تهذيب اللغة (أَبْوَاب الظَّاء وَاللَّام)
ظ ل ن: مهمل.
ظ ل ف
ظلف، لفظ: (مستعملة) .
(ظلف) : قَالَ اللَّيْث: الظِّلْفُ: ظِلْفُ الْبَقَرَة وَمَا أشبههَا
ممَّا يَجْتَرُّ وَهُوَ ظُفْرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: رِجْلُ الْإِنْسَان وقَدمُه وحافرُ
الْفرس وخُفُّ البَعير والنَّعامةِ وظِلْفُ البقرةِ والشاةِ.
(14/271)
وَقَالَ اللَّيْث: يُستعارُ الظِّلْفُ
للخيل وَأنْشد قَول عَمْرو بن معديكرب:
وخَيْلٍ تَطأْكم بأَظْلافِها
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن الْفراء: قَالَ تَقول
الْعَرَب: وَجَدَتْ الدابةُ ظِلْفَها، يُضرب مَثَلاً للَّذي يَجدُ مَا
يُوافِقه وتكونُ فِيهِ إرادتُه، من النَّاس والدوابّ.
قَالَ الْفراء: الظَّلَفُ من الأَرْض تَسْتَحِبُّ الخيلُ العَدْوَ
عَلَيْهَا، وَأَرْض ظَلِفَةٌ لَا يَسْتَبِينُ المشيُ عَلَيْهَا من
لِينِها.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الطُّوسِي عَن الخراز عَن ابْن
الْأَعرَابِي، قَالَ: الظَّلَفُ مَا غَلُظَ من الأَرْض وَأنْشد لِابْنِ
الأحْوَص:
أَلَمْ أَظْلِفْ عَن الشُّعراء عِرْضِي
كَمَا ظُلِفَ الوَسِيقَةُ بالكُراعِ
قَالَ: هَذَا رجلٌ سَلَّ إبِلا فَأخذ بهَا فِي كُرَاعٍ من الأَرْض
لِئَلَّا تَسْتَبِينَ آثارُها فَتُتَّبَع، قلت: جَعَل الفرَّاءُ
الظَّلَفَ مَا لَان من الأَرْض، وجَعَلها ابْن الْأَعرَابِي مَا غَلُظَ
من الأَرْض، وَالْقَوْل قَول ابْن الأعرابيّ، الظَّلَفُ من الأَرْض مَا
صَلُب فَلم يُؤَدِّ أثرا، وَلَا وُعوثَةَ فِيهَا فيشتدُّ على الْمَاشِي
المشيُ فِيهَا، وَلَا رَمْلَ فَتَرْمَضُ فِيهَا النَّعَم، وَلَا حجارةَ
فتحْفَى فِيهَا، وَلكنهَا صُلْبَةُ التُّربة لَا تُؤَدِّي أثرا.
وَرُوِيَ عَن شمر لِابْنِ شُمَيْل فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ:
الظَّلِفَةُ الأَرْض الَّتِي لَا تَتَبَيَّنُ فِيهَا أثرا، هِيَ قُفٌّ
غليظُ، وَهِي الظَّلَفُ.
وَقَالَ يزِيد بن الحكم يصف جَارِيَة:
تَشْكُو إِذا مَا مَشَتْ بالدِّعْصِ أَخْمَصَها
كأَنَّ ظَهْرَ النَّقا قُفٌّ لَهُ ظَلَفُ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَظْلَفَ الرجلُ إِذا وَقع فِي
موضعٍ صُلْبٍ، وَأنْشد بيتَ عَوْف بن الْأَحْوَص:
أَلم أَظْلِفْ عَنْ الشُّعراء عِرْضِي
قَالَ: وسارقُ الْإِبِل يحْمِلُها على أَرض صُلْبة لِئَلَّا يُرى
أَثَرُها، والكُرَاعُ من الحرَّة مَا استطال.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء: أَرض ظَلِفٌ وظَلِفَةٌ إِذا كَانَت لَا
تُؤَدِّي أثرا، كَأَنَّهَا تمنع من ذَلِك.
وَمِنْه يُقَال: ظَلَفَ الرجلُ نفسَه عَمَّا يَشِينُها إِذا مَنَعها.
وَقَالَ غَيره: الأُظْلُوفَة من الأَرْض القِطْعَةُ الحزْنَةُ
الخَشِنَةُ، وَهِي الأَظاليفُ، وَمَكَان ظَلِيفٌ حَزْنٌ خَشِنٌ، قَالَ:
والظَّلْفَاءُ صَفَاةٌ قد اسْتَوَت من الأرضِ مَمْدودةً، قَالَ:
وَيُقَال: أَقَامَهُ الله على الظَّلَفَاتِ، أَي على الشِّدَّةِ
والضِّيق.
وَقَالَ طُفَيْل الغَنَويّ:
هُنالِك يَرْويها ضَعِيفي وَلم أُقِمْ
على الظَّلَفَاتِ مُقْفَعِلَّ الأنَامِل
ورُوي عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ
(14/272)
لراعي غنمه: عليكَ الظَّلَفَ من الأَرْض
لَا تُرَمِّضْها، قلت: أَمَره بِأَن يَرْعاها فِي صَلاباتِ الأَرْض
لِئَلَّا تَرْمَضَ فَتَتْلَفُ أظْلافُها، لِأَن الشَّاءَ إِذا رُعيتْ
فِي الدِّهاسِ وحَمِيتْ الشمسُ عَلَيْهَا أَرْمَضَتْها، والصَّيَّادُ
فِي الباديةَ يلْبس مِسْمَاتَيْهِ وهما جَوْرَباه فِي الهاجِرة
الحارَّة فَيثيرُ الوحشَ عَن كُنُسِها، فَإِذا مَشَتْ فِي الرَّمْضاءِ
تساقَطَتْ أظلافُها، وَأَخذهَا المُسْتَمِي وَيُقَال لَهُم: السُّمَاةُ
واحدُهم سَامٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّلِفَةُ طَرَفُ حِنْو القَتَبِ وحِنوِ الإكافِ،
وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا يَلِي الأَرْض من جوانبها، قَالَ: والظَّلِيفُ
الذَّليلُ السَّيِّىءُ الْحَال فِي معيشته، وَقَالَ: ذهب بِهِ
مَجَّاناً وظَليفاً إِذا أَخَذَه بِغَيْر ثمنٍ، وَأنْشد:
أَيَأْكُلُها ابنُ وَعْلَةَ فِي ظَلِيفٍ
ويَأْمَنُ هَيْثَمٌ وابْنَا سِنانِ
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: الظِّلْفُ الْحَاجة، والظِّلْفُ المتابَعَةُ
فِي المَشي. وَغَيره، وَيُقَال: جاءَتْ الْإِبِل على ظِلْفٍ وَاحِد،
قَالَ: والظِّلْفُ الباطلُ، والظِّلْفُ المُبَاحُ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ذهب دَمُه ظَلْفاً وظَلَفاً بالظَّاء
والطَّاء مَعْنَاهُ هَدْراً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أخذتُ الشيءَ بظَلِيفتِه إِذا لم يَدَعْ
مِنْهُ شَيْئا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: غَنَمُ فلانٍ على ظِلْفٍ وَاحِد،
وَقَالَ مرّة: على ظَلَفٍ إِذا ولدتْ كُلَّها.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: وَفِي الرَّحْلِ الظّلِفَاتُ، وَهِي
الخَشَبَاتُ الْأَرْبَع اللواتي يَكُنَّ على جَنْبَيْ البَعير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مِثْلُه.
قَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال لأعلى الظَّلِفَتَيْن مِمَّا يَلي
العَرَاقِيَ العَضُدَان وأسفلهما الظَّلِفَتَان، وهما مَا سَفَل من
الحِنْوَيْنِ الواسط والمُؤْخِرة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَرَّفْتُ على السِّتين وظَلَّفْتُ
ورَمَّدْتُ وطَلَّفْتُ ورَمَّثْتُ، كل هَذَا إِذا زِدْتَ عَلَيْهَا.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَظْلَفْتُ فلَانا عَن كَذَا وَكَذَا
وظَلَّفْتُه وشَذَّيْتُهُ وأَشْذَيْتُهُ إِذا أَبْعَدْتَه عَنهُ.
لفظ: قَالَ اللَّيْث: اللَّفْظ أَنْ تَرمِيَ بشيءٍ كَانَ فِي فِيك،
وَالْفِعْل لَفَظَ يَلْفِظ لَفْظاً، وَالْأَرْض تَلْفِظُ الميتَ إِذا
لم تَقْبَلهْ، ورَمَتْ بِهِ، والبحرُ يَلْفِظُ الشَّيْء، يَرْمِي بِهِ
إِلَى السَّاحِل، وَالدُّنْيَا لافِظَةٌ ترمي بمنْ فِيهَا إِلَى
الْآخِرَة، وكل طَائِر يَزُنُّ أنثاه، فَهُوَ لافظة، وَمن أمثالهم:
أسْخَى من لافِظَةٍ يعنون الدِّيكَ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال: فلانٌ أسْخَى من لافظةٍ، يُقَال:
أَنَّهَا الرَّحَى سُمِّيت بذلك لِأَنَّهَا تَلْفِظُ مَا تَطْحَنُه،
وَيُقَال: أَنَّهَا
(14/273)
العَنْزُ، وَجُودُها أَنَّهَا تُدْعى
للحَلَب وَهِي تَعْتَلِف فَتُلقِي مَا فِي فِيها وتُقْبل إِلَى الحالب
لتُحْلَبَ وَهَذَا التَّفْسِير لَيْسَ عَن أبي زيد.
قلت: واللَّفْظُ لفظ الْكَلَام. قَالَ الله جلَّ وعزَّ: {قَعِيدٌ مَّا
يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)
وَيُقَال: لَفَظَ فلانٌ عَصْبَه إِذا ماتَ، وعَصْبُه ريقُه الَّذِي
عَصَبَ بِفِيهِ أَي غَرِيَ بِهِ فَيَبِسَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: اخْتلفُوا فِي قَوْلهم:
أَسْمَحُ من لافِظةٍ.
فَقَالَ الْمفضل: هُوَ الدِّيك.
وَقَالَ غَيره: العَنْزُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الرحَى، وَيُقَال: هُوَ الْبَحْر لِأَنَّهُ
يقذف كل مَا فِيهِ.
ظ ل ب: أهْمِلتْ وجوهها.
ظ ل م
ظلم، لمظ: (مستعملة) .
(ظلم) : سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَإِذَآ
أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} (الْبَقَرَة: 20) فِيهِ لُغَتَانِ:
أَظْلَمَ. وظَلِم. بِغَيْر ألف.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي ليَالِي الشَّهْر بعد الثلاثِ البيضِ ثَلاثٌ
دُرَعٌ وثَلاثُ ظُلَمٌ، قَالَ: والواحدةُ من الدُّرَع، والظُّلَمِ
دَرْعاء وظَلْماء.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم وَعَن أبي الْعَبَّاس المبرّد
أَنَّهُمَا قَالَا: واحدةُ الدُّرَعِ والظُّلمِ دُرْعَةٌ وَظُلْمة،
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَاه هُوَ القِياسُ الصحيحُ، وَيجمع
الظُّلَمةُ ظُلَمٌ وظُلْمات وظُلُمات.
وَقَالَ اللَّيْث: الظُّلْمةُ ذَهابُ النُّور، وَجمعه الظلَم، قَالَ:
والظَّلامُ اسْم لذَلِك، وَلَا يُجمع، يَجْرِي مَجرى الْمصدر كَمَا لَا
يجمع نظائرُه نَحْو السوَاد وَالْبَيَاض. قَالَ: وَلَيْلَة ظَلماءُ،
وَيَوْم مُظلم شديدُ الشَّرّ، وأَظلم فلَان علينا البيتَ: إِذا أسمعك
مَا تكره، قلت: أَظلم يكون لازِماً وواقعاً، وَكَذَلِكَ أَيْضا يكون
بالمعنيين أَضاء السراجُ بِنَفسِهِ بِمَعْنى ضاء، وأَضاء السراجُ
الناسَ، وأَضأْتُ السراجَ فأَضاء وضاء، وَيُقَال: ظلمه يَظْلمه ظَلماً
وظُلماً فالظَّلْم مصدرٌ حَقِيقِيّ، والظُّلمُ الِاسْم يَقوم مقَام
الْمصدر، وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الشَّبهِ: من أَشْبَهَ أَبَاهُ
فَمَا ظَلَم.
قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا ظَلَم أَي مَا وَضَع الشَّبَه فِي غير
مَوْضِعه، قَالَ: وأصل الظُّلم وَضعُ الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَاكِن كَانُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النَّحْل: 118) قَالَ مَا
نَقَصُونا شَيْئا بِمَا فعلوا وَلَكِن نَقَصُوا أنفسهم، قَالَ:
وَالْعرب تَقول ظَلَمَ فلانٌ سِقَاءه إِذا سقَاهُ قبل أَن يُخْرَجَ
زُبْدُهُ.
(14/274)
وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا شُرِبَ لَبَنُ
السِّقاء قبل أَن يَبْلُغ الرُّؤوبَ فَهُوَ المظلومُ والظَّليمةُ،
يُقَال: ظَلَمْتُ القومَ إِذا سَقَاهم اللَّبن قبل إدْراكِه.
قلت: هَكَذَا رُوِيَ لنا هَذَا الْحَرْف عَن أبي عبيد: ظَلَمْتُ
القومَ، وَهُوَ وَهْمٌ.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى وَعَن أبي
الْهَيْثَم أَنَّهُمَا قَالَا: يُقَال: ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت
اللبنَ إِذا شَرِبته أَو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وَإِخْرَاج زُبدته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ظَلمْت وَطْبِي القومَ أَي سقَيْته قبل رُؤوبه
وَأنْشد شمر:
وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي
وَهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ
وَقَالَ الْفراء يُقَال: ظلَم الْوَادي إِذا بَلغ الماءُ مِنْهُ
مَوْضعاً لم يكن ناله فِيمَا خَلا وَلاَ بَلَغه قبلَ ذَلِك، وأنشدني
بَعضهم يصف سَيْلاً:
يَكادُ يَطْلعُ ظُلْماً ثمَّ يَمنعُه
عَن الشَّواهِق فالوادي بِهِ شَرِقُ
قَالَ وَيُقَال: لَهو أَظلم من حَيَّةٍ، لِأَنَّهَا تَأْتِي الجُحْرَ
لم تَحْفرْه فتسكنه، قَالَ وَيَقُولُونَ: مَا ظَلمك أَنْ تفعل، قَالَ:
والأرضُ المظلومةُ الَّتِي لم ينلْها المطرُ، قَالَ: وَقَالَ رجل لأبي
الجرَّاح: أَكلْتُ طَعَاما فاتَّخَمْتُه فَقَالَ أَبُو الْجراح: مَا
ظلمك أَن تَقِيءَ قَالَ: وأنشدني بَعضهم:
قالتْ لَهُ مَيٌّ بأَعلى ذِي سَلَمْ
أَلا تَزُورُنا إِن الشَّعْبُ أَلَمّ
قَالَ بَلى يَامَيُّ واليومُ ظَلَمْ
قَالَ الْفراء: هم يَقُولُونَ: مَعْنَاهُ حَقّاً وَهُوَ مَثَلٌ.
قَالَ: ورأيتُ أنهُ لَا يَمنعني يَوْمٌ فِيهِ عِلَّةٌ تمنعُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يَقُول: لَقِيتُه أَدْنَى ظَلَمٍ أَي لَقيته
أوَّلَ شَيْء، قَالَ: وَإنَّهُ لأَوَّلُ ظَلَم لَقيته إِذا كَانَ
أَوَّلَ شَيْء سَدَّ بصَرَك بِليل أَو نَهَار، وَمثله لَقيته أوَّلَ
وَهْلَةٍ، وَأَوَّلَ صَوْكٍ، وبَوْكٍ.
قالَ: وَقالَ الأمَوي: أدْنى ظَلَمٍ أَي الْقَرِيب.
قلت: وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: فِي قَوْله: قَالَ: بَلَى يَا
مَيُّ وَالْيَوْم ظَلَم، أَي حَقًا يَقِينا، وَأُراه قولَ المفَضَّل
وَهُوَ شبيهٌ بقول من قَالَ فِي: لَا جَرَم، أيْ حقّا، يُقيمه مُقامَ
الْيَمين، وللعرب أَلفاظٌ فِي الأَيمان لَا تُشْبهها كَقَوْلِهِم
عَوْضُ لَا أفعلُ ذَلِك، وجَيْرِ لَا أفعلُ ذَلِك.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول النَّابِغَة:
إلاَّ أَوارِيَّ لأياً مَا أُبَيِّنها
والنُّؤْيُ كالحوض بالمظلومَة الجلَدِ
قَالَ النُّؤْيُ الحاجزُ حول الْبَيْت من تُرَاب فَشَبَّه دَاخل الحاجز
بالحوض، بالمظلومة يَعني أَرْضاً مَرُّوا بهَا فِي بَرِّيّة فتحوَّضوا
(14/275)
حوضاً سَقْوا فِيهِ المِهارَ، وليستْ
بِموضع تحويض يُقَال: ظلمت الحوضَ إِذا عمِلتَه فِي مَوضِع لَا تُعمل
فِيهِ الحياضُ، قَالَ: وأصل الظُّلمِ وَضع الشَّيْء فِي غير مَوضعه،
وَمِنْه قَوْله: واليومَ ظُلْم أَي واليومَ وضع الشَّأْن فِي غير
مَوْضِعه، وَمِنْه قَول ابْن مُقبل:
هُرْتُ الشَّقاشِق ظَلاَّمون للجُزَر
أَي وضعُوا النَّحر فِي غير مَوضعه، وظَلم السَّيلُ الأَرْض إِذا
خَدَّد فِيهَا من غير مُوْضعِ تَخديد وَأنْشد للحُوَيدِرَة:
ظَلَم البطاحَ بهَا انْهِلالُ حرِيصةٍ
فَصَفا النطافُ بهَا بُعَيْدَ المُقْلَعَ
قَالَ: وظَلمتُ سِقائي أَي سقيتهم إِيَّاه قبل أَن يروب وَأنْشد:
وصاحبِ صِدْق لم تَنلني أذاتُه
وَفِي ظلْمي لَهُ عَامِدًا أجْرُ
قَالَ: هَكَذَا سَمِعت الْعَرَب تنشده: وَفِي ظَلْمي بِنصب الظَّاء.
قَالَ: والظُّلمُ الِاسْم والظَّلم بالفتحِ العملُ، وَقَالَ
الْأَصْمَعِي فِي قَول زُهَيْر:
ويُظلم أَحْياناً فَيَظَّلم
أَي يُطلبُ مِنْهُ فِي غير مَوضِع الطّلب.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّلْم يُقَال هُوَ الثَّلْجُ وَيُقَال هُوَ
المَاء الَّذِي يَجرِي على الْأَسْنَان من اللَّوْن لَا من الرِّيق،
قَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
تَجْلو عَوارِضَ ذِي ظَلْم إِذا ابتَسَمَتْ
كأَنهُ مَنْهَلٌ بالرّاح مَعْلولُ
وَقَالَ الآخر:
إِلَى شَنْبَاءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا
بماءِ الظَّلْم طيِّبةِ الرُّضابِ
قَالَ: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى بماءِ الثَّلج.
قَالَ شمر: الظَّلْم بَيَاض الْأَسْنَان كَأَنَّهُ يعلوه سَواد،
والغُروب مَاء الْأَسْنَان، وَقَالَ الْكُمَيْت: ثمَّ أنْشد الْبَيْت.
وَقَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {الَّذِينَءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُو صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الْأَنْعَام: 82) .
قَالَ ابنُ عبَّاس وجماعةُ أهل التَّفْسِير: لم يُغَطُّوا إِيمَانهم
بشرك، رَوى ذَلِك حُذيفة وَابْن مَسْعُود وسلمان، وتأَوَّلوا فِيهِ
قَول الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن لُقمان: {تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ} (لُقْمَان: 13) والظُّلْمُ الميْل عَن القَصد، وسمعتُ
الْعَرَب تَقول: الْزَمْ هَذَا الصوبَ وَلَا تَظْلِم مِنْهُ شَيْئا،
أَي لَا تَجُرْ عَنهُ.
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ فِي كِتَابه: أَرض مظلومة إِذا لم تُمْطَرْ،
ويُسَمَّى ترابُ لَحْدِ القبرِ ظَلِيماً لهَذَا الْمَعْنى وَأنْشد:
فأَصْبحَ فِي غَبْرَاءَ بَعْدَ إشاحةٍ
على العَيْش مَرْدودٍ عَلَيْهَا ظَلِيمُها
يَعْني حُفْرةَ القَبْر، يُرَدُّ تُرابُها عَلَيْهِ بعد دَفْنِ الميتِ
فِيهَا، والظَّلِيمُ الذَّكر من النَّعام وَجمعه الظُّلْمَانُ والعَددُ
ثلاثةُ أَظْلِمَةٍ.
(14/276)
قَالَ اللَّيْث: الظُّلامَة اسْم
مَظْلِمَتك الَّتِي تَطلبها عِند الظَّالِم، يُقَال: أَخذهَا مِنْهُ
ظُلامَة، ظَلَّمْتُه تَظْليماً إِذا نَبَّأْتَه أَنه ظَالمٌ، وَيُقَال:
ظُلِمَ فلَان فاظَّلَمَ، مَعْنَاهُ أَنه احْتمل الظُّلْمَ بِطيبِ
نَفْسٍ، وَهُوَ قَادر على الِامْتِنَاع مِنْهُ، وَهُوَ افتعال، وَأَصله
اظْتَلَمَ فَقُلِبَتِ التَّاء ظاء ثمَّ أُدغِمَتْ الظَّاء فِيهَا،
والسَّخِيُّ إِذا كُلِّفَ مَا لَا يَجِدُه مَظْلُومٌ أَو سُئِل مَا لَا
يُسْأَل مِثله فاحْتمله فَهُوَ مُظَّلمٌ، وَهُوَ قَوْله: قد يُظلم
أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ. وَقَالَ غَيره: ظَلَمَ الحِمارُ الأتانَ إِذا
كَامَها، وَقد حَمَلَتْ، وَهُوَ يَظْلِمها ظَلْماً، وَأنْشد أَبُو
عَمْرو الشَّاعِر يصف أُتُناً:
ابَنَّ عَقَاقاً ثمَ يَرْمَحْنَ ظَلْمَةً
إباءً وَفِيه صَوْلَةٌ وذَمِيلُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَجَدْنا أَرضًا تَظَالمُ مِعْزاها، أَي
تَتَنَاطَحُ من النَّشَاطِ والشِّبع. وَيُقَال: أَظْلَمَ الثَّغْرُ
إِذا تلألأ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ الرَّقِيق من شدَّة رَفيفه وَمِنْه
قَول الشَّاعِر:
إِذا مَا اجْتَلى الرانِي إليْها بِطَرْفِه
غُرُوبَ ثَناياها أَضَاءَ وأَظْلَما
أضاءَ أَي أَصاب ضَوْءاً، وأَظْلَمَ أصَاب ظَلْماً، والمتَظَلِّم
الَّذِي يشكو رَجُلاً ظَلَمه، والمتظَلِّم أَيْضا الظَّالِم وَمِنْه
قَول الشَّاعِر:
نَقِرُّ ونَأبَى نَخْوَةَ المتظَلِّمِ
أَي نَأبَى كِبْر الظَّالِم، وَيُقَال: تظَلَّم فُلان إِلَى الْحَاكِم
مِن فلَان فَظَلّمَهُ تَظليماً أَي أنْصَفَه من ظَالِمِه وأعانَهُ
عَلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
إِذا نفحات الْجُود أفْنينَ مالَه
تَظَلُّم حَتَّى يُخْذَل المتظلِّمُ
قَالَ: أَي أغار على النَّاس حَتَّى يَكثُرَ مالُه. قلت: جعل التظلم
ظُلماً، لِأَنَّهُ إِذا أغار على النَّاس فقد ظَلمهم، قَالَ: وَأنْشد
لجَابِر الثَّعْلَبِيّ:
وعمرُو بنُ همامٍ صفعنا جبينَه
بشنعاء تَنْهَى نخْوةَ المتظلِّم
قلت: يُرِيد بِهِ نخوة الظَّالِم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ومِن غَريب الشَّجَر
الظِّلَمُ وَاحِدهَا ظَلْمَةٌ وَهُوَ الظِّلاَّمُ والظَلاَم
والظَّالمُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ شَجَرٌ لَهُ عَساليجُ طوال وتَنْبَسِط
حَتَّى تَجوزَ حَدَّ أصلِ شَجَرها فَمِنْهَا سمِّيت ظِلاَماً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الظَّلَمةُ المانعون أهلَ الْحُقُوق
حقوقَهم.
يُقَال: مَا ظَلَمك عَن كَذَا أَي مَا مَنَعَك. وَقَالَ غَيره:
الظُّلْمُ الظَّلَمةُ فِي الْمُعَامَلَة.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا أتيتم على مَظْلُومٍ فأغِذُّوا السّير) قلت:
المظْلُوم البَلَدُ الَّذِي لم يُصِبْه غَيْثٌ وَلَا رِعْيَ فِيهِ
للرِّكَابِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن المؤرج: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لصَاحبه:
أَظْلَمِي وأَظْلَمَك،
(14/277)
فَعَلَ الله بِهِ، أيّ الأظلَمُ مِنِّي
ومِنْك.
وَقَوله تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ
إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} (الْبَقَرَة: 150) إِلَّا أَن يَقُولُوا
ظُلماً وباطلاً، كَقَوْل الرجل: مَا لي عِنْدَك حقٌ إِلَّا أَن تَقول
الْبَاطِل.
وَقَوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنفُسِهِمْ} (النِّسَاء: 97) أَي تتوفاهم فِي خلال ظُلْمهم.
وَقَوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} (الْأَعْرَاف: 103) ، أَي بِالْآيَاتِ
الَّتِي جَاءَتْهُم؛ لأَنهم لمَّا كفرُوا بهَا فقد ظلمُوا، وَيَقَع
الظُّلم على الشّرك.
قَالَ الله: {وَلَمْ يَلْبِسُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الْأَنْعَام: 82) أَي بشركٍ.
وَمِنْه قَول لُقْمَان: {تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ}
(لُقْمَان: 13) {أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا
ظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّ فِى ذالِكَ لاََيَةً} (النَّمْل: 52) أَي بكفرهم
وعصيانهم، وَمن جَعَل مَعَ الله شَرِيكا فقد عَدَل عَن الْحق إِلَى
الْبَاطِل، فالكافر ظَالِم لهَذَا الشَّأْن.
وَمِنْه حَدِيث ابْن زِمْل: لزِمُوا الطريقَ فَلم يَظْلِمُوه أَي لم
يَعْدِلوا عَنهُ.
وَحَدِيث أم سَلمَة: أَن أَبَا بكر وَعمر ثَكَما الأمرَ فَلم يظلما
عَنهُ، أَي لم يعدلا عَنهُ. يُقَال: أَخذ فِي طريقٍ فَمَا ظَلَمَ
يَمِينا وَلَا شِمالاً، أَي مَا عدل، والمسْلِمُ ظالمٌ لنَفسِهِ
لِتَعَدِّيه الْأُمُور المفترضة عَلَيْهِ.
وَمِنْه قَوْله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} (الْأَعْرَاف: 23)
وَيكون الظُّلم بِمَعْنى النُّقْصَان، وَهُوَ رَاجع إِلَى الْمَعْنى
الأول.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمُونَا} (الْبَقَرَة: 57) أَي مَا
نَقَصُونا بفعلهم من مِلْكنا شَيْئا وَلَكِن نَقَصُوا أنفسهم
وبَخَسُوها حقَّها قَالَ: وَفِي الحَدِيث: إنَّه دُعِيَ إِلَى طَعَام
وَإِذا البيتُ مُظلَّم فانصرفَ وَلم يَدْخل المَظَّلمُ المزوَّقُ
مَأْخُوذ من الظَّلْمِ وَهُوَ المَاء الَّذِي يجْرِي على الثَّغْر.
وَقَالَ بَعضهم: الظَّلْم مُوهَةُ الذَّهَب وَالْفِضَّة، قلت: لَا
أعرفهُ.
لمظ: أَبُو عبيد: التَّمَطقُ والتَّلَمُّظُ والتَّذَوُّقُ، وَقد يُقَال
فِي التَّلمظ: إِنَّه تحريكُ اللسانِ فِي الْفَم بعد الْأكل كَأَنَّهُ
يَتَتَبَّعُ بَقِيَّة من الطَّعَام بَين أَسْنَانه، والتَّمَطُّقُ
بالشفَتين أَي تضم إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى مَعَ صوتٍ يكون مِنْهُمَا.
أَبُو زيد: مَا عندنَا لَماظٌ أَي طَعَام يُتَلَمَّظُ.
وَمِنْه مَا يَسْتَعْمِلهُ الكتبة فِي كتبهمْ وَفِي الدِّيوَان: قد
لَمظْناهم أَي أعطيناهم شَيْئا يتلمظونه قبل حُلُول الْوَقْت ويُسمى
ذَلِك اللُّماظة.
وَيُقَال: لَمِّظْ فلَانا لُماظَةً أَي شَيْئا يَتَلَمَّظُهُ.
وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: الْإِيمَان يَبْدُو لُمْظَةً فِي
الْقلب، كلما ازْدَادَ الْإِيمَان ازدادت اللُّمْظةُ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الأصمعيّ: قَوْله:
(14/278)
لُمْظَة هِيَ مثل النُّكْتة أَو نَحْوهَا من الْبيَاض، وَمِنْه قِيلَ:
فرسٌ أَلمَظُ إِذا كَانَ بجَحْفَلته شيءٌ من الْبيَاض.
وَقَالَ غَيره: فَإِذا ارْتَفع الْبيَاض إِلَى الْأنف فَهِيَ رُثْمَةٌ
وَالْفرس أَرْثَمُ انْتهى. |