تهذيب اللغة (أَبنية أفعالها وأسمائها)
أَوَى وأى وي أيّ أيْ أوْ أوّ وَا
الْوَاو: وَمَعْنَاهَا فِي الْعَطف وَغَيره.
(فعل) الْألف مَهْمُوزَة وساكنة (فعل) اليائي.
أَوَى: تقولُ الْعَرَب: أَوَى إِلَى منزلهِ يَأوي أُويّاً.
وآويته أَنا إيواءً.
هَذَا الْكَلَام الْجيد.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَويت فلَانا، إِذا أنزلته بك.
وأَوَيت الْإِبِل، بِمَعْنى آويتها.
وأقرأني الْإِيَادِي عَن شَمر لأبي عُبيد؛ يُقَال: أَوَيته، بِالْقصرِ؛
وآويته، بِالْمدِّ، على أفعلته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وأويت إِلَى فلَان، بِالْقصرِ لَا غير.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه أنكر أَن يُقَال:
أويت؛ بقصر الْألف، بِمَعْنى آويت.
قَالَ: وَيُقَال: أويت فلَانا، بِمَعْنى: أويت إِلَيْهِ.
قلت: وَلم يَحفظ أَبُو الْهَيْثَم رَحمَه الله هَذِه اللُّغَة، وَهِي
صَحِيحَة.
(15/466)
وَسمعت أعرابيّاً فصيحاً من بني نُمير
كَانَ اسْتُرعي إبِلا جُرْباً، فَلَمَّا أراحها مَلَثَ الظّلامِ
نَحَّاها عَن مأوى الْإِبِل الصّحاح، ونادى عريفَ الحيّ وَقَالَ: أَلا
أَيْن آوي هَذِه الْإِبِل المُوقَّسة؟ وَلم يقل: أُووِي.
وروى الرُّواة عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا
يأوي الضالّة إلاّ ضالّ) .
هَكَذَا رَوَاهُ فُصحاء المُحدّثين، بِفَتْح الْيَاء.
وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح لَا ارتياب فِيهِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عُبيد
عَن أَصحابه.
وسمعتُ الفصيح من بني كلاب يقولُ لمأوى الْإِبِل: مأواة، بِالْهَاءِ.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن الْمفضل، عَن أَبِيه، عَن الْفراء، أَنه
قَالَ: ذُكر لي أنَّ بعض الْعَرَب يُسمِّي مَأْوى الْإِبِل: مأوِي،
بِكَسْر الْوَاو.
قَالَ: وَهُوَ نَادِر، وَلم يجىء فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو:
مَفْعِل، بِكَسْر الْعين، غير حرفين: مَأْقِي الْعين، ومَأْوِي
الْإِبِل، وهما نادران.
واللغة الْعَالِيَة فيهمَا: مأوَى، ومُوقٌ ومأقٌ.
ويُجمع (الآوي) مِثَال (العاوي) : أُوِيّاً، بِوَزْن (عُوِيّاً) ؛
وَمِنْه قولُ العجّاج:
كَمَا يُدانِي الحِدأ الأُوِيّ
شبّه الأثافي واجتماعها بحدأ انضمت بَعْضهَا إِلَى بعض، فَهِيَ متأوّية
ومتأوّيات.
قلت: وَيجوز: تآوَت، بِوَزْن (تعاوت) على (تفاعلت) .
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تأوّى الْجرْح، وأَوَى، وتآوَى،
وآوَى، إِذا تقَارب للبُرء.
وَفِي الحَدِيث: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُخَوِّي
فِي سُجوده حَتَّى كَنّا نَأْوي لَهُ.
قلت: معنى قَوْله (كُنَّا نأوي لَهُ) بِمَنْزِلَة قَوْلك: كنّا نرثي
لَهُ، ونرقّ لَهُ، ونُشفق عَلَيْهِ من شدّة إقلاله بَطْنَه عَن الأَرْض
ومدّه ضَبُعَيه عَن جَنْبيه.
يُقَال: أَوَيْت لَهُ آوي لَهُ أويةً، وأيّة، ومَأوية، ومأواة، إِذا
رَثَيت لَهُ.
واستأويته، أَي استرحمته، استيواء؛ وَقَالَ:
وَلَو أنِّي اسْتأْوَيْتُه مَا أَوى لِيا
وَقَالَ الآخر:
أَرَانِي وَلَا كُفرانَ لله أَيَّةً
لِنَفسي لقد طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ
أَي: غير مُقْلق من الْفَزع. أَرَادَ: لَا أكفر الله أيّة لنَفْسي،
نَصبه لِأَنَّهُ مَفْعول لَهُ.
وأياة الشَّمْس، وآياتها: ضوؤها؛ قَالَ:
سَقته إياة الشَّمس إِلَّا لِثَاتِه
وَيُقَال: الأياء، بِالْمدِّ؛ والإِيا،
(15/467)
بِالْقصرِ.
وَلم أسمع لَهما فعلا.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الأياء:
مَفْتُوح الأول مَمْدُود؛ والإياء، مكسور الْألف مَقْصُور، وإياة، كُله
وَاحِد: شُعاع الشّمْس وضوؤها.
رَوى ذَلِك الْفراء، عَن الْكسَائي؛ وَأنْشد:
سَقَتْه إياةَ الشَّمْس الإلثاته
أُسِفّ وَلم يُكْمَد عَلَيْهِ بإثمد
وروى ابْن شُميل عَن الْعَرَب: أَوّيتُ بِالْخَيْلِ تأَوِيةً، إِذا
دَعوتَها: آوُوه، لِتَريع إِلَى صَوْتك؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فِي حاضِرٍ لَجِبٍ قاسٍ صواهلُه
يُقال للخيل فِي أَسْلافه آوُو
قلت: وَهُوَ مَعروف مِن دُعَاء العَرب خَيْلَها.
وأى: الْأَصْمَعِي وَغَيره، يُقال: وأيت أَئِي وَأْياً، إِذا ضَمنت
ووَعدت؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
وَمَا خُنْتُ ذَا عَهد وَأَيْت بعَهْده
وَلم أحْرم المُضْطَرّ إِذْ جَاءَ قانِعاً
اللَّيْث: يُقَال: وَأَيْت لَك بِهِ على نَفسِي وَأْياً. وَالْأَمر:
أَهْ. والاثنين: أَيَا. والجميع: أَوْا.
تَقول: أَهْ، وتسكت؛ وَلَا تَأَه، وتَسْكت.
وَهُوَ على تَقْدِير: عه، وَلَا تَعَه.
وَإِن مَررت قلت: إبِمَا وعدت، إيَا بِما وعدتما، كَقَوْلِك: عِ مَا
يُقال لَك، فِي المُرور.
والوَأَى: الْفرس السَّريع المُقْتدر الخَلْق.
والنَّجيبة من الْإِبِل يُقَال لَهَا: الوآة، بِالْهَاءِ؛ وأَنْشد:
وَيَقُول ناعتُها إِذا أَعْرضْتها
هذي الوآة كصَخْرة الوَعْلِ
وَقَالَ القُتيبي: قَالَ الرِّياشي: الوئيّة: الدُّرة، مثل: وَئيّة
القِدر.
قلت: وَلم يضْبط القُتيبي هَذَا الْحَرْف، وَالصَّوَاب الوَنِيّة،
بالنُّون: الدُّرة، وَكَذَلِكَ الوَنَاة، وَهِي الدُّرة المَثْقوبة.
وَأما (الوئيّة) فَهِيَ القِدر الْكَبِيرَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: من القُدور: الوَئِيّة، على
(فَعِيلة) وَهِي الواسعة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثله؛ وأنشدنا:
وقِدْر كرأل الصَّحْصَحان وَئِيَّة
أنخت لَهَا بَعد الهُدوِّ الأثافِيا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه قَالَ: قِدْر وَئِيّة،
ووَئِيبة.
فَمن قَالَ: (وئيّة) ، فَهِيَ من الْفرس الوَأَى، وَهُوَ الضَّخم.
وَمن قَالَ: وَئيبة، فَهُوَ من الحافِر الوَأْب.
والقِدح المُقعَّب يُقال لَهُ: وَأْبٌ؛ وأَنْشد:
(15/468)
جَاءَ بِقدْرٍ وَأْبة التَّصْعيد
والأفتعال من: وأى يئي: اتَّأَى يَتَّئي، فَهُوَ مُتَّىءٍ.
والاستفعال مِنْهُ: اسْتوأى يَسْتوئي، فَهُوَ مُسْتَوْءٍ.
وي: اللَّيْث: وَي: يكنى بهَا عَن (الوَيْل) .
وَقد تدخل (وي) على (كَأَن) المُخفَّفة والمشدّدة؛ وَقَالَ الله
تَعَالَى: {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ} (الْقَصَص: 82) .
قَالَ الْخَلِيل: هِيَ مَفْصولة، تَقُول: وي، ثمَّ تبتدىء فَتَقول:
كَأَن.
وَقد ذكر الفَراء قَول الْخَلِيل هَذَا، وَقَالَ: (ويكأن) : (وي)
مُنفصلة من (كَأَن) ، كَقَوْلِك للرجل: وَيْ أما ترى مَا بَين يَديك
فَقَالَ: وي، ثمَّ اسْتَأْنف {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ
اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ، وَهُوَ تعجّب؛ و (كَأَن) فِي الْمَعْنى:
الظنّ والعِلْم.
قَالَ الفَراء: وَهَذَا وَجه يَستقيم، وَلَو تَكْتُبهَا العربُ
مُنْفصلة.
وَيجوز أَن يكون كَثر بهَا الْكَلَام فوُصلت بِمَا لَيست مِنْهُ، كَمَا
اجْتمعت الْعَرَب على كتاب (بابْنؤُمّ) فوصلوها لكثرتها.
قلت: هَذَا صَحِيح، وَالله أعلم.
أَي ووجوهها
رُوي عَن أَحْمد بن يحيى والمُبرّد أنّهما قَالَا: ل (أَي) ثَلَاثَة
أُصول:
تكون استفهاماً، وَتَكون تعجّباً، وَتَكون شرطا؛ وأَنشد:
أيّاً فعلت فإنّني لَك كاشِحٌ
وعَلى انتقاصك فِي الحَياة وأَزْدَدِ
وَقَالا مَعًا: جزم قَوْله (وأزدَد) على النَّسق، على مَوضِع الْفَاء
الَّتِي فِي (فإنني) ، كَأَنَّهُ قَالَ: أيّاً تَفْعل أُبْغضك وأَزَدد.
وَهُوَ مثل معنى قِراءة من قَرَأَ: {قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ}
(المُنَافِقُونَ: 10) .
فتقدير الْكَلَام: إِن تُؤَخِّرني أَصَّدَّق وأَكُن.
قَالَا: وَإِذا كَانَت (أَي) استفهاماً لم يعْمل فِيهَا الفِعل الَّذِي
قبلهَا، وَإِنَّمَا يَرفعها أَو يِنصبها مَا بعْدهَا؛ وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ
أَمَدًا} (الْكَهْف: 12) .
قَالَ المبرّد: ف (أَي) رَفعٌ، و (أحصى) رفع بِخَبَر الِابْتِدَاء.
وَقَالَ ثَعْلَب: (أَي) يرافعه (أحصى) .
وَقَالا: عمل الفِعل فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ، كَأَنَّهُ قَالَ:
لنعلم أيّاً من أيّ، ولنعلم أحدَ هذَيْن.
قَالَا: وَأما المَنصوبة بِمَا بعْدهَا، فَقَوله تَعَالَى: {ظُلِمُواْ
وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَىَّ مُنقَلَبٍ} (الشُّعَرَاء: 227) نَصَب (أيًّا)
(15/469)
ب (يَنْقَلِبُون) .
وَقَالَ الفَرّاء: أَي، إِذا أَوْقَعت الفِعل المتقدّم عَلَيْهَا خَرجت
من معنى الِاسْتِفْهَام، وَذَلِكَ إِن أردته جَائِز، يَقُولُونَ:
لأضربنّ أَيُّهم.
يَقُول ذَلِك لأنّ الضَّرْب لَا يَقع على اسمٍ يَأْتِي بعد ذَلِك
اسْتِفْهَام، وَذَلِكَ أَن الضَّرب لَا يَقع على اثْنَيْنِ.
قَالَ: وَقَول الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ
أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً} (مَرْيَم: 69) .
من نصب (أيا) أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ، وَلَيْسَ باستفهام، كَأَنَّهُ
قَالَ: لنستخرجن العاتي الَّذِي هُوَ أشدّ.
ثمَّ فسّر الفَراء وَجه الرَّفع، وَعَلِيهِ القُرّاء، على مَا قدّمنا
ذكره من قَول ثَعْلب والمُبرّد.
وَقَالَ الفَرّاء: و (أَي) إِذا كَانَت جَزَاء فَهِيَ على مَذْهَب
الَّذِي قَالَ: وَإِذا كَانَت (أَي) تَعَجبا لم يُجاز بهَا؛ لأنّ
التَّعَجُّب لَا يُجازى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِك: أيّ رجل زيد؛ وأيّ
جَارِيَة زَيْنَب؟
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أيّ، وأيّان، وأيّون.
إِذا أفردوا (أيّا) ثنّوها وجمعوها وأنّثوها، فَقَالُوا: أيّة،
وأيّتان، وأيّات.
وَإِذا أضافوها إِلَى ظَاهر أفردوها وذكّروها، فَقَالُوا: أيّ
الرجلَيْن؟ وأيّ الْمَرْأَتَيْنِ؟ وأيّ الرِّجَال؟ وَأي النِّساء.
وَإِذا أضافوا إِلَى المَكْنِيّ المُؤَنّث ذكّروا وأَنّثوا، فَقَالُوا:
أيّهما، وأيتهما، للمرأتين.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} (الْإِسْرَاء: 110) .
وَقَالَ زُهير فِي لُغة من أَنّث:
وزَوّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكُوا
أَرَادَ: أيّة وُجهة سَلكوا، فأنّثها حِين لم يُضِفْها.
قَالَ: وَلَو قُلْت: أيّاً سَلكوا، بِمَعْنى: أيّ وَجه سلكوا؟ كَانَ
جَائِزا.
وَيَقُول لَك قَائِل: رأيتُ ظَبْيًا؛ فتُجِيبه: أيّاً؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَيْن؛ فَتَقول: أَيَّيْن؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظِباءً؛ فَتَقول: أيّات؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَة؛ فَتَقول: أيّةً؟
قَالَ: وَإِذا سَأَلت الرجل عَن قبيلته، قلت: المَيِّيُّ.
وَإِذا سَأَلته عَن كُورته، قلت: الأيِّيّ.
وَتقول: مَيِّيٌّ أَنْت؟ وأَيِّيٌّ أنْت؟ بياءين شَدِيدتَيْن.
وَحكى الفرّاء عَن الْعَرَب فِي لُغَيَّة لَهُم:
أيّهم مَا أدْرك يركب على أيّهم يُريد.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله:
(15/470)
فأَيِّي مَا وأَيّك كَانَ شَرّاً
فسِيقَ إِلَى المَقامة لَا يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرّجُل: الكاذبُ منِّي ومنك فَعل
الله بِهِ.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا يُريد أَنَّك شرّ، وَلكنه دَعا عَلَيْهِ بلَفظ
هُوَ أحسن من التَّصريح، كَمَا قَالَ الله تعالَى: {قُلِ اللَّهُ
وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى} (سبأ: 24) .
وَأنْشد المفضّل:
لقد علم الأَقوامُ أيّي وأَيّكم
بَني عامِرٍ أَوْفَى وَفَاء وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: علمُوا أَنِّي أوفى وَفَاء وَأَنْتُم أظلم.
قَالَ: وَقَوله: فأيّي مَا وأيك، (أَي) مَوضِع رفع، لِأَنَّهُ اسْم
(كَانَ) ، وأيّك، نَسق عَلَيْهِ، و (شَرّ) ، خَبَرهَا.
قَالَ: وَقَوله:
فسِيق إِلَى المقامة لَا يَرَاهَا
أَي: عَمي، دعاءٌ عَلَيْهِ.
أَبُو زيد: صَحِبه الله أيّاً مَا تَوَجَّه.
يُرِيد: أَيْنَمَا توجَّه.
وَقَالَ اللَّيث: أيّان، هِيَ بِمَنْزِلَة: مَتَى.
قَالَ: وَيخْتَلف فِي نونها، فَيُقَال: أصليّة، وَيُقَال: زَائِدَة.
وَقَالَ الفَرّاء: أصل (أَيَّانَ) : أَي أوَان، فخفّفوا (الْيَاء) من
(أيّ) ، وَتركُوا همزَة (أَوَان) فالتَقَتْ ياءٌ سَاكِنة بعْدهَا وَاو،
فأُدغمت (الْوَاو) فِي (الْيَاء) .
حَكَاهُ عَن الْكسَائي.
وَأما قَوْلهم فِي النّداء: أيّها الرجل، وأيتها الْمَرْأَة، وأيّها
النَّاس.
فإنّ الزّجاج قَالَ: أَي: اسْم مُبْهم مَبْنِيّ على الضَّم، من: أيّها
الرجل، لِأَنَّهُ منادَى مُفرد، و (الرجل) صفة ل (أَي) لَازِمَة،
تَقول: يأيها الرجل أَقْبل، وَلَا يجوز: يَا الرجل، لِأَن (يَا)
تَنْبِيه بِمَنْزِلَة التَّعريف فِي (الرجل) ، فَلَا يجمع بَين (يَا)
وَبَين (الْألف وَاللَّام) فتصل إِلَى (الْألف وَاللَّام) ب (أَي) ، و
(هَا) لَازِمَة ل (أَي) للتَّنْبيه، وَهِي عوض من الْإِضَافَة فِي
(أَي) ، لِأَن أصل (أَي) أَن تكون مُضَافَة إِلَى الِاسْتِفْهَام
وَالْخَبَر، والمُنادى فِي الْحَقِيقَة (الرجل) ، و (أَي) وُصلت
إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا قلت: يأيها الرّجل، ف (يَا) نِدَاء، و
(أَي) اسْم منادى، و (هَا) تَنْبِيه، و (الرجل) صفة، ف (الْوَاو) وَصلت
(أَي) بالتّنبيه، فَصَارَ اسْما تامّاً، لِأَن (أيا) و (مَا) و (من) و
(الَّذِي) أَسمَاء نَاقِصَة لَا تتمّ إِلَّا بالصّلات.
وَيُقَال: (الرّجل) تَفْسِير لمن نُودي.
أَي سَاكِنة الْيَاء
قَالَ أَبُو عَمْرو: سَأَلت المُبرّد عَن (أَي) مَفْتُوحَة سَاكِنة مَا
يكون بعْدهَا؟
فَقَالَ: يكون الَّذِي بعْدهَا بَدَلا، وَيكون
(15/471)
مستأنفاً، وَيكون مَنْصوباً.
قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد بن يحيى، فَقَالَ: يكون مَا بعْدهَا مُترجِماً،
وَيكون مُستأنفاً، وَيكون نَصباً بِفعل مُضمر.
تَقول: جَاءَنِي أَخُوك، أَي: زيدٌ.
وَرَأَيْت أَخَاك، أَي: زيدا.
ومررت بأخيك، أَي: زيدٍ.
وَتقول: جَاءَنِي أَخُوك، فَيجوز فِيهِ: أَي: زيدٌ، وَأي: زيدا.
ومررت بأخيك، فَيجوز فِيهِ: أَي زيدٍ، وَأي زيدا، وَأي زيدٌ.
وَيُقَال: رَأَيْت أَخَاك، أَي زيدا، وَيجوز: أَي زيدٌ.
إِي، بِمَعْنى نعم
الليثُ: إِي: يَمِين؛ قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِى وَرَبِّى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِنَّهُ لَحَقٌّ} (يُونُس: 53) الْمَعْنى: إِي وَالله.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جَلّ وعزّ: {أَي وربي إِنَّه الْحق}
(يُونُس 53) ، الْمَعْنى: نَعم وَرَبِّي.
وَنَحْو ذَلِك رَوَى أَحْمد بن يحيى، عَن ابْن الْأَعرَابِي.
وَهَذَا هُوَ القَوْل الصَّحِيح.
أَو: ومعانيها
قَالَ أَبُو العبّاس ثَعْلَب: (أَو) تكون تخييراً، وَتَكون شَكّاً،
وَتَكون بِمَعْنى (بل) ، وَتَكون بِمَعْنى (مَتى) ، وَتَكون بِمَعْنى
(الْوَاو) .
وَقَالَ الْكسَائي وَحده: وَتَكون شرطا.
وَأنْشد أَبُو زيد فِيمَن جعلهَا بِمَعْنى (الْوَاو) :
وَقد زَعمت ليلى بأَنِّيَ فاجِرٌ
لِنَفْسي تُقاها أَو عَلَيْهَا فُجورُها
مَعْنَاهَا: وَعَلَيْهَا.
وأنْشد الْفراء:
إنّ بهَا أَكْتلَ أَو رِزَامَا
خُويربان يَنْقُفَان الهامَا
وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ
إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ} (الصافات: 147) إِنَّمَا هِيَ:
وَيزِيدُونَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن
نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ} (هود: 87) .
قَالَ: تَفْسِيره: وَأَن نَفْعل.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وَعز: {) مِّن يَقْطِينٍ
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ} (الصافات: 147) أَو يزِيدُونَ
عنْدكُمْ، فَيجْعَل مَعْنَاهَا للمخاطبين، أَي: هم أَصْحَاب شارة وزيّ
وجَمال رائع، فَإِذا رَآهُمْ النَّاس قَالُوا: هَؤُلَاءِ مِائَتَا ألف.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس المبرّد: (إِلَى مائَة ألف) ، فهم فَرْضُه
الَّذِي عَلَيْهِ أَن يُؤدّيه.
(15/472)
وَقَوله {أَو يزيدونٍ} يَقُول: فَإِن زادوا
بالأولاد قبل أَن يُسْلِموا فادْعُ الْأَوْلَاد أَيْضا، فَيكون دعاؤُك
للأولاد نَافِلَة لَك لَا يكون عَلَيْك فَرْضاً.
قلت: وأمّا قَوْله تَعَالَى فِي آيَة الطَّهَارَة: {وَإِنْ كُنتُم
مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن
الْغَآئِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43) فَهُوَ
بِمَعْنى (الْوَاو) الَّتِي تُعرف بواو الْحَال.
الْمَعْنى: وَجَاء أَحد مِنْكُم من الْغَائِط، أَي: فِي هَذِه
الْحَالة.
وَلَا يجوز أَن يكون تَخْييراً.
وأَما قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43)
فَهِيَ معطوفة على مَا قبلهَا بمعناها.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوْ}
(الْإِنْسَان: 24) .
فَإِن الزّجاج قَالَ: (أَو) هَا هُنَا أوكد من (الْوَاو) ، لِأَن
(الْوَاو) إِذا قلت: لَا تُطع زيدا وعمراً، فأطاع أَحدهمَا كَانَ غير
عاصٍ، لِأَنَّهُ أَمره ألاّ يُطيع الِاثْنَيْنِ، فَإِذا قَالَ: وَلَا
تُطِع مِنْهُم آثِماً أَو كفورا، ف (أَو) قد دَلّت على أَن كل وَاحِد
مِنْهُمَا أهل لِأَن يعْصى.
وَقَالَ الْفراء: (أَو) إِذا كَانَت بِمَعْنى (حَتَّى) فَهُوَ كَمَا
تَقول: لَا أَزَال مُلازمك أَو تُعطيني، وَإِلَّا أَن تُعطيني.
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ أَوْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} (آل عمرَان: 128) .
مَعْنَاهُ: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم، وَإِلَّا أَن يَتُوب عَلَيْهِم؛
وَمِنْه قولُ امرىء الْقَيْس:
يُحاول مُلْكاً أَو يَمُوت فيُعْذرا
مَعْنَاهُ: إِلَّا أَن يَمُوت.
وَأما الشكّ، فَهُوَ كَقَوْلِك: خرج زيد أَو عَمْرو؟
وَقَالَ محمّد بن يزِيد: (أَو) من حُرُوف الْعَطف، وَلها ثَلَاثَة
معَان:
تكون لأحد أَمريْن عِنْد شكّ المُتكلم أَو قَصده أَحدهمَا، وَذَلِكَ
كَقَوْلِك: أتيتُ زيدا أَو عمرا، وَجَاءَنِي رجل أَو امْرَأَة؛ فَهَذَا
شَكّ.
فَأَما إِذا قَصد أَحدهمَا، فكقولك: كل السّمك أَو اشرب اللَّبن، أَي:
لَا تجمعهما، وَلَكِن اختر أيّهما شِئت.
وَكَذَلِكَ: أَعْطِنِي دِينَارا أَو اكسُني ثوبا.
وَتَكون بِمَعْنى الْإِبَاحَة، كَقَوْلِك: جَالس الْحسن أَو ابْن
سِيرين، وأْتِ المَسْجِد أَو السُّوق، أَي: قد أَذِنت لَك فِي هَذَا
الضَّرب من النَّاس؛ وَإِن نهيته عَن هَذَا قلت: لَا تجَالس زيدا أَو
عمرا، أَي: لَا تجَالس هَذَا الضَّرْب من النَّاس.
وعَلى هَذَا قولُه تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً
أَوكفوراْ} (الْإِنْسَان: 24) أَي: وَلَا تُطع
(15/473)
وَاحِدًا مِنْهُمَا، فافْهمه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: (أَوَ لَم يَرَوْا) و (أَو لم يَأْتهم)
إِنَّهَا (وَاو) مُفْردَة دَخَلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام كَمَا
دَخَلت على (الْفَاء) و (ثمَّ) و (لَا) .
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: إِنَّه لفُلَان أَو مَا بنَجد قرظَة،
ولآتينّك أَو مَا بنَجد قرظة، أَي: لآتينّك حقّاً، وَهُوَ توكيد.
أوّ: قَالَ النّحويون: إِذا جعلت (أَو) اسْما، ثقّلت واوها، فَقلت:
هَذِه أوّ حَسنة.
وَتقول، دع الأوّ جانباً.
تَقول ذَلِك لمن يسْتَعْمل فِي كَلَامه: افْعَلْ كَذَا أَو كَذَا،
وَكَذَلِكَ تثقل (لوَّ) إِذا جعلته اسْما؛ قَالَ أَبُو زيد:
إنّ ليَتْاً وإنّ لَوًّا عَناءُ
وَقَول الْعَرَب: أَوِّ من كَذَا، بواو ثَقيلَة، هُوَ بِمَعْنى: تشكّى
مشقّة أَو همّ أَو حُزن؛ وأَنْشد بَعضهم:
فأوِّ من الذِّكْرى إِذا مَا ذكرتها
وَمن بُعْد أرْضٍ بَيْننَا وسَماءِ
وَقَالَ أَبُو زيد: أنشدنيه أَبُو الجرّاح:
فَأَوِّه من الذكرى إِذا مَا ذكرتها
قَالَ: وَيجوز فِي الْكَلَام لمن قَالَ: (أَوّهِ) مَقْصُورا، أَن
يَقُول فِي (يَتَفعّل) : يتأَوَّى، وَلَا يَقُولهَا بِالْهَاءِ.
وَقَالَ الْمَازِني: أَوَّةٌ، من الفِعْل، وَأَصله: أوِوَةٌ، فأدغمت
الْوَاو فِي الْوَاو وشُدِّدت.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ من الفِعل: فَعْلَةٌ، بِمَعْنى: أَوّة،
زيدت هَذِه الْألف، كَمَا قَالُوا: ضَرب حاقَّ رَأسه، فزادوا هَذِه
الْألف.
قَالَ: وَلَيْسَ (أوّة) بِمَنْزِلَة قَول الشَّاعِر:
تأوَّه آهة الرَّجُل الحزين
لِأَن الْهَاء فِي (أَوّة) زَائِدَة، وَفِي (تأوه) أَصليّة.
أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: أوتا، فيقلبون الْهَاء تَاء.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وقومٌ من الْعَرَب يَقُولُونَ: آوُوه، بِوَزْن:
عاووه، وَهُوَ من الفِعْل: فاعول؛ وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة.
وَقَالَ أَبُو طَالب: قَول العامّة: آوَّة: مَمْدُود، خطأ؛ إِنَّمَا
هُوَ: آوَّة من كَذَا، أَو: أَوْة مِنْهُ، بقصر الْألف.
وروى أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا قَالَ الرجل: أَوّة
من كَذَا: رَدّ عَلَيْهِ الآخر: عَلَيْك أَوْهَتُك.
وَقَالَ الْفراء: أنْشدني أَبُو ثَروان:
أوِّ من الهِجران يَوْم لقيتها
وَمن طُول أَرض دونهَا وسَماءِ
قَالَ: ويروى: (فأَوْه) ، و (فأَوِّه) .
وَقَالَ غَيره: أوّة: فَعْلة، هاؤها للتأنيث، لأَنهم يَقُولُونَ:
سَمِعت أَوَّتَك، فيجعلونها
(15/474)
تَاء.
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث: أوَّة، بِمَنْزِلَة: (فَعْلة) ، أَوَّةً
لَك.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: أَوْهِ على زيد، كسروا الْهَاء وبينّوها.
وَقَالُوا: أوَّ تَا عَليك، بِالتَّاءِ؛ وَهُوَ التلهّف على الشَّيْء
عَزِيزًا كَانَ أَو هَيِّناً.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ؛ فِيمَا رَوى ثَعْلَب عَن عَمْرو،
عَن أَبِيه: الأُوَّة: الداهية، بِضَم الْهمزَة.
قَالَ: وَيُقَال: مَا هِيَ إِلَّا أُوَّةٌ من الأُوَو يَا فَتى، أَي:
داهية من الدَّوَاهِي.
قَالَ: وَهَذَا من أَغرب مَا جَاءَ عَنْهُم حِين جَعلوا (الْوَاو)
كالحرف الصَّحِيح فِي مَوضِع الْإِعْرَاب؛ فَقَالُوا: الأُوَو،
بِالْوَاو الصَّحيحة.
وَا: قَالَ اللَّيْث: وَا: حرف نُدبة، كَقَوْل النادبة: وافلاناه
(15/475)
بَاب الألفات ومعانيها
ألف: رَوى أَبُو عَمْرو، عَن أَحْمد بن يحيى، وَمُحَمّد بن يزِيد،
أَنهما قَالَا: أُصول الألفات ثَلَاثَة وتَتَبعها الْبَاقِيَات:
ألف أصْلية، وَهِي فِي الثلاثي من الْأَسْمَاء؛
وَألف قَطْعِيَّة، وَهِي فِي الرُّباعي.
وَألف وَصْليّة، وَهِي فِيمَا جَاوز الرّباعيّ.
قَالَا: فالأصلية مثل: ألِفٍ ألِفٍ، وإلْفٍ إلْفٍ؛ وَمَا أشبهه.
والقطعية، مثل: ألف (أَحْمد) و (أَحْمَر) وَمَا أشبهه.
والوصلية، مثل ألف (استنباط) و (اسْتِخْرَاج) .
وَهن فِي الْأَفْعَال إِذا كَانَت أَصْلِيَّة مثل ألف (أكل) ، وَفِي
الرباعي إِذا كَانَت قَطْعِيَّة مثل ألف (أحسن) ، وَفِيمَا زَاد
عَلَيْهِ مثل ألف (استكبر) و (استدرج) ، إِذا كَانَت وصلية.
قَالَا: وَمعنى ألف الِاسْتِفْهَام ثَلَاثَة:
تكون بَين الآدميّين، يَقُولهَا بعضُهم لبَعض استفهاماً.
وَتَكون من الجبّار لوليّه تقريراً.
ولِعدوّه توبيخاً.
فالتّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام: {أَءَنتَ
قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) .
قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا وَقع التَّقرير لعيسى، لأنّ خُصومه
كَانُوا حُضُوراً، فَأَرَادَ الله من عِيسَى أَن يكذِّبهم بِمَا ادّعوا
عَلَيْهِ.
وأمّا التّوبيخ لعدوّه، فكقوله تَعَالَى: { (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى} (الصافات: 153) ، وَقَوله تَعَالَى:
{ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (الْبَقَرَة: 140) ، و {تُورُونَ
أَءَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ} (الْوَاقِعَة: 72) .
قلت: فَهَذِهِ أُصول الألفات.
وللنحويّين ألقابٌ لألفات غَيرهَا، وَأَنا ذاكرها لَك فتقف عَلَيْهَا:
فَمِنْهَا: الْألف الفاصلة، وَهِي فِي موضعَيْن:
إِحْدَاهمَا: الْألف الَّتِي يُثبتها الكتبة بعد (وَاو) الْجمع ليُفصل
بهَا بَين (وَاو) الْجمع وَبَين مَا بعْدهَا، فِي مثل: كفرُوا، وشكروا.
وَكَذَلِكَ الْألف الَّتِي فِي مثل: يَغْزوا،
(15/476)
ويَدْعوا.
وَإِذا اسْتغنى عَنْهَا، لاتصال المكنى بالفِعل، لم تَثبت هَذِه الْألف
الفاصِلة.
والأُخرى: الْألف الَّتِي فَصلت بَين النُّون، الَّتِي هِيَ عَلامَة
الْإِنَاث، وَبَين النُّون الثَّقِيلَة، كَرَاهَة اجْتِمَاع ثَلَاث
نونات فِي مثل قَوْلك للنّساء، وَأَنت تَأمر: افْعلنانّ، بِكَسْر
النُّون وَزِيَادَة ألف بَين النونين.
وَمِنْهَا: ألف الْعبارَة، لِأَنَّهَا تعبِّر عَن الْمُتَكَلّم، مثل
قَوْلك: أَنا أفعل كَذَا، وَأَنا أسْتَغْفر الله، وتسمّى: العاملة،
وَقد مَر ذكر اللُّغَات الَّتِي فِيهَا، فِيمَا تقدّم من الْكتاب.
وَمِنْهَا: الْألف المَجهولة، مثل ألف (فَاعل) و (فاعول) وَمَا
أشبههَا، وَهِي كل ألف تدخل فِي الْأَفْعَال والأسماء، مِمَّا لَا أصل
لَهَا، إِنَّمَا تَأتي لإشباع الفتحة فِي الفِعل وَالِاسْم.
وَهِي إِذا لَزمتها الْحَرَكَة تصِير واواً، كَقَوْلِك: خَاتم وخواتم،
صَارَت (واواً) لما لزمتها الْحَرَكَة لسكون الْألف بعْدهَا، وَالْألف
الَّتِي بعْدهَا هِيَ أَلف الْجمع، وَهِي مَجْهُولَة أَيْضا.
وَمِنْهَا: ألف العِوض، وَهِي المبدلة من التَّنوين المَنصوب، إِذا
وقفت عَلَيْهَا، كَقَوْلِك: رَأَيْت زيدا، وَفعلت خيرا، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: ألف الصّلة، وَهِي ألف توصل بهَا فَتْحة القافية وفتحة هَاء
الْمُؤَنَّث:
فَأَما فَتْحة القافية، فَمثل قَوْله:
بَانَتْ سُعاد وأَمسى حبلها انْقَطعا
فوصل فَتْحة الْعين بِأَلف بعْدهَا.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ}
(الْأَحْزَاب: 10) : الْألف الَّتِي بعد النُّون الْأَخِيرَة هِيَ صِلة
لفتحة النُّون:
وَلها أَخَوَات فِي تواصل الْآيَات، كَقَوْلِه تَعَالَى:
{قَوَارِيرَاْ} (الْإِنْسَان: 15) و {تُسَمَّى} (الْإِنْسَان: 18) .
وأَما فَتْحة هَاء الْمُؤَنَّث، فقولك: ضربتها، ومررت بهَا.
وَالْفرق بَين أَلف الْوَصْل وأَلف الصِّلَة، أَن أَلف الْوَصْل
إِنَّمَا اجْتلبت فِي أَوائل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، وأَلف
الصِّلَة فِي أَواخر الْأَسْمَاء كَمَا تَرى.
وَمِنْهَا أَلف النُّون الْخَفِيفَة، أَصْلهَا الثَّقِيلَة إِلَّا
أَنَّهَا خففت؛ وَمن ذَلِك قولُ الْأَعْشَى:
وَلَا تَحْمد المُثْرين وَالله فاحْمَدَا
بالنُّون الْخَفِيفَة، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ آخر:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْن خَمْس وعِشْري
ن فَقَالَت لَهُ الفَتاتان قُومَا
أَرَادَ: قومن، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ:
(15/477)
يَحْسَبه الجاهِلُ مَا لم يَعْلَما
شَيْخاً على كرسيّه معمّما
فنصب (يعلم) لِأَنَّهُ أَرَادَ: مَا لم يعلمن. بالنُّون الْخَفِيفَة،
فَوقف بِالْألف.
وَقَالَ أَبُو عِكْرِمَة الضّبيّ فِي قَول امرىء الْقَيْس.
قِفا نَبْك مِن ذِكْرى حَبيب ومَنْزل
أَرَادَ: قِفن، فأبدل الْألف من النُّون الْخَفِيفَة، كَقَوْلِك:
قُوماً، أَرَادَ: قُومن.
قَالَ أَبُو بكر: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى
جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} (ق: 24) .
أَكثر الرِّوَايَة أنّ الخِطاب لمَالِك خَازِن جَهنم وَحده، فبناه على
مَا وصفناه.
وَقيل: هُوَ خطاب لمَالِك وملَك مَعَه، وَالله أَعلم.
وَمِنْهَا: ألف الْجمع، مثل: مَسَاجِد، وجبال، وفُرسان، وفواعِل.
وَمِنْهَا: ألف التَّفْضيل والتصغير: كَقَوْلِك: فلَان أَكرم مِنْك،
وألأم مِنْك، وَفُلَان أَجْهَل النَّاس.
وَمِنْهَا: ألف النداء، كَقَوْلِك: أَزِيد، تُريد: يَا زيد.
وَمِنْهَا: ألف النّدبة، كَقَوْلِك: وازيداه.
أَعنِي (الْألف) الَّتِي بعد (الدَّال) .
وتُشاكلها ألف الاستنكار، إِذا قَالَ الرجل: جَاءَ أَبُو عَمْرو،
فيُجيب المُجيب: أَبُو عَمْراه، زيدت الْهَاء على المدّة فِي
الاسْتنكار، كَمَا زيدت فِي: وافلاناه، فِي النُّدبة.
وَمِنْهَا: ألف التَّأْنِيث، نَحْو مُدَّة: حَمْرَاء ونُفساء.
وَمِنْهَا: ألف: سَكرى، وحُبْلَى.
وَمِنْهَا: ألف التَّعايي، وَهُوَ أَن يَقُول الرجل: إِن عُمر، ثمَّ
يُرْتَج عَلَيْهِ كلامُه، فيقف على (عمر) وَيَقُول: إِن عُمرا، فيمدها
مُستمدًّا لما يفتح لَهُ من الْكَلَام، فَيَقُول: مُنطلق. الْمَعْنى:
إِن عمر مُنطلق، إِذا لم يَتعَايَ.
ويفعلون ذَلِك فِي التَّرخيم، كَقَوْلِك: يَا عُما، وَهُوَ يُرِيد
(عُمر) ، فيمد فَتْحة الْمِيم بِالْألف ليمتدّ الصَّوْت.
وَمِنْهَا: ألفات المدّات، كَقَوْل العَرب ل (الكلكل) : الكَلْكال،
وَيَقُولُونَ ل (الْخَاتم) : خاتام، ول (الدانَق) : دانَاق.
قَالَ أَبُو بكر: الْعَرَب تصل الفتحة بِالْألف، والضمة بِالْوَاو،
والكسرة بِالْيَاءِ.
فَمن وَصْلهم الفتحة بِالْألف قولُ الراجز:
قُلْت وَقد خَرّت على الكَلْكال
يَا نَاقَتي مَا جُلْت عَن مَجالِي
أَرَادَ: على الكَلكل، فوصل فَتْحة الْكَاف بِالْألف. وَقَالَ آخر:
لَهَا مَتْنتان خظاتاكما
(15/478)
أَرَادَ: خَظَتا.
ومِن وَصْلهم الضمّة بِالْوَاو: مَا أَنْشده الْفراء:
لَو أنْ عَمْراً هَمَّ أَن يَرْقُودَا
فانْهض فشُدّ المِئْزَرَ المَعْقُودَا
أَرَادَ: أَن يَرْقُد، فوصل ضمّة الْقَاف بِالْوَاو. وَأنْشد أَيْضا:
الله يعلم أنّا فِي تَلفُّتنا
يومَ الْفِرَاق إِلَى إخْواننا صُورُ
وأنّني حَيْثما يَثْنِي الْهوى بَصَري
مِن حَيْثُمَا سَلكُوا أدْنُو فأنْظُور
أَرَادَ: فَأنْظر.
وَأنْشد فِي وَصل الكسرة بِالْيَاءِ:
لَا عَهْد لي بِنيضالِ
أَصْبحتُ كالشَّنّ الْبَالِي
أَرَادَ: بنضال. وَقَالَ:
على عَجل منِّي أطأطىءُ شِيمالِي
أَرَادَ: شمَالي، فوصل الكسرة بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْألف المحوَّلة، وَهِي كل ألف أَصْلهَا الياءُ وَالْوَاو
المُتحرَّكتان كَقَوْلِك: قَالَ، وَبَاعَ، وقضا، وغزا، وَمَا أشْبهها.
وَمِنْهَا: ألف التَّثنية، كَقَوْلِك: يجلسان، ويذهبان.
وَمِنْهَا: ألف التَّثْنية فِي الْأَسْمَاء، كَقَوْلِك: الزَّيدان،
والقَمران.
قَالَ أَبُو زيد: وسمعتُهم يَقُولُونَ: أَيَا أَيَّاهُ أَقْبل، وَزنه:
عَيَا عَيَاه.
وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: ألف الْقطع فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء
على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن تكون فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء المُفردة.
وَالْوَجْه الآخر: أَن تكون فِي أَوَائِل الْجمع.
فالتي فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء تَعرفها بثباتها فِي التَّصْغير، بِأَن
تَمتحن الْألف فَلَا تجدها فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً؛ من ذَلِك
قَوْله جلّ وعزّ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
(الْمُؤْمِنُونَ: 14) الْألف فِي (أحسن) ألف قطع، وتصغيره: أُحَيْسن.
وَتقول فِي مِثَاله من الفِعل: افْعَل، فتجد الْألف لَيست فَاء، وَلَا
عينا، وَلَا لاماً.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ}
(النِّسَاء: 86) .
وَالْفرق بَين ألف الْقطع وَألف الْوَصْل أَن ألف الْوَصْل (فَاء) من
الْفِعْل، وَألف الْقطع لَيست: فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً، وَتدْخل
عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام الَّتِي هِيَ للتعريف، تَقول: الأبوان
والأزواج، وَكَذَلِكَ ألف الْجمع فِي السّتَة.
وَأما ألفات الْوَصْل فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء فَهِيَ تِسْعَة، ألف:
ابْن، وَابْنَة، وابنين، وابنتين، وامرىء، وَامْرَأَة، وَاسم، واست.
(15/479)
فَهَذِهِ ثَمَانِيَة تكسر الْألف فِي
الِابْتِدَاء وتحذف فِي الْوَصْل.
والتاسعَة: الْألف الَّتِي تدخل مَعَ اللَّام للتَّعريف، وَهِي
مَفْتُوحَة فِي الِابْتِدَاء سَاقِطَة فِي الْوَصْل، كَقَوْلِك:
الرحمان، وَالْقَارِعَة، والحاقّة، تسْقط هَذِه الألفات فِي الْوَصْل
وتنفتح فِي الِابْتِدَاء.
بَاب الياآت وألقابها الَّتِي تعرف بهَا
الْيَاء: فَمِنْهَا: يَاء التَّأْنِيث فِي مثل: اضْربي، وتَضربين، وَلم
تَضربي.
وَفِي الْأَسْمَاء: (يَاء) حُبْلى، وعَطْشى؛ يُقَال: هَا حُبْليان،
وعَطْشيان، وجُماديان، و (يَاء) ذِكْرى، وسيما.
وَمِنْهَا: يَاء التَّثنية وَالْجمع، كَقَوْلِك: رَأَيْت الزيدَيْن.
وَمِنْهَا: يَاء الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْل النَّابِغَة:
يَا دَار مَيَّة بالعَلْياء فالسَّندِي
فوصل كسرة الدَّال بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: يَاء الإشباع فِي المَصادر والنُّعوت؛ كَقَوْلِك: كاذبته
كيذاباً، أَرَادَ: كِذَابا. أَرَادَ أَن يُظهر الْألف الَّتِي فِي
ضاربته فِي الْمصدر، فجعلوها يَاء، لكسرة مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء (مِسْكين) و (عَجِيب) أَرَادوا بِنَاء (مِفْعِل) ،
وَبِنَاء (فَعِل) فأَشْبَعوا بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المحوَّلة، مثل (يَاء) الْمِيزَان، والميعاد،
وَقيل: ودُعي، وَهِي فِي الأَصْل (وَاو) فقُلبت يَاء لكسر مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء النّداء؛ كَقَوْلِك: يَا زيد، وَيَقُولُونَ: أزَيد.
وَمِنْهَا: يَاء الاستنكار، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالحَسن، فَيَقُول
المُجيب مُستنكراً لقَوْله: ألْحَسنيهْ، مدّ النُّون بياء، وَألْحق
بهَا هَاء الوقْف.
وَمِنْهَا: يَاء التّعايي، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالَحَسني، ثمَّ تَقول:
أخي بَني فلَان.
وَمِنْهَا: يَاء مدّ المُنادى، كندائهم: يَا بِّشْر، يمدّون ألف (يَا)
ويُشدِّدون (بَاء) (بِشْر) ويمدونها. بياء (يَا بيشر) ، يمدّون كسرة
الْبَاء بِالْيَاءِ، فَيجْمَعُونَ بَين ساكنين؛ وَيَقُولُونَ: يَا
مُنْذير، يُرِيدُونَ: يَا مُنْذر.
وَمِنْهُم من يَقُول: يَا بشير، فيكسرون الشين ويُتبعونها الْيَاء
يمدّونها بهَا، يُرِيدُونَ: يَا بِشْر.
وَمِنْهَا: الْيَاء الفاصلة فِي الْأَبْنِيَة، مثل: (يَاء) صَيْقل، و
(يَاء) بَيْطار، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: يَاء الْهمزَة، فِي الخطّ مرّة، وَفِي اللَّفْظ أُخْرَى.
فأمّا الْخط: فَمثل (يَاء) : قَائِم، ومائل، صُورت الْهمزَة يَاء،
وَكَذَلِكَ من: شركائهم، وَأُولَئِكَ، وَمَا أشبههَا.
(15/480)
وأمّا اللَّفْظ فَقَوْلهم فِي جَمع
(الْخَطِيئَة) : خطايَا؛ وَفِي جمع (الْمرْآة) : مَرايا، اجْتمعت
همزتان فَليَّنوهما وَجعلُوا إِحْدَاهمَا ألفا.
وَمِنْهَا: يَاء التَّصْغير، كَقَوْلِك فِي تَصغير (عَمْرو) : عُمَير،
وَفِي تَصْغِير (ذَا) : ذَيّا، وَفِي تَصغير (شيخ) : شُيَيْخ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المُبدلة من لَام الفِعْل، كَقَوْلِك: الخامي،
والسادي، للخامس وَالسَّادِس، يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي القوافي وَغير
القوافي.
وَمِنْهَا: يَاء الثَّعالي، يُرِيدُونَ: الثعالب؛ وأَنْشد:
ولِضَفادِي جَمَّه نَقانِقُ
يُرِيد: لِضَفادع.
وَقَالَ الآخر:
إِذا مَا عُدّ أربعةٌ فِسالٌ
فَزوْجكِ خامسٌ وَأَبُوك سادِي
وَمِنْهَا: الْيَاء الساكنة تُترك على حَالهَا فِي مَوضع الجَزم فِي
بعض اللُّغَات؛ وأَنْشد الْفراء:
ألم يَأْتِيك والأنباء تَنْمى
بِمَا لاقت لَبُون بني زيَادِ
فَأثْبت الْيَاء فِي (يَأْتِيك) وَهِي فِي مَوضِع جزم. وَمثله قَوْله:
هُزِّي إِلَيْك الجِذْعَ يُجْنِيْكِ الجَنَى
وَوجه الْكَلَام: يُجْنبك.
وَقد نَقلوا مثل ذَلِك فِي (الْوَاو) ؛ وأَنشد:
هجوتَ زيّان ثمَّ جِئْتَ مُعْتذراً
من هَجْو زيّان لم تَهْجو وَلم تَدَعِ
وَمِنْهَا: يَاء النِّداء، وحذفُ المنادى وإضماره، كَقَوْل الله
تَعَالَى، على قِرَاءَة مَن قَرَأَ: {يَهْتَدُونَ أَلاَّ يَسْجُدُواْ
للَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (النَّمْل: 25) ،
الْمَعْنى: أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا؛ وأَنْشد:
يَا قاتلَ الله صِبْياناً تَجِيء بهم
أمُّ الهُنَيْنَين مِن زَنْدٍ لَهَا وارِي
كَأَنَّهُ أَرَادَ: يَا قوم، قَاتل الله صبياناً.
وَمثله قَوْله:
يَا من رأى بارقاً أُكَفْكفه
بَين ذِرَاعَي وجَبْهة الأَسَدِ
كَأَنَّهُ دَعَا: يَا قوم، يَا إخوتي، فَلَمَّا أَقبلُوا عَلَيْهِ
قَالَ: من رأَى؟
وَمِنْهَا: يَاء نِدَاء مَا لَا يُجيب تَنْبِيها لمن يَعْقل؛ من ذَلِك
قَول الله تَعَالَى: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا
يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) و {ياوَيْلَتَاءَأَلِدُ وَأَنَاْ
عَجُوزٌ} (هود: 72) وَالْمعْنَى: أَن استهزاء الْعباد بالرُّسل صَار
حَسْرةً عَلَيْهِم، فنُوديت تِلْكَ الحسرةُ تَنْبِيها للمُتحسِّرين.
الْمَعْنى: يَا حسرةً على الْعباد، أَيْن أَنْت فَهَذَا أوانك،
وَكَذَلِكَ مَا أشبهه.
وَمِنْهَا: ياآت تدل على أَفعَال بعْدهَا فِي أوائلها ياآت؛ وأَنشد
بَعضهم:
(15/481)
مَا للظّلِيم عاكَ كَيفَ لايا
يَنْقَدّ عَنهُ جلدُه إِذا يَا
يُذّرَى التُّرابُ خَلفه إذْ رَايَا
أَرَادَ: كَيفَ لَا ينقدّ جلده إذَا يُذْرَى الترابُ خَلْفه.
وَمِنْهَا: يَاء الْجَزْم المُرسل والجَزم المُنْبسط.
فَأَما يَاء الْجَزْم المُرسل فكقولك: أَقضي الْأَمر، وتحذف لِأَن قبل
الْيَاء كسرة تَخلُف مِنْهَا.
وَأما يَاء الْجَزْم المُنبسط فكقولك: رَأَيْت عَبدِي الله؛ ومررت
بعبدي الله، لم تكن قبل الْيَاء كسرة تكون عوضا مِنْهَا، فَلم تَسْقط
وكُسرت لالتقاء الساكنين، وَلم تَسقط لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا خَلف.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، قَالَ: إِذا
كَانَت الْيَاء زَائِدَة فِي حرف رباعيّ أَو خماسيّ أَو ثلاثيّ،
فالرباعيّ: كالقَهْقرى، والخَوْزَلى، وبَعير جَلْعبى، فَإِذا ثَنّته
العربُ أَسقطت الْيَاء، فَقَالُوا: الْخوزلان، والقهقران، وَلم يثبتوا
الْيَاء فيقولا: الخوزَليان، وَلَا القَهْقريان، لِأَن الْحَرْف كرّر
حُروفه، فاسْتثقلوا مَعَ ذَلِك جمع الْيَاء مَعَ الْألف، وَذَلِكَ
أَنهم يَقُولُونَ فِي نَصبه لَو ثُنّي على هَذَا: الخوزَليين، فثقُل
وَسَقَطت الْيَاء الأولى.
وَفِي الثلاثي إِذا حُرّكت حروفُه كُلها: الجَمزَى والوَثَبى، ثمَّ
ثَنَّوه فَقَالُوا: الجَمزان، والوَثبان، وَرَأَيْت الجَمزَيْن
والوَثَبْين.
قَالَ الْفراء: مَا لم يَجتمع فِيهِ ياآن كتبته بِالْيَاءِ للتأنيث،
فَإِذا اجْتمع الياآن كتبت إِحْدَاهمَا ألفا لثقلها.
بَاب الواوات
الْوَاو: الواوات، لَهَا معَان مُخْتَلفَة، لكُل معنى مِنْهَا اسْم
تُعرف بِهِ.
فَمِنْهَا: وَاو الْجمع، كَقَوْلِك، اضربوا، ويَضربون. وَفِي الأسماه:
المُسلمون.
وَمِنْهَا: وَاو الْعَطف، وَالْفرق بَينهَا وَبَين (الْفَاء) فِي
الْمَعْطُوف، أَن الْوَاو يُعطف بهَا جملَة جُمل، وَلَا تَدلّ على
التَّرْتِيب فِي تَقديم المُقدّم ذكره، وَتَأْخِير المؤخّر ذكرُه.
و (أما) الْفَاء فَإِنَّهَا يُوصل بهَا مَا بعْدهَا بِالَّذِي قبلهَا،
والمقدّم هُوَ الأوّل.
قَالَ الْفراء: إِذا قلت: زُرت عبد الله وزيداً، فَأَيّهمَا شِئت كَانَ
الْمُبْتَدَأ بالزيارة.
وَإِذا قلت: زرت عبد الله فَزَيْداً، كَانَ الأول هُوَ الأول وَالْآخر
هُوَ الآخر.
وَمِنْهَا: وَاو الْقسم تخَفْض مَا بعْدهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى:
{يُوعَدُونَ} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ} (الطّور: 1، 2) ف (الْوَاو)
الَّتِي فِي
(15/482)
(الطّور) هِيَ وَاو الْقسم، وَالْوَاو
الَّتِي هِيَ فِي {وَالطُّورِ} هِيَ وَاو الْعَطف، أَلا ترى أَنه لَو
عطف بِالْفَاءِ كَانَ جَائِزا، و (الْفَاء) لَا يقسم بهَا، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {} {ذَرْواً فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً} (الذرايات: 1، 2) غير
أَنه إِذا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مُتّصل بِالْيَمِينِ الأولى، وَإِذا
كَانَ بِالْوَاو فَهُوَ شَيْء آخر أُقسِم بِهِ.
وَمِنْهَا: وَاو الاستنكار، إِذا قلت: جَاءَنِي الْحسن، قَالَ
المُستنكر: الْحسَنُوه. وَإِذا قلت: جَاءَنِي عَمْرو، قَالَ: أعمْروه،
يمدّ بواو، وَالْهَاء للوقفة.
وَمِنْهَا: وَاو الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْلِه:
قِف بالدِّيار الَّتِي لم يَعفها القِدَمُو
فوُصلت ضمة الْمِيم بواو تَمّ بهَا وزن البَيْت.
وَمِنْهَا: وَاو الإشباع؛ مثل قَوْلهم: البُرْقُوع، والمُعْلُوق. 2
وَحكى الْفراء: أَنظور، فِي مَوضِع (أنظر) ؛ وَأنْشد غيرُه:
لَو أنّ عَمْراً همّ أَن يَرْقُودَا
أَرَادَ: أَن يرقد، فأشبع الضمة بِالْوَاو، ونَصَب (يرقودا) على مَا
يُنصب بِهِ الْفِعْل.
وَمِنْهَا: وَاو التَّعايي، كقوك: هَذَا عَمْرو، فيستمدّ، ثمَّ يَقُول:
مُنطلق.
وَقد مضى بعض أخواتها فِي بَاب الألفات والياآت.
وَمِنْهَا: وَاو مَدّ الِاسْم بالنداء؛ كَقَوْلِهِم: أيَا قُورط،
يُرِيد قُرْطاً، فمدّوا ضمّة الْقَاف ليمتدّ الصوتُ بالنداء.
وَمِنْهَا: الْوَاو المُحوّلة، نَحْو، طُوبى، أَصْلهَا: طيِبى، فقلبت
الْيَاء واواً، لانضمام الطَّاء قبلهَا، وَهِي من: طَابَ يَطيب.
وَمِنْهَا: وَاو: المُوقنين، والموسرين، أَصْلهَا: المُيْقنين، من:
أيقنت، والمُيْسرين، من: أَيْسرت.
وَمِنْهَا: وَاو الْجَزْم المُرسل؛ مثل قَوْله تَعَالَى:
{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} (الْإِسْرَاء: 4) فأسقط الْوَاو
لالتقاء الساكنين، لِأَن قبلهَا ضَمّة تخلفها.
وَمِنْهَا جَزم الْوَاو المُنْبسط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَتُبْلَوُنَّ
فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِكُمْ} (آل عمرَان: 186) فَلم يُسقط الْوَاو وَحَرّكها
لِأَن قبلهَا فَتْحة، وَلَا تكون عِوضاً مِنْهَا.
هَكَذَا أَخْبرنِي المُنذريّ بِهِ، عَن أَبي طَالب، وَقَالَ: إِنَّمَا
يَسقط أحد الساكنين إِذا كَانَ الأول من الْجَزْم المُرسل انْكَسَرَ
وَلم يسْقط. والجزم المُرسل كل وَاو قبلهَا فَتْحة، وياء قبلهَا كسرة،
أَو ألف قبلهَا فَتْحة.
فالألف كَقَوْلِك للاثنين: اضربا الرجل، سَقطت الْألف عِنْد التقاء
الساكنين، لِأَن قبلهَا فَتْحة فَهِيَ خلف مِنْهَا.
(15/483)
وَمِنْهَا: واوات الْأَبْنِيَة، مثل
الجَورب، والتّورب، للتّراب والجورب، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: وَاو الْهمزَة فِي الخطّ واللّفظ.
فَأَما الْخط، فقولك: هَذِه شاؤك، صورت الْهمزَة وَاواً لضمّتها.
وَأما اللَّفْظ فقولك: حَمروان، وسوداوان.
وَمثل قَوْلك: أُعِيذك بأَسْماوات الله، وأبناوات سعد، وَمثل
(السَّماوات) وَمَا أَشبهها.
وَمِنْهَا: وَاو النداء، وواو النُّدبة.
فَأَما النّداء، فقولك: وازيد.
وَأما النّدبة، فقولك، وازَيداه، والهفاه، واغُربتاه.
وَمِنْهَا: وَاو الْحَال، كَقَوْلِك: أتيتُه وَالشَّمْس طالعة، أَي:
فِي حَال طُلُوعهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {الْحُوتِ إِذْ نَادَى
وَهُوَ} (الْقَلَم: 48) .
وَمِنْهَا: وَاو الْوَقْت، كَقَوْلِك: اعْمَلْ وَأنت صَحِيح، أَي: فِي
وَقت صِحَّتك، والآن وَأَنت فارغ.
فَهَذَا وَاو الْوَقْت، وَهِي قريبَة من وَاو الْحَال. وَمِنْهَا: وَاو
الصَّرف.
قَالَ الْفراء: الصَّرف أَن تَأتي (الْوَاو) مَعطوفة على كَلَام فِي
أَوله حَادِثَة لَا تَسْتقيم إعادتُها على مَا عُطف عَلَيْهَا؛
كَقَوْلِه:
لَا تَنْه عَن خُلُقٍ وتأتِيَ مِثْلَه
عارٌ عَلَيْك إِذا فَعَلْت عظيِمُ
أَلا ترى أَنه لَا يَجوز إِعَادَة (لَا) على: (وَتَأْتِي مثله) ،
فَلذَلِك سُمّي صَرْفاً، إِذْ كَانَ مَعْطُوفًا وَلم يَسْتقم أَن يُعاد
فِيهِ الْحَادِث الَّذِي فِيمَا قبله.
وَمِنْهَا: الَّتِي تدخل فِي الْأَجْوِبَة فَتكون جَوَابا مَعَ
الْجَواب، وَلَو حُذفت كَانَ الْجَواب مُكتفياً بِنَفسِهِ؛ وَأنْشد
الْفراء:
حَتَّى إِذا قَمِلت بُطُونكمُ
ورأيتُمُ أبناءكم شَبُّوا
وقَلبتُم ظَهْر المِجَنّ لنا
إنّ اللَّئِيم العاجزُ الْخَبُّ
أَرَادَ: قلبتم.
وَمثله فِي الْكَلَام: لما أَتَانِي وأثب عَلَيْهِ. كَأَنَّك قلت:
وَثَبت عَلَيْهِ.
قَالَ: وَهَذَا لَا يجوز إِلَّا مَعَ (لما) و (حَتَّى) و (إِذا) .
الْأَصْمَعِي قَالَ: قلت لأبي عَمرو بن الْعَلَاء: رَبّنا وَلَك
الْحَمد، مَا هَذِه الْوَاو؟
فَقَالَ: يَقُول الرجل للرجل: بِعْني هَذَا الثَّوْب، فَيَقُول: وَهُوَ
لَك.
أَصله يُرِيد: هُوَ لَك؛ وَقَالَ أَبُو كَبِير الهُذلي:
فَإِذا وَذَلِكَ لَيس إِلَّا حِينَه
(15/484)
وَإِذا مَضى شيءٌ كَأَن لمْ يُفْعَلِ
أَرَادَ: فَإِذا ذَلِك، يَعْنِي شَبابه وَمَا مضى من أَيَّام تمتُّعه.
وَمِنْهَا: وَاو النِّسْبة.
حكى أَبُو عبيد، عَن اليَزيدي، عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، أَنه
كَانَ يَقُول: يُنْسب إِلَى (أَخ) : أخوي، وَإِلَى (الرِّبَا) :
رِبَويّ، وَإِلَى (أُخْت) : أُخَويّ، وَإِلَى (ابْن) : بَنَوِيّ،
وَإِلَى (عالية) الْحجاز: عُلْوِيّ، وَإِلَى (عَشِيّة) عشويّ، وَإِلَى
(أَب) : أبَوِيّ.
وَمِنْهَا: الْوَاو الدائمة، وَهِي كل وَاو تُلابس الْجَزَاء،
وَمَعْنَاهَا: الدَّوَام؛ كَقَوْلِك: زُرْني وأَزورَك، وأزورُك،
بِالنّصب وَالرَّفْع.
فالنصب على المُجازاة، ومَن رَفع فَمَعْنَاه: زيارتك عليّ وَاجِبَة
أُديمها لَك عل كُلّ حَال.
وَمِنْهَا: الْوَاو الفارقة، وَهِي كُل وَاو دَخلت فِي أحد الحرفين
المُشْتبهين لُيفرق بَينه وَبَين المُشْبه لَهُ فِي الخطّ، مثل واوِ
(أُولَئِكَ) وواو (أولى) ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {غَيْرِ أُوْلِى
الإِرْبَةِ} (النُّور: 31) : زيدت فِيهَا الْوَاو فِي الْخط ليَفرق
بَينهَا وَبَين مَا شاكلها فِي الصُّورَة، مثل: إِلَيّ، وَإِلَيْك.
وَمِنْهَا: وَاو (عَمْرو) فَإِنَّهَا زيدت لتفرق بَين (عَمْرو) و (عمر)
. وزيدت فِي (عَمْرو) دون (عُمر) ، لِأَن (عُمر) أثْقل من (عَمْرو) .
بَاب تصريف أَفعَال حُرُوف اللين وَغَيرهَا
الِّلحياني عَن الْكسَائي: مَا كَانَ من ثَلَاثَة أحرف وَسطه (ألف)
فَفِي فِعله لُغَتَانِ: الْوَاو وَالْيَاء، كَقَوْلِك: دَوّلت دَالا،
وقَوّفت قافاً، أَي كتبتهما: إِلَّا (الْوَاو) فَإِنَّهَا بِالْيَاءِ
لَا غير، لِكَثْرَة (الواوات) ، فَتَقول فِيهَا: وَيَّيْت واواً
حَسَنَة، وَغَيره يَقُول: أَوَّيت، وَبَعْضهمْ يَقُول: وَوَّيت.
الْكسَائي: تَقول الْعَرَب: كلمة مُؤَوَّاة، مثل (مُعَوَّاة) ، أَي:
مبنيّة من بَنَات (الْوَاو) .
غَيره كلمة: مُؤَيّاة، من بَنَات (الْوَاو) وَكلمَة مُيَوَّاة، من
بَنَات (الْيَاء) .
وَإِذا صَغَّرت (الْوَاو) قلت: أُوَيَّة؛ وَإِذا صغرت (الْيَاء) قلت:
أُيَيَّة.
غَيره: هَذِه قصيدة واويّة، إِذا كَانَت على (الْوَاو) ، ويائيّة، على
الْيَاء.
وَيُقَال: أشبهت ياؤك يائِي، وأشبهت ياءَك، بِوَزْن (ياعك) .
فَإِذا ثَنّيت قلت: ياءَيّ، بِوَزْن: (ياعَيّ) .
وَقَالَ الْكسَائي: جَائِز أَن تَقول: يَيَّيت يَاء حَسَنَة، إِذا
كتبتها.
وَكَذَلِكَ: ووَّيت واواً حَسنة.
وَأما الْألف فتأليفها من: همزَة، وَلَام، وَألف.
وَقيل: إِنَّهَا سُميت (ألفا) لِأَنَّهَا تألف
(15/485)
الْحُرُوف، وَهِي أَكثر الحُروف دُخولاً
فِي المَنْطق.
وَيَقُولُونَ: هَذِه ألِفٌ مُؤَلَّفة.
وَقد جَاءَ عَن بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (الْبَقَرَة: 1) أَن (الْألف) من أَسمَاء الله تَعَالَى،
وَالله أعلم بِمَا أَراد.
وَقَالَ الْخَلِيل: وجدتُ كُلَّ (يَاء) و (وَاو) فِي الهجاء لَا تعتمد
على شَيْء بعْدهَا تَرجع فِي التَّصريف إِلَى (الْيَاء) ، نَحْو: يَا،
وفا، وطا، وَنَحْوه.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَفْسِير الْحُرُوف الْمُقطعَة
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْحُرُوف المُقطعة، مثل: الم، المص،
المر، وَغَيرهَا: ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى أقسم بِهَذِهِ الْحُرُوف، وَأَن هَذَا
الْكتاب الَّذِي أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ
الْكتاب الَّذِي عِنْد الله لَا شكّ فِيهِ.
قَالَ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 1، 2) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن: الر، حم، ن، اسْم (الرحمان) مقطع فِي
اللَّفْظ مَوْصُول فِي الْمَعْنى.
وَالْقَوْل الثَّالِث: الم، مَعْنَاهُ: أَنا الله أعلم وَأرى.
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ} قَسم.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزَّعْفَرَانِي، عَن يحيى بن
عباد، عَن شُعْبَة، عَن السّديّ، عَن ابْن عَبَّاس: الر: اسْم من
أَسمَاء الله، وَهُوَ الِاسْم الْأَعْظَم.
وَقَالَ قَتَادَة: الم: اسْم من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا مُحَمَّد: حَدثنَا ابْن قنبر، عَن عَليّ بن حُسَيْن بن واقِد،
قَالَ: أَخْبرنِي أُبَيّ، عَن يزِيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس:
الر، الم، حم: حُرُوف معرّفة.
قَالَ أُبيّ: فحدّثت بِهِ الْأَعْمَش، فَقَالَ: عنْدك مثل هَذَا وَلَا
تُحدِّثنا بِهِ.
وَحدثنَا ابْن هَاجك، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة،
قَالَ: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ: حم، وَيس،
وَجَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور.
وَحدثنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن حُريت الْعَتكِي،
قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَوانة، عَن
إِسْمَاعِيل بن سَالم، قَالَ: سُئل عَامر عَن فواتح الْقُرْآن، نَحْو:
حم، وَنَحْو: صَاد، وألم، والر، فَقَالَ: هِيَ اسْم من أَسمَاء الله
مقطعَة بالهجاء، إِذا وصلتها كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.
(15/486)
ثمَّ قَالَ عَامر: الرحمان، هَذِه فَاتِحَة
ثَلَاث سور، إِذا جمعتهن كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا أَبُو الإصبع الْمصْرِيّ، عَن شبيب بن حَفْص، عَن بشر بن بكر،
عَن أبي بكر بن أبي مَرْيم، عَن ضَمْرة بن حبيب، وَحَكِيم، وَرَاشِد بن
سعد؛ قَالُوا: إنّ: المر، والمص، والم، وَأَشْبَاه ذَلِك، وَهِي
ثَلَاثَة عشر حرفا، إِن فِيهَا اسْم الله الْأَعْظَم.
وروى ابْن نجيح؛ عَن مُجَاهِد: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن.
قَالَ أَبُو عبد الله: وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن هانىء: حَدثنَا آدم بن
أبي إِيَاس: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس،
عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله (الم) قَالَ: هَذِه الْأُصُول
الثَّلَاثَة من التِّسْعَة وَالْعِشْرين حرفا، لَيْسَ فِيهَا حرف إلاّ
وَهُوَ مِفْتَاح اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي آلائه وبلائه؛ وَلَيْسَ
فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي مُدّة قوم وآجالهم.
قَالَ: وَقَالَ عِيسَى بن عمر: أعجب أَنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون فِي
رِزقه كَيفَ يَكْفُرون بِهِ؛ فالألف مِفْتَاح اسْمه (الله) ، وَلَام
مِفْتاح اسْمه (لطيف) ، وَمِيم مِفْتَاح اسْمه (مجيد) . فالألف آلَاء
الله، وَاللَّام لطف الله، وَالْمِيم مجد الله؛ وَالْألف وَاحِد،
وَاللَّام ثلاتَون، وَالْمِيم أَرْبَعُونَ.
قَالَ مُحَمَّد: وَحدثنَا عُبيد الله بن جَرير: حَدثنَا ابْن كثير، عَن
الثَّوْريّ، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عبد الرحمان السّلمِيّ،
قَالَ: آلم: آيَة، وحم: آيَة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي فهم، عَن الْأَثْرَم، عَن أبي
عُبيدة، أَنه قَالَ: هَذِه الْحُرُوف المُقَطعة حُرُوف الهجاء، وَهِي
افْتِتَاح كَلَام.
وَقَالَ الْأَخْفَش نحوَه.
وَدَلِيل ذَلِك أَن الْكَلَام الَّذِي ذُكر قبل السُّورة قد تَمّ.
وَزعم قُطرب أَن (الر) و (المص) و (الم) و (كهيعص) و (ص) و (ق) و (يس)
و (ن) حُرُوف المعجم لتدلّ أَن هَذَا الْقُرْآن مؤلّف من هَذِه
الْحُرُوف المقطّعة، الَّتِي هِيَ حُرُوف: ا، ب، ت، ث، فجَاء بَعْضهَا
متقطَّعاً وَجَاء تمامُها مؤلف ليدل الْقَوْم الَّذين نزل عَلَيْهِم
الْقُرْآن أَنه بحروفهم الَّتِي يَعقلونها لَا ريبَ فِيهِ.
ولقُطرب قولٌ آخرُ فِي (الم) : زعم أَنه يجوز أَن يكون لمّا لغَا
القومُ فِي الْقُرْآن فَلم يتفهّموه حِين قَالُوا: {كَفَرُواْ لاَ
تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْاْ} (فصلت: 26) ، أنزل
عَلَيْهِم ذِكْر هَذِه الْحُرُوف، لأَنهم لم يعتادوا الْخطاب بتقطيع
الْحُرُوف، فَسَكَتُوا
(15/487)
لما سمعُوا الْحُرُوف طَمَعا فِي الظَّفر
بِمَا يحبونَ، ليفهموا بعد الْحُرُوف الْقُرْآن وَمَا فِيهِ، فَتكون
الحجّة عَلَيْهِم أَثْبت، إِذا جَحدوا بعد تفهّم وَتعلم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمُخْتَار من هَذِه الْأَقَاوِيل مَا رُوي
عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَن معنى (الم) : أَنا الله أعلم، وَأَن كل
حرف مِنْهَا لَهُ تَفْسِير.
قَالَ: والدّليل على ذَلِك أَن الْعَرَب تنطق بالحرف الْوَاحِد تدلّ
بِهِ على الْكَلِمَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا؛ وأَنشد:
قُلت لَهَا قِفي فَقَالَت ق
فَنَطَقَ بقاف فَقَط، يُرِيد: قَالَت أَقف.
وَأنْشد: أَيْضا:
نادَيتهم أَن أَلْجِمُوا ألاتا
قالُوا جَمِيعًا كلّهم أَلاَفَا
قَالَ: تَفْسِيره: نادوهم أَن ألجموا، ألاَ تَرْكَبُونَ؟ قَالُوا
جَمِيعًا: ألاَ فارْكَبُوا.
فَإِنَّمَا نطق ب (تا) و (فا) ، كَمَا نَطق الأول ب (قَاف) .
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أختاره فِي معنى هَذِه الْحُرُوف، وَالله أعلم
بحقيقتها.
ورُوي عَن الشّعبي أَنه قَالَ: لله فِي كل كتابٌ سِرٌّ، وسره فِي
الْقُرْآن حُروف الهجاء الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل السُّور.
وَأجْمع النحويون أَن حُرُوف التهجّي، وَهِي الْألف وَالْبَاء
وَالتَّاء والثاء، وَسَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْهَا، أَنَّهَا
مبنيَّة على الْوَقْف وأنّها لَا تُعرب.
وَمعنى (الْوَقْف) أَنَّك تقدّر أَن تسكت على كل حرف مِنْهَا، فالنَّطق
بهَا: ألف لَام مِيم.
وَالدَّلِيل على أَن حُرُوف الهجاء مبنيّة على السكت كَمَا بُني
الْعدَد على السَّكت، أَنَّك تَقول فِيها بِالْوَقْفِ مَعَ الْجمع بَين
الساكنين، كَمَا تَقول إِذا عددت: وَاحِد، إثنان، ثَلَاثَة، أَرْبَعَة،
فتقطع ألف (اثْنَيْنِ) وَألف (اثْنَيْنِ) ألف وصل، وتذكر الْهَاء فِي
(ثَلَاثَة) ، و (أَرْبَعَة) . وَلَوْلَا أَنَّك تقدِّر السكت لَقلت:
ثَلَاثَة، كَمَا تَقول: ثَلَاثَة يَا هَذَا. وحقّها من الْإِعْرَاب أَن
تكون سَواكن الْأَوَاخِر.
وشَرْح هَذِه الْحُرُوف وتفسيرها أَن هَذِه الْحُرُوف لَيست تجَري
مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة وَالْأَفْعَال المضارعة الَّتِي يجب لَهَا
الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا هِيَ تقطيع الِاسْم المؤلّف الَّذِي لَا يجب
الْإِعْرَاب إِلَّا مَعَ كَمَاله، فقولك: جَعْفَر، لَا يجب أَن تُعرب
مِنْهُ الْجِيم وَلَا الْعين وَلَا الْفَاء وَلَا الرَّاء، دون
تَكْمِيل الِاسْم.
وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَة وُضعت على هَذِه الْحُرُوف، فَإِن أجريتها
مجْرى الْأَسْمَاء وحدَّثت عَنْهَا قلت: هَذِه كافٌ حَسَنَة،
(15/488)
وَهَذَا كافٌ حَسَن.
وَكَذَلِكَ سَائِر حُرُوف المعجم.
فَمن قَالَ: هَذِه كَاف، أنّث لِمَعْنى الْكَلِمَة؛ وَمن ذكَّر فلمعنى
الحَرْف.
وَالْإِعْرَاب وَقع فِيهَا لِأَنَّك تُخرجها من بَاب الْحِكَايَة؛
قَالَ الشَّاعِر:
كافاً وميمَيْن وسيناً طاسِمَا
وَقَالَ آخر:
كَمَا بُيِّنت كافٌ تلُوح وميمُها
فذكَّر (طاسما) لِأَنَّهُ جعله صفة للسِّين، وَجعل السِّين فِي مَعنى
الْحَرْف.
وَقَالَ: كَاف تلُوح، فأنّث (الْكَاف) لِأَنَّهُ ذَهب بهَا إِلَى
الْكَلِمَة.
وَإِذا عطفت هَذِه الْحُرُوف بَعْضهَا على بعض أعربتها: فَقلت: ألف
وباء وتاء وثاء، إِلَى آخرهَا.
وَكَذَلِكَ الْعدَد إِذا عَطفت بَعْضهَا على بعض أعربتها، فَقلت:
وَاحِد، وَاثْنَانِ، إِلَى آخرهَا.
(15/489)
أَبْوَاب الْهَمْز
اعْلَم أَن الْهمزَة لَا هجاءَ لَهَا، إِنَّمَا تكْتب مرّة ألفا،
وَمرَّة يَاء، وَمرَّة واواً.
وَالْألف اللينة لَا حَرف لَهَا إِنَّمَا هِيَ جزءٌ من مُدَّة بعد
فَتْحة.
والحروف ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا، مَعَ الْوَاو وَالْألف
وَالْيَاء، وتتم بِالْهَمْزَةِ تِسْعَة وَعشْرين حرفا.
والهمزة كالحرف الصَّحِيح، غير أَن لَهَا حالات من التَّلْيين والحَذْف
والإبدال والتَّحقيق، تعتلّ فِيهَا، فأُلحقت بالأحرف المعتلة الجُوف،
وَلَيْسَت من الْجوف إِنَّمَا هِيَ حلقية فِي أقْصَى الْحلق.
وَلها ألقاب كألقاب الْحُرُوف:
فَمِنْهَا: همزَة التَّأْنِيث، كهمزة العُشَراء، والنّفساء والخُششاء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الأصليَّة فِي آخر الْكَلِمَة، مثل: الحفاء،
والبواء، والوطاء، والطواء؛ وَمِنْهَا: الوصاء، وَالْبَاء، والواء،
والإيطاء فِي الشّعْر. هَذِه كُلها همزها أصْلِيّ.
وَمِنْهَا: همزَة المدّة المُبدلة من الْيَاء وَالْوَاو، كهمزة:
السَّمَاء، والبكاء، والكساء، وَالدُّعَاء، وَالْجَزَاء، وَمَا
أشبههَا.
وَمِنْهَا: الْهمزَة المُجلبة بعد الْألف الساكنة، نَحْو: همزَة:
وَائِل، وطائف، وَفِي الْجمع، نَحْو: كتائب، وسرائر.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الزَّائِدَة، نَحْو همزَة: الشمأل، والشأمل،
والغرقىء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الَّتِي تُزاد لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان، نَحْو:
اطمأنّ، واشمأز، وازبأر، وَمَا شاكلها.
وَمِنْهَا: همزَة الوقفة فِي آخر الفِعل، لُغَة لبَعض دون بعض، نَحْو
قَوْلهم للمرأَة: (قولىء) ، وللرجلين: قولأ، وللجميع: قولؤ، وَإِذا
وصلوا الْكَلَام لم يَهمزوه، وَلَا يهمزون إِلَّا إِذا وقفُوا
عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا: همزَة التوهّم، كَمَا رَوى الْفراء عَن بعض الْعَرَب أَنهم
يهمزون مَا لَا همز فِيهِ إِذا ضارع المَهموز.
قَالَ: وَسمعت امرأَة من غَنِيّ تَقول: رثأت زَوجي بأَبيات، كأَنها
لمّا سَمعت: (رثأَت اللَّبن) ذهبت إِلَى أَنّ مرثية الْمَيِّت مِنْهَا.
قَالَ: وَيَقُولُونَ: لبّأَت بِالْحَجِّ، وحلأت السويق، فيغلطون، لِأَن
(حلأت) يُقَال فِي دَفع العَطشان عَن المَاء، و (لبأت) يذهب
(15/490)
بهَا إِلَى اللّبأ.
وَقَالُوا: استنشأَت الرّيح، وَالصَّوَاب: استنشيت، ذَهَبُوا بِهِ
إِلَى قَوْلهم: نَشأ السَّحَاب.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الْأَصْلِيَّة الظَّاهِرَة فِي اللَّفْظ، نَحْو
همزَة: الخبء، والدفء، والكفء، والعبء، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: اجْتِمَاع الهمزتين فِي كل وَاحِدَة، نَحْو همزتي: الرئاء،
والحلوئاء.
وَأما (الضياء) فَلَا يجوز همز يائه، والمدة الْأَخِيرَة فِيهِ همزَة
أصليّة، من: ضاء يضوء ضوءاً؛ وَأنْشد أَحْمد بن يحيى فِيمَن هَمز مَا
لَيْسَ بمَهموز:
وَكنت أرجِّي بِئْر نعْمَان حائراً
فَلوّأ بالعينين والأَنف حائِرُ
أَرَادَ: لوّى، فهمز.
قَالَ: وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ: إِذا كَانَت الْهمزَة طرفا وَقبلهَا
سَاكن حَذَفوها فِي الخَفض والرَّفْع وأثبتوها فِي النصب، إِلَّا
الْكسَائي وحَده فَإِنَّهُ يُثبتها كُلَّها.
قَالَ: وَإِذا كَانَت الْهمزَة وُسْطى أَجمعُوا كلّهم على ألاّ تَسْقط.
قَالَ: وَاخْتلف الْعلمَاء بأيّ صُورة تكون الْهمزَة؟ .
فَقَالَت طَائِفَة: تَكْتُبهَا بحركة مَا قبلهَا، وهم الْجَمَاعَة.
وَقَالَ أَصْحَاب الْقيَاس: تَكْتُبهَا بحركة نَفسهَا.
واحتجت الْجَمَاعَة بأنّ الخطّ يَنُوب عَن اللّسان، وَإِنَّمَا
يلْزمنَا أَن نتوهّم بالخطّ مَا نَطق بِهِ اللِّسَان.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: وَهَذَا هُوَ الْكَلَام.
بَاب: اجْتِمَاع الهمزتين لَهما مَعْنيانِ
قَالَ الله تَعَالَى: {ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ
يُؤْمِنُونَ} (الْبَقَرَة: 6) ،
من القُراء من يُحقق الهمزتين، فَيقْرَأ: (أأنذرتهم) قَرَأَ بِهِ
عَاصِم وهَمزه وَالْكسَائِيّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (آنذرتهم) بِهَمْزَة مطوّلة.
وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا شاكله نَحْو قَوْله تَعَالَى:
{أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) . {ءَأَلِدُ} (هود: 72)
، {شَجَرَهَا} (النَّمْل: 60 64) .
وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَيَعْقُوب بِهَمْزَة مطوَّلة.
وَقَرَأَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق: (آأنذرتهم) بِأَلف سَاكِنة بَين
الهمزتين، وَهِي لُغَة سائرةٌ بَين الْعَرَب؛ قَالَ ذُو الرمّة:
أيا ظَبْيَة الوَعساء بَين حُلاحل
وَبَين النَّفا آأنت أم أُمّ سالِم
وَقَالَ آخر:
(15/491)
تطالَلْت فَاسْتشرفْتُه فعرفته
فقُلت لَهُ آأنت زيدُ الأرانبِ
وَأنْشد أَحْمد بن يحيى:
خِرق إِذا مَا الْقَوْم أَجْرَوا فكاهةً
تذكَّر آإيّاه يَعْنون أم قِرْدا
وَقَالَ الزجّاج: زعم سِيبَوَيْهٍ أَن من الْعَرَب من يحقِّق الْهمزَة
وَلَا يجمع همزتين، وَإِن كَانَتَا من كَلِمَتَيْنِ.
قَالَ: وَأهل الْحجاز لَا يخفّفون وَاحِدَة مِنْهُمَا.
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يَرى تَخفيف الثَّانِيَة، فَيجْعَل
الثَّانِيَة بَين الْهمزَة وَالْألف، وَلَا يَجْعَلهَا ألفا خَالِصَة.
قَالَ: وَمن جعلهَا ألفا خَالِصَة فقد أَخطَأ من جِهَتَيْنِ:
إِحْدَاهمَا: أَنه جَمع بَين ساكنَيْن.
وَالْأُخْرَى: أَنه أبدل من همزَة متحرِّكة قبلهَا ألفا، وَالْحَرَكَة
الْفَتْح.
قَالَ: وَإِنَّمَا حَقّ الْهمزَة إِذا تحرّكت وَانْفَتح مَا قبلهَا أَن
تُجعل بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَتَقول
فِي: (سَأَلَ) : سَالَ؛ وَفِي (رؤف) : روف؛ وَفِي (يئس) بِيس.
وَهَذَا فِي الْخط وَاحِد، وَإِنَّمَا تحكمه المُشافهة.
قَالَ: وَكَانَ غير الْخَلِيل يَقُول فِي مثل قَوْله تَعَالَى:
{بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ} (مُحَمَّد: 18) أَن تخفّف الأُولى.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: جمَاعَة من الْعَرَب يقرؤون (فقد جا أشراطها)
يحقِّقون الثَّانِيَة ويخفّفون الأولى.
قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.
قَالَ: وأمّا الْخَلِيل فَإِنَّهُ يقْرَأ بتحقيق الأولى وَتَخْفِيف
الثَّانِيَة.
قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَرْت تَخْفيف الثَّانِيَة، لِاجْتِمَاع النَّاس
على بدل الثَّانِيَة فِي قَوْلهم: آدم، وَآخر، لِأَن الأَصْل فِي (آدم)
: أأدم، وَفِي (آخر) : أَأْخر.
قَالَ الزجّاج: وَقَول الْخَلِيل أَقيس، وَقَول أبي عَمْرو جيّد
أَيْضا.
قَالَ: وَأما الهمزتان إِذا كَانَتَا مكسورتين نَحْو قَوْله تَعَالَى:
{عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (النُّور: 33) ، وَإِذا
كَانَتَا مضمومتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {دُونِهِ أَوْلِيَآءُ}
(الْأَحْقَاف: 32) ، فإِن أَبَا عَمْرو يُخفف الْهمزَة الأولى
مِنْهُمَا، فَيَقُول (على البغا إِن أَردن) ، و (أوليا أُولَئِكَ)
فَيجْعَل الْهمزَة الأولى فِي (الْبغاء) بَين الْهمزَة وَالْيَاء
ويكسرها؛ وَيجْعَل الْهمزَة فِي قَوْله تَعَالَى: (أَوْلِيَاء
أُولَئِكَ) الأولى بَين الْوَاو والهمزة وبضمّها.
قَالَ: وَجُمْلَة مَا قَالَ النحويون فِي مثل هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال:
(15/492)
أَحدهَا: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل، أَن
تجْعَل مَكَان الْهمزَة الثَّانِيَة همزَة بَين بَين أَعنِي: بَين
الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَإِذا كَانَ مضموماً
جُعل الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة، فَقَالَ: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ.
وَأما أَبُو عَمْرو فَيقْرَأ على مَا ذكرنَا.
وَأما ابْن أبي إِسْحَاق وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء فَإِنَّهُم يَجمعون
بَين الهمزتين.
وَأما اخْتِلَاف الهمزتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {السُّفَهَآءُ أَلا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - َ} (الْبَقَرَة: 13) فَأكْثر القُراء على تَحْقِيق الهمزتين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ يحقِّقَ الْهمزَة الثَّانِيَة فِي
رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ، ويخفّف الأولى فيجعلها بَين الْوَاو والهمزة،
فَيَقُول (السُّفَهَاء أَلا) وَيقْرَأ (من السَّمَاء إِن) فيخفّف
الثَّانِيَة.
وَأما سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولُونَ (السُّفَهَاء وَلَا) يَجعلون
الْهمزَة الثَّانِيَة واواً خَالِصَة؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى:
{النُّشُورُ أَءَمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ
الاَْرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} (الْملك: 1) يَاء خَالِصَة.
فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب.
بَاب مَا جَاءَ عَن الْعَرَب فِي تَحْقِيق الْهَمْز وتليينه وتحويله
وحذفه
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الْهَمْز على ثَلَاثَة أوجه:
التَّحْقِيق، وَالتَّخْفِيف، والتحويل.
فالتحقيق مِنْهُ أَن تُعْطِي الْهمزَة حَقّهَا من الإشباع، فإِذا أردْت
أَن تعرف إشباع الْهمزَة فَاجْعَلْ (العَين) فِي موضعهَا، كَقَوْلِك من
(الخبء) : قد خبأت لَك، بِوَزْن (خبعت) ، وقرأت، بِوَزْن (قرعت) ،
فَأَنا أخبع وأقرع، وَأَنا خابىء وقارىء، نَحْو: خابع، وقارع.
فخُذ تَحْقِيق الْهَمْز بِالْعينِ كَمَا وصفت لَك.
قَالَ: وَالتَّخْفِيف من الْهَمْز، إِنَّمَا سمّوه تَخْفِيفًا
لِأَنَّهُ لم يُعط حقّه من الْإِعْرَاب والإشباع، وَهُوَ مُشْرب همزاً
تصرّف فِي وُجُوه العربيّة بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي
تحرّك، كَقَوْلِك: خبأت وقرأت، فَجعل الْهمزَة ألفا سَاكِنة على
سُكونها فِي التَّحْقِيق، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا.
وَهِي كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يدخلهَا التحريك، كَقَوْلِك: لم
يَخبا الرجل، وَلم يقرا الْقُرْآن، فيكسر الْألف من (يخبا) و (يقرا) ،
لسكون مَا بعْدهَا، فكأنك قلت: لم يَخْبِيَّرجُل، وَلم يَقْر يَلْقرآن،
وَهُوَ يخبو ويَقرو، فيجعلها واواً مَضْمُومَة فِي الإدراج.
فإِن وقفتها جَعلتهَا ألفا، غيرأنك تهيئها للضَّمة من غير أَن تظهر
ضمتها، وَتقول: مَا أخباه وَأَقَرَّاهُ، فتحرّك الْألف بِفَتْح لبقيّة
مَا فِيهَا من الْهمزَة، كَمَا وَصفت لَك.
(15/493)
قَالَ: وأمّا التَّحويل من الْهَمْز فأَن
تحوّل الْهمزَة إِلَى (الْيَاء) و (الْوَاو) ، كَقَوْلِك: قد خَبَيت
الْمَتَاع؛ فَهُوَ مخبيّ، وَهو يَخباه، فاعْلم.
فَيجْعَل الياءَ ألفا حَيْثُ كَانَ قبلهَا فَتْحة، نَحْو ألف: يسعا، و:
يخشا؛ لِأَن مَا قبلهَا مَفْتُوح.
قَالَ: وَتقول: رفوت الثَّوْب رَفواً، فحوّلت الْهمزَة واواً، كَمَا
ترى.
وَتقول: لم يخب عني شَيْئا، فَتسقط مَوضِع اللَّام من نظيرها من
الفِعْل؛ للإعراب، وَتَدَع مَا بَقِي على حَاله متحركاً، وَتقول: مَا
أخباه؛ فتسكن الْألف المحوّلة كَمَا أسكنت الْألف من قَوْلك: مَا
أخشاه.
قَالَ: وَمن محقّق الْهَمْز قولُك للرجل: يلؤم، كَأَنَّك قلت: يَلعم،
إِذا كَانَ بَخِيلًا؛ والأسد يَزْئر، كَقَوْلِك: يزعر.
فإِذا أردْت التَّخفيف قلت للرجل: يَلُم، وللأسد: يَزر؛ على أَن ألقيت
الْهمزَة من قَوْلك: يلؤم ويزئر، وحركت مَا قبلهَا بحركتها على الضَّم
وَالْكَسْر، إِذا كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا.
فإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة مِنْهُمَا قلت للرجل: يَلُوم، فجعلتها
واواً سَاكِنة، لِأَنَّهَا تَبعت الضمة؛ وللأسد: يزير، فجعلتها يَاء
للكسرة قبلهَا، نَحْو: يَبِيع.
وَكَذَلِكَ كل همزَة تبْعَث حرفا سَاكِنا عَدلتها إِلَى التَّخْفِيف،
فإِنك تلقيها وتحرّك بحركتها الحرفَ السَّاكِن قبلهَا، كَقَوْلِك
للرجل: يسل، فتحذف الْهمزَة وتحرك مَوضِع الْفَاء من نظيرها من
الْفِعْل بحركتها، لِأَنَّهُ سَاكن؛ كَقَوْلِك فِي الْأَمر: سل،
فَتحَرك مَا قبل الْهمزَة بحركتها، وأسقطت ألف الْوَصْل إِذْ تحرّك مَا
بعْدهَا.
وَإِنَّمَا يجتلبونها للإسكان؛ فإِذا تحرّك مَا بعْدهَا لم يحتاجوا
إِلَيْهَا.
وَمن الْمُحَقق بَاب آخر: وَهُوَ قَوْلك من (رَأَيْت) ، وَأَنت تَأمر:
ارأ، كَقَوْلِك: ارْع زَيداً.
فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رَ زَيْداً، فَتسقط ألف الْوَصْل لتحرّك
مَا بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت من الْعَرَب من يَقُول: يَا فلَان نُويك، على
التَّخْفِيف، وتحقيقه: انْأَ نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نعيك، إِذا أمره
أَن يَجْعَل حول خبائه نؤياً كالطّوق يَصْرف عَنهُ مَاء الْمَطَر.
وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلك: رَأَيْت الرجل، فَإِذا أردْت التَّخْفِيف
قلت: رايت، فحركت الْألف بِغَيْر إشباع همز، وَلَا تسْقط الْهمزَة
لِأَن مَا قبلهَا متحرك.
وَتقول للرجل: ترأى ذَلِك، على التَّحْقِيق.
(15/494)
وعامّة كَلَام الْعَرَب فِي: يرى، وَترى،
وَأرى، ونرى، على التَّخْفِيف.
قَالَ: وَتقول: رأب الْقدح، فَهُوَ مرؤوب، بِوَزْن: مرعوب، ومروب، على
التَّخْفِيف، لم تزد على أَن ألقيت الْهمزَة من الْكَلِمَة وَجعلت
حركتها بالضمّ على الْحَرْف السَّاكِن قَبلها.
قَالَ أَبُو زيد: وَاعْلَم أَن وَاو (فعول) و (مفعول) وياء (فعيل) وياء
التصغير لَا يَعتقبن الْهَمْز فِي شَيء من الْكَلَام، لِأَن
الْأَسْمَاء طوّلت بهَا، كَقَوْلِك فِي التَّحْقِيق: هَذِه خَطِيئَة،
بِوَزْن (خطيعة) ، فَإِذا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: هَذِه خطية،
جعلت حركتها يَاء للكسرة، وَتقول: هَذَا رجل خبوء، كَقَوْلِك: خبوع،
فَإِذا خفّفت قلت: رجل خبو، فَجعلت الْهمزَة واواً للضمة الَّتِي
قبلهَا، وجعلتها حرفا ثقيلاً فِي وزن حرفين مَعَ الْوَاو الَّتِي
قبلهَا، وَتقول هَذَا، مَتَاع مخبوء، بِوَزْن مخبوع، فإِذا خففت قلت:
مَتَاع مخبو، فحولت الْهمزَة واواً للضمة قبلهَا.
أَبُو زيد: تَقول: رجل برَاء من الشّرك، كَقَوْلِك: براع، فَإِذا
عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: براو، فَتَصِير الْهمزَة واواً،
لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَتقول: مَرَرْت بِرَجُل براي، فَتَصِير يَاء على الكسرة، وَرَأَيْت
رجلا برايا، فَتَصِير ألفا لِأَنَّهَا مَفْتُوحَة.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: هَذَا غطاء، وَكسَاء، وخباء، فتهمز
مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل، لِأَنَّهَا غَايَة وَقبلهَا ألف
سَاكِنة، كَقَوْلِك: هَذَا غطاع، وَهَذَا كساع، وَهَذَا خباع، فالعين
مَوضِع الْهمزَة.
فَإِذا جمعت الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد فِي التَّحْقِيق قلت:
هَذَانِ غذاآن، وكساآن، وخباآن، كَقَوْلِك غطاعان وكساعان وخباعان،
فتهمز الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد.
وَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، فتجعل
الْهمزَة واواً لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَإِن جمعت الِاثْنَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ على سنة الْوَاحِد، قلت:
هَذَانِ غطاآن، وكساآن، وخباآن، فَتحَرك الْألف الَّتِي فِي مَوضِع
اللَّام من نظيرها من الْفِعْل بِغَيْر إشباع، لِأَن فِيهَا بَقِيَّة
من الْهمزَة وَقبلهَا ألف سَاكِنة.
فَإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة، قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، لِأَن
قبلهَا حرفا سَاكِنا وَهِي مَضْمُومَة، وَكَذَلِكَ: الْقَضَاء، هَذَا
قضاو، على التَّحْوِيل، لِأَن ظُهُور الْوَاو هَاهُنَا أخف من ظُهُور
الْيَاء.
وَتقول فِي الِاثْنَيْنِ إِذا جمعتهما على سنة
(15/495)
تَحْويل الْوَاو: غطاوان، وكساوان،
وخباوان، وقضاوان.
قَالَ أَبُو زيد: وَقد سَمِعت بعض بني فَزَارَة يَقُول: هما كسايان،
وخبايان، وقضايان، فيحول الْوَاو إِلَى الْيَاء.
قَالَ: وَالْوَاو فِي هَذِه الْحُرُوف أَكثر فِي الْكَلَام.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: يَا زيد من أَنْت؟ كَقَوْلِك: من عَنت.
فَإِذا عدلت الْهمزَة إِلَى التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نت، كَأَنَّك
قلت: نعنت؛ لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة من (أَنْت) وحركت مَا قبلهَا
بحركتها، وَلم يدْخلهُ إدغام لِأَن النُّون الْأَخِيرَة سَاكِنة
وَالْأولَى متحركة.
وَتقول: من أَنا، كَقَوْلِك: من عَنَّا، على التَّحْقِيق.
فإِن أردْت التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نَا، كَأَنَّك قلت: يَا زيد
منا، لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة وحركت مَا قبلهَا بحركتها.
فَإِذا أردْت الإسكان قلت: يَا زيد منا، أدخلت النُّون الأولى فِي
الْأَخِيرَة، وجعلتهما حرفا وَاحِدًا ثقيلاً فِي وزن حرفين،
لِأَنَّهُمَا متحركان فِي حَال التَّخْفِيف، وَمثله قَول الله
تَعَالَى: {لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّى} (الْكَهْف: 38) خففوا
الْهمزَة من: لَكِن أَنا، فَصَارَت (لَكِن نَا) ، كَقَوْلِك: لكننا،
ثمَّ أسكنوا، بعد التَّخْفِيف. فَقَالُوا: لَكنا.
قَالَ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من قيس يَقُول: يَا أَب أقبل، وياب اقبل،
وَيَا أَبَة أقبل، ويابة أقبل، فألغى الْهمزَة من كل هَذَا.
وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلك: افْعوعلت، من (رَأَيْت) : إياوْأيْت،
كَقَوْلِك: افْعوْعيت.
فَإِذا عدلته إِلَى التَّخْفِيف قلت: إيويت وَحدهَا، وويت، وَالْأولَى
مِنْهُمَا فِي مَوضِع الْفَاء من الْفِعْل، وَهِي سَاكِنة،
وَالثَّانيَِة هِيَ الزَّائِدَة، فحرّكتها بحركة الهمزتين قبلهَا،
وَثقل ظُهُور الواوين مفتوحتين، فهمزوا الأولى مِنْهُمَا.
وَلَو كَانَت الْوَاو الأولى وَاو عطف لم يثقل ظُهُورهَا فِي
الْكَلَام، كَقَوْلِك: ذهب زيد ووافد؛ وَقدم عَمْرو وراهب.
قَالَ: وَإِذا أردْت تَحْقِيق (مُفْعوعل) من (وأيت) قلت: مُوأَوْئى،
كَقَوْلِك: مُوعوعى.
فَإِذا عدلت إِلَى التَّخْفِيف قلت: مُواوِي، فتفتح الْوَاو الَّتِي
فِي مَوضع الْفَاء بفتحة الْهمزَة الَّتِي فِي مَوضِع الْعين من
الْفِعْل، وتكسر الْوَاو الثَّانِيَة، وَهِي الزَّائِدَة، بِكَسْر
الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت بعض بني عجلَان بن قيس يَقُول: رأَيت
غُلامِيَّبَيْك. وَرَأَيْت غُلاَميَّسَد. تحوّل الْهمزَة الَّتِي فِي
(أَسد) وَفِي (أَبِيك) إِلَى الْيَاء، ويدخلونها
(15/496)
فِي الْيَاء الَّتِي فِي (الغلامين)
الَّتِي هِيَ نفس الْإِعْرَاب فيظْهر يَاء ثَقيلَة فِي وزن حرفين،
كَأَنَّك قلت: رَأَيْت غلاميبيك، وَرَأَيْت غلاميَّسد.
قَالَ: وَسمعت رجلا من بني كلب يَقُول: هَذِه وأبة، وَهَذِه امْرَأَة
شأبة، فهمزوا الْألف مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنه ثقل عَلَيْهِ إسكان
الحرفَيْن مَعًا. وَإِن كَانَ الْحَرْف الآخر مِنْهَا متحرِّكاً؛
وَأنْشد الفَرّاء:
يَا عَجَبا لقد رأيتُ عَجَبَا
حِمار قَبَّان يَسُوق أَرْنَبَا
وأمّها خاطُمها أَن تذهبَا
وَقَالَ أَبُو زيد: أهل الْحجاز إِذا اضطروا نَبَروا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْهُذلِيّ: قد توضَّيْت، فَلم يهمز
وحَوَّلها يَاء.
وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا.
قلت: وَقد ميزَّت فِي معتلات كل كتاب مَا يهمز ممّا لَا يهمز، تمييزاً
لَا تتعذّر عَلَيْك مَعْرفَته، وحقّقت مَا يجب تَحْقِيقه فِي موَاضعه
من أَبْوَاب المعتلات، وفصَّلت مَا لَا يهمز ممّا يهمز تَفْصِيلًا يقف
بك على الصَّوَاب إِذا أَتَت بك الْقِرَاءَة عَلَيْهَا.
وَأما اللَّيْث بن المظفّر فَإِنَّهُ خلط فِي كِتَابه المَهموز بِمَا
لَا يُهمز، حَتَّى يَعْسر على النَّاظر فِيهِ تَمْيِيز مَا لَا يهمز
مِمَّا لَا يهمز، لاختلاط بعضه بِبَعْض.
وَللَّه الْحَمد على حسن توفيقه وتَسديده.
(خَاتِمَة الْكتاب)
وَهَذَا آخر الْكتاب الَّذِي سمّيته (تَهْذِيب اللُّغَة) وَقد حَرصت
أَلا أُودعه من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا، من أعرابيّ
فَصيح، أَو مَحْفُوظًا لإِمَام ثِقة، حَسن الضّبط، مأمونٍ على مَا
أَدّى.
وأمّا مَا يَقع فِي تضاعيف الْكتاب لأبي بكر مُحَمَّد بن دُريد
الشَّاعِر وللّيث، ممّا لم أحفظه لغَيْرِهِمَا، فَإِنِّي قد ذكرت فِي
أَول الْكتاب أَنِّي وَاقِف حُرُوف كَثيرة لَهما، وَأَنه يجب على
النَّاظر فِيهَا أَن يَفحص عَنْهَا، فَإِن وجدهَا مَحْفُوظَة لإِمَام
من أَئمة اللُّغَة، أَو فِي شعر جاهليّ، أَو بدويّ إسلامي، عَلِم
أَنَّهَا صَحِيحة؛ وَإِذا لم تصحّ من هَذِه الْجِهَة توقّف عَن
تصحيحها.
وَأما (النَّوَادِر) الَّتِي رَواها أَبُو عُمر الزَّاهِد وَأَودعها
كِتَابه، فَإِنِّي قد تأمّلتها، وَمَا عثرت مِنْهَا على كلمة مصحّفة،
أَو لَفْظَة مُزالة عَن وَجههَا، أَو محرفة عَن مَعْنَاهَا.
ووجدتُ عُظم مَا رَواه لأبي عمروٍ الشَّيباني، وَابْن الْأَعرَابِي،
وَأبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة، والأصمعي، مَحْفُوظًا من كُتبهم
الْمَعْرُوفَة لَهُم، والنوادر الَّتِي رَواها الثِّقَات عَنْهُم.
وَلَيْسَ يَخفى ذَلِك على مَن درس كُتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لَهَا.
وَلم أذهب أَنا فِيمَا أَلّفت وجَمعت فِي كتابي هَذَا مَذْهَب من
تصدَّى للتأليف فَجمع مَا جمع من كُتب لم يُحكم مَعْرفَتهَا، أَو لم
يَسمعها مِمَّن أَتقنها، وَحمله الجهلُ وقلّةُ الْمعرفَة على تحَصيل
مَا لم يحصِّله، وإكمال مَا لم يكمّله، حَتَّى أَفضى بِهِ الْحَال
إِلَى أَن صَحّف فَأكْثر، وغَيَّر فَأَخْطَأَ.
ولمّا رأَيْت مَا أَلّفْه هَذِه الطبقةُ، وجنايتهم على لِسَان الْعَرَب
الَّذِي نَزل بِهِ الْكتاب وَوَردت السّنَن وَالْأَخْبَار، وإزالتهم
لُغات الْعَرَب عَن صِيغَة أَلسنتها، وإدخالهم فِيهَا مَا لَيْسَ
مِنْهَا، علمتُ أَن المميّزين من عُلماء اللُّغَة قد قلّوا فِي أَقطار
الأَرْض. وأَن من درس تِلْكَ الْكتب رُبمَا اغترّ بهَا واتّخذها
أُصولاً فَبنى عَلَيْهَا؛ فألّفت هَذَا الْكتاب وأَعفيتُه من الحشو،
وبيّنت فِيهِ الصَّوَاب من الْخَطَأ، بقَدر معرفتي، ونقيته من
التَّصْحِيف المغيّر، وَالْخَطَأ المُستفحش والتَّغيير المُزال عَن
جِهَته.
وَلَو أَني كثّرت كتابي هَذَا وحَشوته بِمَا حوته دفاتري، وَاشتملت
عَلَيْهِ الْكتب الَّتِي أَفْسدها الورّاقون، وغيَّرها المصحِّفون،
لطال الْكتاب وتضاعف على مَا انْتهى، وَكنت أَحد الجانين على لِسَان
الْعَرَب.
وَالله يُعيذنا من ذَلِك، ويوفّقنا للصّواب، ويؤم بنَا سَمْت الْحق،
ويتغمَّد برأفته زللنا بمنّه ورَحمته.
وَاعْلَم أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا أَنِّي لَا أَدّعي أَنِّي
حَصَّلت فِيهِ لُغَات الْعَرَب كلّها، وَلَا طَمِعت فِيهِ، غير أَنِّي
اجتهدت أَن يكون مَا دوّنته مهذباً من آفَة التَّصْحِيف، منقىًّ من
فَسَاد التَّغيير.
فَمن نظر فِيهِ من ذَوي المَعرفة فَلَا يَعجلن إِلَى الرَّد
وَالْإِنْكَار، ولْيَتَثبَّث فِيمَا يخْطر بِبَالِهِ، فَإِنَّهُ إِذا
فعل ذَلِك بَان لَهُ الحقّ وانتفع بِمَا اسْتَفَادَ.
وَمهما قَصرنَا عَنهُ فَإِنَّمَا هُوَ لعجز الْإِنْسَان عَن الْكَمَال،
وَمَا كَانَ من إحساس فبتوفيق الله وتسديده، وَالنِّيَّة فِي كل ذَلِك
مِنْهَا الِاجْتِهَاد فِي بُلُوغ الْحق.
وَأَسأَل الله ذَا المَنّ وَالطَّوْل أَن يعظم لي الْأجر على حسن
النِّيَّة، وَلَا يحرمني ثَوَاب مَا توخّيته من النَّصِيحة لأهل الْعلم
وَالْأَدب، وإياه أَسأَل مُبدياً ومُعيداً أَن يصلّي على مُحَمَّد
النَّبِي وعَلى آله الطيبين أطيب الصَّلَاة وأزكاها، وَأن يُحلنا دَار
كرامته، وَمُستقر رَحمته، إِنَّه أكْرم مسؤول، وَأقرب مُجيب.
(15/497)
|