تهذيب اللغة أَبْوَاب الثلاثي المعتل من حرف الدَّال
(بَاب الدَّال وَالتَّاء)
د ت (وايء)
اسْتعْمل من وجوهه: وتد، تيد، تود، تؤدة.
وتد: يجمع الوَتِدُ أوتاداً. قَالَ الله جلّ وعزّ: {مِهَاداً
وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} (النبأ: 7) وَيُقَال: تِدِ الوَتِد يَا
واتِدُ والوَتِدُ مَوْتودٌ.
وَيُقَال للوَتِد: وَدٌّ كَأَنَّهُمْ أَرَادوا أَن يَقُولُوا: وَدِدٌ
فقَلبوا إِحْدَى الدالين تَاء لِقرب مخرجيهما وَفِيه لُغَتَانِ وَتِدٌ
ووتَد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَتدُ الْأذن هنَيَّةٌ ناشِزَةٌ فِي
مُقَدَّمِها. وَيُقَال: وَتِدٌ واتِدٌ: أَي رأسٌ مُنْتَصِبٌ. وَقَالَ
الراجز:
لاقَتْ على المَاء جُذَيلا واتِدَا
وَيُقَال: وَتَّد فلَان رِجْلَه فِي الأَرْض إِذا ثبَّتها. وَقَالَ
بشار:
وَلَقَد قلتُ حينَ وتَّدَ فِي الأر
ض ثَبِيرٌ أَرْبَى على ثَهْلانِ
(تود) تؤدة: وَأما التُّؤَدة بِمَعْنى التأنّي فِي الْأَمر فأصلها
وُؤَدة فقُلِبتْ الْوَاو تَاء وَمِنْه يُقَال: اتَّئِدْ يَا فَتى وَقد
اتَّأَدُ يتَّئدُ اتآداً، إِذا تَأَنَّى فِي الْأَمر.
(تيد) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: التَّيدُ: الرِّفق.
يُقَال: تَيْدَكَ يَا هَذَا أَي اتَّئِدِ. وَأما التَّوادِي فواحدتها
تَوْدِيةٌ وَهِي الخَشَبَاتُ الَّتِي تُشَدُّ على أَخْلاف النَّاقةِ
إِذا صُرَّتْ لِئَلَّا يَرْضَعها الفصيلُ، وَلم أسمع لَهَا بِفعل،
والخيوطُ الَّتِي تُصَرُّ بهَا هِيَ الأصِرَّة واحدُها صِرارٌ،
وَلَيْسَت التَّاء بأصلية فِي شَيْء من هَذِه الْحُرُوف.
(بَاب الدَّال والظاء)
د ظ (وايء)
أهمل اللَّيْث بن المظفر وجوهها.
(دأظ) : وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: دَأَظْهُ الوِعاءَ وكل
مَا ملأْتُه أَدْأظُهُ دَأَظْاً. وَأنْشد:
وقَدْ فَدى أَعْناقَهن المحضُ
والدَّأْظُ حَتَّى مَا لهنَّ غَرْض
وَقَالَ ابْن السّكيت وَأَبُو الْهَيْثَم: الدَّأظ السِّمَن والامتلاء
يَقُول: لَا يُنحَرْنَ نَفَاسَةً بهِنَّ لسمنهن وحُسْنهن.
قلت: وروى الْبَاهِلِيّ عَن الْأَصْمَعِي أَنه رَوَاهُ: والدَّأْض
حَتَّى لَا يكون غَرْض بالضاد قَالَ: وَهُوَ لَا يكون فِي جلودها
نُقصان، وَقَالَ أَيْضا يجوزَ فِي الْحَرْف الضَّاد والظاء مَعًا.
(14/105)
وَقَالَ أَبُو زيد: الغَرْض هُوَ مَوضِع
مَاءٍ تَرَكَتْه فَلم تجْعَل فِيهِ شَيْئا.
(بَاب الدَّال والذال)
د ذ (وايء)
اسْتعْمل من وجوهه.
ذود: قَالَ اللَّيْث: الذَّوْدُ لَا يكون إِلَّا إِنَاثًا، وَهُوَ
القَطيعُ من الْإِبِل مَا بَين الثّلاثِ إِلَى العَشْر.
قلت: وَنَحْو ذَلِك حفظتُه عَن الْعَرَب، وَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ مِمَّا دون خمس ذود من الْإِبِل صَدَقَة)
فأنَّثَها فِي قَوْله خمس ذود.
أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي زيد: الذود من الْإِبِل بعد الثَّلَاثَة إِلَى
الْعشْرَة.
شمِر قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الذَّوْد: مَا بَين الثِّنْتَيْنِ إِلَى
التِّسع من الْإِنَاث دون الذُّكُور، وَأنْشد:
ذَوْدُ صَفَايَا بَينَها وبَيْني
مَا بينَ تِسْعٍ وَإِلَى اثْنَتَيْن
يُفْنِينَنَا مِنْ عَيْلةٍ وديْن
قَالَ: وَقَوْلهمْ: الذود إِلَى الذود إبل يَدُل على أَنَّهَا فِي
مَوضِع اثْنَتَيْنِ لأَنَّ الثِّنْتَيْنِ إِلَى الثِّنْتَينِ جمْع.
قَالَ: والأذْوادُ جمع ذَوْدِ وَهي أَكثر من الذّوْدِ ثَلَاث مَرَّات.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قد جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
قَوْله: (لَيْسَ فِي أقل من خمْسِ ذَوْدٍ من الْإِبِل صدقةٌ) ،
النَّاقة الْوَاحِدَة ذوداً، ثمَّ قَالَ: والذود لَا يكون أقل من
ناقتين.
قَالَ: وَكَانَ حَدُّ خمسِ ذَوْدٍ عشرا من النوق، وَلَكِن هَذَا مِثْلُ
ثَلَاثَة فِئة يَعْنون بِهِ ثَلَاثَة، وَكَانَ حَدُّ ثلاثةِ فئةٍ أَن
يكون جمعا، لِأَن الفئة جمع.
قلت: هُوَ مِثْلُ قَوْلهم: رَأَيْت ثلاثةَ نَفَرٍ وتسعةَ رَهْط وَمَا
أشبهه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الذّوْد ثَلَاثَة أَبْعرة إِلَى خمسَ عَشْرَة.
قَالَ: وَالنَّاس يَقُولُونَ إِلَى الْعشْرَة وَيُقَال: ذُدتُ فلَانا
عَن كَذَا وَكَذَا أذْودُه إِذا طَرَدْتَه فَأَنا ذائد وَهُوَ مَذودٌ،
ومِذْوَد الثور قَرْنُه.
وَقَالَ زُهَيْر يذكر بقرة:
ويَذُبها عَنْهَا بأَسْحَم مِذْوَدِ
ومِذْوَدُ الرجلِ لِسانُه. وَقَالَ عنترة:
سَيأْتيكُم مِنِّي وإنْ كنتُ نائِياً
دُخانُ العَلنْدَى دُون بَيْتي ومِذوَدِي
قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ بمِذودِه لسانَه، وبَيْته شرَفَه.
ومَعْلَفُ الدَّابَّة مِذْوَدُه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَذَاد: والمرَادُ المرتَع.
وَأنْشد فَقَالَ:
لَا تَحْبِسَا الحَوْساءَ فِي المذَادِ
وَيُقَال: ذُدْتُ الإبلَ أَذودها ذوْداً إِذا طَردتَها، قَالَ:
والمذيدُ المُعين لَك على مَا تذود. وَهَذَا كَقَوْلِك: أطْلَبتُ الرجل
(14/106)
َ إِذا أعنتَه على طَلِبتِه وأحْلَبْتَه
أَعَنْتَه على حَلْب نَاقَته وَقَالَ الراجز:
ناديتُ فِي الْقَوْم أَلاَ مُذِيداً
(بَاب الدَّال والثاء)
د ث (وايء)
ديث، داث، ثدى، ثأد: (مستعملة) .
(دأث) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدِّئْثُ: الحِقْدُ
الَّذِي لَا يَنْحَلُّ وَكَذَلِكَ الدِّعْثُ.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: دَأَثْتُ الطَّعَام دَأْثاً إِذا أَكلته.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: والأدآث: الأثقال وَاحِدهَا دَأْث.
وَقَالَ رؤبة:
وإنْ فَشَتْ فِي قَوْمِكَ المشاعِثُ
من إصْر أدْآث لَهَا دَآئِث
بِوَزْن دَعَاعِث من دَعَثه إِذا أَثْقَلَه، والإصْرُ الثِّقل.
ديث: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدَّيُّوثُ
والدَّيْبُوثُ القَوَّادُ على أَهله، وَالَّذِي لَا يغار على أَهله
دَيُّوث، والتَّدْييثُ القِيادة، وجَمَلٌ مُدَيَّثٌ ومُنَوَّق إِذا
ذُلِّل حَتَّى ذَهَبَتْ صُعُوبته، وطَريق مُدَيَّث إِذا سُلِكَ حَتَّى
وضحَ واستبان.
ثدي: الثَّدْيُ ثَدْيُ الْمَرْأَة، وَامْرَأَة ثَدْياء ضخمة الثَّديين،
وأمَّا حَدِيث عَلِيَ فِي ذِي الثُّدَيَّة المقْتول بالنَهْرَوان،
فَإِن أَبَا عبيد حكى عَن الْفراء أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: ذُو
الثُّدَيَّة بِالْهَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَصْغِير ثَدْي، والثَّديُ
مُذكَّر لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا بَقيَّة ثَدْي، قد ذهب أَكْثَره
فَقلَّلها، كَمَا يُقَال: لُحَيْمَة وشُحَيْمَة فأَنَّثَ على هَذَا
التَّأْوِيل وَيُقَال: ثَدِيَ يَثْدَى إِذا ابْتَلَّ، وَقد ثَدَاه
يَثْدُوه ويَثْدِيه إِذا بَلَّه، وثَدَّاهُ إِذا غَدَّاهُ،
والثُّدَّاءُ نَبْتٌ فِي الْبَادِيَة. وَيُقَال لَهُ: المُصَاص
والمُصَّاخُ وعَلى أَصله قشور كَثِيرَة، تَتَّقِدُ بهَا النَّار
الْوَاحِدَة ثُدَّاءَةٌ.
قلت: وَيُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: بهراة دليزاد.
ثأد: أَبُو عُبيد: الثَّأَدُ النَّدَى نَفسه، والثَّئِيدُ الْمَكَان
النَّدِيُّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ الأصمعيّ: قيل لبَعض الْأَعْرَاب: أَصِبْ لنا
مَوْضعاً أَي اطلبه. فَقَالَ رائدهم: وجدت مَكَانا ثَئِداً مَئِداً.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الثَّأَدُ النَّدَى والقَذَر، والأمرُ
القبيحُ.
وَقَالَ غَيره: الأثْآدُ العُيوب، وَأَصله البَلَلُ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ زيد بن كُثْوَة: بَعَثوا رَائداً فجَاء
وَقَالَ: عُشْبٌ ثَأْدٌ مَأْدٌ كأنَّه أَسْوُقُ نِساءِ بني سَعْدٍ.
وَقَالَ رائد آخر: سَيْلٌ وبَقْلٌ وبُقَيل فوجدوا الآخر أعقلهما.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: الثَّأَدَاءُ والدَّأثاءُ الأمَة.
(14/107)
قَالَ أَبُو عبيد: وَلم أسمع أحدا يَقُول
هذَيْن بِالْفَتْح غير الْفراء، وَالْمَعْرُوف ثَأْدَاءُ ودَأْثَاءُ.
قَالَ الْكُمَيْت:
وَمَا كُنَّا بني ثَأْدَاءَ لمَّا
شَفَيْنَا بالأَسِنَّةِ كلُّ وَتْرِ
شمر عَن ابْن شُمَيْل: يُقَال للْمَرْأَة إِنَّهَا لَثَأْدَةُ الخَلْق
أَي كثيرةُ اللَّحم، وفيهَا ثَآدةٌ مِثال سَعَادَةٍ.
وَقَالَ ابْن زيد: مَا كنتُ فِيهَا ابْن ثأْداء أَي لم أكن عَاجِزا.
وَقَالَ غَيره: لم أكن بَخيلاً لَئيماً، وَهَذَا الْمَعْنى أرادَهُ
الَّذِي قَالَ لعمر بن الْخطاب عَام الرَّمادة: لقد انْكَشَفتْ وَمَا
كنتَ فِيهَا ابْن ثأداء، أَي لم تَكُنْ فِيهَا كَابْن الْأمة لئيماً،
فَقَالَ: ذَاك لَو كنتُ أنْفق عَلَيْهِم من مَال الْخطاب. انْتهى
وَالله أعلم.
(بَاب الدَّال وَالرَّاء مَعَ حرف الْعلَّة)
د ر (وايء)
دور، دير، درى، أدر، دَرأ، ردى، ورد، ودر، ردأ، رَود، ريد، رأد:
(مستعملة) .
(دور دير) : قَالَ اللَّيْث: الدَوَّارِيُّ: الدَّهر الدَّوَّارُ
بالإنسان.
قَالَ العجاج: والدهرُ بالإنسان دَوّارِيُّ.
وَيُقَال: دَارَ دَوْرَةً وَاحِدَة، وَهِي المرَّة الواحدةُ يَدُورها،
والدَّوْرُ قد يكون مَصدراً فِي الشّعْر، وَيكون دَوْراً وَاحِدًا من
دَوْرِ الْعِمَامَة. ودَوْرِ الخَيْل وَغَيره، عامٌ فِي الْأَشْيَاء
كلهَا، والدُّوَارُ أَن يَأْخُذ الإنسانَ فِي رَأسه كَهَيئَةِ
الدَّوَران، تَقول: دِيرَ بِهِ، والدَّوَار صَنَم كَانَت الْعَرَب
تنْصِبُه، يَجعلون موضعا حوله يَدورون بِهِ، وَاسم ذَلِك الصَّنَم
والموضع الدَّوَار، وَمِنْه قَول امْرُؤ الْقَيْس:
عَذَارَى دوَارٍ فِي مُلاء مُذَيَّلِ
وَيُقَال: دُوَارٌ، وَقد يثقّل فَيُقَال: دُوَّار.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {نَخْشَى أَن
تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} (الْمَائِدَة: 52) أَي دَوْلَة، والدَّوائِرُ
تَدور والدوائلُ تدول.
سَلمَة عَن الْفراء يُقَال: دَارٌ، وَدِيَارٌ، ودُورٌ. وَفِي الْجمع
الْقَلِيل أَدْوُر وأدْؤُر ودِيرانٌ. وَيُقَال: آدرُ على الْقلب.
وَيُقَال: دَيَرٌ ودِيَرةٌ، وأَدْيارٌ، ودِيْرانٌ، وَدَارَاتٌ
وَدِيرَةٌ، ودورٌ، ودُورانٌ، وأَدْوَارٌ، وَدِوَارٌ، وأَدْوِرَةٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدَّيْر الدارات فِي الرمل.
وَقَالَ اللَّيْث: الْمدَار مَفْعَلٌ يكون موضعا، وَيكون مَصدراً
كالدَّوَران، وَيجْعَل اسْما نَحْو مَدارِ الفَلك فِي مَداره. قَالَ:
والدائرة كالحلْقة أَو الشَّيْء المستدير، والدَّارةُ دارةُ الْقَمَر،
وكلُّ موضعُ يدارُ بِهِ شيءٌ يَحْجُرُه فاسمه دَارةٌ، نَحْو الدارات
الَّتِي تُتَّخَذ فِي
(14/108)
المباطح وَنحوها يَجْعَل فِيهَا الخْمرُ
وَأنْشد:
تَرى الإوَزِّينَ فِي أَكْنافِ دَارَتِها
فَوْضَى وبَيْنَ يَدَيْها التِّبْنُ مَنْثُورُ
وَقَالَ: ومَعنى الْبَيْت أَنه رأى حَصَّاداً أَلْقَى سُنْبُلَهُ بَين
يَدي تِلْكَ الإِوَزّ فَقَلَعت حَبّاً من سنابله فأكلتْ الحَبَّ
وافْتَحَصَتْ التِّبنَ.
قَالَ: وَأَمَّا الدَّار فاسم جامعٌ للعَرْصَة وَالبِناء والمَحلَّة،
وكلُّ مَوضِع حَلَّ بِهِ قوم فَهُوَ دَارهم. وَالدُّنْيَا دارُ الفناءِ
والآخرةُ دارُ القَرارِ، وَدَار السَّلَام الْجنَّة، وَقُلْنَا: ثَلَاث
أَدْؤُرٍ همزت لِأَن الْألف الَّتِي كَانَت فِي الدَّار صَارَت فِي
أفْعُل فِي مَوضِع تحرُّك قَالَ: فأُلقِيَ عَلَيْهَا الصَّرف، وَلم
تُردَّ إِلَى أَصلها، والدَّيْر دَيْرُ النَّصَارَى، وَصَاحبه الَّذِي
يَسْكُنه ويعمره دَيْرَانِيٌّ وَدَيَّار، وَيُقَال: مَا بِالدَّار
دَيَّارٌ، أَي مَا بهَا أحدٌ وَهُوَ فَيْعَال من دَارَ يَدُور،
وَمُدَاوَرَة الشؤون مُعالجتها، وَالدَّوَّارةُ مِن أدَوات النّقاش
والنَّجار لَهَا شُعْبتانِ فَتَنْضَمَّان وتَنْفَرِجَان لتقدير
الدَّارات.
الْأَصْمَعِي: الدَّارَةُ رملٌ مُسْتَدِير وَسطهَا فَجْوةٌ وَهِي
الدُّورَةُ.
وَقَالَ غَيره: هِيَ الدُّورَةَ والدَّوارَةُ والدَّيِّرةُ وَرُبمَا
قَعَدوا فِيهَا وَشَرِبُوا.
وَقَالَ ابْن مقبل:
بِتْنَا بدَيِّرة يَضيءُ وُجُوهَنا
دَسَمُ السَّلِيطِ على فتيل ذبال
وَيُقَال للدّارِ: دَارةٌ.
وَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى:
وآخرُ فوقَ دارتِه يُنادي
والمُدَاراتُ أُزُرٌ فِيهَا دَاراتُ وَشْيٍ.
وَقَالَ الراجز:
وذُو مُداراتٍ على خُصْرِ
والدَّارِيُّ العَطَّار. يُقَال: إِنَّه نُسب إِلَى دارِينَ. وَقَالَ
الجعديّ:
أُلْقِيَ فِيهَا فِلْجَانِ مِن مِسْكِ دا
رين وفِلْجٌ مِن فُلْفُلٍ ضَرِمِ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الدَّارِيُّ الَّذِي لَا يَبْرح وَلَا
يطْلب معاشاً. وَأنْشد:
لَيِّثْ قَلِيلا يُدْرك الدَّارِيُّون
ذَووُ الجِبَابِ البُدَّنُ المكْفِيُّون
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: دَوَّارةٌ وقَوَّارةٌ لكل مَا لم
يَتَحَرَّك وَلم يَدُرْ، فَإِذا تحرّك ودَارَ، فَهُوَ دُوَّارةٌ
ونُوارة، والدائِرةُ الَّتِي تَحت الْأنف يُقَال لَهَا دَوَّاةٌ
ودَائرةٌ ودِيَّرةٌ.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: دِيرَ بِالرجلِ وأُدير بِهِ.
من دُوار الرَّأْس، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: دوائر الْخَيل ثَمَانِي
عشرَة دَائِرَة.
يُكْرَهُ مِنْهَا الهقعَةُ وَهِي الَّتِي تكون فِي
(14/109)
عُرْض زَوْرِه، ودائرة القالِعِ هِيَ
الَّتِي تكون تَحت اللِّبْدِ، ودائرة النَّاخِس هِيَ الَّتِي تكون تَحت
الجاعِرتيْن إِلَى الفَائلَتَيْن، ودائرة اللَّطاةِ فِي وسط
الْجَبْهَة، وَلَيْسَت تُكْرَه إِذا كَانَت وَاحِدَة، فَإِن كَانَ
هُنَاكَ دائرتان، قَالُوا: فرس نطيحٌ وَهِي مَكْرُوهَة، وَمَا سوى
هَذِه الدَّوَائِر غير مَكْرُوهَة، ودائرة رَأس الْإِنْسَان، الشّعْر
الَّذِي يستدير على القرْن.
يُقَال: اقشعرَّت دائِرتُه، ودائرة الْحَافِر مَا أحَاط بِهِ من
الثُّنَن.
وَيُقَال: أدرتُ فلَانا على الْأَمر، وألْصَتُه عَلَيْهِ إِذا حاولَتَ
إلزامهُ إِيَّاه، وأَدَرْتُه عَن الْأَمر، إِذا طلبتَ مِنْهُ تَرْكَه،
وَمِنْه قَوْله:
يُديرُونني عَن سالمٍ وأُديرهم
وجِلْدَةُ بَين العَيْن والأنْفِ سالمُ
وَفِي الحَدِيث: (أَلا أُنبئكم بِخَير دورِ الْأَنْصَار: دُورِ بني
النجار، ثمَّ دورِ بني عبد الْأَشْهَل، وَفِي كل دور الْأَنْصَار
خَيْرٌ) ، والدُّور هَهُنَا قبائل اجْتمعت كلُّ قبيلةٍ فِي محلّةٍ،
فسميت المحلَّة دَارا. وَفِي حَدِيث آخر: (مَا بقيت دارٌ إِلَّا بُنِيَ
فِيهَا مسجِد) أَي مَا بقيت قَبيلَة.
أدر: قَالَ اللَّيْث: الأدَرَةُ والأَدَرُ مصدران، والأُدْرةُ اسْم
تِلْكَ المُنْتقخَة والآدَرُ نَعْتٌ، وَقد أَدِرَ يأْدَرُ فَهُوَ
آدَرُ.
دري: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: دَرَى يَدْرِي دَرْياً ودِرَايَةً
ودِرْياً.
وَيُقَال: أَتى فلانٌ الأمْرَ من غير دِرْيَةٍ، أَي من غير عِلم،
وَالْعرب رُبمَا حذفوا الياءَ من قَوْلهم: لَا أَدْرِ فِي مَوضِع لَا
أَدْرِي، يكتفون بالكسرة فِيهَا كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {) وَالْوَتْرِ
وَالَّيْلِ إِذَا} (الْفجْر: 4) وَالْأَصْل يَسْرِي.
ابْن السّكيت: دَرَيْتُ فُلاناً أَدْريه دَرْياً إِذا خَتَلْتَه
وَأنْشد:
فَإِن كنتِ قَدْ أَقْصَدْتني إذْ رَمَيْتِنِي
بسهمك فالرامي يصيدُ وَلَا يَدْرِي
أَي لَا يَخْتِلُ وَقد دَارَيتُه إِذا خَاتَلْتَه.
وَقَالَ الشَّاعِر:
فإنْ كنتُ لَا أَدْرِي الظِّبَاء فإنني
أَدُسُّ لَهَا تَحت التُّراب الدَّواهيا
وَقَالَ الراجز:
وَكَيْفَ تراني أَذَّرِي أَو أَدَّرِي
غِرَّاتِ جُمْلٍ وتَدَّرَى غِرَري
اذَّرَى افْتَعَل من ذَرْيتُ، وكأَنَّهُ بُذرِّي ترابَ المعدِن، ويختل
هَذِه الْمَرْأَة بِالنّظرِ إِلَيْهَا إِذا اغْتَرَّتْ أَي غَفَلتْ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الدَّرِيَّةُ، غير مَهْمُوز دَابَّة
يَسْتَتِرُ بهَا الَّذِي يَرْمي الصَّيْد ليصيدَه.
يُقَال: من الدَّرِيَّة أدَّرَيْتُ ودرَيْتُ.
قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدّرِيئَةُ مَهْمُوزَة
(14/110)
الْحلقَة الَّتِي يَتَعلم الرَّامِي
عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الدَرِيَّة البعيرُ يَسْتَتِرُ بِهِ من
الْوَحْش، يُختل حَتَّى إِذا أمكن رَمْيُه رَمَى.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: هِيَ مَهْمُوزَة لِأَنَّهَا تُدْرَأُ نَحْو
الصَّيْد، وَأنْشد قَول عَمْرو:
ظَلِلْتُ كأَني للرِّمَاحِ دَرِيئَةٌ
أُقاتِل عَن أَبناء جَرْم وفَرَّتِ
وأَنشد غَيره فِي همزه:
إِذا ادَّرَأُوا مِنْهُم بِقرْدٍ رَمَيْتُهُ
بِمُوهِيَةٍ تُوهِي عَظامَ الحوَاجِبِ
وَقَالَ أَبو زيد فِي كتاب الْهَمْز: دارَأْتُ الرجلَ مُدارَأَة إِذا
اتَّقَيْتَه.
وَفِي حَدِيث قيس بن السَّائِب قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَرِيكي فَكَانَ خير شريك، لَا يُدَارِىءُ وَلَا
يُماري.
قَالَ أَبو عبيد: المدارأَةُ: هَهُنَا مَهْمُوزَة من دَارأْتُ، وَهِي
المشاغبةُ والمخالفةُ على صَاحبك، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ:
{فَادَارَأْتُمْ فِيهَا} يَعْنِي اخْتلَافهمْ فِي الْقَتِيل، وَمن
ذَلِك حَدِيث الشَّعبي فِي المختَلعة إِذا كَانَ الدَّرْءُ من قبلهَا
فَلَا بَأْس أَن يَأْخُذ مِنْهَا يَعْنِي بالدَّرْءِ النشوزَ والاعوجاج
وَالِاخْتِلَاف، وكل من دَفعته عَنْك فقد درأته.
وَقَالَ أَبُو زيد: كَانَ عَنِّي يَرُد درْؤُك بعد الله شَغْبَ
المسْتَصْعِبِ المِرِّيدِ، يَعْني كَانَ دَفْعُكَ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَأما المداراة فِي حُسن الخُلق والمعاشرة مَعَ
النَّاس فَلَيْسَ من هَذَا غير مَهْمُوز وَذَاكَ مَهْمُوز.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَحْمَر: المداراةُ من حُسن الْخلق
مهموزاً وَغير مَهْمُوز، قلت: مَن هَمَزه فَمَعْنَاه الاتّقاء لِشرِّه
كَمَا قَالَ أَبُو زيد: دارأت الرجل إِذا اتَّقَيْتَهُ، وَمن لم يهمزه
جَعَله من دَرَيْتُ بِمَعْنى خَتَلْتُ.
(دَرأ) : وَقَالَ أَبُو زيد: درأْتُ عَنهُ الحدَّ وَغَيره أَدرؤه درْأ
إِذا أخّرْتَه عَنهُ. قلت: وأَدرأتِ الناقةُ بِضَرْعها إِذا أَنزلتْ
اللبنَ فَهِيَ مُدْرِىءٌ إدراء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدَّارِىءُ العدُوُّ المبادِىء
والدَّارِيُّ القَريبُ.
يُقَال: نَحن فُقَراء دُرآءُ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: دَرَأْتُه عنّي أَدْرَؤه دَرْأً إِذا دَفَعْتَه
وَمِنْه قَوْله: (إدْرَأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ) .
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا
فَادَارَأْتُمْ فِيهَا} (الْبَقَرَة: 72) .
معنى فادَّارَأْتم فتدارأْتم أَي تَدافعتم أَي أَلقَى بعضُكم على بعض.
يُقَال: دَرَأْتُ فلَانا، أَي دافعتُه، ودَارَيْتُه أَي لايَنْتُه.
وَقَالَ ابْن السّكيت يُقَال: اندرأَت عَلَيْهِ
(14/111)
اندراء، والعامة تَقول: اندريت.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّرْءُ بِالْفَتْح: العَوَج فِي العَصا والقَناةِ
وَفِي كل شَيْء يَصْعُبُ إِقَامَته وأَنشد:
إنَّ قناتي مِن صَلِيبَاتِ القَنَا
على العُدَاةِ أَن يُقيموا دَرْأَنَا
وَطَرِيق ذُو دُرُوءٍ، إِذا كَانَ فِيهِ كُسورٌ وحَدَب وَنَحْو ذَلِك.
وَيُقَال: إِن فلَانا لذُو تُدْرَاءٍ فِي الْحَرْب، أَي ذُو سَعَة
وَقُوَّة على أَعدائه، وَهَذَا اسمٌ وُضِع للدَّفع، وَيُقَال: دَرَأَ
علينا فلَان دُرُوءاً إِذا خرج مُفاجأة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ} (النُّور: 35)
عَن عَاصِم أَنه قَرَأَهَا (دُرِّيءٌ) بِضَم الدَّال والهمزة،
وَأنْكرهُ النحويون أَجْمَعُونَ، وَقَالُوا: دِرِّيءٌ بالكسرة والهمز
جَيِّد على بِنَاء فِعِّيلٍ، يكون من الدَّرارِيء، الَّتِي تَدْرَأُ
أَي تَنْحَطُّ وَتسيرُ.
وَقَالَ الْفراء: الدِّرِّيء من الْكَوَاكِب النَّاصِعةُ من قَوْلك:
دَرَأَ الكوكبُ كَأَنَّهُ رُجِمَ من الشَّيْطَان فَدَفَعه.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: دَرَأَ فلَان أَي هَجَم، قَالَ:
والدِّرِّيءُ الكوكبُ المنْقضُّ يُدْرَأُ على الشَّيْطَان، وَأنْشد
لأَوْسِ بن حُجْر يصف ثوراً وَحْشيّاً:
فانْقَضَّ كالدِّرِّيءِ يَتْبَعُهُ
نَقع يَثوبُ تَخَالَهُ طُنُباً
قَالَ وَقَوله: تخاله طُنُباً: يُرِيد تخالُه فُسطاطاً مَضْرُوبا.
يُقَال: دَرَأتِ النارُ إِذا أضاءتْ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن خَالِد بن يزِيد: قَالَ: وَيُقَال: دَرَأَ
علينا فلَان وَطَرَأَ إِذا طلعَ فَجْأَةً ودَرَأَ الكوكبُ دُرؤاً، من
ذَلِك، قَالَ وَقَالَ نُصَيْرُ الرَّازِيّ: دُرُء الكوكبِ طُلُوعُه،
يُقَال: دَرَأَ علينا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: جَاءَنَا السيلُ دَرْءاً وَهُوَ الَّذِي
يدْرَأ عَلَيْك من مَكَان لَا يُعْلَم بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس: جَاءَ السَّيْل دَرْءاً
وظَهْراً، ودَرَأَ فلانٌ علينا، وطَرَأَ: إِذا طلع من حَيْثُ لَا
تَدْرِي.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: إِذا كَانَ مَعَ الغُدَّةِ وَهِي
طاعون الْإِبِل وَرَمٌ فِي ضَرْعها فَهُوَ دَارِىءٌ وَقد دَرَأَ
البعيرُ يَدْرَأُ دروءاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ فِي الدَّارِىء مثله، شمر عَن ابْن
الأعرابيّ: إِذا دَرأ الْبَعِير من غُدَّتِه رَجَوْا أَن يَسْلَم،
قَالَ: ودَرَأَ إِذا وَرِمَ نَحْرُه.
وَقَالَ غَيره: بعيرٌ دارىء وناقة دَارِىء مثله.
وَقَالَ ابْن السكّيت: ناقةٌ دارِىءٌ إِذا أخذتْها الغُدَّةُ فِي
مَراقها واستبان حَجْمُها وَيُسمى الحَجْمُ دَرْءاً وحجمها نُتوؤها،
والمَرَاقُ بتَخْفِيف الْقَاف مَجْرَى الماءِ من حَلْقها،
(14/112)
وَأنْشد غَيره:
يَا أَيهَا الدَّارِىءُ كالمنْكُوفِ
والمتشكِّي مَغْلَةَ المجحوفِ
والمنْكوف الَّذِي يَشْتكي نَكفَتَه، وَهِي أصلُ اللِّهْزِمَةِ
وَيُقَال: دَرَأْت لَهُ وَسَادَةً إِذا بَسَطْتَها لَهُ، ودرأتُ
وَضِينَ الْبَعِير إِذا بسطته على الأَرْض ثمَّ تركته عَلَيْهِ لتشده
بِهِ وَقد دَرَأت فلَانا الْوَضِين على الْبَعِير وداريته، وَمِنْه
قَول المثَقَّب العَبدِي:
تَقولُ إِذا دَرَأتُ لَهَا وَضِيني
أَهَذا دِينُه أبدا ودِيني
وَيُقَال: اللهُم إِنِّي أدْرَأُ بك فِي نَحْر عَدُوِّي لِتَكْفِيَني
شرَّه، وَقَالَ اللَّيْث: المِدْرَاةُ حَدِيدة يُحَكُّ بهَا الرأسُ،
يُقَال لَهَا: سَرخَارَه.
وَيُقَال: مِدْرًى بِغَيْر هاءٍ ويُشَبَّه بِهِ قَرْنُ الثور وَمِنْه
قَول النَّابِغَة:
شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَها
طَعْنَ المُبَيْطِرِ إذْ يَشْفي من العَضَدِ
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه كَانَ فِي يَده
مِدْرًى يَحُك بِهِ رأْسَه فَنظرَ إِلَيْهِ رجلٌ من شَقِّ بابِه
فَقَالَ لَهُ: لَو علمتُ أَنَّك تنظرُ لَطَعَنْتُ فِي عَيْنك) ، وَجمع
المِدْرَى مَدَارَى، وَرُبمَا قَالُوا لِلْمِدْراة مَدْريةٌ وَهِي
الَّتِي حُدِّدتْ حَتَّى صَارَت مِدْرَاةً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحَرَّانيَّ أَنه أنْشدهُ:
وَلَا صُوَار مُدَرَّاة مناسِجُها
مِثْلُ الفريدِ الَّذِي يَجْري من النَّظْم
قَالَ: وَقَوله: مُدرَّاةٌ كَأَنَّهَا هُيِّئَتْ المِدرَى من طُول
شَعرها قَالَ: والفَريدُ جمع الفريدة، وَهِي شَذْرة مِن فِضة
كَاللُّؤْلُؤِ، شَبَّه بياضَ أجسادِها بهَا كَأَنَّهَا الْفضة.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الدَّارىءُ العَدوُ المُبادِي الْقَرِيب
وَنحن فُقَرَاء دُرآءُ.
(رَود ريد رأد) : قَالَ اللَّيْث: الرَّوْد مصدرُ فِعل الرائِد،
يُقَال: بَعَثْنا رائداً يَرُود لنا الْكلأ والمنزلَ ويرتاده،
وَالْمعْنَى وَاحِد، أَي ينْظُرُ ويَطْلُبُ ويختار أفضلَه.
قَالَ: وَجَاء فِي الشّعْر: بعثوا رادَهم أَي رائدهم، وَمن أَمثالهم:
الرائدُ لَا يَكْذِبُ أهلَه، يُضربُ مَثَلاً لِلَّذي لَا يَكْذِب إِذا
حَدَّث.
وَيُقَال: رَادَ أَهله يَرُودهم مَرْعًى أَو منزلا رِياداً، وارْتادَ
لَهُمْ ارْتياداً.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَبُولَ فَلْيَرتَدْ لبوله)
أَي يرتاد مَكَانا دَمِثاً لَيِّناً مُنحَدِراً لِئلا يَرْتَدَّ
عَلَيْهِ بَوْله.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الرَّائد العُود الَّذِي يَقْبِض عَلَيْهِ
الطَّاحِن.
قَالَ اللَّيْث: والرائد الَّذِي لَا منزل لَهُ، والرِّيدةُ اسْم
يُوضَعُ مَوضع الارْتِياد والإرادة.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الرَّيدَانةُ: الريحُ
(14/113)
الطَّيِّبَةُ.
وَقَالَ غَيره: ريح رَيْدةٌ لَيِّنة الهبوب وَأنْشد:
جَرَتْ عَلَيْهَا كُلُّ ريح رَيْدَةٍ
وَأنْشد اللَّيْث:
إِذا رِيدَةٌ مِن حيثُ مَا نَفَحَتْ لَهُ
أتاهُ بِريَّاها خَلِيلٌ يُوَاصِلُه
قَالَ وَيُقَال: ريح رُود أَيْضاً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرَّادَةُ من النِّسَاء غير مَهْمُوز الَّتِي
ترود وتَطُوف، وَقد رَادت ترود رَوَدَاناً، قَالَ: والرَّأدة
بِالْهَمْزَةِ والرُّؤُودَةُ على وزن فُعُولة كل هَذَا السرِيعةُ
الشَّبَاب فِي حسن غِذَاء، وَقَالَ غَيره: تَرأَدَتِ الجاريةُ تَرَؤداً
وَهُوَ تَثَنِّيها من النَّعْمة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
الرَّأْدُ: رَأْدُ اللَّحْيِ وَهُوَ أَصله النَّاتِىءُ تَحت الْأذن
وَالْجمع أرْآد، وَالْمَرْأَة الرُّؤْدُ وَهِي الشَّابَّة الْحَسَنَة
الشَّبَاب، وتُجمع أرآدٌ أَيْضا، وَامْرَأَة رَادَةٌ فِي معنى رُؤْدٌ،
وَقد تَرَأَّدَ إِذا تَفَيَّأ وتثنَّى، قَالَ: وَرَادَتْ الريحُ تَرودُ
رَوَداناً إِذا تحركتْ وجالتْ وَنَسَمتْ تَنْسِمُ نَسَماناً إِذا
تحركتْ تحرُّكاً خَفِيفا.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الرَّيْدُ حَرْفٌ من حُرُوف
الجَبَل وَجمعه رُيُود.
قَالَ: والرِّئْدُ التِّرب يُقَال: هُوَ رِئْدها أَي تِرْبها والجميع
أرْآدٌ.
وَقَالَ كثير فَلم يُهْمِزْ:
وَقد درَّعوها وَهِي ذاتُ مُؤَصَّدٍ
مَجُوبٍ لَمَّا يَلْبَسِ الدِّرعُ رِيدُها
وَقَالَ أَبُو زيد: تَرَأَّدْتُ فِي قيامي تَرَؤُّداً، وَذَلِكَ إِذا
قُمتَ فأخذتك رِعْدةٌ فِي قيامك حَتَّى تَقومَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّأْدُ: رَأْدُ الضُّحى وَهُوَ ارتفاعها.
يُقَال: ترحَّلَ رأْدَ الضُّحَى وَتَرَأَّد كَذَلِك، وتَرَأَّدَتِ
الحَيَّةُ إِذا اهْتَزَّتْ فِي انْسيابها وَأنْشد:
كأَن زِمَامها أَيِمٌ شُجاع
تَرَأَّدَ فِي غُصونٍ مُغْطئلَّه
قَالَ: وَالْجَارِيَة الممشوقة تَرَأَّدُ فِي مِشْيَتِها، وَيُقَال
للغُصن الَّذِي نَبَتَ من سَنَته أَرْطَب مَا يكون وأَرْخصه: رُؤْدٌ،
والواحدة رُؤْدَةٌ، وسمِّيت الجاريةُ الشابةُ تَشْبِيها بِهِ، قَالَ:
والرِّيد بِلَا همزَة الْأَمر الَّذِي تريده وتزاولُه، والرّئْدُ
التِّرب مَهْمُوز.
أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: تكبيرُ رُوَيْدُ: رَوْدٌ وَأنْشد:
يَمْشِي وَلَا تَكْلِمُ البَطْحَاءَ مِشيتُه
كأَنه فاتر يَمْشِي عَلَى رُودِ
وأفادني الْمُنْذِرِيّ لسيبويه من كِتَابه فِي تَفْسِير قَوْلهم:
رُوَيْدَ الشّعْر يَغِبُّ قَالَ: سمعنَا من يَقُول: وَالله لَو أردتَ
الدَّرَاهِم لأعطيتك رُوَيْد مَا الشّعْر، يُرِيد أرْوِد
(14/114)
الشّعْر، كَقَوْل الْقَائِل: لَو أَرَدْت
الدَّرَاهِم لأعطيتك فَدعْ الشعرَ، فقد تبين أَن رُوَيْدَ فِي مَوضِع
الْفِعْل ومُتَصَرّفةٌ تَقول: رُوَيْدَ زَيْداً كَأَنَّمَا تَقول:
أَرْوِدْ زيدا وَأنْشد:
رُوَيْدَ عَلِيّاً جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمَّهم
إِلَيْنَا ولكنْ وُدُّهُم متمَايِنُ
وَتَكون رُوَيداً أَيْضا صفة لِقَوْلِك سَارُوا سيراً رويداً،
وَيَقُولُونَ أَيْضا: سَارُوا رُويداً فتحذف السّير وتجعله حَالا بِهِ،
وصف كَلَامه واجتزأ بِمَا فِي صدر حَدِيثه من قَوْلك: سَار عَن ذكر
السِّير، وَمن ذَلِك قَول الْعَرَب: ضَعه رويداً أَي وَضْعاً رويداً.
قَالَ: وَتَكون رُوَيداً للرجل يُعالج الشيءَ رُوَيداً إِنَّمَا يُرِيد
أَن تَقول عِلاجاً رويداً فَهَذَا على وَجه الْحَال إِلَّا أَنْ
يَظْهَر الموصوفُ بِهِ فَيكون على الْحَال وعَلى غير الْحَال.
قَالَ: وَاعْلَم أَن روَيداً يَلْحَقها الكافُ وَهِي فِي مَوضِع
افْعَلْ وَذَلِكَ قَوْلك: رُوَيدك زيدا، ورُويدكم زيدا، فَهَذِهِ
الْكَاف الَّتِي أُلْحِقت لِيَتَبَيَّنَ المخاطَبُ فِي رُوَيداً؛
إِنَّمَا أُلحقت المخصوصَ لِأَن رويداً قد يَقع للْوَاحِد والجميع
والمذكر وَالْأُنْثَى؛ فَإِنَّمَا أَدخل الْكَاف حَيْثُ خِيفَ التباسُ
مَن يُعْنَى مِمَّن لَا يُعْنَى؛ وَإِنَّمَا حُذِفتْ من الأول
اسْتغْنَاء بِعلم الْمُخَاطب، أنهُ لَا يَعْني غَيره؛ وَقد يُقَال:
رُوَيدك لمن لَا يخَاف أَن يلتبس بِمن سواهُ توكيداً، وَهَذَا
كَقَوْلِك: النَّجاءَك والوَحَاكَ، تكون هَذِه الْكَاف عَلَماً
لِلمأمورين والمنهيِّين.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أردْت برويداً الْوَعيد نصبتها بِلَا تَنْوِين
وَأنْشد:
رُوَيْدَ تُصاهِلْ بالعراق جِيادنا
كَأَنَّكَ بالضَّحاكِ قد قَامَ نادِبُه
وَإِذا أَردتَ برويدَ المُهلة والإروادَ فِي المَشْي فانصبْ ونَوِّنْ
تَقول: امشِ رُوَيداً. قَالَ: وَتقول الْعَرَب: أرْوِدْ فِي معنى
رويداً المنصوبة قَالَ: والإرادةُ أصلُها الْوَاو، أَلا ترى أَنَّك
تَقول: رَاوَدْتُه أَي أَردتُه على أَن يفعل كَذَا؛ وَتقول: رَاوَدَ
فلانٌ جاريتَه عَن نَفسهَا وراودَتْه هِيَ عَن نفسِه إِذا حاول كل
وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه الْوَطْء وَالْجِمَاع؛ وَمِنْه قَول الله
جلّ وعزّ: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} (يُوسُف: 30) فَجعل
الفِعل لَهَا، والرَّوائدُ من الدَّواب الَّتِي ترتع وَمِنْه قَول
الشَّاعِر:
كَأَنَّ رَوَائدَ المُهْراتِ مِنْها
وَيُقَال: رَادَ يَرود إِذا جاءَ وذَهب، وَلم يَطمئن، ورجلٌ رائد
الوِساد إِذا لم يَطْمَئن عَلَيْهِ، لِهَمَ أَقْلَقَه، وَبَات رائدَ
الوساد وَأنْشد:
تَقُولُ لَهُ لما رَأَتْ جَمْعَ رَحْلِه
أَهذا رئيسُ الْقَوْم رَادَ وِسَادُها
(14/115)
دَعَا عَلَيْهَا بألاَّ تَنام فَيَطْمئن
وِسادُها.
وَفِي الحَدِيث: (الحمَّى رَائِدُ الْمَوْت) أَي رَسولُ الْمَوْت
كالرَّائِدِ الَّذِي يُبْعث لِيرْتادَ مَنزِلاً.
ورد: قَالَ اللَّيْث: الوَرْدُ اسْم نَوْر.
يُقَال لَهُ: وَرَّدَت الشجرَةُ إِذا خَرجَ نَوْرُها.
قَالَ: والوَرْدُ من أَلْوان الدَّواب، لَونٌ يَضْرِبُ إِلَى الصُّفرة
الحَسَنة، وَالْأُنْثَى وَرْدَة وَقد وَرُد ورْدة، وَقيل أَيْضا:
ايرَادَّ يَوْرَادُّ على قِيَاس ادْهَامَّ، وَقَالَ الزّجاج فِي
قَوْله: {السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} (الرحمان: 37) أَي صارتْ كلون
الوَرْد؛ وَقيل: فَكَانَت وَرْدة كلون فَرَسٍ وَرْدةٍ، وَالكُميت:
الوَرد يَتَلون فِي الشتَاء فَيكون فِي الشتَاء لَوْنُه خِلافَ لونِه
فِي الصَّيف، وَأَرَادَ أَنها تتلون من الفَزَع الْأَكْبَر، كَمَا
تَتَلَوَّنُ الدِّهانُ المختلفةُ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْداً} (مَرْيَم: 86) يَعْنِي مُشاةً عِطاشاً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ:
الوِرْدُ وِرْدُ القومِ الماءَ والوِردُ: الماءُ الَّذِي يُورَد،
والوِرد: الإبلُ الواردةُ قَالَ رؤبة:
لَوْ دَقَّ وِرْدِي حوضَهُ لم يَنْدَهِ
وَقَالَ الآخر:
يَا عَمْرُو عَمْرَ الماءِ وِرْدٌ يَدْهَمُه
وَأنْشد قَول جرير:
لَا وِرْدَ للْقَوْم إِن لم يَعْرفوا بَرَدَى
إِذا تَكَشَّفَ عَن أعناقِها السَّدَفُ
بَردَى نهرُ دِمَشق.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الوِردُ يومُ الحمَّى وَقد وردتْهُ
الحمّى، فَهُوَ مَورودٌ، وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ
وَارِدُهَا} (مَرْيَم: 71) الْآيَة.
قَالَ الزّجاج: هَذِه آيةٌ كَثُر اخْتِلَاف الْمُفَسّرين فِيهَا؛
فَقَالَ جمَاعَة: إِن الْخلق جَمِيعًا يَرِدون النارَ فينجو المتّقِي،
ويُتْرَكُ الظَّالِم، وَكلهمْ يدخلُها، وَقَالَ بَعضهم: قد عَلِمنا
الوُرُودَ وَلم نعلم الصُّدُورَ، وَدَلِيل من قَالَ هَذَا قَوْله:
{ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
جِثِيّاً} (مَرْيَم: 72) ، وَقَالَ قوم: إِن الْخلق يَرِدونها فَتكون
على الْمُؤمن بَرْداً وَسلَامًا.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَالْحسن وقتادَةُ: إنّ ورُودَها لَيْسَ
دُخُولهَا وحُجَّتهُم فِي ذَلِك قويَّة جدا لِأَن الْعَرَب تَقول:
وَرَدْنا ماءَ كَذَا وَلم يدخلوه، قَالَ الله تَعَالَى: {سَوَآءَ
السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} (الْقَصَص: 23) ، وَيُقَال إِذا بلغتَ إِلَى
الْبَلَد وَلم تدخله: قد وردتَ بَلَدَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ أَبُو
إِسْحَاق: والحجةُ عِنْدِي فِي هَذَا مَا قَالَ الله جلّ وعزّ:
{للهإِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَائِكَ
عَنْهَا مُبْعَدُونَ} {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا}
(14/116)
(الْأَنْبِيَاء: 101، 102) فَهَذَا وَالله
أعلم دَلِيل على أَن أهل الْحسنى لَا يدْخلُونَ النَّار، وَفِي
اللُّغَة: وَرَدْتُ بَلَدَ كَذَا وماءَ كَذَا إِذا أشرفَ عَلَيْهِ
دخله، أَو لم يدْخلهُ قَالَ زُهَيْر:
فلمَّا وَرَدْن المَاء زُرْقاً جِمامُهُ
وَضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِر المُتَخَيِّم
الْمَعْنى لما بلغن المَاء أَقَمْنَ عَلَيْهِ، فالوُرودُ بِإِجْمَاع
لَيْسَ بدخولٍ، فَهَذِهِ الرِّوَايَات فِي هَذِه الْآيَة وَالله أعلم،
وَقَوله جلّ وعزّ: {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ}
(ق: 16) عِرْقٌ تَحت اللِّسَان، وَهُوَ فِي الَعضُد فَلِيقٌ، وَفِي
الذِّرَاع، الأكْحَلُ، وهما فِيما تَفَرَّق من ظَهْر الكَفِّ
الأَشَاجِعُ، وَفِي بطن الذِّرَاع الرَّواهِشُ، وَيُقَال: إِنَّهَا
أربعةُ عُروق فِي الرَّأْس، فَمِنْهَا اثْنَان يَنْحَدِران قُدام
الأُذنين، وَمِنْهَا الوريدان فِي العُنق، قَالَ أَبُو الْهَيْثَم:
الوَرِيدانِ بِجَنْبِ الوَدَجَيْن، والوَدَجَانِ عِرْقان غَلِيظان عَن
يمينِ ثُغْرَةِ النَّحر ويَسارِها، قَالَ: والوريدان يَنْبِضَان أبدا
من الْإِنْسَان، وكل عِرْق يَنْبِض فَهُوَ من الأوْرِدة الَّتِي فِيهَا
مَجْرى الحياةِ، والوَرِيدُ من الْعُرُوق مَا جرى فِيهِ النَّفَس وَلم
يَجرِ فِيهِ الدَّم، والجداول الَّتِي فِيهَا الدِّمَاء كالأكحل
والأبْجل والصَّافِن، وَهِي الْعُرُوق الَّتِي تُفْصَدُ، وَقَالَ
اللَّيْث: الوِرْدُ من أَسمَاء الحُمَّى والوِرْد وَقْتُ يومِ الوِرْدِ
بَيْنَ الظِّمْأَيْنِ، والمصدرُ الْوُرُود، والوِرْد اسمٌ مِنْ وَرْدَ
يَوْمِ الوِرد، وَمَا وَرَدَ من جمَاعَة الطير وَالْإِبِل، وَمَا كَانَ
فَهُوَ وِرْدٌ، تَقول: وَرَدَتْ الإبلُ وَالطير هَذَا المَاء وِرْداً
وَوَرَدَتْه أَوْرَاداً وَأنْشد:
كَأَوْرَادِ القطا سَهْلَ البِطاحِ
وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّصِيب من قِرَاءَة الْقُرْآن وِرْداً من هَذَا،
وَيُقَال: أَرْنَبَةٌ وَاردةٌ إِذا كَانَت مُقْبِلةً على السَّبَلَة،
وَقَالَ غَيره: فلَان وارِدُ الأَرْنَبَةِ إِذا كَانَ طويلَ الأنْفِ،
وكلُّ طويلٍ وَارِدٌ، وشَعَرٌ وارِدٌ، وطَويل وَالْأَصْل فِي ذَلِك:
أنّ الأنفَ إِذا طَال يصل إِلَى المَاء إِذا شَرِب بفيهِ لِطوله،
والشَّعَرُ من الْمَرْأَة يَرِدُ كَفَلها، وشجرة واردةُ الأغصان إِذا
تَدَلَّتْ أَغْصانُها، وَقَالَ الرَّاعِي يصف نخلا أَو كَرْماً
فَقَالَ:
تُلْفَي نَواطِيرَهُ فِي كلِّ مَرْقَبَةٍ
يَرْمُون عَن واردِ الأفنان مُنْهَصِر
أَي يرْمونَ الطيرَ عَنهُ، وَيُقَال: ورّدت المرأةُ خَدَّها إِذا
عالجتْه بِصِبْغ القطْنَةِ المصبُوغَةِ، وَقَالَ أَبُو سعيد يُقَال:
مَا لَك تَوَرَّدَنِي أَي تَقَدَّمُ عليّ، وَفِي قَول طرفَة:
كَسِيدِ الغَضَى نَبَّهْتَهُ المُتَوَرِّدِ
هُوَ المُتَقَدِّم على قِرْنه الَّذِي لَا يَدْفَعه شَيْء.
وعَشِيَّة وَرَدةٌ، إِذا احمر أُفُقُها عِند غرُوب الشَّمْس،
وَكَذَلِكَ عِنْد طُلُوع الشَّمْس،
(14/117)
وَذَلِكَ عَلامَة الجدْب.
أَبُو زيد: فِي العُنق الوريدان وهما عرقان بَين الْأَوْدَاج وَبَين
اللَّبَّتَيْن، وهما من الْبَعِير الوَدَجَان؛ وَفِيه الأَوْدَاجُ
وَهُوَ مَا أحَاط بالحُلْقُوم من العُروق.
قلت: وَالْقَوْل فِي الوريدين مَا قَالَ الْهَيْثَم، والموارد المناهل،
واحدهما مَوْرِدٌ، والموْرد الطريقُ إِلَى المَاء.
وَالورد مصدر وردْتُ مَوْرداً وَوَرْداً.
ودر: ابْن شُمَيْل تَقول: ورَّدتُ رَسُولي قِبَلَ بَلْخٍ إِذا
بَعَثْتَه؛ وسمعتُ غير وَاحِد من الْعَرَب، يَقُول للرجل إِذا تجهَّم
لَهُ ورَده رَداً قبيحاً: وَدِّرْ وجْهَك عني أَي نَحِّه وبَعِّدْه.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: تَهَوَّل فِي الْأَمر
وتَوَرَّط وتَوَدَّرَ بِمَعْنى مَال.
وَقَالَ أَبُو زيد: وَدَّرْتُ فلَانا تَوْديراً إِذا أَغْوَيتَه حَتَّى
يَتَكَلَّف مَا يَقع مِنْهُ فِي هَلَكَةٍ، وَقد يكون التودُّر فِي
الصدْق وَالْكذب، وَقيل: إِنَّمَا هُوَ إيرادك صاحبَك الهَلَكَةُ.
ردأ: ابْن شُمَيْل: رَدَأْتُ الْحَائِط أَرْدَؤُه إِذا دَعَمْتَه
بخشَبٍ أَو كَبْسٍ يَدْفَعُه أَن يَسْقَط.
وَقَالَ يُونُس: أردَأْتُ الْحَائِط بِهَذَا الْمَعْنى.
قَالَ: والأَرْداءُ الأعدالُ الثَّقيلةُ كل عِدْل مِنْهَا رِدْءٌ وَقد
اعْتَكَمْنَا أرداء لنا ثقالاً أَي أَعْدالاً.
وَفُلَان رِدْءٌ لِفلان أَي يَنْصُرُه ويشدُّ ظَهْرَه.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول: رَدَأْتُ فلَانا بِكَذَا أَو كَذَا أَي جعلته
قُوَّة لَهُ وعِماداً كالحائطِ تَرْدَؤُه بِرِدْءٍ من بِناءٍ تُلْزِقه
بِهِ.
وَتقول: أَرْدَأْتُ فلَانا أَي رَدأْتَهُ، وصرت لَهُ ردْءًا أَي
مُعيناً، الرَّدء المُعينُ وتَرَادأُوا أَي تَعاوَنوا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أردأت الرجلَ إِذا أعنتَه قَالَ الله جلّ وعزّ:
{مِنِّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ} (الْقَصَص: 34) وَقد أرديته أَي
أهلكته، قَالَ: وَهَذَا شَيْء رَدِيء بَيِّن الرَّداءة، وَلَا تقلْ
الرَّداوَةِ والرِّدءُ الْمعِين.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أَرْديتُ على الْخمسين أَي زِدْتُ
عَلَيْهَا، وَقَالَ أوْس بن حجر:
وأَسْمَرَ خَطِّياً كَانَ كُعُوبَهُ
نَوَى القَسْبِ قَد أَرْدَى ذِرَاعاً على العَشْرِ
وَقَالَ اللَّيْث: لُغَة للْعَرَب: أَرْدَأَ على الْخمسين إِذا زَاد،
قلتُ: لم أسمع الْهَمْز فِي أرْدى لغير اللَّيْث، وَهُوَ غلط مِنْهُ.
قَالَ اللَّيْث: رَدُأَ الشَّيءُ يَرْدُؤ رَداءَةً وَإِذا أصَاب
الإنسانُ شَيْئا رَديئاً فَهُوَ مُرْدِىءٌ وَكَذَلِكَ إِذا فعل شَيْئا
رَديئاً.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {قَالَ تَاللَّهِ إِن}
(الصافات: 56) مَعنا، لتُهْلِكُنِي وَقَوله: {لِلْعُسْرَى وَمَا
يُغْنِى}
(14/118)
(اللَّيْل: 11) قيل: إِذا ماتَ، وَقيل:
إِذا تَرَدَّى فِي النَّار من قَوْله جلّ وعزّ: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ
وَالنَّطِيحَةُ} (الْمَائِدَة: 3) وَهِي الَّتِي تَقَع مِن جبل أَو
تَطَيحُ فِي بِئْر أَو تسْقط من مَوضِع مُشْرِفٍ فتموت.
(ردي) : وَقَالَ اللَّيْث: التَّرَدِّي هُوَ التَّهَوُّرُ فِي
مَهْواةٍ.
وَقَالَ أَبُو زيد: رَدِيَ فِي القلِيب يَرْدَى وتَرَدَّى من الْجَبَل
تَرَدِّياً.
وَقَالَ غَيره: رَديْتُ فلَانا بِحجر أَرْديتُه رَدياً إِذا رَمَيْتَه
بِهِ.
وَقَالَ ابْن حِلِّزَة:
وَكَأن المَنُونَ تَرْدى بِنَا أَعْ
صَمَ يَنْجاب عَنهُ العَماءُ
والمِرْداةُ الحَجَر الَّذِي يُرْمَى بِهِ، وَجَمعهَا المرادِي وَمِنْه
قَوْلهم: عِنْد جُحْر كل ضبٍ مِرْداتُه.
يضْرَبُ مَثَلاً للشَّيْء العَتِيد لَيْسَ دونَه شيءٌ وَذَلِكَ أنَّ
الضبَّ ليسَ يَنْدَلُّ على جُحْرِهِ إِذا خرج مِنْهُ فَعَاد إِلَيْهِ
إِلَّا بحَجر يَجْعَلُه عَلامَة لجُحْرِهِ.
وَقَالَ الْفراء: الصَّخْرَةُ يُقَال لَهَا رَداةٌ وَجَمعهَا رَدَيَاتٌ
وَقَالَ ابْن مقبل:
وقَافِيةٍ مِثلِ حدِّ الرِّداةِ
لم تتْرك لمُجيبٍ مَقَالاَ
وَقَالَ طُفَيل:
رَداةٌ تَدَلَّتْ مِنْ صُخُور يَلمْلم
ويَلملمُ جَبَلٌ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا عَدَا الْفرس فَرَجَمَ الأَرْض
رَجْماً قيل: رَدِي يَرْدِي رَدْياً ورَدْياناً.
وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ التَّقْريب. قَالَ: والجَوارِي يَرْدين إِذا
رَفعْت إِحْدَاهُنَّ رجْلَها ومشتْ على رِجْلٍ تَلْعبُ، والغرابُ
يَرْدِي إِذا حَجَلَ.
وَقَالَ المنْتَجِع بن نَبْهان: الرديانُ عَدْوُ الْفرس بَين آرِيِّه
ومُتَنمَّعكِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: تسمى قَوَائِم الْإِبِل مَرادِيَ لِثَقلِهِا وشدةِ
وَطْأَتها، نَعْتٌ لَهَا خَاصَّة وَكَذَلِكَ مَرادي الْفِيل.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: راديت الرجل وداجَيتُه ودَاليْتُه
وفَانيتُه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ أَبُو عبيد. وَيُقَال: رَاودْتُه على الْأَمر وَرادَيْتُه.
وَقَالَ طفيل ينعَت فرسه:
يُرادَى على فَأْسِ اللِّجامِ كأَنَّما
يُرادَى بِهِ مِرْقاةُ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
يَعْنِي يُرَاوَدُ، ابْن السّكيت: فلَان غَمْرُ الرِّداءِ إِذا كَانَ
كثير الْمَعْرُوف واسِعَهُ وإنْ كَانَ رِداؤه صَغِيرا، وَقَالَ كثير:
غَمْرُ الرِّداءِ إِذا تَبَسَّمَ ضَاحكاً
غَلِقَتْ لِضحْكَتِه رِقابُ المَال
(14/119)
وَرُوِيَ عَن عَليّ أَنه قَالَ: من أَرَادَ
البَقَاء وَلَا بقاءَ فلْيُباكِرْ الغَداءَ وليخفِّف الرِّداء.
قَالُوا لَهُ: وَمَا تَخْفيف الرِّداء فِي البقَاءِ؟
فَقَالَ: قِلةُ الدّيْن.
قلت: ويُسَمَّى الدَّيْن رِداءً لِأَن الرِّداء يَقَعُ على
المَنكِبَيْن ومُجْتمع العُنُق والدَّيْن أَمانَةٌ، وَالْعرب تَقول فِي
ضمَان الدَّيْن: هَذَا لَك فِي عُنقِي ولازمُ رَقَبَتِي، فقيلَ
للدَّين: رِداءً لِأَنَّهُ لَزِم عُنُق الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ،
كالرِّداء الَّذِي يَلْزَمُ المَنكِبَيْن إِذا تُرُدِّيَ بِهِ، وَمِنْه
قيل للسيف: رِدَاءٌ لأنَّ مُتَقَلِّدَهُ بحمائِله مُتَردَ بِهِ.
وقالتْ خنساء ترثي أخاها:
ودَاهِيةٍ جَرَّها جَارمٌ
جَعَلْتَ رِدَاءك فِيهَا خِمَاراً
أَي عَلَوْتَ بِسيْفِك فِيهَا رقابَ أعدائك كالخمار الَّذِي
يَتَجَلَّلُ الرأْسَ.
وَيُقَال للوِشاحِ: رِدَاء، وَقد تَرَدَّتِ الْجَارِيَة إِذا
تَوَشَّحَتْ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وتَبْرُدُ بَرْدَ رِدَاء العرُو
سِ بالصَّيْفِ رَقْرَقَت فِيهِ العَبِيرَا
يَعْني بِهِ وِشَاحها المُخَلَّق بالخَلُوقِ، وَامْرَأَة هَيْفَاء
المُرَدَّى أَي ضَامِرة موضِعِ الوِشاحِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: أَبوك رِداؤك ودَارُك رِدَاؤك،
وكلُّ مَا زَيَّنَكَ فَهُوَ رِدَاؤك وَأنْشد:
رَفَعْتُ رِدَاء الجهلِ عَنِّي وَلم يكن
يُقَصِّرُ عَنِّي قَبْلَ ذَاك رِدَاءُ
ورِدَاءُ الشَّباب حُسْنُهُ وغَضَارتُه ونَعْمَتُه وَقَالَ رؤبة:
حَتَّى إِذا الدَّهرُ استَجَدَّ سِيما
مِن البِلى يَسْتَوْهِبُ الوَسِيما
رِداءَه والبِشْرَ والنعيما
يستوهبُ الدهرُ الوسيمَ أَي الوجْهَ الوَسيمَ رِدَاءَه، وَهُوَ
نَعْمَتُه، واستَجَدَّه سِيما أَي أَثراً من البِلى وَكَذَلِكَ قَول
طرفَة:
وَوَجْهٍ كأَنَّ الشمسَ حَلَّتْ رداءها
عَلَيْه ... ... ... ...
أَي أَلْقَتْ حُسْنَها ونُورها على هَذَا الْوَجْه، من التّحلِيَةِ
فَصَارَ نورها زِينَة لَهُ كالحَلْيِ؛ والرَّدَى الزِّيَادَة.
يُقَال: مَا بلغتْ رَدَى عَطائِك أَي زيادتُك فِي العَطِيّة،
ويُعجِبُني رَدَى قولِك، أَي زيادةُ قَوْلك، قَالَ كُثير فِي بَيت
لَهُ:
لهُ عَهْدُ وُدٍ لم يُكَدَّر يَزِينُه
رَدَى قولِ مَعْروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
أَي يَزِينُ عهدَ وُدِّه زيادةُ قولِ معروفٍ مِنْهُ؛ وَقَالَ آخر:
تَضَمَّنَها بَنَاتُ الفَحْلِ عَنهم
فَأَعْطَوْها وقَد بَلَغوا رَدَاها
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّدَى الْهَلَاك
(14/120)
والرَّدَى الْمُنكر الْمَكْرُوه.
ابْن شُمَيْل: المِرْدَاةُ الْحجر الَّذِي لَا يكادُ الرجل الضَّابِط
يَرْفَعُه بيدَيْهِ؛ يُرْدَى بِهِ الحَجرُ، والمكانُ الغليظُ
يَحْفِرونَ فَيَضْرِبُونه بِه فَيُلَيِّنُونَهُ ويُرْدَى بِهِ جُحْر
الضَّب إِذا كَانَ فِي قَلْعَةٍ فَيُليِّنُ القَلْعَة ويُهَدِّئها،
والرَّدْيُ إِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ بهَا ورَمْيٌ بِها.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.
(بَاب الدَّال وَاللَّام)
د ل (وايء)
دلا، دأل، لدي، ولد، لود، أدل، دوَل.
دلا: قَالَ اللَّيْث: الدَّلْوُ معروفةٌ، وَقد أَدْلَيْتُها أَي
أرسلتُها فِي الْبِئْر لأستَقِيَ بهَا؛ وَمِنْهُم من يَقُول: دَلَوْتها
وَأَنا أَدْلُوها وأَدْلُو بهَا والجميع الدِّلاّء، والعَدَدُ أَدْلٍ
ودُلِيٌ، وَيُقَال للدَّلْو دَلاةٌ، وَقَول الله جلّ وعزّ فِي قصَّة
يُوسُف: {فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يابُشْرَى} (يُوسُف: 19) يُقَال:
أدليت الدَّلْو إِذا أرسلتَها فِي الْبِئْر لتملأها أُدليها إدلاء،
قَالَ: ودلوتها أدلوها دلْواً إِذا أخرجتها وجذبتها من الْبِئْر ملأى.
قَالَ الراجز:
يَنْزَع من جَمَّاتها دَلْو الدَّالْ
أَي نَزْعَ النَّازِع.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: فِي قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {وَلاَ
تَأْكُلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ
إِلَى الْحُكَّامِ} (الْبَقَرَة: 188) قَالَ: معنى تُدْلُوا فِي
الأَصْل، من أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ، إِذا أرسلتَها لِتملأَها، قَالَ:
وَمعنى أَدْلَى فلانٌ بحجته إِذا أَرْسَلَها وأَتَى بهَا على صِحةٍ،
قَالَ: فَمَعْنَى قَوْله: تُدْلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام، أَي
تَعْمَلُونَ على مَا يُوجِبُهُ الإدلاء بِالْحجَّةِ وتَخُونُون فِي
الْأَمَانَة لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس بالإثم كَأَنَّهُ
قَالَ: تَعْمَلُونَ على مَا يُوجِبُه ظَاهر الحُكْمِ، وتتركون مَا قد
علمْتُم أنّه الحقُ.
وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ لَا تَأْكُلُوا أموالَكم بينَكم
بِالْبَاطِلِ وَلَا تُدْلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام، وإنْ شِئتَ جعلتَ
نصبَ وتُدْلُوا بهَا إِذا أَلْقَيْتَ مِنْهَا لَا على الصَّرْفِ،
وَالْمعْنَى لَا تصانعوا بأموالكم الْحُكَّام لِيَقْتطِعوا لكم حَقًا
لِغيركم، وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنه لَا يحلّ لكم.
قلت: وَهَذَا عِنْدِي أصحّ الْقَوْلَيْنِ لِأَن الْهَاء من قَوْله
وتدلوا بهَا للأموال، وَهِي على قَول الزجّاج للحجة، وَلَا ذكر لَهَا
فِي أول الْكَلَام، وَلَا فِي آخِره وَقَول الله جلّ وعزّ:
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} (الْأَعْرَاف: 22) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَي دلاهما فِي الْمعْصِيَة، بِأَن غَرَّهما،
وَقَالَ غَيره: فدلاهما فأطمعهما وَمِنْه قَول أَبُو جُنْدُب
الْهُذلِيّ:
أَحُصُّ فَلَا أُجِيرُ وَمَن أُجِرْهُ
فليسَ كَمَن يُدَلَّى بالغُرُورِ
(14/121)
أَحُصُّ أمنع، وَقيل: أَحُص أَقْطَعُ
ذَلِك، وَقَوله: كمن يُدَلَّى أَي يُطْمَع قلت: وأصلُه الرجلُ العطشانُ
يُدَلَّى فِي الْبِئْر لِيَرْوَى من مَائِهَا فَلَا يَجِد فِيهَا مَاء
فَيكون مُدَلَّى فِيهَا بالغُرُور فَوُضِعتْ التَّدْليةُ موضعَ
الإطْمَاعِ فِيمَا لَا يُجدِي نَفْعاً. وَفِيه قَول ثَالِث:
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} أَي جرَّأَهما إبليسُ على أكلِ الشجرةِ
بغُرَرِهِ وَالْأَصْل فِيهِ دَلَّلَهما. والدَّالُّ والدَّالَّةُ
الجُرْأَةُ، وَأما قَوْله: {الاَْعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}
(النَّجْم: 8) .
قَالَ الْفراء: ثمَّ دَنا جِبْرِيل من مُحَمَّد فَتَدلَّى كَأَن
الْمَعْنى ثمَّ تدلى فَدَنَا، وَهَذَا جَائِز إِذا كَانَ الْمَعْنى فِي
الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا.
وَقَالَ الزّجاج: معنى دنا فَتَدَلَّى وَاحِد، لِأَن الْمَعْنى أَنه
قَرُبَ فَتَدَلَّى أَي زادَ فِي القُرْب كَمَا تقولُ: قد دَنَا فلانٌ
مِنِّي وقَرُب.
وَفِي حَدِيث أمّ الْمُنْذر العَدَوية قَالَت: دخَل عليَّ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عليّ بن أبي طالبِ ناقهٌ قَالَت:
وَلنَا دَوالٍ مُعَلَّقة قَالَت: فقامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأَكل، وَقَامَ عليّ فأكلَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (مَهْلاً فَإنَّك نَاقِهٌ) فَجَلَسَ عليّ وَأكل مِنْهَا
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جَعَلْتُ لَهُم سِلْقاً
وشَعِيراً فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من هَذَا
أَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَك) ، والدَّوَالي: بُسْرٌ يُعلَّق فَإِذا
أَرطَبَ أُكِلَ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: دَلَوْتُ الْإِبِل دَلْواً إِذا سُقْتَها
سوْقاً رُوَيداً وَأنْشد غَيره:
لَا تَعْجَلا بالسَّيْرِ وَادْلُوَاهَا
لَبِئْسَما بُطْءٌ وَلَا نَرْعَاها
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء، وَقَالَ اللَّيْث: الدَّالِيَةُ شَيْء
يُتَّخذ من خوص وخَشَب يُسْتَقى بِهِ بحبال تُشَد فِي رَأس جِذْعٍ
طَوِيل، وَقَالَ: وَالْإِنْسَان يُدْلي شَيْئا فِي مَهْواةٍ ويتدلَّى
هُوَ نَفسه، وأدْلى فلانٌ بِحقِّه وحُجَّتِه، إِذا هُوَ احْتَج بهَا
وأحضرها، وأَدلَى بِمَال فلَان إِلَى الْحَاكِم: إِذا دَفعه إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: دَلِيَ إِذا سَاق، ودَلِيَ إِذا تَحَيَّر،
وَقَالَ: تدلَّى إِذا قَرُب بعد عُلُوَ، وتدلَّى تواضع، ودَالَيْتُه
أَي دَارَيْتُه.
لدي: قَالَ اللَّيْث: لَدَى مَعْنَاهَا مَعْنى عِنْد يُقال: رأيتُه
لَدَى بابِ الْأَمِير، وَجَاءَنِي أمرٌ من لَدَيك أَي مِن عِندك، وَقد
يَحْسُن من لَدُنْك بِهَذَا الْمَعْنى، وَيُقَال فِي الإغْرَاء:
لَدَيْكَ فلَانا كَقَوْلِك عَلَيْك فلَانا وَأنْشد:
لَدَيْك لَدَيْك ضَاقَ بِها ذِراعاً
ويروى إلَيْكَ إِلَيْكَ، على الإغْرَاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أَلْدَى فلَان إِذا كَثُرَتْ لِدَاتُه
وَقَوله جلّ وعزّ: {قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَىَّ} (ق: 23) يَقُوله
المَلك يَعْنِي مَا كُتِبَ من عَمَل العَبْد حاضرٌ عِنْدِي، وَقَالَ
تَدَلَّى فلانٌ علينا من أَرض كَذَا وَكَذَا: أَي
(14/122)
أَتَانَا يُقَال: من أَيْنَ تَدَلَّيْتَ
علينا؟ وَقَالَ أسامةُ الهُذَلي:
تَدَلَّى عَلَيْه وهْوَ زُرْقُ حَمَامَةٍ
لَهُ طِحْلِبٌ فِي مُنْتَهَى القَيْضِ هَامِدُ
وَقَالَ لبيد يصف فرسا:
فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْها قَافِلاً
وَعلى الأَرْض غَيَايَاتُ الطَّفَلْ
أَرَادَ أنَّه تَدَلَّى مِن مِرْبائه وهُو عَلى فَرسِه رَاكِبٌ. إِلَى
الحضيض وَهُوَ لَهَا أَمْتَن.
أدل: ابْن الْأَعرَابِي: الأدْلُ وَجَعُ الْعُنق من تَعَادى الوِسادِ.
ابْن السّكيت عَن الْفراء: هُوَ الإجْلِ والإدل لِوَجَع العُنُق،
والإدْلُ اللَّبَنُ الخائِرُ الحامِضُ من ألبان الْإِبِل.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الإعرابي: هُوَ الإدْل والإجْل لِوَجَع
الْعُنُق، يُقَال: بِي إِجْلٌ فَأَجِّلُوني هَكَذَا سمعتُه من
الْمُنْذِرِيّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَاءَنَا بإِدْلَةٍ مَا تُطاق حَمَضاً.
دأل: أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الدَّألانُ بالدَّال مَشْيُ
الَّذِي كَأَنَّهُ يَبْغِي فِي مِشْيتِه من النشاط يُقَال: دَأَلتُ
أَدْأَل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الدَّألانُ عَدْوٌ مقاربٌ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَأما الذالان بِالذَّالِ فَهُوَ مِنَ المشْيِ
الخفيفِ، وَبِه سمِّيَ الذِّئْبُ ذُؤالة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وقفُوا من أَمرهم فِي ذُوَلُولٍ أَي فِي شدَّة
وَأمر عَظِيم.
قلت: جَاءَ بِهِ غير مَهْمُوز، وَقَالَ أَبُو زيد فِي الْهَمْز:
دَأَلْتُ للشَّيْء أَدْأَلُ دَأَلاً ودَأَلاناً وَهُوَ مِشيةٌ شبيهةٌ
بالخَتْل، يُقَال: الذِّئبُ يَدأَلُ للغزال ليأكلَه، يَقُول لِيخْتِله.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: والمُدَاءَلَةُ بِوَزْن المَداعَلَة الخَتْلُ،
وَقد دَأَلْتُ لَهُ ودَأَلْتُه، وَقد تكون فِي سرعَة الْمَشْي.
ابْن السّكيت: هُوَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي مَفْتُوحَة الْوَاو
مَهْمُوز وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الدُّئِل من كِنَانةَ والدُّولُ فِي
حَنِيفَةَ يُنْسَبُ إِلَيْهِم الدُّولِيُّ قَالَ والدِّيل: فِي عبْد
الْقَيْس يُنْسَبُ إِلَيْهِم الدِّيلِيُّ، قَالَ: والدُّئِلُ: على وزن
الوُعِل دُويبةٌ شبيهٌ بِابْن عِرْسٍ وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
جَاءُوا بجَيْشٍ لَو قيسَ مُعْرَسَه
مَا كَانَ إِلَّا كَمُعْرِسِ الدُّئِل
دوَل: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والدَّويلُ النَّبت العَامِيُّ
اليَابِسُ، قَالَ الرَّاعِي فِي شعر لَهُ:
شَهْرَيْ ربيعٍ لَا تذوق لَبُونُهم
إِلَّا حُموضاً وَخْمةً ودَوِيلاً
أَبُو زيد: الكَلأُ الدَّويلُ الَّذِي أتتْ عَلَيْهِ سنتَانِ فَهُوَ
لَا خير فِيهِ.
(14/123)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدالَةُ
الشهرةُ وَيجمع الدَّالَ، يُقَال: تركناهم دَالةً أَي شهرةً، وَقد
دَالَ يَدُول دَالةً ودَوْلاً إِذا صَار شهرةً. وَقَالَ الْفراء فِي
قَول الله جلّ وعزّ: {السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الاَْغْنِيَآءِ} (الْحَشْر: 7) . قَرَأَهَا النَّاس بِرَفْع الدَّال
إِلَّا السّلمِيّ فِيمَا أعلم فَإِنَّهُ قَرَأَ دَوْلة بِنصب. قَالَ:
وَلَيْسَ هَذَا للدَّولة بِموضع، إِنَّمَا الدَّوْلة للجيشين يهْزم
هَذَا هَذَا ثمَّ يُهْزَم الهَازِمُ.
فَتقول: قد رَجَعَتْ الدَّوْلَة على هَؤُلَاءِ كَأَنَّهَا الْمرة،
قَالَ: والدُّولَةُ بِرَفْع الدَّال فِي المِلْكِ والسُّنَن الَّتِي
تُغَيَّر وتُبَدَّل عَن الدَّهْر، فَتلك الدُّولَة والدُّوَل.
وَقَالَ الزّجاج: الدُّولَة اسْم الشَّيْء الَّذِي يُتَدَاول؛
والدَّوْلَةُ الفِعل والانتقال من حَال، فَمن قَرَأَ {السَّبِيلِ كَى
لاَ يَكُونَ} (الْحَشْر: 7) فعلى أَن يكون على مَذْهَب المَال
كَأَنَّهُ كي لَا يكون الفَيْءُ دُولةً أَي مُتداولاً.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: أَخْبرنِي ابْن سَلام عَن يُونُس فِي قَول الله
جلّ وعزّ: {السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ} فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو
بن الْعَلَاء: الدُّولة فِي المَال والدَّوْلة فِي الحَرْب. قَالَ:
وَقَالَ عِيسَى بن عمر: كلتاهما فِي الْحَرْب سَوَاء، وَقَالَ:
واللَّهِ مَا أَدْرِي مَا بَينهمَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّولَةُ والدَّوْلة لُغتان، وَمِنْه الإدالة
قَالَ: وَقَالَ الْحجَّاج: إِن الأرضَ ستُدال منا كَمَا أدلنا مِنْهَا.
قلت: مَعْنَاهُ أَنَّهَا ستأكُلَنا كَمَا نَأْكُلها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: حَجازَيْكَ ودَوَالَيْكَ
وهَذَاذَيْكَ. قَالَ: وَهَذِه حُرُوف خِلْقَتُها على هَذَا لَا
تُغَيَّر قَالَ: وحَجازيك أَمَرَه أَن يَحْجُزَ بَينهم؛ ويَحْتملُ أَن
يكون مَعْنَاهُ: كُفَّ نَفْسَك، وأمَّا هَذَاذَيْك، فَإِنَّهُ
يَأْمُرهُ أَن يقطع أَمْرَ الْقَوْم، ودواليك من تَداولوا الْأَمر
بَينهم، يَأْخُذ هَذَا دَوْلة وَهَذَا دَوْلَة وَأنْشد ابْن بُزُرْجَ:
دَوَالَيْك حَتَّى مَا لِذا الثَّوبِ لابسُ
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
إِذا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بالبُرْدِ مِثْلُه
دَوَالَيْك حَتَّى مَا لذَا الثَّوْب لابسُ
قَالَ: هَذَا رجلٌ شقَّ ثِيَابَ امرأةٍ حَتَّى يَنْظُرَ جَسَدها
فَشَقتْ هِيَ أَيْضا عَلَيْهِ ثَوْبه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: رُبمَا أدخلُوا الْألف وَاللَّام على دَوَالَيْك
فجُعِلَ كالاسم مَعَ الْكَاف وَأنْشد فِي ذَلِك:
وصاحبٍ صاحَبْتُه ذِي مَأْفَكَهْ
يَمْشي الدَّوَالَيك ويعدو البُنَّكَهْ
قَالَ: والدَّواليك أنْ يَتَحَفَّزَ فِي مِشْيته إِذا حَاكَ
والبُنَّكَةُ يَعْنِي ثِقْلَه إِذا عَدا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: جَاءَ بالدُّوَلَة والتُّوَلَة، وهما من
الدَّوَاهِي، وَيُقَال: تَدَاوَلْنا الأمرَ
(14/124)
والعَمل بَيْننَا بِمَعْنى تَعاوَرْناه
فَعمل هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة.
ولد: قَالَ اللَّيْث: الوَليدُ الصَّبيُّ والوليدةُ الأَمَةُ. قَالَ:
وأمَّا التَّلِيدَة من الْجَوَارِي فَهِيَ الَّتِي تُولَدُ فِي مِلْك
قومٍ وَعِنْدهم أبواها. وَقَالَ ابْن شُمَيل: المولَّدة الَّتِي وُلِدت
بأرضٍ وَلَيْسَ بهَا إِلَّا أَبَواها أَو أُمها، والتَّلِيدةُ الَّتِي
أَبوهَا وأهلُ بَيتهَا وَجَمِيع من هُوَ بسبيل مِنْهَا بِأَرْض، وَهِي
بِأَرْض أُخْرَى. قَالَ: والقِنُّ من العبيد التَّليد الَّذِي وُلد
عنْدك وَقد مرّ مَا قيل فِي المولَّدة والتَّلِيدَة فِي بَاب تَلَد،
وَقَول ابْن السّكيت فِي قَول مُزَرِّدٍ الثَّعْلَبي:
تَبَرَّأْتُ من شَتْمِ الرجالِ بِتَوْبةٍ
إِلَى الله مِني لَا يُنادَى وَليدُها
وَقَالَ: هَذَا مثلٌ ضربَهُ: مَعْنَاهُ إِنِّي لَا أُراجَعُ وَلَا
أُكَلَّم فِيهَا كَمَا لَا يُكلَّم الوليدُ فِي الشَّيْء الَّذِي
يُضربُ لَهُ فِيهِ المَثَل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عبيد فِي قَوْلهم: هُوَ أمرٌ لَا ينادَى
وليدُه، قَالَ أَحدهمَا: هُوَ أَمر جليل شَدِيد لَا يُنادى فِيهِ
الوليدُ، وَلَكِن تُنادَى فِيهِ الجِلَّةُ.
وَقَالَ آخر: أصلُه فِي الْغَارة: أَنْ تَذْهَل الأمُ عَن ابْنهَا أَن
تنادِيَه وتضُمَّه وَلكنهَا تهرُب عَنهُ.
قَالَ ابْن السّكيت: وَيُقَال: جَاءُوا بِطَعَام لَا ينادَى وَليدهُ،
وَفِي الأَرْض عُشْب لَا يُنَادى وَليده: أَي إِذا كَانَ الْوَلِيد فِي
مَاشِيَة لم يَضِرْهُ أَيْن صَرَفها لِأَنَّهَا فِي عُشْب، فَلَا
يُقَال لَهُ: اصْرفها إِلَى مَوضِع كَذَا لِأَن الأرضَ كلَّها
مُخْصِبة، وَإِن كَانَ طعامٌ أَو لَبَن فَمَعْنَاه، أَنه لَا يُبالي
كَيفَ أَفْسَد فِيهِ؟ وَلَا مَتَى أكل؟ وَلَا مَتى شربَ؟ وَفِي أيّ
نواحيه أَهْوَى؟
وَقَالَ اللَّيْث: الوَلَد اسْم يجمع الواحِد وَالْكثير وَالذكر
والأُنثى. قَالَ: وَوَلَدُ الرجل ووُلْدُهُ فِي معنى، وَوَلَدُه
ورَهْطُه فِي مَعْنى، وَيُقَال فِي تَفْسِير قَوْله: {يَزِدْهُ مَالُهُ
وَوَلَدُهُ إِلاَّ} (نوح: 21) مالُه وولدُه أَي رَهْطُه، وَيُقَال:
وُلْدُه، قَالَ: والوِلْدَةُ جمعُ الْأَوْلَاد قَالَ رؤبة:
شَمْطاً يُرَبِّي وِلْدَةً زَعابِلاَ
وَقَالَ الْفراء: قَرَأَ إِبْرَاهِيم: (مالُه ووُلْدُه) وَهُوَ
اخْتِيَار أبي عَمْرو وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة، وروى
خَارِجَة عَن نَافِع: (وَوُلْدُه) أَيْضا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
(ووَلَدَه) .
وَقَرَأَ ابْن أبي إِسْحَاق: (مَاله ووِلده) ، قَالَ: وهما لُغَتَانِ:
وِلده، ووُلده.
قَالَ الزّجاج: الوَلَد والوُلْدُ وَاحِد مثل العَرَب والعُرْب والعَجم
والعُجْم وَنَحْو ذَلِك. قَالَ الْفراء وَأنْشد:
وَلَقَد رأَيتُ معاشِرا
قد ثَمَّروا مَالا وَوُلْداً
قَالَ: وَمن أَمْثَال الْعَرَب: وُلْدُكِ مَن دَمَّىّ
(14/125)
عَقِبَيْكِ وَأنْشد:
فَليتَ فُلاناً كَانَ فِي بَطْن أُمِّه
ولَيْتَ فلَانا كانَ وُلْدَ حِمارِ
فَهَذَا وَاحِد، قَالَ: وَقيس يَجْعل الوُلْد جمعا والوَلد وَاحِدًا.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: قَالَ يُقَال فِي الوَلَدِ: الوِلْدُ
والوُلْدُ قَالَ وَيكون الوُلْدُ وَاحِدًا وجمعاً.
اللَّيْث: شاةٌ وَالِدٌ وَهِي الحَامِل، والجميع: وُلْدٌ وَإِنَّهَا
لَبَيِّنَة الوِلادِ، وَأما الوِلادةُ فَهُوَ وَضْعُ الوالدة ولدَها،
وَجَارِيَة مُولّدة تُولدُ بَين الْعَرَب، وتَنْشأُ مَعَ أَوْلَادهم
ويَغْذونها غِذاءَ الوَلَد ويُعَلِّمونها من الْأَدَب مثل مَا يعلّمون
أَوْلَادهم، وَكَذَلِكَ المولَّدُ مِن العَبيدِ، وَإِنَّمَا سُمِّي
المولَّدُ من الْكَلَام مُولَّداً إِذا استحدثوه، وَلم يكن من كَلَامهم
فِيمَا مَضى.
ابْن السّكيت: شاةٌ والِدٌ أَي حَامِل وَيُقَال لأم الرجل هَذِه:
والدةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد قَالُوا: الوَلِيدُ الصَّبِيُّ حِين يُولد.
قَالَ بَعضهم: نَدْعُو الصبية أَيْضا وليداً.
وَقَالَ بَعضهم: بل هُوَ الذّكر دون الْأُنْثَى.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: غُلامٌ مَوْلُود، وَجَارِيَة مَولودة
أَي حِين وَلَدَتْه أُمُّه، والولِيدُ الغُلام حِين يُسْتَوصَفُ قبل
أَن يَحْتَلم، وجاريةٌ وَليدةٌ، وَيُقَال للأمَة: وليدةٌ وَإِن كَانَت
مُسِنَّة، قَالَ: وَجَاء بِبَيِّنَةٍ مُوَلَّدَةٍ، وَلَيْسَت
بمَحَقَّقة، وجاءنا بِكِتَاب مُوَلَّدٍ أَي مُفْتَعَل.
وَحكى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب قَالَ: وَمِمَّا حرَّفَته النصارَى
أَنَّ فِي الْإِنْجِيل يَقُول الله مُخَاطبا لعيسى: أَنْت نبِيِّي
وَأَنا وَلَّدْتُك أَي رَبَّيْتُكَ، فَقَالَت النَّصَارَى: أَنْتَ
بُنَيِّي وَأَنا وَلَدْتُك وَأنْشد:
إِذا مَا وَلَّدوا شَاة تنادوْا
أَجَدْيٌ تحتَ شاتِك أَمْ غُلامُ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَوْله: ولَّدوا شَاة رماهم بِأَنَّهُم
يَأْتون الْبَهَائِم. قلت: وَالْعرب تَقول: نَتَجَ فلانٌ ناقَتَه إِذا
وَلَدتْ وَلَدهَا وَهُوَ يَلِي ذَلِك مِنْهَا فَهِيَ مَنْتُوجَةٌ،
والناتجُ لِلْإِبِلِ بِمَنْزِلَة القَابِلَة للْمَرْأَة إِذا وَلَدَتْ،
يُقَال فِي الشَّاة: ولَّدناها أَي وَلِينا وِلادَتها.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: إِذا وَلَدَت الغنمُ بعضُها بعد بعض قيل: قد
وَلَّدْتُها الرُّجْيَلاء مَمْدُود ووَلَّدْتها طَبقاً وطَبَقَةً،
ومَوْلِدُ الرجل وقْتُ وِلادِه، ومولِدُه الموضعُ الَّذِي وُلد فِيهِ،
وَوَلَدَتْه الأمُ تَلِد مولِداً كل ذَلِك بِكَسْر اللَّام يَعْنِي
المولد.
لود: قَالَ اللَّيْث: الأَلْوَدُ الَّذِي لَا يكَاد يَميل إِلَى عَدْل
وَلَا ينقاد لأمرٍ، وفِعْلُه لَوِدَ يَلْوَدُ لَوَداً، وَقوم أَلْوَاد،
وَهَذِه كلمة نادرة، وَقَالَ رؤبة:
أُمْسِكتُ أَجْراسَ القرومِ الأَلْودِ
(14/126)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَلْوَد الشَّديدُ
الَّذِي لَا يُعطى طَاعَة وَجمعه أَلْوَاد وَأنْشد:
أَغْلَبَ غَلاَّباً أَلَدَّ أَلْوَدا
انْتهى وَالله أعلم.
(بَاب الدَّال وَالنُّون)
د ن (وايء)
دين، دنأ، دنا، دنؤ، وَدَن، نود، نأد، ندا، ندأ، دون: (مستعملة) .
دون: شمر قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال: أدنُ دونَك أَي اقتربْ، قَالَ
لَبِيد:
مِثْلُ الَّذِي بالغِيلِ يَغْزُو مُخْمَدَا
يَزْداد قُرباً دونَه أنْ يُوعَدا
مُخْمَدٌ: ساكنٌ قد وطّن نَفسه على الْأَمر، يَقُول: لَا يَرُده
الوَعِيدُ فَهُوَ يَتَقَدَّمُ أمامَهُ يَغْشَى الزَّجْرَ، وَقَالَ
زُهَير بن خَبَّابٍ:
وإنْ عِفْتَ هَذَا فادنُ دونَك إنّني
قليلُ الغِرار والشَّرِيجُ شِعارِي
الغِرارُ النَّوم، والشّريجُ القَوْس وَأنْشد:
تُرِيك القَذَى مِن دونهَا وَهِي دُونَه
إِذا ذاقَها مَن ذاقها يَتَمَطَّقُ
وفَسَّره فَقَالَ: تُريك هَذِه الخَمْرُ من دونِها أَي من ورائِها،
وَالْخمر دُون القَذَى إِلَيْك، وَلَيْسَ ثَمَّ قذًى، وَهَذَا تَشْبِيه
يَقُول: لَو كَانَ أسفلَها قَذًى لرأَيتَه.
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين: لِدُونَ تسعةُ معانٍ: تكون بِمعنى قبْلُ،
وَبِمَعْنى أمامَ، وَبِمَعْنى وَرَاءَ، وَبِمَعْنى تحتَ، وَبِمَعْنى
فوقَ، وَبِمَعْنى السَّاقِط من النَّاس وغيرِهم، وَبِمَعْنى الشريفِ،
وَتَكون بِمَعْنى الْأَمر، وَبِمَعْنى الوَعيد، وَبِمَعْنى الإغراء.
فَأَما دون بِمَعْنى قبل، فكقولك: دُونَ النَّهرِ قِتَالٌ، ودُون
قَتْلِ الْأسد أَهْوَالٌ: أَي قبل أَن تصل إِلَى ذَلِك، وَدون بِمَعْنى
وَرَاء كَقَوْلِك: هَذَا أَمِير على مَا دون جَيْحُونَ أَي على مَا
وراءَه، والوعيدُ كَقَوْلِك: دُونَك صِراعي ودونك فَتَمْرَسْ بِي،
وَفِي الْأَمر: دُونك الدِّرهَم أَي خُذْهُ، وَفِي الإغراء: دُونك زيدا
أَي الْزَمْ زيدا فِي حفظه، وَدون بِمَعْنى تَحت كَقَوْلِك دون
قَدَمِكَ خَدُّ عَدُوِّكَ أَي تَحت قدمك، وَدون بِمَعْنى فَوق
كَقَوْلِك: إنَّ فلَانا لَشَرِيفٌ فيجيبُ آخرُ فيقولُ: ودونَ ذَلِك أَي
فَوق ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال زيد دُونك، أَي هُوَ أحسن مِنْك فِي الحسَب،
وَكَذَلِكَ الدون يكون صفة وَيكون نعتاً على هَذَا الْمَعْنى وَلَا
يُشْتَقُّ مِنْهُ فعل، وَيُقَال هَذَا دون ذَلِك فِي التَّقْرِيب
والتحقير، فالتحقيرُ مِنْهُ مَرْفُوع، والتقريب مَنْصُوب لِأَنَّهُ
صفته، وَيُقَال: دونُك زَيدٌ فِي الْمنزلَة والقرب والبعد.
سَلمَة عَن الْفراء: دُونَ يكون بِمَعْنى على، وَتَكون بِمَعْنى بعد،
وَتَكون بِمَعْنى عِنْد، وَتَكون إغراء، وَيكون بِمَعْنى أقَلَّ من ذَا
(14/127)
وأنقص من ذَا، ودُونَ يكون خسيساً. وَقَالَ
فِي قَوْله: {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذالِكَ} (الْأَنْبِيَاء: 82)
.
ودونَ ذَلِك الغَوْصِ يُرِيد سوى الغَوْصِ، من البِنَاء، وَقَالَ أَبُو
الْهَيْثَم فِي قَوْله:
يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ دُوني
أَي يُنَكِّسُه فِيما بيني وبينَه من الْمَكَان.
يُقال: ادْنُ دُونك أَي اقْتَرِب، مني فِيمَا بيني وَبَيْنك، والطَّرْف
تَحْرِيك جفون الْعَينَيْنِ بِالنّظرِ، يُقَال: أَسْرَعُ من الطَّرْف
واللَّمْح.
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ يُقَال: يَكْفِينِي دُونُ هَذَا لِأَنَّهُ
اسْم.
وَيُقَال: هَذَا رجل من دونٍ، وَلَا يُقَال: رجلٌ دُونٌ لم يتكلَّموا
بِهِ وَلم يَقُولُوا فِيهِ: مَا أَدْوَنَه وَلم يُصَرَّفْ فِعْلُه
كَمَا يُقَال: رجلٌ نَذْلٌ بَيِّن النَّذَالةِ.
وَفِي الْقُرْآن: {وَمِنْهُمْ دُونَ ذاَلِكَ} (الْأَعْرَاف: 168)
بِالنّصب، والموضع مَوْضعُ رفع، وَذَلِكَ أَن الْعَادة فِي دون أَن
يكون ظرفا، ولذلِك نصبوه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: التَّدَوُّنُ الغِنَى التامُ.
دين: أَبُو عبيد: الدِّين الْحساب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {) مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ} (الْفَاتِحَة: 4) وَقَالَ غَيره: مالكِ يَوْم
الْجَزَاء، وَمِنْه قَوْلهم: كَمَا تَدِينُ تُدان، الْمَعْنى كَمَا
تعْمل تُعْطَى وتُجَازَى، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَاعْلَمْ يَقيناً أَنَّ مُلْكَكَ زائِلٌ
واعْلم بأَنَّ كَمَا تدينُ تُدان
أَي تُجْزَى بِمَا تفعل، والدِّين أَيْضا الْعَادة، تَقول الْعَرَب:
مَا زَال ذَلِك دِيني ودَيْدَنِي أَي عادتي.
وَفِي الحَدِيث: (الْكَيِّسُ من دَانَ نَفْسَه وعَمِلَ لما بعد
الْمَوْت، والأحمقُ من أَتْبَعَ نَفْسَه هَواها وتمنّى على الله) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: دَانَ نَفْسَه أَي أَذَلَّها واستعبدها،
يُقَال: دِنْتُ الْقَوْم أَدِينُهم إِذا فعلت ذَلِك بهم.
قَالَ الْأَعْشَى يمدح رجلا:
هُوَ دانَ الرَّباب إذْ كَرِهُوا الدَّيْ
نَ دِرَاكاً بِغَزْوَةٍ وصِيالِ
ثُمَّ دَانتْ بَعْدُ الربابُ وكانتْ
كعذابٍ عُقوبةُ الأقوالِ
فَقَالَ: هُوَ دَانَ الربابَ يَعْنِي أذَلَّها، ثمَّ قَالَ: دَانَتْ
بعدُ الربابُ أَي ذَلَّتْ لَهُ وأطاعَتْه، والدِّين لِلَّهِ من هَذَا
إِنَّمَا هُوَ طاعتُه والتَّعَبُّدُ لَهُ.
وَقد قيل فِي قَوْله: الكَيِّسُ من دَان نَفْسَه أَي حاسَبها.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {الدِّينُ الْقَيِّمُ} (التَّوْبَة: 36) أَي
ذَلِك الْحساب الصَّحِيح والعَددُ الْمُسْتَوِي، وَقَوله جلّ وعزّ:
{تُبْصِرُونَ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} {مَدِينِينَ}
(الْوَاقِعَة:
(14/128)
86 -، 87) .
قَالَ الْفراء: غير مدينين غير مَمْلوكِين.
قَالَ: وسمِعْتُ غَيرَ مَجْزِيِّينَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: هَلاَّ تَرْجِعُونَ الرُّوحَ إِن
كُنْتُم غيرَ مَمْلُوكين مُدَبَّرِين، وَقَوله: {إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ} (الْوَاقِعَة: 87) أنَّ لكم فِي الْحَيَاة وَالْمَوْت
قُدرة وَهَذَا كَقَوْلِه: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ
الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (آل عمرَان: 168) .
وَقَالَ اللَّيْث: المَدِينَةُ الأَمَةُ الْمَمْلُوكَة والعَبْد مَدين.
وَقَالَ الأخطل:
رَبَتْ ورَبَا فِي كَرْمِها ابْنُ مَدينةٍ
يَظَلُّ عَلَى مِسْحَاتِهِ يَتَرَكَّلُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ
فِي بَيت الأخطل: هَذَا ابنَ مَدِينة عَالم بهَا كَقَوْلِهِم: هُوَ
ابنُ بَجْدَتِها.
وَقَالَ أَبُو عبيد: دِنتُ الرجل أَقْرَضْتُهُ، وَمِنْه قَالُوا: رجلٌ
مَدِين ومَدْيون، قَالَ: ودِنْتُه استقرضتُ مِنْهُ وَأنْشد فَقَالَ:
نَدِينُ ويَقْضِي اللَّهُ (عَنَّا) وقدْ نَرَى
مَصارِعَ قومٍ لَا يَدِينون ضُيَّعا
قَالَ: أنشدنَاه الْأَحْمَر، قَالَ: وأَدَنْتُ الرجلَ إِذا أَقْرضتَه،
وَقد ادَّانَ إِذا صَار عَلَيْهِ دَيْن.
وَقَالَ شِمر: ادَّان الرجلُ إِذا كَثُر عَلَيْهِ الدَّيْن وَأنْشد:
أَنَدَّانُ أَمْ نَعْتَانُ أم يَنْبَرِي لنا
فَتًى مثلُ نَصْلِ السَّيْف هُزَّتْ مَضَارِبهُ
قَالَ: نَعْتَانُ نَأْخُذ العِينَة.
قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: دِنْتُ وَأَنا أدين إِذا أخذت
دَيْناً وَأنْشد:
أَدِينُ وَمَا دَيْني عَلَيْكُم بِمَغْرَم
وَلَكِن على الشُّمِّ الجِلادِ القَراوِحِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القِرْوَاحُ من النخيل الَّتِي لَا تُبالي
الزَّمَانَ، وَكَذَلِكَ من الْإِبِل، قَالَ: وَهِي الَّتِي لَا كَرَب
لَهَا من النخيل.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ غَيره: المُدَّانُ الَّذِي لَا يزَال عَلَيْهِ
دَيْن، قَالَ: والمِدْيَانُ إِذا شِئْت جعلتَه الَّذِي يُقْرِضُ كثيرا،
وَإِذا شئتَ جَعَلتَه الَّذِي يَسْتقرِض كثيرا، قَالَ: والدائنُ
الَّذِي يَستدين، والدائن الَّذِي يُجْرِي الدَّينَ.
قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو زيد: جِئْت لأطلب الدِّيَنَة قَالَ: هُوَ
اسْم الدَّين وَمَا أَكثر دِينَته أَي دَيْنَه، وَقَالَ: دِنْتُ الرجلَ
حَمَلْتُه على مَا يكره وَأنْشد:
يَا دِينَ قَلبك من سَلْمى وَقد دِينَا
قَالَ: يَا دِين قَلْبك يَا عادةَ قَلْبك وَقد دِينَ أَي حُمِل على مَا
يَكْره.
(14/129)
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: دَانَ الرجلُ
إِذا عَزَّ، ودان إِذا ذَلَّ، ودَانَ إِذا أطاعَ، ودَانَ إِذا عَصَى،
ودَانَ إِذا اعتادَ خَيْراً أَو شرّاً، ودَانَ إِذا أصابَه الدِّينُ،
وَهُوَ دَاء، قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
يَا دِينَ قَلْبِك من سَلْمى
قَالَ: قَالَ الْمفضل: مَعْنَاهُ يَا داءَ قَلْبك الْقَدِيم.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله جلَّ وعزّ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ
فِى دِينِ الْمَلِكِ} (يُوسُف: 76) قَالَ فِي قَضَاء الْملك.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: دِنْتُه مَلَكْتُه. قَالَ الحطيئة:
لَقَدْ دُيِّنْتِ أَمْرَ بَنِيك حَتَّى
تَرَكتِهم أدقَّ من الطَّحِينِ
يَعْنِي مُلِّكْتِ ويُرْوَى شُوِّسْتِ يُخَاطب أُمَّه.
قَالَ شمر فِي قَوْلهم: يَدَّيَنُ الرجل أَمْره من هَذَا أَي يَمْلك.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: أَدْنتُ الرجلَ بِعْتَه بِدَيْن وَأنْشد
فَقَالَ:
أَدانَ وأَنْبأَهُ الأوَّلونْ
بأنَّ المُدانَ مَلِيءٌ وَفى
وَقَالَ شَمِر: رجل مَدِينٌ ومُدانٌ وَمَدْيونٌ ودائنٌ كُله الَّذِي
عَلَيْهِ الدّين، وَكَذَلِكَ المُدان، فَأَما المُدِينُ فَالَّذِي
يَبِيعُ بِدَيْن.
وَقَالَ الشَّيْبَانِيّ: أَدان الرجلُ أَي صَار لَهُ ديْن على النَّاس.
وَقَالَ ابْن المظفر: أَدَانَ الرجلُ فَهُوَ مُدِين أَي مُستَدِين.
قلت: وَهَذَا خطأ عِنْدِي وَقد حَكَاهُ شمر لبَعْضهِم وَأَظنهُ أَخذه
عِنْده، وأَدَانَ مَعْنَاهُ أَنه باعَ يَديْن أَو صَار لَهُ على
النَّاس ديْن.
وَقَالَ اللَّيْث: الدِّينُ مِن الأمطار مَا تعاهد موضعا لَا يزَال
يُرِبُّ بِهِ ويُصِيبُه وَأنْشد:
مَعْهُودٌ ودينُ
قلت: هَذَا خطأ وَالْبَيْت للطرماح:
عَقَائِل رَمْلَةٍ نَازَعْنَ مِنها
دُفوف أَقَاحِ مَعْهُودٍ وَدِينِ
أَرَادَ دُفوفَ رَمْل أَوْ كُثُبَ أقاحٍ مَعْهود أَي مَمْطور أَصَابَهُ
عهد من الْمَطَر بعد مطر تقدَّمه وَقَوله: ودِينٌ أَي مَوْدون مَبْلُول
من وَدَنْتُه أَدنُه وَدْناً إِذا بَلَلتَه وَالْوَاو فَاء الْفِعْل،
وَهِي أَصْلِية وليستْ بواو الْعَطف، وَلَا يُعْرف الدِّين فِي بَاب
الأمطار وَهَذَا تَصْحِيف قَبِيح من اللَّيْث أَو مِمَّن زَاده فِي
كِتَابه، وَيُقَال: دايَنْتُ الرجلَ إِذا أقرضتَه وَمِنْه قَول رؤبة:
داينْتُ أَرْوَى والدُّيون تُقْضَى
والدَّيانُ من أَسمَاء الله جلّ وعزّ، مَعْنَاهُ الحَكَمْ القَاضِي.
وَسُئِلَ بعضُ السَّلف عَن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: كَانَ ديَّان
هَذِه الْأمة بعد نَبِيِّها، أَي كَانَ قاضِيهَا وحَاكمهَا، والدَّيان
(14/130)
القهَّار وَمِنْه قَوْله:
لاَه ابْن عَمِّك لَا أُفْضَلْتَ فِي حَسَبِ
يَوْمًا وَلَا أَنْت ديَّاني فَتَخْزوني
أَي لستَ بِقاهرٍ فتسوسَ أَمْرِي، وتَدَيَّن الرجل إِذا اسْتَدَانَ
وَأنْشد:
يُعَيِّرني بالدَّين قومِي وَإِنَّمَا
تَدَيَّنْتُ فِي أشياءَ تُكْسِبُهم حَمْداً
وَقَالَ اللحياني: دَيَّنْتُ الرجلَ فِي الْقَضَاء وَفِيمَا بَينه
وَبَين الله أَي صَدَّقْتُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: دَيَّنْتُ الْحَالِف: أَي نَوَّيتُه
فِيمَا حلف وَهُوَ التديين. وَيُقَال: رأيتُ بفلانٍ دَينَةً إِذا رأى
بِهِ سَبَبَ الموتِ.
وَدَن: سَمِعت الْعَرَب تَقول: وَدَنْتُ الجِلد إِذا دفَنْته تحتَ
الثَّرى لَيْلَيْن فَهُوَ مَوْدون، وكل شيءَ بَلَلْته فقد وَدنْتَه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ودنْتُ الثوبَ أَدِنُه وَدْناً إِذا بَلَلْتَه
وَأنْشد للكميت:
كَمُتَّدِن الصَّفا كَيْما يَلينا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أخذُوا فِي وِدان العَروسِ إِذا
عَلَّلُوها بالسَّويق والتُّرَفِ، لِتَسْمنَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَدْنُ حُسن الْقيام على العَرُوس.
يُقَال: وَدنُوه وأَخَذُوا فِي وِدانه وَأنْشد فَقَالَ:
بِئسَ الوِدانُ لِلفَتَى العَروسِ
ضَرْبُكَ بالمِنقارِ والفُؤُوس
وَفِي حَدِيث ذِي الثُّدَية: إنهُ لَمُودَنُ اليَدِ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي وَغَيره: المودَنُ اليَد. القَصيرُ
اليَد يُقَال: أَوْدنتُ الشيءَ قَصَّرتُه.
قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى ودَنْتُه فَهُوَ مَوْدون.
وَقَالَ حسَّان:
وأُمُّك سَوْداء مَوْدونَةٌ
كَأَن أَنامِلَها الحُنظُبُ
وَقَالَ آخر فِي بَيت لَهُ:
لقد طُلِقَتْ لَيْلَة كلَّها
فَجَاءَتْ بِهِ مُودَناً خَنْفَقِيقا
أَي لئيماً.
وَقَالَ اللَّيْث: المُودَنُ من النَّاس القَصيرُ العُنق الضيّقُ
المنْكِبَيْنِ مَعَ قِصر الألواح وَالْيَدَيْنِ، قَالَ: وودَنْتُ
الشَّيءَ أَي دَقَقْتُه فَهُوَ مَوْدُون أَي مَدْقُوق.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَن رجلا من
الْأَعْرَاب دخل أبياتَ قومٍ فَأَخَذُوهُ وَودَنوهُ بالعصَا، كأَن
مَعْنَاهُ: دَقُّوه بالعَصَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّوَدُّنُ لِينُ الْجلد إِذا دُبغ،
قَالَ: والوَدْنَةُ: العَرْكَةُ بِكلام أَو ضَرْبٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: المودُونَةَ دُخَّلَةٌ مِن
(14/131)
الدَّخَاخِيل قصيرةُ العُنُق دَخْناء
وَرْقَاء.
دنا دنأ و (دَنُؤ) : مهموزاً وَغير مَهْمُوز.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: رجل أَحْنَأُ وأَدْنَأُ وأَقْعَسُ
بِمَعْنى وَاحِد.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت يُقَال: دَنَوْتُ مِن فلَان أدْنو
دُنُوّاً، وَيُقَال: مَا كنتَ يَا فلانُ دَنِيّاً وَلَقَد دَنُؤْتَ
تَدْنُؤُ دَنَاءَةً مصدره مَهْمُوز، ويُقَالُ: مَا تَزْدَادُ مِنا
إِلَّا قُرْباً ودَنَاءة، فُرِقَ بَين مَصْدر دَنَا وَبَين مصدر دَنُؤ
فجُعل مصدر دَنأَ دَنَاوَةً، ومصدر دَنُؤ دَنَاءةً كَمَا ترى.
قَالَ ابْن السّكيت: وَيُقَال: لقد دَنَأْتَ تَدْنأَ، مَهْمُوز. أَي
سَفَلْت فِي فِعْلِك ومَجُنْتُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى
بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ} (الْبَقَرَة: 61) .
قَالَ الْفراء: هُوَ من الدنَاءَة، وَالْعرب تَقول: إِنَّه لَدَنِيٌّ
يُدنِّي فِي الْأُمُور غير مَهْمُوز يَتَّبِعُ خَسِيسَها وأصاغِرَها،
قَالَ: وَكَانَ زُهَيْر الفُرْقبيّ يهمز (أتستبدلون الَّذِي هُوَ
أَدْنأ بِالَّذِي هُوَ خير) .
قَالَ الْفراء: وَلم نَرَ الْعَرَب تهمز أدنأ إِذا كَانَ مِن الخسَّة،
وهم فِي ذَلِك يَقُولُونَ: إنَّهُ لدانِىءٌ خبيثٌ فهمزوه. وأنشدني بعضُ
بني كلاب:
باسلة الوَقْعِ سَرَابِيلُها
بيضٌ إِلَى دانِئها الطَّاهر
وَقَالَ فِي كتاب المصادر: دنُؤَ الرجلُ يَدْنُؤ دنُوءاً ودناءَة إِذا
كَانَ ماجِناً.
وَقَالَ الزجَّاج فِي معنى قَوْله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ
أَدْنَى} غير مَهْمُوز أَي أقْرب، وَمعنى أَقْرَبُ أقلُّ قيمَة، كَمَا
يُقَال: ثوبٌ مُقارِبٌ، فأمَّا الخسيسُ فاللغةُ فِيهِ: دنُؤَ دناءَةً
وَهُوَ دَنِيءٌ بِالْهَمْز وَهُوَ أَدنَأُ مِنْهُ.
قلت: أهل اللُّغَة لَا يهمزون دنُوَ فِي بَاب الخِسَّة وَإِنَّمَا
يهمزونه فِي بَاب المجُون والخُبْث.
قَالَ أَبُو زيد فِي النَّوَادِر: رجل دنيء من قوم أدنِياء، وَقد دنُؤَ
دناءة، وَهُوَ الْخَبيث الْبَطن والفرج، وَرجل دنِيٌّ من قوم أدنياء
وَقد دَنِيَ يَدْنَى ودنُوَ يدْنُوُ دنُوّاً، وَهُوَ الضَّعِيف الخسيس
الَّذِي لَا غَناء عِنْده، المُقَصِّر فِي كل مَا أخذَ فِيهِ، وَأنْشد
فَقَالَ:
فَلاَ وَأَبِيكَ مَا خُلُقِي بِوَعْرٍ
وَلَا أَنا بالدَّنِيِّ وَلَا المُدَنيِّ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المُدَنِّي: المقَصِّرُ عَمَّا يَنْبَغِي
أَن يَفْعَلَه، وَأنْشد:
يَا مَنْ لِقومٍ رأْيُهُم خَلْفٌ مُدَنّ
أَرَادَ مُدَنِّي فَقَيَّد القافية.
إِن يَسْمعوا عَوْراءَ أصغَوا فِي أَذَنْ
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: دنَأَ الرجل يَدْنأُ دنَاءَةً
ودنُؤ يَدْنُؤ إِذا كَانَ دنِيئاً لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللحياني: رجل دنِيءٌ،
(14/132)
ودَانِيءٌ هُوَ الْخَبيث الْبَطن والفرج
الماجن من قَومٍ أدنياء اللَّام مَهْمُوزَة، وَقد دَنَأَ يدنأ دناءة
ودنُؤ يَدْنُؤ دنَاءَة.
قَالَ: وَيُقَال للخسيس: إِنَّه لَدَنِيُّ من قوم أدنِياء بِغَيْر همز،
وَمَا كَانَ دنِيّاً وَلَقَد دَنِيَ يَدْنَى دنًى ودنَايَةً.
وَيُقَال للرجل إِذا طلب أمرا خسيساً: قد دنَّى يُدَنِّي تَدْنِيَةً.
قلت: وَالَّذِي قَالَه أَبُو زيد واللحياني وَابْن السّكيت هُوَ
الصَّحِيح، وَالَّذِي قَالَه الزّجاج غير مَحْفُوظ.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّنُوّ غير مَهْمُوز مصدر دنَا يَدْنو فَهُوَ
دانٍ وسمِّيت الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَنَتْ وتأخَّرَت الآخرةُ،
وَكَذَلِكَ السَّمَاء الدُّنْيَا هِيَ القُرْبى إِلَيْنَا،
وَالنِّسْبَة إِلَى الدُّنْيَا دُنْيَاوِيٌ وَكَذَلِكَ النِّسْبَة
إِلَى كل يَاء مُؤَنَّثة نَحْو حُبْلَى ودهْنَا وَأَشْبَاه ذَلِك.
وَأنْشد:
بِوَعْسَاءَ دهْناوِيُّة التُّرب طَيَّبِ
قَالَ: والمُدَنِّي من النَّاس الضعيفُ الَّذِي إِذا آواه اللَّيْل لم
يبرحْ ضَعْفاً وَقد دنَّى فِي مَبِيتِه.
وَقَالَ لبيد:
فَيُدَنِّي فِي مَبِيتٍ ومحَلّ
ودانَيْتُ بَين الشَّيْئَيْنِ قرَّبتُ بَينهمَا.
وَقَالَ ذُو الرمة:
دانَى لَهُ القَيْدُ فِي ديْمومَةٍ قُذُفٍ
قَيْنَيْهِ وانْحَسَرَتْ عَنهُ الأناعيمُ
قَالَ: ودَانِيَا نبيٌ من بني إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ: دانْيَال.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: هُوَ ابْن عمِّه دُنْيَا مَقْصُور ودِنْيَةً
ودِنْيا منون وَغير منون كل هَذَا إِذا كَانَ ابْن عَمه لَحّاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدُّنَى مَا قَرُبَ من خير أَو شَرّ.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا طَعِمْتُمْ فَسَمُّوا ودَنُّوا) معنى قَوْله
دنُّوا أَي كلوا مِمَّا يليكم، وَيُقَال: دَنا وأَدنَى ودنَّى: إِذا
قَرُبَ، قَالَ: وأَدنَى إِذا عَاشَ عَيْشاً ضَيقاً بعد سَعَةٍ،
والأدْنَى: السَّفِلَ.
أَبُو زيد: من أمثالهم: كلّ دَنِيَ دُونَه دنِيٌ يَقُول: كلُّ قريب
دونَهُ قريبٌ وكل خُلْصَانٍ دونَهُ خُلْصَانٌ.
ندأ: أَبُو عبيد عَن الأُمويّ: نَدَأْتُ الشيءَ إِذا كَرِهْتَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: نَدَأْتُ اللحمَ أَنْدُؤهُ نَدْءاً وَذَلِكَ إِذا
مَلَلْتَه فِي الملَّة والجَمْر، والندِيء الِاسْم وَهُوَ الطَّبِيخ؛
وَيُقَال لِلحُمْرَةِ الَّتِي تكون فِي الغَيْمِ: النَّدْأَةُ إِلَى
جَانب مَغْرِب الشَّمْس أَو مَطْلعِها.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّدْأَةُ والنُّدْأَةُ لُغَتَانِ وهِيَ الَّتِي
يُقال لَهَا قَوْسُ قُزَح، قَالَ: والنُّدْأَةُ فِي لحم الْجَزُور
طَرِيقَةٌ مُخالِفَةٌ لِلَونِ اللَّحم، ونَدَأَتُ اللَّحْم فِي
المَلَّة إِذا دَفَنْتَهُ حَتَّى يَنْضَج.
(14/133)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النُّدَأَة
الدُّرْجَةُ الَّتِي يُحشِي بهَا خَوْرَانُ النَّاقَةِ ثمَّ تُخَلَّل
إِذا عُطِفَتْ على وَلَد غَيْرها أَو على بَوَ أُعِدَّ لَهَا، وَقَالَ
ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب الْخَيل، وَقَالَ اللَّيْث: النَّادِي
المجلسُ يَنْدُو إِلَيْهِ مَنْ حَوَاليه، وَلَا يُسمَّى نَادِياً
حَتَّى يكون فِيهِ أهلُه، وَإِذا تفرَّقوا لم يكن نَادِيًا، وَهُوَ
النَّدِيُّ والجميع الأَنْدِيةُ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي نَادِيًا
لِأَن الْقَوْم يَنْدُونَ إِلَيْهِ نَدْواً ونَدْوَة وَلذَلِك سمِّيت
دارَ النَّدوة بِمَكَّة، كَانُوا إِذا حَزَبَهُم أَمر نَدَوْا
إِلَيْهَا فَاجْتمعُوا للتشاور، قَالَ: وأُناديك: أُشاورك وأجالِسك من
النادي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّدْوَةُ السَّخَاء والنَّدْوة
الْمُشَاورَة، والنَّدْوَةُ الأَكلة بَين السَّقْيَتيْن، وأَنْدَى
الرجل كَثُر نَدَاه أَي عطاؤه، وأَنْدَى إِذا حَسُن صوتُه، قَالَ:
والأنْداء بُعْدُ مَدَى الصَّوْت، قَالَ: والنَّدَى الْأكلَة بَين
الشَّربتين والنَّدَى المجالسة وأَنْدَى إِذا تَسَخَّى وَقَالَ فِي
قَوْله:
كالْكَرْمِ إذْ نَادَى مِن الكافورِ
قَالَ: نَادَى ظَهَرَ، قَالَ: ونَادَيْتُه عَلِمْتُه، قَالَ: وَهَذَا
الطَّرِيق يناديك.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا أَوْرَدَ الرَّجُل الْإِبِل
الماءَ حَتَّى تَشْربَ قَلِيلا ثمَّ يَجِيءُ بهَا حَتَّى ترعى سَاعةً
ثمَّ يردَّها إِلَى المَاء فَذَلِك التَّنْديَة فِي الْإِبِل
وَالْخَيْل أَيْضا، قَالَ: واختصم حيَّان من الْعَرَب فِي مَوضِع
فَقَالَ أحدُ الحَيَّيْن: مَرْكَزُ رِمَاحِنا ومَخْرجُ نِسائِنَا،
ومُنَدَّى خَيْلِنا وَأنْشد فَقَالَ:
قَرِيبَةٌ نَدْوَتُه مِن مَحْمَضِهْ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي التَّنْدِيَة مثله، وزَاد: نَدَتْ
الْإِبِل أَنْفها تَنْدُو فَهِيَ نَادِية.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ الأصمعيّ وَأَبُو عَمْرو: التَّنْدِيةُ
أَن يُورِدَ الرجلُ فَرَسَه الماءَ حَتَّى يَشربَ ثمَّ يَرُدَّه إِلَى
المرعى سَاعَة ثمَّ يُعيدَه، وَقد نَدَا الفرسُ يَنْدو، إِذا فعل
ذَلِك.
وَأنْشد شمر:
أَكَلْنَ حَمْضاً ونَصِيّاً يابِساً
ثمَّ نَدَوْنَ فأَكَلْنَ وَارِسا
أَي حَمْضًا مُثْمِراً قلت:
وَذكر أَبُو عبيد فِي حَدِيث طَلْحَة بن عبيد: خرجت بفرس لي لأندَّيه،
فسَّرَ قَوْله لأندِّيه على مَا قَالَه الْأَصْمَعِي فَاعْترضَ
عَلَيْهِ القُتَيْبِي.
أَن قَوْله: لأنَدِّيه تَصْحِيف، وَصَوَابه لأُبديه أَي لأخرجَه إِلَى
البَدْوِ، وَزعم أنَّ التَّنْدِيَةَ تكون لِلْإِبِلِ دون الْخَيل،
وَأَن الْإِبِل تُنَدَّى لطول ظَمَئِها، فأمَّا الْخَيل فَإِنَّهَا
تُسْقَى فِي القيظ شَرْبتين كلَّ يَوْم.
وَطَلْحَة كَانَ أنْبَلَ من أَن يندِّي فرسه، وَقد غَلِط القُتَيبِيّ
فِيما قَال، والتَّنْدِيَة تكون للخيل وللإبل، سَمِعت الْعَرَب تَقول
(14/134)
ذَلِك، وَقد قَالَه الأصمعيّ وَأَبُو
عَمْرو وهما إمامان ثقتان.
وَفِي الحَدِيث أَن سَلَمَة بن الأكْوَع قَالَ: كنت تبيعاً لِطَلْحة بن
عُبَيْد الله أَسْقِي فرسَه وأَحُسُّه وأَخْدُمُه، قَالَ: وَبعث رَسُول
الله بِظَهْرِه مَعَ رَباحٍ مَوْلَاهُ، وخَرَجْتُ بِفَرسِ طَلْحة
أُنَدِّيه، ثمَّ ذَكَر إغارة بَنِي فَزَارة على ظَهْر رَسُول الله
وَأَنه دَفَع فَرسه إِلَى رَبَاح ليبلغه طَلْحَة.
رَوَاهُ عِكرمة بن عَمَّار عَن إِيَاس بن سَلَمة ابْن الْأَكْوَع عَن
أَبِيه قلت: ولِلتَّنْدِية معنى آخر وَهُوَ تضمير الْخَيل وإجراؤها
البَرْدين حَتَّى تعْرق ويَذْهَبَ رَهَلُها؛ وَيُقَال للعرق الَّذِي
يسيل مِنْهَا: النَّدَى.
وَمِنْه قَول طُفَيل:
نَدَى المَاء من أَعْطَافِها المُتَحَلِّب
قَالَ الْأَزْهَرِي: سَمِعت عريفاً من عُرَفاء القَرامِطَة يَقُول
لأَصْحَابه وَقد نُدِبُوا للنهوض فِي سَرِيَّة استُنْهِضَتْ
الأَوَنَدُّوا خَيْلَكُم، الْمَعْنى ضمروها وشُدُّوا عَلَيْهَا
السُّروج وأَجْرُوها حَتَّى تَعْرَق.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: إِن هَذِه النَّاقة تَنْدو إِلَى نُوق كرام
أَي تنْزِع إِلَيْهَا فِي النَّسبِ وَأنْشد:
تَندُو نؤادِيها إِلَى صَلاَخِدا
قَالَ: والنَّدَى على وُجُوه: ندَى الماءِ، ونَدَى الْخَيْر، ونَدَى
الشَّر، ونَدَى الصَّوْتِ، ونَدى الحُضْرِ ونَدَى الدُّخْنَة، فأمَّا
نَدَى المَاء فَمِنْهُ الْمَطَر. يُقَال: أَصَابَهُ نَدًى من طَلَ،
ويومٌ نَدِيٌ وليلةٌ نَدِيَّةٌ، ومَصْدره النُّدُوَّةُ، والنَّدَى مَا
أَصَابَك مِن البلل، ونَدَى الْخَيْر هُوَ الْمَعْرُوف، يُقَال:
أَنْدَى فلانٌ علينا نَدًى كثيرا وَإِن يَدَه لَنَدِيَّةٌ
بِالْمَعْرُوفِ، وَيُقَال: مَا نَدِيَنِي من فلَان شيءٌ أكرهه، مَا
بَلّني وَلَا أصابني وَمَا نَدِيَتْ كَفِّي بِشَرٍ، وَمَا نَدِيتُ
بِشَيْء تكرههُ، قَالَ النَّابِغَة:
مَا إنْ نَدِيتُ بشيءٍ أنتَ تَكْرَهُهُ
إذَنْ فَلَا رَفَعَتْ سَوْطي إليّ يَدِي
وَفِي الحَدِيث: (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَلم يَتَنَدَّ من الدَّم
الْحَرَام بِشَيْء دَخَل الْجنَّة) ، وندَى الصَّوت بُعْدُ مَذهَبِه
والنِّداء ممدودٌ والدُّعاءُ أرْفَعِ الصّوْتِ وَقد ناديْتُه نِداءً،
ونَدَى الخُحْرِ بَقَاؤُه.
وَقَالَ الْجَعْدِي أَو غَيره:
كَيْفَ تَرَى الكامِلَ يُقْضِي فَرَقاً
إِلَى نَدَى العَقْبِ وشَدّاً سَحْقاً
وَفُلَان أَنْدى صوْتاً من فلَان، أَي أَبْعَدُ مَذْهباً وأَرْفَعُ
صَوتا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَنْدَى الرجلُ إِذا كثُر نَداه على
إخوانِه، وَكَذَلِكَ انْتَدى وتَنَدَّى، وَفُلَان لَا يُنْدِي الوَتَر
إِذا كَانَ ضعيفَ الْبدن.
وَقَالَ ابْن السّكيت: فلانٌ يَتَنَدَّى على
(14/135)
أَصْحَابه كَمَا تَقول: هُوَ يَتَسَخَّى
على أَصْحَابه، وَلَا يُقَال: فلانٌ يُنَدِّي، وَفُلَان نَدِيُّ
الْكَفّ إِذا كَانَ سَخِياً.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المُنْدِيَاتُ المُخْزِيَاتُ. وَيُقَال:
إنهُ لَيَأْتِيني نَوادِي كلامِك، أَيْ مَا يَخْرج مِنْك وَقْتاً بعد
وَقت، قَالَ طَرَفة:
وبَرْكٍ هُجُود قد أَثَارَتْ مَخافَتِي
نَوادِيَه أمْشي بِعَضْبٍ مُجرّدِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: النَّوادِي النَّواحِي أَرَادَ أَثَارَتْ مخافتي
إبِلا فِي ناحِيَةٍ مِن الْإِبِل مُتَفَرِّقة، والهاءُ فِي قَوْله
نَوادِيه راجعةٌ على البَرْك قَالَ: ونَدَا فلانٌ يَنْدُو نُدُوّاً
إِذا اعْتَزَلَ وتَنَحَّى وَقَالَ: أَرادَ بِنَوادِيَه قَوَاصِيَه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: النَّادِياتُ مِن النخيل البعيدةُ مِن المَاء.
وَقَالَ القُتَيْبِيّ: النَّدَى المَطَرُ. وَقيل للنبت: نَدًى
لِأَنَّهُ عَنْ نَدَى المطَر نبَت ثمَّ يُقَال للشَّحْم: نَدًى
لِأَنَّهُ عَن نَدَى النَّبْت يَكون واحتجّ بقول الشَّاعِر:
كَثَوْرِ العَدَابِ الفَرْدِ يَضْرِبه النَّدَى
تَعَلَّى النَّدَي فِي مَتْنِه وَتَحَدَّرا
أَرَادَ بالنّدَى الثَّانِي: الشحْمَ، وبالأول الغَيْثَ.
وَفِي النَّوادر يُقَال: مَا نَدِيتُ هَذَا الأمرَ وَلَا طَنَّفْتُه
أَي مَا قَرِبْتُه أَنْداه. وَيُقَال: لم يَنْدَ مِنْهُم نَادٍ، لم
يَبْقَ مِنهم أحدٌ، وَيُقَال: نَدَأْتُهُ أَنْدَؤُه نَدْءاً إِذا
ذَعَرْتَه.
نود: يُقَال: نَادَ الإنسانُ يَنُودُ نَوْداً ونَوَداناً مثل: نَاسَ
يَنُوسُ ونَاعَ يَنُوعُ وَقد تَنَوَّدَ الغُصْنُ وتَنَوَّع إِذا
تحرَّكَ وَنَوَدانُ اليهودِ فِي مدارسهم مأخوذٌ من هَذَا.
نأد: أَبُو عُبيد: يُقَال للداهية: النَّآدَى على فَعَالى.
وَأنْشد قَول الْكُمَيْت:
فإيَّاكُمْ وداهيةً نَآدَى
أَظَلَّتْكُمْ بِعارِضها المُخِيلِ
قَالَ اللَّيْث: هِيَ النَّآدُ والنَّؤُود، النُّؤود، وَقد نَأَدَتْه
الدَّواهي وَأنْشد:
أَتَانِي أَنَّ دَاهِيةً نَآداً
أَتاكَ بهَا على شَحَطٍ مَيُونُ
قلت: وَرَوَاهَا غير اللَّيْث: أَن دَاهِيَةً نآدَى على فَعَالى كَمَا
رَوَاهُ أَبُو عبيد للكميت.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.
(بَاب الدَّال وَالْفَاء)
د ف (وايء)
دفأ، دفى، دوف، ديف، فدى، ودف، وَفد، أفد، فود، فيد، فأد.
دفأ دفا: قَالَ الله جلّ وَعز: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ}
(النَّحْل: 5) قَالَ الْفراء: الدِّفْءُ كُتِب فِي الْمَصَاحِف
بالدَّال والفَاء، وَإِن كتبت بواو فِي الرّفْع وياء فِي
(14/136)
الْخَفْض، وَألف فِي النصب كَانَ صَوَابا،
وَذَلِكَ على ترك الْهَمْز ونَقْلِ إِعْرَاب الْهَمْز إِلَى الْحَرْف
الَّذِي قبلهَا.
قَالَ: والدِّفء مَا انْتفع بِهِ من أوبارها وَأَشْعَارهَا وأصوافها،
أَرَادَ مَا يَلْبَسون مِنْهَا ويبْتَنون.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ:
يُقَال: هَذَا رجل دَفْآنُ وَامْرَأَة دَفْأَى وَيَوْم دَفِيءٌ
وَلَيْلَة دفيئة، وَكَذَلِكَ بَيت دَفِيء، وغرفة دفِيئةٌ على فَعيل
وفعيلة.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: الدّفء عِنْد العربِ نِتاجُ الْإِبِل
وأَلبانها والإنتفاع بهَا من قَول الله عزّ وجلّ: {لَكُمْ فِيهَا
دِفْءٌ} (النَّحْل: 5) ، قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْإِبِل
المدْفآت: الْكَثِيرَة الأوبار.
وَقَالَ ابْن السّكيت: إبلٌ مُدْفَأَة بِهَذَا الْمَعْنى.
قلت: المُدْفَآتُ جَمْعَ المُدْفَأَةِ.
قَالَ الشماخ:
وكَيْفَ يَضِيعُ صَاحِبُ مدْفَآتٍ
على أَثْباجِهِنَّ مِن الصَّقِيعِ
فأمَّا الْإِبِل المُدْفِئة فَهِيَ الْكَثِيرَة، لِأَن بعضَها
يُدْفِىءُ بَعْضًا بأنفاسها.
وَقَالَ ابْن السكّيت. يُقَال: مَا كانَ الرَّجُلُ دَفْآنَ وَلَقَدْ
دَفِىء، وَمَا كَانَ البيتُ دَفِئاً وَلَقَد دَفُؤَ.
ابْن الأعرابيّ: الدَّفَئيُّ والدَّثَئيُّ من الأمطار: وقتُه إِذا قاءت
الأرضُ الكَمْأَةَ، وكلُّ مِيرَةٍ حُمِلَتْ فِي قُبُل الصَّيفِ فَهِيَ
دَفيئيَّةٌ.
الأصمعيّ: ثوب ذُو دِفْءٍ، وَذُو دفاءة، وَيُقَال: مَا عَلَيْهِ
دِفْءٌ، وَلَا يُقَال: مَا عَلَيْهِ دَفَاءةٌ وَيكون الدّفء السخونةَ،
وَيُقَال: اقْعُد فِي دِفءِ هَذَا الْحَائِط أَي فِي كِنِّه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ادَّفَيْتُ واستدفيت أَي لبست مَا
يُدْفِئُني، قَالَ: وَهَذَا على لُغَة من يتْرك الْهَمْز.
قَالَ: والدَّفَاءُ مهموزٌ مَقْصورٌ هُوَ الدِّفْء نَفسه إلاَّ أَن
الدِّفْء كَأَنَّهُ اسمٌ شِبْهُ الظَّمْء والدَّفَأُ شِبْهُ الظَّمَأ،
ومِمَّا لَا همز فِيهِ من هَذَا الْبَاب.
قَالَ الأصمعيّ: كَبْشٌ أَدْفى وَهُوَ الَّذِي يَذْهب قَرْنُه قِبلَ
ذَنَبِه، ورَجل أَدْفَى إِذا كَانَ فِي صلبه احْدِيدَابٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَدْفَى الظَّبْيُ إِذا طَال قَرْناه
حَتَّى كادا يَبْلُغان مُؤَخَّرَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الأدْفَى من الطَّير مَا طالَ جَناحاهُ من أُصول
قَوادِمه، وطَرَفُ ذَنَبِه، وطالتْ قَادِمة ذَنبِه، وَقَالَ الطرماح
يصف الْغُرَاب فَقَالَ:
شَيْخُ النسا أَدْفَى الجَنَاح كأنَّه
فِي الدَّار إثْرَ الظَّاعِنِينَ مُقَيَّدُ
قَالَ: والدَّفْو من النجائب الطويلةُ العُنُقِ
(14/137)
إِذا سارتْ كادَتْ تضع هامَتَها على ظَهْر
سَنَامِها وَتَكون مَعَ ذَلِك طَويلةَ الظّهْر.
أَبُو عبيد عَن ابْن زيد: الدَّفْواءُ من المِعزَى الَّتِي انْصَبَّ
قَرناها إِلَى طَرَفيّ عِلْبَاويْها.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض
أَسْفَاره أبْصر شَجَرَة دَفْواء تسمى ذَاتَ أنْواطٍ لِأَنَّهُ كَانَ
يُناطُ بهَا السلاحُ وتُعْبَدُ، والدفواء الْعَظِيمَة الظليلة وَتَكون
المائلة.
وَفُلَان فِيهِ دَفَأٌ أَي انْحِنَاءٌ، والدجال فِيهِ دَفَأٌ.
فأد: أَبُو زيد: فَأَدْتُ الصيدَ أَفْأَدُه فَأْداً إِذا أصبتَ فُؤاده،
قَالَ: وفَأَدتُ الخُبْزةَ أَفْأَدُها فَأْداً إِذا خَبْزتَها فِي
المَلَّةِ، والفئيد مَا شُوِي وخُبِزَ على النَّار، والمِفْأدُ مَا
يخبَزُ ويُشْوَى بِهِ.
أَبُو عبيد: فأَدْتُ اللحمَ إِذا سوَّيتَه والمِفْأَدُ السَّفُّودُ
وَأنْشد:
يَظَلُّ الغرابُ الأعورُ العَيْنِ وَاقعا
مَعَ الذئبِ يَعْتَسَّان نَارِي ومِفْأَدِي
قلت: وَيُقَال لَهُ: المِفآدُ على مِفْعالٍ أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الْمفْؤُودُ الضعيفُ الفُؤاد الجَبان مثل:
المنْخُوب، والفَئيدُ النَّار نَفسهَا قَالَ لبيد:
وَجدْتُ أبي رَبيعاً لِليَتَامَى
وللضِّيفان إذْ حُبَّ الفَئِيدُ
وَقَالَ اللَّيْث: سمى الفُؤاد فؤاداً لِتَفَؤّدِه، وافْتَأد القومُ،
إِذا أوْقدوا نَاراً، والمُفْتَأَدُ مَوضِع الوَقودِ.
قَالَ النَّابِغَة:
سَفُودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ
وفئد الرجلُ أَصَابَهُ داءٌ فِي فُؤَاده.
فيد: قَالَ اللَّيْث: الفائدةُ مَا أَفَادَ اللَّهُ العبدَ من خير
يستفيده ويَسْتحدِثُه، وَقد فادتْ لَهُ من عندنَا فَائِدَة وَجَمعهَا
الفوائِد.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: إنَّهُمَا ليتفايدانِ بِالْمَالِ
بَينهمَا أَي يُفيدُ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا صاحبَه وَالنَّاس
يَقُولُونَ: هما يَتَفَاوَدان العلمَ أَي يفيدُ كل مِنْهُمَا صاحبَه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أفدتُ المالَ أعطيتُه غَيْرِي وأفدتُه
استفدته، وَقَالَ أَبُو زيد مثله، وَأنْشد لِلْقِتَالِ:
نَاقَتُهُ تَرمُلُ فِي النِّقالِ
مُهْلكُ مالٍ ومُفيدُ مالِ
أَي مستفيدُ مالٍ، وفاد المالُ نفسُه يَفيد: إِذا ثَبَتَ لَهُ مالٌ
وَالِاسْم الْفَائِدَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: والتَّفَيُّد: التَّبَخْتُر، وَقد تفَيَّد، وَهُوَ
رجل فَيَّادٌ ومُتَفَيِّد.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَيّادُ من الرِّجَال هُوَ الَّذِي يَلُفُّ مَا
قَدَرَ عَلَيْهِ من شَيْء وَأنْشد:
ولَيْسَ بالفَيَّادَة المُقَصْمِل
وَقَالَ غَيره: الفَيَّادَة الَّذِي يَفيدُ فِي مِشيته،
(14/138)
وَالْهَاء دخلت فِي نعت الْمُذكر مُبَالغَة
فِي الصّفة. وَقَالَ عَمْرو بن شَاس: فِي الإفادة بِمَعْنى الإهلال
فَقَالَ:
وقِتيان صِدْقٍ قد أَفدتُ جَزُورهم
بِذِي أَوَدٍ جَيْشِ المناقِدِ مُسْبِلِ
أفدتها: نحرتها وأهلكتُها من قَوْلك: فَادَ الرجلُ إِذا ماتَ، وأفدتُه
أَنا، وَأَرَادَ بقوله: بِذي أَوَدٍ: قِدْحاً مِن قِداح الميْسر يُقَال
لَهُ: مُسْبِلٌ، جَيش المناقِدِ، خَفِيف التَّوَقَان إِلَى الفَوْزِ.
(فود فيد) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والفَوْدُ: الْمَوْت وَقد فاد
يفيدُ، وَمِنْه قَول لبيد:
رَعَى خَرَزَاتِ الْملك عشْرين حِجَّةً
وعِشرينَ حَتَّى فادَ والشّيْبُ شَامِلُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: فادَ يَفُود إِذا ماتَ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَوْد الموتُ، والفَيد
الشّعرات فَوق جَحْفلة الفَرَسِ؛ وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن
الْأَعرَابِي عَن ابْن أَحْمد البَرْبَريّ عَن عبيد الله بن مُحَمَّد
اليزيدي قَالَ: قلت: للمؤَرّجِ لم اكْتَنَيْتَ بِأبي فَيْد؟ فَقَالَ:
الفيدُ مَنزلٌ بطرِيق مَكة، والفيد وَرْدُ الزّعفران.
أَبُو عبيد: الفَيَّادُ الذّكر من البُوم.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فَيَّدَ الرجلُ: إِذا تَطَيَّرَ من صَوْتِ
الفَيَّاد.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَيَهْمَاءَ بِاللَّيْلِ عطشَى الفلا
ةِ يؤْنِسُني صوتُ فَيّادِها
وَقَالَ اللَّيْث: الفَوْدان واحدهما فَوْد، وَهُوَ مُعظم شعر اللِّمّة
مِمَّا يَلِي الأُذَن، قَالَ: وَكَذَلِكَ فود جَناحَيْ العُقَاب.
وَقَالَ خُفَاف:
مَتَى تُلْقِ فَوْدَيْها على ظَهْر ناهضٍ
أَبُو مَالك: الفَوْد والحيْدُ نَاحيَة الرَّأْس.
قَالَ الْأَغْلَب:
فانْطَحْ بِفَوْدَيْ رَأسه الأركانا
قلت: الفَوْدان قَرْنا الرَّأس وناحِيَتاه، والفودان العِدْلان،
وَقَالَ مُعَاوِيَة للبيد: كم عطاؤُك؟ قَالَ: أَلفَانِ وَخَمْسمِائة،
فَقَالَ: مَا بالُ العِلاوةِ بَين الفَوْدَيْن؟ وفَوْد الخِباءِ
ناحيتاه، وَيُقَال: تَفَوّدت الأَوْعَالُ فَوق الْجبَال أَي
أَشْرَفَتْ.
دوف ديف: يُقَال: دَافَ الطَّيبَ فِي المَاء يَدُوفه دَوْفاً فَهُوَ
دَائِفٌ، والطِّيبُ مَدُوف.
قَالَ الأصمعيّ: وفادهُ يَفودُه مثله، وَقَالَ كثير:
يُباشِرْنَ فَأْرَ المِسك فِي كلِّ مَهْجَعٍ
وَيشرق جاديٌ بِهن مَفودِ
أَي مُدوف، يصف الْجَوَارِي، وَدِيافُ: قريةٌ بِالشَّام تنْسب
إِلَيْهَا النجائب، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(14/139)
إِذا سَاقَه العَوْد الدِّيافيُّ جَرْجَرا
ودف: أَبُو عبيد عَن الْفراء: وَدَفَ الشَّحمُ وَنَحْوه يَدِفُ إِذا
سالَ، وَقد استَوْدَفْتُ الشّحْمة إِذا استقطرتها.
وَيُقَال للْأَرْض كلهَا: وَدَفَةٌ وَاحِدَة خِصْباً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للروضة: وَدَفَةٌ وَوَدِيفة،
قَالَ: والأُدافُ والأُذاف بِالدَّال والذال فَرْج الرجل، وَأنْشد
غَيره:
أَوْلَجَ فِي كَعْثَبِها الأُدافا
قلت قيل: لَهُ أَدَافٌ لما يَدِف مِنْهُ، أَي يَقْطُر من المَنِيِّ
والمَذْيِ والبَوْل وَكَانَ فِي الأَصْل وُدَافاً فَقُلِبَتِ الْوَاو
همزَة لانضمامها كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:
{نُسِفَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} (المرسلات: 11) وَهُوَ فِي
الأَصْل وُقِّتَتْ.
(ودف) : وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لِبُظَارة الْمَرْأَة:
الوَدَفَة والوَذَفَة والوَزَرَةُ.
وَفد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرحمان
وَفْدًا} (مَرْيَم: 85) .
قيل: الوَفْدُ الركبانُ المكَرَّمون.
وَقَالَ الأصمعيّ: وَفَد فلانٌ يَفِدُ وِفادةً إِذا خرجَ إِلَى مَلِكِ
أَو أَمير؛ والوَفْد جمعُ الوَافِد.
وَيُقَال: وَفَّدَه الأميرُ إِلَى الْأَمِير الَّذِي فَوْقه، وأوْفَد
فلانٌ إيفاداً إِذا أشرَف.
وَيُقَال للْفرس: مَا أَحْسَن مَا أَوْفَدَ حارِكهُ أيْ أشْرفَ،
وَأنْشد فِي شعره فَقَالَ:
تَرَى العِلاَفِيَّ عَلَيْهَا مُوفدَا
كأَن بُرْجاً فوقَها مُشَيَّدَا
وَيُقَال: رأيتُ فلَانا مُسْتَوفِداً فِي قِعْدَتِه ومُستَوْفِزَا إِذا
قَعَدَ قُعوداً مُنْتَصِباً غيرَ مُطمئنّ، وأَمْسَيْنا على أوْفَادٍ
أَي على سَفَرٍ، قد أَشْخَصَنا أَي أَقْلَقَنَا.
أفد: يُقَال: أفِد الأمرُ يَأَفَدُ أَفَداً إِذا دَنَا وأَسْرع،
والأَفَدُ العَجَلةُ وَقد أَفِدَ تَرَحُّلنا واسْتَأْفد أَي دَنا
وعَجِل.
وَقَالَ النَّضر: أَسْرِعوا فَقَدْ أَفِدْتم أَي أَبْطَأْتُم.
والأفْدَةُ التَّأْخِيرُ.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي: امرأةٌ أَفِدَةٌ أَي عَجِلةٌ.
فدى: أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس: قَالَ: المُفَاداةُ أنْ
تَدْفعَ رجُلاً وتأخذَ رَجُلاً، والفِداءِ أَن تَشْتَرِيه، فديتُه
بِمَالي فِداء وفديتُه بنفسي.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ:
{وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} (الْبَقَرَة: 85) .
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر: (أُسَارَى) بأَلفٍ
(تَفْدُوهم) بِغَيْر أَلِفٍ، وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ
وَيَعْقُوب
(14/140)
الحَضْرمي: (أُسارى تفادوهم) بأَلِفٍ
فيهمَا، وقَرَأَ حَمْزَة (أَسْرَى تَفْدوهم) بِغَيْر أَلِفٍ،
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم عَن نصير بالرازي.
يُقَال: فَادَيْتُ الأسيرَ وفادَيْت الأُسارى هَكَذَا تَقول الْعَرَب.
وَيَقُولُونَ: فَدَيْتُه بِأبي وَأمي وفَدَيْتُه بِمَالي كأنّه
اشتريتَه بِه وخلصته بِه إِذا لم يكن أَسِيرًا؛ وَإِذا كَانَ أَسِيرًا
مَمْلُوكا قلتَ: فاديتُه وَكَانَ أخي أَسِيرًا ففادَيْتُه، كَذَا
تَقوله العربُ.
وَقَالَ نُصَيْبٌ:
وَلكِنَّني فَادَيْتُ أُمِّي بَعْد مَا
عَلاَ الرأسَ مِنْها كَبْرةٌ ومَشِيبُ
قَالَ وَإِذا قلت: فدَيْتُ الأسيرَ فَهُوَ أَيْضا جَائِز بِمَعْنى
فَدَيْتُه مِمَّا كَانَ فِيهِ أَي خلَّصتُه مِنْهُ، وفَاديْتُ أحسنُ
فِي هَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ الله جَلّ وعَزّ: {للهالْبَلاَءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 107) أَي جعلنَا الذّبْح فِداء لَهُ
خلَّصْناهُ بِهِ من الذَّبْح.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ: مَن قَرَأَ تفدوهم فَمَعْنَاه تشتروهم من العدوّ
وتنقذوهم، وأمّا تفادوهم فَيكون مَعْنَاهُ تماكسون مَن هم فِي أَيْديهم
فِي الثّمن ويماكِسُونكم.
وَقَالَ الْفراء: العربُ تَقْصر الفِدا وتمدُّه يُقَال: هَذَا فِداؤك
وفِداك، وَرُبمَا فتحُوا الْفَاء، إِذا قَصَرُوا فَقَالُوا: فَداك
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: من الْعَرَب من يَقُول: فَدًىَ لَك: فَيفتح
الْفَاء، وَأكْثر الْكَلَام كَسْرُ أَوَّلها وقصرها.
وَقَالَ النَّابِغَة:
فِدًى لَك مِن ربَ طَرِيفي وتالِدي
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والفَداء مَمْدُود جمَاعَة الطَّعَام من
الشّعير وَالتَّمْر وَنَحْوه وَأنْشد:
كَأَنَّ فَداءَها إذْ حَرَّدوه
وطافوا حَوْلَه سُلَكٌ يَتِيمُ
وَقَالَ شمر: الفَداءُ والجُوخان واحدٌ، وَهُوَ مَوْضِعُ التَّمرِ
الَّذِي يُبَسَّرُ فِيهِ قَالَ وَقَالَ بعض بني مُجاشِع: الفَداء
التَّمْر مَا لم يُكْنَزْ. وَأنْشد:
مَنَحْتَنِي مِن أَخْبَث الفَداءِ
عُجْرَ النَّوى قَليلةَ اللِّحاءِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أَفْدَى الرجلُ إِذا بَاعَ التَّمر
وأَفْدَى إِذا عَظُم بَدنُه.
(بَاب الدّال والبَاء)
(د ب (وايء))
دبا، دَاب، وبد، أدب، أَبَد، بدا، بيد.
دبا: قَالَ اللَّيْث: الدُّبَّاءُ القَرْعُ الْوَاحِدَة دُبّاءَةٌ.
وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن
الدُّبَّاء والحنْتَم والنّقِير وَهِي أوعية كَانُوا ينتبذون فِيهَا
وضرِيَتْ فَكَانَ النبيذُ يغلى فِيهَا سَرِيعا ويُسْكِر فنهاهم عَن
الانتِبَاذِ
(14/141)
فِيهَا، ثمَّ رَخَّصَ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام فِي الانتبَاذ فِيهَا بِشَرْط أَن يشْربُوا مَا فِيهَا
وَهُوَ غيرُ مُسكر. وَقَالَ:
إِذا أقْبَلتْ قُلْتَ دُباءَةٌ
من الخُضْر مَغمُوسَةٌ فِي الغُدَرْ
أَبُو زيد قَالَ: دبَّأت الشيءَ ودبّأْتُ عَلَيْهِ أُدَبِّي تدبيئاً
إِذا غَطّيتَ عَلَيْهِ وواريته.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الْجَرَاد أوَّلُ مَا يكون سَرْواً
وَهُوَ أَبيض فَإِذا تَحَرَّكَ واسْوَد فَهُوَ دَبًى، قبلَ أَن تنْبت
أجنحته.
عَمْرو عَن أَبِيه: جَاءَنَا فلَان بدَبى دبى إِذا جَاءَ بِالْمَالِ
كالدّبى.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّمَا يُقَال فِي هَذَا: جَاءَنَا
دبيّ ودبى دُبَيَّيْن فالدبَى مَعْرُوف ودُبَيٌّ موضعٌ وَاسع
فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا بِمَال كدَبى ذَلِك الْموضع الْوَاسِع.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذَا هُوَ القَوْل، وَقَالَ فِي مَوضِع
آخر: الدَّبَى المالُ الْكثير.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أَرض مُدْبِيَةٌ ومُدبِّيَة كلتاهما من
الدبَى، قَالَ وَقَالَ الْكسَائي: أَرض مُدبِّيَةٌ بتَشْديد الْبَاء.
دأب: قَالَ اللَّيْث: الدُّؤوبُ المبالَغةُ فِي السّير، وأَدأَبَ الرجل
الدَّابَّة إدآباً إِذا أتعبها، وَالْفِعْل اللَّازِم دأَبَتِ الناقةُ
تدأَبُ دؤُوباً.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {كَدَأْبِءَالِ فِرْعَوْنَ}
(آل عمرَان: 11) أَي كشأن آل فِرْعَوْن، وكأمر آل فِرْعَوْن، كَذَا
قَالَ أهل اللُّغَة.
قَالَ: وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ وَالله أعلم إنَّ دَأْبَ هَهُنَا
اجتهادهم فِي كفرهم وتظاهرُهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كتظاهر آل فِرْعَوْن على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: دأبتُ
أدأبُ دأْباً ودأَباً ودؤوباً: إِذا اجتهدتَ فِي الشَّيْء.
أَبُو عبيد يُقَال: مَا زَالَ دِينك ودأبَك ودَيْدَنَكَ وديْدَيُونَك
كُله فِي الْعَادة.
بدا: قَالَ اللَّيْث: بدا الشيءُ يَبدو بدُوّاً إِذا ظهر وبدا لَهُ فِي
هَذَا الْأَمر بَدَاءٌ.
قلت: وَمن هَذَا أَخذ مَا يَكْتُبهُ الْكتاب فِي أعقاب الْكتب:
وَبَدَاءات عَوارضتك على فَعَالات واحدتها بداءة بِوَزْن فَعالة
تَأْنِيث بَدَاءٍ أَي مَا يَبْدُو بُدُوّاً من عوارضك وَهَذَا مِثل
السَّمَاء: لما سَما وعَلاك من سَقْفٍ أَو غَيره.
وَبَعْضهمْ يَقُول: سَماوَةٌ، وَلَو قيل: بَدوَات فِي بَدَاءاتِ
الْحَوَائِج كَانَ جَائِزا، وَقَالَ اللَّيْث: الباديةُ اسمٌ للْأَرْض
الَّتِي لَا حَضَر فِيهَا وَإِذا خرج النَّاس من الْحَضَر إِلَى
المراعي فِي الصحارى قيل: قد بَدَوْا، وَالِاسْم: البَدْوُ.
قلت: الباديةُ خِلاف الْحَاضِرَة والحاضرةُ القومُ الَّذين يحْضرُون
الْمِيَاه وينزلون عَلَيْهَا فِي حَمْراء القَيظ فَإِذا بَرَد الزمانُ
ظَعَنُوا
(14/142)
عَن أَعْدَادِ الْمِيَاه، وبَدَوْا طَلباً
لِلْقُرْبِ من الكَلإِ فالقوم حينئذٍ باديةٌ، بَعْدَمَا كَانُوا
حاضِرةً وبادُون بَعْدَمَا كَانُوا حاضرين: وَهِي مَباديهم جمع
مَبْدًى، وَهِي المناجِعُ ضِد المحاضر، وَيُقَال لهَذِهِ الْمَوَاضِع
الَّتِي يَتَبَدَّى إِلَيْهَا، البَادون: باديةٌ أَيْضا وَهِي البوادِي
وَالْقَوْم أَيْضا بَوَادٍ، جمع باديةٍ، وَيُقَال للرجل إِذا تَغَوَّطَ
وأحدثَ: قد أبدى فَهُوَ مُبْدٍ، وَقيل لَهُ: مبدٍ لِأَنَّهُ إِذا أحدث
بَرَزَ من الْبيُوت وَهُوَ مُتَبَرِّزٌ أَيْضا.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي: هِيَ البِداوة والحَضارة بِكَسْر
الْبَاء وَفتح الْحَاء.
وَأنْشد:
فَمَنْ تكُنْ الحضَارَةُ أَعْجَبتْه
فأَيَّ رجالِ باديةٍ تَرانا
قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد: البَداوة والحِضارة بِفَتْح الْبَاء وَكسر
الْحَاء.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ
هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْى} (هود: 27) قَرَأَ أَبُو عَمْرو
وَحده: (بادىءَ الرَّأْي) بِالْهَمْز وَسَائِر الْقُرَّاء قرءُوا
(باديَ) بِغَيْر همز.
وَقَالَ الْفراء: لَا يهمز باديَ الرَّأْي لِأَن الْمَعْنى: فِيمَا
يظْهر لنا ويبدو، وَقَالَ: وَلَو أَرَادَ ابْتَداء الرَّأْي فَهَمَز
كَانَ صَوَابا.
وَأنْشد فَقَالَ:
أَضْحَى لِخَالِي شَبَهي بَادي بَدِي
أَرَادَ بهِ ظاهرِي فِي الشَّبَهِ لخَالي.
وَقَالَ الزّجاج: نصب باديَ، على اتَّبعوك فِي ظاهرِ الرَّأْي
وَبَاطِنهمْ على خلاف ذَلِك، وَيجوز أَن يكون اتبعوك فِي ظَاهر
الرَّأْي وَلم يتدبّروا مَا قلتَ، وَلم يفكروا فِيهِ، وَقيل للبَرِّية:
باديَةٌ لِأَنَّهَا ظاهرةٌ بارزةٌ، وَقد بَدَوْتُ أَنا، وأبْدَيْتُ
غَيْرِي، وكلُّ شَيْء أظهرتَه فقد أبْدَيتَه، وَأما قِراءةُ أبي
عَمْرو: بادىء الرَّأْي فَمَعْنَاه أوّلَ الرَّأْي، أَي اتَّبعوك
ابتداءَ الرَّأْي حينَ ابتدأوا ينظرُونَ، وَإِذا فَكَّروا لم يتَّبعوك.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: بادىءَ من بَدَأَ إِذا ابْتَدَأَ.
قَالَ: وانتصابُ مَن هَمز وَمن لم يهمز بالاتباع على مَذْهَب الْمصدر،
أَي اتبعوك اتبَاعا ظَاهرا واتباعاً مُبتدَأ.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى، مَا نرَاك اتَّبَعَك إِلَّا الَّذين
هم أراذِلنا فِي ظَاهِر مَا ترى مِنْهُم، وطَوِيّاتُهم على خِلافِك
وعَلى مُوافَقَتِنَا وَهُوَ مِن بَدا يَبْدُو إِذا ظهر.
وَقَالَ فِي تَفْسِير قَوْله:
أَضْحَى لخَالي شَبَهِي بَادِي بَدي
وصَارَ الفحلُ لِساني وَيَدِي
قَالَ: مَعْنَاهُ: خرجتُ عَن شَرْخ الشَّبَاب إِلَى حَدِّ الكهولة
الَّتِي مَعهَا الرأْيُ والحِجَى، فَصرتُ كالفحُولة الَّتِي بهَا يَقع
الأخيَارُ وَلها بِالْفَضْلِ تكْثُر الْأَوْصَاف.
(14/143)
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: أفعل ذَلِك
بادىءَ بَدْءٍ مثل فاعلَ فَعْلٍ وبَادىءَ بَدِىءٍ على فعيل وبادي
بَدِيَ غير مَهْمُوز.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال: أفْعَل هَذَا باديَ بَدْءٍ كَقَوْلِك: أولُ
شَيْء وَكَذَلِكَ بَدْأة ذِي بَدْءٍ كَقَوْلِك أول شَيْء.
قَالَ: وَمن كَلَام الْعَرَب، بَادِي بَدِيَ بِهَذَا الْمَعْنى إِلَّا
أَنه لَا يهمز.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: البَدْءُ السَّيِّدُ.
وَأنْشد:
ترى ثنْياناً إِذْ مَا جَاءَ بَدْؤُهم
وبَدأَهُمْ إِن أَتَانَا كَانَ ثِنْيَانَا
وبَدَأَ اللَّهُ الْخلق وأَبدأَهم.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} (الرّوم: 27) .
وَقَالَ: {لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ} (البروج: 13)
فَالْأول مِن المبادىء وَالثَّانِي من المُبدىء وَكِلَاهُمَا صفةٌ لله
عزّ وجلّ جليلة.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: جَاءَ بِأَمْر بديءٍ على فَعيل أَي عَجيب،
قَالَ: وبديءٍ من بدأنَهُ.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَبداءُ المفاصل وَاحِدهَا بَدْءٌ
مَقْصُور وَهُوَ أَيْضا بدءٌ مَهْمُوز تَقْدِيره بدْعٌ وَجمعه بدوء على
وزن بُدُوعٍ.
وَقَالَ غَيره: البدءُ: البئْرُ البديء الَّتِي ابتُدىء حَفْرُها
فحفِرتْ حَدِيثَة وَلَيْسَت بِعاديَّةٍ وتُرك فِيهَا الْهَمْز فِي
أَكثر كَلَامهم.
وَيُقَال: فعلتُ ذَلِك عَوْداً وبدءَا.
وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفَّلَ فِي
البدأَة الرُّبْعَ، وَفِي الرَّجعة الثُّلُثَ، أَرَادَ بالبدأة
ابْتِدَاء سفر الغَزْو، إِذا نَهضتْ سَرِيَّةٌ من جُملة الْعَسْكَر
فَأَوْقَعتْ بطَائفَة من العدوّ فَمَا غنموا كَانَ لَهُم الرّبع،
ويَشْرَكُهم سائرُ الْعَسْكَر فِي ثَلَاثَة أَربَاع مَا غَنِموا، فَإِن
قَفَلوا من الغَزاةِ، ثمَّ نهضتْ سَرِيَّة كَانَ لَهُم من جَمِيع مَا
غنموا الثُّلُثُ، لِأَن نهوضَهم سَرِيةً بعد القَفْل أشقُّ والخطرُ
فِيهِ أعظم.
الْأَصْمَعِي: بُدِىءَ الرجلُ فَهُوَ مَبدوءٌ إِذا جُدرَ فَهُوَ
مَجْدور، والبدءُ خير نصيب فِي الْجَزُور وَجمعه أَبداءٍ، وَمِنْه قَول
طرفَة:
وهُمْ أَيْسارُ لُقمانَ إِذا
أَغْلَتِ الشَّتْوَةُ أَبداء الجُزُرْ
وَيُقَال: أَهْدَاهُ بدأَةَ الجزُورِ أَي خَيْرَ الأنْصِبَاءِ.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
على أَيِّ بَدْءٍ مَقْسمُ اللَّحْمِ يُجْعَلُ
وَقَالَ أَبُو زيد: أبدأتُ من أرضٍ إِلَى أرضٍ أُخْرَى، إِذا خرجتَ
مِنْهَا إِلَى غَيرهَا إِبداء، وبدىء فلانٌ فَهُوَ مَبدوء إِذا أَخذه
الجُدَرِيُّ أَو الحَصْبةُ، وبدأتُ بِالْأَمر بَدْءاً.
وَفِي الحَدِيث: (حَرِيمُ الْبِئْر البديءِ خَمْسٌ
(14/144)
وعِشرون ذِرَاعا) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال للرَّكِيَّةِ: بَدِيءٌ وبَديعٌ إِذا
حَفَرْتَها أَنْتَ، فَإِن أَصَبْتَها قد حُفِرت قَبْلك فَهِيَ
خَفِيَّةٌ، قَالَ: وَزَمْزَم خَفِيَّةٌ لِأَنَّهَا كَانَت لإسمَاعيلَ
فانْدَفَنَتْ وَأنْشد:
فَصَبَّحَتْ قبلَ أَذَانِ الفُرْقَانْ
تَعْصِبُ أَعْقارَ حياضِ البُودانْ
قَالَ: البُودانُ القُلْبانُ، وَهِي الرّكابا وَاحِدهَا بَدِيءٌ قلت:
هَذَا مَقْلوبٌ، وَالْأَصْل البُدْيَانُ فَقَدَّمَ الْيَاء وَجعلهَا
وَاواً، والفُرْقَانُ الصُّبْحُ.
بيد: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَادَ يَبِيدُ بَيْداً، وأباده الله،
والبَيْدَاءُ مفازةٌ لَا شيءَ فِيهَا، وَبَين المسجدين أَرضٌ مَلْساءُ
اسمُها البَيْداء.
وَفِي الحَدِيث: (أنَّ قوما يَغْزونَ البيتَ فَإِذا نزلُوا
بِالْبَيْدَاءِ بعثَ اللَّهُ جِبريلَ فَيَقُول: يَا بَيْدَاءُ
أَبِيديهم فَتُخسف بهم) ، وأتانٌ بَيْدَانَةُ تَسْكُنُ البَيْداء.
وَقَالَ شمر: البَيْدانَة الأتَانُ الوَحْشِيَّة أُضِيفَتْ إِلَى
البَيْداء، والجميع البَيْدانَات.
ورُوِيَ عَن النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أَنا
أَفْصحُ الْعَرَب بَيْدَ أَنِّي من قُرَيش، ونشأت فِي بني سَعْد بن
بكر) .
وَفِي الحَدِيث الآخر: (نَحن الآخِرون السابِقون يَوْم الْقِيَامَة
بَيْد أَنهم أُوتوا الْكتاب من قَبْلِنا وأُوِتيناهُ من بَعْدهم) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: قَوْله بَيْدَ مَعْنَاهُ غَيْرَ.
وَقَالَ الأُمَوِيّ: بَيْدَ مَعْنَاهَا عَلَى، وأنشدنا لِرجل يُخاطِبُ
امْرَأَة فَقَالَ:
عَمْداً فَعَلْتُ ذاكِ بَيْد أَنِّي
إخالُ إنْ هَلكتُ لم تُرِنِّي
يَقُول: على أَنِّي أخاكُ ذاكِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى مَيْد بِالْمِيم كَمَا قَالُوا
أغْمَطَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى واغْبَطت وسَبَّد رأْسَه وسَمَّده.
وَقَالَ ابْن السّكيت: بَيْد بِمَعْنى غير يُقَال: رجل كثير المَال
بَيْد أَنَّه بخيلٌ مَعْنَاهُ غيرَ أنَّهُ بخيل قَالَ: والبِيدُ جمع
للبيداء وَهِي الفلاة.
ابْن شُمَيْل: البيداءُ المكانُ المُسْتَوِي المُشْرِفُ، قَليلَة
الشّجر جَرْدَاءٌ تَقودُ اليومَ ونِصْفَ يومٍ فأقلَّ، وأشرافها شَيْء
قَلِيل لَا ترَاهَا إِلَّا غَلِيظةً صُلْبةً لَا تكون إِلَّا فِي أَرض
طين، وبَاد يبِيد بَيْداً إِذا هلك. وَقد أبادهم الله.
وبد: قَالَ اللَّيْث: الوَبَد سُوء الحالِ، يُقَال: وَبِدَتْ حالُه
تَوْبَد وَبَداً وَأنْشد:
وَلَوْ عالَجْنَ مِن وَبَدٍ كِبالاَ
وَقَالَ اللحياني: الوَبِدُ الشديدُ العَيْنِ وَإنَّهُ لَيَتَوَبَّد
أموالَ النَّاس أَي يُصِيبُها بِعَيْنِه فيُسقطها.
(14/145)
وَأَخْبرنِي ابْن هاجَك عَن ابْن جَبَلة
أَنه قَالَ: الوَبَد الفَقْرُ والبُؤْسُ، وَرجل وَبِدٌ وَقوم أوْباء،
قَالَ: وأنشدني أَبُو عبيد لعَمْرو بن العَدَّاء الْكَلْبِيّ:
لأصْبَحَ الحيُّ أَوْباداً وَلم يَجِدُوا
عِنْد التَّفرُّق فِي الهيجا جِمَالَيْن
أَبَد: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أَبَدْتُ بِالْمَكَانِ آبُدُ بِهِ
أَبُوداً، إِذا أقمتَ بِهِ وَلم تبرَحْهُ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن
بَعِيرٍ شَرَدَ فَرماه رجلٌ بِسَهْم فَأَصَابَهُ فَقَالَ: (إِن لهَذِهِ
الْبَهَائِم أَوَابد كأَوَابِد الوَحْش، فَمَا غَلَبَكم مِنْهَا
فاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو: الأوابِد
الَّتِي قد تَوَحَّشتْ ونَفَرت من الإنْس يُقَال: قد أَبَدَت تَأْبُد
وتَأْبِد أُبُوداً وتَأَبَّدَتْ تَأَبُّداً.
وَمِنْه قيل لِلدَّار إِذا خَلا مِنْهَا أهلُها خَلَفَتْهم الوَحْشُ
بهَا: قد تَأَبَّدَت. وَقَالَ لَبيد:
بِمِنًى تَأَبَّد غَوْلُها فَرِجامُها
وَيُقَال للكلمة الوحشية: آبِدةٌ، وَجمعه الأوَابِدُ، وَيُقَال للطير
المقيمة بأرضٍ شتاءَها وصَيْفَها: أَوَابِد.
أَبُو عبيد عَن الفرَّاء يُقَال: عَبِد عَلَيْهِ وأَبِدَ وأَمِدَ
وَوَبِد وَوَمِد إِذا غَضِبَ عَلَيْهِ أَبداً ووَبداً وومَدَاً
وعَبَداً.
وَقَالَ اللَّيْث: أتانٌ إبِدٌ فِي كل عَام تَلد.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب فِعِلٌ إِلَّا إِبِدٌ وإِبِلٌ
ونِكِحٌ وخِطِبٌ إِلَّا أَن يَتَكَلَّف مُتَكَلِّفٌ فَيَبْنِيَ على
هَذِه الأحرف مَا لم يُسْمع عَن الْعَرَب.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأبِدُ الأتَانُ تَلِدُ كلَّ عامٍ، قلت: أما
إبلٌ وإبِدٌ فمسموعان وَأما نِكِحٌ وخِطِبٌ فَمَا حَفظتهَا عَن ثِقَة
وَلَكِن يُقَال نِكْحٌ وخِطْبٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: لَا أَفعلهُ أبدا الأيبد
وأَبَداً الآباد وَلَا آتيه أَبَدَ الدَّهْر، ويَدَ المُسْنَدِ أَي لَا
آتيه طولَ الدَّهْر.
وَقَالَ اللحياني: لَا أَفْعَلُ ذَلِك أَبَدَ الآبديْن وأبد
الأبَدِيَّةِ أَي أَبَدَ الدَّهْر، وَيُقَال: وقف فلَان أرضَه وَقفا
مُؤبَّداً إِذا جَعَلها حَبِيساً لَا تُباع وَلَا تُورَثُ. وَقد أبّد
وقْفَها تأبيداً.
أدب: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَ فلانٌ بأمرٍ أَدْبٍ مجزوم
الدّال أَي بِأَمْر عَجِيبٍ وَأنْشد:
سمِعْتِ من صَلاصلِ الأشْكالِ
أَدْباً على لَبَّاتها الحَوالِي
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إِن هَذَا الْقُرْآن مأدُبة الله فتعلموا
من مأدُبته.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: مأدُبته ومأدَبته، فَمن قَالَ: مأْدُبته
أَرَادَ بِهِ الصنيعَ يَصنعُه الرجلُ فيدعو إِلَيْهِ الناسَ، يُقَال
مِنْهُ: أَدَبْتُ على الْقَوْم آدِبُ أَدْباً وَرجل آدِبٌ، وَقَالَ
(14/146)
طرفَة:
نحنُ فِي المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى
لَا تَرَى الآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ
وَقَالَ عديّ بنُ زيد:
زَجِل وبلُه يُجاوِبه دفأٌ
لخون مأدوبَة وزمير
فالمأْدُوبَة الَّتِي قد صُنِع لَهَا الصَّنِيع.
قَالَ أَبُو عبيد: وَتَأْويل الحَدِيث أَنه شبَّه الْقُرْآن بِصَنِيعٍ
صَنَعه اللَّهُ للنَّاس لَهُم فِيهِ خيرٌ ومنافعُ ثمَّ دعاهم إِلَيْهِ،
قَالَ: وَمن قَالَ: مأْدَبَةً جَعَله مَفْعَلَةً من الأدَب وَكَانَ
الْأَحْمَر يجعلهما لُغَتَيْن: مأدُبة ومأدَبة بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلم أسمع أحدا يَقُول هَذَا غَيره، والتفسيرُ
الأوّل أعجبُ إليّ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: آدَبْتُ أُودبُ إيداباً، وأَدبْتُ
آدبُ أَدْباً.
قلت: والأدَبُ الَّذِي يَتَأَدبُ بِهِ الأديبُ من النَّاس، سمي أَدَباً
لِأَنَّهُ يأْدِب الناسَ الَّذين يتعلمونه إِلَى المحامِد وينهاهم عَن
المقابح يَأْدبهم أَي يَدعُوهُم، وأصل الأدْب الدّعاء، وَقيل للصَّنيع
يُدْعَى إِلَيْهِ النَّاس: مَدعاةٌ ومأْدَبة، وَيُقَال للبعير إِذا
رِيض وذُلِّلَ: أديبٌ مُؤَدب. وَقَالَ مُزَاحم الْعقيلِيّ:
وهُنَّ يُصَرِّفْن النَّوَى بَين عالِجٍ
ونَجْرَانَ تَصْرِيفَ الأدِيبِ المُذَلَّلِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو يُقَال: جَاشَ أَدَبُ الْبَحْر، وَهُوَ كَثْرَة
مَائه وَأنْشد:
عَن ثَبَجِ الْبَحْر يَجِيشُ أَدَبُه
وَقَالَ أَبُو زيد: أَدُبَ الرجل يَأْدُبُ أَدَباً فَهُوَ أَديب
وأَدِبٌ، وأَرُبَ يَأْرُبُ إِرْبةً وأَرَباً فِي العَقْلِ فَهُوَ
أَرِيبٌ.
انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.
(بَاب الدّال وَالْمِيم)
د م (وايء)
أَدَم، دوم، ديم، دمى، أمد، وَمد، مأد، دأَم.
دوم ديم: قَالَ اللَّيْث: دَامَ الشيءُ يَدُوم دَوْماً، والدِّيمةُ
مَطَرٌ يَدُوم يَوْمًا وَلَيْلَة أَو أَكثر.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: أَنَّهَا سُئِلتْ هَل كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُفَضِّلُ بعض الْأَيَّام على بعض فَقَالَت: كَانَ
عَمَلهُ دِيمَةً.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: أصل الدِّيمَةِ المطرُ
الدَّائمُ مَعَ سُكُون.
قَالَ أَبُو عبيدُ: فَشَبَّهَتْ عائشةُ عملَه فِي دوامِه مَعَ الاقتصاد
بِدِيمةِ الْمَطَر.
قَالَ: ويُرْوَى عَن حُذيفة أَنه ذكر الفِتَن فَقَالَ: إِنَّهَا
لَتَأْتِيَنَّكُم دَيماً ديماً يعْنِي أَنَّهَا تَملأ الأَرْض مَعَ
دوَام وَأنْشد:
ديمةٌ هَطْلاَءُ فِيهَا وَطَف
طَبَّق الأرضَ تَحَرَّى وتَدُر
وَجمع الدِّيمة دِيَم.
(14/147)
وَقَالَ شمر يُقَال: ديمةٌ وديْمٌ.
وَقَالَ الْأَغْلَب:
فَوَارِسٌ وَحَرْشَفٌ كالدِّيْمِ
لَا تَتَأَنَّى حَذرَ الكُلُومِ
وَرُوِيَ عَن أَبي العَمَيْثَل أَنه قَالَ: ديْمَةٌ وَجَمعهَا ديُومٌ
بِمَعْنى الدِّيمة.
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبَة: الدِّيمةُ من الْمَطَر الَّذِي لَا رَعْد
فِيهِ وَلَا بَرْقَ وتَدوم يومَها.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: من أَسمَاء الْخمر المُدام والمُدَامَةُ.
قَالَ اللَّيْث: سميت مُدامة لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء من الشَّرَاب
يُستطاع إدامَةُ شُرْبِه غيرَها.
وَقَالَ غَيره: سمّيَتْ مُدامة لِأَنَّهَا أُديمَتْ فِي الدِّنِّ
زَمَانا حَتَّى سَكَنَتْ بَعْدَمَا فارَتْ، وكل شَيْء يسكن فقد دَامَ،
وَمِنْه قيل للْمَاء الَّذِي سَكَنَ فَلَا يجْرِي: دائمٌ.
وَنهى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْ يُبَالَ فِي المَاء
الدَّائم ثمَّ يُتوضأ مِنْهُ، وَهُوَ المَاء الراكد السَّاكِن، وكل
شيءٍ سَكَّنْتَه فقد أَدمْتَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
تَجِيشُ عَلَيْنا قِدْرُهُم فَنُدِيمُها
ونَفْثَؤُهَا عنَّا إِذا حَمْيُها غَلاَ
قَوْله: نُديمها نُسَكِّنُها، ونَفْثَؤها نَكْسِرُها بالماءِ.
وَيُقَال للطائر إِذا صَفَّ جناحيه فِي الْهَوَاء وسكنَّهما وَلم
يحركهما كَمَا تفعل الحِدأ والرَّخم: قد دَوَّمَ الطَّائِر تَدْويماً
لِسكونه وتركِهِ الخَفَقَانَ بجناحين.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّدْوِيمُ تحلِيقُ الطائرِ فِي الْهَوَاء
ودَوَرَانُه، وَالشَّمْس لَهَا تدويمٌ كَأَنَّهَا تَدُور بدورانها
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
والشَّمْسُ حَيْرَى لَهَا فِي الجوِّ تَدْوِيمُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله: وَالشَّمْس حَيْرَى: تَقِفُ
الشمسُ بالهاجِرَةِ عَن الْمسير مِقْدَارَ مَا تسير سِتِّينَ فرسخاً
تَدور على مَكَانهَا، وَيُقَال: تَحَيَّرَ الماءُ فِي الرَّوْضَة إِذا
لم تكن لَهُ جِهَة يَمْضِي فِيهَا فَيَقُول: كَأَنَّهَا مُتَحَيِّرَةٌ
لدورانها قَالَ: والتَّدويم الدَّوَرَان يُقَال: دوَّمَتْ الشمسُ إِذا
دارتْ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أَخذه دُوَامٌ فِي رَأسه مثل الدُّوَار،
ودُوَّامةُ الغُلام بِرفع الدَّال وَتَشْديد الْوَاو، ودوَّمْتُ
القِدْرَ وأَدمْتُهَا إِذا كَسَرْتَ غَلَيانها قَالَ: ودوَّم الطائرُ
فِي السَّمَاء إِذا جَعل يَدُور، ودوَّى فِي الأَرْض وَهُوَ مِثْل
التَّدويم فِي السَّمَاء، قَالَ وَقَول ذِي الرمة:
حَتَّى إِذا دوّمَتْ فِي الأَرْض راجعهُ
كِبْرٌ وَلَو شَاءَ نَجَّى نفسَه الْهَرَب
استكراه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: ذكر الأصمعيّ أَن التَّدويمَ لَا يكون
إِلَّا من الطَّائِر فِي السَّمَاء، وَعَابَ على ذِي الرُّمَّة قولَه،
وَقد
(14/148)
قَالَ رؤبة:
تَيْماء لَا يَنْجُو بهَا مَنْ دوَّما
إِذا علاها ذُو انْقِبَاضٍ أجْذَمَا
أَي أسْرع.
وَقَالَ شمر: دوَّامَةُ الصَّبِي بِالْفَارِسِيَّةِ دوَابَهْ وَهِي
الَّتِي يَلْعَبُ بهَا الصّبيان، تُلَفُ بِسَيْرٍ أَو خَيْط ثمَّ
تُرْمَى على الأَرْض فتدور.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: دوَّمْتُ الشيءَ بَلَلْتَه، قَالَ ابْن
أَحْمَر:
وَقد يُدَوِّمُ ريقَ الطامِعِ الأملُ
أَي يَبُلُّه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: دامَ الشيءُ إِذا دارَ، وَدَامَ إِذا
وقف، ودامَ إِذا تَعِبَ.
وَقَالَ اللَّيْث: تَدْوِيمُ الزَّعْفَرَان: دوْفُه وإدارَتُه فِي
دوْفِه وَأنْشد:
وَهُنَّ يَدُفْنَ الزَّعْفَرَانَ المُدَوَّفَا
والدَّوْمُ شَجَر الْمُقْل الْوَاحِدَة دوْمَةٌ، وقرأت بِخَط شَمِر.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الضَّرِير: دوْمَةُ الجندل فِي غَائِط من الأَرْض،
خَمْسَة فراسخ.
قَالَ: وَمن قِبَلِ مَغْرِبِهِ عَيْنٌ تَثُجُّ فتَسْقِي مَا بِه من
النَّخِيل وَالزَّرْع قَالَ: ودوْمَةُ ضاحيةٌ بَين غَائطها، هَذَا
واسمُ حصنها مارِدٌ، وَسميت دوْمَةَ الجندل.
فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو عبيد لأنَّ حِصْنَها مَبنيٌّ بالجندل.
قَالَ: والضَّاحِيَةُ من الضَّحْل مَا كَانَ بارزاً من هَذَا الغَوْط،
وَالْعين الَّتِي فِيهِ، وَهَذِه الْعين لَا تَسْقِي الضاحية.
قَالَ وَغَيره يَقُول: دُومَة بِضَم الدَّال، وَسمعت دَومَة الجندل فِي
حَدِيث رَوَاهُ أَبُو عبيد قلت: وَرَأَيْت أَعْرَابِيًا بِالْكُوفَةِ
سُئِلَ عَن بَلَدِه فَقَالَ: دوْمَة الجندل.
وَقَالَ شمر: سمِّيت الخمرُ مُدامةً إِذْ كَانَت لَا تَنْزَفُ مِنْ
كثرتها فَهِيَ مُدامة ومُدام.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال لَهَا: مدامة لِعِتْقِهَا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: استدَامَ الرجل غَرِيمَه واسْتَدماه إِذا
رَفِقَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: استدامةُ الْأَمر الأناةُ فِيهِ، وَأنْشد:
فَلَا تَعْجَلْ بأَمْركَ واسْتَدمْه
فَمَا صَلَّى عَصاك كَمُسْتَديمِ
وَتَصْلِيةُ العَصا إدارتُها على النَّار لتستقيم، واستدامتُها التأنِي
فِيهَا، أَي مَا أحْكَمَ أَمْرَها كالتَّأَنِّي.
وَقَالَ شَمِر: المستديمُ المُبَالِغُ فِي الْأَمر واسْتَدِمْ مَا
عِنْد فلَان: أَي انْتظِرْهُ وارْقُبْه.
قَالَ: وَمعنى الْبَيْت: مَا قَامَ بحاجتك مثلُ مَن يُعْنَى بهَا
ويُحبُّ قَضاءَها.
وَقَالَ شَمِر: فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ: الدَّيمُومَة الأرضُ
المُسْتَوِيَةُ الَّتِي لَا أَعلامَ بهَا وَلَا طريقَ وَلَا ماءَ وَلَا
أنيسَ، وَإِن كانتْ
(14/149)
مُكْلِئَةً. وهُنَّ الدَّيامِيمُ. يُقَال:
عَلَوْنا دَيمُومةً بعيدَة الغَوْر، وعلونا أَرضًا دَيمُومةً مُنكرةً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّيامِيمُ: الصحارى.
وَقَالَ المؤرج: هِيَ الصحارى المُلْسُ المتباعدةُ الْأَطْرَاف.
قَالَ شَمِر وَقَالَ الأصمعيّ: الإيدَامةُ أَرض مستوية صلبة ليستْ
بالغليظة وَجَمعهَا الأَيادِيمُ، قَالَ وَيُقَال: أُخِذتْ الإيدَامةُ
من الأَديم، قَالَ ذُو الرمة:
كأنهن ذُرَى هَدْي محوَّبة عَنْهَا
الجِلال إِذا ابْيَضَّ الأيادِيم
وابيضاض الأياديم لِلسَّرابِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الإيدامَةُ الصُّلبة من
غَيْرِ حِجارة وَيُقَال: دِيمَ وأُديم إِذا أَخَذه دُوَار، والإدامَةُ
تَنْقِيرُ السَّهْم على الْإِبْهَام. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
فاسْتَلَّ أَهْزَعَ حنَّانا يُعَلِّلُهُ
عِنْد الإدامةِ حَتَّى يَرْنُوَ الطَّرِبُ
ودوَّمَتْ عَيناهُ تدويماً إِذا دارَت حَدَقَتُها.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الإيدَامةُ من الأَرْض السَّنَد الَّذِي لَيْسَ
بشَديد الإشرافِ، وَلَا يكون إِلَّا فِي سُهولِ الأَرْض، وَهِي
تَنْبُتُ وَلَكِن فِي نبتها زَمَرٌ لِغِلَظِ مَكانها وقِلَّة استقرارِ
المَاء فِيهَا.
أَدَم: فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْمُغِيرَة
بن شُعْبَة، وخَطبَ امْرَأَة: (لَو نظرتَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَى
أَن يُؤْدَم بَيْنكُمَا) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: قَوْله: يُؤْدم يَعْنِي أَن تكون
بَينهمَا الْمحبَّة والإتفاق يُقَال مِنْهُ: أَدمَ الله بَينهمَا
يَأْدِم أَدْماً.
وَقَالَ أَبُو الْجراح مثله. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا أَدْرِي الأَصْل
فِيهِ إِلَّا من أَدْمِ الطَّعامِ لِأَن صلاحَه وطيبه إِنَّمَا يكون
بالإدام، وَلذَلِك يُقَال: طَعَام مَأدُومٌ، وقَالتْ امْرَأَة دُرَيد
بن الصمَّة لَه وأَراد أَنْ يُطَلّقها: أَبَا فلَان أَتُطَلِّقُني
فوَاللَّه لقد أَطْعَمتُكَ مَأْدُومي وأبثَثْتُكَ مَكْتُومي
وَأَتَيْتُك باهِلاً غيرَ ذَات صِرار.
قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال: آدم الله بَينهمَا يُؤْدِمُ إيداماً
أَيْضا، وَأنْشد فَقَالَ:
والبِيضُ لَا يُؤْدِمن إِلَّا مُؤْدَما
أَي لَا يحببن إِلَّا مُحَبَّباً مَوْضِعاً لذَلِك.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء أَنه قَالَ: الأُدْمَةُ: الوَسِيلةُ إِلَى
الشَّيْء، يُقال: فُلانٌ أُدْمَتِي إِلَيْك أَي وَسِيلَتِي.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَينهمَا أُدْمَةٌ ومُلْحة أَي خُلْطةٌ،
قَالُوا: الأُدْمَةُ فِي النَّاس شربةٌ من سَواد، وَفِي الْإِبِل
والظباء، بَيَاض، يُقَال: ظبيةٌ أَدمَاءُ، وَلم أسمع أحدا يَقُول
للذّكر من الظباء: آدم وَإِن كَانَ قِيَاسا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الآدمُ من الْإِبِل الْأَبْيَض فَإِن
خَالَتْه حُمرةٌ فَهُوَ أصْهَبُ فَإِن
(14/150)
خالَطْت الحمرةُ صَغاهُ فَهُوَ مُدمَّى،
قَالَ: والأُدمُ من الظباء بيضٌ تعلوهن جُدَدٌ فِيهِنَّ غُبرةٌ، فَإِن
كَانَت خالصةَ الْبيَاض فهيَ الآرَامُ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْأَنْبَارِي
عَن أَحْمد بن عبيد بن نَاصح قَالَ: كُنَّا نَأْلَفُ مَجْلسَ أبي
أَيُّوب ابْن أُخْت أبي الْوَزير، فَقَالَ لنا يَوْمًا، وَكَانَ ابْن
السِّكِّيتِ حَاضرا: مَا تقولُ فِي الأُدمِ من الظبا؟ فَقَالَ: هِيَ
البيضُ البُطونِ السُّمْر الظُّهُور يَفصِلُ بَين لَوْن ظُهُورهَا
وبُطونها جُدَّتان مِسْكيَّتان، قَالَ: فالتَفَتَ إليّ فَقَالَ: مَا
تَقول يَا أَبَا جَعْفَر؟ فَقلت: الأُدْمُ على ضَرْبين، أما الَّتِي
مَساكِنُها الجبالُ فِي بِلَاد قيسٍ فَهِيَ على مَا وَصَف، وأمَّا
الَّتِي مَساكنُها الرَّملُ فِي بِلَاد تَميم فَهِيَ الخوالِص
البَيَاضِ، فَأنْكر يعقوبُ، وَاسْتَأْذَنَ ابنُ الْأَعرَابِي على
تَفيئَة ذَلِك، فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: قد جَاءَكُم من يَفْصِلُ
بَيْنكُم، فَدخل فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوب: يَا أَبَا عبد الله مَا
تَقول فِي الأُدم من الظِّباء؟ فَتكلم كَأَنَّمَا يَنْطِق عَن لِسَان
ابْن السِّكِّيت؛ فَقلت: يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فِي ذِي
الرُّمة؟ قَالَ: شَاعِر، قلتُ: مَا تَقول فِي قَصيدته صَيْدَح؟ قَالَ:
هُوَ بهَا أعرف مِنها فَأَنْشَدته:
مِن المُؤْلِفاتِ الرملَ أدماءُ حُرَّةٌ
شُعَاعُ الضُّحَى فِي مَتْنِها يَتَوَضَّحُ
فَسَكَتَ ابْن الْأَعرَابِي، وَقَالَ: هِيَ الْعَرَب تَقول مَا
شَاءَتْ.
وَقَالَ الزّجاج: يَقُول أهل اللُّغَة: آدَم: اشتقاقه من أَدِيم
الأَرْض لِأَنَّهُ خُلِق من تُراب، وَكَذَلِكَ الأُدْمَةُ إِنَّمَا
هِيَ مُشَبَّهة بلون التُّراب، وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث، قَالَ:
والأَدَمُ جمع الأَدِيم، قَالَ: وأَدِيمُ كلِّ شيءٍ ظاهرُ جِلْدِه
وأَدَمَةُ الأرضِ وجهُها والإدام والأَدْم مَا يُؤْتَدم بِهِ مَعَ
الْخبز.
وَفِي الحَدِيث: (نعم الإدامُ الخَلُّ وطَعَامٌ مأْدُومٌ) .
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: يُقَال للجلد إهَاب وَالْجمع أُهُب وأَهَبٌ
مُؤَنّثَة. قَالَ: فَأَما الأَديمُ والأفقُ فمذكر، إِلَّا أَن يقْصد
قصد الْجُلُود، والأدمة. فَتَقول: هِيَ الْأدم والأفق، يُقَال: أَدِيم
وآدمة فِي الْجمع الْأَقَل على أَفعلهُ يُقَال: ثَلَاثَة آدمةٌ وأربعةُ
آدمةٍ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ وَهُوَ الَّذِي
قد جَمَع لينًا وشِدَّة مَعَ الْمعرفَة بالأمور. قَالَ: وأصلهُ من
أَدمةِ الْجلد وبَشَرَتهِ فالبَشَرة ظاهِرهُ وَهِي مَنْبِت الشَّعْر
والأَدمةُ باطِنُهُ وَهُوَ الَّذِي يَلِي اللَّحْم، قَالَ: فَالَّذِي
يُراد مِنْهُ أَنه قد جمع لِينَ الأدَمَةِ وخُشونَة البَشَرة وجَرَّبَ
الْأُمُور وَنَحْو ذَلِك. قَالَ أَبُو زيد.
(14/151)
وَقد يُقَال: إِنَّمَا يُعَاتَبُ الأَديمُ
ذُو البَشَرة أَي يُعاد فِي الدِّباغ، وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا يُعاتَبُ
مَن يُرجى، وَمن بِهِ مُسْكَةٌ وقوةٌ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: أَن أَبَا
عدنان أخبرهُ عَن الأصمعيّ قَالَ: يُقَال: فلانٌ مَأْدُومُ مُؤْدَمٌ
مُبْشَرٌ أَي هُوَ جامعٌ يصلح للشدة والرَّخاء. وفلانٌ أَدَمَةُ بني
فلَان، وَقد أَدَمَهم يَأْدُمُهم، وَهُوَ الَّذِي عَرَّفهم النَّاس.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فلَان مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ كريمُ
الْجلد غليظه جَيِّده، وَمن أمثالهم: سَمْنُكم هُريق فِي أَدِيمكم أَي
فِي مأدومكم. وَيُقَال: فِي سِقائكم، وأَتَيْتُه أَدِيمَ الضُّحَى أَي
عِنْد ارْتِفَاع الضُّحَى.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال: بَشَرْتُه وأَدَمْتُه ومَشَنْتُه أَي
قَشَرتُه وَيجمع آدَمُ أَوَادِم، والإيدَامَةُ الأَرْض الصُّلْبةُ
مَأْخُوذ من أَدِيمِ الأَرْض وَهُوَ وَجْهُها.
دمى: قَالَ اللَّيْث: الدَّمُ معروفٌ والقطعة مِنْهَا دَمَةٌ واحدةٌ،
وكأَنَّ أَصله دَمَيٌ لِأَنَّك تَقول دَمِيَتْ يدُه.
وَقَالَ غَيره: الأَصْل: دَمًا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الدَّمُ اسْم على
حَرْفين فَقَالَ بَعضهم فِي تثنيته الدَمَيَان وَفِي جمعه الدِّماء.
وَقَالَ بَعضهم: الدَّمان. وَأنْشد:
فَلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنا
جَرَى الدَّمَيَانِ بالخَير اليَقِينِ
فَثَنَّاه بِالْيَاءِ، وَيُقَال فِي تصريفه: دَمِيَتْ يَدِي تَدْمى
دَماً فَيُظْهِرُون فِي دَمِيَتْ وتَدْمى الْيَاء، وَالْألف
اللَّتَيْنِ لم يجدوهما فِي دَمٍ. قَالَ: ومِثله يَدٌ أصلُها يَدْيٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الدَّامِيَةُ من الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تَدْمَى
مِن غير أَن يسيلَ مِنْهَا دَمٌ وَمِنْهَا دَمٌ، وَمِنْهَا الدَّامِعةُ
وَهِي الَّتِي يسيلُ مِنْهَا الدَّم.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّمْيَةُ الصَنَم وَالصُّورَة المنَقَّشة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْمَرْأَة الدُّمْيةُ يكْنى عَن
الْمَرْأَة بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: وبَقْلَةٌ لَهَا زهرَة يُقَال لَهَا: دُمْية
الغِزلان.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: المُدَمَّى من الثِّيَاب: الأَحْمَرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: المدَمَّى من الْخَيل: الأَشْقَرُ الشديدُ الحُمرة.
شِبه لون الدَّم، وكل شَيْء فِي لَونه سَواد وَحُمرَة فَهُوَ مُدمًى.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: كُمَيْتٌ مُدمًى إِذا كَانَت سراتُه شَدِيدَة
الحُمْرة إِلَى مَرَاقِّه، والأَشقر المدَمَّى الَّذِي لون أَعلَى
شَعْرَتِه تعلوها صُفرة كلون الكُمَيت الْأَصْفَر.
وَقَالَ طُفَيْلٌ:
(14/152)
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها
جَرَى فَوْقَها واسْتَشْعَرتْ لَوْنَ مَذْهَب
يَقُول: تَضْربُ حمْرتها إِلَى الكُلفَةِ لَيست بشديدة الحُمرة.
وَفِي حَدِيث سَعْدٍ أَنه رَمَى بسهمٍ مُدَمًى ثَلَاث مَرَّات فَقَتَلَ
بِهِ رجلا من الْكفَّار.
وَقَالَ شمر: المُدَمَّى الَّذِي يَرْمِيه الرجلُ العدوَ ثمَّ يَرْمِيه
العَدُوُّ بذلك السهْم بِعَيْنِه كَأَنَّهُ دمِّيَ بِالدَّمِ حَتَّى
وَقَع بالمرْمِيِّ.
وَيُقَال: سُمِّي مُدَمًّى لِأَنَّهُ أحْمَر من الدَّم، وسَهْمٌ
مُدمَّى قد دمِّيَ بِهِ مرّة، وَقد جاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث، وَجمع
الدُّمْية دُمًى.
وَمد: أَبُو عُبيد عَن الكسائيّ: إِذا سَكَنَتْ الريحُ مَعَ شِدّة
الْحر فَذَلِك الوَمَدُ. يُقَال: لَيْلَة وَمِدَةٌ وَقد وَمِدَتْ
تَوْمَد وَمداً.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَمَدَة تَجِيء فِي صميم الحرّ من قِبل الْبَحْر،
حَتَّى تَقَع على النَّاس لَيْلًا.
قلت: وَقد يَقع الوَمَد أَيَّام الخريف أَيْضا وَيُقَال: لَيْلَة
وَمِدٌ بِغَيْر هَاء وَمِنْه قَول الرَّاعِي يصف امْرَأَة:
كأَنَّ بَيضَ نعامٍ فِي مَلاحِفِها
إِذا اجْتلاهن قَيْظاً ليلةٌ وَمِدٌ
قلت: والوَمَد لَثَقٌ ونَدًى يَجِيء من جِهَة الْبَحْر إِذا ثار
بخارُه، وهَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ الصَّبا، فَيَقَع على الْبِلَاد
المتاخمة لَهُ مثل نَدَى السَّماءِ وَهُوَ مؤذٍ للنَّاس جِداً لِنَتْن
رائحتِه، وكُنا بِنَاحِيَة الْبَحْرين إِذا حَلَلنا بالأسياف، وهَبَّتْ
الصَّبا بَحْرِيةً لم نَنْفَك مِن أَذَى الوَمَد، فَإِذا أَصْعَدْنا
فِي بِلاد الدَّهناء لم يُصِبنَا الوَمَدُ.
(مأد) : أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: مَأْد الشَّباب نَعْمتُه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي عَن الْكسَائي: ومَدَ عَلَيْهِ ووبَدَ
ومْداً، إِذا غضب عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَأَد الْعود يَمْأَدُ مَأْداً إِذا امْتَلأ من
الرِّيِّ فِي أول مَا يجْرِي المَاء فِي العُود فَلَا يزَال مائداً مَا
كانَ رَطْباً.
وَقَالَ اللَّيْث: المأدُ من النَّبَات مَا قد ارتوى، يُقَال: نباتٌ
مَأْدٌ وَقد مَأَدَ يَمأَدُ فَهُوَ مَأْد، وأَمْأَدَ الرِّيُّ والربيعُ
وَنَحْوه وَذَلِكَ، إِذا خرج فِيهِ المَاء أَيَّام الرّبيع، وَيُقَال
لِلْجَارِيَةِ التارَّة: إِنَّهَا لَمأدَةُ الشَّبابِ وَهِي تَمْؤودَةٌ
ويَمْؤُودةٌ.
قَالَ: والمأد فِي لُغَة أهل الشَّام: النَّزُّ الَّذِي يظْهر
بِالْأَرْضِ قبل أَن يَنْبع.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
مَادُ الشبابِ عَيْشَها المُخرْفَجَا
مَاء غَيْر مهموزٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنزِلْ عَلَيْنَا
مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ} (الْمَائِدَة: 114) الْمَائِدَة فِي
الْمَعْنى مَفْعوله ولفظها فَاعِله، قَالَ: وَهِي مثل عِيشة راضية،
وَقَالَ: إِن الْمَائِدَة مِن العَطاء والممْتاد الْمَطْلُوب مِنْهُ
العَطاء
(14/153)
مُفْتَعَلٌ وَأنْشد:
إِلَى أَميرِ الْمُؤمنِينَ المُمْتاد
قَالَ: وَماد زيدٌ إِذا أعطَاهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الأَصْل عِنْدِي فِي مائدة، أَنَّهَا فاعلة من
ماد يَمِيد إِذا تحرّك وَكَأَنَّهَا تميد بِمَا عَلَيْهَا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: مادَهُم يَميدُهم
إِذا زَادَهم وَأنْشد:
إِلَى أَمِيرِ الْمُؤمنِينَ المُمْتَاد
قَالَ: وَإِنَّمَا سمِّيت المائدةُ مائِدةً لِأَنَّهُ يُزَاد
عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سُمِّيتْ المائدةُ مائِدةً
لِأَنَّهَا مِيدَ بهَا صَاحبُها أَي أُعطِيها وتُفُضِّل عَلَيْهِ بهَا.
والعربُ تَقول: مَادنِي فلَان يَميدُني إِذا أَحْسن إليّ. قَالَ:
وَقَوله إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الممتاد.
أَي المتَفَضِّل على النَّاس.
وَقَالَ الجَرْمِي: يُقال: مائِدةٌ ومَيْدَةٌ، وَأنْشد:
ومَيْدَةٌ كَثيرةُ الألوان
تُصْنَعُ للاخوانِ والجِيرانِ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المائِدُ الَّذِي يَركَبُ البحرَ
فَتَغْثَى نَفْسُه من نَتْنِ ماءِ الْبَحْر حَتَّى يُدَارَ بِهِ،
ويَكاد يُغْشَى عَلَيْهِ فَيُقَال: مادَ بِهِ البحرُ يَمِيد بِهِ
مَيْداً، ورجلٌ مائدٌ، وَقوم مَيْدى.
قَالَ: وسمِعْتُ أَبَا العبَّاس وَسُئِلَ عَن قَول الله جلّ وعزّ: {أَن
تَمِيدَ بِكُمْ} (النَّحْل: 15) فَقَالَ: تحَرَّكَ بكم وتَزَلْزَلَ،
ومَاد يَمِيدُ إِذا تَثَنَّى وتَبَخْتَر.
وَقَالَ الْفراء: سَمِعت الْعَرَب تَقول: الميْدَى الَّذين أَصابَهم
المَيْدُ من الدُّوَار، قَالَ وَيُقَال: مَاد أهلَه إِذا غَارَهم
ومادهم.
قَالَ وَيُقَال: ابْن الْأَعرَابِي: مَاد إِذا تَجِرَ وماد إِذا
أَفْضَلَ.
دَامَ: قَالَ اللَّيْث: الدَّأْمُ إِذا رفعتَ حائِطاً فَدَأَمْتَه
بمَرَّةٍ وَاحِدَة على شَيْء فِي وَهْدَةٍ تَقول: دَأَمته عَلَيْهِ،
قَالَ: وتَدَأَّمَتْ عَلَيْهِ الأمواج والأهوالُ والهموم وَأنْشد:
تَحتَ ظِلال الموْج إِذْ تَدَأَّمَا
أَبُو عُبَيد قَالَ الأصمعيّ: تَدَاءَمه الأمرُ مثل تَدَاعَمَه إِذا
تراكَمَ عَلَيْهِ وَتكَسَّر بعضُه فَوق بعض.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَدَأَّمْتُ الرجلَ تَدَوُّماً إِذا وَثَبْتَ
عَلَيْهِ فركبتَه.
قَالَ أَبُو عبيد: والدَّأْماءُ البحرُ.
وَقَالَ الأفوه الأوْديّ:
والليلُ كالدَّأْماءِ مُسْتَشْعِرٌ
من دونِه لَوْناً كَلَونِ السَّدُوس
مدى: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَمْدَى الرجلُ إِذا
أَسَنَّ.
(14/154)
قلت: هُوَ من مَدَى الْغَايَة، ومدَى
الأجَل منتهاه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أمدى الرجل إِذا سُقِي لَبَناً فأَكْثر.
وَقَالَ رؤبة:
مُشَبّههٌ مُتيّةٌ تَيهاؤُه
إِذا المَدَى لم يُدْرَ مَا مَيدَاؤه
قَالَ: المِيداءُ مِفْعالٌ من المَدَى، وَهُوَ الْغَايَة والقَدْر
يُقَال: مَا أَدْرِي مَا مِيداءُ هَذَا الْأَمر؟ يَعْنِي قَدْرَهُ
وغايَتَه، وَهُوَ بمِيداءِ أرضِ كَذَا إِذا كَانَ بِحِذَائِها يَقُول:
إِذا سَار لم يَدْرِ أَمَا مَضَى أكثَرُ أمْ مَا بَقِيَ؟ قلت: قَوْله:
المِيدَاءُ مِفعال فِي المَدَى غَلَط لِأَن المِيمَ أصليةٌ وَهُوَ
فِيْعالٌ من المَدَى كأَنه مصدر مادى مِيدَاءً على لُغَة من يَقُول:
فاعلتُ فِيْعالاً.
وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَتَب ليهود
تَيْمَاء أنَّ لَهُم الذِّمةَ وَعَلَيْهِم الجِزْيَة بِلَا عَدَاءٍ،
النهارُ مَدَى والليلُ سُدًى.
وَكتب خَالِد بن سعيد: المَدَى الغايةُ أَي ذَلِك لَهُم أبدا، مَا
كَانَ النهارُ، والليلُ سُدًى أَي مُخَلَّى، أَرَادَ مَا تُرك
اللَّيْلُ والنهارُ على حَالهمَا، وَذَلِكَ أَبَداً إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والمَدِيُّ الحَوْضُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ
نَصَائِبُ، وَأنْشد غَيره قَول الرَّاعِي يذْكر مَاء وَرَدهُ:
أَثَرْتُ مَدِيَّهُ وأَثَرْتُ عَنهُ
سَوَاكِنَ قَدْ تَبَوَّأْنَ الحُصونَا
والْمُدْيُ مِكْيالٌ يأْخُذ جَرِيياً.
وَفِي الحَدِيث: أَن عليا أجْرى للنَّاس المُدْيَيْنِ والقِسْطَيْن،
فالمُدْيانِ الجريبان، والقسطان قِسطانِ من زَيْتٍ كَانَ يُرْزُقُها
الناسَ.
وَيُقَال: تَمادَى فلَان فِي غَيِّه إِذا لَحَّ فِيهِ وأَطال مَدَى
غَيِّه أَي غَايَته.
أنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
أَرْمي وإِحدى سِيَتَها مَدْيَهْ
إِن لم تصب قلباً أَصَابَت كُلية
قَالَ سَمِعت أَبَا عرْعرة الْكَلْبِيّ يَقُول: هِيَ المدية وَهِي
كَبِدُ الْقوس وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
أمد: قَالَ الله جلَّ وعزّ: {الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ
أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاَْمَدُ
فَقَسَتْ} (الْحَدِيد: 16) قَالَ شَمِر: الأمَدُ مُنْتَهى الْأَجَل،
قَالَ: وللإنسان أمَدَان أَحدهمَا ابتداءُ خَلْقِه الَّذِي يظْهر
عِنْدَ مولده وإياه عَنَى الحجاجُ حِين سَأَل الحسنَ فَقَالَ لَهُ: مَا
أَمَدكَ؟ فَقَالَ: سنتَانِ من خلَافَة عَمر، أَرَادَ أَنه وُلِد
لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خِلافة عمر، والأمَدُ الثَّانِي الموتَ،
قَالَ: وأَمَدُ الخيلِ فِي الرِّهان مَدَافِعُها فِي السباق، ومنتهى
غايتها الَّتِي تستبق إِلَيْهِ، وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
(14/155)
سَبْقَ الجوادِ إِذا استولى على الأمَدِ
أَي غَلَبَ على مُنتهاه حِين سَبَق رَسيله إِلَيْهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للسفينة إِذا كَانَت مشحونة: عامدٌ وآمِدٌ
وعامِدةٌ وآمِدَةٌ وَقَالَ: السَّامِدُ العاقِلُ، والآمِدُ المملوء من
خيرٍ أَو شرَ، وآمِدُ بلد مَعْرُوف.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: أمدَ عَلَيْهِ وأَبِدَ إِذا غَضَبَ.
وَالله أعلم انْتهى.
(14/156)
بَاب اللفيف من حرف الدّال
دَد، دود، دو، دوى، دا، داى، آد، أدا، وَاد، ودا، أيد، أيادى، أديى،
أَدَّاهُ، ودى، دوى، تودية، وَادي، ود، دودي، أد، يَدي، در.
ددّ: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا
أَنَا مِن دَدٍ وَلَا الدَّدُ منّي) ، وَقد مرَّ تَفْسِيره، وَقَالَ
أَبُو عبيد: الدَّد اللَّهْو واللَّعب: قَالَ وَقَالَ الْأَحْمَر: فِي
الدَّد ثلاثُ لُغاتٍ، يُقَال: هَذَا دَدٌ على مثالي يَدٍ ودمٍ، وَهَذَا
دداً على مِثَال قفاً وعَصاً، وَهَذَا دَدَنٌ على مِثال حزنٍ. ثَعْلَب
عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: دَدٌ، ودَدا وديدٌ وديدانٌ وَدَدَنٌ
ودَيْدَبون: اللَّهْو، الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: مَا أَنا من ددي
وَلَا ددي مِنِّيَهْ، يُرِيد مَا أَنا من الْبَاطِل وَلَا الباطلُ مني،
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَحذِفُ الْيَاء فَيَقُول: مَا أَنا من دَدٍ
وَلَا دَدٌ مني، وَقَالَ اللَّيْث: دَدٌ حِكَايَة الاستنان للطَّرب،
وضَرْبِ الْأَصَابِع فِي ذَلِك، وَإِن لم تضرب بعد الجري فِي بِطالةٍ
فَهُوَ دَدٌ.
وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
واسْتَطْرَبت ظُعْنُهمْ لمَّا احْزَأَل بهم
آل الضُّحى ناشِطاً من داعِبات دَدِ
أَرَادَ بالنَّاشط: شَوْقاً نازِعاً.
قَالَ اللَّيْث: وأنشده بَعضهم: من دَاعبٍ دَدِدِ.
قَالَ: لمَّا جعله نَعْتاً للدَّاعبِ كَسَعةُ بدال ثَالِثَة لِأَن
النَّعتَ لَا يتمكَّن حَتَّى يتم ثَلَاثَة أحرف فَمَا فَوق ذَلِك
فَصَارَ دَدِدٍ نَعْتاً للداعب.
قَالَ: فَإِذا أَرَادوا اشتقاق الْفِعْل مِنْهُ لم ينقَدْ لكثرةِ
الدَّالاتِ، فيفصلون بَين حرفي الصَّدرِ بِهَمْزَة فَيَقُولُونَ: دَأَد
يُدَأْدِدُ دَأْدَدةً، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الْهمزَة لِأَنَّهَا أقوى
الْحُرُوف وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك.
دود ديد: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: دَادَ الطعامَ يَدَادُ وأَدَادَ
يُدِيدُ.
وَقَالَ غَيره: دَوَّد يُدَوِّد مثله إِذا صَار فِيهِ الدُّود وَأنْشد:
قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلاً حَوْليا
مُسَوَّساً مُدَوَّداً حَجَرياً
وروى أَبُو زيد: ديد فَهُوَ مَدُود بِهَذَا الْمَعْنى.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدُّوَّادِي مَأْخُوذ من الدُّوَّاد
وَهُوَ الخَضْفُ يخرج من الْإِنْسَان.
(14/157)
وَقَالَ غَيره: دودةٌ واحدةٌ ودود كثيرٌ
ثمَّ ديدان جمع الْجمع، ودودانُ قبيلةٌ من بني أَسَدٍ.
دوا: قَالَ شمر فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ: قَالَ الْأَصْمَعِي: الدَّوُّ
المستوية من الأَرْض المنسوبة إِلَى الدَّوّ.
وَقَالَ ذُو الرمَّة:
ودوّ ككف المشترِي غيرَانه
بِساطٌ لأخماسِ المراسيلِ واسعُ
أَي هِيَ مُستوية ككف الَّذِي يصافِق عِنْد صَفْقَةِ البيع.
وَقَالَ غَيره: دَوِّيّة وداوِيَّة إِذا كَانَت بعيدَة الْأَطْرَاف
مُستوية وَاسِعَة.
وَقَالَ العَجَّاج:
دَوِّيَّةٌ لِهَوْلِها دَوِيٌّ
للريح فِي أَقْرابها هَوِيُّ
وَيُقَال: إِنَّمَا سُمِّيت دَوِيَّةً لِدَوِيّ الصّوتِ الَّذِي يُسمع
فِيهَا، وَقيل: سمِّيت دَوِيَّة لِأَنَّهَا تُدَوِّي بِمَن صَار
فِيهَا، أَي تذْهب بهم، وَيُقَال: قد دَوَّى فِي الأَرْض وَهُوَ
ذهابُه، وَقَالَ رؤبة:
دَوّى بهَا لَا يَعْذر العَلائلا
وَهُوَ يُصادي شزَّنا مَثَائِلا
دَوَّى بهَا مَرَّ بهَا يَعْنِي العَيْر وأنثه، قَالَ: وَقَالَ بعض
الْعلمَاء: الدَّو أرضٌ مَسيرةُ أربعِ ليالٍ شِبْه تُرْسٍ خَاوِيَةٌ
يُسار فِيهَا بالنجوم، ويُخاف فِيهَا الضَّلالُ، وَهِي على طَرِيق
البَصرة مُتَياسِرةً إِذا أَصْعدت إِلَى مَكَّة، وَإِنَّمَا سمِّيت
الدَّوَّ، لأنَّ الفُرس كَانَت لَطَائمهم تجوز فِيهَا فَكَانُوا إِذا
سلكوها تَحَاضُّوا فِيهَا بالجِدّ فَقَالُوا بِالْفَارِسِيَّةِ:
دَوْدَوْ، قلت: وَقد قطعتُ الدَّوَّ مَعَ القرامِطة أبادهم الله
وَكَانَت مَطْرَقَهم قافلين مِن الهبير فَسَقَوْا ظهْرهمْ، واستقوا
بحَفَر أبي مُوسَى الَّذِي على طَرِيق الْبَصْرَة وفَوَّزُوا فِي
الدَّوِّ وَوَرَدُوا صَبِيحَة خامسةٍ مَاء يقالُ لَهُ ثبرة، وعَطَبت
فِيهَا بُخْتٌ كَثِيرَة من إبِل الحاجّ لبلوغ الْعَطش مِنْهَا والكلال
وَأنْشد شمر:
بالدَّوِّ أَوْ صَحْرائِه القَمُوصِ
قَالَ: وَيُقَال: داويَّة وداوَيةٌ بِالتَّخْفِيفِ وَأنْشد لكثير:
أَجْواز داويَةٍ خِلال دِماثِها
جُدَدٌ صحاصحُ بَينهُنَّ هُزُومُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: دوّى الفَحْل إِذا سمعتَ لهديره دَويّاً،
ودَوَّى اللبنُ والمَرَقُ إِذا صَارَت عَلَيْهِ دوَاية.
وَقَالَ اللَّيْث: دوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدْوِيَةً.
الْأَصْمَعِي: صَدْر فلَان دوٍ على فلَان مَقصور، وَمثله أَرض دوِيَةٌ
أَي ذَات أدواء.
قَالَ: وَرجل دَوًى ودوٍ أَي مَرِيض. وَجمع الداءِ أَدواء، وَجمع
الدَّوَاء أدوية، وَجمع
(14/158)
الدَّواة دُوِيٌّ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: الدَّوَى جمع دَوَاةٍ مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ،
والدّوَى الدَّاء مصدر يكْتب بِالْيَاءِ وَأنْشد:
إلاَّ المقيمَ على الدّوَى المتأفِّنِ
والدّوَى الضَّنَى مَقصور يكْتب بِالْيَاءِ وَقَالَ:
يُغْضِي كإغضَاءِ الدَّوَى الزَّمِينِ
والدَّوى الرجل الأحمق تكْتب بِالْيَاءِ.
والدَّواءُ الَّذِي يُتدَاوى بِهِ مَمدُود، وَأنْشد:
وأَهْلك مُهْرَ أَبيك الدواءُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ طعامٍ نصيبْ
أَي أهلكه ترك الدَّوَاء.
وأَمْرٌ مُدَوَ إِذا كَانَ مُغَطًى، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وَلاَ أَرْكَبُ الأمْرَ المُدَوِّي سادراً
بِعَمْياء حَتَّى أَسْتَبِينَ وأُبصرا
ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيْرة قَالَ: الدَّويّة الأرْضُ الوَافِرَةُ
الْكلأ الَّتِي لم يُؤْكل مِنْهَا شَيْء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ماءٌ مُدَوَ وداوٍ إِذا عَلَتْه قُشَيرةٌ،
وَكَذَلِكَ دوَّى اللَّبن إِذا عَلَتْه قُشَيْرة، وَيُقَال للَّذي
يَأْخُذ تِلْكَ القُشَيْرَة: مُدَّوٍ بتَشْديد الدَّال وَهُوَ مفتعل
وَالْأول مُفَعِّل.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: دَاء الرجلُ فَهُوَ يَدَاءُ على مِثال شَاءَ
يَشَاء إِذا صَار فِي جَوْفِه الدَّاء وَإِذا أَدْوَى.
وَقَالَ شمر: رجلٌ داءٌ ورجلان داءان وَرِجَال أدواء.
قَالَ: ورجلٌ دوًى مَقْصُور مثل ضَنًى قَالَ: دَاءَ الرجل إِذا
أَصَابَهُ الدَّاء، وأَداء يُدِيءُ إداءةً إِذا اتهمته، وأَدْوَى
بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: دَاء يَدَاء، وأداءَ يُديء إِذا صَار ذَا دَاء
وَيُقَال: فلَان مَيِّتُ الدّاء: إِذا كَانَ لَا يَحْقِد على من يسيء
إِلَيْهِ، والدَّوَي الرجل الأحمق مقصورٌ وَأنْشد شمر:
وَقد أَقُود بالدّوَي المزَمَّلِ
أَخْرسَ فِي السَّفْرِ بَقَاق المنزلِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: خَلاَ بَطني من الطَّعَام حَتَّى سمِعْت دوِيّاً
لمسامعي، وَسمعت دوِيَّ الْمَطَر والرَّعْد إِذا سمعتَ صوتهما من بعيد.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّوَى داءٌ باطنٌ فِي الصَّدر وَإنَّهُ لَدَوِي
الصَّدْر وَأنْشد:
وَعَيْنُك تُبْدِي أَن صدرَك لِي دوِي
قَالَ: والدِّواءُ مَمْدُود هُوَ الشِّفَاء، يُقَال: دَاوَيته
مُداواةً، وَلَو قلتَ: دِواء كَانَ جَائِزا، وَيُقَال: دُووِيَ فلانٌ
يُداوَى فَتُظهر الواوين وَلَا تُدْغَم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى،
لِأَن الأولى هِيَ مَدَّة الْألف الَّتِي فِي دَاوَاه فكرِهوا أَن
يُدْغموا المدَّةَ فِي الْوَاو، فيلتبس فُوَعَلِ يفُعِّل.
قَالَ: والدَّاءُ اسْم جامعٌ لكل مَرض وعَيبٍ
(14/159)
ظاهرٍ وباطن حَتَّى يُقَال: داءُ الشُّحِ
أشدّ الأدواء وَمِنْه قَول المرأَةِ: كلُّ داءٍ لَهُ داءٌ، أَرادتْ
كلَّ عَيْبٍ فِي الرِّجَال فَهُوَ فِيهِ، وَرجلٌ داءٌ وَامْرَأَة داءة،
وَفِي لُغَة أُخْرَى: رجلٌ دَيِّيءٌ وامرأةٌ ديِّئة على فَيْعَلٍ
وفَيْعِلَة، وَقد داءَ يَدَاءُ دوْءاً كل ذَلِك يُقَال، قَالَ:
ودَوْءاً أصوب لِأَنَّهُ يُحْمَل على الْمصدر.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل إِذا اتهمتَه: قد أَدْوأتَ إدْواءً
وَأَدَأتَ إداءَةً، سمعتُها من الْعَرَب.
وَيُقَال: داوَى فلَان فرسَه دِواء بِكَسْر الدَّال إِذا سمَّنه
وعَلَفه عَلَفاً ناجِعاً فِيهِ، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَدَاوَيْتُها حَتَّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً
كأَن عَلَيْهَا سُنْدُساً وسُدُوساً
دأي: قَالَ أَبُو زيد: دَأيتُ لَهُ دَأْياً إِذا خَتَلْتَه، والذِّئْبُ
يَدْأى لِلغَزَال وَيَدأَلُ، وَهِي مِشْيَةٌ شَبيهةٌ بالختْل.
وَقَالَ اللَّيْث: دأى يَدْأَى دَأْياً ودأواً إِذا خَتَل.
دأو: أَبُو زيد وغيْره: دَأَوت، أدْؤُو، إِذا خَتَلتَه وَأنْشد:
دَأَوتُ لَهُ لآخُذه فهيهات الفَتَى حَذِرَا
وَهُوَ مثل دأى يَدْأَى سَوَاء بِمَعْنَاهُ وَيُقَال: الذِّئب يدْأَى
للغزال أَي يخْتل.
أود أيد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}
(الْبَقَرَة: 255) قَالَ أهل التَّفْسِير وَأهل اللُّغَة مَعًا:
مَعْنَاهُ لَا يَكْرِثُهُ وَلَا يُثْقِلُه وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، من
آدَهُ يَؤُوده أَوْداً، وَأنْشد:
إِذا مَا تَنُوءُ بِهِ آدها
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرَّانيّ أَن ابْن السّكيت أنْشدهُ:
إِلَى ماجِدَ لَا يَنْبَحُ الكلبُ ضَيْفَهُ
وَلَا يَتَآداهُ احْتِمَال المغارم
قَالَ: لَا يتآداه، لَا يُثقِلُه أَرَادَ، يتآوَده فَقَلَبَه.
أَبُو عبيد: المؤْيِد بِوَزْن مُعْيِد الأمْرُ الْعَظِيم، وَقَالَ
طَرَفَة:
أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بمُؤْيِد
وجَمَعه غيرُه على مآوِد جَعَله من آدهُ يَؤُوده أَوْداً إِذا
أَثْقَلَهُ، وتَأَوَّدَ إِذا تَثَنَّى، وَقَالَ الشَّاعِر:
تَأَوَّد عُسْلُوجٍ على شَطِّ جَعْفَرٍ
وَقَالَ أَبُو زيد: تأيَّدَ أَيْداً إِذا اشْتَدَّ وقَوِيَ؛ وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: آد الْعود يَؤُوده أَوْداً إِذا حَناه، وَقد انآد الْعود
يَنآد انئياداً فَهُوَ مُنْآد، إِذا تَثَنَّى واعْوَجَّ.
وَقَالَ العَجَّاج: لم يَكُ يَنْآد فأَمسى انآداً.
وَيُقَال: آدَ النهارُ فَهُوَ يَؤُود أَوداً إِذا رَجَع فِي العَشِيَّ،
وَأنْشد ابنُ السّكيت:
ثمَّ يَنُوشُ إِذا آدَ النهارُ لَهُ
على التَّرقُّبِ من هَمَ وَمن كَتْمِ
(14/160)
وَقَالَ ابْن السّكيت: آدَ العشيُ إِذا
مَال وَأنْشد أَيْضا:
أَقَمتَ بهَا نَهَارَ الصَّيْف حَتَّى
رأيتَ ظِلالَ آمِرِه تَؤُود
وَقَالَ آخرُ يَنْعَتُ امْرَأَة مَالتْ عَلَيْهَا الميَرةُ بالتَّمْر:
خُذَامِيَّةٌ آدتْ لَهَا عَجْوَةٌ العُرْي
فتأكل بِالمأقُوط حيْساً مُجَعَّداً
وَيُقَال: أَوِدَ الشيءُ يأوَد أَوَداً إِذا اعْوج فَهُوَ أَوِد،
وأوْدُ قبيلةٌ وأَدُدُ مَوْضِعٌ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: هُوَ الأيْدُ والآدُ لِلقُوه والتأييد
مصدر أيَّدْته، أَي قَوَّيتُه، قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذْ أَيَّدتُّكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ} (الْمَائِدَة: 110) وقرىء: إِذا آيَدْتُك أَي
قَوَّيتك.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {) فَاسِقِينَ وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذاريات: 47) .
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: آد يئيدُ إِذا قوي، وآيدَ يُؤْيِدُ إياداً
إِذا صَار ذَا أيْدٍ، وَقد تَأَيّدَ وَقد إدتُ أيْداً أَي قَوِيتُ.
وَقَالَ اللَّيْث: وإياد كلِّ شَيْء مَا يُقوَّى بِهِ من جانبيه، وهما
إياداه، قَالَ: وإياد الْعَسْكَر الميمنة والميسرة، وَقَالَ العجّاج:
عَن ذِي إياديْنِ لُهَامٍ لَو دَسَرْ
وَقَالَ يصف الثور: مُتخِذاً مِنها إياداً هَدَفاً وكل شَيْء كَانَ
واقياً لشَيْء فَهُوَ إياده.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الإياد الترابُ يُجعل حول الْحَوْض أَو
الْخِباءِ. قَالَ ذُو الرمة يصف الظليم:
دفَعْناه عَن بَيضٍ حِسان بأجْرَع
حَوَى حَوْلها مِن تربها بإِياد
يَعْني طَرَدْناهُ عَن بَيْضِه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الإياد الجبلُ المنيعُ، وَمِنْه قولُهم:
أيّدَهم الله، قَالَ: الإياد: اللِّحاء والستر والكَنَف وكلُّ شَيْء
كنفك وسَتَرك فَهُوَ إياد، وكلُّ مَا يُحرَزُ بِهِ فَهُوَ إياد،
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف نخلا:
فأَثَّتْ أَعَاليه وآدَتْ أُصُوله
وَمَال بِقِنيان من البُسر أَحْمَرا
وآدت أُصُوله قَوِيت تَئِيد أَيْداً، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: رَمَاه الله بِإِحْدَى الموائد
والمآود أَي الدَّوَاهِي.
أدّى: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أَدَى السِّقاء يأدِي أُدِيّاً
إِذا أمكن أَن يُمخض، وَقَالَ ابْن بُزُرْج: أَدَا اللَّبنُ أُدُوّاً
مُثقلٌ، يأدُو وَهُوَ اللبنُ بَين اللَّبَنين لَيْسَ بالحامضِ وَلَا
بالحلو، وَقد أدَتْ التمرة تأدو أُدُوًا وَهُوَ اليُنوع والنُّضْج،
قَالَ: وأَدوْتُ اللَّبن أدْواً إِذا مَخَضتَه، وأَدْوتُ فِي مشيي
أَدْوًا وَهُوَ مَشيٌ بَين المشيين، لَيْسَ بالسريع وَلَا بالبطيء،
وأَدَوْتُ أَدْواً إِذا اختَلْتَ. وَيُقَال: تَأَديْتُ إِلَى فلَان مِن
حقِّه إِذا أَدَّيْتَه
(14/161)
وقَضيتَه، وَتقول: لَا يَتأَدى عبدٌ إِلَى
الله من حُقُوقه كَمَا يجب، وَيَقُول الرجل: مَا أَدرِي كَيفَ
أَتَأَدَّى إليكَ من حَق مَا أوليتني، أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي:
آدى الرجلَ فَهُوَ مُؤْد إِذا كَانَ شاكَّ السِّلَاح، وَهُوَ من
الأداة. وَقَالَ الْأسود بن يعفر:
مَا بَعْدَ زْيدٍ فِي فتاةٍ فُرّقوا
قَتْلاً وَسَبياً بَعد حُسْن تآدي
أَي بعد قوةٍ وأخذٍ للدهر أَداتَه من العُدة، وَقد تآدى الْقَوْم إِذا
أخذُوا العُدة الَّتِي تُقوّيهم على الدَّهر، وَغَيره، وَأهل الْحجاز
يَقُولُونَ: استَأدَيْتُ السّلطان على فلَان، أَي استَعْدَيْتُ فآداني
عَلَيْهِ أَي أَعْداني وأعاننِي، وَيُقَال: تآدَى الْقَوْم تآدِياً
وتَعَادَوْا تعادِياً إِذا تتابعوا مَوتاً، وغَنَمٌ أَدِيّةٌ أَي
قَليلَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الأديّة تَقْدِير عِدَّةٍ من الْإِبِل
القليلة الْعدَد.
ابْن بزرج: هَل تآديتم لذَلِك الْأَمر؟ أَي هَل تأهبتم لَهُ؟
قلت: مَأْخُوذ من الأداة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أدَّى فلانٌ مَا عَلَيْهِ أدَاءً وتأْدِيةً.
قَالَ وَتقول: فلَان آدَى للأمانة من فلَان، والعامةُ قد لَهِجُوا
بالْخَطَأ فَقَالُوا: فلَان أدَّى للأمانة، وَهُوَ لَحْن غير جَائِز.
قلت أَنا: وَمَا علمت أحدا من النَّحْوِيين أَجَازُوا آدى لأنّ
أَفْعَلَ فِي بَاب التَّعَجُّب لَا يكون إِلَّا فِي الثلاثيّ، وَلَا
يُقَال: آدَى بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنى أدَّى بِالتَّشْدِيدِ، وَوجه
الْكَلَام أَن يُقَال: فلانٌ أحسنُ أَداء.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {كَرِيمٌ أَنْ أَدُّو صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - اْ إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ} (الدُّخان:
18) فَهُوَ من قَول مُوسَى لِذَوي فِرْعَوْن، مَعْنَاهُ: سلِّموا إليّ
بني إِسْرَائِيل كَمَا قَالَ: {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِسْرَاءِيلَ} (الْأَعْرَاف: 105) أَي أطلِقهم من عذابك، وَقيل
نُصِبَ عباد الله، لِأَنَّهُ نِداء مُضَاف، وَمَعْنَاهُ أَدّوا إِلَى
مَا أَمركُم الله بِهِ يَا عباد الله فَإِنِّي نَذِير لكم.
قلت: وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن يكون: أَدّوا إِلَيّ بِمَعْنى
اسْتَمعُوا إِلَيّ كَأَنَّهُ يَقُول: أَدّوا إليَّ سمعكم أبلغكم
رِسَالَة ربكُم، يدل على هَذَا الْمَعْنى من كَلَام الْعَرَب قَول أبي
المُثَلَّم العُذَلي يفاجىء رجلا:
سَبَعْتَ رِجالاً فأهلكتَهم
فأَدِّ إِلَى بَعْضِهِمْ واقْرِضِ
أَرَادَ بقوله: أدِّ إِلَى بَعضهم أَي اسْتمع إِلَى بعض من سَبَعْتَ
لتسمعَ مِنْهُ كَأَنَّهُ قَالَ: آدِّ سَمْعَك إِلَيْهِ لتسمع مِنْهُ،
كَأَنَّهُ قَالَ: أدِّ سَمْعَكَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: ألف الأداة وَاو، لِأَن جمعهَا أَدوات، وَلكُل ذِي
حِرْفَة أداةٌ وَهِي آلَته الَّتِي تُقيم حرفته، وأداة الْحَرْب
(14/162)
سلاحها، ورَجل مُؤْدٍ كَامِل أداةِ
السِّلَاح. والإداوَةُ للْمَاء وَجَمعهَا أَداوَى.
وَقَالَ ابْن السّكيت: آديْتُ للسَّفر فَأَنا مُؤْدٍ لَهُ إِذا كنت
متهيأً لَهُ.
ودى: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: وَدَى الفرسُ وَدْياً إِذا أدْلَى،
قَالَ وَقَالَ الكسائيّ: وَدَأ يَدَأُ بِوَزْن وَدعَ يَدَعُ إِذا
أَدْلَى.
وَأَخْبرنِي الإياديّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: هَذَا وَهْمٌ
لَيْسَ فِي وَدى الْفرس إِذا أدلى همز.
قَالَ وَقَالَ شمر: وَدَى الفرسُ إِذا أَخْرج جُرْدانَه.
وَيُقَال: وَدَى يَدِي إِذا انْتَشَرَ.
وروى أَبُو عبيد عَن اليزيدي: وَدى الفرسُ ليبولَ وأدلى ليَضْرِب.
قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: هُوَ المَذِيُّ والمَنِيُّ والودِيُّ
مشدودات.
قَالَ: وَغَيره يُخَفف.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبيد: المَنِيُّ وَحده مُشَدّد، والآخران
مُخَفَّفَان، وَلَا أَعْلَمُني سَمِعْتُ التَّخْفِيف فِي الْمَنِيّ:
قَالَ أَبو عبيد وَسمعت الْأَصْمَعِي يَقُول: هُوَ الوَديُّ لِصغار
النَّخْلِ واحدتها وَديَّة.
وَقَالَ غَيره: تجمع الوَديَّة وَدايا.
قَالَ شَمِر قَالَ ابْن شُمَيْل: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: إِنِّي
أَخَاف أَن يَدِي، قَالَ: يُريد أَن يَنْتَشِرَ مَا عِنْدك قَالَ:
يُرِيد بِهِ ذَكَرَه، قَالَ: سمعتُ من أَحْمد بن الْحَرِيش.
قَالَ شمر: وَدى أَي سَالَ، قَالَ وَمِنْه: الوَديُّ فِيمَا أَرَى
لِخُرُوجِهِ وسَيَلانِه، وَمِنْه الوَادي.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء: قَالَ:
أَمْنى الرجل وأَوْدى وأَمْذَى ومَذَى وأدلَى الْحمار، وَقَالَ: وَدى
يَدِي مِن الوَديِّ وَدْياً، وَيُقَال: أَوْدى الحمارُ فِي معنى
أدْلَى، وَقَالَ: وَدَى أَكثر من أوْدى. ورأيتُ لِبَعْضهم استوْدَى
فلَان بِحقِّي أَي أَقَرَّ بِهِ وعَرَفَه.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة:
ومُمَدَّحٍ بالمكرُماتِ مَدَحْتُهُ
فاهْتَزَّ واسْتَوْدَى بهَا فحَباني
وَلَا أَعْرِفُه إِلَّا أَن يَكونَ من الدِّيَةَ كَأَنَّهُ جَعَلَ
حِبَاءَه لَهُ على مَدْحِه دِيَةً لَهَا، قَالَ أَبُو عُبيد: وَسمعت
الْأَصْمَعِي يَقُول: هُوَ الوَديُّ لصغار النَّحْل واحدتها وَدِيَّة.
وَقَالَ غَيره: يُجمعُ الوَدِيَّةُ وَداياً.
وَقَالَ اللَّيْث: وَدى الحِمار فَهُوَ وَادٍ إِذا أَنْعَظ.
قَالَ: وَيُقَال: وَدَى بِمَعْنى قَطَرَ مِنْهُ الماءُ عِنْد الإنعاظ.
وَقَالَ الْأَغْلَب:
كأَنّ عِرْقَ أَيْرِه إِذا وَدى
حَبْلُ عَجُوز ضَفَرتْ سَبْع قُوَى
(14/163)
قَالَ: والوَدْيُ الماءُ الَّذِي يخرج
أبيضَ رَقيقاً على أَثرِ الْبَوْل من الْإِنْسَان، وَقَالَ: وَدَى
فلَانا إِذا أدَّى ديتَه إِلَى وَلِيِّه وأصل الدِّية وِدْيَة فحذفتْ
الواوُ كَمَا قَالُوا: شِيَةٌ من الوَشْي.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أوْدى الرجلُ إِذا هَلَكَ.
وَقَالَ اللَّيْث: أَوْدى بِهِ المَنُونُ أَي أَهْلَكه، قَالَ: وَاسم
الْهَلَاك من ذَلِك الوَدَى قَالَ: وقلما يسْتَعْمل؛ والمصدر
الْحَقِيقِيّ الإيدَاءُ، والتَّوادي الخشبات الَّتِي تُصَرُّ بِها
أَطْبَاءُ النَّاقة لِئَلَّا يَرْضَعَها الفَصِيلُ وَقد وَدَيْتُ
الناقَة بِتَوْدِيتَيْنِ أَي صَرَرْتُ أخلافَها بهما، والوَادي كل
مَفْرَجٍ بَيْن جِبال وآكامٍ، وتِلال يكون مَسْلَكاً للسَّيْل أَو
مَنْفَذاً والجميع الأوْدية، ومِثْلُه نادٍ وأَندية للمجلس.
دأي: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْوَادي تجمع أوداء على أَفعَال
مثل صَاحب وَأَصْحَاب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: ابنُ دأيَة هُوَ الغُراب، سمي بذلك
لِأَنَّهُ يَقع على دَأْيَة الْبَعِير فَيَنقُرها، والدَّأيةُ هُوَ
الْموضع الَّذِي يَقَع عَلَيْهِ ظَلِفَة الْبَعِير فَتَعْقِرُه.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّأْيُ جمع الدَّأْيَة، وَهِي فَقَارُ الْكَاهِل
فِي مُجتمع مَا بَين الكَتِفَيْن مِن كَاهِل البَعير خاصَّة والجميع
الدَّأَيَاتُ وَهِي عِظامُ مَا هُنالك، كلّ عَظْمٍ مِنْهَا دَأْيَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: الدَّأَيَاتُ خَرَزُ الْعُنُقِ، ويُقالُ خَرَزُ
القَفَا.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: يُقَال للضِّلعين اللَّتين تَلِيَان الواهنتين:
الدَّأْيَتَانِ، قَالَ: والدَّئِيُّ فِي الشَّرَاسِيفِ هِي الثوانِي
الحواني المستأخِرات الأوساطُ من الضلوع، وَهِي أرْبَعٌ وأَرْبَعٌ،
وهُنَّ الْعُوجُ، وَهن المسَقّفَاتُ، وهُنَّ أطولُ الضُّلُوع كلِّها
وأَتَمُّها، وإليها يَنْتَفِخُ الجَوف.
وَقَالَ أَبُو زيد: لم يَعْرِفُوا، يَعْنِي الْعَربَ، الدَّأَيَاتِ فِي
الْعُنُق، وعرفوهن فِي الأضْلاع وَهِي سِتٌّ يَلِينَ المَنْحَر من كل
جَانب ثَلَاث، وَيُقَال لمقاديمهن جوانح، وَيُقَال للَّتين تليان
المنحر: ناحرتان، قلت: وَهَذَا صَوَاب، وَمِنْه قَول طرفَة:
كأَنَّ مَجَرَّ النَّسْعِ فِي دَأَيَاتِها
مواردُ مِن خَلْقَاءِ فِي ظَهْرِ قَرْدَدِ
ودأ: وَقَالَ أَبُو زيد: وَدَّأْتُ عَلَيْهِ الأَرْض تَوْديئاً إِذا
سَوَّيتَها عَلَيْهِ.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: الأرضُ المُوَدَّأَة المُهْلكَةُ، وَهِي
فِي لفظ الْمَفْعُول بِهِ، وَأنْشد شمر لِلرَّاعِي:
كائِن قَطَعْنا إليْكم مِن مُوَدَّأَةٍ
كأَنَّ أَعْلاَمَها فِي آلِها القَزَعُ
قَالَ وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: المُودَّأَةُ حُفْرَةُ الْمَيِّت،
والتَّوْدِئَةُ الدَّفْنُ وَأنْشد:
(14/164)
لَوْ قَدْ ثَوَيْتَ مَوَدَّأً لِرَهِينَةٍ
زُلْجِ الجَوانِبِ راكِدِ الأَحْجَارِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: تودَّأَتْ على فلَان الأرضُ وَهُوَ ذهَاب
الرجل فِي أباعِد الأَرْض حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صَنَع، وَقد
تَوَدّأَتْ عَلَيْهِ إِذا ماتَ أَيضاً، وَإِن مَاتَ فِي أَهله،
وَأنْشد:
فَمَا أَنَا إلاَّ مِثْلُ مَنْ قد تَوَدَّأَتْ
عَلَيْهِ البلادُ غيرَ أَنْ لَمْ أَمُتْ بَعْدُ
وَيُقَال: تَوَدأَتْ عَلَيْهِ الأرضُ، أَي اسْتَوَتْ عَلَيْهِ مثل مَا
تستوي على الْمَيِّت، وتودأَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَار أَي انْقَطَعَتْ
دونه، وَأنْشد:
وللأَرْضِ كَمْ مِنْ صَالحٍ قَدْ تَوَدأَتْ
عَلَيْهِ فَوَارَتْهُ بِلَمَّاعَةٍ قَفْرِ
وَقَالَ الْكُمَيْت:
إِذا وَدَّأَتْنا الأرضُ إنْ هِيَ وَدَّأَتْ
وَأَفْرَخَ مِنْ بَيْضِ الأُمُورِ مَقُوبُها
وَدَّأَتْنا الأَرْض غَيَّبَتْنا، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي
الْهَيْثَم يُقَال: تَوَدَّأَتْ عَلَيْهِ الأَرْض فَهِيَ مُوَدَّأَةٌ،
قَالَ: وَهَذَا كَمَا قيل: أَحْصَنَ فَهُوَ مُحْصَنٌ وأَسْهَبَ فَهُو
مُسْهَبٌ وأَلْفَج فَهُوَ مُلْفَجٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مثلهَا.
وَقَالَ أَبُو مَالك: تَوَدَّأْتُ على مَالِي أَي أَخَذْتُه
وأَحْرَزْتُه.
ودد: قَالَ اللَّيْث: الوُد مَصدر للمودة، وَكَذَلِكَ الوِداد قَالَ:
والودَادة مصدر وَدِدْتُ أَوَدُّ وَهُوَ مِن الأُمْنِيَّة، وفلانٌ
وِدُّكَ وَوَديدُك كَمَا تَقول حِبُّك وحَبِيبُك.
وَقَالَ الْفراء يُقَال: ودِدْتُ أَوَد، هَذَا أفضل الْكَلَام.
وَقَالَ بَعضهم: وَدَدْتُ، ويَفْعَل مِنْهُ: يَودُّ لَا غيرُ والمصدر
الوَد، والوِد، والوِداد، والوَدادة، ذكر هَذَا فِي قَوْلهم: {يَوَدُّ
أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} (الْبَقَرَة: 96) أَي يتَمَنَّى.
قَالَ الْفراء: وَيُقَال فِي الحُب: الوُد والوَد والمَوَدَّة
والْمَوددَةُ وَأنْشد:
إنَّ بنيّ لَلِئامٌ زَهَدَة
مَا لِي فِي صُدُورهمْ مِنْ مَوْدِدهْ
وَأنْشد فِي التمنّي:
وَدِدتُ وَدادةً لَو أَنَّ حَظِّي
من الخُلاَّنِ ألاّ يَصْرِمُونِي
قَالَ: وأختارُ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي: وَدِدتُ، وَسمعت وَدِدتُ
بِالْفَتْح وَهِي قَليلَة، قَالَ: وَسَوَاء قلت: وَددت أَو وَدَدتُ
المستقبَل مِنْهُمَا أَوَد يَوَد ونَوَد لَا غيرُ قلت: وَأنكر البصريون
وَدَدتُ وَهُوَ لحن عِنْدهم.
وَقَالَ الزّجاج: قد علمنَا أَن الكسائيّ لم يَحْكِ وَدَدتُ إِلَّا
وَقد سَمعه، وَلكنه سَمعه ممّن لَا يكون قَوْله حجَّة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَوَدَّةُ: الكِتاب، قَالَ
الله جلّ وعزّ: {أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ} (الممتحنة: 1) أَي
بالكُتُبِ.
اللَّيْث: الوَدّ بلغَة تَمِيم الوَتِد، فَإِذا زادوا
(14/165)
الْيَاء قَالُوا: وَتِيدٌ، قَالَ: والوَدُّ
صَنَم كَانَ لقوم نوح، وَكَانَ لِقريش صنم يَدعونَهُ وُداً، وَمِنْهُم
من يهمز فَيَقُول: أُدُّ، وَمِنْه سُمِّي عَبْدُ وُدٍ، وَمِنْه سمي
أُدُّ بن طابخة، وأُدَدُ جَدُّ مَعْد بن عدنان.
قَالَ الْفراء: قَرَأَ أهلُ الْمَدِينَة: (وَلاَ تَذَرُنَّ وُدّاً)
(نوح: 23) بِرَفْع الْوَاو، وَقَرَأَ عَاصِم (وَداً) بِفَتْح الْوَاو.
قلت: أَكثر الْقُرَّاء قرءوا (وَداً) مِنْهُم أَبُو عَمرو بن كثير،
وَابْن عَامر، وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ، وَعَاصِم، وَيَعْقُوب
الْحَضْرَمِيّ، وَقَرَأَ نَافِع (وُداً) بِضَم الْوَاو.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً}
(مَرْيَم: 96) فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ. قَالَه بعض الْمُفَسّرين.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الوَدُودُ من أَسمَاء الله تَعَالَى جلّ
وَعز المحبّ لِعِبَادِهِ من قَوْلك: ودِدتُ الرجل أَوَدُّه وِدَّا،
ووِدَاداً، قَالَ: والوَدَّ بِالْفَتْح الصَّنم وَأنْشد:
بِوَدِّكِ مَا قوْمي على مَا تَركْتِهِمْ
سُلَيْمَى إِذا هَبَّتْ شَمالٌ وَرِيحُها
ويروى بِودُكِ لمَنْ رَوَاه بِوَدِك أرَادَ بحقِ صَنَمِكَ عَلَيْك،
وَمن ضَمَّ أَرَادَ بِالْمَوَدَّة بيني وبينِك، وَمعنى الْبَيْت:
أيّ شيءٍ وجَدْتِ من قَوْمِي يَا سَلْمَى على تَرْكِكِ إيَّاهُمْ.
إنِّي قَدْ رَضيتُ بقوْلكِ وإنْ كُنْتِ تارِكَةً لَهُمْ فاصْدُقِي
وقُولي الحقَّ. قَالَ النَّابِغَة:
إِنِّي كأَنِّي أَرَى النُّعْمانَ خَبَّرَهُ
بَعْضُ الأوَدِّ حَدِيثا غيرَ مَكْذُوبِ
قَالَ: الأوَدُّ بِفَتْح الْوَاو يُريدُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ وُدَّا،
وأرادَ الأوَدِّين: الْجَمَاعَة.
أدد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} (مَرْيَم:
89) .
قَالَ الْفراء: قراءةُ القُراء (إدَّا) بِكَسْر الألِف إلاّ مَا رُوِيَ
عَن أبي عبد الرحمان أَنه قَرَأَ (أَدَّا) ، قَالَ وَمن الْعَرَب من
يَقُول: لقد جِئْت بشيءٍ آدٍ مثل ماد، وَهُوَ من الْوُجُوه كلهَا:
بشيءٍ عَظِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَدَّتْ فلَانا داهيةٌ تؤُدُّه أدًّا.
قَالَ رؤبة:
والإدَدَ والإدَادَ والعَضَائِلا
قَالَ: ووَاحدُ الإدَد إدَّة، وَوَاحِد الإدَدَ والأداد أدٌّ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: أَدَدتُ الحبْل أَدَّا وإدَّا أَي مَدَدتُه،
قَالَ: والإدَّة الشدَّة بِكَسْر الْهمزَة. وَقَالَ غَيره: الأَدُّ
صَوت الوَطْء وَأنْشد:
يَتْبَع أَرْضاً جِنُّها يُهَوِّل
أَدٌّ وسَجْعٌ ونَهِيمٌ هَتْمَلُ
وأَدَّ البعيرُ يؤدُّ أَدًّا، وإداً وَهُوَ تَرْجِيع الحنين.
وَيُقَال: تَأَدَّد يتأدَّد إِذا تَشَدَّد فَهُوَ مُتَأَدِّد.
(14/166)
دأدأ: عَمْرو عَن أَبِيه، الدَّأْدَاءُ
النَّخُّ من السّير، وَهُوَ السَّرِيع، قَالَ: والدَّأْداء عَجَلَة
جَوابِ الأحمق.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّأْدأةُ صَوْتُ وقْعِ الْحِجَارَة فِي
المَسِيلِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: دأْدأْتُ دأْدأَةً وَهُوَ العَدْو الشَّديد وَهُوَ
الدِّئْداء مَمْدُود، وَقَالَ الشَّاعِر:
واعْرَوْرَتِ العُلطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُه
أُمُّ الفَوارِسِ بالدِّئْداءِ والرَّبَعَة
العُلُطُ الْبَعِير الَّذِي لَا خِطَامَ عَلَيْهِ.
وَيُقَال: بعير عُلُطُ مُلُطْ إِذا لم يكن عَلَيْهِ وسْمٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: تَدَأْدأَ الرجل إِذا مَالَ عَن شيءٍ فترجَّحَ،
وَتقول: تَدَأْدَأَ يَتَدأْدأُ دَأْدَأَةً.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الدَّأْداء آخر أَيَّام الشَّهْر قَالَ:
والليالي الثَّلَاث الَّتِي بَعْد المُحاق سُمِّين دآدىء، لِأَن
الْقَمَر فِيهَا يُدَأْدِىء إِلَى الغُيُوبِ، أَي يُسْرِعُ من دأدأَةِ
الْبَعِير.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْمبرد، قَالَ: حَدثنِي الرياشي عَن
الْأَصْمَعِي فِي ليَالِي الشَّهْر إِلَى قَوْله: وَثَلَاث مُحاق،
وثَلاثٌ دآدىء، قَالَ: والدَّآدىء الأواخرُ، وَأنْشد:
أَبْدَى لنا غُرَّةَ وجْهٍ بادِي
كَزُهْرَةِ النُّجُومِ فِي الدَّآدِي
وَأَخْبرنِي عَن أبي الْهَيْثَم بِنَحْوِ مِنْهُ، وَأما أَبُو عبيد
فَإِنَّهُ روى عَن غير وَاحِد من أَصْحَابه فِي الدَّآدىء: أَنَّهَا
الثلاثُ الَّتِي قبل المُحاق، وَجعل المُحاقَ آخِرَها، وَكَذَلِكَ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي، وَأما قَول الْأَعْشَى:
تَدارَكَهُ فِي مُنْصِلِ الْآل بَعْدما
مضى غَيْرَ دأْداءٍ وَقد كَاد يَعْطَبُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنه تَدَارُكه فِي آخر لَيْلَة من ليَالِي رَجَب،
وَهَذَا يدل على أَن القَوْل قَول الْأَصْمَعِي، وَمن قَالَ بقوله،
عَمْرو عَن أَبِيه: الدَّاديُّ المولَع باللهو الَّذِي لَا يكَاد
يبرحه.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء، يُقَال:
سَمِعت دُوْدَأَةً أَي جلبة، وَإِنِّي لأسْمع لَهُ دودأة من الْيَوْم،
أَي جلبة.
دودى: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الدَّوَادِيُّ أثار أراجيح
الصّبيان واحدتها دوْداةٌ، وَقَالَ: كأنني فَوق دوْداةٍ تُقَلِّبُني.
وَفِي النَّوَادِر: دوْدأ فلَان دوْدأَةً، وتَوْدأ، تَوْدأة، ولَوْدَأ،
لوْدَأةً إِذا عدا.
يدى: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: اليَدُ
اسمٌ على حرفين.
قَالَ: وَمَا كَانَ من الْأَسَامِي على حَرْفين فقد حُذِفَ مِنه حرفٌ
فَلَا يُردُّ إِلَّا فِي التصغير والتثنية وَالْجمع، وَرُبمَا لم
يُرَدَّ فِي التَّثْنِيَة وثُنِّي على لَفظِ الْوَاحِد، فَقَالَ
(14/167)
بَعضهم: وَاحِد الْأَيْدِي يدًى، كَمَا ترى
مثل عَصاً ورَحًى ومَناً، ثمَّ ثنّوْا فَقَالُوا: يديانِ ورَحيان
ومَنَوان، وَأنْشد:
يَدَيان بيضاوانِ عقد مُحَلِّم
قد تَمْنَعَانِكَ بَينهم أَن تُهْضَمَا
وَقَالَ:
يَا ربَّ سارٍ سارَ مَا تَوَسَّدا
إِلَّا ذِراعُ العَنْسِ أَوْ كَفَّ اليَدَا
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَتجمع اليَدُ يَدِيّاً مثل عَبْدٍ وعَبيدٍ
قَالَ: وَتجمع أَيْدِيَا ثمَّ تجمع الأَيْدِي على أَيْدِينَ ثمَّ تجمع
الأَيدي أَيَادِيَ وَأنْشد:
يَبْحَثْنَ بالأَرْجُلِ والأيْدِينا
بحْثَ المُضِلاَّت لِمَا يَبْغِينَا
وَقَالَ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى} (ص:
45) أَي أُولي الْقُوَّة والعقول.
قَالَ: وَالْعرب تَقول: مَا لي يَدٌ أَي مَا لي بِهِ قوَّة وَمَا لي
بِهِ يدان وَمَا لَهُم بذلك أيْدٍ أَي قوَّة، وَلَهُم أيدٍ وأبصار وهم
أولو الْأَيْدِي والأبصار، أَي أولو الْقُوَّة والعقول.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: اليَدُ النِّعْمَة، واليَدُ القُوّة،
وَالْيَد القُدرة، واليدُ المِلْك، واليَدُ السُّلْطَان، واليَدُ
الطاعةُ، وَالْيَد المجاعة، وَالْيَد الْأكل، يُقَال: ضع يَدَك أَي
كُلْ، واليدُ النَّدَم، وَيُقَال مِنْهُ: سُقِط فِي يَده إِذا ندِمَ،
واليَدُ الغِياثُ، واليَدُ مَنْعُ الظُّلْم، واليَد الاستِسْلامُ،
وَيُقَال للمُعاتِب: هَذِه يَدِي لَك.
وَقَالَ ابْن هانىء: من أمثالهم: أطَاع يَداً بالقَوْدِ فَهوَ ذَلول،
إِذا انْقَادَ واستسلم، وَمن أمثالهم: ليدٍ مَا أَخَذَتْ، الْمَعْنى من
أَخَذَ شَيْئا فَهُوَ لَهُ.
وَقَوْلهمْ: يَدي لَك رهْنٌ بِكَذَا أَي ضَمنت لَك وكَفَلْتُ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: لَهُ عليّ يَدٌ لَا يَقُولُونَ لَهُ عِنْدِي
يَدٌ وَأنْشد:
لَه عليَّ أَيادٍ لستُ أكْفُرها
وَإِنَّمَا الكُفْر أَلاَّ تُشْكرَ النِّعَمُ
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: العَرب تُشَدِّدُ القوافي، وَإِن كَانَت من غير
المضاعف، مَا كانَ مِن الياءِ وَغَيره وَأنْشد:
فجازوهم بِمَا فَعلوا إلَيْكُمْ
مُجَازَاةَ القُرُوم يَدَا بِيَدِّ
تَعالَوْا يَا حَنِيفَ بَنِي لُجَيْمٍ
إِلَى مَن فَلَّ حَدَّكم وَحَدِّي
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ
وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التَّوْبَة: 29) .
روى يَحيى بنُ أدمَ عَن عثمانَ البزِّي فِي قَوْله عَن يدٍ قَالَ:
نَقْداً عَن ظَهْر يَدٍ لَيْسَ بِنَسِيئَةٍ.
ورَوَى أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة أَنه قَالَ:
(14/168)
كل من أطاعَ لمن قَهره فَأَعْطَاهَا عَن
غير طيبَة نفس فقد أَعْطَاهَا عَن يدٍ.
وَقَالَ الكلبيّ فِي قَوْله: عَن يدٍ: قَالَ يَمْشُون بهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: لَا يجيئون بهَا رُكْبَاناً وَلَا يُرْسلُون بهَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قيل معنى عَن يَد، أَي عَن ذُل وَعَن اعترافٍ
للْمُسلمين بِأَن أَيْديهم فَوق أَيْديهم.
وَقيل: عَن يدٍ أَي عَن قَهْر وذُلّ كَمَا تَقول: اليدُ فِي هَذَا
لِفلان أَي الْأَمر النَّافِذ لفُلَان، وَقيل عَن يَد أَي عَن إنْعامٍ
عَلَيْهِم بذلك، لِأَن قبُول الجِزْيَة مِنْهُم وَترك أنفسهم عَلَيْهِم
إنعام عَلَيْهِم، ويَد من الْمَعْرُوف جزيلة.
وَقَالَ اللَّيْث: يَدُ النِّعْمَة: النعمةُ السَّابِغَة، ويدُ الفأسِ
ونحوِها مَقْبِضُها، ويدُ الْقوس سِيَتُها، ويدُ الدَّهْر مَدُّ
زَمانِه، وَيَد الرّيح سُلطانُها.
وَقَالَ لبيد:
نِطافٌ أمْرُها بِيَدِ الشَّمال
لَمَّا مُلِّكَت الريحُ تَصْرِيفَ السَّحابِ
جُعِل لَهَا سلطانٌ عَلَيْهِ، وَيُقَال: هَذِه الضَّيْعَةُ فِي يدِ
فلانٍ أَي مِلكه، وَلَا يُقَال: فِي يَدَيْ فلَان وَيُقَال: بيْن
يَديْك كَذَا، لكلّ شَيْء أمامك. قَالَ الله: {مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ} (الْأَعْرَاف: 17) ، وَيُقَال: يثُورُ الرَّهَجُ
بَيْن يَدَي الْمَطَر ويَهِيجُ السِّبابُ بَين يَدَيِ القِتال.
وَيُقَال: يدِيَ فلانٌ من يَده إِذا شَلَّتْ، وَرجل مَيْدِيٌ أَي
مَقطوع اليَدِ من أَصْلهَا، يَدَيْتُ يدَه أَي ضَربتُ يَدَه، واليُداء
وَجَعُ اليَدِ، وأَيديتُ عِنْده يَداً، أيْ أنْعَمْتُ عَلَيْهِ.
وَيُقَال: إِن فلَانا لذُو مالٍ يَيْدِي بِهِ ويبوعُ أَي يَبْسُط بِهِ
يَدَه وَبَاعه، وَذهب الْقَوْم أيدِي سبا أَي مُتَفَرِّقين فِي كل
وجهٍ، وذهبوا أيَادي سبا.
وَقَالَ غَيره: اليَدُ الطَّرِيق، هَهُنَا يُقَال: أَخذ فلانٌ يَدَ
بَحر إِذا أَخذ طَرِيق الْبَحْر، وأهلُ سَبأ لما مُزّقوا فِي الأَرض
كلَّ ممزّق، أخذُوا طُرُقاً شَتَّى فصاروا أَمْثالاً لمن يَتَفَرَّقون
آخذين طُرُقاً مُخْتَلفَة.
وَقَالَ اللَّيْث: النسبةُ إِلَى يَدٍ يَدِيّ على النُّقْصَان.
وَقَالَ: وَتجمع يَدُ النِّعْمَة أياديَ ويدِيّا، وتُجْمَعُ اليَدُ
الَّتِي فِي الجَسد الأيدِي، وثَوْبٌ يدِيٌّ وَاسع وَأنْشد:
بالدَّارِ إذْ ثوْبُ الصِّبا يَدِيُّ
وَقَالَ ابْن عَرَفة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {أَوْلْادَهُنَّ وَلاَ
يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} (الممتحنة:
12) أَي مِن جَمِيع الْجِهَات، قَالَ: والأَفعالُ تنسَب إِلَى
الْجَوَارِح، وسُمِّيت جَوارحَ لِأَنَّهَا تَكْتَسِبُ.
(14/169)
وَالْعرب تَقول لمن عمل شَيْئا يُوَبَّخُ
بِهِ: يدَاك أَوْكَتا وفُوكَ نَفَخَ.
وَقَالَ الزّجّاج: يُقَال للرجل إِذا وُبِّخَ: ذَلك بِمَا كَسَبَتْ
يدَاك، وَإِن كانتْ اليَدان لم تجنيا شَيْئاً لِأَنَّهُ يُقَال: لكل
مَن عَمِل عملا كَسَبَتْ يَدَاه، لِأَن الْيَدَيْنِ الأصلُ فِي
التصرُّف.
قَالَ الله تَعَالَى: {مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ} (الشورى: 30) ،
وَلذَلِك قَالَ {} إِلَى قَوْله: {مَالُهُ وَمَا} (المسد: 1، 2) .
قَالَ الْأَزْهَرِي: قَوْله وَلَا يأَتين بِبُهتان يفترينَه الْآيَة:
أَرَادَ بالبُهتَان: وَلَداً تحْمِله مِن غير زَوْجها فتقولُ: هُو مِن
زَوجهَا، وكَنى بِمَا بَين يَديهَا ورجليها عَن الْوَلَد لِأَن فرجهَا
بَيْنَ الرِّجْلَين، وبَطنَها الَّذِي تحمل فِيهِ بَين الْيَدَيْنِ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (المسلمونَ يدٌ على مَن
سِواهم) .
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ أَنَّ كلمتَهم ونُصْرَتَهم واحدةٌ على
جَمِيع المِلَلِ الْمُحَاربَة لَهُم يتعاوَنُون على جَمِيعهم، وَلَا
يَخْذل بعضُهم بَعْضًا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: ثوبٌ قصير اليَدِ إِذا كَانَ
يَقْصُر عَن أَن يُلْتحَفَ بِهِ، وقميصٌ قصيرُ اليَدين أَي قَصير
الكُمَّين، وَيُقَال: أعطَاهُ مَالاً عَن ظَهْر يَدٍ يَعْنِي
تَفَضُّلاً لَيْسَ مِن قَرْض وَلَا مُكافأة وَيُقَال: خَلعَ فلَان
يَدَه عَن الطَّاعة، ونَزَع يَدَه مِثله، وَأنْشد:
وَلَا نَازِعٌ مِن كلِّ مَا رابَنِي يَداً
وَيُقَال: هَذِه يَدِي لَك أَي انقَدْتُ لَك فاحْتَكِمْ عليَّ بِمَا
شئتَ.
قَالَ: وَقَالَ اليزيدي: أيْدَيْتُ عَنهُ يَداً مِن الْإِحْسَان
ويدَيته فَهُوَ مَيْدِيُّ إِذا ضربت يَده، قَالَ: وَجمع الْيَد من
الْإِحْسَان أَيادِي ويَدِيٌّ، وتصغيرُ اليَدِ يُدَيَّةٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة فِي قَول الله: {فَرَدُّو صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - اْ أَيْدِيَهُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَفْوَاهِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 9) ، قَالَ: تركُوا مَا أُمِرُوا
بِهِ وَلم يُسْلِموا.
وَقَالَ الفرّاء: كَانُوا يُكذبونهم ويَرُدَّون القولَ بِأَيْدِيهِم
إِلَى أَفْوَاه الرُّسُل، وَهَذَا يُرْوى عَن مُجَاهِد.
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي قَوْله: {فَرَدُّو صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَيْدِيَهُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَفْوَاهِهِمْ} عَضُّوا أَطْرَاف أَصَابِعهم.
قلت: وَهَذَا من أحسن مَا قيل فِيهِ، أَرَادَ أَنهم عَضّوا أيديَهم
حنَقاً وغَيْظاً، وَهَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
يَرُدُّون فِي فِيهِ عَشْرَ الحَسُود
يَعْنِي أَنهم يَغيظُون الحسودَ حَتَّى يَعَضّ على أصابِعه، وَنَحْو
ذَلِك قَول الْهُذلِيّ:
قد أَفْنَى أنامِلَه أَزْمُه
فأَمْسَى يَعَضُّ عليَّ الوَظِيفَا
(14/170)
يَقُول: أكل أصابعَه حَتَّى أَفْنَاها
بالعَضِّ فَصَارَ يَعَض وظَيفَ الذِّرَاع.
قلت: وَاعْتِبَار هَذَا بقول الله جلّ وعزّ: {وَإِذَا خَلَوْاْ
عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الاَْنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} (آل عمرَان: 119) .
يُقَال للرجل يدعى عَلَيْهِ بالسوء: للْيَدَيْن ولِلفم أَي يَسْقُطُ
على يَدَيْه وفَمِه.
شَمِر: يَدَيْتُ اتَّخَذْتُ عِنْده يَداً. وَأنْشد:
يَدٌ مَا قَدْ يَدَيْتُ على سُكَينٍ
قَالَ: يَديتُ اتَّخذْتُ عِنده يَداً.
وَيُقَال: إِن قوما من الشُّراة مَرَّوا بقومٍ من أَصْحَاب عليّ، وهم
يَدْعُونَ عَلَيْهم، فَقَالُوا: بِكم اليَدان أَي حَاق بكُم مَا
تَدْعُون بِهِ.
وَالْعرب تَقول: كانَتْ بِه اليَدان أَي فَعَل اللَّهُ بِه مَا
يَقُولُهُ لِي، وَكَذَلِكَ قَوْله: رَمَاني مِنْ جول الطَّوِيِّ
وأَحاقَ اللَّهُ بِهِ مَكْرَه.
ابْن السّكيت: ابْتَعتُ الغَنْم الْيَدَيْنِ أَي بثمنين، بعضَها بِثمن،
وبعضَها بِثمن آخر.
وَقَالَ الْفراء: بَاعَ فلَان غنمه الْيَدَيْنِ، وَهُوَ أَن يُسْلِمها
بِيَدٍ ويأخذَ ثمنهَا بيد.
وَيُقَال: جَاءَ فلَان بِمَا أَدَّتْ يدٌ إِلَى يدٍ، عِنْد تَأْكِيد
الإخْفاق، وَهُوَ الخَيْبَةُ.
وأد: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الوَأْدُ والوَئِيدُ جَمِيعًا الصوتُ
الشدِيدُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}
(التكوير: 8) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الرجلُ مِن أهل
الْجَاهِلِيَّة: إِذا وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ دَفنها حِين تضعُها
والدتُها حَيةً مَخَافَةَ العَار والحَاجَةِ، فَأنْزل الله جلّ وعزّ:
{وَلاَ تَقْتُلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ
وَإِيَّاكُم} (الْإِسْرَاء: 31) الْآيَة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر:
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُْنْثَى} إِلَى قَوْله:
{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ} (النَّحْل:
58، 59) الْآيَة. وَيُقَال: وأدها الوائد يئدها وأْداً فَهُوَ وَائِدٌ،
وَهِي مَوْءودة وَوَئيد.
وَقَالَ الفرزدق:
وَعَمّي الَّذِي مَنَع الوائِداتْ
وَأَحْيَا الوَئيدَ فَلم يُؤأَدِ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَن خَفَّفَ همزَة الموءودة قَالَ: مَوْدةٌ
كَمَا ترى لِئَلَّا يجمع بَين ساكنين.
وَيُقَال: تَوَأَدتْ عَلَيْهِ الأَرْض وتَكَمَّأَت وتَلَمَّعَتْ إِذا
غَيَّبَتْهُ، وذهبتْ بِهِ.
قلت: هما لُغَتَانِ تودَّأَتْ عَلَيْهِ وتَوَأَّدتْ على الْقلب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الموائد والمآود للدواهي وَهُوَ أَيْضا على
الْقلب، والتُّؤدَةُ التَّأنِّي والتَّمَهُّلُ وَأَصلهَا وُؤدة مثل
التُّكأة أَصْلهَا وُكَأَة.
وَيُقَال: اتَّأدَ يَتَّئد اتِّئاداً، وثُلاثِيُّه غير مُسْتَعْمل، لَا
يَقُولُونَ: وَأَدَ يئدُ بِمَعْنى
(14/171)
اتَّأد.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال اتَّأد وتَوَاَّد فاتَّأد على افتَعَلْ
وتَوَاَّد على تَفَعَّلَ، وَالْأَصْل فيهمَا: الوَأْد إِلَّا أَن يكونَ
مَقلوباً من الأوْد، وَهُوَ الإثقال.
فَيُقَال: آدني يَؤُودني أَي أثقلني والتَّأَوُّد مِنْهُ، وَيُقَال:
تأوَّدت المرأةُ فِي قِيَامهَا إِذا تَثَنَّتْ لتثاقلها، ثمَّ قَالُوا:
تَوَأَّد واتَّأد، إِذا تَرَزَّن وتَمَهَّلَ، والمقلوبات فِي كَلَام
الْعَرَب كَثِيرَة وَنحن ننتهي إِلَى مَا ثَبَتَ لنا عِندهم وَلَا
نُحْدِثُ فِي كَلَامهم مَا لم ينطقوا بِهِ وَلَا نَقِيسُ على كلمة
نادرةٍ جَاءَت مَقْلُوبَة.
دوى: وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الدَّواةُ مَعْرُوفَة إِذا عَددتَ
قلتَ: ثلاثُ دَوَيَات كَمَا يُقَال: نَوَاةٌ وثلاثُ نَوَيَات، وَإِذا
جَمَعْتَ مِن غير عَدد فَهِيَ الدَّوَى كَمَا يُقَال نواةٌ ونَوَى،
قَالَ: ويَجوز أَن يجمع دُوِيَّا.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
عَرفْتُ الدِّيار كَخَطِّ الدُّويِّ
يَذْبُرُهُ الكاتِبُ الحِمْيَرِيّ
والدّوى تَصْنيعُ الدَّوَابَّةِ وتسمينهُ وصَقْله بِسَقْي اللَّبن
والمواظَبَة على الْإِحْسَان إِلَيْهِ، وإجْرائِه مَعَ ذَلِك
البَرْدين، قَدْرَ مَا يَسِيلُ عَرَقُه ويَشْتَدَّ لَحْمه وَيذْهب
رَهَله، وَيُقَال: داوَيْتُ الْفرس دِوَاء ومُداواة، وَيُقَال: داوَيتُ
العَلِيلَ دَوًى بِفَتْح الدَّال إِذا عالجته بالأَشْفِيَةِ الَّتِي
تُوافِقه. وَأنْشد الأصمعيّ فَقَالَ:
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبيك الدَّوى
ولَيْسَ لَهُ من طعامٍ نَصِيبْ
خَلا أَنَّهُم كُلَّما أَوْرَدُوا
يُصَبِّحُ قَعْباً عَلَيْهِ ذَنُوبْ
قَالَ مَعْنَاهُ: أَنه يُسْقى قَعْياً مِن لَبَن عَلَيْهِ دلوٌ مِن
ماءٍ، وصفهُ بأَنَّه لَا يُحْسِن دِواء فَرَسِه وَلَا يُؤثرُه
بِلَبَنِه كَمَا يَفْعَلُ الفُرْسان.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الإدَاوَة المَطْهَرَةُ وَجَمعهَا
الأداوَى، وَأنْشد:
يَحْمِلْنَ قُدامَ الجَآ
جِىء فِي أَداوَى كالمَطَاهِر
يَصِفُ القَطا واستقاءها لِفِراخِها فِي حَواصِلها.
(14/172)
{بَاب الرباعي من حرف الدَّال
(فندر) : قَالَ اللَّيْث: الفِنْديرةُ وَجَمعهَا فَناديرُ قِطعةٌ ضخمةٌ
من تَمْرٍ مُكْتَنِزٍ، أَو صَخْرةٍ تَنْقَلِع مِن عُرْضِ الجَبل،
وَأنْشد فِي صفة الْإِبِل:
كأَنها مِن ذُرَى هَضْبٍ فَنَادِيرُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَنْدُورَةُ هِيَ أُمُّ عِزْم وأمُّ
سُوَيْد يَعْنِي السَّوْأَةَ.
(فرند) : وَقَالَ اللَّيْث: فرند دخِيلٌ مُعرَّب، اسْم ثوب، وَفِرِنْدُ
السَّيْف وَشْيُه، قلت: فرنْد السَّيف جَوْهَرُه وماؤُه الَّذِي يَجْري
فِيهِ، وطرائِقُه يُقَال لَهَا: الفِرِنْدُ وَهِي سَفاسِقه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفِرْنِد الأبْزَارُ وَجمعه
الفَرَانِدُ.
(بندر) : وَقَالَ اللَّيْث: البَنَادرَةُ دَخيلٌ وهم التُّجار الَّذين
يلزمون الْمَدَائِن واحدهم بُنْدَارٌ.
(بلدام) : قلت: وقرأتُ فِي هَذَا الْبَاب لِابْنِ المظفر: البَلَنْدمُ
الرَّجل الثَّقِيلُ فِي المَنْظَر البَلِيدُ فِي المخْبرِ، قَالَ:
ومُقَدَّمُ الصَّدْر بَلْدَمٌ، قلت: وَهَذَانِ الحرفان عِنْد
الْأَئِمَّة الثِّقَات بِالذَّالِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البَلْذَمُ المَرىءُ والحُلقوم والأوْداج يُقَال
لَهَا: بَلذم، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ الأصمعيّ: قَالَ البَلْذَمُ من الْفرس مَا اضْطربَ من حُلْقُومه
ومَرِيئِهِ، وجَرانِهِ، قَالَ: المريء مَجْرى الطَّعَام وَالشرَاب،
والجران الجِلْدُ الَّذِي فِي بَاطِن الحَلْقِ مُتَّصِل بالعُنُق،
والحُلْقُوم مخرج النَّفْس وَالصَّوْت.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البَلْذَم
البَلِيدُ من الرِّجال.
(دلظم) : اللَّيْث: الدِّلْظَم والدَّلْظَم النَّاقة الهرِمة الفانية،
قلت: وَقَالَ غَيره: الدَّلْظَم الْجمل القويّ، ورجلٌ دِلْظَم شَدِيد
قويّ.
(دلنظ) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الدَّلَنْظَى السمين من كل
شَيْء.
وَقَالَ شمر: دَلَنْظَى وبَلَنْزَى إِذا كَانَ ضَخْماً غليظ
المنكِبَيْن، وَأَصله من الدَّلْظِ وَهُوَ الدَّفْعُ.
(ثرند) : وَقَالَ اللحياني: اثْرَنْدَى الرجلُ إِذا كَبُر لحم صَدْره،
وابلندى إِذا كَبُر لحم جَنْبَيْه وعَظُما، وادلَنْظَى إِذا سَمِن
وغَلُظَ.
(14/173)
(رجل مُثَرْنَد مُخصِب)
دربل: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: دربل إِذا ضرب الطَّبل.
(دردب) : سَلَمة عَن الْفراء: الدَّرْدبيُّ: الضَّرْبُ بالكُوبة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الدَّرْدابُ صَوْت الطَّبل.
أَبُو عَمْرو: الدّرْدبَةُ الخُضوع، يُقَال: درْدبَ لما عَضَّهُ
الثِّقاف أَي ذَلَّ وخَضَع.
(فرند) : فِرِندَادُ، جَبَلٌ بِنَاحِيَة الدّهْناء وبِحِذَائِه جَبلٌ
آخر وَيُقَال لَهما مَعًا: الفِرِندَادانِ. وَقَالَ ذُو الرمة:
وَيافِعٌ مِن فِرِندَاديْن مَلْمُومُ
(دمثر) : أرضٌ دمَاثرُ إِذا كَانَ دمِثاً.
وَأنْشد الأصمعيّ فِي صفة إبل:
ضَارِبة بِعَطَنٍ دُمَاثِرِ
أَي شَرِبَتْ فَضَربَتْ بِعَطَن، ودَمْثَرٌ دَمِثٌ، والدَّمْثَرَةُ
الدَّماثة، وبَعِيرٌ دُمَثِرٌ ودُمَاثِرٌ إِذا كَانَ كَثِير اللَّحْم.
بلدم: اللحياني: يُقَال للرجل إِذا فُرق فَسَكت: بَلْسَمَ وَبَلْدَمَ
وطَرْسَم وأَسْبَط وأَرَمَّ.
(تمرد) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لِبُرْج الْحمام:
التِّمرادُ وَجمعه التَّماريدُ وَقيل: التَّماريد محاضِنُ الحَمَام فِي
بُرْج الحَمَامِ، وَهِي بيوتٌ صِغار يُبْنَى بَعْضهَا فَوق بعض.
(دردب) : عَمْرو عَن أَبِيه: الدَّرْدَبة تحرُّك الثَّدْي الطَّرْطُبِّ
وَهُوَ الطَّويلُ.
وَقَالَت أمُّ الدّرْداء: زارنا سَلْمان من الْمَدَائِن إِلَى الشَّام
مَاشِيا وَعَلِيهِ كسَاء وأَنْدَرْوَرْد يَعْنِي سَرَاوِيل مُشَمَّرة،
قلت: وَهِي كلمة عَجَميَّة وَلَيْسَت بعربيَّة، وَفِي النَّوَادِر رجل
بَنْدَرِيٌّ وَمُبَنْدِرٌ ومُتَبَنْدِرٌ وَهُوَ الْكثير المَال.
(بيدر) : وَيُقَال: بَيْدَرٌ من حِنطِةٍ وصُولَةٌ من حِنْطة، وَجَمعهَا
صُولٌ وَهُوَ مثل الصَّوبَة.
(دربى) : ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: دَرْبَى فلانٌ فلَانا يُدَرْبيه
إِذا أَلْقَاهُ وَأنْشد:
(اعلَوّطا عَمْراً ليُشْبياهُ
فِي كلِّ سوءٍ ويُدَرْبياهَ)
(حَوْجَلُة الخُبَعْثَنِ الدِّمَثْرا
وَقَول العجاج: بعير دِمَثْر ودُمَاثِرٌ إِذا كَانَ كثير اللَّحم
وثيراً) .
(14/174)
(درنف) : وَقَالَ (الشَّاعِر) :
أَكْلَفَ دُرْنُوفاً هجاناً هَيْكَلا
قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا أعرف الدُّرْنُوفَ وَقَالَ: هُوَ العظيمُ من
الْإِبِل.
(دربن) : وَقَالَ (المثقب الْعَبْدي) (3) :
كدُكَّان الدَّرابِنَةِ المطِين
قيل: الدَرابِنَةُ التُّجَّار، وَقيل: جمع الدَّرْبان.
(ثرمد) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: القاقُلي الثّرْمَدُ من الحَمْضِ
وَكَذَلِكَ القُلاّم والباقِلاء.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: ورأَيْتُ فِي مَاء لبني سعد يُقَال لَهُ ثرمداء
وَرَأَيْت حَواليه القاَقلِّي وَهُوَ من الحمض مَعْرُوف وَفِي
الحَدِيث: كَانَ أبي يلْبس أنْدَرُوزْديَّة يَعْنِي التُّبان.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَلَيْسَ بعربي وَلكنه مُعَرَّب.
تمّ كتاب الدَّال وَالْحَمْد لله على نعمه وَنعم الوَكيل.
آخر كتاب الدَّال
(14/175)
|