تهذيب اللغة

كتاب حرف التَّاء من (تَهْذِيب اللُّغَة)
أَبْوَاب المضاعف من حرف التَّاء
(ت ظ ت ذ: مهمل) .

(بَاب التَّاء والثاء)
ت ث
اسْتعْمل مِنْهُ: (ثتّ) .
ثت: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الثَّتُ الشَّق فِي الصَّخرة وَجمعه ثُتوتٌ قَالَ: والثَّتُّ أَيْضا العِذْيَوْطُ، وَهُوَ الثَّمُوتُ والذَّوذَخ والْوَخْوَاخُ والنَّعْجَة الزُّمَّلِق.
عَمْرو عَن أَبِيه: فِي الصَّخْرَة ثَتٌّ وفَتٌّ وشَرْمٌ وشرْن وخَقٌّ ولَقٌّ وشِيقٌ وشِرْيان.

(بَاب التَّاء وَالرَّاء من المضاعف)
(ت ر)
تَرَ، رت: (مستعملان) .
تَرَ: قَالَ اللَّيْث: التَّرَارَةُ امتلاءُ الجِسم من اللَّحْم وَرِيُّ العَظْمِ، رجل تَارٌّ وَقَصَرَةٌ تَارَّةٌ والفِعْل تَرَّ يَتِرُّ قَالَ: والتُّرُورُ وَثْبَةُ النَّوَاةِ من الحَيْس، يُقَال: تَرَّتْ تَتِرُّ تُرُورا، يُقَال: ضرب فلَان يَدَ فلَان بِالسَّيْفِ فأَتَرَّها وأَطَرَّها وأَطَنَّها، والغلام يُتِرُّ الْقُلة بمقلاته.
وَقَالَ طَرَفة يصف بَعِيرًا عقره:
تَقُول وَقد تُرَّ الوظِيفُ وساقُها
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بِمُؤْيِدِ
ترَّ الوَظِيفُ، أَي انْقَطَع فَبان وسَقَط.
وَقَالَ أَبُو زيد: تُرَّ الرَّجُلُ عَن بَلَده، وأَتَرَّهُ القضاءُ إتْراراً إِذا أَبْعَدَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الترْتَرَةُ أَن تَقْبِضَ عَلَى يَدَيْ رَجُل تُتَرْتِرُهُ أَي تحرّكه.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: أنَّه أُتِيَ بسكران فَقَالَ: تَرْتِرُوه، وَمَزْمِزُوه.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ أَن يُحَرَّك ويُزَعْزَع ويُسْتَنْكَه حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيح لِيُعْلَمَ مَا شرب، وَهِي الترترة والتَّلْتَلَةُ وَالمَزْمَزَةُ.
وَقَالَ ذُو الرمة يصف جملا:
بَعِيدُ مَسافِ الخَطْوِ غَوْجٌ شَمَرْدَلٌ
يُقَطِّع أَنْفاسَ المَهارِي تَلاَتِلُه
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التُّرَّى اليَدُ المقطوعةُ، والترَّةُ الجَارِيةُ الحَسْنَاءُ الرَّعْناء.

(14/176)


قَالَ: والتُّرُّ الأصلُ، يُقَال: لأَضْطَرَّنَّكَ إِلَى تُرِّكَ وقَحاحِك.
وَقَالَ اللَّيْث: التُّرُّ كلمة تَتَكلم بهَا الْعَرَب إِذا غضب أحدهم على الآخر، قَالَ: وَالله لأقَيمنَّك على التُّرِّ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المِطَمرُ هُوَ الْخَيط الَّذِي يُقَدِّر بِهِ الْبناء، يُقَال لَهُ بالفارسيَّة: التُّر.
وَفِي (النَّوَادِر) : بِرْذَوْنٌ تَرٌّ، ومُنْتَرٌّ وغَرْبٌ وقَزَعٌ ودُقاقٌ إِذا كَانَ سريعَ الرَّكْض، وَقَالَ: التَّرُّ من الخَيلِ المعتَدِلُ الْأَعْضَاء الخفيفُ الدَّرِير، وَأنْشد:
وقدْ أَعْذُو مَعَ الفِتْيا
ن بالمنْجَرِد التّرِّ
وذِي الْبركَةِ كالتَّابو
ت وَالمِحْزَم كالقَرِّ
معي قاضبة كالمل
ح فِي فِي متنيه كالذرّ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: التارُّ الْمُنْفَرد عَن قومه، تَرَّ عَنْهُم إِذا انْفَرد، وَقد أَتَرُّوه إتْراراً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تَرْتَرَ، إِذا استَرْخَى فِي بدنه وَكَلَامه قَالَ: وَتَرّ بسلحه وهَدَّ بِهِ، وهَرَّ بِهِ إِذا رمَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ترَّ بسَلْحِهِ، يتِرّ ويَتُرّ إِذا قذف بِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: التَّارُّ المسترخِي من جوع أَو غَيره وتَرَّ يَتِرُّ ويَتُر.
وَأنْشد:
ونُصْبِحُ بالغدَاةِ أَتَرَّ شيءٍ
ونُمْسِي بالعَشِيِّ طَلنفَحينَا
قَالَ: أَتَرَّ شيءٍ أَرْخَى شيءٍ من التَّعَب، يُقَال: تِرَّ يَا رجل.
وَيُقَال للغلام الشّابّ الممتلىء: تَارٌّ وَقد تَرَّ يتِرُّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّراتِيرُ الْجَوَارِي الرُّعْنُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأترُورُ الغلامُ الصَّغِير.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُتْرُورُ: الشُّرَطِيُّ.
وَأنْشد:
أعوذُ بِاللَّه وبالأمير
مِن صاحبِ الشُّرْطة والأُترُورِ
رت: قَالَ اللَّيْث: الرُّتَّة عَجَلَةٌ فِي الْكَلَام، ورجلٌ أَرتُّ.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد المبرّد: الغَمْغَمة أَن تَسَمعَ الصوتَ وَلَا يَبينُ لَك تَقطيعُ الكلامِ، وَأَن يكونَ الْكَلَام مُشْبِهاً لكَلَام الْعَجم، والرُّتَّة كَالرِّيحِ تمنع مِنْهُ أولَ الْكَلَام، فَإِذا جَاءَ مِنْهُ شَيْء اتَّصل بِهِ، قَالَ: والرُّتَّة غريزة وَهِي تَكثر فِي الْأَشْرَاف.
عَمْرو عَن أَبِيه: الرَّتَّاءُ: المرأةُ اللَّثْغَاءُ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: رَتْرَتَ الرجلُ إِذا

(14/177)


تَعتع فِي التَّاء وغيرِها قَالَ: والرَّتُّ: الرئيسُ من الرِّجَال فِي الشَّرف وَالعطَاء وَجمعه رُتوتٌ قَالَ: والرّتُّ أَيْضا الخِنزير المُجَلِّحُ وَجمعه رِتَتَةٌ، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَه اللَّيْث.

(بَاب التَّاء وَاللَّام)
(ت ل)
تل، لت: (مستعملان) .
تل: سَلمَة عَن الْفراء: تَلّ إِذا صَبّ، والتَّلّةُ الصَّبَّةُ، والتَّلّةُ الضَّجْعةُ والكسل، قَالَ: والتَّلّة بقيّة الدّيْن.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: تَلّ يَتُلُّ إِذا صَبّ، وتَلّ يَتِلّ إِذا سقط.
وَحدثنَا عبد الله بن هَاجَك، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي قَالَ: (نُصِرْتُ بالرُّعب وأُوتِيتُ جوامعَ الْكَلم، وَبينا أَنا نائِم أُتِيتُ بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض فَتُلَّتُ فِي يدِي) .
قلت: مَعْنَاهُ فصُبَّتْ فِي يَدي.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُتَلَّلُ الصّرِيعُ وَهُوَ المشَغْزَبُ.
قلت: وَتَأْويل قَوْله: وأُتِيتُ بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض فتُلَّتْ فِي يَدي: مَا فَتَحهُ الله جلّ ثَنَاؤُهُ لأُمَّتِه بعد وَفَاته من خَزَائِن مُلُوك الفُرْس، وملوك الشَّام، وَمَا استولى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ من الْبِلَاد، حقّق الله تَعَالَى رُؤْيَاهُ الَّتِي رَآهَا بعد وَفَاته من لَدُنْ خِلافة عمرَ بن الْخطاب إِلَى يَوْمنَا هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: تَلَلْتُ فِي يَدَيْهِ أَي دفَعْتُ إِلَيْهِ سَلْماً، قَالَ: والتَّلُّ الرابيةُ من التُّرَاب مَكْبُوساً لَيْسَ خِلْقَة.
قلت: هَذَا غَلَطٌ، التِّلال عِنْد الْعَرَب الرَّوابي المخلوقة.
وروى شمر عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: التَّل من أَصاغر الآكام، والتَّل طولُه فِي السَّمَاء مثلُ الْبَيْت عَرْضُ ظهرهِ نَحْو عَشرة أَذْرع، وَهُوَ أصْغر من الأَكَمة، وأقلُّ حِجَارَة من الأكمة، وَلَا يُنْبِتُ التل خيرا، وحِجارةُ التَّل عَاضٌّ بعضُها بِبَعْض مثلُ حِجارة الأَكمة سَوَاء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: للهمِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} (الصافات: 103) ، معنى تَلّه صَرَعه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التّلِيلُ والمتْلُول: الصّريع، وَقَالَ فِي قَول لبيد:
أَعْطِفُ الجَوْنَ بمَرْيوع مِتَلِّ
أَي يصرعَ بِهِ.
وروى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: مِتلٌّ شديدٌ والجون فرسه.
وَقَالَ شمر: أَرَادَ بالجون جَمله والْمربوع

(14/178)


جَرير ضُفِرَ على أَربع قوى.
وروى سعيد عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} ، قَالَ: كَبَّه لفيه وأَخَذَ الشَّفْرة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن الْفراء: رجل مِتلٌ إِذا كَانَ غليظاً شَدِيدا.
قَالَ: المِتلُّ الَّذِي يُتَل بِهِ، ورمح مِتلٌ غليظ شَدِيد وَهُوَ العُرُدُّ أَيْضا.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: التَّلِيلُ: العُنُق قَالَ لَبيد:
يَتَّقيني بتليلٍ ذِي خُصَل
أَي بِعُنُق ذِي خُصَل من الشّعْر، وَقَالَ اللَّيْث: التّليلةُ الإقلاقُ والحَرَكةُ، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّلْتَلَةُ قِشْرُ الطّلْعة يُشْرَبُ فِيهِ النَّبِيذ، وَقَالَ: تُلَّ: إِذا صُرِعَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء: رجل مِتَلٌّ أَي مُنتصبٌ فِي الصّلاة وَأنْشد:
رجال يتلُّون الصَّلَاة قيام
قلت: هَذَا خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ رجال يُتلَّون الصَّلَاة قيام، من تَلَّى يُتَلَّى: إِذا أتبع الصلاةَ الصَّلَاة.
قَالَ شمر: تَلَّى فلَان صلاتَه الْمَكْتُوبَة بالتطوّع أَي أتْبع، قَالَ البعيث:
على ظَهْرِ عَادِيَ كأَنَّ أُرُومَه
رجالٌ يُتَلَّونَ الصلاةَ قيامُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: هُوَ ضالٌّ تَالٌّ آلٌّ وَجَاء بالضَّلالة، والتَّلالة والألالة؛ وَقَالَ أَبُو تُرَاب: البلابل والتّلاتل الشدائد.
وَقَالَ أَبُو الْحسن: يُقَال: إِن جَبينه لَيَتِلُّ أَشَدَّ التَّل، وَمَا هَذِه التَّلة بفيك أَي البِلّة، قَالَ: وسألتُ عَن ذَلِك أَبَا السميدع فَقَالَ: التّلَلُ والبَلَلُ والتِّلَّة والبِلَّة شَيْء وَاحِد، قلت: وَهَذَا عِنْدِي من قَوْلهم: تَلّ أَي صَبّ، وَمِنْه قيل لِلْمشْرِبة: تَلْتَلَة، لِأَنَّهُ يُصب مَا فِيهَا فِي الحَلْق.
لت: قَالَ اللَّيْث: اللّتُّ الفِعل من اللُّتات، وكل شَيْء يُلَتُّ بِهِ سَويقٌ أَو غَيره نَحْو السّمن وَمَا إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْفراء: حَدثنِي الْقَاسِم بن معن عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ رجل يَلُتُّ السويق لَهُم، وَقرأَهَا: {الْكُبْرَى أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (النَّجْم: 19) بِالتَّشْدِيدِ.
قَالَ الْفراء: الْقِرَاءَة اللات، بتَخْفِيف التَّاء الأَصْل اللاتّ بِالتَّشْدِيدِ لِأَن الصَّنَم إِنَّمَا سمِّي باسم اللاّت الَّذِي كَانَ يَلُتَّ عِنْد هَذِه الْأَصْنَام لَهَا السويقَ، فَخفف وجُعل اسْما للصنم.
وَكَانَ الْكسَائي يقف على اللات بِالْهَاءِ وَيَقُول: اللاه، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهَذَا قِيَاس، والأجود اتِّباعُ المصحفِ، وَالْوُقُوف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ، قلت: وَقَول الْكسَائي يُوقف عَلَيْهَا بالهاءِ، يَدُل على أَنه لم يجعَلْهما من اللَّت؛ وكأنَّ الْمُشْركين الَّذين عبدوها عارضوا باسمها اسمَ الله،

(14/179)


تَعَالَى الله علوا كَبِيرا عَن إفكهم ومعارضتهم وإلحادهم، لعنهم الله فِي اسْم الله الْعَظِيم، وَقَالَ ابْن السّكيت: اللَّت بَلُّ السوِيق والْبَسُّ أشدُّ من اللَّتّ.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: اللّتّ الفَتُّ.
قلت: وَهَذَا حرف صَحِيح أخبرنَا عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي بَاب التَّيَمُّم: وَلَا يجوز التَّيَمُّم بِلُتَاتِ الشّجر وَهُوَ مَا فُتّ من قِشْره الْيَابِس الْأَعْلَى.
قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا أَدْرِي لُتات أم لِتات، وَفِي بعض الحَدِيث: فَمَا أبقى الْمَرَض مني إِلَّا لُتاتاً. قَالَ: اللُّتات مَا فُتَّ من قِشر الشّجر كَأَنَّهُ يَقُول: مَا أبقى مني إِلَّا جِلداً يَابسا. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس فِي اللَّت بِمَعْنى الفتّ:
تَلُتُّ الْحَصَى لَتّاً بسُمْرٍ رزينة
موارِد لَا كُزْمٍ وَلَا مَعِراتِ
يصف الْخمر وَكسرهَا الْحَصَى.

(بَاب التّاء وَالنُّون)
(ت ت)
تن، نت (نَتن) : (مستعملان) .
(تن) : قَالَ اللَّيْث: التِّنُّ التِّرْبُ، يُقَال: صِبْوَة أتْنَانٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ سِنه وتِنه وحِنته، وهم أسنانٌ وأتنانٌ إِذا كَانَ سِنُّهم وَاحِدًا.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّنُّ الصَّبيُّ الَّذِي يقْصعه الْمَرَض، يَشِبُّ، وَقد أَتَنَّه المرضُ، وَقَالَ أَبُو زيد: أتَنّه الْمَرَض إِذا قَصَعَه فَلم يلْحق بأتنانه أَي بأقرانه، قَالَ: والتِّنُّ الشَّخْصُ والمِثالُ.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّنِّينُ: ضربٌ من الحيّات من أعظمها وَرُبمَا بعث الله سَحَابَة فاحتملته، وَذَلِكَ فِيمَا يُقَال وَالله أعلم: أَن دَوَابَّ الْبَحْر تَشْكُو إِلَى الله تَعَالَى فيرفعه عَنْهَا، قلت: وَأَخْبرنِي شيخ من ثِقَاتِ الْغُزَاة أَنه كَانَ نازلاً على سيفِ بحْرِ الشَّام، فَنظر هُوَ وَجَمَاعَة أهل الْعَسْكَر إِلَى سَحَابَة انْقَسَمت فِي الْبَحْر ثمَّ ارْتَفَعت ونظرنا إِلَى ذَنَبِ التِّنِّين يضطرب فِي هَيْدب السحابة، وهبَّت بهَا الريحُ وَنحن نَنْظُر إِلَيْهَا إِلَى أَن غَابَتْ السّحابة عَن أبصارنا، وَجَاء فِي بعض الْأَخْبَار أَن السحابة تحمل التنين إِلَى بِلَاد يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَتطرحُه بهَا، وَإِنَّهُم يَجْتَمعُونَ على لَحْمه فيأكلونه.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّنِّين أَيْضا نَجْمٌ من نُجُوم السماءِ وَلَيْسَ بكوكب وَلكنه بياضٌ خَفِيٌّ يكون جَسَدُه فِي سِتَّة بروج من السماءِ وذَنَبُه دَقيقٌ أسود فِيهِ التواءٌ يكون فِي البرج السَّابع، وَهُوَ يَتنقّلُ كتنقل الْكَوَاكِب الْجَوَارِي، واسْمه بِالْفَارِسِيَّةِ هُشْتُنْبُر فِي حِسَاب النُّجُوم وَهُوَ من النحوس، ثَعْلَب

(14/180)


عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَنْتَنَ الرّجل: إِذا ترَكَ أصدقاءَهُ وصَاحبَ غَيرهم.
نت: أَبُو تُرَاب عَن عَرَّام: ظَلَّ لِبطنه نَتيتٌ ونَفيت بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: نَتْنَتَ الرجلُ إِذا تَقَذَّرَ بعد نَظافة.
نَتن: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال: نَتَنَ اللحمُ وَغَيره يَنْتِنُ وأَنْتَن يُنْتِنُ، فَمن قَالَ: نَتَنَ قَالَ مِنْتِنٌ، وَمن قَالَ: أَنتن قَالَ مُنْتِنٌ بِضَم الْمِيم، وَقَالَ غَيره: مِنْتِنٌ كَانَ فِي الأَصْل مِنْتِينٌ فحذفوا الْمَدّ، وَمثله مِنْخِرٌ أَصله مِنْخِيرٌ وَالْقِيَاس أَن يُقَال نَتَنَ فَهُوَ نَاتِنٌ فتركوا طَرِيق الْفَاعِل وبنَوْا مِنْهُ نعتاً على مِفعيل ثمَّ حذفوا الْمدَّة، وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: سيف كهام، ودانٌ ومُنْتنٌ أَي كليل، سيف كهيم مثله وكل مُنْتِنٌ مَذْمُوم.

(بَاب التَّاء والفَاء)
(ت ف)
تف، فت: (مستعملان) .
(تف) : قَالَ اللَّيْث: التُّفُّ: وَسَخُ الْأَظْفَار، والأُفُّ وَسَخُ الْأذن، قَالَ:
التَّتْفيفُ من التُّفِّ كالتأفيف من الأُفِّ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ قَوْلهم أُفٌّ وأُفَّةٌ وتُفٌّ وتفَّة، قَالَ الأصمعيّ: الأُفّ وَسَخ الأُذن، والتّفّ وسخ الْأَظْفَار، فَكَانَ ذَلِك يُقَال عِنْد الشيءِ يستقذر ثمَّ كثر حَتَّى صَارُوا يستعملونه عِنْد كل مَا يتأذوْن بِهِ، قَالَ: وَقَالَ غَيره: أُفّ لَهُ: مَعْنَاهُ قِلَّة لَهُ، وتُفٌّ اتِّبَاع مَأْخُوذ من الأَفف وَهُوَ الشيءُ الْقَلِيل؛ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: أَنه يُقَال: تَفْتفَ الرجلُ إِذا تَقَذَّرَ بعد تنَظفٍ.
فت: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفَتُّ والثَّتُّ: الشَّقُّ فِي الصَّخْرَة، وَهِي الفُنُوت والثُّتُوتُ، قَالَ وَيُقَال: فلَان يَفُتّ فِي عَضُدِ فلَان، وعَضُدُه أهلُ بَيته إِذا رَامَ إِضْرَارهُ بتخَوُّنه إيَّاهُم.
عَمْرو عَن أَبِيه: الفُتَّة الكُتْلَة من التَّمْر.
سَلمَة عَن الْفراء: أُولَئِكَ أهل بيتٍ فَتَ وفَتَ وفَتَ، إِذا كَانُوا مُنْتشرين غيرَ مُجْتَمعين.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: فَتْفَتَ الرَّاعِي إبِله إِذا ردَّها عَن المَاء وَلم يَقْصَعْ صوَّارَها وَهُوَ التَّفَهُّرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْفَتُّ أَن تأخذَ الشيءَ بأصبعك فتُصَيِّرهُ فتَاتاً أَي دُقاقاً، قَالَ: والفَتِتُ كلُّ شيءٍ مَفْتوتٍ إِلَّا أَنهم خصوا الخبزَ المفتوتَ بالفتيت قَالَ: والفَتِيتُ أَيْضا الشيءُ الَّذِي يَقع فَيَتَفَتَّت، قَالَ: والفُتَّة بَعْرة أَو رَوْثَة مَفْتوتة تُوضع تحتَ الزَّنْدَة.
قلت: وفُتاتُ العِهن وَالصُّوف مَا تساقط مِنْهُ، وَقَالَ زُهَيْر فِي شعر لَهُ:

(14/181)


كأَن فُتَاتَ العِهن فِي كلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّمِ
انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب التَّاء والبَاء)
(ت ب)
تب، بت: (مستعملان) .
(تب) : قَالَ اللَّيْث: التَّبُّ الخَسار؛ يُقَال: تَبّاً لفِلان على الدُّعاء، نُصِب لِأَنَّهُ مَصدرٌ مَحْمُول على فِعله؛ قَالَ: وتَبَّبْتُ فلَانا أَي قلتُ لَهُ: تَبّاً. قَالَ: والتَّبَابُ الهلاكُ؛ وَرجل تابٌّ ضَعِيف والجميع الإتْبابُ وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (هود: 101) قَالَ أهل التَّفْسِير: مَا زادوهم غير تخْسير؛ وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {} (المسد: 1) أَي خَسِرتْ، قَالَ: {السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى} (غَافِر: 37) أَي مَا كَيده إلاَّ فِي خُسران.
وَقَالَ أَبُو زيد: إِن من النِّسَاء التَّابَّةُ وَهِي الْكَبِيرَة، وَرجل تَابٌّ أَي كَبِير، وَقَالَ غَيره: حِمار تَابُّ الظَّهر إِذا دَبِرَ، وجَمَلٌ تابٌّ كَذَلِك، وَيُقَال: استَتَبَّ أمرُ فلَان إِذا اطَّردَ واستقام وتَبَيَّن؛ وأصلُ هَذَا من الطَّرِيق المسْتَتِبِّ، وَهُوَ الَّذِي خَدَّ فِيهِ السيارةُ خُدوداً وشَرَكاً فوضحَ واستبانَ لمن سَلَكه، كأَنَّهُ ثُبِّتَ بِكَثْرَة الْوَطْء وقُشِرَ وجهُه فَصَارَ مَلْحُوناً بَيِّناً من جمَاعَة مَا حَوَالَيْه من الْأَرْضين، فَشُبِّه الأمرُ الواضحُ البيِّن المستقيمُ بِهِ، وَأنْشد المازنيُّ فِي المَعانِي:
ومَطِيَّةٍ مَلَثَ الظَّلام بَعَثْتُه
يَشكو الكلالَ إليَّ دامَى الأَظْلَلِ
أَوْدَى السُّرَى بِقَتَالِه ومراحه
شهْراً نواصِيَ مُسْتَتِبٍ مُعْمَلِ
نصب نواصِيَ لِأَنَّهُ جعله ظرفا، أَرَادَ فِي نواصِي طريقٍ مُسْتَتِبَ.
نَهْجٍ كَأَنْ حُرُثَ النَّبِيطِ عَلَوْنَهُ
ضَاحِي المَوَارِدِ كالحَصِيرِ المُرْمَلِ
شبه مَا فِي هَذَا الطَّرِيق المستتبّ من الشَّرَكِ والطُّرُقاتِ بآثار السِّن، وَهُوَ الْحَدِيد الَّذِي يُحرَثُ بِهِ الأرضُ، وَقَالَ آخر فِي مثله:
أَنْضَيْتُها مِن ضُحاها أَوْ عَشِيَّتِها
فِي مُسْتَتِبَ يَشُقّ البِيدَ والأكُما
أَي فِي طَرِيق ذِي خُدودٍ أَي شُقوقٍ مَوْطوءٍ بَيِّن، والتَّبِّيُّ ضربٌ من تمر الْبَحْرين رديءٌ يَأْكُلهُ سُقَّاطُ النَّاس.
وَقَالَ الْجَعْدِي:
وأَعْظَمَ بَطْناً تَحْتَ دِرْعٍ تَخَالُه
إِذا حُشِيَ التَّبِّيَّ زِقّاً مُقَيَّراً
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَبَّ إِذا قَطَع وتَبَّ إِذا خسر، وَمن أمثالهم: مَلَك عبدٌ عبدا فأَوْلاه تَبّاً، يَقول: لم يكن لَهُ مِلكٌ فَلَمَّا ملك هَانَ عَلَيْهِ مَا مَلك، وتَبْتَبَ إِذا

(14/182)


شاخَ.
بت: قَالَ اللَّيْث: البَتُّ ضَربٌ من الطَّيالسة يُسمى السَّاجَ مُربَّع غليظ لونُه أَخضر، والجميع البُتُوتُ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: البَتُّ ثوبٌ من صوف غليظ شِبْهُ الطَّيْلَسان وَجمعه بُتوت.
وَفِي الحَدِيث: أدركتُ الناسَ وَمَا بالكُوفَةِ أحدٌ يَلْبَسُ طَيْلَساناً إِلَّا شَهْرَ بنَ حَوْشَبَ، مَا النَّاسُ إِلَّا فِي البُتُوت.
قَالَ عَليّ بن خَشْرم: وسمعتَ وكِيعاً يَقُول: لَا يكون البَتُّ إِلَّا مِن وَبَرِ الْإِبِل وَأنْشد:
من كَانَ ذَا بَتَ فَهَذَا بَتِّي
مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي
وَهَذَا الرجز يَدُل على أَن القَوْلَ فِي البَتِّ مَا قَالَه الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ اللَّيْث: البَتُّ القَطْع المستَأْصِلُ يُقَال: بَتَتْتُ الحبلَ فانْبَتَّ، وَيُقَال: أعطيتُه هَذِه الْقطعَة بَتّاً بَتْلاً، والبَتَّةُ اشتقاقُها من الْقطع غير أَنه يُسْتَعملُ فِي أَمر يمْضِي لَا رَجْعَة فِيهِ وَلَا التواء، وأَبَتَّ فُلانٌ طلاقَ امْرَأَته أَي طلَّقها باتاً، والمجاوز مِنْهُ الإِبْتاتُ قلت: وَهَمَ اللَّيث فِي الإبتات والبَت لِأَنَّهُ جعل الإبتاتَ مجاوزاً وَجعل البَتَّ لَازِما وَكِلَاهُمَا متعدَ.
يُقَال: بَتّ فلَان طَلَاق امْرَأَته بِغَيْر ألف وأَبَتَّهُ بِالْألف، وَقد طلَّقها البَتَّةَ، وَيُقَال: الطلقةُ الواحدةُ تَبُتَّ وتَبِت أَي تَقْطع عِصْمة النِّكاح إِذا انْقَضَتْ العِدَّةُ.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: سكرانُ باتٌ، وسكران مَا يَبُتُّ، وَمَا يَبِتُّ كلَاما، أَي مَا يُبَيِّنه، وصدقةٌ بَتَّةٌ بَتْلَةٌ إِذا قَطَعَها المتصدِّق بهَا مِن مَاله وأدَّاها.
وَكَانَ الأصمعيّ يَقُول: سكرانُ مَا يَبُتُّ أَي مَا يقطع أمرا وَكَانَ يُنكر يُبِتُّ.
وَقَالَ الْفراء: هما لُغتان، يُقَال: بَتَتُّ عَلَيْهِ القَضَاءَ وأَبْتَتْهُ عَلَيْهِ، أَي قَطَعْتُه عَلَيْهِ.
وَقَالَ الأصمعيّ: وَيُقَال: طَلقهَا ثَلَاثًا بتةً.
وَقَالَ اللَّيْث: أحمقُ بَاتٌ شديدُ الحُمْق.
قلت: وَالَّذِي حفظناه عَن الثِّقات أَحمَق تابٌ من التَّبابِ، وَهُوَ الخَسارُ كَمَا يُقَال: أحمقُ خَاسِرٌ دَابِرٌ دَامِرٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال انْقَطع فلَان عَن فلَان وانْبَتَّ حبلُه عَنهُ أَي انْقَطع وِصَالِه وانقبض وَأنْشد:
فَحَلّ فِي جُشَمٍ وانْبَتَّ مُنْقَبِضاً
بِحَبْله مِن ذَوِي العزّ الغطارِيفِ
وَفِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَتَبَ لحارثة بن قَطَنٍ وَمن بِدُومَةِ الجَنْدل مِن كَلْبٍ: إنَّ لَنا الضاحية من البَعْل وَلكم الضَّامِنة من النَّخْل، وَلَا يُؤْخَدُ مِنْكُم عُشْر البَتَاتِ يَعْنِي الْمَتَاع لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة مَال. قَالَ: والبَتَاتُ مَتَاع الْبَيْت.

(14/183)


وَقَالَ الْأَصْمَعِي: البَتَاتُ الزادُ، وَيُقَال: مَا لَهُ بتاتٌ أَي مَا لَهُ زَاد وَأنْشد:
ويَأْتِيكَ بالأَنْباءِ مَن لم تَبِعْ لَهُ
بتاتاً وَلم تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
وَهُوَ كَقَوْلِه:
ويأتيكَ بالأنْبَاءِ من لم تُزَوِّدِ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال: طحنتُ بالرَّحَى شَزْراً وَهُوَ الَّذِي يَذْهَب بالرحَى عَن يَمِينه، وبتًّا عَن يسَاره وأنشدنا:
ونَطْحَنُ بالرحى شَزْراً وبَتّاً
وَلَو نُعْطَى المغازِلَ مَا عَيِينَا
وَيُقَال للرجل إِذا انْقُطِع بِهِ فِي سَفَره وعَطِبتْ راحلتُه: صَار مُنبتاً، وَمِنْه قَول مطرف:
إنَّ المنْبَتَّ لَا أَرْضاً قَطَع وَلَا ظَهْراً أَبْقَى
وَقَالَ الْكسَائي: انْبَتَّ الرجلُ انْبِتاتاً إِذا انْقَطع ماءُ ظَهره، وَأنْشد:
لَقَدْ وَجَدْتُ رَثْيَةً من الكِبَرْ
عندَ القِيام وانْبِتَاتاً فِي السَّحَرْ
وَفِي الحَدِيث: (لَا صِيَام لمن لم يُبِتَّ الصَّوْم) ، مَعْنَاهُ لَا صِيَام لمن لم يَنْوِه قَبْل الْفجْر، فَيَقْطعْه من الْوَقْت الَّذِي لَا صومَ فِيهِ، وَأَصله من البَتِّ وَهُوَ القطعُ، ويقالَ: بَتَّ الحاكمُ القَضاء على فلَان إِذا قَطَعَه وفَصَلَه، وسُمِّيت النيةُ بَتّاً، لِأَنَّهَا تَفْصِل بَين الفِطر وَالصَّوْم وَبَين النَّفْل وَالْفَرْض.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سمعتُ الْخَلِيل بن أَحْمد يَقُول: الْأُمُور على ثَلَاثَة أنحاء، يَعْنِي على ثَلَاثَة أوجهٍ، شيءٌ يكونُ البَتَّةَ، وشيءٌ لَا يكون الْبَتَّة، وشيءٌ قد يكون وَقد لَا يكون، فَأَما مَا لَا يكون فَمَا مضى من الدَّهْر لَا يرجع، وَمَا يكون الْبَتَّة فالقيامة تقوم لَا محَالة، وأمّا شيءٌ قد يكون وَقد لَا يكون فمِثلُ قد يَمْرضُ وَقد يَصِحُّ.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب التَّاء وَالْمِيم)
(ت م)
تمّ، مت: (مستعملان) .
(تمّ) : قَالَ اللَّيْث: تَمَّ الشَّيْء يَتِمَّ تَماماً وتَمَّمَهُ الله تَتْمِيماً وتَتِمَّةً قَالَ: وتَتِمَّةُ كلِّ شَيْء مَا يكون تَمام غَايَته كَقَوْلِك: هَذِه الدَّرَاهِم تَمامُ هَذِه الْمِائَة، وتَتِمَّة هَذِه الْمِائَة، والتِّم الشيءُ التَّام يُقَال: جعلتُه لكِ تِمَّا أَي: بتمامهِ قَالَ: والتَّميمةُ قِلادة من سيور، وَرُبمَا جعلت العُوذَة الَّتِي تُعَلَّق فِي أَعْنَاق الصّبيان.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إنَّ التَّمائمَ والرُّقى والتِّوَلةَ من الشّرك.
قلت: التَّمائم واحدتها تميمةٌ وَهِي خَرَزَات كَانَت الْأَعْرَاب يُعلقونها على أَوْلَادهم يَتَّقون بهَا النَّفْس والعَيْن بزعمهم، وَهُوَ بَاطِل، وَإِيَّاهَا أَرَادَ أَبُو ذُؤَيْب الهذليّ بقوله:

(14/184)


وَإِذا المنيةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارها
أَلْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لَا تنفعُ
وَقَالَ آخر:
إِذا ماتَ لم تُفْلِحْ مُزَيْنَةُ بعدَه
فَتُوطى عَلَيْهِ يَا مُزينُ التَّمائما
وَجعلهَا ابْن مَسْعُود: من الشّرك لأَنهم جعلوها وَاقية من الْمَقَادِير وَالْمَوْت، فكأنهم جعلُوا لِلَّهِ شَرِيكا فِيمَا قَدَّر وَكتب من آجال الْعباد والأعراض الَّتِي تصيبهم، وَلَا دَافع لما قَضى، وَلَا شريك لَهُ عزّ وجلّ فِيمَا قدَّرَ، قلتُ: وَمن جَعل التمائم سيوراً فغَيْرُ مُصيبٍ، وَأما قَول الفرزدق:
وكيْفَ يضلُّ العنْبَرِيُّ ببلدةٍ
بهَا قُطِعَتْ عَنهُ سُيُورُ التَّمائم
فَإِنَّهُ أضَاف السيور إِلَى التمائم لِأَن التمائم خَرَزٌ يُثْقَبُ ويُجعل فِيهَا سيورٌ وخيوطٌ تُعلَّق بهَا، وَلم أرَ بَين الْأَعْرَاب خلافًا، أَنّ التميمة هِيَ الخرزةُ نفسُها، وعَلى هَذَا قَول الْأَئِمَّة، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
تمَّ إِذا كُسِرَ وتَمَّ إِذا بَلَّغَ
وَقَالَ رؤبة:
فِي بطْنِهِ غَاشيةٌ تُتَمّمُهُ
قَالَ شمر: الغاشيةُ وَرَمٌ فِي البَطنِ.
وَقَالَ تُتَمّمُهُ أَي تُهلكهُ وتُبَلِّغُهُ أَجَلَه.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا نَالَ مِنها نظرةً هِيضَ قَلْبُه
بهَا كانْهِياض المُعْنَتِ المُتَمِّمِ
يُقَال: ظلعَ فلانٌ ثُمَّ تَتَمَّمَ تَتَمُّمَا أَي تمَّ عَرَجُه كَسْراً من قَوْله تُمَّ إِذا كُسر.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمْتَمَةُ من الْكَلَام ألاَّ يُبَيِّن اللسانُ، يُخطىء مَوضع الحرفِ فيرجِع إِلَى لفظٍ كَأَنَّهُ التَّاء أَو الْمِيم وَإِن لم يكن بَيِّنا، وَرجل تَمتامٌ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن مُحَمَّد بن يزِيد أَنه قَالَ: التَّمْتَمَةُ التّردِيدُ فِي التَّاء والفأفأة الترديد فِي الْفَاء.
وَقَالَ أَبُو زيد: التّمتامُ هُوَ الَّذِي يَعْجَلُ فِي الْكَلَام وَلَا يكَاد يُفْهِمُك.
قَالَ: والفأفاءُ الَّذِي يَعْسرُ عَلَيْهِ خروجُ الْكَلَام.
وَقَالَ أَبُو عبيد: التَّمِيمُ الصُّلْب وأَنشد:
وصُلبِ تَمِيم يبهر اللِّبْد جَوْرُه

أَي يضيق مِنْهُ اللبد لتمامه. أَبُو عبيد: ولد فلَان لتَمامٍ، وتِمامٍ وليلُ التِّمام بِالْكَسْرِ لَا غير.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَيْداويّ عَن الرياشي قَالَ: نهارٌ نحْبٌ مِثْلُ ليلٍ تِمام أطول مَا يكون.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ليلُ التِّمام فِي الشتَاء أطولُ مَا يكون من اللَّيْل.

(14/185)


قَالَ: وَيطول ليلُ التِّمام حِين تَطلعُ فِيهِ النُّجُوم كلُّها، وَهِي ليلةُ ميلادِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَالنَّصَارَى تُعَظِّمُها وَتقوم فِيهَا.
وَحكى ثَابت بن أبي ثَابت عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَنه قَالَ: ليلُ تِمام إِذا كَانَ الليلُ ثَلَاث عشرَة سَاعَة إِلَى خمسَ عشرةَ سَاعَة.
وَقَالَ الليثُ: ليلُ التِّمام أطولُ ليلةٍ فِي السّنة.
وَيُقَال: هِيَ ثلاثُ ليالٍ لَا يُسْتَبان فِيهَا نُقْصانها مِن زيادتها.
قَالَ وَقَالَ بعضُهم: يُقَال: لِليلة أَربع عشرةَ، وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي يَتم فِيهَا القمرُ: ليلةُ التَّمام بِفَتْح التَّاء.
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم اللَّيلَةَ التِّمام فَيقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان، وَسورَة النِّسَاء وَلَا يمر بِآيَة إِلَّا دَعَا الله فِيهَا.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: ليلُ التِّمام فِي الشِّتاء أطولُ مَا يكون الليلُ، وَيكون لكل نجمٍ هَوِيٌّ من اللَّيْل يَطْلُع فِيهِ حَتَّى تَطْلُعَ كلهَا فِيهِ فَهَذَا ليل التِّمام.
وَيُقَال: سافرنا شهرَنا ليلَ التِّمام لَا نُعَرِّسُه.
وَهَذِه ليَالِي التِّمامِ أَي شهرا فِي ذَلِك الزَّمَان.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ليلُ التِّمام ستةُ أشهر، ثلاثةُ أشهر حِين تزيد على ثِنْتَيْ عشرةَ سَاعَة، وثلاثَةُ أشهر حِين ترْجع.
قَالَ: وَسمعت ابْن الأعرابيّ يَقُول: كلُّ ليلةٍ طَالَتْ عَلَيْك فَلم تَنمْ فَهِيَ ليلةُ التِّمامِ أَو هِيَ كليلةِ التِّمامِ.
وَيُقَال: ليلُ التِّمام وليلٌ تِمامِيٌ أَيْضا.
قَالَ الفرزدق:
تِماميّاً كأنَ شآمِياتٍ
رَجَجْنَ بجانِبَيْه مِن الغُؤُورِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يَعْنِي نَحْوهَا شآمية. ليلةُ السَّواءِ ليلةُ ثلاثَ عشرةَ، وفيهَا يَسْتَوِي الْقَمَر وَهِي ليلةُ التِّمام وليلةُ تَمامِ الْقَمَر هَذَا بِفَتْح التَّاء وَالْأول بِالْكَسْرِ.
وَقَالَ أَبُو خيرةَ: أَبى قَائِلهَا إلاَّ تُمَّا.
وَقَالَ: رئي الهلالُ لِتِمِّ الشَّهْر.
وَقَوله تَعَالَى: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَحْسَنَ} (الْأَنْعَام: 154) .
قَالَ الزّجاج:
يجوز أَنه يَعْنِي تَمامًا على المُحسن، أَرَادَ تَماماً من الله على الْمُحْسِنِينَ، وَيكون تَماماً على الَّذِي أَحْسَنَه مُوسى من طاعةِ الله واتِّباع أمره، ويجوزُ تَمَاماً على الَّذِي هُوَ أحسن الْأَشْيَاء، وتماماً مَنْصُوب مفعول بِهِ، وَكَذَلِكَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} (الْأَنْعَام: 115) أَي حَقّت وَوَجبت {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَىْءٍ} (الْأَنْعَام: 154) ،

(14/186)


الْمَعْنى آتيناه لهَذِهِ الْعلَّة أَي للتَّمام والتَّفْصِيلِ.
قَالَ: وَالقِراءة على الَّذِي أحسنَ بِفَتْح النُّون، وَيجوز أحسنُ، على إِضْمَار على الَّذِي هُوَ أحسنُ وأَجاز الْفراء: أَن تكون أحسنُ فِي مَوضِع خَفْضٍ وَأَن يكون مِن صفة الَّذِي، وَهُوَ خَطَأ عِنْد الْبَصرِيين لأَنهم لَا يَعْرِفُون الَّذي إلاَّ مَوْصُولَة، وَلَا تُوصَف إِلَّا بعد تَمام صِلتها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التِّمُ الناسُ وَجمعه تِمَمَة قَالَ: والتميمُ الطويلُ، والتَّمِيمُ العُوذُ واحدتها تَمِيمَة، قلت: أَرَادَ الخرزَ الَّتِي تُتَّخذُ عُوَذاً.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا فَازَ قَدْح الرجلِ مرّة بعد مرّة فأَطْعَمَ لحمَه المساكينَ، سمي مُتَمِّماً، وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
إِنِّي أُتَمِّم أَيْسارِي وأمْنَحُهُمْ
مَثْنى الأَيَادِي وأَكْسُو الجفْنَة الأُدُما
وَقَالَ غَيره: التَّمِيمُ فِي الأيسار أَن ينقص الأيْسَارُ فِي الْجَزُور، فَيَأْخُذ رجلٌ مَا بَقِي حَتَّى يُتَمِّمَ الأَنصباء، وَهُوَ قَول اللحياني.
وَقَالَ اللَّيْث: تَمَّمَ الرجُل إِذا صَار تَمِيمِيَّ الرَّأْي والهَوَى والمَحَلَّةِ قلت: وَقِيَاس مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب: تَتَمَّمَ بتاءين كَمَا يُقَال تَمَضَّر وتَنزَّر وَكَأَنَّهُم حذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ استثقالاً للْجمع بَينهمَا.
مت: قَالَ اللَّيْث: مَتّ اسْم أعجمي.
قَالَ: والمَتُّ كالمَدِّ إِلَّا أَن المَتَّ توصُّل بِقرَابَة ودَالَّةٍ يُمَتُّ بهَا. وَأنْشد فَقَالَ:
إنْ كُنْتَ فِي بكر يُمَتُّ خُؤولَةً
فَأَنا المُقاتِلُ فِي ذُرَى الأعْمامِ
قَالَ: ويُونُس بن مَتَّى نَبِيٌّ كَانَ أَبوهُ يُسمَّى مَتّى على فَعْلَى فُعلِ ذَلِك أَنهم لَمّا لم يكن لَهُم فِي كَلَامهم فِي آخر الِاسْم بعد فَتْحة على بناءِ مَتّى حملُوا الْيَاء على الفتحة الَّتِي قبلهَا فجعلوها ألفا كَمَا يَقولون: مِن غَنّيْتُ غَنّى وَمن تَفَنَّيْتُ تَفَنَّى، وَهِي بِلغة السريانية مَتّى.
وَأنْشد أَبُو حَاتِم قَول مُزَاحِمٍ العُقَبْلِي:
أَلَمْ تَسْأَلِ الأطْلاَلَ مَتّى عُهودُها
وَهل تَنْطِقَنْ بَيْدَاءُ قَفْرٌ صَعِيدُها
قَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن مَتَّى فِي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: لَا أَدْرِي.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثَقَّلَها كَمَا تُثَقّلُ ربّ وتُخَفَّفُ وَهِي مَتَى خَفِيفَةً فَثَقَّلَها.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَإِن كَانَ يريدُ مصدرَ مَتَتُّ مَتّاً أَي طَويلا أَو بَعيداً عهودُها بِالنَّاسِ فَلَا أَدْرِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَتْمَتَ الرجلُ إِذا تقرّب بمودَّة أَو قَرابة.

(14/187)


قَالَ: والمَتُّ مَدُّ الْحَبل وَغَيره، يُقَال: مَتَّ ومَطَّ ومَطَلَ ومَغَطَ وشَبَحَ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ النَّضر: مَتَتُّ إِلَيْهِ بِرَحمٍ أَي مَدَدت إِلَيْهِ وتَقَرَّبتُ إِلَيْهِ، قَالَ: وبَيْنَنَا رحم ماتَّة أَي قريبةٌ.

(14/188)