ» أرادَ الجِرَاحات الَّتِي لَا قِصاص فِيهَا.

(خَمَصَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُمْصَان الْأَخْمَصَيْنِ» الْأَخْمَصُ مِنَ القَدَم:
الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَلْصَق بِالْأَرْضِ مِنْهَا عِنْدَ الوَطْء، والخُمْصَان المُبالغ مِنْهُ: أَيْ أنَّ ذَلِكَ المَوْضع مِنْ أسْفَل قدَميه شَدِيدُ التَّجَافِي عَنِ الْأَرْضِ. وسُئل ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ فقال: إذا كان خَمْصُ الْأَخْمَص بقدرلم يَرْتَفِع جِدًّا وَلَمْ يَسْتَوِ أسْفَلُ القَدم جِدًّا فَهُوَ أحْسن مَا يَكُونُ، وَإِذَا اسْتَوى أَوِ ارْتَفع جِدًّا فَهُوَ مَذْمُوم، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ أَخْمَصه مُعْتدِل الخَمَصِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. والخَمْصُ والخَمْصَةُ والمَخْمَصَةُ: الجُوع والمَجَاعة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «رأيتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْصا شَدِيدًا» وَيُقَالُ رَجُلٌ خُمْصَان وخَمِيص إِذَا كَانَ ضَامِر البطْن، وجَمْع الخَمِيص خِمَاصٌ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كالطَّيْر تَغْدُو خِمَاصاً وتَروح بِطاناً» أَيْ تَغْدُو بُكْرة وَهِيَ جِياع، وتَروح عِشاَء وَهِيَ مُمْتَلِئة الأجْواف.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «خِمَاص البُطون خِفَاف الظُّهُور» أَيْ أنَّهُم أعِفَّة عَنْ أَمْوَالِ الناس، فهو ضامر والبطون مِنْ أكْلِها، خفَاف الظُّهور منْ ثِقَل وِزْرِها.
(هـ) وَفِيهِ «جِئْتُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ جَوْنِّية» قَدْ تَكَرَّرَ ذكْر الْخَمِيصَة فِي الْحَدِيثِ،

(2/80)


وَهِيَ ثَوْب خَزٍّ أَوْ صُوف مُعْلَم. وَقِيلَ لَا تُسَمَّى خَمِيصَة إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَوْدَاء مُعْلَمة، وَكَانَتْ مِنْ لِبَاس النَّاسِ قديِماً، وجَمْعُها الخَمَائِصُ.

(خَمَطَ)
(س) فِي حَدِيثِ رِفاعة بْنِ رَافِعٍ «قَالَ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاء، فَتَخَمَّطَ عُمَرُ» أَيْ غَضِب.

(خَمَلَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ جهَّز فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي خَمِيل وقِرْبَة وَوِسَادَةِ أدَمٍ» الْخَمِيلُ والخَمِيلَةُ: القَطيفَة، وَهِيَ كُلُّ ثَوْب لَهُ خَمْل مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. وقِيل: الخَمِيلُ الأسْوَد مِنَ الثِّيَاب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «إِنَّهُ أدْخَلَني مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ» (س) وَحَدِيثُ فَضَالة «أَنَّهُ مَرَّ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ عَلَى خَمْلَة بَيْن أَشْجَارٍ فَأَصَابَ مِنْهَا» أَرَادَ بالخَمْلَة الثَّوب الَّذِي لَهُ خَمْلٌ. وَقِيلَ الصَّحيح عَلَى خَمِيلَةٍ، وَهِيَ الْأَرْضُ السَّهْلة اللَّيِّنة.
[هـ] وَفِيهِ «اذْكُروا اللَّهَ ذِكْرًا خَامِلًا» أَيْ مُنْخَفِضاً تَوقِيرا لجلاَلِه. يُقَال خَمَلَ صَوْتَه إِذَا وَضَعه وأخْفاه وَلَمْ يَرْفَعه.

(خَمَمَ)
(هـ) فِيهِ «سُئل أيُّ النَّاس أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّادق اللّساَن، الْمَخْمُومُ القلْب» وَفِي رِواية «ذُو القَلْب المَخْمُوم، واللِّسَانِ الصَّادِق» جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أنَّه النَّقِيُّ الَّذِي لَا غِلَّ فِيهِ وَلَا حَسد، وهُو مِنْ خَمَمْتُ البَيْت إِذَا كنَسْتَه.
(س) وَمِنْهُ قَوْلُ مَالِكٍ «وَعَلَى المُسَاقي خَمُّ العَيْن» أَيْ كَنْسُها وتَنْظِيفُها.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «مَنْ أحَبَّ أنْ يَسْتَخِمَّ لَهُ الرجالُ قِياما» قَالَ الطَّحاوي: هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، يُرِيدُ أَنْ تَتَغيَّر رَوَائِحهم مِنْ طولِ قيامِهم عِنْدَهُ. يُقال: خَمَّ الشّيءُ وأَخَمَّ إِذَا تَغَيَّرتْ رائِحتُه. ويُروى بِالْجِيمِ. وَقَدْ تَقَدَّم.
[هـ] وَفِيهِ ذِكْرُ «غدِير خُمٍّ» موضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تصبُّ فِيهِ عينٌ هُنَاك، وَبَيْنَهُمَا مَسْجِدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم.
فِيهِ ذِكْرُ «خُمَّى» بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ، وَهِيَ بئرٌ قَدِيمَةٌ كَانَتْ بِمَكَّةَ.

(2/81)


بَابُ الْخَاءِ مَعَ النُّونِ

(خَنَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «فِي الْخِنَّابَتَيْنِ إِذَا خُرِمَتَا، قَالَ فِي كُلِّ واحدةٍ ثُلُثُ ديةِ الْأَنْفِ» هُمَا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: جَانِبَا الْمِنْخَرَيْنِ عَنْ يَمِينِ الْوَتَرَةِ وَشِمَالِهَا. وهَمَزها اللَّيْثُ.
وأنكَرَه الْأَزْهَرِيُّ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ.

(خَنَثَ)
(هـ) فِيهِ «نَهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأسْقيةِ» خَنَثْتُ السِّقاء إِذَا ثَنَيتَ فَمَهُ إِلَى خَارِجٍ وشرِبتَ مِنْهُ، وقَبَعتُه إِذَا ثنيتَه إِلَى دَاخِلٍ. وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لأنهُ يُنَتِّنُها، فَإِنَّ إدامةَ الشُّرب هَكَذَا مِمَّا يُغَيِّر رِيحها. وَقِيلَ لَا يُؤْمن أَنْ يَكُونَ فِيهَا هامَّةٌ. وَقِيلَ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ الماءُ عَلَى الشَّارِبِ لِسَعَةِ فَمِ السِّقاء. وَقَدْ جَاءَ فِي حديثٍ آخَرَ إِباحتُه. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهيُ خَاصًّا بِالسِّقَاءِ الْكَبِيرِ دُونَ الْإِدَاوَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَشرب مِنَ الإدواة وَلَا يَخْتَنِثُهَا، ويُسَمِّيها نَفْعةَ» سَمَّاهَا بالمرَّة، مِنَ النَّفْع، وَلَمْ يَصْرِفْها لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي ذكرِ وفاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَتْ: فَانْخَنَثَ فِي حَجرِي فَمَا شَعَرْتُ حَتَّى قُبِضَ» أَيِ انْكَسر وانْثَنَى لاسْتِرخاء أَعْضَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ.

(خَنْبَجَ)
فِي حَدِيثِ تَحْرِيم الخَمْر ذكرُ «الخَنَابِجِ» قِيلَ هِيَ حِبابٌ تُدَسُّ فِي الْأَرْضِ الْوَاحِدَةُ خُنْبُجَة، وَهِيَ مُعُرَّبة.

(خَنْدَفَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «سَمِع رجُلا يقول: يا لَخِنْدِف، فَخَرَجَ وَبِيَدِهِ السيفُ وَهُوَ يَقُولُ: أُخَنْدِفُ إِلَيْكَ أيُّها الْمُخَنْدِفُ» الْخَنْدَفَةُ: الهرْوَلةُ والإسراعُ فِي الْمَشْيِ. يقولُ يَا مَن يَدعو خِنْدِفاً أَنَا أُجيبُك وَآتِيكَ. وخِنْدِفُ فِي الْأَصْلِ لَقبُ لَيْلَى بِنْتِ عِمران بْنِ إِلْحَافِ بْنِ قُضاعةَ، سُمِيت بِهَا الْقَبِيلَةُ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ التَّعَزِي بعَزاء الجاهليَّة.

(خَنْدَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ، حِينَ أسَرَه أَبُو اليَسَر يَوْمَ بَدْر، قَالَ «إِنَّهُ لأعْظَمُ فِي عَيْنَيَّ مِنَ الخَنْدَمَة» قَالَ أَبُو مُوسَى: أظُنّه جَبَلا. قُلْتُ: هُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَكَّةَ.

(2/82)


(خَنَزَ)
(هـ) فِيهِ «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا خَنِزَ اللحمُ» أَيْ مَا أنْتَنَ يُقَالُ خَنِزَ يَخْنَزُ، وخَزِنَ يَخْزَن، إِذَا تَغَيَّرت ريحُه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَضَى قَضاءً فاعْتَرَض عَلَيْهِ بعضُ الحَرُورِيَّة، فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ يَا خُنَّازُ» الْخُنَّازُ: الوَزَغَةُ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا سامُّ أبْرَص.
(س) وَفِيهِ ذِكْرُ «الخُنْزُوَانَة» وَهِيَ الكِبْر؛ لِأَنَّهَا تُغَيِّر عَنِ السَّمْت الصَّالِحِ، وَهِيَ فُعْلُوَانةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فُنْعُلانةٌ، مِنَ الخَزْوِ، وَهُوَ القَهْرُ، وَالْأَوَّلُ أَصح.

(خنزب)
(س) في حديث الصلاة «ذلك شيطانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَب» قَالَ أَبُو عَمْرٍو:
وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ. والْخَنْزَبُ قِطْعةٌ لَحْم مُنْتِنةٌ، وَيُرْوَى بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ.

(خَنَسَ)
(هـ) فِيهِ «الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ إِلَى الْعَبْدِ، فَإِذَا ذَكَر اللَّهَ خَنَسَ» أَيِ انقَبَضَ وَتَأَخَّرَ «1» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَتَخْنِسُ بالجبَّارِين فِي النَّارِ» أَيْ تُدخِلُهم وتُغَيِّبُهم فِيهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «فَتَخْنِسُ بِهِمُ النارُ» «2» وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أتيتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فأقامَني حِذاءَه، فَلَمَّا أقْبل عَلَى صَلَاتِهِ انْخَنَسْتُ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقيهَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، قَالَ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «اخْتَنَسْتُ» عَلَى المُطاوَعة بِالنُّونِ وَالتَّاءِ. ويُروى «فانْتَجشْتُ» بِالْجِيمِ وَالشِّينِ، وَسَيَجِيءُ.
وَحَدِيثُ الطُّفَيلِ «أتيتُ ابْنَ عُمَرَ فَخَنَسَ عَنِّي أَوْ حَبَسَ» هَكَذَا جَاءَ بالشك.
__________
(1) أنشد الهروي للعلاء الحضرمي- وأنشده رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وإنْ دَحَسُوا بالشَّرِّ فَاعْفُ تَكَرُّمًا ... وَإِنْ خَنَسُوا عَنْكَ الْحَدِيثَ فَلَا تَسَلْ
وانظر «دحس» فيما يأتي.
(2) في الدر النثير: قال ابن الجوزي: أي تجذبهم وتتأخر.

(2/83)


(هـ) وَحَدِيثُ صَوْمِ رَمَضَانَ «وخَنَسَ إبهامَه فِي الثَّالِثَةِ» أَيْ قَبَضَها.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ كَانَ لَهُ نَخْلٌ فَخَنَسَتِ النَّخْل» أَيْ تَأَخَّرَتْ عَنْ قَبُولِ التَّلْقِيح فَلَمْ يُؤثّر فِيهَا وَلَمْ تحملى تِلْكَ السَّنة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «سمعتُه يَقْرَأُ «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ»
هِيَ الْكَوَاكِبُ لِأَنَّهَا تَغِيب بِالنَّهَارِ وتَظْهَرُ بالليلِ. وَقِيلَ هِيَ الْكَوَاكِبُ الخمسةُ السَّيَّارةُ. وَقِيلَ زُحَل والمُشترِي والمِرِّيخُ والزُّهَرة وعُطارِد، يُرِيدُ بِهِ مَسِيرَها ورُجوعَها، لقوله تعالى «الْجَوارِ الْكُنَّسِ» وَلَا يَرجعُ مِنَ الْكَوَاكِبِ غيرُها. وَوَاحِدُ الخُنَّس خَانِسٌ.
(س) وَفِيهِ «تُقاتِلون قَوْمًا خُنْسَ الآنُفِ» الخَنَسُ بِالتَّحْرِيكِ: انقِباضُ قَصبةِ الْأَنْفِ وعِرَضُ الأرنَبةِ. والرَّجُل أَخْنَسُ. وَالْجَمْعُ خُنْسٌ. وَالْمُرَادُ بِهِمُ التُّرْكُ، لِأَنَّهُ الغالبُ عَلَى آنافِهم، وَهُوَ شَبيه بالفَطَسِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي المِنْهال فِي صِفَةِ النارِ «وعَقاربُ أَمْثَالُ البِغالِ الخُنْسِ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمير «وَاللَّهِ لَفُطْسٌ خُنْسٌ، بزُبْد جَمْسٍ، يَغِيبُ فِيهَا الضِّرْسُ» أَرَادَ بالفُطْسِ نَوْعًا مِنْ تَمْر الْمَدِينَةِ، وشبَّهه فِي اكتِنازِه وانْحِنائه بِالْأُنُوفِ الْخُنْسِ؛ لِأَنَّهَا صِغَارُ الْحَبِّ لاطِئةُ الْأَقْمَاعِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «إِنَّ الْإِبِلَ ضُمَّزٌ «1» خُنَّسٌ مَا جُشِّمَت جَشِمت» الخُنَّسُ جَمْعُ خَانِسٍ: أَيْ مُتِأخِّرٍ. والضُّمَّزُ. جَمْعُ ضَامِزٍ. وَهُوَ المُمْسِك عَنِ الجِرَّة: أَيْ أَنَّها صَوابِرُ عَلَى العَطَش وَمَا حَمَّلْتهَا حَمَلَتْه. وَفِي كِتَابِ الزَّمَخْشَرِيِّ «ضُمَّر وحُبُسٌ «2» » بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ.

(خَنَعَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ أَخْنَعَ اْلأََسْمَاءْ مَنْ تَسَمَّى مَلِك الأمْلاك» أَيْ أذَلَّهَا وأوْضَعَها.
والخَانِعُ: الذَّلِيلُ الخَاضِعُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ يَصف أَبَا بَكْرٍ «وشَمَّرْتَ إذْ خَنَعُوا» .

(خَنَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَتَاهُ قوْمٌ فَقَالُوا: أحْرَق بُطونَنَا التَّمرُ، وتَخَرَّقَتْ عَنَّا الخُنُفُ» هِيَ جمْعُ خَنِيفٍ، وَهُوَ نَوْعٌ غَلِيظٌ مِنْ أَرْدَأِ الكَتَّان، أَرَادَ ثِيَاباً تُعْمَل منه كانوا يَلْبَسُونها.
__________
(1) فى الأصل وا «ضمر» بالراء. والتصويب من اللسان. وانظر تعليقنا ص 330 من الجزء الأول
(2) الذي في الفائق 1/ 639 بالخاء المعجمة والنون المشددة المفتوحة وفيه «ضمر» بالراء.

(2/84)


وَمِنْهُ رَجَزُ كَعْبٍ:
ومَذْقةٍ كُطرَّةِ الخَنِيفِ المَذْقةُ: الشَّرْبَة مِنَ اللَّبن الممزُوج، شَبَّه لونَها بطُرَّة الخَنِيف.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «إِنَّ الإبلَ ضُمَّزٌ خُنُفٌ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْفَاءِ، جَمْع خَنُوفٍ، وَهِيَ النَّاقَة الَّتِي إِذَا سَارَتْ قَلَبت خفّ يدها إلى وَحْشِيِّهِ مِنْ خَارِجٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «أنه قال لحالب نَاقةٍ: كَيْفَ تَحْلبُها؟ أخَنْفاً، أَمْ مَصْراً، أَمْ فَطْرًا» الخَنْفُ: الحَلْبُ بِأَرْبَعِ أصابِعَ يَسْتَعِينُ معَها بِالْإِبْهَامِ.

(خَنَقَ)
فِي حَدِيثِ مُعَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «سيكُون عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤخّرُون الصَّلاَةَ عَنْ مِيقَاتِها، ويَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَق المَوْتَى» أَيْ يُضَيِّقُونَ وقْتهَا بتَأخِيرها. يُقَالُ خَنَقْتُ الوَقْت أَخْنُقُهُ إِذَا أخَّرْتَه وضَيَّقْتَه. وَهُمْ فِي خُنَاق مِنَ المَوتِ، أَيْ فِي ضِيقٍ.

(خَنَنَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُسْمَعُ خَنِينُهُ فِي الصَّلَاةِ» الخَنِينُ: ضربٌ مِنَ البُكَاء دُون الِانْتِحَابِ. وأصلُ الخَنِينِ خُرُوجُ الصَّوتِ مِنَ الأنفِ، كَالحنِين مِنَ الْفَمِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «فغَطَى أصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُم لَهُمْ خَنِينٌ» .
(س) وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ الحَسَن: إِنَّكَ تَخِنُّ خَنِينَ الجَارِية» .
(س) وَحَدِيثُ خَالِدٍ «فأخْبَرَهم الخَبَر فَخَنُّوا يَبْكُون» .
وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ «قَامَ بالْبَاب لَهُ خَنِينٌ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَ لَهَا بَنُو تمِيم: هَلْ لَكِ فِي الأحنَفِ؟ قَالَتْ: لَا، ولكِنْ كُونوا عَلَى مَخَنَّتِهِ» أَيْ طَرِيقَته. وَأَصْلُ الْمَخَنَّةِ: المحَجَّة البينَّة، والفِنَاءُ، ووسَط الدَّارِ، وَذَلِكَ أَنَّ الأحْنَفَ تَكَلَّم فِيهَا بِكَلِمَاتٍ، وَقَالَ أَبْيَاتًا يَلُومُها فِيهَا فِي وقْعَة الْجَمَلِ مِنْهَا:
فَلَوْ كانَتِ الأكْنانُ دُونَكِ لَمْ يَجِدْ ... عَلَيْكِ مَقَالًا ذُو أَذَاةٍ يَقُولُهَا
فبَلغَها كلامُه وشِعْرُه فَقَالَتْ: أَلِيَ كَانَ يَسْتَجِمُّ مَثَابَةَ سَفَهِهِ، وَمَا لِلأحْنَفِ والعَربِيَّة، وإنَّما هُم عُلُوجٌ لآلِ عُبُيدِ اللَّهِ سَكَنُوا الرّيفَ، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو عُقُوقَ أبْنَائِي، ثُمَّ قَالَتْ:
بُنَيَّ اتَّعِظْ إنَّ الموَاعِظَ سَهْلَةٌ ... ويُوشِكَ أنْ تَكْتَانَ وَعْراً سَبِيلُها

(2/85)


وَلَا تَنْسَيَنْ فِي اللَّهِ حَقَّ أُمُومَتِي ... فإنَّكَ أوْلَى النَّاسِ أنْ لَا تَقُولهَا
وَلَا تَنْطِقَنْ فِي أُمَّة ليَ بِالخَنا ... حَنِيفِيَّةٍ قَدْ كَانَ بَعْلي رَسُولَها

(خَنَا)
فِيهِ «أَخْنَى الأسْماء عِنْدَ اللَّهِ رجلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأْملاك» الخَنَا: الفُحْشُ فِي الْقَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ إِذَا مَال عَلَيْهِ وأهْلكه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ لَمْ يَدَع الخَنَا والكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِي أَنْ يَدَع طعامَه وشَرابَه» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ «فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُهَينَة: وَاللَّهِ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيُخْنِيَ بابْنِه فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْر» أَيْ يُسْلِمَهُ ويُخْفِر ذمَّتَه، هُوَ مِن أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر الخَنَا فِي الْحَدِيثِ.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْوَاوِ

(خَوَبَ)
(هـ) فِيهِ «نَعُوذُ بِكَ مِنَ الخَوْبَةِ» يُقَالُ خَابَ يَخُوبُ خَوْباً إِذَا افْتَقَر.
وأصَابَتْهم خَوْبَةٌ إِذَا ذَهَب مَا عِندَهُم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّلِب بْنِ ثَعْلبة «أصابَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْبَةٌ فاسْتَقْرَضَ مِنّي طَعَامًا» ، أَيْ حاجَةٌ.

(خَوَتَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْل وبِنَاء الكَعْبة «قَالَ: فسَمِعْنا خَوَاتاً مِنَ السَّمَاءِ» أَيْ صَوْتاً مثلَ حَفِيفِ جَناحِ الطَّائر الضَّخْم. خَاتَتِ العُقَابُ تَخُوتُ خَوْتاً وخَوَاتاً.

(خَوَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ التَّلِب «أَصَابَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْثَةٌ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَرَاهَا مَحْفُوظةً، وَإِنَّمَا هِيَ بالبَاء المُفْرَدَة. وَقَدْ ذُكِرَت.

(خَوَخَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَبْقى فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّت، إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إِلَّا خَوْخَةَ عَليّ» الخَوْخَةُ: بابٌ صغِيرٌ كالنَّافِذَة الكَبِيرَة، وتكُون بَيْن بَيْتَيْن يُنْصَبُ عَلَيْهَا بابٌ.
وَفِي حَدِيثِ حاطِب ذِكر «رَوْضَة خَاخٍ» هِيَ بخَاءَيْن مُعْجَمتين: مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.

(2/86)


(خَوَرَ)
فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «يَحْمِل بَعيراً لَهُ رُغَاء، أوْ بقَرةً لَهَا خُوَارٌ» الخُوَارُ:
صَوْتُ البَقر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَقْتَل أُبيّ بْنِ خَلَفٍ «فَخرَّ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ» .
(هـ) وَفِي حديث عمر «لن تَخُورَ قوى مادام صاحِبُها يَنْزِعُ ويَنْزُو» خَارَ يَخُورُ إِذَا ضَعُفَت قُوَّته وَوَهت: أَيْ لَنْ يَضْعُف صاحبُ قُوَّة يَقْدِرُ أَنْ يَنْزعَ فِي قَوْسه، ويَثِبَ إِلَى ظَهْر دَابَّتِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ لِعُمَر: اجَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وخَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «لَيْسَ أخو الحرب من يضع خُورَ الحشايا عن يَمينه وَعَنْ شِمَاله» أَيْ يَضَع لِيَانَ الفُرُش والأوْطِيَة وضِعافَها عِنْدَهُ، وَهِيَ الَّتي لَا تُحْشى بِالْأَشْيَاءِ الصُّلْبة.

(خَوَزَ)
فِيهِ ذِكْرُ «خُوزِ كِرْمَان» وَرُوِيَ «خُوز وَكِرْمَانِ» والْخُوزُ: جِيل معروفٌ، وكِرْمان: صُقْع معروفٌ فِي العَجَم. وَيُرْوَى بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنْ أَرْضِ فَارِسٍ، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقِيلَ إِذَا أضفْتَ فَبِالرَّاءِ، وَإِذَا عَطفتَ فَبِالزَّايِ.

(خَوَصَ)
فِي حَدِيثِ تَميم الدارِيّ «فَفَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصاً بِذَهَب» أي عليه صفائح الذَّهّب مِثْل خُوصِ النَّخل.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَثَل المرأةِ الصَّالِحة مَثَل التَّاج الْمُخَوَّص بالذَّهَب» .
(هـ) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «وَعَلَيْهِ دِيبَاج مُخَوَّصٌ بالذَّهَب» أَيْ منْسُوج بِهِ كَخُوصِ النَّخْل، وَهُوَ وَرَقُه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ الرَّجْمَ أُنْزِل فِي الأحْزاب، وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي خُوصَةٍ فِي بيْت عَائِشَةَ فأكَلَتْها شَاتُها» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ «تَرَكْتُ الثُمَامَ قَدْ خَاصَ» كَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وإنَّما هُوَ أَخْوَصَ: أَيْ تَّمَتْ خُوصَتُهُ طالعَةً.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وعَطائِة «أَنَّهُ كَانَ يَزْعَبُ لِقَوم ويُخَوِّصُ لقَوم» أَيْ يُكْثِرُ. ويُقَلّلُ:
يُقَالُ خَوِّصْ مَا أعْطاك: أَيْ خُذْه وإنْ قَلَّ.

(2/87)


(خَوَضَ)
(س) فِيهِ «رُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى» أَصْلُ الخَوْضِ: المَشْيُ فِي الْمَاءِ وتحرِيكُه، ثُمَّ استُعمْل فِي التَّلبُّس بِالْأَمْرِ والتصرُّف فِيهِ: أَيْ رُبَّ مُتَصَرِّفٍ فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَرْضاه اللَّهُ. والتَّخَوُّضُ: تفَعُّل مِنْهُ. وَقِيلَ هُوَ التَّخْليط فِي تَحْصيله مِنْ غَيْرِ وجُهه كيْف أمْكَن.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «يَتَخَوَّضُون فِي مَالِ اللَّهِ» .

(خَوَفَ)
فِي حَدِيثِ عُمر «نِعْمَ المَرءُ صُهَيبٌ لَوْ لَم يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِه» أَرَادَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُطيعُ اللهَ حُبًّاً لَهُ لَا خَوْفَ عِقابه، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِقَابٌ يَخَافُهُ مَا عَصَى اللهَ، فَفِي الْكَلَامِ محذوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعصِه فَكَيْفَ وَقَدْ خَافَهُ!.
وَفِيهِ «أَخِيفُوا الهَوامَّ قَبْلَ أَنْ تُخِيفَكُمْ» أَيِ اْحتَرِسوا مِنْهَا، فَإِذَا ظَهَر مِنْهَا شَيْءٌ فاقتُلوه:
الْمَعْنَى اجْعَلُوها تَخَافُكُمْ، وَاحْمِلُوهَا عَلَى الخَوْف مِنْكُمْ؛ لِأَنَّهَا إِذَا رأتْكم تَقتلونها فَرَّتْ مِنْكُمْ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَثَل المُؤمن كمَثَل خَافَةِ الزَّرْعِ» الخَافَةُ: وِعاءُ الحَبِّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا وِقاية لَهُ. والروايةُ بِالْمِيمِ، وَسَتَجِيءُ.

(خَوَقَ)
فِيهِ «أَمَا تَستطِيع إحْداكنّ أَنْ تَأخُذَ خَوْقاً مِنْ فِضَّةٍ فَتَطْلِيهِ بِزَعْفَرَانَ» الْخَوْقُ: الْحَلْقَةُ.

(خَوَلَ)
فِي حَدِيثِ العَبيد «هُمْ إخْوانُكم وخَوَلُكُم، جَعَلَهم اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ» الخَوَلُ:
حَشَمُ الرجُل وأتباعُه، وأحدُهم خَائِلٌ. وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، ويقَعُ عَلَى العَبدِ والأمَة، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّخْوِيل: التَّمليك. وَقِيلَ مِنَ الرِّعاية.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ كَانَ عبادُ اللهِ خَوَلًا» أَيْ خَدَماً وعَبيدا. يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْتخدِمونهم ويَسْتعبِدونَهم.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظةِ» أَيْ يَتعهَّدُنا، مِنْ قَولهم فُلَانٌ خَائِلُ مالٍ، وَهُوَ الَّذِي يُصْلِحُه ويقومُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الصوابُ: يَتَحوَّلُنا بِالْحَاءِ؛ أَيْ يَطلُبُ الحالَ الَّتِي يَنْشَطون فِيهَا للموْعَظة فيَعِظُهم فِيهَا، وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِمْ فيمَلُّوا. وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَرْوِيهِ: يَتَخَوَّنُنَا بالنون؛ أى يتعدّنا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ دَعَا خَوَلِيَّهُ» الْخَوَلِيُّ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ:

(2/88)


القَيِّم بِأَمْرِ الإبلِ وَإِصْلَاحِهَا، مِنَ التَّخَوُّلِ: التَّعَهُّد وحُسنِ الرِّعايةِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ قَالَ لعُمر: «إِنَّا لَا نَنْبُو فِي يَدَيْك وَلَا نَخُولُ عَلَيْكَ» : أَيْ لَا نَتَكبَّرُ عَلَيْكَ. يُقَالُ خَالَ الرجُل يَخُولُ، واخْتَالَ يَخْتَالُ إِذَا تَكَبَّر. وَهُوَ ذُو مَخِيلَةٍ.

(خَوَمَ)
(س) فِيهِ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُها الرِّيَاحُ» هِيَ الطَّاقَةُ الغَضَّة اللَّيِّنة مِنَ الزَّرع، وألِفُها مُنقلبةٌ عَنْ وَاوٍ.

(خَوَنَ)
(س) فِيهِ «مَا كَانَ لنَبيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأعيُنِ» أَيْ يُضْمِرُ فِي نفسهِ غيرَ مَا يُظْهِرُه، فَإِذَا كَفَّ لِسَانَهُ وأومَأَ بعَينِه فَقَدْ خَانَ، وَإِذَا كَانَ ظُهور تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ قِبَل الْعَيْنِ سَمِّيت خَائِنَةَ الأعْيُنِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ»
أَيْ مَا يَخُونُونَ فِيهِ مِنْ مُسارَقة النَّظرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ. والْخَائِنَةُ بِمَعْنَى الخِيَانَةِ، وَهِيَ مِنَ المَصادرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى لَفْظِ الْفَاعِلِ، كالعافيةِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَدَّ شهادةَ الْخَائِنِ والْخَائِنَة» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا نَراه خَصَّ بِهِ الخِيَانَةَ فِي أماناتِ النَّاسِ دُونَ مَا افْتَرضَ اللَّهُ عَلَى عِبادِه وائْتَمنهم عَلَيْهِ، فإنه قد سَمَّى ذلك أمانه فقال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ»
فَمَنْ ضَيَّعَ شَيْئًا مِمَّا أمَر اللَّهُ بِهِ، أَوْ رَكِبَ شَيْئًا مِمَّا نَهَى عَنْهُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلاً.
(س) وَفِيهِ «نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرجلُ أهلَه لَيْلاً لِئلا يَتَخَوَّنَهُمْ» أَيْ يَطْلُبَ خِيَانَتَهُمْ وعَثَراتِهم ويَتَّهَمَهم.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَقَدْ تمثَّلَتْ بِبَيْتِ لَبيد بْنِ رَبِيعَةَ:
يَتَحدّثون مَخَانَةً ومَلاذةً ... ويُعابُ قائلُهم وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ
المَخَانَةُ: مَصْدرٌ مِنَ الخِيَانَةِ. والتَّخَوُّنُ: التَّنقُّص.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
لَمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «فَإِذَا أنَا بِأَخَاوِينَ عَلَيْهَا لُحُومٌ مُنْتِنَةٌ» هِيَ جَمْعُ خِوَانٍ وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعام عِنْدَ الْأَكْلِ.

(2/89)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّابة «حَتَّى إنَّ أَهْلَ الخِوَانِ ليَجْتَمِعُون فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤمنُ، وَهَذَا يَا كافِرُ» وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ «الإْخَوان» بِهَمْزَةٍ، وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.

(خُوَّةٌ)
فِي صِفَةِ أَبِي بَكْرٍ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخذاً خَلِيلًا لاتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ولكنْ خُوَّة الْإِسْلَامِ» كَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَهِيَ لُغَةٌ فِي الأخُوَّة، وَلَيْسَ مَوْضعها، وإنَّما ذَكَرْنَاهَا لِأَجْلِ لَفْظِهَا.
(هـ) وَفِيهِ «فَأَخَذَ أَبَا جّهْل خُوَّةٌ فَلَا يَنْطِقُ» أَيْ فَتْرةٌ. وَكَذَلِكَ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَهُ، والهَاء فِيهِمَا زائدةٌ.

(خَوَى)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى» أَيْ جَافَى بَطْنَه عَنِ الْأَرْضِ ورفَعَها، وجَافَى عضُدَيه عَنْ جَنْبَيه حَتَّى يَخْوَى مَا بيْن ذَلِكَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَليٍّ «إِذَا سَجَدَ الرَّجُلُ فَلْيُخَوِّ، وَإِذَا سَجَدت الْمَرْأَةُ فَلْتَحْتَفِزْ» .
وَفِي حَدِيثِ صَلَة «فسَمِعتُ كخَوَايَةِ الطائر» الخَوَايَةُ: حَفِيفُ الجَناح.
وَفِي حَدِيثِ سَهْل «فإذَا هُم بِدِيَارٍ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشِهَا» خَوَى الْبَيْتُ إِذَا سَقَط وخَلا فَهُوَ خَاوٍ، وعُروشُها: سُقوفُها.

بَابُ الْخَاءِ مَعَ الْيَاءِ

(خَيَبَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ بالقِدْح الْأَخْيَبِ» أَيْ بالسَّهْم الْخَائِبِ الَّذِي لَا نَصِيبَ لَهُ مِنْ قِدَاح المَيْسِر، وَهِيَ ثلاثةٌ: المَنِيحُ، والسَّفِيحُ، والوَغْدُ. والْخَيْبَةُ: الحِرمَانُ والخُسْرَان. وَقَدْ خَابَ يَخِيبُ ويَخُوبُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خَيْبَةً لَك» وَ «يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» . وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(خَيْتَعُورٌ)
فِيهِ «ذَاكَ ذِئبُ العَقَبة يُقَالُ لَهُ الْخَيْتَعُورُ» يُريد شيطانَ العَقَبةِ، فَجَعَلَ الْخَيْتَعُور اسْما لَهُ، وَهُوَ كُلّ شَيْءٍ يَضْمَحِلُّ وَلَا يَدُوم عَلَى حالةٍ واحدةٍ، أولا تَكُونُ لَهُ حقيقةٌ كالسَّرَاب وَنَحْوِهِ، ورُبَّما سَمَّوا الدَّاهِيَة والغُولَ خَيْتَعُوراً، وَالْيَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ.

(2/90)


(خَيَرَ)
فِيهِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنا الِاسْتِخَارَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ» الْخَيْرُ ضِدُّ الشَّر. تَقُولُ مِنْهُ خِرْتُ يَا رجُل. فأنتَ خَائِرٌ وخَيِّرٌ. وخَارَ اللَّهُ لَكَ: أَيْ أَعْطَاكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَك. والخِيرَةُ بِسُكُونِ الْيَاءِ: الاسمُ مِنْهُ. فَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهِيَ الِاسْمُ، مِنْ قَوْلِكَ اخْتَارَهُ اللَّهُ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِه. يُقَالُ بِالْفَتْحِ والسُّكون. والِاسْتِخَارَةُ: طَلَبُ الخِيَرَة فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ. يُقَالُ اسْتَخِرِ اللهَ يَخِرْ لَك.
وَمِنْهُ دُعاء الِاسْتِخَارَة «اللهُمَّ خِرْ لِي» أَيِ اخْتَرْ لِي أصلَحَ الأمْرَين، واجْعَلْ لِي الخِيَرَةَ فِيهِ.
وَفِيهِ «خَيْرُ النَّاس خَيْرُهُمْ لِنَفْسِهِ» معْناه إِذَا جَامَلَ النَّاسَ جَامَلُوه، وَإِذَا أحْسَن إليهم كَافَأُوه بمثلِه.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا.
(هـ) وَفِيهِ «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» أَيْ لَمْ أرَ مِثْلهُما لاَ يُمَيَّز بَيْنَهُما، فَيُبَالَغُ فِي طَلَبِ الْجَنَّةِ وَالْهَرَبِ مِنَ النَّارِ.
(هـ) وَفِيهِ «أعْطِه جَمَلاً خِيَاراً رَباعِياً» يُقَالُ جَملٌ خِيَارٌ وَنَاقَةٌ خِيَارٌ، أَيْ مُخْتَارٌ ومُخْتَارَةٌ.
وَفِيهِ «تَخَيَّرُوا لنُطَفكُمْ» أَيِ اطْلُبُوا مَا هُو خَيْرُ المَنَاكِح وَأَزْكَاهَا، وأبْعَدُ مِنَ الخُبْثِ والفُجور.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذرٍّ «أَنَّ أَخَاهُ أُنَيْسأً نَافَرَ رَجُلا عَنْ صِرْمَةٍ لَهُ وَعَنْ مِثْلِها، فَخُيِّرَ أُنَيْسٌ فأخَذ الصِّرمةَ» أَيْ فُضّلَ وغُلّبَ. يُقَالُ نافَرْتُه فنَفَرْتُه، وخَايَرْتُهُ فَخِرْتُهُ: أَيْ غلَبْته.
وَقَدْ كَانَ خَايَرَهُ فِي الشِّعر.
وَفِي حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيل «أَنَّهُ خَيَّرَ فِي ثلاثٍ» أَيْ جَعلَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا وَاحِدًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ بَرِيرة «أنَّها خُيِّرَتْ فِي زَوْجها» بِالضَّمِّ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ «خَيَّرَ بينَ دُورِ الأنصارِ» فَيُريد: فَضَّلَ بَعْضها عَلَى بَعْضٍ.
وَفِيهِ «البَيّعانِ بالخِيَار مَا لَمْ يتَفَرَّقا» الخِيَار: الاسمُ مِن الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الأمْرَين إِمَّا إمْضَاء البَيع، أَوْ فسْخه، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: خِيَار المجْلِس، وخِيَار الشَّرط، وخِيَار النَّقِيصَة:

(2/91)


أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فالأصْلُ فِيهِ قولُه «البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفرّقا إلاَّ بيعَ الخِيَار» أَيْ إِلَّا بَيْعاً شُرِطَ فِيهِ الخِيَار فَلَا يَلْزَمُ بالتَّفَرُّق. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إلاَّ بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ نَفْيُ خِيَار المجلِس فَيَلْزَمُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ قَوْمٍ. وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرطِ فَلَا تَزِيدُ مُدّته عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الشَّافعي، أَوَّلُهَا مِنْ حال العقد أو من حَالِ التَّفرُّق.
وَأَمَّا خِيَارُ النَّقِيصَةِ فَأَنْ يَظْهَر بِالْمَبِيعِ عيبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ أَوْ يَلْتزمُ البائعُ فِيهِ شَرْطًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

(خَيَسَ)
فِيهِ «إِنِّي لَا أَخِيسُ بالعَهد» أَيْ لَا أنْقُضُه. يُقَالُ خَاسَ بِعَهْدِه يَخِيسُ، وخَاسَ بوَعْده إِذَا أخْلَفه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أنه بَنَى سِجْنًا فسمّاه الْمُخَيَّس الْمُخَيِّس» ، وقال:
بنيت بعد نافع مُخَيَّساً مُخَيِّساً ... بَابًا حَصِيناً وأمِيناً كَيِّسا
نَافِعٌ: اسمُ حَبْس كَانَ لَهُ مِنْ قَصَب، هربَ مِنْهُ طائِفةٌ مِنَ المُحَبَّسين، فبَنَى هَذَا مِنْ مَدَرٍ وسَمَّاه المُخَيَّس، وتُفْتح يَاؤُهُ وتُكْسر. يُقَالُ: خَاسَ الشَّيء يَخِيسُ إِذَا فَسَد وتَغَيَّر. والتَّخْيِيس:
التَّذليل. وَالْإِنْسَانُ يُخَيَّسُ فِي الحَبْس، أَيْ يُذَلُّ ويُهَانُ. والمُخَيَّسُ بِالْفَتْحِ: موضعُ التَّخْيِيس، وَبِالْكَسْرِ فاعِلُه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رجُلا سارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ نوَّقَه وخَيَّسَهُ» أَيْ رَاضَه وذَلله بِالرُّكُوبِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أنَه كَتَب إِلَى الحُسَين بْنِ عَلِيٍّ: إِنِّي لَمْ أَكِسْكَ وَلَمْ أَخِسْكَ» أَيْ لَمْ أُذِلَّكَ وَلَمْ أُهِنْكَ، أَوْ لَمْ أُخْلِفْكَ وَعْداً.

(خَيْسَرَ)
فِي حَدِيثِ عُمَرَ ذِكْرُ «الخَيْسَرَى» وَهُوَ الَّذِي لَا يجيبُ إِلَى الطعامِ لئلاَّ يَحْتاج إِلَى المُكافأة، وَهُوَ مِنَ الْخَسَارِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «الخَسار والخَسارة والخَيْسَرَى «1» : الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ» .
وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ.

(خَيَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَدُّوا الخِيَاطَ والمِخْيط» الْخِيَاطُ الْخَيْطُ، والمِخْيَطُ بِالْكَسْرِ الإبْرةُ.
وَفِي حَدِيثِ عَدِيٍّ «الخَيْطُ الأبيضُ مِنَ الخَيْطِ الأسود» يُريد بياض النهار وسواد اللّيل.
__________
(1) فى الأصل وا: الخيسر. والتصويب من الصحاح واللسان.

(2/92)


(خَيْعَمَ)
فِي حَدِيثِ الصَّادق «لَا يُحِبُّنا أهلَ الْبَيْتِ الخَيْعَامَة» قِيلَ هُوَ الْمَأْبُونُ. وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ. وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.

(خَيَفَ)
(س) فِيهِ «نَحن نَازِلُونَ غَداً بِخَيْف بَنِي كِنانةَ» يَعْنِي المُحصَّب. الْخَيْفُ:
مَا ارْتفَع عَنْ مَجْرى السَّيل وانْحَدرَ عَنْ غِلَظِ الجبلِ. ومسجدُ مِنًى يُسَمى مَسجد الخَيْفِ؛ لِأَنَّهُ فِي سَفْحِ جَبلها.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَدْر «مَضى فِي مَسِيره إِلَيْهَا حَتَّى قَطع الخُيُوف» هِيَ جَمْعُ خَيْفٍ.
(س) وَفِي صِفَةِ أَبِي بَكْرٍ «أَخْيَف بَنِي تَيْم» الخَيَفُ فِي الرَّجُلِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى عيْنيه زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءَ.
كَثِيرٌ مِمَّا يَقَعُ فِي هَذَا الْحَرْفِ تَشْتبهُ فِيهِ الْوَاوُ بِالْيَاءِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْترِكان فِي القَلْب والتَّصْريف. وَقَدْ تقدَّم فِي الْوَاوِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَسَيَجِيءُ مِنْهُ هَاهُنَا شَيْءٌ آخرُ. وَالْعُلَمَاءُ مُختلفون فِيهِمَا فممَّا جَاءَ فِيهِ.

(خَيَلَ)
(س) حَدِيثُ طَهفة «ونَسْتَخِيلُ الجَهام» هُوَ نستفعِل، مِنْ خِلْتُ إِخَالُ إِذَا ظَنَنتَ: أَيْ نَظُنُّهُ خَليقاً بالمَطَر. وَقَدْ أَخَلْتُ السَّحابةَ وأَخْيَلْتُهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ إِذَا رَأَى فِي السَّمَاءِ اخْتِيَالًا تَغَيَّرَ لونُه» الِاخْتِيَالُ أَنْ يُخَالَ فِيهَا المَطَر.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «كَانَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً أقبلَ وأدْبَر» الْمَخِيلَة: موضعُ الخَيْل، وَهُوَ الظَّنُّ، كالمَظنَّة، وَهِيَ السَّحَابَةُ الخليقةُ بالمَطَر. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسَمَّاةً بالمَخِيلَة الَّتِي هي مصدرٌ، كالمَحْبِسة من الحَبْس «1» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا إِخَالُكَ سَرَقْت» أَيْ مَا أظُنُّكَ. يُقَالُ: خِلْتُ إِخَالُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، والكسرُ أفصحُ وأكثرُ اسْتِعْمَالًا، والفتحُ القياسُ.
وَفِيهِ «مَنْ جَرَّ ثوبَهُ خُيَلَاء لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ» . الخُيَلَاءُ والخِيَلَاءُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ- الكِبْرُ والعُجْبُ. يُقَالُ: اخْتَالَ فَهُوَ مُخْتَالٌ. وَفِيهِ خُيَلَاءُ ومَخِيلَةٌ: أَيْ كِبْر.
__________
(1) في اللسان نقلا عن المصنف «كالمَحْسِبة من الحسب» .

(2/93)


(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مِنَ الخُيَلَاء مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ» ، يَعْنِي فِي الصَّدَقَةِ وَفِي الْحَرْب، أَمَّا الصّدَقة فَأَنْ تَهُزَّه أرْيَحِيَّةُ السَّخاءِ فيُعْطِيها طَيِّبةً بِهَا نفْسُه، فَلَا يَسْتكثِرُ كَثِيرًا، وَلَا يُعْطِي مِنْهَا شَيْئًا إلاَّ وَهُوَ لَهُ مُسْتَقِلٌّ. وَأَمَّا الحَرْبُ فَأَنْ يَتَقَدّم فِيهَا بنَشاطٍ وقُوّة نَخْوَةٍ وجَنَان.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بِئْسَ العبدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ واخْتَالَ» هُوَ تَفَعَّل وافْتَعَل مِنْهُ.
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «كلْ مَا شئتَ والبَسْ مَا شِئتَ، مَا أخطأتْكَ خَلَّتَانِ:
سَرَفٌ ومَخِيلَةٌ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ «البِرَّ أَبْغِي لَا الْخَالَ» يُقَالُ هُوَ ذُو خَالٍ أَيْ ذُو كِبْرٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «كَانَ الحِمى ستَّةّ أمْيال، فَصَارَ خَيَالٌ بِكَذَا وخَيَالٌ بِكَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ «خَيَال بإمَّرَة، وخَيَال بأسْودِ الْعَيْنِ» وَهُمَا جَبِلان. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانُوا يَنْصِبون خَشَبًا عَلَيْهَا ثِيَابٌ سُودٌ تَكُونُ علاماتٍ لِمَنْ يَراها ويَعلم أنَّ مَا فِي داخِلها مِنَ الْأَرْضِ حِمًى. وأصلُها أَنَّهَا كَانَتْ تُنْصَب للطَّير والبَهائم عَلَى المُزْدَرَعات فتَظُنّه إِنْسَانًا فَلَا تَسْقُطُ فِيهِ.
(هـ) وَفِي الْحَدِيثِ «يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبي» هَذَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَرَادَ: يَا فُرْسَانَ خَيْلِ اللَّهِ ارْكَبي. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ المجازاتِ وألْطَفِها.
وَفِي صِفَةِ خاتَم النُّبوّة «عَلَيْهِ خِيلَانٌ» هِيَ جَمْعُ خَالٍ، وَهُوَ الشامةُ فِي الجَسَد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ المَسيح عَلَيْهِ السَّلَامُ كثيرَ خِيلَانِ الوَجْه» .

(خَيَمَ)
(س) فِيهِ «الشَّهيد فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تحتَ العرشِ» الخَيْمَةُ معروفةٌ، وَمِنْهُ خَيَّمَ بِالْمَكَانِ: أَيْ أَقَامَ فِيهِ وسكَنه، فَاسْتَعَارَهَا لِظِّلِّ رحمةِ اللَّهِ ورِضْوانه وأمْنِه، ويُصَدِّقه الْحَدِيثُ الْآخَرُ «الشهيدُ فِي ظِلِّ اللهِ وظلِّ عَرْشِه» .
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ أحَبَّ أَنْ يَسْتَخِيمَ لَهُ الرِّجالُ قِياماً» أَيْ كَمَا يُقام بَيْنَ يَدَي المُلوكِ والأُمراء، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ خَامَ يَخِيمُ، وخَيَّمَ يُخَيِّمُ إِذَا أَقَامَ بِالْمَكَانِ. ويُروى يَسْتخِمّ ويَسْتجمُّ. وَقَدْ تقدَّما فِي موضعَيْهما.

(2/94)