تهذيب اللغة

أَبْوَاب الْحَاء وَالرَّاء [/ كت]
ح ر ل
اسْتعْمل من وجوهه:
رَحل: قَالَ اللَّيْث: الرَّحْلُ: مَرْكَبٌ للبعير. والرحالةُ نحوُه، كلُّ ذَلِك من مَراكِب النِّسَاء. قلت: الرَّحْلُ فِي كَلَام الْعَرَب على وجُوهٍ. قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرحْلُ بِجَمِيعِ رَبَضِه وحَقَبِه وحِلْسِه وَجَمِيع أَغْرُضِه. قَالَ: وَيَقُولُونَ أَيْضا لأعواد الرَّحْلِ بِغَيْر أداةٍ رَحْلٌ، وَأنْشد:
كَأَن رَحْلي وأداة رَحْلِي
على حَزَاب كأَتان الضَّحْل
قلت وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيدة. وَهُوَ من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
وَأما الرحَالَةُ فَهِيَ أكبر من السَّرْج وتُغَشَّى بالجُلودِ تكون للخَيْل والنَّجائبِ من الْإِبِل وَمِنْه قَول الطرِمَّاحِ:
قَتَرُوا النجائبَ عِنْدَ ذَ
لَك بِالرحَالِ وبالرَّحَائِل
وَقَالَ عنترةُ فَجَعلهَا سُرُجاً:
إذْ لَا أَزَالُ على رِحَالَةِ سَابحٍ
نَهْدٍ مَرَاكِلُه نَبِيلِ المحْزَمِ
قلت: فقد صَحَّ أَن الرَّحل والرحالة من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
والرَّحْل فِي غير هَذَا منزِلُ الرجل ومسكَنُه وبَيْتُه، يُقَال: دخلتُ على الرَّجُل رحْلَه أَي منزِلَه وَفِي حَدِيث يزيدَ بْنِ شَجَرَة: (أَنه خطب النَّاس فِي بَعْثٍ كَانَ هُوَ قائِدَهم، فحثَّهُم على الجهادِ وَقَالَ إِنَّكُم تَرَوْن مَا أَرَى من بَيْن أَصْفَرَ وأَحمَرَ، وَفِي الرحَالِ مَا فِيهَا، فَاتَّقُوا الله وَلَا تخزوا الحُورَ العِينَ) يقولُ: مَعكُمْ من زَهْرَةِ الدُّنْيَا وزُخْرُفِها مَا يُوجِبُ عَلَيْكُم ذِكْرَ نعمةِ الله عَلَيْكُم واتقَاءَ سَخَطِه، وَأَنْ تَصْدُقوا العَدُوَّ القِتَال وتجاهِدُوهُمْ حَقَّ الجِهَادِ، فاتَّقُوا الله وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا وزُخْرُفِها، وَلَا تَوَلَّوْا عَن عَدوكُمْ إِذا الْتَقَيْتُم وَلَا تُخْزُوا الحورَ الْعين بِأَنْ لَا تُبْلُوا وَلَا تجْتَهدوا وتفْشَلُوا عَن الْعَدو فيُوَلينَ، يَعْنِي الحُورَ العِين عَنْكُم بِخَزَاية واستحْياءٍ لكم. وَقد فُسر الخَزَايةُ فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: رَحْلُ الرَّجُلِ: مسكَنُه. وإنَّه لخَصِيبُ الرَّحْل. وانتهيْنَا إِلَى رِحَالِنَا: أَي إِلَى مَنَازِلِنا. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ:

(5/5)


(إِذَا ابْتَلَّت النعَالُ فَالصَّلَاة فِي الرحَالِ) . وَقد مرّ تفسيرُه فِي كتاب الْعين.
وَيُقَال: إِن فلَانا يَرْحَلُ فُلاناً بِمَا يكره، أَي يَركَبُه.
وَيُقَال: رحَلْتُ الْبَعِير أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا شَدَدْتَ عَلَيْهِ الرَّحْلَ.
وَيُقَال: رحَلْتُ فلَانا بسيْفِي أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا علوتُهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَرْحَلَ الرجلُ البَعِيرَ، وَهُوَ رَجُلٌ مُرْحِلٌ. وَذَلِكَ إِذا أَخَذَ بَعِيرًا صَعْباً فَجعله رَاحِلَةً. وَفِي الحَدِيث عِنْد اقتراب السَّاعَة (تخرج نَار من قصر عدن تُرَحل النَّاس) رَوَاهُ شُعْبَة قَالَ: وَمعنى تُرَحّل أَي تَنْزِل مَعَهم إِذا نَزَلوا وتَقِيلُ إِذا قَالُوا. جَاءَ بِهِ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ قَالَ شَمِر: وَقيل معنى ترحلهم أَي تُنْزلُهم المَرَاحِلَ. قَالَ: والترحِيلُ والإرْحَال بِمَعْنى الإشْخَاصِ والإزعَاجِ يُقَال: رَحَلَ الرجلُ إِذا سَار وأَرْحَلْتُه أَنا.
والمرحلة: المنْزِلُ يُرْتَحَلُ مِنْها. وَمَا بَيْنَ المنْزِلَين مَرْحَلَةٌ.
وَرجل رَحُولٌ، وَقوم رُحُلٌ: أَي يرتحلون كثيرا، وجمل رَحِيلٌ وناقة رَحيلَةٌ بِمَعْنى النجِيبِ والظهيرِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرَّحُول من الإبلِ الَّذِي يصلُح لِأَن يُرْحلَ. وبَعِيرٌ ذُو رُحلَةٍ: إِذا كَانَ قويًّا على أَن يُرْحلَ. والرَّاحُولُ: الرَّحْلُ، وَفِي حَدِيث الْجَعْدِي: أَنَّ ابنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ رَحيلٍ. قَالَ الْمبرد: راحِلَةٌ رَحِيلٌ أَي قويٌّ على الرحْلَةِ، كَمَا يُقال: فَحْلٌ فَحِيلٌ: ذُو فِحْلَة.
وَرُوِيَ عَن النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تَجِدُونَ الناسَ كإبلٍ مائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) قَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: الرَّاحِلَةُ هِيَ الناقةُ يختارُهَا الرَّجُلُ لمَرْكَبِه ورَحْلِه على النجابَةِ وتَمَامِ الخَلْق وحُسْنِ المَنْظَرِ، وَإِذا كَانَت فِي جَماعةِ الْإِبِل تبيَّنَتْ وعُرِفَتْ. يقولُ: فالناسُ مُتساوون، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْهُم على أَحَد فضلٌ فِي النَّسَب، وَلَكنهُمْ أشْبَاهٌ كإبلٍ مائَةٍ لَيست فِيهَا راحِلَةٌ تَتَبَيَّنُ فِيهَا وتَتَمَيَّزُ مِنْهَا بالتَّمَامِ وحُسْنِ المَنْظَرِ.
قلت: غَلِطَ ابنُ قُتيْبَةَ فِي شَيْئَيْنِ: فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، أحَدُهما أَنَّهُ جعَل الراحلَةَ النَّاقَةَ، وَلَيْسَ الجملُ عِنْده رَاحِلَة. والراحلةُ عِنْد العربِ كلُّ بعيرٍ نجيبٍ جوادٍ سواءٌ كَانَ ذكرا أَو أُنْثى، وَلَيْسَت الناقةُ أَوْلَى باسْمِ الراحلةِ من الجملِ، تَقول العربُ للجمَلِ إِذا كَانَ نجيباً: راحلةٌ وَجمعه رواحلُ، وَدخُول الْهَاء فِي الراحلةِ للْمُبَالَغَة فِي الصفَةِ، كَمَا يُقالُ: رَجلٌ داهيةٌ وباقِعَةٌ وعَلاَّمَةٌ. وَقيل: إنَّها سُميَتْ راحلَةً لِأَنَّهَا تُرْحَلُ، كَمَا قَالَ الله {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ} (الحاقة: 21) أَي مَرْضِيَّةٍ، و {خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} (الطّارق: 6) أَي مَدْفُوق. وَقيل: سُميَتْ رَاحِلَةً لِأَنَّهَا ذاتُ رَحْل، وَكَذَلِكَ عيشة راضيةٌ: ذاتُ رضى. وَمَاء دافِقٌ ذُو دَفْق.
وَأما قَوْله: إِن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن النَّاس متساوُون فِي الْفضل لَيْسَ لأحد مِنْهُم فضلٌ على الآخَرِ وَلَكنهُمْ أشباهٌ كإبل مائةٍ لَيْسَ

(5/6)


فِيهَا راحلةٌ، فَلَيْسَ الْمَعْنى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أنَّ الله تبَارك وَتَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا ورُكُونَ الخلْقِ إِلَيْهَا وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها، وزهَّدَهُم فِي اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فِيهَا الأمْثَالَ لِيَعُوها ويَعْتَبِرُوا بهَا، فَقَالَ: {الْجَحِيمِ اعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} (الحَديد: 20) الْآيَة. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحذرُ أصحابَه بِمَا حذَّرَهم الله من ذَمِيم عَوَاقِبِها وينهاهم عَن التَّبَقُّرِ فِيهَا ويزهدُهم فِيمَا زهَّدَهُم الله فِيهِ مِنْهَا، فَرَغِبَ أكثرُ أَصْحَابه عَلَيْهِ السَّلَام بعده فِيهَا، وتَشَاحُّوا عَلَيْهَا وتَنَافَسُوا فِي اقتنائِها حَتَّى كَانَ الزهْدُ فِي النادِرِ القليلِ مِنْهُم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَجِدُونَ النَّاس بَعْدِي كإبلٍ مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) وَلم يُرِدْ بِهَذَا تساوِيَهُم فِي الشَّر وَلكنه أَرَادَ أنَّ الكامِلَ فِي الْخَيْرِ والزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا مَعَ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ والعملِ لَهَا قليلٌ، كَمَا أَن الراحلَةَ النجيبةَ نادِرٌ فِي الْإِبِل الكثيرِ.
وَسمعت غَيْرَ واحِدٍ من مشايِخِنا يَقُول: إِن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَتَتَامُّوا عشرَة مَعَ وُفُور عددِهم وَكَثْرَة خَيْرِهم، وسبْقِهم الأمَّةَ إِلَى مَا يستَوْجِبُون بِهِ كريمَ المآب برحمة الله إيَّاهم وَرِضْوانِه عَلَيْهِم فَكيف مَنْ بَعْدَهم وَقد شاهَدُوا التَّنْزِيلَ وعايَنُوا الرَّسُولَ وَكَانُوا مَعَ الرغْبَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا خَيْرَ هَذِه الْأمة الَّتِي وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فَقَالَ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عِمرَان: 110) وواجبٌ على مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لَهُم والترحمُ عليْهِم وَأَن يسأَلُوا الله أَلاَّ يَجْعَل فِي قُلُوبهم غِلاًّ لَهُم وَلَا يذكُرُوا أحدا بِمَا فِيهِ مَنْقَصَةٌ لَهُم، وَالله يَرْحَمنَا وإيّاهم ويتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ وَرَحمته إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ناقَةٌ رَحِيلَةٌ: شديدَةٌ قويَّةٌ على السّير، وجمل رَحيلٌ مِثْلُه، وإنَّها لَذَاتُ رُحلَةٍ. وَقَالَ الأمَوِيُّ ناقةٌ حِضَارٌ إِذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورُحْلَةً يَعْنِي جَوْدَةَ السّير.
وَقَالَ شَمِر: ارْتَحَلْتُ البعيرَ إِذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَيْهِ وارْتَحَلْتُه إِذا رَكِبْتَهُ بقتب أواعْرَوْرَيْتَهُ وَقَالَ الْجَعْدِي:
وَمَا عَصَيْتُ أَمِيرا غَيْرَ مُتَّهَمٍ
عِنْدِي ولكنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلاَ
أَي يَرْتَحِلُ الْأَمر، يركبه.
قَالَ شمر: وَلَو أنّ رجلا صَرَع آخر وَقعد على ظَهره لَقلت رأيتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ الْبَعِير: مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وَهُوَ مَرْحَلُهُ، قَالَ: وبعيرٌ ذُو رُحْلَةٍ وَذُو رِحلة وبعير مِرْحَلٌ ورَحِيلٌ إِذا كَانَ قويّاً.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: رِحْلَةٌ ورُحْلَةٌ بِمَعْنى واحدٍ، قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الرحْلَةُ: الارْتحال، والرُّحْلَةُ بِالضَّمِّ: الوجْه الَّذِي تُرِيدُه. تَقول: أَنتُمْ رُحْلَتِي. قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد نَحْواً مِنْهُ.
وَيُقَال للراحلة الَّتِي رِيضَتْ وأُدبت: قد أَرْحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمْهَرَتْ إِمْهَاراً إِذا جَعَلها الرائِض مَهْريَّة وراحلةً.

(5/7)


وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : نَاقَة رَحِيلةٌ ورحيلٌ ومُرْحِلَةٌ ومُسْتَرْحِلَةٌ أَي نجيبَةٌ. وبعير مُرْحِلٌ إِذا كَانَ سميناً وَإِن لم يكن نجيباً.
وَقَالَ اللَّيْث: ارتحل الْقَوْم ارتحالاً. والرحْلَةُ: اسمُ ارتحالِ الْقَوْم للمسير. قَالَ: والمُرْتَحَل نقيضُ المحَل. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
إِنَّ مَحَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا
يُرِيد إِن ارتحالاً وَإِن حلولاً.
قَالَ: وَقد يكون المُرْتَحَلُ اسْمَ المَوْضِعِ الَّذِي تَحُلُّ فِيهِ. قَالَ: والترحُّلُ: ارتحالٌ فِي مُهْلَةٍ.
والمرحَّلُ: ضَرْبٌ من بُرُودِ الْيمن، وَقيل سمي مُرَحَّلاً لما عَلَيْهِ من تَصَاويرِ الرَّحْل وَمَا ضَاهَاهُ. قَالَ: ورَاحِيلُ اسمُ أُم يُوسُفَ ابنِ يعقوبَ. وَالْعرب تكني عَن الْقَذْف للرجل بقَوْلهمْ (يَا ابْن مُلْقَى أَرْحُلِ الرُّكبان) ويفسَّرُ قَول زُهَيْر:
ومَنْ لَا يَزَلْ يسترْحِلِ الناسَ نَفْسَهُ
وَلَا يُعْفِهَا يَوْماً من الذُّل يَنْدَمِ
تفسيرين: أحدُهما أَنَّهُ يَذِلُّ لَهُم حَتَّى يَرْكَبوه بالأَذَى ويستذِلُّوه، وَالثَّانِي: أَنه يَسْأَلُهم أَن يحملوا عَنهُ كَلَّه وثُقْلَه ومَؤُونَتَه وَمن قَالَ هَذَا القَوْل روى الْبَيْت (وَلَا يعفها يَوْمًا من النَّاس يُسْأَمِ) وَقَالَ ذَلِك كلَّه ابنُ السّكيت فِي كِتَابه فِي الْمعَانِي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي شيات الْخَيل: إِذا كَانَ الفَرَسُ أبيضَ الظهرِ فَهُوَ أَرْحَلُ، وَإِن كَانَ أبيضَ العَجُزِ فَهُوَ آزَرُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي شيات الْغنم إِن ابْيَصَّ طولُ النَّعْجَةِ غيرَ مَوْضِعِ الرَّاكب مِنْهَا فَهِيَ رَحْلاَءُ، فَإِن ابْيَضَّتْ إِحْدَى رِجْلَيْها فَهِي رَجْلاَءُ. وَقَالَ الفرزدق:
عليهِنَّ رَاحُولاَتُ كُل قطيفة
من الخَز أَوْ مِنْ قَيْصَرانَ عِلاَمُها
قَالَ: الراحُولاَتُ: المُرَحَّلُ المَوْشِيُّ على فَاعُولات. قَالَ وقَيْصَرَانُ ضربٌ من الثيابِ المَوْشِيَّةُ.
وَيُقَال: ارْتَحَل فلانٌ فلَانا: إِذا علا ظَهْرَهُ وَركِبَه. وَمِنْه حَدِيثُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه سَجَدَ فَركبه الحَسَنُ فأَبْطَأَ فِي سُجُودِهِ، وَقَالَ: إنَّ ابنِي ارْتَحَلَنِي فكرِهْتُ أَن أُعْجِله) .
(ح ر ن)
حرن، حنر، نخر، رنح: مستعملة
حرن: قَالَ اللَّيْث حَرَنت الدابَّةُ وحَرُنَتْ لُغَتَان، وَهِي تحرُن حِرَاناً. وَفِي الحَدِيث (مَا خلأت وَلاَ حَرَنَتْ وَلَكِن حَبَسَها حَابِسُ الْفِيلِ) .
وَيُقَال فَرَسٌ حَرُونٌ مِنْ خَيْلٍ حُرُنٍ. والحَرُونُ: اسمُ فَرَسٍ كَانَ لِبَاهِلَةَ، إِلَيْهِ تنْسب الْخَيل الحرونية. وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قولِ ابْن مقبل: صَوت المحابض ينزعن المحارينا قَالَ: المحارين مايموت من النَّحْل فِي عسله وَقَالَ غَيره: المحارين من الْعَسَل مَا لزق بالخلية فعسر نَزعه أَخذ من قَوْلك حَرَنَ بِالْمَكَانِ حُرُوناً إِذا لزمَه فَلم يُفَارِقهُ وكأَنَّ العَسَل حَرِن فَعَسُر اشْتِيَارُه. وَقَالَ الرَّاعِي:
كناس تنوفه ظلت إِلَيْهَا
هجانُ الْوَحْش حَارِنةً حرونا

(5/8)


قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله حارنةً مُتَأَخِّرَة. وغيرُه يَقُول لازِمَةً. وَقَالَ ابْن شمَيْلٍ: المحارينُ حَبُّ الْقطن الْوَاحِد مِحْرَانٌ.
رنح: قَالَ اللَّيْث رُنح فلَان ترنيحاً إِذا اعتراه وهْنٌ فِي عِظَامه وَضَعْفٌ فِي جسده عِنْد ضرب أَو فزع يَغْشَاهُ وَقَالَ الطرماح:
وناصِرُكَ الأَدْنى عَلَيْهِ ظعينَةٌ
تَمِيدُ إِذا استَعْبَرْتَ مَيْدَ المُرَنَّح
وَقَالَ غَيره: رُنحَ بِهِ إِذا أُدِيرَ بِهِ كالمغشي عَلَيْهِ وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
فَظَلَّ يُرَنَّحُ فِي غَيْطَلٍ
كَمَا يستدير الْحِمارُ النَّعِرْ
قَالَ اللَّيْث المُرَنَّحُ أَيْضا ضرب من الْعود من أَجْودِه يُسْتَجْمرُ بِهِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المَرْنَحَةُ صَدْرُ السَّفِينَة قَالَ: والدَوْطِيرةُ كَوْثَلُها، والقَبُّ رَأس الدَّقَل، والقَرِيَّةُ خَشَبَة مربَّعَةٌ على رَأس القَب.
حنر: اللَّيْث: الحِنَّوْرَةُ دويبَّة ذَميمة يُشَبَّه بهَا الإنسانُ فَيُقَال يَا حِنَّوْرَةُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي بَاب فِعّوْل الحِنَّوْر: دابَّة تشبه العَظَاءَ وَقَالَ اللَّيْث: الحَنِيرَةُ العَقْدُ المضْرُوب وَلَيْسَ بِذَاكَ العريض. قَالَ: وَفِي الحَدِيث (لَو صلَّيتم حَتَّى تَكُونُوا كالأوتار، أَو صمتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِك إِلَّا بنيَّةٍ صادِقَةٍ وورعٍ صادقٍ) .
وَتقول حنَرْتُ حَنِيرَةً إِذا بَنَيْتَها. أَبُو عَمْرو: الحَنِيرَةُ: قَوْسٌ بِلَا وَتَرٍ، وجَمْعُها حَنِيرٌ. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جمعهَا حَنَائرُ. قَالَ وَفِي حَدِيث أبي ذَرَ (لَو صليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِكُم حَتَّى تُحِبُّوا آلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْحُنَيْرَةُ تَصْغِير حَنْرَة وَهِي العطْفَة المحْكَمَة لِلْقَوْس.
نحر: قَالَ اللَّيْث: النَّحْرُ: الصَّدْرُ. والنُّحُور: الصدُور. قَالَ: والنَّحْرُ: ذَبْحُكَ البعِيرَ تطعنُه فِي مَنْحَرِه حيثُ يَبْدو الحُلْقُومُ من أعْلَى الصدْر. قَالَ: ويومُ النَّحْر: يومُ الأَضْحَى.
وَإِذا تَشَاحَّ القوْمُ على أمْرٍ قيل: انْتَحَرُوا عَلَيْهِ من شِدَّةِ حِرْصِهِمْ. وإذَا اسْتَقْبَلَتْ دَارٌ دَاراً قيل: هَذِه تَنْحَرُ تِلْكَ. وَإِذا انْتَصَب الإنسانُ فِي صَلاَتِه فنهد قيل: قَدْ نَحَرَ.
قَالَ: واختلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثر: 2) قَالَ بَعضهم: انْحَرْ البُدْنَ. وَقيل: ضَعِ اليمينَ على الشمَال فِي الصلاةِ. وَقَالَ الفَرَّاءُ: معنى قولِه {لِرَبِّكَ} استَقْبِل القِبْلَة بنَحْرِك. قَالَ: وسمعتُ بعضَ الْعَرَب يَقُول: مَنَازِلُهُ تَنَاحَرُ، هذَا يَنْحَرُ هَذَا، أَي قُبَالَتَه. وَأنْشد فِي بعض بني أَسد:
أَبَا حَكَمٍ هَل أَنْت عَم مجَالد
وسيدُ أهل الأَبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
وَذكر الْفراء الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين أَيْضا فِي قَوْله: {لِرَبِّكَ} .
وَقَالَ أَبُو عبيد النَّحيرَةُ: آخِرُ يومٍ من الشَّهْرِ لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ بَعْدَه. قلت: مَعْنَاهُ أَنه يسْتَقْبل أول الشَّهْر. وَأنْشد للكميت:

(5/9)


والغيث بالمُتَأَلقَا
تِ مِنَ الأَهِلَّة فِي النواحر
وَيُقَال لَهُ نَاحِرٌ. وَيُقَال لآخر ليلةٍ من الشَّهْر نَحيرَةٌ لِأَنَّهَا تَنْحَرُ الهِلاَلَ. وَقَالَ الْكُمَيْت أَيْضا:
فَبَادَرَ لَيْلَةَ لاَ مُقْمِرٍ
نَحيرَةَ شَهْرٍ لِشَهْرٍ سِرَاراً
أَرَادَ ليلةَ لَا رَجُلٍ مُقْمِرٍ. والسرارُ مردودٌ على الليلَةِ. ونحيرَة فعيلة بِمَعْنى فاعِلَة لأنَّها تَنْحَرُ الهلالَ، أَي تستَقْبِلُه.
وَيُقَال للسحاب إِذا انْعَقَّ بِمَاءٍ كثيرٍ: قد انْتَحَرَ انتِحَاراً. وَقَالَ الرَّاعِي:
قَمَرَّ عَلَى مَنَازِلِهَا وَأَلْقَى
بهَا الأَثْقَالَ وَانْتَحَرَ انْتِحَاراً
وَقَالَ عديُّ بن زيد يصف الْغَيْث:
مَرِحٌ وَبْلُه يسحّ سُبُوب الْ
مَاءِ سَحَا كأَنَّه مَنْحُورُ
والنحْرِيرُ: الرجُل الطَبِنُ الفَطِنُ فِي كل شَيْء، وَجمعه: النَّحَارِيرُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّحْرَةُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَة بِإِزَاءِ الْمِحْرَاب. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي قَوْله: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثَر: 2) قَالَت طَائِفَة أُمِرَ بِنَحْرِ النُّسُكِ بَعْد الصَّلاة. وَقيل أُمِرَ أَنْ يَنْتَصِبَ بنَحْره بإزَاءِ القِبْلَة وأَلاَّ يَلْتَفِتَ يَمِينا وَلَا شمالاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّاحِرَتَانِ: التَّرْقُوَتَان من الإِبِل والناسِ. وَالْجَوانحُ: مَا وقَعَ عَلَيْهِ الكَتِفُ مِنَ الدَّابَّة والبَعِيرِ، وهِيَ من الإنسانِ الدَّأْيُ، والدَّأْيُ: مَا كَانَ من قِبَلِ الظَّهْرِ، وَهِي سِتٌّ: ثَلاَثٌ من كل جانبٍ، وَهِي من الصَّدْر الجوانِحُ لجُنُوحِها على القَلْب. وقَالَ: الكَتِفُ على ثلاثةِ أضْلاَع من جَانب وَسِتَّة أضلاع من جَانب وَهَذِه السِّتَّة يُقَال لَهَا الدَّأَيَاتُ. أَبُو زيد الجوانح أدنى الضلوع من المَنْحَر، وفيهن النَّاحِرَتَان، وَهِي ثلاثٌ من كل جَانب، ثمَّ الدَّأَيات وَهِي ثَلاثٌ من كُل شِقّ، ثمَّ يبْقى من بعد ذَلِك سِتٌّ من كل جانبٍ متَّصِلاتٌ بالشراسيف لَا يسمونها إِلَّا الأضلاع، ثمَّ ضِلَع الخَلْفِ، وَهِي أَوَاخِر الضُّلوع.
(ح ر ف)
حرف، حفر، فَرح، رحف، رفح: مستعملة.
حرف: قَالَ اللَّيْث: الحَرْفُ من حُرُوفِ الهِجَاء. قَالَ: وَكُلُّ كَلِمَةٍ بُنِيَتْ أَدَاةً عارِيةً فِي الكلامِ لِتَفْرِقَةِ المَعَانِي فاسْمُها حرفٌ، وإِنْ كَانَ بِنَاؤُها بحرفين أَو فَوْقَ ذَلِك، مثل: حَتَّى وَهَلْ وَبل وَلَعَلّ.
وكل كلمة تُقْرَأُ على وُجُوهٍ مِنَ القُرْآنِ تُسمى حَرْفاً، يقْرَأ هَذَا فِي حرف ابْن مَسْعُود أَي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود.
قَالَ والإنسانُ يكونُ على حَرْفٍ من أَمْرِه: كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ ويتوقَّعُ، فإِنْ رَأَى من نَاحِيَتِهِ مَا يحبُّ، وإلاَّ مَالَ إِلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي إِذا لَمْ يَرَ مَا أَحَبَّ انْقَلَبَ عَلَى وَجهه.
قَالَ: وحَرْفُ السفينةِ: جَانِبُ شِقها. وَقَالَ أَبُو إسحاقَ فِي تفسيرِ هَذِه الْآيَة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} جَاءَ فِي

(5/10)


التفسيرِ: على شَكَ، قَالَ: وحقيقَتُهُ أَنَّه يعبدُ الله على حرفِ الطَّرِيقَة فِي الدّين، لَا يدخُلُ فِيهِ دُخُولَ مُتَمَكنٍ. وأفادني المنذريُّ عَن ابْن اليزيدي عَن أبي زيدٍ فِي قَوْله {عَلَى حَرْفٍ} على شَكَ. وأفادني عَن أَبِي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: أما تسميتُهم الْحَرْفَ حَرْفاً فحرْفُ كل شيءٍ ناحيتهُ كحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسيفِ وغيرهِ، قلتُ كأَنَّ الْخَيْر والخِصْبَ ناحيةٌ، والضَّرَّ والشَّرَّ وَالْمَكْرُوه ناحيةٌ أُخْرَى، فهما حرفان، وعَلى العبْدِ أَن يَعْبُدَ خالِقَه على حَالَة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَنْ عَبَدَ الله على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أَن يَعْبُدَه عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرْفٍ، وَمن عَبَدَهُ كَيْفَما تصرَّفَتْ بِهِ الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرَ بأَنَّ لَهُ خَالِقاً يُصَرفه كيفَ يشاءُ، وَأَنه إِن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عَلَيْهِ بالسَّراء فَهُوَ فِي ذَلِك عادلٌ أَو متفضلٌ غير ظالمٍ وَلَا متعدَ، لَهُ الخيَرَةُ وَبِيَدِهِ الأمرُ وَلَا خِيَرَةَ للعَبْدِ عَلَيْهِ.
وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نُزلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف كلهَا شاف كَاف) لقد أشبَعْتُ تَفْسِيره فِي كتاب (القراءَات وعِللِ النحويينَ) فِيهَا وَأَنا مختصرٌ لَكَ فِي هَذَا الموضِعِ من الجُمَلِ الَّتِي أودَعْتُها ذَلِك الكتابَ مَا يَقِفُ بِكَ على الصوابِ. فَالَّذِي أذْهَبُ إِلَيْهِ فِي تفسيرِ قولهِ: (نُزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عبَيْدٍ واتَّبعه على ذَلِك أَبُو العَبَّاسِ أَحْمد بن يحيى.
فَأَما قَول أبي عبيدٍ فَإِن عبدَ الله بنَ مُحَمَّد ابْن هاجَك أَخْبرنِي عَن ابْن جَبَلَة عَن أبي عبيدٍ أَنه قَالَ فِي قَوْله (على سَبْعَة أحرف) يَعْنِي سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يكونَ فِي الْحَرْف الواحدِ سبعَةُ أَوْجُهٍ هَذَا لَمْ نَسمعْ بِهِ. قَالَ وَلَكِن نقُول: هَذِه اللغاتُ السبعُ متفرقَةٌ فِي الْقُرْآن فبعضه بِلُغَةِ قُرَيْش وبعضُه بلغَة هوازِنَ وبعضُه بلغَة هُذَيْلٍ وبعضُه بلغَة أهلِ اليَمَن، وَكَذَلِكَ سائِرُ اللُّغَات ومعانيها فِي هَذَا كُله وَاحِدَةٌ. قَالَ ومِمَّا يُبَينُ ذَلِك قولُ ابْن مَسْعُود: إِنِّي قد سَمِعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كَمَا علمْتُم، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْل أحدكُم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئِل عَن قَوْله (نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف) فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا لغاتٌ. قلت: فَأَبُو العبَّاسِ النَّحْوِيّ وَهُوَ وَاحِدُ عصره، قد ارْتَضَى مَا ذهبَ إِلَيْهِ أَبُو عبيد واستصْوبَه. قلت: وَهَذِه الأحْرُفُ السبعةُ الَّتِي مَعْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خَارِجَةٍ من الَّذِي كُتِبَ فِي مصاحِف الْمُسلمين الَّتِي اجْتمع عَلَيْهَا السلفُ المرضيُّون وَالْخلف المتبعون فَمن قَرَأَ بحرفٍ لَا يُخَالِفُ المصحفَ بزيادةٍ أَو نُقْصانٍ أَو تَقْدِيم مؤخَّرٍ أَو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ بِهِ إِمامٌ من أَئِمَّة القُرَّاءِ المُشْتهرين فِي الأَمْصَارِ فقد قَرَأَ بحرْفٍ من الحُرْوف السَّبْعَة الَّتِي نزل الْقُرْآن بهَا، وَمن قرأَ بحرفٍ شاذَ يُخَالِفُ المصحفَ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القَرَأَةِ المعروفين، فَهُوَ غيرُ مصيبٍ. وَهَذَا مذهبُ أهلِ العِلْم الَّذين هم القُدْوَة، ومذهبُ الراسخِين فِي عِلْمِ الْقُرْآن قَدِيما وحديثاً، وَإِلَى هَذَا أَوْمَى أَبُو الْعَبَّاس

(5/11)


النحويُّ، وَأَبُو بكرٍ الأنبارِيُّ فِي كتاب لَهُ ألَّفَهُ فِي اتِّبَاع مَا فِي المصحَفِ الإمَامِ، وَافقه على ذَلِك أَبُو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِىء أهلِ العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين. وَلَا يجوز عِنْدِي غيرُ مَا قَالُوا، وَالله يوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع، إِنَّه خير مُوَفق وخيرُ مُعين.
وَقَالَ اللَّيْث: التحريفُ فِي الْقُرْآن: تغييرُ الكلِمَةِ عَنْ مَعْنَاهَا وَهِي قريبَةُ الشَّبَهِ، كَمَا كَانَت اليهودُ تُغَير مَعانِيَ التوْراةِ بالأَشْبَاه، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فَقَالَ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} (النِّسَاء: 46) قَالَ: وَإِذا مَال إنسانٌ عَن شَيْء يُقَال: تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَوْرَف وَأنْشد فِي صفة ثَوْر حفر كناساً فَقَالَ:
وَإِن أصَاب عُدَوَاءَ احْرورفا
قَالَ: والحَرْف النَّاقة الصُّلْبَةُ، شُبهت بِحَرْفِ الْجَبَل.
وَأنْشد:
جُمَالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ يَشُلُّهَا
وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِيَّانُ سَهْوَق
قَالَ: وهَذَا البَيْتُ يَنْقُضُ تفسيرَ مَنْ قَالَ: نَاقَة حَرْفٌ: أَيْ مَهْزولَةٌ شبهت بحرْفِ كتابَةٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.
وروى أَبُو عبيدٍ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: الحرْفُ: الناقَةُ الضَّامِرُ، قَالَ: وَقَالَ بعضهُم: شُبهَت بِحَرْف الْجَبَل. قَالَ أَبُو عبيدٍ وَقَالَ الأَصمعيُّ: الحرفُ: المَهْزُولَةُ، وَقَالَ شَمِر: الحَرْفُ من الجَبَلِ: مَا نَتَأَ فِي جَنْبِهِ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الدُّكَّانِ الصغيرِ أَو نحوِه. قَالَ والحرف أَيْضا فِي أعْلاَهُ تَرَى لَهُ حَرْفاً دَقِيقًا مشرفاً على سواءِ ظَهْرِه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحرْفُ: الشَّكُّ فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي شَكَ.
قَالَ أَبُو العبَّاسِ: والعربُ تَصِفُ الناقَةَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ، وتُشَبَّهُ بالحَرْفِ من حُرُوفِ المُعْجَم، وَهُوَ الأَلِفُ. وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إِذا وصفت بالعِظَم. قَالَ هَذَا فِي تَفْسِير قَول كَعْب:
حَرْف أَخُوهَا أَبوهَا من مهجَّنة
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُرْفُ: حَبٌّ كالخَرْدَلِ، الْوَاحِدَة حُرْفَةٌ. قَالَ: والمُحَارَفَةُ: المُقَايَسَةُ بالمِحْرَافِ، وَهُوَ المِيلُ الَّذِي يُسْبَرُ بِهِ الجِرَاحَاتُ وَأنْشد:
كَمَا زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِيج المُحَارِف
أَبُو عُبَيْدٍ عَن أبي زيدٍ: أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً إِذا نما مَالُه وصَلُحَ. ورُوِيَ عَن ابنِ مسعودٍ أَنه قَالَ: موت المؤمِنِ بِعَرَق الجبين تبقَى عَلَيْهِ البقيَّةُ من الذُّنُوبِ فَيحَارَفُ عِنْد الْمَوْت أَي يُقَايَسُ بهَا فَيكون كَفَّارَة لذنوبه. وَمعنى عَرَقِ الجبينِ شدّةُ السيَاق. وَيُقَال: لَا تُحَارِفْ أخَاكَ بالسوءِ: أَي لَا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِيعِه تُقَايِسْه، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ، واصْفَحْ عَنهُ. وَيُقَال للمَحْرومِ الَّذِي قُترَ عَلَيْهِ رزْقُه مُحَارَفٌ. حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَةَ عَن أبي بكرٍ بن زَنْجَوَيْهِ عَن محمدِ بن يوسفَ عَن سفيانَ قَالَ حَدثنَا أَو إسحاقَ عَن قسر ابْن كركم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ُِيَسْتَغْفِرُونَ وَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ}

(5/12)


(الذّاريَات: 19) قَالَ: (السائلُ) : الَّذِي يسألُ الناسَ، و (المحروم) : الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْمٌ، فَهُوَ مُحَارَفٌ. قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانيُّ عَن الشافِعِي أَنه قَالَ: كُلُّ من استغْنَى بكَسْبِه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسألَ الصدقَةَ وَإِذا كَانَ لَا يبلغ كَسبه مَا يُقِيمُه وعيالَه فَهُوَ الَّذِي ذكر المفسرُونَ أنَّه المحرومُ الْمُحَارَفُ. قَالَ: والْمُحَارَفُ: الَّذِي يَحْتَرِفُ بيدَيْهِ قد حُرِمَ سهْمَه من الْغَنِيمَة لَا يَغْزُو مَعَ الْمُسلمين فَبَقيَ محروماً يُعْطَى من الصدقةِ مَا يَسُدّ حِرْمَانَهُ. وَجَاء فِي تَفْسِير قَول الله جلّ وَعز: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} أنّ المحرومَ هُوَ المُحَارَفُ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَةُ بالضَّم، وَأما الحِرْفَة فَهُوَ اسْم من الاحْتِرَافِ، وَهُوَ الاكتسابُ؛ يُقَال هُوَ يَحْرِفُ لِعِيَالِهِ ويَحْتَرِفُ، وَيَقْرِشُ وَيَقْتَرِشُ، ويَجْرَحُ ويَجْتَرِحُ: بِمَعْنى يَكْتَسِبُ.
ثعلبُ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَحْرَفَ الرجُلُ إِذا جازَى على خيرٍ أَو شَرَ. قَالَ وَمِنْه الخبرُ: (إِن العبدَ ليُحَارَفُ على عَمَلِه الخيرَ والشرَّ) . قَالَ: وأحرف إِذا اسْتغنى بعد فقر وأحرف الرجل إِذا كدّ على عِيَاله أَبُو عُبَيْدة عَن أبي زيدٍ: أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافاً إِذا نَمَا مَالُه وصَلَح.
رحف: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مُسْتَعْمل.
روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: أَرْحَفَ الرجلُ إِذا حدَّد سكّيناً أَو غيرَه يُقَالُ: أَرْحَفَ شَفْرَتَهُ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّها حَرْبَةٌ. وَمعنى قَعَدَتْ أَي صَارَتْ. قلتُ كَأَنَّ الحاءَ مُبْدَلَةٌ من الْهَاء فِي أَرْحَفَ، والأصْلُ أَرْهَف. وسيفٌ مُرْهَفٌ وَرَهِيفٌ أَي مُحَدَّدٌ.
حفر: قَالَ اللَّيْث: الْحُفْرَةُ: مَا يُحْفَرُ فِي الأَرْضِ، وَمثله الحَفِيرَةُ، قَالَ: والحَفَرُ اسمُ المَكَانِ الَّذِي حُفِرَ كخَنْدَقٍ أَو بِئْرٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ البئرُ إِذا وُسعَتْ فَوْقَ قَدْرِها تُسَمَّى حَفِيراً وحَفَراً وحَفِيرَةً، قَالَ: وحَفِيرٌ وحَفِيرَةٌ اسْمَا مَوْضِعَين ذكَرَهُمَا الشعراءُ القدماءُ.
قلتُ: والأَحْفَارُ المَعْرُوفَةُ فِي بلادِ العربِ ثلاثَةٌ: فَمِنْهَا حَفَر أَبي مُوسَى، وَهِي رَكَايا احْتَفَرَهَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ على جَادَّة البَصْرة وَقَدْ نَزَلْتُ بهَا واستَقَيْتُ من رَكَاياها وَهِي مَا بَين مَاويَّةَ والمَنْجَشَانِيَّاتِ وركايا الحَفَر مَسْنَوِيَّةٌ بعيدَة الرشَاء عَذْبَةُ الماءِ، مَسْنَوِيَّةٌ أَي يستقى مِنْهَا بالسانية وَهَذَا كَقَوْلِهِم زرع مَسْقَوِيّ أَي يُسْقَى. وَمِنْهَا حَفَرُ ضَبَّةَ: وَهِي ركايَا بِنَاحيةِ الشَّوَاجِن بعيدةُ القَعْرِ، عَذْبَةُ الماءِ. وَمِنْهَا حَفَرُ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابْن تَمِيم، وَهيَ بِحِذَاء العَرَمَة وَرَاءَ الدَّهْنَاءِ، يُسْتَقَى مِنْهَا بالسانيَة عِنْدَ حَبْلٍ من حِبَالِ الدَّهْنَاءِ، يُقَال لَهُ حَبْلُ الحَاضِر.
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وَعز {ُيَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} {ِالْحَافِرَةِ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} (النَّازعَات: 10، 11) مَعْنَاهُ إنّا لمَرْدُودُون إِلَى أَمرنا الأوّل إِلَى الْحَيَاة. قَالَ: والعربُ تَقُولُ: أَتَيْتُ فُلاناً ثمَّ رَجَعتُ علَى حَافِرَتِي: أيْ رَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جئتُ. قالَ: وَمن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: النَّقْد عِنْدَ الْحَافِرَةِ. والحافر معناهُ إِذا قَال قَدْ بِعْتُك

(5/13)


رجعتَ عَلَيْهِ بِالثّمن؛ وهُمَا فِي الْمَعْنى واحدٌ. قَالَ: وبعضُهم يَقُول النَّقْدُ عندَ الحَافِرِ، يُرِيد عِنْد حَافِرِ الفَرَسِ، وكَأَنَّ هَذَا المَثَل جَرَى فِي الخيْلِ. قَالَ: وقالَ بعضُهم: الحافِرَةُ الأَرْضُ الَّتِي تُحْفَرُ فِيهَا قُبُورُهم، فسمَّاهَا الْحَافِرَةَ، والمعْنَى يريدُ المحْفُورَةَ، كَمَا قَالَ {مِن مَّآءٍ} (الطّارق: 6) يُرِيد مَدْفُوق. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي العَبَّاس أَنه قَال: هَذِه كلمَةٌ كانُوا يَتَكَلَّمُون بهَا عِنْد السَّبْق. قَالَ والحَافِرَةُ: الأرضُ المَحْفُورَةُ، يَقُول: أقل مَا يَقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ على الْحَافِرَةِ فقد وَجَبَ النقْدُ، يَعْنِي فِي الرهَانِ، أَي كَمَا يَسْبِقُ فيَقَعُ حَافِرُه عَلَيْها تَقول هَاتِ النَّقْدَ: وَقَالَ الليثُ: النقْدُ عِنْدَ الْحَافِرِ مَعْنَاهُ إِذا اشتريْتَه لم تَبْرَح حَتَّى تَنْقُد. الحرَّانِيّ عَن ابْن السكيتِ أَنه قَالَ: مَعْنَى النَّقْدُ عِنْد الْحَافِرَة أَيْ عِنْد أَوَّلِ كَلِمَةٍ. ويُقَال: الْتَقَى القَوْمُ فاقْتَتَلُوا عِنْدَ الْحَافِرَة أَيْ عِنْدَ أَوَّلِ كَلِمَةٍ وعِنْدَ أَوَّلِ مَا الْتَقُوا، قَالَ الله جَلّ وَعَزّ {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَيْ فِي أَوَّلِ أَمْرِنَا. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي ابنُ الأعرابيّ:
أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ
مَعَاذَ الله مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ
كَأَنَّهُ قَالَ أأرجع فِي صِبَايَ وَأَمْرِي الأوَّلِ بعد أَن صَلِعْتُ وشِبْتُ. وَقَالَ الليثُ: الحافِرَةُ العَوْدَةُ فِي الشَّيْءِ حتَّى يُرَدَّ آخِرُه عَلَى أَوَّلِه. قَالَ: وفِي الْحَدِيثِ (إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يُتْرَكُ عَلَى حَالِه حَتَّى يُرَدَّ عَلَى حَافِرَتِه أَيْ عَلَى أَوَّلِ تَأسِيسِه، وقَالَ فِي قَوْله: {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَي فِي الخَلْقِ الأَوَّل بَعْدَ مَا نَمُوتُ. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابيّ {لَمَرْدُودُونَ فِى} أيْ فِي الدُّنْيَا كَما كُنَّا.
وَقَالَ اللَّيْثُ الحَفْرُ والحَفَرُ جَزْمٌ وفَتْحٌ لُغَتَانِ: وَهُوَ مَا يَلْزَق بالأسْنَانِ من ظَاهرٍ وباطنٍ، تَقول: حَفِرَتْ أسنانهُ حفَراً، ولغةٌ أُخْرَى حفَرت أسنانُه تَحفِر حَفْراً. وأخْبرَني أبُو بكرٍ عَن شمر أنَّهُ سُئِل عَن الحَفْر فِي الأسْنان، فَقَالَ: هُوَ أَن يَحْفِرَ القَلَحُ أُصُولَ الْأَسْنَان بَيْنَ اللثة وأَصْلِ السنّ من ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ يُلِحُّ على العَظْمِ حَتَّى يَتَقَشَّر العظْمُ إِن لم يُدْرَكْ سَرِيعا، يُقَال أَخَذَ فِيه حَفْرٌ وحَفَرَةٌ. أَبُو عبيد: عَن الْكسَائي قَالَ: الحفْر بتسكين وَقد حفر فُوَه يحفِر حَفْراً.
وَقَالَ اللَّيْث الحِفْرَاةُ نباتٌ من نباتِ الرَّبِيع، قَالَ ونَاسٌ من أَهْلِ اليمنِ يُسَمُّون الْخَشَبَةَ ذاتَ الأصَابِع الَّتِي يُذُرَّى الكُدْس المَدُوسُ وَيُنَقَّى بهَا البُرُّ مِن التبْن بِحفْرَاةَ.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: أحفَرَ الرجلُ إِذا رَعَى إِبِلَه الحِفْرَى، وَهُوَ نَبْتٌ، قلتُ وَهُو مِن أَرْدَإِ المَرَاعي، قَالَ: وَأحفَرَ إِذَا عَمِل بالحِفْرَاةِ وَهِي الرَّقْش الَّذِي تُذَرَّى بِهِ الحنطةُ، وَهِي الْخَشَبَةُ المُصْمَتَة الرأسِ، فَأَما المُفَرَّجُ فَهُوَ العَضْمُ بالضَّاد والمِعْزَقَةُ، قَالَ: والمِعْزَقَةُ فِي غير هَذَا: المَرُّ، قَال والرقْشُ فِي غير هَذَا: الأكلُ الكثيرُ.
وَقَالَ أَبُو حاتمٍ: يُقَال حَافَرَ اليربوعُ مُحَافرةً، وَفُلَان أَرْوَغُ من يَرْبُوعٍ: مُحَافِرٍ، وَذَلِكَ أَن يَحْفِر فِي لُغزٍ من ألْغَازِه فيذهبَ سُفْلاً ويحفِرَ الإنسانُ حَتَّى يُعْيَى فَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ ويُشَبَّه عَلَيْهِ الجُحْرُ فَلَا يعرفهُ من غَيره

(5/14)


فيَدَعَهُ، وَإِذا فعل اليَرْبُوعُ ذَلِك قِيلَ لمن يَطْلُبُه دَعْه لَقَدْ حَافَر فَلَا يقدرُ عَلَيْهِ أحدٌ وَقَالَ: إِنَّه إِذا حَافَرَ أَبَى أنْ يَحْفِر الترابَ وَلَا يَنْبِثُه وَلَا يُدْرَى وجْهُ جُحْره، يُقَال قد حثا فترى الجُحْرَ مملوءًا تُراباً مستَوِياً مَعَ مَا سِواهُ إِذا حَثَا، ويُسَمَّى ذَلِك الحَاثِيَاءَ، ممدودٌ، يُقَال مَا أَشد اشْتِبَاه حَاثِيَائِه. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْل: رَجُلٌ مُحَافِرٌ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَأنْشد:
مُحَافِرُ الْعَيْش أَبى جِوَارِي
لَيْسَ لَهُ مِمَّا أفاءَ الشَّاري
غيرُ مُدَىً وبُرْمَةٍ أعشارِ
أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإرْبَاع والقُرُوحِ وَأَفَرَّتِ الإِبلُ للاثناء إِذا ذهبت رَوَاضِعُها وطَلَع غَيْرُها. وَقَالَ فِي كتاب (الخيْلِ) يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ إحْفاراً فَهُوَ مُحْفِر، قَالَ وإِحْفَارُهُ أَن يَتَحَرَّك الثَّنِيَّتان السُفْلَيَان والعُلْيَيَان من رَوَاضِعِه، فَإِذا تحرَّكْنَ قَالُوا قَدْ أَحْفَرَت ثَنَايَا رَوَاضِعِه فسَقَطْن. قَالَ وأولُ مَا يُحْفِرْنَ فِيمَا بَين ثَلَاثِينَ شهرا أدْنَى ذَلِك إِلَى ثلاثةِ أعْوَامٍ، ثمَّ يسقُطْن فَيَقَع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاء، ثمَّ يُبدىء فَيخرج لَهُ ثَنِيَّتَان سُفْلَيَان وثَنِيَّتَانِ عُلْيَيَانِ مَكَانَ ثَنَايَاه الرَّواضِعِ الَّتِي سَقَطْنَ بعد ثلاثةِ أَعْوَام فَهُوَ مُبْدِىءٌ قَالَ ثمَّ يُثَني فَلَا يزَال ثَنِيّاً حَتَّى يُحْفِرَ إحْفَاراً، وإحفارُهُ أَن تُحَركَ لَهُ الرَّبَاعِيَّتَانِ السفْلَيَان والرَّبَاعيتان العُلْيَيَان من رَوَاضِعه وَإِذا تَحَرَّكْن قيل قد أَحْفَرت رُبَاعِيَاتُ رواضعه فيسقُطْنَ، وَأول مَا يُحْفِرْن فِي اسْتِيفَائه أربعةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاءِ، ثمَّ لَا يزَال رَبَاعِياً حَتَّى يُحفر لِلْقُروحِ وَهُوَ أَن يَتَحَرَّك قَارِحَاه، وَذَلِكَ إِذا استَوْفَى خَمْسَةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهِ اسْمُ الإبْدَاءِ، عَلَى مَا وَصَفْنا ثمَّ هُوَ قارح.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا استَتَم المُهْرُ سنتَيْن فَهُوَ جَذَعٌ، ثمَّ إِذا استتم الثالثةَ فَهُوَ ثَنِيٌّ، فَإِذا أثْنَى أَلْقَى رَوَاضِعَه فَيُقَال أثنَى وأَدْرَمَ للأَثناء، ثمَّ هُوَ رَبَاعٍ إِذا استتمّ الرَّابِعَة من السنين يُقَال أَهْضم للإِرْبَاعِ وَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ قارِحٌ وَقد قَرَحَ يَقْرَحُ قُرُوحاً، قلت: وصَوَابُه إِذا استَتَمّ الخامِسَةَ، فَيكون مُوَافقا لقَوْل أبي عُبَيْدَة وكأَنَّهُ سقطَ شَيْءٌ.
وَيُقَال: حَفَرْتَ ثَرَى فُلانٍ إِذا فَتَّشْتَ عَن أمْرِه ووقَفْتَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي حَفَرَ إِذا جَامَع وحَفَرَ إِذا فَسَدَ.
فَرح: قَالَ اللَّيْث رجل مُفْرَحٌ قد أَثْقَلَهُ الدَّيْن، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (وَلَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) قَالَ أَبُو عبيد المُفْرَح: الَّذِي قد أَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَهُ، وَلَا يجِدُ قَضَاءَهُ. قَالَ وأنشدنا أَبُو عُبَيْدَة:
إذَا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تُؤَدي أَمَانَةً
وتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الوَدَائِعُ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ فِي قَوْله: (وَلَا يتْرك فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) هُوَ الَّذِي أثْقَلَ الدَّيْنُ ظَهْرَه، قَالَ: وَمن قَالَ مُفْرَجٌ فَهُوَ الَّذِي أثقله الْعِيَال وَإِن لم يكن مُدَّاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ فَرِحٌ وفَرْحَانٌ وَامْرَأَة فَرِحَةٌ وفَرْحَى، وَيُقَال مَا يسرني بِهِ مَفْروحٌ ومُفْرِحٌ، فاالمَفْرُوح: الشيءُ الَّذِي أَنا أفْرَحُ

(5/15)


بِهِ، والمُفْرِحُ: الشَّيْء الَّذِي يُفْرِحُني. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: مَا يسرني بِهِ مُفْرِحٌ وَلَا يجوز مَفْرُوحٌ، وَهَذَا عِنْده مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ العامَّة.
رفح: قَالَ أَبُو حَاتِم: من قُرُون الْبَقر الأَرْفَحُ وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ قَرْنَاهُ قِبَلَ أُذُنَيْه فِي تَبَاعُدِ مَا بَينهمَا قَالَ والأَرْفَى الَّذِي يَأْتِي أُذُنَاهُ عَلَى قَرْنَيْه.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء ممع والبَاء)
ح ر ب
حَرْب، حبر، ربح، رحب، بَحر، برح: مستعملات.
حَرْب: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحارِبُ: المُشَلح، يُقَال حَرَبَه إِذا أخَذَ مَالَه، وأَحْرَبَه دَلَّه على مَا يَحْرُبُه، وحَرَّبَه إِذا أطْعمهُ الحَرَب وَهُوَ الطَّلْع، وأَحْرَبَهُ: وجده مَحْرُوباً.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَرْب: نقيضُ السَّلْم، تؤنث، وتصغيرها حُرَيْبٌ بِغَيْر هَاء رِوَايَة عَن الْعَرَب وَمثلهَا ذُرَيْع وَقُوَيْسٌ وَفُرَيْسٌ أُنْثَى ونُيَيْبٌ وذُوَيْدٌ تَصْغِير ذَوْدٍ وقُدَيْرٌ تَصْغِير قِدْر وخُلَيْقٌ يُقَال مِلْحَفة خُلَيْق. كل ذَلِك تَأْنِيثٌ يُصَغَّرُ بِغَيْر هَاءٍ. قلت أنَّثُوا الْحَرْب لأَنهم ذَهَبُوا إِلَى المُحَارَبَةِ، وَكَذَلِكَ السلْم والسَّلْم يذهب بهما إِلَى المُسالمة، فتؤنث.
وَقَالَ اللَّيْث رجل مُحَرب: شُجَاعٌ. وَفُلَان حَرْبُ فلانٍ أَي مُحَارِبهُ. ودَارُ الحَرْبِ بِلادُ المُشْرِكين الَّذين لَا صُلْحَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين. وَتقول حَرَّبْتُ فلَانا تَحْرِيباً إِذا حرَّشْتَه تحريشاً بِإِنْسَان فأُولِعَ بِهِ وبعَدَاوته.
وَيُقَال حُرِب فلَان حَرَباً، والحَرَب أَن يُؤْخَذ مَاله كُلُّه، فَهُوَ رجل حَرِبٌ نزل بِهِ الحَرَبُ، وَهُوَ مَحْرُوبٌ حَرِيبٌ. وحَرِيبَةُ الرجلِ: مالُه الَّذِي يعِيش بِهِ. والحَرِيبُ: الَّذِي سُلِبَ حَرِيبَتَه. ابْن شُميل فِي قَوْله (اتَّقوا الدَّيْن فَإِن أَوَّلَه وآخِرَه حَرَبٌ) قَالَ يُبَاع دَارُه وعَقَارُه، وَهُوَ من الحَرِيبَةِ.
محروبٌ: حُرِبَ دِينَه أَي سُلِبَ دِينَه، يَعْنِي قولَه (فَإِن المحْرُوبَ من حُرِبَ دِينَه) وَقَالَ الله {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يَعْنِي الْمعْصِيَة وَقَوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البَقَرَة: 279) يُقَال: هُوَ القَتْلُ أما قَوْلُه جلّ وعَزَّ {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المَائدة: 33) الْآيَة فإنّ أَبَا إسحاقٍ النحويَّ زعم أَن قَول الْعلمَاء أنّ هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْكفَّار خَاصَّة.
ورُوِي فِي التَّفْسِير أَن أَبَا بُرْدَةَ الأسلميَّ كَانَ عاهَدَ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَّ يَعْرِضَ لمن يريدُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وألاّ يمنَعَ مِنْ ذَلِك، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يمْنَعُ من يريدُ أَبَا بُرْدَةَ فمرّ قوم بِأَبِي بُرْدَةَ يُرِيدُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض أصحابُه لَهُم فَقَتَلُوا وأخَذُوا المالَ، فَأنْزل الله جلّ وعزّ على نبيّه، وَأَتَاهُ جبريلُ فَأعلمهُ أنَّ الله يأمُرُه أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ المالَ قَتَله وَصَلَبَهُ، وَمن قَتَل وَلم يَأْخُذِ المالَ قَتَله، وَمن أَخَذَ المالَ وَلم يَقْتُل قطع يَدَه لأَخْذِه المالَ، ورِجْلَهُ لإخَافَتِه السبيلَ.

(5/16)


وَقَالَ الليثُ: شُيُوخ حَرْبى وَالْوَاحد حَرِبٌ شبيهٌ بالكَلْبى والكَلِب. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وشيوخٍ حَرْبى بشطَّيْ أَرِيكٍ
ونِسَاءٍ كأنَّهُنَّ السَّعَالي
قلت وَلم أسمع الحَرْبَى بمَعْنى الكَلْبى إِلَّا هَهُنَا. وَلَعَلَّه شَبَّهَه بالكلبى أَنه على مِثَاله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْبَةُ دون الرُّمْحِ والجميع الحِرَابُ.
وَقَالَ والمِحْرَاب: الغُرْفة وَأنْشد قَول امرىء الْقَيْس:
كغزلان رمل فِي محاريب أَقْوَال.
قَالَ والمِحْرَابُ عِنْد الْعَامَّة اليومَ مَقَامُ الإمامِ فِي المَسْجِد.
وكانَتْ مَحَارِيبُ بني إسْرَائيلَ مَسَاجِدَهُم الَّتِي يَجْتَمعُونَ فِيهَا للصَّلَاة.
قَالَ أَبُو عبيد: المِحْرَابُ: سيّد الْمجَالِس ومُقدَّمُها وأشْرَفُها، وكذلِكَ هُوَ من الْمَسَاجِد. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: المحرابُ: مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهُم.
وَقَالَ الأصمعيّ: الْعَرَب تسمي القَصْرَ محْرَاباً لِشَرفه. وَأنْشد:
أَو دميةٍ صُورَ مِحْرَابُها
أَبُو درة شِيفَتْ إِلَى تَاجر
أَرَادَ بالمحراب الْقصر، وبالدُّمْيَة الصُّورَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: عَن أَبي عَمْرِو بنِ الْعَلَاء دخلتُ مِحْرَاباً من مَحَارِيبِ حِمْيَر فَنَفَخ فِي وَجْهي رِيحُ الْمسك أَرَادَ قَصْرَاً أَو مَا يشبه القصرَ، وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ُِالْخِطَابِ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ} . (ص: 21) قَالَ: الْمِحْرَاب أَرْفَعُ بيتٍ فِي الدَّار، وأَرْفَعُ مَكانٍ فِي المسْجِد. قَالَ والمِحْرَابُ هَهُنَا كالغُرْفة وَأنْشد:
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذا جِئْتُها
لم أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِي سُلَّما
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا يَشَآءُ مِن} (سَبَإ: 13) ذُكِرَ أنَّها صُوَرُ الأنبياءِ والملائكةِ، كَانَت تُصَوَّرُ فِي الْمَسَاجِد ليراها النّاسُ فيزْدَادُوا عبَادَة.
وَقَالَ الزجَّاجُ: هِيَ واحِدَةُ المِحْرابِ الَّذِي يُصَلّى فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عُرْوَةَ بن مسعودٍ إِلَى قومه بِالطَّائِف فَأَتاهُمْ ودَخَل محراباً لَهُ فَأَشْرَف عَلَيْهِم عِنْد الْفجْر، ثمَّ أذَّن للصَّلَاة. وَهَذَا يَدُلُّ على أَنه غرفَة يُرْتَقَى إِلَيْهَا. وَقَالَ اللَّيْث الْمِحْرَاب عنق الدَّابَّة.
ابْن الْأَنْبَارِي عَن أَحْمد بن عبيد: سمي المحرابُ مِحْرَاباً لانفراد الإِمَام فِيهِ وبُعْدِه عَن النَّاس.
وَمِنْه يُقَال فلانٌ حَرْبٌ لفُلَان إِذا كَانَ بَينهمَا تبَاعد ومباغضة واحتجَّ بقوله:
وحارَبَ مرفَقَها دَفُّها
وسامَى بِهِ عُنُقٌ مِسْعَر
أَرَادَ بعد مرفقها من دفها.
وَقَالَ الراجز:
كأنَّهَا لَمَّا سَمَا مِحْرابُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:

(5/17)


وَترى مَجْلِسا يغص بِهِ المح
راب مِلْقوم وَالثيَاب رقاق
أَرَادَ من الْقَوْم. قَالَ: والحِرَباءُ دويبَةٌ على خِلْقة سَام أَبْرَصَ ذاتُ قوائِمَ أَربع، دقيقةُ الرَّأْس، مخطَّطَةُ الظهرِ، تستقبلُ الشمسَ نهارَها. والجميعُ محرابيّ. قَالَ والْحِربَاءُ: رأسُ المِسْمَارِ فِي الْحلقَة فِي الدرْع.
وَقَالَ أبُو عُبَيْد: الحِرْبَاءُ: مساميرُ الدرْع. وَقَالَ لبيد:
كلّ حرباء إِذا أُكْرِهَ صَلّ
قَالَ: وقَالَ أَبُو عَمْرٍ والشَّيبانيُّ: حَرَابِيّ المَتْنِ: لَحْمُ المَتْنِ، قَالَ: وَاحِدُها حِرْبَاءُ؛ شُبه بِحِرْبَاءِ الفَلاَةِ وإِنَاثُ الحرابِي يُقَال لَهَا أُمَّهَاتُ حُبَيْنٍ، الْوَاحِدَة أُمُّ حُبَيْنٍ، وَهِي قَذِرَةٌ لَا تأْكُلُهَا العَرَبُ بتَّة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أرضٌ مُحَرْبِئَةٌ مِنَ الحِرْبَاءِ.
أبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُرْبَة: الجُوَالِقُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الحُرْبة: الوِعَاءُ.
أَبُو عبيد: حَرِب الرجل يحرَبُ حَرَباً إِذا غضب. قَالَ وحَرَّبْتُ عَلَيْهِ غَيْرِي أَي أغْضَبْتُه وَسنَان مُحَرَّبٌ مُذَرَّبٌ إِذا كَانَ مُحَدَّراً مُؤَلَّلاً.
أَبُو عبيد عَن يونُسَ قَالَ: أَحْرَبْتُ الرجل: إِذا دَلَلْتُهُ على مالٍ يُغِيرُ علَيْه.
عمرٌ عَن أَبِيه: الحَرَبَةُ: الطَّلْقَةُ إِذا كَانَت بقِشْرِها، وَيُقَال لِقِشْرِها إِذا نُزِع: القِيقَاءَةُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: المحرابُ: القِبْلَةُ. والمِحْرَابُ الغُرْفَة. والمِحْرَابُ: صَدْرُ المَجْلِسِ والمحراب مَأْوَى الْأسد، يُقَال: دَخَلَ فُلانٌ على الأسَدِ فِي مِحْرَابه وغِيله وعَرِينِه وَرجل مِحْرَبٌ أَي محَارب لِعَدُوه. وَقيل سمي مِحْرابُ الإمامِ مِحْرَاباً لِأَن الإِمَام إِذا قَامَ فِيهِ لم يَأْمَنْ أنْ يَلْحَن أَو يُخْطِىء فَهُوَ خَائِفٌ مَكَانا كَأَنَّهُ مَأْوى الْأسد.
رحب: شمر عَن ابْن شُمَيْل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التّوبَة: 118) أَي على رُحْبِها وسعَتِهَا. وأرضٌ رَحِيبَةٌ: واسِعَةٌ. قَالَ وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الرُّحْبَةُ: مَا اتَّسَع من الأرضِ. وَجَمعهَا رُحَبٌ، مثل قَرْيَة وقُرًى. قلت وَهَذَا يجيءُ شاذّاً فِي بَاب النَّاقِص، فَأَما السَّالِم فَمَا سَمِعت فَعْلَة جُمِعَتْ على فُعَل، وَابْن الْأَعرَابِي ثِقَة لَا يَقُول إِلَّا ماقَدْ سَمعه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّحْبُ والرَّحيبُ: الشيءُ الواسعُ. قَالَ: رَحَبَةُ الْمَسَاجِد سَاحَاتها. ونقول رَحَب يَرْحُبُ رُحْباً ورَحَابةً. ورجلٌ رحيبُ الجوفِ: واسِعُه. وَقَالَ نصر بن سيار: أَرَحُبَكُم الدُّخُول فِي طَاعة الكِرْماني، يَعْنِي أَوَسِعَكُم. وَقَالَ الليثُ: وَهَذِه كلمة شَاذَّةٌ على فَعُلَ مُجَاوِزٍ وفَعُلَ لَا يكون مجاوِزاً أبدا. قلت لَا يجوز رحُبَكُم عِنْد النَّحْوِيين، وَنصر لَيْسَ بحُجَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرْحَبُ حيٌّ أَوْ مَوْضِعٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ النجائبُ الأَرْحَبِيَّةُ. قلت: ويَحْتَمِل أَن يكونَ أَرْحَبُ فَحْلاً نُسِبَتْ إِلَيْهِ النجائِبُ لأنَّها من نَسْلِه. وَقَالَ الليثُ فِي قَول الْعَرَب مَرْحباً، مَعْنَاهُ انْزل فِي الرَّحْب

(5/18)


والسَّعَة فَأَقِمْ فَلَكَ عندنَا ذَلِك. وسُئل الخليلُ عَن نصْب مَرْحَباً: فَقَالَ فِيهِ كَمِينُ الْفِعْل، أَرَادَ بِهِ انْزِل أَوْ أَقِمْ فَنَصَب بِفِعْلٍ مُضْمَر، فَلَمَّا عُرِف مَعْنَاهُ المُرادُ بِه أُمِيتَ الفعلُ. قلت وَقَالَ غيرُه فِي قَوْلِهمْ: مَرْحَباً، أَتَيْت رُحْباً وسَعَةً لَا ضِيقاً. وَكَذَلِكَ قَالَ سَهْلاً، أَرَادَ نَزَلْتَ بَلداً سَهْلاً لَا حَزْناً غليظاً.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَكَ، ومرحباً بك الله ومسْهلاً بكَ الله. وَتقول العَرَبُ: لامرحباً بك أَي لَا رَحُبَتْ عَلَيْك بِلادُك. قَالَ وَهِي من المَصادِرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الدُّعَاءِ للرجُلِ وَعَلِيهِ، نَحْو سَقْياً ورَحْباً وجَدْعاً وعَقْراً؛ يُرِيدُونَ سَقاك الله ورعاك.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلمَة قَالَ سمعتُ الفرّاء يَقُول يُقَال رحُبتْ بلادُك رَحْباً ورَحَابةً ورحِبَتْ رَحَباً ورُحْباً. وَيُقَال أرْحَبَتْ، لُغَةٌ بذلك الْمَعْنى.
وَقَالَ اللَّيْث: الرُّحْبَى على بِنَاء فُعْلى أعْرَضُ ضِلَع فِي الصَّدْر، قَالَ: والرُّحْبَى: سِمَةٌ تَسِمُ بهَا العربُ على جَنْب الْبَعِير.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الرُّحْبَيَانِ مَرْجِعَا المِرْفَقَين، قَالَ والنَّاحِزُ إِنَّمَا يكون فِي الرُّحْبَيَيْن. وَقَالَ غَيره: الرُّحْبى: مَنْبِضُ القلبِ من الدوابّ وَالْإِنْسَان.
وَرَحْبَةُ مالكِ ابْنِ طوقٍ: مدينةٌ أَحْدَثها مالكٌ على شاطيء الْفُرَات. وَرُحَابَةُ: مَوضِع مَعْرُوف.
شمر عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الرّحَابُ فِي الأودية الواحدةُ رَحْبَةٌ، وَهِي مواضعُ متواطئة يسْتَنقِع الماءُ فِيهَا، وَهِي أَسْرَعُ الأرْضِ نباتاً تكون عِنْد مُنْتَهى الوَادِي وَفِي وَسَطِه، وَقد تكون فِي الْمَكَان المُشْرِف ويَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ، وَمَا حولهَا مُشْرِفٌ عَلَيْهَا، وَإِذا كَانَت فِي الأرضِ المستوية نَزَلها النَّاسُ، وَإِذا كَانَت فِي بطن المسيلِ لم يَنزِلْها النَّاس، وَإِذا كَانَت فِي بطن الْوَادي فَهِيَ أُقْنَةٌ تُمْسِكُ المَاء لَيست بالقعيرة جدا وسعتها قَدْرُ غَلْوة، وَالنَّاس ينزِلون نَاحيَة مِنْهَا، وَلَا تكونُ الرحَابُ فِي الرَّمل وتكونُ فِي بطونِ الأَرْض وَفِي ظواهرِها.
وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال للصحراء بَين أفْنيَةِ الْقَوْم وَالْمَسْجِد رَحْبَةٌ. ورَحَبَةٌ اسمٌ وَرَحْبَةٌ نعت. يُقَال بِلَاد رَحْبَةٌ، وَلَا يُقَال رَحَبة. قلت ذهب الفرَّاء إِلَى أَنه يُقَال بلد رَحْبٌ وبلاد رَحْبَةٌ، كَمَا يُقَال بلد سَهْلٌ وبلاد سَهْلَةٌ.
برح: قَالَ اللَّيْث بَرِحَ الرجلُ يَبْرَحُ بَرَاحاً: إِذا رَام مِنْ مَوْضِعه وَيُقَال مَا بَرِحْتُ أَفْعَلُ كَذَا، بِمَعْنى مَا زِلْتُ. وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} (طاه: 91) أَي لن نزال.
وَقَول الْعَرَب: بَرِحَ الْخَفَاءُ، قَالَ بعضُهم مَعْنَاه زَالَ الخفاءُ، وَقيل مَعْنَى بَرِحَ الخفاءُ أَي ظهر مَا كَانَ خافياً وانكشف، مأخوذٌ من بَرَاح الأَرْض وَهُوَ الظَّاهِر البارز. وَقَالَ اللَّيْثُ: البَرَاحُ: البَيَان، يُقَال جَاءَ بالْكفْر بَرَاحاً وَيجوز أَن يكون قَوْلهم بَرِح الخَفَاءُ أَي ظهر مَا كنتُ أُخْفِي.

(5/19)


والبَارِح من الظبَاءِ والطيرِ خلافُ السَّانح وَقد مَرّ تَفْسِيرهَا فِي بَاب (سنح) من هَذَا الْكتاب.
وَقَالَ الدينَوَرِي: البَيّرُوخُ: هُوَ اللُّقَّاحُ الأصْفُرُ مثل الباذنجان طيّبُ الرَّائِحَة وَيدخل فِي الأدْوية، وَيُسمى المغْدَ أَيْضا. قَالَ واللُّقَّاحُ أَيْضا ضربٌ من الفِرْسِك أجرَدُ فِيهِ حُمْرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البارحُ من الرِّيَاح: الَّتِي تَحْمِلُ التُّرَابَ فِي شِدّة الهُبوب.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: البَوَارحُ الشَّمْأَلُ فِي الصيفِ خَاصَّة. قلت وكلامُ الْعَرَب الَّذين شاهَدْتُهم على مَا قالَ أَبُو زيد. وَقَالَ ابْن كُنَاسةَ: كلّ ريحٍ تكون فِي نُجُوم القيْظِ فَهِيَ عِنْد العربِ بَوَارِحُ، قَالَ وأكثرُ مَا تَهُبُّ بنجومِ الْمِيزَان، وَهِي السَمَائِم، وَقَالَ ذُو الرمة:
لاَ بَلْ هُوَ الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَهَا
مَرّاً سحابٌ ومَرّاً بَارِحُ تَرِبُ
فنسبها إِلَى التُّراب لِأَنَّهَا قَيْظِيَّة لارِبْعِيَّة، ورياح الصَّيف كلُّها تَرِبَةٌ.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال للمحموم الشديدِ الحُمَّى: أصَابَتْه البُرَحَاءُ، وَيُقَال بَرَّحَ بِنَا فُلانٌ تَبْرِيحاً فَهُوَ مُبَرحٌ، وَأَنا مبرَّح: إِذْ آذَاك بإلحَاحِ المَشَقّة، وَالِاسْم التَّبْرِيحُ والبُرْحُ. وَأنْشد:
لنا والهوى بَرْحٌ على مَنْ يغَالِبُه
والتباريح: كُلَفُ الْمَعيشَة فِي مشَقَّة. وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرحاً، وَلَا تقل مُبَرَّحاً. وَيُقَال هَذَا الأمرُ أَبْرَحُ عَلَيَّ من ذَلِك الأمرِ أَي أَشَقُّ وأَشَدُّ. وَأنْشد لذِي الرمة:
أَنِيناً وشَكْوَى بالنَّهَارِ كثيرةٌ
عَلَيَّ وَمَا يَأْتِي بِهِ الليلُ أبْرَحُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا تمدَّد المحموم لِلْحُمَّى فَذَلِك المُطَوَاءُ فَإِذا تثاءب عَلَيْهَا فَهِيَ الثُّؤَبَاءُ، فَإِذا عرق عَلَيْهَا فَهِيَ الرُّحَضَاء، فَإِن اشتدت الْحمى فَهِيَ البُرحَاءُ، والبرحاء: الشدَّة والمشقَّةُ. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ الْكسَائي لقِيت مِنْهُ البِرَحينَ والبُرَحينَ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمَةَ عَن الفرَّاءِ: لَقِيتُ مِنْهُ بَنَاتِ بَرْحٍ وَبني بَرْحٍ، كلُّ ذَلِك مَعْنَاهُ الدَّاهيةُ والشدّة. وَقَالَ غَيره يُقَال: لقِيت مِنْهُ بَرْحاً بَارِحاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ويَرْحَى لَهُ ومَرْحَى إِذا تعجَّب مِنه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَبْرَحْتَ ربّاً وأَبْرَحْتَ جارا
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ أَعْظَمْتَ ربّاً، وقالَ آخَرُونَ أَعْجَبْتِ رَبّاً، وَيُقَال أُكْرِمْتَ مِن رَب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَبْرَحْتَ: بَالَغْتَ، لُؤْماً وأَبْرَحْتَ كَرَماً أَي جئتَ بأَمْرٍ مُفْرِط. وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: قَالُوا للمرأةِ: أبرحْتِ عائِذاً وأَبْرَحَتِ العائِذُ: إِذا تَعَجَّبَ من جمَالها، وَهِي والدٌ ذاتُ صَبِي وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بُرْحةُ كل شَيْء خِيَاره، وَيُقَال للبعير هُوَ بُرْحَةُ من البُرَح يُرِيد أَنَّهُ من خِيَار الْإِبِل. قَالَ: وأبْرَحَ فلانٌ رَجُلاً إِذا فَضَله، وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء تُفضّله. قَالَ وَقَالَ العُذري: بَرَّح الله عَنهُ، أَي فرَّج الله عَنهُ، قَالَ: وَإِذا غضب الإنسانُ على صَاحبه قيل: مَا أشدَّ مَا بَرِح عَلَيْهِ،

(5/20)


وَالْعرب تَقول فعلنَا الْبَارِحةَ كَذَا وَكَذَا، للَّيْلَةِ الَّتِي مَضَتْ يُقَال ذَاك بعد زَوَال الشَّمْس. وَيَقُولُونَ قَبْلَ الزَّوال فعلنَا الليلةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَول ذِي الرمة:
تَبَلَّغ بَارِحّي كَرَاهُ فِيهِ
قَالَ بَعضهم: أَرَادَ النومَ الَّذِي شقّ عَلَيْهِ أمرُه لامتناعه مِنْهُ وَيُقَال أَرَادَ نوم اللَّيْلَة البارِحة. والعربُ تقولُ مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبارحةِ، أَي مَا أَشْبَهَ الليلةَ الَّتِي نَحن فِيهَا بالليلةِ الأولى الَّتِي قد بَرِحت أَوْ زَالت وَمَضَت. وَيُقَال للشَّمْس إِذا غَرَبت: دَلَكَت بَرَاحِ يَا هَذَا، على فَعَالِ، الْمَعْنى أَنَّها زَالَت وبَرِحَت حِين غَرَبَت. وبَرَاحِ بِمَعْنى بَارِحةٍ، كَمَا قَالُوا لكلْبِ الصيْد كَسَابِ بِمَعْنى كاسِبَةٍ، وَكَذَلِكَ حَذَامِ بِمَعْنى حَاذِمَةٍ. وَمن قَالَ دَلَكَت الشمسُ بِرَاحِ، فَالْمَعْنى أَنَّهَا كَادَت تَغْرُب وَقد وضع يَده على حَاجِبه ينظر زَوَالهَا أَوغروبَها، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي دلَكت بِرَاحِ أَي اسْتُريح مِنْهَا. وَأنْشد الْفراء:
هَذَا مُقام قَدَمَيْ رَبَاحِ
ذبَّبَ حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ
يَعْنِي الشمسَ. قَالَ شمر قَالَ ابْن أبي ظَبْيَة الْعَنْبَري:
بُكْرةً حَتَّى دلكت براح
أَي بعشيَ رائحٍ فأسقط الْيَاء مثل جرف هار وهائِر. وَقَالَ المفضّل دلكت بَراحِ وبَراحُ بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا. وَقَالَ أَبُو زيد دلكت براحٍ مجرورٌ منونٌ ودلكت براحُ مضموم غير منون.
حَدثنَا الْكُوفِي حَدثنَا الْحلْوانِي حَدثنَا عفانُ عَن حمادٍ بن سَلمَة عَن حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْنَا للحسَن مَا قَوْله ضربا غير مبرح؟ قَالَ: غير مُؤثر. وَهُوَ قولُ الْفراء. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: دَلَكَت بَراحِ أَي استُريح مِنْهَا. وروى شمر فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التَّوْلِيهِ والتبْريح، قَالَ التَّبْرِيحُ قَتْلُ السوءِ، جَاءَ التفسيرُ مُتَّصِلاً بِالْحَدِيثِ. قَالَ شمر ذكر ابْن الْمُبَارك هَذَا الحَدِيث مَعَ مَا ذُكِرَ من كراهةِ إلْقاءِ السَّمكة إِذا كَانَت حَيَّة على النارِ. وَقَالَ: أما الأكلُ فَتُؤْكلُ وَلَا يُعْجِبُني قَالَ: وَذكر بعضُهم أَن إلقاءَ القَمْل فِي النارِ مثلُه. قلت: وَرَأَيْت العربَ يملأون الوِعاء من الجَرادِ وَهِي تهتمش فِيهِ، ويحتفرون حُفْرَة فِي الرَّمل ويوقدون فِيهَا، ثمَّ يَكُبُّون الجَرادَ من الوعاءِ فِيهَا ويُهيلون عَلَيْهَا الإرَّة حَتَّى تَمُوت، ثمَّ يستخرجونَها ويشررُونها فِي الشَّمْس فَإِذا يَبِسَتْ أكلوها.
ربح: قَالَ اللَّيْث رَبِحَ فلانٌ وأَرْبَحْتُهُ، وَهَذَا بيع مُرْبِحٌ إِذا كَانَ يُرْبَحُ فِيهِ وَالْعرب تَقول رَبِحَتْ تجارتُه إِذا ربح صاحبُها فِيهَا. قَالَ الله: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ} (البَقَرَة: 16) . وَيُقَال أَعْطَيْتُه المَال مُرَابَحَةً على أنَّ الربحَ بيني وَبَينه، هَذَا قَول اللَّيْث. وَقَالَ غيرُه: بِعْتُه السلْعَةَ مُرَابَحَةً على كل عشرةِ دارهمَ دِرْهَمٌ، وَكَذَلِكَ اشتَرَيْتُهُ مُرَابَحةً، وَلَا بدّ من تَسْمِيَةِ الرِّبْح.
وَقَالَ الليْثُ رُبَّاحٌ اسْم القِرْد، قَالَ: وضَرْبٌ من التَّمْر يُقَال لَهُ زُبُّ رُبَّاح. وَأنْشد شمر للبعيث:

(5/21)


شآمية زرْق الْعُيُون كَأَنَّهَا
رَبَابِيحُ تَنْزُو أَوْفُرار مُزَلّم
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرُّبَّاحُ: القرد فِي بَاب فُعَّال. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هُوَ الرُّبَّاح للقرد، وَهُوَ الهَوْبَرُ والحَوْدَلُ. وَقَالَ خَالِد بنُ جنبه: الرُّبَّاح الفَصِيلُ والحاشيةُ الصغيرُ الضَّاوي. وَأنْشد:
حطّت بِهِ الدَّلْوُ إِلَى قَعْر الطَّوَى
كأنَّما حطَّت بِرُبَّاح ثَنِيّ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم كَيفَ يكون فصيلاً صَغِيرا وَقد جعله ثَنِيّاً، والثَّنِيُّ ابْن خمس سِنِين، وَأنْشد شمر لخداش بن زُهَيْر:
وَمَسَبُّكُم سُفْيَان ثمَّ تُرِكْتُم
تَتَنَتَّجُون تَنَتُّجَ الرُّبَّاح
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لخفاف بن ندبة:
قَرَوْا أَضْيَافَهُمْ رَبَحاً بِبُجَ
يَجِيء بفضْلِهن المسّ سُمْر
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَحُ والربحُ مثل البَدَلِ والبِدْلُ. وَقد رَبِحَ يَربَحُ رِبْحَاً ورَبَحاً. قَالَ والبجُّ قِداح الميْسر. قَالَ وَيُقَال الرَّبَح. الفصيل، وَجمعه رِبَاحٌ مثل جمَل وجمال، وَيُقَال الرَّبَحُ الفِصَالُ، وَاحِدهَا رَابح. يَقُول أعوزَهُم الكبارُ فتقامَروا على الفِصَالِ. قَالَ: وَيُقَال أَرْبَحَ الرجل إِذا نحر لضِيفَانه الرَّبَحَ، وَهِي الفُصْلان الصغارُ.
يُقَال رَابحٌ ورَبَحٌ مثل حَارِسٍ وحَرَسٍ. وَقَالَ شمر: الرَّبَحُ: الشحْمُ: قَالَ وَمن رَوَاهُ رُبَحاً فَهُوَ ولد النَّاقة وَأنْشد:
قد هَدِلت أفْواهُ ذِي الرُّبُوح
وَأما قَول الْأَعْشَى:
مِثْلَمَا مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَح
فقد قيل إنّه أَرَادَ الرُّبَع، فأبدل الْحَاء من الْعين.
حبر: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يخرج رجلٌ من النَّار قد ذهب حِبْرُه وسِبْرُه) قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: حِبْرُه وسِبْرُه هُوَ الجمالُ والبَهاءُ. يُقَال فلَان حَسَن الحِبْرِ والسبْرِ. وَقَالَ ابنُ أَحمر وذَكَر زَمَاناً:
لَبِسْنَا حِبْرَهُ حَتَّى اقْتُضِينَا
لأجيال وأعمال قُضِينَا
أَي لبسنا جماله وهيبته وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ غَيره: فلَان حَسَنُ الحَبْرِ والسَّبْر إِذا كَانَ جميلاً حسَن الهَيْئة بِالْفَتْح. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ عِنْدِي بالحَبْر أشبهُ، لِأَنَّهُ مصدر حَبَرْتُه حَبْراً إِذا حسَّنْتَه. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ يُقَال للطُّفَيْلِ الغَنَوِي: مُحَبر، فِي الجاهليّة، لِأَنَّهُ كَانَ يُحَسن الشّعْر. قَالَ وَهُوَ مأخُوذ من التحبير وحُسْنِ الْخط والمنطِق. شمر عَن ابْن الأعرابيّ: هُوَ الحِبْر والسبْر بِالْكَسْرِ. قَالَ وأخبرَني أَبُو زيادٍ الكلابيُّ أَنه قَالَ: وقفت على رَجُلٍ من أهل الْبَادِيَة بعد مُنْصَرَفي منَ الْعرَاق، فَقَالَ: أمّا اللِّسَان فَبدَويٌّ، وَأما السبْرُ فحضريٌّ. قَالَ: والسبْرُ: الزيُّ والهيئةُ. قَالَ: وَقَالَت بدوية: أعجبَنَا سِبْرُ فلانٍ أَي حُسْنُ حَالِه وخصْبُهُ فِي بدنه، وَقَالَت: رَأَيْته سييءَ السبْر إِذا كَانَ شاحباً مضروراً فِي بدنه فَجعلت السبْرَ بمعنيين.

(5/22)


وَقَالَ اللَّيْث: الحَبَارُ والحِبَرُ أَثَرُ الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَبَارُ أَثَرُ الشَّيْء وَأنْشد:
لَا تملأ الدَّلوَ وعرقْ فِيهَا
أَلا ترَى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها
قَالَ أَبُو عبيد: وأمَّا الأحْبَارُ والرُّهبان فالفُقَهاءُ قد اخْتلفُوا فِيهِ فبعضهم يَقُول: حَبْرٌ وَبَعْضهمْ: حِبْرٌ. قَالَ، وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا هُوَ حِبْر. يُقَال ذَلِك للعالِم. وَإِنَّمَا قيل كَعْب الحِبْر لمَكَان هَذَا الحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ؛ وَذَلِكَ أَنه كَانَ صاحِبَ كُتُبٍ. قَالَ وَقَالَ الأصمعيُّ: لَا أَدْرِي أهوَ الحِبْرُ أَو الحَبْرُ للرجل العالمِ. وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَقُول: وَاحِدُ الأحْبَار حَبْرٌ لَا غيرُ، وينكر الْحِبرَ. وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ عَن الحرّانِيّ عَن ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: حَبْرٌ وحِبْرٌ للعالمِ. وَمثله بَزْر وبِزْرٌ وسَجْف وسِجْفٌ. وَقَالَ ابْن السّكيت: ذهب حِبْرُه وسِبْرُه أَي هيْئَتُهُ وسَحْناؤه. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: رجل حَسَنُ الْحِبْرِ والسبر: أَي حسن الْبشرَة. وروى عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الْحِبْرُ من النَّاس: الداهيةُ وَكَذَلِكَ النبْرُ. وَرجل حِبْرٌ نِبْرٌ. وَقَالَ الشَّمَّاخ:
كَمَا خَطّ عِبْرَانِيَّةً بِيَمِينهِ
بِتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثمَّ عَرَّض أَسْطُرَا
رَوَاهُ الرُّواة بِالْفَتْح لَا غيرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ حِبْر وَحَبْرٌ لِلْعالِم ذِميَّاً كَانَ أَو مُسلماً، بعد أَن يكون من أهل الْكتاب. قَالَ: وَكَذَلِكَ الحِبْر والحَبْر فِي الجمَال والبَهاء. قَالَ والتحبيرُ: حسن الخطّ.
وَأنْشد الفراءُ فِيمَا روى سَلمَة عَنهُ:
كتحبير الكتابِ بخَط يَوْماً
يهودِيَ يُقَارِبُ أَو يَزِيل
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَّرْتُ الشعرَ والكلامَ، وحَبَرْته: حسَّنْتُه.
وقَالَ ابنُ السّكيت فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} (الرّوم: 15) يُسَرُّون. قَالَ: والحَبْر: السُّرورُ. وَأنْشد:
الْحَمد لله الَّذِي أعْطى الحَبَرْ
وَقَالَ الزجّاج {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} أَي يُكْرَمُون إكْراماً يُبَالَغُ فِيهِ. قَالَ: والحَبْرَةُ الْمُبَالغَة فِيمَا وُصِفَ بجميلٍ.
وَقَالَ الليثُ: يحبرون يُنَعَّمون. قَالَ: والحَبْرَةُ النِّعْمَة. وَقد حُبِرَ الرجلُ حَبْرَةً وحَبَراً فَهُوَ محبور.
وَقَالَ المزار الْعَدوي:
قد لَبِسْتُ الدَّهر منْ أَفْنَانِه
كُلَّ فَنَ ناعمٍ مِنْهُ حَبِر
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} قَالَ: السَّمَاعُ فِي الْجنَّة. والْحَبْرَةُ فِي اللُّغة النعْمَةُ التَّامَّة.
وَقَالَ شمر: الحَبَرُ صُفْرَةٌ تَرْكَبُ الإنسانَ وَهِي الحِبْرَةُ أَيْضا. وَأنْشد:
تجلو بأخْضَر من نَعْمَانَ ذَا أُشُرٍ
كعارض البرْقِ لم يستشرب لِحَبَرا
ونَحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث فِي الحبر. وَقَالَ شَمِر: أَوله الحِبَر، وَهُوَ صُفْرَةٌ، فَإِذا اخضرّ فَهُوَ قَلَحٌ، فَإِذا ألحّ على اللثة حَتَّى تظهرَ الأسْنَاخُ فَهُوَ الحَفَر والحَفْرُ.

(5/23)


وَقَالَ اللَّيْث: برودُ حِبَرَةٍ ضرب من البُرُود اليمانية.
يُقَال بُرْدُ حبرَة وبُرُودُ حِبَرَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ حِبَرَةُ موضعا أَو شَيْئا مَعْلُوما. إِنَّمَا هُوَ وَشْيٌ كَقَوْلِك ثوبُ قِرْمِزٍ، والقِرْمِزُ صِبْغَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحبيرُ من السَّحَاب مَا يُرَى فِيهِ التَّنْميرُ من كَثْرَة المَاء.
قَالَ: والحبير من زَبَدِ اللُّغام إِذا صَار على رَأس الْبَعِير. قلت صحّف الليثُ هَذَا الحرفَ وَصَوَابه الْخَبِير بِالْخَاءِ لزَبَد أفْواهِ الْإِبِل هَكَذَا قَالَ أَبُو عبيدٍ فِيمَا رَوَاهُ الْإِيَادِي لنا عَن شمر، عَن أبي عُبيد.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْحسن الصَّيْدَاوِيُّ عَن الرياشي. قَالَ: الْخَبِير الزَّبَدُ بِالْخَاءِ وَأما الحَبيرُ بِمَعْنى السَّحَاب فَلَا أعرفهُ وَإِن كَانَ أَخذه من قَول الْهُذلِيّ:
تَغَذَّمْنَ فِي جانبيه الحَبيرَ
لَمَّا وهَى مُزْنُهُ واستُبِيحا
فَهُوَ بِالْخَاءِ أَيْضا وسنقف عَلَيْهِ فِي كتاب الْخَاء مُشْبَعاً إِن شَاءَ الله.
وروَى شَمِر عَن أبي عَمْرو قَالَ: المحْبَارُ الأَرْض السريعةُ الْكلأ.
وَقَالَ عنترةُ الطَّائِي:
لنا جِبَالٌ وَحمى مِحْبَارُ
وطُرُق يُبْنَى بهَا المَنَار
وَيُقَال للمِحْبَارِ من الأَرْض حَبِرٌ أَيْضا وَقَالَ:
لَيْسَ بِمِعْشَابِ اللوى وَلَا حَبِر
وَلَا بعيدٍ من أَذًى وَلَا قَذَر
قَالَ، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المِحْبَارُ الأرضُ السريعةُ النَّبَاتِ السهلةُ الدفِيئَةُ الَّتِي ببطون الأَرْض وسَرَارَتِها وأَرَاضتها فَتلك المحابير. وَقد حَبِرَت الأرضُ وأَحْبَرَتْ. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خطب خديجَةَ وأجابَتْهُ اسْتَأْذَنت أَبَاهَا فِي أَن تَتَزَوَّجَهُ وَهُوَ ثَمِلٌ فَأذن لَهَا فِي ذَلِك، وَقَالَ: هُوَ الْفَحْل لَا يُقْرَعُ أَنْفُه فنَحَرتْ بَعِيرًا، وخلَّقت أَبَاهَا بالعبِير، وكسَتْه بُرْداً أحمرَ، فلمّا صَحا من سُكُرِه قَالَ: مَا هَذَا الحبِيرُ وَهَذَا العقير وَهَذَا العبير؟ أَرَادَ بالحبيرِ البُرْدَ الَّذِي كستْهُ، وبالعبير الخَلُوقَ الَّذِي خلّقته، وَأَرَادَ بالعقيرِ البعيرَ المنحورَ، وَكَانَ عُقر سَاقه.
والحُبَارَى ذكرهَا الحَرَبُ، وَتجمع حُبارَيَات. وللعرب فِيهَا أَمْثَال جمّة، مِنْهَا قولُهم أَذْرَقُ من حُبَارى، وأَسْلَحُ من حُبارَى، لأنَّها ترمي الصَّقْر بسَلْحِها إِذا أَرَاغها ليصيدَها فتلوث ريشه بِلَثَق سَلْحِها. وَيُقَال إنّ ذَلِك يشْتَد على الصَّقْر لمَنعه إيّاه من الطيران، وَمن أَمْثَالِهم فِي الحُبَارى: أَمْوَقُ من الحُبَارى، وَذَلِكَ أَنّها تعلّم وَلَدهَا الطيرانَ قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحه، فتطير مُعَارِضَةً لفَرْخِها ليتعلّم مِنْهَا الطيران، وَمِنْه المثلُ السائِر للْعَرَب (كل شَيْء يحبُّ وَلَده حَتَّى الحُبَارى وتَدِفُّ عَنَدَهُ) وَمعنى قولِهم (تَدِفُّ عَنَدَه) أَي تطير عَنَدَه أَي تُعَارضه بالطَّيران وَلَا طيران لَهُ لضعف حِفَافَيه وقَوَادِمه. وَقَالَ الأصمعيُّ: فلَان يعانِدُ فلَانا أَي يفعل فعله ويباريه. وَمن أمثالِهم فِي الحُبارى قَوْلهم: (فلَان ميت كَمَدَ

(5/24)


الحُبارى) وَذَلِكَ أَنَّهَا تُحَسر مَعَ الطير أَيَّام التَّحْسِير أَي تُلقي الريش ثُمَّ يُبْطِىءُ نباتُ رِيشها فَإِذا سَار سائِرُ الطير عجزت عَن الطيران، فتموت كَمَداً، وَمِنْه قَول أبي الْأسود الدؤَلِي:
يزيدٌ ميّتٌ كَمَدَ الحُبارى
إِذا ظَعَنَتْ أُمَيَّةُ أَو يُلِمُّ
أَي يَمُوت أَو يقْرُب من الموتِ.
والحبَابِيرُ فِراخُ الحُبَارى، واحدتُها حُبُّورة جَاءَ فِي شعر كَعْب بن زُهَيْر وَقيل اليَحْبُور ذَكَرُ الحُبَارى وَقَالَ:
كأنّكُمُ ريش يَحْبُورَةٍ
قليلُ الغناءِ عَن المُرْتَمى
قلت: والحُبَارَى لَا تشربُ المَاء، وتبيضُ فِي الرمال النائِية، وكنَّا إِذا ظَعَنَّا نُسيرُ فِي حِبَالِ الدَّهْنَاء، فَرُبمَا التَقَطْنَا فِي يَوْم وَاحِدٍ من بَيْضِها مَا بَين الأَرْبعة إِلَى الثَّمَانِية، وَهِي تبيض أَرْبَعَ بَيْضَاتٍ، وَيضْرِبُ لَوْنُها إِلَى الوُرْقَةِ وطَعْمُها أَلَذُّ من طَعْمِ بَيْضِ الدَّجاج وبَيْضِ النَّعَامِ، والنعامُ أَيْضا لَا تردُ الماءَ وَلَا تشربهُ إِذا وجدته.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: اليَحْبُور: الناعمُ من الرِّجَال. ونَحْوَ ذَلِك قَالَ شَمِرُ. وَجمعه اليَحابير مَأْخُوذ من الحَبَرَة وَهِي النعْمة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا أَغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً، وَهُوَ الشيءُ اليسيرُ من كل شَيْء، وَقَالَ شمر: ماأغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً: أَي شَيْئا. وَقَالَ ابنُ أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
أَمَانيُّ لَا يُغنين عَنْهَا حَبَرْبَراً
وَقَالَ اللَّيْث: يُقالُ مَا عَلَى رَأسه حَبَرْبَرَةٌ: أَي مَا على رَأسه شَعْرَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ: الجملُ الصَّغِير. وَقَالَ شمر: رجل مُحَبَّر إِذا أكل البراغيثُ جِلْدَه فَصَارَ لَهَا أَثَرٌ فِي جِلْدِه. وَيُقَال للآنية الَّتِي يَجْعَل فِيهَا الحِبْرُ من خَزَفٍ كانَ أَو من قَوَارِيرَ مَحْبُرة ومحبَرة، كَمَا يُقَال مَزْرُعة، ومَزْرَعة، ومَقْبُرَة ومَقْبَرَة ومخبُزَة ومخبَزَة. وحِبِرٌّ موضعٌ معروفٌ فِي الْبَادِيَة. وَأنْشد شمر عجز بَيت: فَقَفَا حِبرّ.
بَحر: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبْحَرَ الرجلُ إِذا أَخذه السُّلُّ. وأبْحَرَ الرجلُ إِذا اشتدَّتْ حُمْرَةُ أَنْفِه. وأَبْحَرَ إِذا صادفَ إنْسَانا على غير اعْتِمَاد وَقصد لرُؤْيَته.
وَهُوَ من قَوْلهم لَقيته صَحْرة بَحْرَةً وَقَالَ اللَّيثُ: سُمي البحرُ بَحْراً لاستبْحاره، وَهُوَ انْبِسَاطُه وسَعَتُه. وَيُقَال استبْحَرَ فلانٌ فِي الْعلم. وتَبَحَّرَ الرَّاعِي فِي رَعْي كثيرٍ، وتَبَحَّر فلانٌ فِي الْعلم، وتبحّر فِي المَال، إِذا كثُرَ مَالُه، وَقَالَ غَيره: سمي البَحْرُ بَحْراً لِأَنَّهُ شَقَّ فِي الأَرْض شَقَّاً، وجَعَلَ ذَلِك الشَّقُّ لمائه قَراراً، والبحرُ فِي كَلَام الْعَرَب الشَّقَ، وَمِنْه قيل للنَّاقَةِ الَّتِي كَانُوا يَشُقّون فِي أذنها شَقّاً: بَحِيرَةٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ} (المَائدة: 103) أثْبَتُ مَا رَوَيْنا عَن أهل اللُّغَة فِي البَحِيرَةِ أَنَّهَا النّاقة كَانَت إِذا نُتِجَتْ خمسةَ أَبْطُنٍ فَكَانَ آخرُها ذكرا بَحَرُوا أُذُنَها أَي شقوها، وأعْفَوْا ظهرَها من الرُّكوب والحَمْلِ والذَّبْح وَلَا تُحَلأُ عَنْ مَاءٍ تَرِدُه

(5/25)


وَلَا تُمْنَع من مَرْعى، وَإِذا لقيها المُعْيِى المنقطَعُ بِه لم يركبْها. وَجَاء فِي الحَدِيث أَن أول من بَحَّرَ البحائر وحَمَى الحَامِي وغيَّر دينَ إِسْمَاعِيل عَمْرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة بن خِنْدِفٍ.
وَقيل: البحيرةُ الشَّاة إِذا وَلَدتْ خمسةَ أَبْطُن فَكَانَ آخرُها ذكرا بحروا أُذنها أَي شقُّوها وتُركت فَلَا يَمَسُّها أحد. قلت: والقولُ هُوَ الأوَّل لما جَاءَ فِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص الجشميّ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أَرَبُّ إبِلٍ أَنْتَ أَمْ رَبُّ غَنَمٍ؟ فَقَالَ: منْ كُلَ قد آتَانِي الله فأَكثَرَ. فَقَالَ لَهُ: هَل تُنْتَجُ إبِلُك وافيةً أَذُنُها فَتَشُقّ فِيهَا وَتقول بُحُر؟) يُرِيد جمعَ البَحِيرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البحيرةُ: الناقةُ إِذا نُتِجَتْ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ لم تُرْكَبْ وَلم يُنْتَفع بظهرها فَنَهى الله عَنْ ذَلِك. قلت والقولُ هُوَ الأول فَقَالَ الفرَّاء: البحيرَةُ: هِيَ ابْنَةُ السائِبة، وسنفسر السائِبة فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا كَانَ البحرُ صَغِيرا قيل لَهُ بُحَيْرَةٌ. قَالَ وَأما البُحَيْرةُ الَّتِي بالطَبريَّة فَإِنَّهَا بَحر عَظِيم وَهُوَ نحوٌ من عَشْرَةِ أَمْيالٍ فِي سِتَّة أَمْيَال، وغُؤُور مائِها علامةٌ لخُرُوج الدَّجَّال. قلتُ: والعربُ تَقول: لِكل قَرْيَة هَذِه بَحْرَتُنا وروى أَبُو عبيد عَن الأُمَويّ أَنه قَالَ: البَحْرَةُ الأرْضُ والبلدةُ. قَالَ: وَيُقَال: هَذِه بَحْرَتُنَا.
قَالَ: والماءُ البَحْرُ هُوَ المِلْح، وَقد أبحر المَاء إِذا صَار مِلْحاً وَقَالَ نُصَيْبٌ:
وَقد عَادَ ماءُ الأرْض بَحْراً فَزَادَنِي
إِلَى مرضِي أَن أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
وحدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديُّ قَالَ حدّثنا الرّمادي قَالَ حدّثنا عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمَر عَن الزُّهري عَن عُرْوَة أَن أُسَامَةَ بن زيد أخبرهُ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِب حِمَاراً عَلَى إكافٍ وتَحْتَهُ قطيفَةٌ فَرَكِبَه وأَرْدَف أُسامة وَهُوَ يَعُود سَعْدَ بنَ عُبَادة وَذَلِكَ قَبْل وقْعة بدر فَلَمَّا غشيت المجْلِسَ عجاجَةُ الدّابَّة خمَّر عبدُ الله بنُ أُبَيَ أنْفَه، ثمَّ قَالَ لَا تُغَبرُوا عليْنَا، ثمَّ نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف وَدَعاهم إِلَى الله وقَرَأَ القرآنَ فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَيهَا الْمَرْء إِن كَانَ مَا تَقول حَقّاً فَلَا تؤذِنا فِي مَجْلِسنا، وارْجِعْ إِلَى أهلِكَ فَمن جَاءَك منّا فقُصَّ عَلَيْهِ. ثمَّ ركب دَابّته حَتَّى دخَلَ على سعدِ بن عُبَادةَ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، ألم تسمع مَا قَالَ أَبُو حُبَاب؟ قَالَ كَذَا: فَقَالَ سعد: اعْفُ عَنْه واصْفَحْ فوَاللَّه لَقَدْ أَعْطَاك الله الَّذِي أَعْطَاك، وَلَقَد اصْطَلَحَ أهل هَذِه البُحَيْرَةِ على أَن يُتَوجُوه، يَعْنِي يُمَلكُوه فَيُعَصبوه بالعِصابة، فلمَّا رَدّ الله ذَلِك بِالْحَقِّ الَّذِي أعْطَاكَهُ شَرِقَ لذَلِك فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت فَعَفَا عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ {عَمَّا يُشْرِكُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الرُّوم: 41) الْآيَة مَعْنَاهُ: أَجْدَبَ البَرُّ، وانْقَطَعت مادّةُ البَحْرِ بِذُنُوبِهِمْ، كَانَ ذَلِك ليذُوقوا الشدَّةَ بذُنُوبهم فِي العاجل.
وَقَالَ الزَّجّاج مَعْنَاهُ: ظَهَرَ الجَدْبُ فِي البَر، والقحطُ فِي مُدُن الْبَحْر الَّتِي على الْأَنْهَار. قَالَ: وكل نَهر ذِي ماءٍ فَهُوَ بَحرٌ. قلت: كل نهر لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهُ: مثل دِجْلة

(5/26)


والنّيلِ وَمَا أشبههما من الأنهارِ العذْبة الكبارِ فَهِيَ بحارٌ. وَأما البحرُ الْكَبِير الَّذِي هُوَ مَغِيضُ هَذِه الْأَنْهَار الكبارِ فَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا مِلْحاً أُجَاجاً، وَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا رَاكِداً، وَأما هَذِه الأنهارُ العذْبَةُ فماؤها جارٍ. وَسميت هَذِه الأنهارُ بحاراً لِأَنَّهَا مَشْقُوقَةٌ فِي الأَرْض شَقّاً.
وَيُقَال للرَّوْضَةِ بَحْرَةٌ وَقد أبْحَرَتِ الأرضُ إِذا كثُر مناقع المَاء فِيهَا.
وَقَالَ شمر: البَحْرَةُ الأُوقَةُ يَسْتنقِع فِيهَا الماءُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البَحْرَةُ: المنخفض من الأَرْض وَأنْشد شمر لِابْنِ مقبل:
فِيهِ من الأخرج المرباع قرقرة
هدر الديافيّ وسط الهجمة البُحُر
قَالَ: البُحْر الغِزَارُ والأَخْرَجُ المِرْبَاعُ المكَّاءُ.
ابْن السّكيت أَبْحَر الرجلُ إِذا ركب البحرَ والماءَ، وَقد أبرَّ إِذا ركب البرَّ، وأرْيَفَ إِذا صَار إِلَى الرِّيف.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ بَحْرَانِيٌّ مَنْسُوب إِلَى البَحْرَيْنِ. قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَين الْبَصْرَة وعُمَانَ. قَالَ: وَيَقُولُونَ هَذِه البَحْريْنُ وانتهينا إِلَى الْبَحْرين.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي سَأَلَني المهْدِيُّ وَسَأَلَ الْكسَائي عَن النِّسْبَة إِلَى الْبَحْرين وَإِلَى الْحِصْنَيْن، لِمَ قَالُوا حِصْنِيٌّ وبَحْرَانِيٌّ؟
فَقَالَ الْكسَائي: كَرهُوا أَن يَقُولُوا حِصْنَانِي لِاجْتِمَاع النونين، قَالَ وَقلت أَنا: كَرهُوا أَن يَقُولُوا بَحْرِيُّ فَيُشبه النِّسْبَة إِلَى البَحْرِ.
قلت أنَا وإِنمَا ثَنَّوْا الْبَحْرين لأنَّ فِي نَاحيَة قُراها بُحَيْرَةً على بَاب الأحساء، وقرى هَجَرَ بَينهَا وَبَين الْبَحْر الأخْضَرِ عَشْرَةُ فَرَاسخ، وقَدَّرْتُ البُحَيْرَة ثلاثةَ أميالٍ فِي مثلهَا، وَلَا يَغِيضُ مَاؤُهَا، وماؤها راكد زُعاق. وَقد ذكرهَا الفرزدقُ فَقَالَ:
كأنّ ديارًا بَين أَسْنُمَة النَّقا
وَبَين هَذَالِيل البُحَيْرَة مُصْحَفُ
وَقَالَ اللَّيْث: بَنَات بحرٍ ضرب من السَّحَاب.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف مُنكر وَالصَّوَاب بَنَات بَخْرِ
قَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لسَحَائِبَ يأتينَ قُبُلَ الصيفِ مُنْتَصباتٍ بَنَاتُ بَخْر وَبَناتُ مَخْر بِالْبَاء وَالْمِيم، وَنحو ذَلِك قَالَ اللحيانيّ وَغَيره، وَإِيَّاهَا أَرَادَ طرفَةُ بقوله:
كبنات المَخرِ يَمْأَدْن إِذا
أَنْبَت الصَّيْف عَسَاليجَ الْخَضِر
وَقَالَ اللَّيْث: الباحر الأحمقُ الَّذِي إِذا كُلمَ بَحِرِ كالمبْهوت، وروى أَبُو عبيد عَن الفرّاء أَنه قَالَ: الباحرُ الأحمق.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الباحرُ الفُضُوليّ، والباحرُ الكذّاب، والباحرُ الأحْمَرُ الشَّديد الحُمْرَة، يُقَال أحْمَرُ باحِرِيٌّ وبَحْرَانِيّ. وَقَالَ ابنُ السّكيت:

(5/27)


قَالَ ابْن الأعرابيّ: أحمرُ قانِىءٌ وأحمرُ باحِرِيّ وذَرِيحيٌّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عَن الْمَرْأَة تُسْتَحَاض ويستمرُّ بهَا الدَّم، فَقَالَ تُصَلي وتتوضَّأ لكل صَلَاة فَإِذا رأَتِ الدَّم البَحْرَانِيَّ قعدت عَن الصَّلَاة.
وَقيل الدَّمُ البحرانيُّ مَنْسُوب إِلَى قَعْر الرَّحِمِ وعُمْقِها. وَقَالَ العجاج:
وِرْدٌ من الْجوف وبَحْرَانِيّ
أَي عبيط خَالص. وَيُقَال دَمٌ بَاحِرِيٌّ أَيْضا إِذا كَانَ شديدَ الحُمْرَة.
شمر يُقَال بَحِرَ الرجلُ إِذا رأى الْبَحْر فَفَرِقَ حَتَّى دُهِش، وَكَذَلِكَ بَرِقَ إِذا رأى سَنَا الْبَرْق فتحير وَبقِر إِذا رأى الْبَقر الْكثير وَمثله خَرِق وعقر وفَرِي.
عَمْرو عَن أَبِيه: قَالَ البحير والبَحِرُ: الَّذِي بِهِ السُّل، والسَّحيرُ: الَّذِي قد انْقَطَعت رِئَتُه وَيُقَال سَحِرٌ. وتاجر بَحْرِيٌّ أَي حَضَرِيّ وَأنْشد أَبُو العميثل:
كأنّ فِيهَا تَاجِرًا بحرياً
وَيُقَال للعظيم الْبَطن بحريٌّ
وَقَالَ الطرماح:
وَلم ينتطق بحريَّةٌ من مُجَاشع
عَلَيْهِ وَلم يُدْعَمْ لَهُ جَانب المهد
وَمن سكن الْبَحْرين عَظُمَ طِحَالُه. والبَحْرَةُ مَنبِتُ الثُّمام من الأوْدِيَة.
وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فَرَساً لأبي طَلْحَة عُرْياً فَقَالَ إِنِّي (وجدته بَحْراً ؤ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للْفرس الْجواد إِنَّه لبَحْرٌ لَا يُنكش حُضُرُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال فرس بَحْر وفَيْضٌ وسَكْبٌ وحَثٌّ إِذا كَانَ جواداً كثير العدْو. وَقَالَ الفراءُ البَحَرُ أَن يَلْغَى البعيرُ بِالْمَاءِ فيُكثر مِنْهُ حَتَّى يصيبَه مِنْهُ داءٌ يُقَال بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً فَهُوَ بَحِرٌ وَأنْشد:
لأُعْلِطَنَّهُ وسْماً لَا يُفَارِقُه
كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ الميسم البَحِرُ
قَالَ وَإِذا أَصَابَهُ الدَّاء كَوِيَ فِي مواضِعَ فَيبرأ قلت: الداءُ الَّذِي يُصِيب البعيرَ فَلَا يَرْوَى من المَاء هُوَ النَّجَرُ بالنُّون وَالْجِيم، والبَجَرُ بِالْبَاء وَالْجِيم، وَكَذَلِكَ البَقْرُ، وَأما البَحْرُ فَهُوَ داءٌ يورِث السُّل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الطوسي عَن أبي جَعْفَر أَنه سمع ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: البحير المسلول الْجِسْم الذَّاهِب اللَّحْم وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وآبقٌ من جَذْبِ دَلْوبْهَا هَجِرْ
وَيُقَال استبحر الشَّاعِر إِذا اتّسع لَهُ القَوْل وَقَالَ الطرماح:
بِمثل ثنائك يحلو المديح
وتَسْتَبحر الأَلْسُنُ المادِحَه
وَكَانَت أسماءُ بنت عُمَيْسٍ يُقَال لَهَا البَحْرِيَّة لِأَنَّهَا كَانَت هاجَرَت إِلَى بِلَاد النَّجَاشِيّ فركبت البَحْرَ، وكل مَا نُسِبَ إِلَى البَحْرِ فَهُوَ بَحْرِيُّ.

(بَاب الْحَاء وَالرَّاء مَعَ الْمِيم)
ح ر م
حرم، حمرهرحم، رمح، مرح، محر: مستعملة.

(5/28)


حرم: قَالَ شَمِر قَالَ يحيى بنُ ميسرةَ الكلابيُّ: الحُرْمَةُ: المَهَابةُ. قَالَ: وَإِذا كَانَ للْإنْسَان رَحِمٌ وكنَّ نستحي مِنْهُ قُلْنَا: لَهُ حُرْمَةٌ. قَالَ: وللمسلم على الْمُسلم حُرْمَةٌ ومهابَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هُوَ حُرْمَتُك، وهما حُرْمَتُك، وهم حُرْمَتُك، وَهِي حُرْمَتُك، وهُنَّ حُرْمَتُك؛ وهم ذَوُو رَحِمه وجارُه وَمن يَنْصرُه غَائِبا وَشَاهدا وَمن وَجَبَ عَلَيْهِ حقُّه.
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله {ذالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} (الحَجّ: 30) حُرُماتِ الله) فَإِن الحُرُماتِ مكةُ والحَجُّ وَالْعمْرَة وَمَا نهَى الله عَنهُ من مَعَاصيه كلهَا.
وَقَالَ عطاءٌ: حُرُمَاتُ الله معاصي الله.
وَقَالَ الليثُ: الحَرَمُ حَرَمُ مكَّةَ وَمَا أحَاط بهَا إِلَى قريب من الْحرم.
قلت الْحَرَمُ قد ضُرِبَ على حُدُوده بالمَنَارِ الْقَدِيمَة الَّتِي بيَّن خليلُ الله إبراهيمُ ج مَشَاعِرَها، وَكَانَت قريشٌ تعرِفُها فِي الجاهليةِ وَالْإِسْلَام؛ لأَنهم كَانُوا سكّانَ الْحَرَم، ويعلمون أنّ مَا دون الْمنَار إِلَى مَكَّة من الْحَرَم، وَمَا وراءَها لَيْسَ من الْحرم. ولمّا بعث الله جلّ وَعز مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِيّاً أقَرَّ قُرَيْشاً على مَا عرفوه من ذَلِك.
وَكتب مَعَ ابْن مَرْبَع الْأنْصَارِيّ إِلَى قَريش أَن قرُّوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم، فَمَا كَانَ دُونَ الْمنَار فَهُوَ حَرَم وَلَا يحِلُّ صيدُه، وَلَا يُقْطَع شجرُه، وَمَا كَانَ وَرَاء الْمنَار فَهُوَ من الحلّ، يحل صيدُه إِذا لم يكن صائده مُحْرِماً.
فَإِن قَالَ قائلٌ من الْمُلْحِدِينَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً} (العَنكبوت: 67) . كَيفَ يكون حرما آمنا وَقد أُخيفُوا وقُتِلُوا فِي الْحَرَم؟ فَالْجَوَاب فِيهِ أنّه جلّ وعزّ جعله حَرَماً آمنا أَمْراً وتعبُّداً لَهُم بذلك لَا إجباراً، فَمن آمَنَ بذلك كَفّ عمَّا نُهِيَ عَنهُ اتبَاعا وانتهاءً إِلَى مَا أُمِر بِهِ، وَمن أَلْحَدَ وأنْكر أَمْرَ الحَرَمِ وحرمَتهُ فَهُوَ كَافِر مُبَاح الدَّم، وَمن أَقَرَّ وركِبَ النَّهْي فصَادَ صَيْدَ الْحَرَم وقَتَلَ فِيهِ فَهُوَ فَاسق وَعَلِيهِ الكفَّارة فِيمَا قَتَل من الصَّيْد، فإنْ عادَ فإنَّ الله ينْتَقم مِنْهُ.
وأمّا الْمَوَاقِيت الَّتِي يُهَلُّ مِنْهَا لِلْحج فَهِيَ بعيدةٌ من حُدود الْحَرَم، وَهِي من الْحِل وَمن أَحْرَمَ مِنْهَا بالحجّ فِي أشهر الحَجّ فَهُوَ مُحْرِمٌ مأمورٌ بالانتهاء مَا دَامَ محرما عَن الرفَث وَمَا وراءَه من أمْرِ النِّسَاء، وَعَن التطيُّبِ بالطيب، وَعَن لُبْس الثَّوْب المخِيط، وَعَن صيْد الصَّيْدِ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى:
بِأجْيَادَ غَرْبِيَّ الصَّفَا والمُحَرَّم
قَالَ: المحرَّم هُوَ الْحَرَمُ، قَالَ والمنسوب إِلَى الْحرم حِرْمِيٌّ.
وَأنْشد:
لَا تأويَنَّ لحرميّ مَرَرْت بِهِ
يَوْمًا وَإِن ألْقى الحِرْميُّ فِي النَّار
وَقَالَ الليثُ: إِذا نسبوا غَيْرَ النَّاس قَالُوا ثوب حَرَميٌّ.

(5/29)


قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّيْث. وروى شمر حَدِيثا أَن فلَانا كَانَ حِرْمِيَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والحِرْمِيُّ: أَنَّ أشْرافَ الْعَرَب الَّذين كَانُوا يتحمَّسون فِي دينِهم إِذا حجَّ أحدُهم لم يَأْكُل طعامَ رَجُلٍ من الحَرَم، وَلم يَطُفْ إلاّ فِي ثِيَابه، فَكَانَ لكل شريفٍ من أشرافِ الْعَرَب رجلٌ من قُرَيْش، فكلُّ واحدٍ منْهُمَا حِرْمِيُ صاحبِه، كَمَا يُقَال كَرِيّ للمُكري، المكترِي وخَصْمٌ للمخاصِم والمخاصَم.
وَتقول أحْرَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ وحَرَامٌ. والبيتُ الحَرَامُ، والمَسْجِدُ الحرامُ، والبلدُ الحرامُ، وَقوم حُرُمٌ، ومُحْرِمُون، وَشهر حَرَامٌ. والأشْهُرُ الحُرُم ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ؛ ثلاثَةٌ سَرْدٌ أَي متتابعة وَوَاحِد فَرْدٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَالْحرَام: مَا حرَّمه الله، والحُرْمَةُ مَا لايَحِلُّ لَك انتهاكُه. وَتقول: فلانٌ لَهُ حُرْمَةٌ أَي تحرَّم بِنَا بِصُحْبَة أَو بِحَقَ وذمَّةٍ. وحُرَمُ الرجل نساؤُه وَمَا يَحْمِي. والمحارِمُ مَا لَا يحِلُّ استحْلالُه. والمَحْرَمُ ذاتُ الرحِمِ فِي الْقَرَابَة الَّتِي لَا يحل تزوُّجُها، تَقول هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَهِي ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَقَالَ الراجز:
وجارةُ الْبَيْت أَرَاهَا مَحْرَمَا
كَمَا بَراهَا الله، إلاَّ إنَّمَا
مكارِمُ السَّعْي لمَن تكرَّمَا
كَمَا بَراها الله كَمَا جعلهَا الله.
والمُحْرِم الدَّاخِلُ فِي الشَّهْر الحَرَامِ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ إِذا كَانَت لَهُ ذمَّة، وَقَالَ الرَّاعِي:
قتلوا ابْنَ عفَّانَ الْخَلِيفَة مُحْرِما
ودَعَا فَلم أَرَ مثلَه مَخْذُولا
قَالَ: وأحْرَمَ الْقَوْم إِذا دخلُوا فِي الشَّهْر الحَرَامِ. قَالَ زُهَيْر:
جعلن القنانَ عَن يمينٍ وحَزْنَه
وَكم بالقنانِ من مُحِلَ ومُحْرِم
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المُحْرِمُ المسالم فِي قَول خِدَاش بن زُهَيْر.
إِذا مَا أصابَ الغَيْثُ لم يَرْعَ غَيْثَهُم
من النَّاس إِلَّا مُحْرِمٌ أَو مُكَافِل
قَالَ وَهُوَ من قَول الشَّاعِر:
وأُنْبِئْتُها أَحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرٍ آخَرينا
أَي حرَّمَتْهم على نَفسهَا. قَالَ والمُكَافِلُ المُجَاوِرُ المُحَالِفُ وَالْكَفِيل من هَذَا أُخِذَ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي قَوْله أَحْرَمَتْ قَومهَا أَي حَرَمَتْهُم أَن يَنْكِحُوها يُقَال حَرَمْتُه وأَحْرَمْتُه حِرْمَاناً إِذا منعتَه العطيّة.
وروى شَمِر لعمر أَنه قَالَ: (الصّيام إحْرَامٌ) قَالَ إِنَّمَا قَالَ الصيَامُ إحرامٌ لِامْتِنَاع الصَّائِم مِمَّا يَثْلِمُ صيامَه. قَالَ وَيُقَال للصَّائِم مُحْرِمٌ. قَالَ الرَّاعِي.
قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة مُحْرِماً
قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيُّ: مُحْرِماً أَي صَائِما.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (كل مُسلم عَن مُسلم مُحْرِمٌ، أخَوانِ نَصِيران) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال إنَّه لَمُحْرِمٌ عَنْك يَحْرُم أذاك عَلَيْهِ.

(5/30)


قلت: وَهَذَا معنى الخَبَرِ أَرَادَ أَنه يَحْرُم على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُؤْذِي صاحبَه لحُرْمَةِ الْإِسْلَام الْمَانِعَتِهِ عَن ظُلْمه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي حَرُمَت الصلاةُ على الْمَرْأَة حُرْماً، وحَرِمَتْ عَلَيْهَا حَرَماً وحَرَاماً.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجُلُ إِذا دخل فِي الإحْرَامِ بالإهْلاَل. وأَحْرَمَ إِذا صَار فِي حُرْمَةٍ من عَهْدٍ أَو مِيثَاق هُوَ لَهُ حُرْمة من أَن يُغَارَ عَلَيْه. وَيُقَال مُسلم مُحْرِمٌ وَهُوَ الَّذِي لم يُحِلّ من نَفسه شيْئاً يُوقع بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَرَمْتُ الرجل العطيةَ أَحْرِمُه حِرْمَاناً؛ وَزَاد غَيره عَنهُ. وحَرِيمةً، ولغة أُخْرَى أَحْرَمْتُ وَلَيْسَت بجيدة وَأنْشد:
وأُنْبِئْتُها أحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرِ آخرينا
قَالَ وحَرُمَت الصلاةُ على المرأةِ تَحْرُم حُرُوماً وروى غَيره عَنهُ وحَرُمَت الْمَرْأَة على زَوجهَا تَحرُم حُرْماً وحَرَاماً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَحْرَمْتُ الرجلَ إِذا قَمَرْتَه، وحَرِمَ الرجل يَحْرَم حَرَماً إِذا قُمِرَ. وَقَالَ الْكسَائي مثله وَأنْشد غَيره:
وَرمى بِسَهْم جريمة لم يصطد
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: اسْتَحْرَمت الكلبةُ إِذا اشتهت السفَاد، رَوَاهُ عَن بني الْحَارِث بن كَعْب. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره: الاسْتِحْرَام لكل ذَات ظِلْفٍ خَاصَّة.
وَقَالَ أَبُو نصر قَالَ الْأَصْمَعِي: استَحْرَمَت الماعِزَةُ إِذا اشتهت الفحلَ، وَمَا أَبْيَنَ حِرْمَتَها. قَالَ وروى الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عمَّن أخبرهُ، قَالَ: الَّذين تُدْرِكهُمْ السَّاعَة تبْعَث عَلَيْهِم الحِرْمَة أَي الغُلْمَة ويُسْلَبُون الحياءَ. وَفِي حَدِيث عائشةَ أَنَّهَا قَالَت: (كنت أُطَيبُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحله وحُرْمه) الْمَعْنى أَنَّهَا كَانَت تطيّبه إِذا اغْتسل وَأَرَادَ الْإِحْرَام والإهلال بِمَا يكون بِهِ مُحْرِماً من حجَ أَو عُمْرَةٍ، وَكَانَت تطيبُه إِذا حَلَّ مِن إِحْرَامه.
وَسمعت الْعَرَب تَقول نَاقَة مُحَرَّمَةُ الظَّهْرِ إِذا كَانَت صعبة لم تُرَضْ وَلم تُذَلَّلْ. وجِلْدٌ مُحَرَّمٌ غيرُ مدبوغ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ترى عينَها صَغْوَاء فِي جَنْبِ مَأقها
تراقب كفّي والقطيع المحرَّما
أَرَادَ بالقطيع سَوْطه. قلت وَقد رَأَيْت الْعَرَب يسوُّون سياطهم من جُلودِ الْإِبِل الَّتِي لم تدبغ يَأْخُذُونَ السَّريحة العريضة فيقطعون مِنْهَا سيوراً عِراضاً ويدفنونها فِي الثّرى فَإِذا اتّدَنَتْ ولانَت جَعلوا مِنْهُ أَربع قُوًى ثمَّ فَتَلُوها ثمَّ علّقوها من شعَبَيْ خَشَبَة يركَّزونها فِي الأَرْض قتقلُّها أَي ترفعها من الأَرْض ممدودةً وَقد أثقلوها حَتَّى تيْبَس.
قَالَ شمر قَالَ أَبُو وَاصل الكلابيُّ: حَريمُ الدَّار مَا دخل فِيهَا مِمَّا يُغْلَق عَلَيْهِ بَابهَا، وَمَا خرج مِنْهَا فَهُوَ الفِنَاء. قَالَ: وفِنَاءُ البدوي مَا يُدْرِكهُ حُجْرَتُه وأطْنَابُه، وَهُوَ من الحضَرِي إِذا كَانَت دَارُه تُحاذيها دارٌ أُخْرَى فَفِناؤُهما حدّ مَا بَينهمَا.

(5/31)


اللَّيْث: حَرِيم الدَّارِ مَا أُضِيف إِلَيْهَا وَكَانَ من حُقوقها ومرافقها. وحريم النَّهر مُلْقَى طِينِه والمَمْشى على حافَتَيْه وَنَحْو ذَلِك. والحريمُ الَّذِي حَرُم مَسُّه فَلَا يُدنَى مِنْهُ. وَكَانَت العربُ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا حَجّت البيتَ تخْلَعُ ثِيَابهَا الَّتِي عَلَيْهَا إِذا دَخَلُوا الحَرَم، وَلم يلْبَسُوها مَا داموا فِي الحَرَم. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لَقىً بَين أَيدي الطائفين حَرِيمُ
وَقَالَ المفسرُون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعرَاف: 31) كَانَ أَهْلُ الجاهليَّة يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ لَا نَطوف بِالْبَيْتِ فِي ثيابٍ قد أذْنَبْنَا فِيهَا، وَكَانَت المرأةُ تطُوف عُرْيانَةً أَيْضا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت تلبَسُ رَهْطاً من سُيُورٍ وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب:
الْيَوْم يَبْدُو بَعْضُه أَو كُلُّه
ومَا بَدَا مِنْه فَلاَ أُحِلُّه
تَعْنِي فرجَها أَنَّه يظْهر من فُرُوج الرَّهْطِ الَّذِي لبسته، فَأمر الله بَعْدَ ذكْرِه عُقُوبَةَ آدَمَ وحوّاءَ بِأَنْ بَدَتْ سَوْآتُهما بالاستِتَار، فَقَالَ {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وأَعلم أَن التَّعَريَ وظهورَ السَّوْءَةِ مَكْرُوه، وَذَلِكَ من لَدُن آدَمَ.
وَقَالَ الليثُ: تَقول: هَذَا حَرَامٌ والجميع حُرُمٌ قَالَ الْأَعْشَى:
تَهادِي النهارَ لجاراتهم
وبالليل هُنَّ عَلَيْهِم حُرُم
والمحْرُومُ: الَّذِي حُرِمَ الخيْرَ حِرْماناً فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} (الذّاريَات: 19) .
وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ قتادةُ عَن ابْن عباسٍ: مَعْنَاهُ واجِبٌ عَلَيْها إِذا هَلَكَتْ ألاّ تَرْجِعَ إِلَى دُنْيَاها.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النحويُّ: بَلَغني عَن ابْن عَبَّاس أنّه قَرَأَهَا (وحَرِمَ على قَرْيَة) يَقُول وَجب عَلَيْهَا. قَالَ وَحدثت عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأها (وحِرْمُ على قَرْيَة) فَسئلَ عَنْهَا فَقَالَ عزم عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} يحْتَاج هَذَا إِلَى أَن يبيَّن، وَهُوَ وَالله أعلم أَنه جلّ وعزّ لما قَالَ {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الأنبيَاء: 94) أعْلَمَنَا أنَّه قد حرم أعمالَ الْكفَّار، فَالْمَعْنى حرَام على قَرْيَة أهلكناها، أَنْ يُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ لأَنهم لَا يرجعُونَ أَي لَا يتوبون.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن أبي الدُّمَيْكِ عَن حميد بن مَسْعدةَ عَن يزِيد بن زُرَيْعِ عَن داودَ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ: وَجَبَ على قَرْيةٍ أهلكناها أَنَّهُ لَا يَرجِع مِنْهُم رَاجِعٌ: لَا يَتُوب مِنْهُم تائبٌ. قلت وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الزجّاج. وروى الفَرّاء بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس (حِرْمٌ) قَالَ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة {وَحَرَامٌ} قَالَ الْفراء {وَحَرَامٌ} أَفْشَى فِي الْقِرَاءَة.

(5/32)


أَبُو عَمْرو: الحَرُومُ النَّاقة المعْتَاطَةُ الرَّحِم والزَّجُومُ الَّتِي لَا ترغو.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحَيْرَمُ البَقَرُ، والْحَورَمُ المالُ الكَثيرُ من الصَّامتِ والنَّاطِق. قَالَ: والحَرِيمُ قَصَبَةُ الدّار، والحريمُ فِناءُ الْمَسْجِد، والحُرْمُ الْمَنْع، قَالَ: والحريم الصّديق، يُقَال فلَان حَرِيمٌ صَرِيحٌ أَي صديقٌ خالصٌ.
وَكَانَت العربُ تسمي شهرَ رَجَبَ الأَصَمَّ والمحرَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأنْشد شَمِر قولَ حُمَيْدِ بن ثَوْر:
رَعَيْنَ المُرَارَ الْجَوْنَ من كلِ مذْنَبٍ
شهُورَ جُمَادى كُلَّها والمُحَرَّمَا
قَالَ وَأَرَادَ بالمحرَّم رَجَبَ، قَالَه ابنُ الْأَعرَابِي. وَقَالَ الآخر:
أقَمْنَا بهَا شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهِما
وشَهْرَيْ جُمَادَى واستَهَلُّوا المحرَّما
وَقَالَ أَبُو زَيدٍ فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عبيد: قالَ العُقَيْلِيُّون: حَرَامُ الله لَا أفْعَلُ ذَاك ويَمِينُ الله لَا أَفْعَلُ ذَاك، ومعناهُما واحِدٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال للرجُلِ مَا هُوَ بحارِمِ عَقْلٍ، وَمَا هُوَ بِعادِمِ عَقْلٍ، مَعْنَاهُمَا أَنَّ لَهُ عَقْلاً.
وَيُقَال إِن لفُلَان مَحْرُماتٍ فَلَا تَهْتِكْها، الْوَاحِدَة مَحْرُمَةٌ يُرِيد أَن لَهُ حُرماتٍ.
رحم: قَالَ اللَّيْث: الرحْمانُ الرَّحيمُ اسمان اشتقاقُهما من الرَّحْمَة، قَالَ ورحمةُ الله وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمين. وَقَالَ الزجَّاج: الرحْمانُ الرَّحيمُ صفتان مَعْنَاهُمَا فِيمَا ذكر أَبُو عُبَيْدَة ذُو الرَّحمة، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يُقَال رَحْمَنٌ إِلَّا لله جلّ وعزّ. قَالَ وفَعْلانُ من أَبْنِيَةِ مَا يُبَالَغُ فِي وَصفه، قَالَ: فالرَّحْمان الَّذِي وَسِعت رحمتُه كلَّ شَيْء، فَلَا يجوز أَن يُقالَ رَحْمَنٌ لغير الله. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدةَ: هما مثلُ نَدْمان ونَدِيم.
وَقَالَ اللَّيثُ: يُقَال مَا أقْرَبَ رُحْمَ فُلانٍ إِذا كَانَ ذَا مَرْحَمَةٍ وبِرَ. قَالَ: وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} (الْكَهْف: 81) يَقُول أبَرّ بالوالدين من الْقَتِيل الَّذِي قَتله الْخضر، وَكَانَ الأَبَوانِ مُسلمين والابنُ كَانَ كافِرًا فَوُلِدَ لَهما بعدُ بِنْتٌ فَوَلَدَتْ نَبِيّاً. وَأنْشد اللَّيْث:
أحْنَى وأَرْحَمُ مِنْ أُمَ بِواحِدِها
رُحْماً وأشْجَعُ من ذِي لِبْدَة ضارِي
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَأَقْرَبَ رُحْماً} أَي أقْرَبَ عَطْفاً وأُءَمَسَّ بِالْقَرَابَةِ. قَالَ والرُّحْمُ والرّحُمُ فِي اللُّغَة العطْفُ وَالرَّحْمَة وَأنْشد:
وكَيْفَ بظُلْمِ جارِيَةٍ
ومنْها اللين والرُّحْم
وَقَالَ أَبُو بكر المنذريُّ: سمعتُ أبَا الْعَبَّاس يَقُول فِي قَوْله الرَّحْمَن الرَّحِيم جمع بَينهمَا لأنَّ الرحمان عبرانيّ والرحيم عَرَبِيّ وَأنْشد لجرير:
لن تَدْرِكُوا الْمجْدَ أَو تَشْروا عَبَاءَكُم
بالخَز أَو تجْعَلُوا الينبوب ضُمْرانا
أَو تتركون إِلَى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكم
ومَسْحَكم صُلْبَهُم رَحْمَنُ قُرْبانا

(5/33)


وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هما اسمانِ رقيقان أحَدُهما أَرَقُّ من الآخر، فالرحْمان الرَّقِيق، والرَّحِيمُ العاطِفُ على خَلْقِه بالرزق، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء (وَأقرب رُحُما) بالتَّثْقيل واحتجّ بقول زُهَيْرٍ يمدح هَرِمَ بن سِنَانٍ:
وَمن ضَريبَتهِ التَّقْوَى ويَعْصِمُه
من سَيىءِ العَثرَاتِ الله والرُّحُمُ
وَقَالَ اللَّيْث: المرحمة الرَّحْمة، تَقول رَحِمْتُه أرْحَمُه رَحْمَةً ومَرْحَمَةً، وترحَّمْتُ عَلَيْهِ، أَي قلتُ: رَحمَةُ الله عَلَيْهِ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ} (البَلد: 17) أَي أَوْصى بعضُهم بَعْضًا برحْمَةِ الضَّعِيف والتَّعَطُّفِ عَلَيْهِ.
والرَّحِمُ بَيْتُ مَنْبِت الوَلَدِ وَوِعاؤُه فِي الْبَطن، وَجمعه الأَرْحامُ. وَأما الرَّحِمُ الَّذِي جاءَ فِي الحَدِيث (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقول: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطَعْ مَنْ قَطَعَني) فالرَّحِمُ القَرابَةُ تَجْمَع بَنِي أَبٍ وَبَينهمَا رَحِمٌ أَي قرابةٌ قَرِيبَةٌ. وناقَةٌ رَحُومٌ أصابَها داءٌ فِي رَحِمِها فَلَا تَقْبَلُ اللَّقاح، تَقول: قد رَحُمَتْ. وَقَالَ غَيْرُه: الرُّحامُ أَن تَلِدَ الشَّاةُ ثمَّ لَا تُلْقِي سَلاها. وشَاةٌ راحِمٌ وغَنَمٌ رَواحِمُ إِذا وَرِمَ رَحِمُها. وَقد رَحِمَت الْمَرْأَة وَرحُمَتْ إِذا اشتكت رَحِمَها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الرَّحْمُ خُرُوج الرَّحِم من عِلّةِ، والرَّحِمُ مؤنَّثَةٌ لاغيرُ وسَمَّى الله الغيثَ رَحْمَةً لِأَنَّهُ بِرَحمَتِه يَنْزِلُ من السَّمَاء. وتاءُ قَوْله { (الْأَعْرَاف: 56) أَصْلهَا هَاء وَإنْ كُتِبَتْ تَاء.
مرح: قَالَ اللَّيْث: المَرَحُ شدَّة الفَرَحِ حَتَّى يجاوزَ قَدْرَه. وَفرس مَرِحٌ مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ، وناقة مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ وَأنْشد:
نطوي الفلا بِمَروحٍ لَحْمُها زِيَمُ
وَقَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة:
مَرِحَتْ حُرَّةٌ كقنْطَرة الرّومي
تَفْرِي الهَجِيرَ بالإرقَال
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمْرِيحُ أَن تَأْخُذ المَزادَةَ أَوَّلَ مَا تخْرَزُ فتَملأها مَاء حَتَّى تَنْتَفِخَ خُروزُها. وَيُقَال: قد ذهبَ مَرَحُ المَزادَةِ إِذا لم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ، وَقد مَرِحَتْ مَرَحاناً وَأنْشد:
كأنّ قذًى فِي الْعين قد مَرِحَتْ بِهِ
وَمَا حاجَةُ الأُخْرى إِلَى المَرَحانِ
وَقَالَ شَمِر: المَرَحُ: خُرُوج الدّمْعِ إِذا كثُر، وَقَالَ عديُّ بن زيد:
مَرِحٌ وَبْلُه يَسحُ سُيوبَ ال
مَاء سَحّاً كأَنَّه مَنْحورُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّمْريحُ تطييبُ القِرْبةِ الجديدةِ بإذْخِرٍ أَو شيح فَإِذا تطيّبَت بِطِين فَهُوَ التَّشْرِيبُ. قَالَ:
وَبَعْضهمْ يجعلُ تمريحَ المزادَةِ أَن يملأها مَاء حَتَّى تَبْتَلَّ خُروزُها وَيكثر سيلانُها قبل انْتِفاخِها، فَذَلِك مَرَحُها وَقد مَرِحَت مَرَحاً. وَذهب مَرَحُ المزادَةِ إِذا انسدّت عيونُها فَلم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ. وَأَرْض مِمْراحٌ إِذا كَانَت سريعَة النَّباتِ حِين يُصِيبُها المطرُ. وعَيْنٌ مِمْراحٌ سريعةُ البُكاءِ. وَقَالَ الأصمعيُّ: المِمْراحُ من الأَرْض الَّتِي حَالَتْ سنة فَهِيَ تَمْرَحُ بِنَباتها.

(5/34)


وَقَالَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء: إِذا رَمَى الرجُل فَأصَاب قيل مَرْحَى لَهُ، وَهُوَ تعجُّبٌ من جَوْدَةِ رَمْيِه قَالَ ابْن مقبل:
أَقُول والحَبْلُ مشدود بمقوده
مرحى لَهُ إِن يَفُتْنا مَسحه يَطِرِ
وأَمْرَحَ الزَّرْعُ إِمْرَاحاً ومَرِح مَرَحاً، لُغَتَانِ، إِذا أَفْرخَ سنابله أَوّلَ مَا يُخْرِجُه.
رمح: قَالَ اللَّيْث: الرمْحُ وَاحِد الرمَاح، ومُتخِذُه الرَّمَّاح، وحرفته الرمَاحَةُ. والرَّامِحُ نَجْمٌ فِي السماءِ يُقَال لَهُ السماك المِرْزَمُ. وَقَالَ ابْن كُنَاسة: هما سِمَاكَانِ، أَحدهمَا السمَاكُ الأَعْزَلُ، والآخَرُ يُقَال لَهُ السمَاكُ الرَّامِحُ، قَالَ: والرَّامِحُ أشَدُّ حُمْرَةً، ويُسَمَّى رَامِحاً لكوكب أَمَامَه تَجْعَلهُ العربُ رُمْحَه. وَقَالَ الطرماح:
مَحَاهُنّ صيبُ صَوْتِ الرّبيع
من الأنجم العُزْلِ والرَّامِحَه
والسماكُ الرَّامِحُ لَا نَوْءَ لَهُ، إِنَّمَا النَّوْءُ للأعْزل.
وَقَالَ اللَّيْث: ذُو الرُّمَيْح ضَرْبٌ من اليرابيع طَويلُ الرجْلين فِي أوساطِ أَوْظِفَتِه فِي كل وَظِيفٍ فَضْلُ ظُفْرِ، وَإِذا امْتنعت البُهْمَى ونحوُها من المَرَاعِي فَيَبِس سَفَاهَا قيل أَخَذَتْ رِمَاحُها، ورماحُها سَفَاها اليابِسُ.
وَيُقَال رَمَحَت الدابَّة، وكل ذِي حافرٍ يَرْمَحُ رَمْحاً إِذا ضَرَب بِرِجْلَيه، وَرُبمَا استُعِير الرّمْحُ لذِي الخُف. قَالَ الْهُذلِيّ:
بِطَعْن كَرَمْحِ الشَّوْلِ أَمْسَتْ غَوَارِزاً
حَوَاذِبُها تأبى على المُتَغَير
وَيُقَال بَرِئت إِلَيْك من الجِمَاحِ والرمَاحِ وَهَذَا من بَاب العُيوب الَّتِي يُرَدُّ المبيعُ بهَا. وَيُقَال رَمَحَ الجُندُب إِذا ضرب الحَصَى بِرِجْله قَالَ ذُو الرمة:
والجندب الجون يرمح
وَالْعرب تسمي الثورَ الوحشِيَّ رَامِحاً، وَأنْشد أَبُو عبيد:
وكائِنْ ذَعَرْنا من مَهَاةٍ وَرَامِحٍ
بلادُ الورَى ليستْ لَهَا بِبِلاد
ويُقَال للنَّاقَةِ إِذا سَمِنَتْ ذاتُ رُمْحٍ وللنُّوق السمَانِ ذوَاتُ رِمَاحٍ وَذَلِكَ أَنَّ صاحِبَها إِذَا أَراد نَحْرَها نَظَرَ إِلَى سِمَنِها وَحُسْنِها فامتنَعَ من نَحْرِها نَفَاسَةً بهَا لما يروقه من أَسْنِمَتِها، وَمِنْه قَول الفرزدق:
فَمَكَّنْتُ سيْفي من ذَوَات رِمَاحها
غِشَاشاً وَلم أَحْفِل بكاءَ رِعائيا
يَقُول نحرْتُها وأطعَمْتُها الأضْيَاف وَلم يمنَعْني مَا عَلَيْهَا عَن الشُّحوم عَن نحرها نَفَاسَةً.
وَيُقَال: رجلٌ رامِحٌ أَي ذُو رُمْحٍ، وقَدْ رَمَحَه إِذا طَعَنَهُ بالرُّمْحِ وَهُوَ رَامِح وَرَمَّاحٌ. وبالدَهْنَاء نُقْيَانٌ طوالٌ يُقَالُ لَهَا الأَرْمَاحُ.
وَذَكَرُ الرَّجُلِ رُمَيْحُه، وَفَرْجُ المرْأةِ شُرَيْحُها.
حمر: قَالَ اللَّيْث: الحُمْرَةُ لون الأَحْمَر، تَقول احْمَرّ الشيءُ احْمِرَاراً إِذا لزم لونَهُ فَلم يتغيّر من حالٍ إِلَى حالٍ، واحمَارّ يَحْمَارُّ احميراراً إِذا كَانَ عَرَضاً حادِثاً لَا يثبت، كَقَوْلِك: جَعَلَ يَحْمَارُّ مَرَّةً ويصفَارُّ أُخْرَى.

(5/35)


قَالَ: والحُمْرَةُ تَعْتَرِي النَّاسَ فَيَحْمَرُّ موضِعُها وَتُغَالَبُ بالرُّقْيَةِ. قلت: الحُمْرَةُ وَرَمُ من جنس الطَّواعِين نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ الحُمْرَةُ بِسُكُون الْمِيم نَبْتٌ. قَالَ: وَيُقَال لِلْحُمَّرِ وَهُوَ طَائرٌ حُمَرٌ بِالتَّخْفِيفِ، الْوَاحِدَة حُمَّرةٌ وَقَالَ حُمَرَة. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
إلاّ تُدَارِكْهُمْ تصبِحْ منَازِلُهم
قفراً تبيض على أرجائها الحُمَرُ
قَالَ: خفّفها ضَرُورَة. وَأنْشد فِي تَشْدِيد الحمّر:
قد كنتُ أَحْسِبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ
فَإِذا لَصَافِ تبيضُ فِيهَا الحُمَّر
قَالَ وحُمَّرَاتٌ جَمْعٌ. وأنشدني الْهِلَالِي أَو الْكلابِي:
عُلق حَوْضِي نُغَرٌ مكبُّ
إِذا غفلت غَفلَة يَغبُّ
وحُمَّرَاتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُّ
قَالَ: وَهِي القُبَّر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِمار العيْرُ الأَهْلِيُّ والوحشيُّ، وجمْعُه الْحَمِيرُ والحُمُراتُ، وَالْعدَد أَحْمِرَةٌ، والأنْثَى حِمَارَةٌ، قَالَ والْحَمِيرة الأُشْكُزُّ: مُعرب وَلَيْسَ بعربي وَسميت حميرةً لِأَنَّهَا تُحمَّر أَي تُقَشَّر وكل شَيْء قشَّرْتَه فقد حَمَّرْتَه فَهُوَ مَحْمُور وحَمِيرٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِمَار خَشَبَةٌ فِي مقدَّمِ الرحْلِ تَقْبِضُ المرأةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مقدم الإِكَافِ أَيْضاً. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وقيدني الشعرُ فِي بَيته
كَمَا قَيَّد الأسراتُ الحمارا
وَقَالَ غَيره: الْحمار ثَلاثُ خَشَبات أَوْ أَرْبَعٌ تُعْرَض عَلَيْهَا خشبةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو سعيد الْحِمَارُ العُودُ الَّذِي يُحْمَل عَلَيْهِ الأَقْتَابُ، والأَسَرَاتُ النِّسَاء اللواتي يُوَكدْن الرحالَ بالقَد ويُوَثقْنَها.
وَقَالَ اللَّيْث: حِمَارُ الصَّيْقَل خشَبتُه الَّتِي يَصْقُلُ عَلَيْهَا الحديدَ قَالَ وحمار قَبَّان دَابَّةٌ صَغِيرَة لَازِقَة بِالْأَرْضِ ذَات قَوَائِم كَثِيرَة وَأنْشد الْفراء:
يَا عجبَاً لقد رأيْتُ عجبا
حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوق أَرْنَبَا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الْحَمائِر حِجَارَةٌ تُنْصَب حول قُتْرَةِ الصَّائِد واحِدُها حمارة وَأنْشد:
بَيت حتوف أُرْدِحَت حمائِره
وَقَالَ شمر فِي قَوْله ج (زُوِيتْ لي الأرضُ فرأيتُ مشارِقَها ومَغارِبها، وأُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ) أَرَادَ الذّهَبَ والفِضَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحمائِر حجارةٌ تُجْعل حَوْلَ الْحَوْضِ تَرُدُّ الماءَ إِذَا طَغَى وَأنشد:
كَأَنَّمَا الشَّحْطُ فِي أُعْلَى حمائِرِه
سبائِبُ القَز من رَيْطٍ وَكَتَّان
وروى حمادُ بن سلمةَ عَن ثابتٍ عَن أَنَسٍ أنّ رَسُول الله قَالَ (أُرْسِلْتُ إِلَى كل أَحْمَرَ وأَسْوَدَ) قَالَ شمر: يَعْني العربَ والعجمَ، والغالبُ على أَلْوان العربِ

(5/36)


السُّمْرَةُ والأُدْمَةُ، وعَلى أَلْوان العجمِ البياضُ والحُمْرَةُ.
وَقَالَ شمر حَدثنِي السمريُّ عَن أبي مسحل أَنه قَالَ فِي قَوْله (بُعِثْتُ إِلَى الأَسْودِ والأَحْمَرِ) يُرِيد بالأسودِ الجِن، وبالأحْمَرِ الإِنَسَ، سمي الإنسُ بالأَحْمَرِ للدَّمِ الَّذِي فيهم، وَالله أعلم، وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي قَوْله (بعثت إِلَى الأحْمر وَالْأسود) مَعْنَاهُ بُعِثْتُ إِلَى الأَسودِ والأبْيَض. قَالَ: وامْرأَةٌ حَمْرَاء أَي بَيْضاءُ، وَمِنْه قَول النَّبِي لعَائِشَة (يَا حُمَيْراءُ) قَالَ والأحْمَرُ الَّذِي لَا سلاحَ مَعَهُ، وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحَرْبي فِي قَوْله (أُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحمرَ والأبيضَ) قَالَ فالأحْمَرُ مُلْكُ الشامِ والأبيضُ مُلْكُ فارسَ، وَإِنَّمَا قيل لمُلكِ فارسَ الكنْزُ الأبيضُ لبياض أَلْوَانِهِمْ، وَلذَلِك قيل لَهُم بَنُو الأحرارِ يَعْنِي الْبيض وَلِأَن الغالبَ على كنوزهم الورِقُ وَهِي بيضٌ، وَقَالَ فِي الشامِ الكنزُ الأحمرُ لِأَن الغالبَ على أَلْوانِهم الحُمْرَةُ وعَلى كُنُوزِهم الذّهَبُ وَهُوَ أَحْمَر. وَقَالَ ابنُ السّكّيت قَالَ الأصمعيُّ أَتَانِي كلُّ أسودَ مِنْهُم وأحمرَ وَلَا يُقَال أبيضَ، حَكَاهُ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَقَالَ:
جَمَعْتُمْ فأوْعَيْتُمْ وجِئْتم بِمَعْشَرٍ
توافَتْ بِهِ حُمْرانُ عَبْدٍ وسودُها
وَيُقَال كلّمْتُه فَمَا ردّ عليَّ سوداءَ وَلَا بَيْضَاء أَي كلمة رَدِيئَةً وَلَا حَسَنَة. قلت: والقولُ مَا قَالَ أَبُو عمرٍ وَأَنَّهُمْ الأسودُ والأبيضُ؛ لأنّ هذَيْن النّعْتينِ يَعُمَّان الآدميينَ أَجمعين. وَهَذَا كَقَوْلِه (بُعِثْتُ إِلَى النَّاس كَافَّة) وَكَانَت العربُ تَقول للعجمِ الَّذين يكون البياضُ غَالِبا على أَلْوانِهم مثلِ الرُّومِ والفرسِ وَمن ضاقَبَهُمْ: إِنَّهُم الحَمْراءُ، وَمِنْه حديثُ عليّ حِين قَالَ لَهُ سَراةٌ من أصحابِه العَربِ: غلبتْنا عَلَيْك هَذِه الحُمْرَةُ، فَقَالَ: لَيَضْرِبنَّكُمْ على الدّين عَوْداً كَمَا ضربتموهم عَلَيْهِ بَدْءاً، أَرادُوا بالْحَمْرَاء الفرسَ والرُّومَ. والعربُ إِذا قالُوا: فلانٌ أبيضُ وفلانةٌ بيضاءٌ، فمعناهَا الكرمُ فِي الْأَخْلَاق، لَا لونُ الخِلْقَةِ. وَإِذا قَالُوا: فلانُ أحمرُ وفلانةُ حمراءُ عَنَتْ بياضَ اللَّونِ.
ورَوَى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ فِي قولهِمْ الْحُسْنُ أَحْمَرُ أَي شاقٌّ، أَي من أَحَبَّ الحُسْنَ احتَمَل المَشَقَّة. وَكَذَلِكَ موتٌ أَحْمَرُ، قَالَ الحُمْرَةُ فِي الدَّمِ والقتالِ. يَقُول: يَلْقى مِنْهُ المشقةَ كَمَا يَلْقى من القتالِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال جَاءَ بِغَنَمِه حُمْرَ الكُلى، وَجَاء بِها سُودَ البُطونِ، مَعْنَاهُمَا المَهَازِيلُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمَرُ داءٌ يعتري الدابّة من كَثْرَة الشّعير، وَقد حَمِر البرذَوْنُ يحمَرُ حَمَراً. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَعَمْرِي لسَعْدُ بنُ الضبابِ إِذَا غَدا
أحبُّ إلينَا مِنْك، فَافَرَسٍ حَمِر
أرَادَ يَافَا فَرَسٍ حَمِر، لقَّبَهُ بِفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فِيهِ. قَالَ وسنَةٌ حَمْرَاء شديدةٌ، وَأنْشد:
أَشْكُو إِلَيْك سَنَوَاتٍ حُمْرَا

(5/37)


قَالَ: أخرج نَعته عَلَى الأعوامِ فَذكَّرَ، وَلَو أخْرَجَهُ على السَّنواتِ لقَالَ حَمْرَاوَاتٍ. وَقَالَ غَيْرُه: قيل لِسِني القَحْطِ حَمْرَاواتٌ لاحمرار الْآفَاق فِيهَا. وَمِنْه قَول أُمَيّةَ:
وسُودَت شَمْسُهُمْ إِذا طَلَعَتْ
بالجِلْبِ هفا كأنَّه كَتَمُ
والكتم صِبْغٌ أحمرُ يُخْتَضَبُ بِهِ. والجِلْبُ السحابُ الرقيقُ الَّذِي لَا ماءَ فِيهِ. والهَفُّ الرَّقِيق أَيْضا ونَصَبَه على الْحَال.
وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه قَالَ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البأْسُ اتَّقَيْنَا برَسُول الله العَدُوَّ.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيُّ: يُقَال هُوَ الموتُ الأَحْمَرُ والموتُ الأسودُ. قَالَ وَمَعْنَاهُ الشَّدِيدُ، قَالَ وَأَرَى ذَلِك من أَلْوَانِ السباعِ كأَنَّهُ من شِدَّته سَبُعٌ. وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ يصف الْأسد:
إِذَا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطِيفُ كَفه
رَأَى الموتَ بالعيْنَينِ أَسْودَ أَحْمَرا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فكأنَّه أَرَادَ بقَوْلِه احْمَرّ البَأْسُ أَيْ صَارَ فِي الشدَّةِ والهَوْلِ مثل ذَلِك. وَقَالَ الأصمعيُّ يُقَال: هَذِه وَطْأَةٌ حمراءُ، إِذا كَانَت جَدِيدا ووطأةٌ دَهْمَاءُ إِذا كَانَت دَارِسَةً.
قَالَ الأصمعيُّ ويجوزُ أَن يكُون قَوْلُهمْ: الموتُ الأحمرَ من ذَلِك، أَي جديدٌ طريّ. ويروى عَن عبد الله بن الصَّامِت أَنه قَالَ: أَسْرَعُ الأَرْض خَراباً البصرةُ، قيل وَمَا يُخْرِبُها؟ قَالَ: القتْلُ الأَحْمَرُ والجوع الأغْبَرُ.
قلت والحَمْرُ بمعْنى القَشْرِ يكون باللسَان والسَّوْط والحَديد والمِحْمَرُ والمِحْلأُ: هُوَ الحديدُ أَو الحَجَرُ الَّذِي يُحْلأُ بِهِ تحْلِىءُ الإهاب وَيُنْتَفُ. وَيُقَال للهجين مِحْمَرٌ ولمَطَيَّةِ السُّوءِ مِحْمَر، وَرَجُلٌ مُحْمَرٌّ؛ لَا يُعْطي إلاَّ على الكَد والإلْحَاحِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ شمر يُقَال حَمِرَ فلانٌ عليَّ يَحْمَرُ حَمْراً إِذا تَحَرَّق عَلَيْك غَضبا وغيظاً. وَهُوَ رجل حَمِرٌ من قوم حَمِيرِين. قَالَ وحِمِرُّ القَيْظ والشتاءِ أشَدُّهُ.
قَالَ: والعربُ إِذا ذكرت شيْئاً بالمشَقَّةِ والشدَّة وصَفَتْهُ بالحُمْرَةِ. وَمِنْه قيل سنَةٌ حَمْرَاءُ للجَدْبَةِ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قولِهِمْ الحُسْنُ أَحْمَرُ يُرِيدُون إِنْ تَكلَّفْتَ التَّحَسُّنَ والجَمَال فاصْبِرْ فِيهِ على الأَذَى والمشقَّة. قَالَ: وحَمَرْتُ الجِلْدَ إِذا قَشَرْتَه وحلقتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: حَمَارَّةُ الصَّيف شدَّة وَقْتِ حَره. قَالَ وَلم أَسْمَع كلمة على تَقْدِير فَعَالّة غيرَ الحمارَّة والزَّعَارَّة وَهَكَذَا.
قَالَ الْخَلِيل قَالَ اللَّيْث: وَسمعت بعد ذَلِك بخُرَاسَان سبارَّةُ الشّتَاء وَسمعت: إِن وراءَك لَقُرَّاً حِمِرّاً. قلت: وَقد جاءَتْ أَحْرُفٌ أُخَرُ على وزن فَعَالَّة.
روى أَبُو عبيدٍ عَن الْكسَائي: أَتَيْتُه فِي حَمَارَّةِ القيظ، وَفِي صَبَارَّةِ الشّتاء بالصَّاد، وهُمَا شِدَّةُ الحَر والبَرْدِ. قَالَ وَقَالَ الأمَوِيُّ: أتَيْتُه عَلَى حَبَالَّةِ ذَاك، أَي على حِينِ ذَاك، وَألقى فلَان عَلَى عَبَالَّته أَي ثِقله. قَالَه اليزيديُّ والأَحْمَرُ.

(5/38)


وَقَالَ القَنَانِيّ: أَتَوْنِي بِزرَافَّتهِم يَعْنِي جَمَاعَتَهُم.
وَسمعت العربَ تَقُول كُنّا فِي حَمْراء القيظ على مَاء شُفَيَّة، وَهِي ركيَّةٌ عذبَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْلهم: أهْلَكَ النساءَ الأحمران، يعنون الذهبَ والزعفرانَ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الأحمرانِ الخَمْرُ واللَّحْمُ وَأنْشد:
إِن الأحَامِرَةَ الثلاثَةَ أهلكَتْ
مَالِي وَكنت بِهِن قِدْماً مُولَعاً
الرَّاحَ واللحْمَ السمينَ إدَامُه
والزَّعْفَرانَ فَلَنْ أَرُوحَ مُبَقَّعَا
قَالَ أَرَادَ الخمرَ واللحمَ والزعفرانَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأصفرانِ الذَّهَبُ والزعفرانُ. قلت والصَّوابُ فِي الأحمَرينِ مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. وَالَّذِي قَالَه الليثُ يضاهي الخَبَرَ المرويَّ فِيهِ.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابنَ الْأَعرَابِي يَقُول: الأحمرانِ النّبيذُ واللحمُ. وَأنْشد:
الأحمرَينِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا
قَالَ شمِر: أَرَاد الخَمْرَ والبُرُودَ.
وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ مِحْمَرٌ والجميع المَحَامِر والمَحَامِيرُ. وَأنْشد:
يَدِبُّ إِذْ نَكَس الفُحْجُ المحاميرُ
وَقَالَ غيرُه: الْخَيل الحمارَّةُ مثلُ المَحَامِرِ سَوَاء.
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يردّ الحمَّارَةَ من الخَيْلِ. قلت أَراد شريحٌ بالحمَّارَة أصحابَ الحَمِير، كأنَّه ردَّهُم فَلم يُلْحِقْهُمْ بأصحاب الخَيْلِ فِي السهامِ. وَقد يُقَال لأصْحاب البِغَال البَغَّالة ولأصحاب الجِمَال الجَمَّالَةُ وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
شدّد كَمَا تطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وَرجل حَامِرٌ وحَمَّارٌ ذُو حِمَارٍ، كَمَا يُقَال فارسٌ لذِي الفَرس.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: حَمَرَت المرأةُ جلْدَهَا تَحمِرُهُ. والحَمْرُ فِي الْوَبر وَالصُّوف وَقد انْحَمَر مَا على الجِلْدِ وأتاهم الله بغيثٍ حِمِرَ يَحْمُر الأَرْض حمراً أَي يقشرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَمَر الخَارِزُ السَّيْرَ يحْمِرُهُ حَمْراً إِذا مَاسَحا باطِنَه ودَهَنه ثمَّ خَرَزَ بِه، وحَمَر الشَّاةَ إِذا مَا سمطها، وأُذُنُ الحِمَارِ نَبْتٌ عريضُ الوَرَق كأَنَّه شُبه بأذن الحِمَار.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يُقَال إِن الحُسْنَ أَحْمَر، يُقَال ذَلِك للرَّجُلِ يميلُ إِلَى هَوَاه، ويخْتَصُّ بِمن يُحِبُّ كَمَا يُقَال الْهَوَى غَالِب، وكما يُقَال إِن الْهوى يمِيل بإسْتِ الرَّاكِب إِذا آثَر من يهواه على غَيره.
وَقَالَ غيرهُ حِمْيرٌ اسمٌ، وَقيل هُوَ أَبُو مُلوكِ اليمَن، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي القبيلةُ. ومدينة ظَفَارِ كَانَت لِحِمْيَرَ. وحَمَّرَ الرجلُ إِذا تكلم بالحِمْيَريّة، وَلَهُم ألفاظٌ ولغاتٌ تخَالف لغاتِ سائِرِ الْعَرَب.
وَقَالَ بعض مُلُوكهمْ: من دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ، أَي تعلَّم الحِمْيَرِيّة. ويُقالُ للَّذين يُحَمرون رَايَاتِهم خِلاَفَ زِيّ المُسَودَةِ من بني هَاشِمٍ المُحَمرة، كَمَا يُقَال للحَرُورِيَّة

(5/39)


المبيضة، لِأَن راياتِهم فِي الحُروب كَانَت بَيْضَاءَ.
محر: قَالَ اللَّيْث: المَحَارَةُ دابَّةٌ فِي الصَّدَفَيْن. قَالَ: ويُسمّى باطِنُ الأُذُن مَحَارَةً. قَالَ وربّما قَالُوا لَهَا مَحَارَةُ بالدَّابّة والصدفينِ.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ المَحَارَةُ الصدفَةُ قَالَ والمَحَار من الإنسانِ الحَنَكُ وَهُوَ حَيْثُ يُحنك البَيْطارُ الدَّابة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحَارَةُ النُّقْصَانُ، والمحارَةُ داخلُ الأُذُن، والمحارةُ الرجوعُ، والمَحَارة المُحاوَرَة، والمَحَارَة الصَّدَفَةُ.
قلت ذكر الأصمعيُّ وَغَيره هَذَا الحرفَ أَعنِي المحارةَ فِي بَاب حَارَ يَحُور، فدلّ ذَلِك أَنه مَفْعَلَةٌ وأَن الميمَ لَيست بأصليَّةٍ، وَخَالفهُم اللَّيْثُ فَوضع المَحَارَة فِي بَاب مَحَر، وَلَا يُعْرَف مَحَر فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب.