تهذيب اللغة

حرف الْمِيم
(بَاب اللفيف من حرف الْمِيم)
مِيم موم موا ميا مأَى مَاء وَأم أمْ مَا أمّا، إمّا أمّ يم أما مأ آم يَوْم ويم مَاء.
قَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد فنيت العربّية فَلم يَبْق للميم إِلَّا الَّلفيف.
مِيم: قَالَ اللَّيْث: الْمِيم: حرف هجاء، لَو قصرت فِي اضطرار شِعْر جَازَ.
زعم الْخَلِيل أَنه رأى يَمَانِيا سُئل عَن هجائه، فَقَالَ: بَابا، مِمْ مِمْ.
قَالَ: وَأصَاب الْحِكَايَة على اللَّفظ، وَلَكِن الَّذين مدّوا أَحْسنوا الْحِكَايَة بالمَدّة.
قَالَ: والميمان، هما بِمَنْزِلَة النُّونين من (الجَلَمين) .
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يُسمِّي الْمِيم مُطْبقة، لِأَنَّك إِذا تَكلّمت بهَا أَطْبقت.
قَالَ: وَالْمِيم من الْحُرُوف الصِّحاح السّتة المُذْلَقة الَّتِي هِيَ فِي حَيّزين: حَيز الْفَاء، وَالْآخر حيّز اللَّام.
وَجعلهَا فِي التَّأْلِيف الْحَرْف الثَّالِث للفاء وَالْبَاء، وَهِي آخر الْحُرُوف من الحيز الأول، وَهَذَا الحيّز شفويّ.
موم: اللَّيْث وَغَيره: المُوم: البِرْسَام.
يُقال: رجلٌ مَمُوم.
وَقد مِيم يُمام مُوماً ومَوْماً.
وَلَا يكون (يموم) لِأَنَّهُ مفعول بِهِ، مثل بُرْسِم؛ قَالَ ذُو الرمة يصف صائداً:
إِذا تَوجَّس رِكزاً من سَنابكها
أَو كَانَ صاحبَ أَرض أوا بِهِ المُومُ
وَمَعْنَاهُ: أَن الصّياد يُذهب نَفسه إِلَى السَّمَاء ويفغر إِلَيْهَا أبدا لِئَلَّا يجد الوحشُ نَفْسَه فينفر، وشَبّهه بالمُبَرْسَم، والمَزكوم، لِأَن البِرْسام مُفْغِرٌ والزَّكام مُفْغر.
الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت: مِيم، فَهُوَ مَمُوم، من (المُوم) .
قَالَ شمر، قَالَ ابْن شُميل: المَوْماة: الفلاة الَّتِي لَا مَاء بهَا وَلَا أنيس بهَا.
قَالَ: وَهِي جماع أسماءَ الفلوات.
والمَوامِي: الْجَمَاعَة.
ويُقال: علونا مَوْمَاةً.
وَأَرْض مَوْمَاة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَوامِي، مثل السَّباسِب.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ المَوْماء، والمَوْماة.

(15/442)


وَبَعْضهمْ يَقُول: الهَوْمة، والهَوْماة.
وَهُوَ اسْم يَقع على جَمِيع الفلوات.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ: يُقال لَهَا: الموماة والبَوْباة، بِالْمِيم وَالْبَاء.
ومامَة: اسْم أُمّ عَمرو بن مامة.
موا: الْأَصْمَعِي: الماويّة: المِرآة، كأَنها نُسِبت إِلَى المَاء.
وَقَالَ اللّيث: الماوِيّة: البِلَّور.
ويُقال: ثَلَاث ماويّات.
وَلَو تُكلِّف مِنْهُ فِعْل، لقيل: مُمْوَاة.
قلت: ماويّة، كَانَت فِي الأَصْل (مائية) ، فقُلبت المدّة واواً فقِيل: ماويّة.
وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة على جادّة البَصْرة مَنْهلة بَين حَفَر أبي مُوسَى ويَنْسوعةَ، يُقَال لَهَا: ماويّة.
وماويّة: من أَسمَاء النِّساء؛ وأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ماويَّ يَا ربّتما غارةٍ
شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ
أَرَادَ: ماوّية، فرَخَّم.
ميا: اللَّيْث: ميّة: اسْم امْرَأَة.
وَزَعَمُوا أنّ القِردة الأُنثى تسمى: مَيَّة.
وَيُقَال: مَنَّة.
ويُقال فِي الِاسْم: مَيّ.
مأى: أَبُو زيد، يُقَال: مأَوْت السِّقاء مَأْواً، ومأَيته مأْياً: إِذا وسَّعته فجعلتَه وَاسِعًا.
وَكَذَلِكَ: الْوِعَاء. ويُقال تمأَّى السِّقاء.
فَهُوَ يَتمأَّى تمئِّياً وتَمَوُّءًا، إِذا مَا مددتَه فاتّسَع.
وَقَالَ اللَّيْث: المَأَى: النّميمة بَين القَوم.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: مأَيت بَين الْقَوْم: أَفْسدت.
اللَّيْث: مأَوت بَينهم، إِذا ضربت بعضَهم بِبَعْض.
ومأَيت، إِذا دَببت بَينهم بالنَّميمة؛ وأنْشد:
ومأَى بَينهم أخُو نكراتٍ
لم يَزَلْ ذَا نَمِيمةٍ مأَءَا
وَامْرَأَة مَاَّاءَة: نمّامة، مثل: منَّاعة.
ومُستقبله: يَمْأَى.
اللَّيْث: الْمِائَة، حُذفت من آخرهَا (وَاو) .
وَقيل: حرف لين لَا يُدْرى: أ (واوٌ) هُوَ أَو (يَاء) ؟ والجميع: المِئُون.
ابْن السِّكيت: أمأَت الدراهمُ، إِذا صَارَت مائَة.
وأمأَيْتها أَنا.
قَالَ: وَتقول: ثَلثمائة.
وَلَو قلت: ثَلَاث مئين، مِثَال (معِين) كَانَ جَائِزا، أَو ثَلَاث مِىءٍ، مِثَال (مَعَ) ؛ قَالَ مُزَرّد:
وَمَا زَوَّدُوني غَيْر سَحقِ عِمَامَة
وخَمْسمىءٍ مِنْهَا قَسِيّ وزائِفُ

(15/443)


قَالَ: وَلَو قلت: مئات، بِوَزْن (معاة) ، لجَاز.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِذا تَمّمت الْقَوْم بِنَفْسِك مئة، فقد مَأَيْتَهم. وهم مَمْئيّون. وأَمْئَاهم، فهم مُمْؤُون. فَإِن أَتممَتهم بغيرك، فقد أَمْأَيتهم. فهم مُمْأَوْن.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: كَانَ الْقَوْم تِسْعةً وتِسْعين فأمأيتُهم، بِالْألف، مثل: أفْعلتهم.
وَكَذَلِكَ فِي (الأَلْف) : آلفتهم.
وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هم كَذَلِك، قلتُ: قد أَمْأَوْا، وألْفُوا، إِذا صارُوا مائَة وأَلْفاً.
مَاء: اللحياني: ماءت الهِرّة تَمُوء، مثل: ماعت تَمُوع. وَهُوَ الضُّغاء، إِذا صاحَت.
وَقَالَ: هِرّةٌ مَؤُوء، بِوَزْن (مَعُوع) .
وصوتها: المُواء، على (فُعال) .
عَمْرو، عَن أَبِيه: أَمْوأَ: إِذا صَاح صِيَاح السِّنّور.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ المائِيّة، بِوَزْن (الماعيّة) . يُقَال ذَلِك للسِّنَّوْر.
وَأم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَأْمة: المُوافَقَةَ. والويمة: التُّهْمَة. أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: واءَمْتُه وئاماً، ومُواءَمة، وَهِي المُوافقة، أنْ تَفعل كَمَا يَفعل.
قَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي المُياسرة: لَوْلَا الوِئام لهلك اللِّئام.
قَالَ: والوئام: المُباهاة.
يَقُول: إِن اللِّئام لَيْسُوا يأْتونَ الْجَمِيل من الأُمور على أَنَّهَا أخلاقُهم، وَإِنَّمَا يفعلونها مباهاة وتَشَبُّهاً بِأَهْل الْكَرم، وَلَوْلَا ذَلِك لهلكوا.
هَذَا قَول أبي عُبيدة.
وَأما غَيره من عُلمائنا فيُفَسّرون (الوئام) : المُوافقة، يَقُولُونَ: لَوْلَا مُوافقة النَّاس بَعضهم بَعْضًا فِي الصُّحْبة والعِشرة لكَانَتْ الهَلَكة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَلَا أَحسب الأَصْل كَانَ إلاّ هَذَا.
ابْن السّكيت: يُقال لَهما: تَوْأمان؛ وَهَذَا تَوأم. وَهَذِه توأمة. والجميع: تَوائم، وتُؤام.
وَقد أتأمت الْمَرْأَة، إِذا ولدت اثْنَيْنِ فِي بَطْن وَاحِد. فَهِيَ مُتْئِم.
اللَّيْث: التَّوأم: ولدان مَعًا.
وَلَا يُقال: هما توأمان، وَلَكِن يُقال: هَذَا تَوأم هَذِه، وَهَذِه توأمتُه.
فَإِذا جُمعا، فهما تَوْأم.
قلتُ: أَخطَأ اللَّيث فِيمَا قَالَ، والقولُ مَا قَالَ ابْن السِّكيت.

(15/444)


وَهَذَا قَول الفَرّاء والنَّحويين الَّذين يُوثق بعِلْمهم.
قَالُوا: يُقال للْوَاحِد: توأم.
وهما توأمان، إِذا ولدا فِي بَطن وَاحِد؛ قَالَ عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه فِي سَرْحةٍ
يُحْذَى نِعال السِّبْت لَيْسَ بتَوْأم
قلتُ: وَقد ذكرتُ هَذَا الْحَرْف فِي كتاب التَّاء، فَأَعَدْت ذِكْره لأعرِّفك أنّ التَّاء مُبْدلة من الْوَاو.
ف (التوأم) وَوْأم، فِي الأَصْل، وَكَذَلِكَ: (التَّوْلج) ، فِي الأَصْل: وَوْلَج، وَهُوَ الكِنَاس.
وأصل ذَلِك من (الوِئَام) ، وَهُوَ الوِفاق.
ويُقال: فلانٌ يُغَنِّي غِنَاءً مُتوائِماً، إِذا وَافق بعضُه بَعْضًا وَلم تَخْتلف ألحْانُه؛ قَالَ ابنُ أَحْمر:
أَرَى نَاقَتي حنَّت بلَيْلٍ وساقها
غِناءٌ كمَوْج الأعْجَم المُتَوائِمِ
وَقَالَ أَبُو عَمرو: لَيَالٍ أُوَّمٌ، أَي: مُنكرة: وأَنْشد:
لمّا رَأَيْت آخر اللَّيل غنَمْ
وأنّها إحْدى لَيالِيك الأُوَمْ
أَبُو عُبيد: المُؤَوَّم، مثل (المعوَّم) : الْعَظِيم الرَّأس.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الطُّوسي، عَن الخَرّاز، عَن ابْن الأعرابيّ: و (يَوْأم) : قَبيلَة من الحَبش؛ وأَنْشد:
وَأَنْتُم قبيلةٌ من يَوْأَمْ
جَاءَت بكُم سَفِينةٌ من اليمْ
قَالَ المُوأَّم: المشوّه الخَلق.
وَأَمّه الله، أَي: شَوّه خَلْقه.
وَقَوله (من يَوْأم) ، أَي: إِنَّكُم سُودان فَخَلْقكم مُشَوَّه.
آم: أَبُو عبيد: الأَيْم والأَيْن، جَمِيعًا: الحيّة.
قَالَ شَمر: قَالَ أَبُو خَيْرة: الأيْم والأيْن والثُّعْبان: الذكران من الْحَيَّات، وَهِي الَّتِي لَا تَضُرّ أحدا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: كل حيَّة أَيم، ذكرا كَانَت أَو أُنثى.
وَرُبمَا شدد فَقيل: أيِّم، كَمَا يُقال: هَيِّن وهَيْن.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ} (النُّور: 32) .
قيل فِي تَفْسِيره: الْحَرَائِر.
والأيامى: القَرابات: الآبنة وَالْخَالَة وَالْأُخْت.

(15/445)


وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقال للرجل الَّذِي لم يتَزَوَّج: أَيّم، وللمرأة أيّمة، إِذا لم تتزوَّج.
قَالَ: والأيّم: البِكْر والثَّيِّب.
قَالَ: وَيُقَال: آم الرَّجُلُ يَئِيم أيْمةً، إِذا لم تكن لَهُ زَوْجة.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، إِذا لم يكن لَهَا زَوْج.
وَفِي الحَدِيث إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتَعوَّذ من الأيْمة والعَيْمة، وَهِي طول العُزْبة.
ابْن السِّكيت: فُلَانَة أَيِّم، إِذا لم يكن لَهَا زوج؛ وَرجل أيِّم، لَا امْرَأَة لَهُ؛ وَالْجمع: الأيَامى. وَالْأَصْل: أيَايم، فقُلبت الْيَاء وجُعلت بعد الْمِيم.
وَقد آمت الْمَرْأَة تَئِيم أَيْمةً وأَيْماً؛
وتأيَّم الرّجُلُ زَمَانا، وتأيَّمت الْمَرْأَة، إِذا مَكَثا أيّاماً وزماناً لَا يتزَوَّجان.
والحَرْبُ مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وَتَدَع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
ابْن الأنباريّ: رجل أيِّم، ورجلان أيِّمان، وَرِجَال أيِّمون، وَنسَاء أيِّمات.
وأُيَّمٌ: بَيِّن الأيُوم والأَيْمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإيَام: الدُّخان؛ وأَنْشد لأبي ذُؤيب:
فَلَمَّا جَلاَها بالإيَام تَحيَّزت
ثُباتٍ عَلَيْهَا ذلُّها واكتئابُها
يُقَال: آم الدُّخانُ يَئيم إياماً.
قَالَ: وَأما الأُوام، فَهُوَ شِدّة العَطَش؛
وَقد آم الرَّجُلُ يَؤُوم أوْماً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأوام: الْعَطش، وَلم يَذكر لَهُ فِعْلاً.
والأيامى، كَانَ فِي الأَصْل: أيايم، جمع (الأيّم) فقُلبت الْيَاء جُعلت بعد الْمِيم.
قَالَه ابْن السِّكيت.
قَالَ: ويُقال: مَا لَهُ آمٌ وعامٌ، أَي: هَلكت امْرَأَته.
وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقال: أيم، فَجعلت الْيَاء ألفا.
وَقد آم يَئيم أَيْمة.
وَمعنى (عامٌ) : هَلَكت مَاشِيَته حَتَّى يَعِيم إِلَى اللّبن.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال رَجُلٌ أَيْمان، وعَيْمان أَيْمان: هَلكت امْرَأَته.
ابْن السِّكيت: تأيّمت الْمَرْأَة، وتأيّم الرجلُ زَمَانا، إِذا مكَثا لَا يَتزوَّجان.
قَالَ: أَأَمْتُ الْمَرْأَة، مثل: أَعَمْتها، فَأَنا أُئِيمها، مثل أُعِيمها.
وَالْحَرب مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وتَدع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
اللَّيْث: يُقال امْرَأَة أيِّم، وَقد تأيّمت، إِذا كَانَت بِغَيْر زَوْج.
وَقيل ذَلِك إِذا كَانَ لَهَا زوج فَمَاتَ عَنْهَا،

(15/446)


وَهِي تصلح للأزواج، لِأَن فِيهَا سُؤْرةٌ من شباب؛ قَالَ رُؤبة:
مغايراً أَو يَرْهب التّأْيِيما
وَقَوله:
وكأنّما ينأى بِجَانِب دفِّها الْ
وَحْشِي مِن هَزِج العَشِيّ مُؤَوَّمِ
أَرَادَ: من حادٍ هَزِج العَشيّ بحُدائه.
اللَّيْث: المُواءمة: المُباراة.
قَالَ: ويُقال: فُلَانَة تُوَائِم صَواحباتها، إِذا تكلّفت مَا يتكلَّفن من الزِّينة؛ قَالَ المَرّار:
يَتواءَمْن بنَوْمات الضُّحى
حَسَنات الدَّلّ والأُنْس الخَفِرْ
أم: قَالَ الفَرّاء: أَمْ، فِي الْمَعْنى تكون ردّاً على الِاسْتِفْهَام على جِهَتَيْن:
إِحْدَاهمَا: أَن تُفارق معنى (أم) .
وَالْأُخْرَى: أَن تَستفهم بهَا على جِهة النَّسق الَّذِي يُنْوى بهَا الابتداءُ، إِلَّا أَنه ابتداءٌ مُتَّصل بِكَلَام.
فَلَو ابتدأت كلَاما لَيْسَ قبله كَلَام، ثمَّ استفهمت لم يكن إِلَّا ب (الْألف) أَو ب (هَل) ، من ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {} {رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن} (السَّجْدَة: 1، 3) فَجَاءَت (أم) وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِفْهَام، فَهَذَا دَلِيل على أَنه اسْتِفْهَام مُبْتَدأ على كَلَام قد سبقه.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبْتَدأ قد سبقه كَلَام، وَإِن شِئْت قلت: قبله اسْتِفْهَام فَرُد عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الْبَقَرَة: 106) .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ} {الاَْشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} (ص: 62، 63) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبتدأ على كَلَام قد سَبقه كَلَام.
وَإِن شِئْت جعلته مَرْدُوداً على قَوْله: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ} (ص: 62) .
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {ياقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَاذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِى مِن} (الزخرف: 51) ثمَّ قَالَ: {تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} (الزخرف: 52) .
فالتفسير فيهمَا وَاحِد.
قَالَ الْفراء: وَرُبمَا جعلت الْعَرَب (أم) إِذا سَبقها اسْتِفْهَام، وَلَا يصلح فِيهِ (أم) على جِهَة (بل) . فَيَقُولُونَ: هَل لَك قِبلنا حق أم أَنْت رجل مَعْرُوف بالظلم؟ .
يُريدون: بل أَنْت رجُلٌ مَعْروف بالظُّلم؛ وأَنشد:
فوَاللَّه مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَت
أم النَّوم أم كُلٌّ إليّ حَبِيبُ

(15/447)


يُرِيد: بَلْ كُلٌّ.
قَالَ: ويَفعلون مثل ذَلِك ب (أَو) ، وسنذكره فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ الزجّاج: أم، إِذا كَانَت مَعْطوفة على لفظ الِاسْتِفْهَام، فَهِيَ مَعْرُوفَة لَا إِشْكَال فِيهَا؛ كَقَوْلِك: أزَيْدٌ أحسن أم عَمْرو؟ و: أكذا خير أم كَذَا؟
وَإِذا كَانَت لَا تقع عطفا على ألف الِاسْتِفْهَام، إِلَّا أَنَّهَا تكون غير مُبتَدأَة، فَإِنَّهَا تؤذن بِمَعْنى (بل) ، وَمعنى (ألف الِاسْتِفْهَام) .
ثمَّ ذكر قَول الله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
قَالَ الْمَعْنى: بل أَتُريدون أَن تسألوا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ} {} {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (السَّجْدَة: 1، 3) .
الْمَعْنى: بل يَقُولُونَ افتراه.
وَقَالَ اللَّيْث: أم، حرف أحسن مَا يكون فِي الِاسْتِفْهَام على أَوله، فَيصير الْمَعْنى كَأَنَّهُ اسْتفهام بعد اسْتفهام.
قَالَ: وَيكون (أم) بِمَعْنى (بل) .
وَيكون (أم) بِمَعْنى (ألف الِاسْتِفْهَام) ، كَقَوْلِك: أم عِندك غداء حاضرٌ؟ وَهِي لُغَة حَسَنَة من لُغات الْعَرَب.
قلت: وَهَذَا يجوز إِذا سَبقه كَلَام.
قَالَ اللَّيْث: وَتَكون (أم) مُبتَدأَة للْكَلَام فِي الْخَبَر، وَهِي لُغَة يَمَانِية، يَقُول قَائِلهمْ: أم نَحن خرجنَا خيارَ النَّاس، أم نُطعم الطَّعَام، أم نضرب السِّهَام؛ وَهُوَ يُخْبِر.
وروى ابْن اليزيدي، عَن أبي حَاتِم، قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: (أم) تكون زَائِدَة، لُغَة لأهل الْيمن؛ وأَنْشد:
يَا دَهْن أم مَا كَانَ مَشْيِي رَقَصَا
بل قد تكون مِشْيَتي ترقُّصَا
أَرَادَ يَا دَهناء، فرَخَّم، و (أم) زَائِدَة؛ أَرَادَ: مَا كَانَ مَشيي رَقَصاً، أَي: كنت أترقَّص وَأَنا فِي شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتّى صَار مَشيي رَقَصا.
وَقَالَ غَيره: تكون (أم) بلغَة أهل الْيمن بِمَعْنى: الْألف وَاللَّام.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسَ من امْبِرّ امْصِيامٌ فِي امْسَفَر) .
أَي: لَيْسَ من البرّ الصّيام فِي السَّفر.
قلت: وَالْألف فِيهَا ألف وصل، تُكتب وَلَا تُظهر إِذا وُصلت، وَلَا تُقطع كَمَا تُقطع ألف (أم) الَّتِي قدّمنا ذكرهَا؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
ذَاك خَلِيلي وَذُو يُعاتِبُني
يَرْمي وَرائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَهْ

(15/448)


أَلا تَراه كَيفَ وَصل الْمِيم باللاَّم، فافهمه.
قلت: وَالْوَجْه ألاّ تثبت الْألف فِي الْكِتَابَة، لأنّها مِيم جُعلت بدل الْألف وَاللَّام، للتَّعْريف.
مَا: قَالَ أهل العربيّة: (مَا) إِذا جُعِلت اسْما هِيَ لغير المُميِّزين من الجِنّ وَالْإِنْس؛ و (من) تكون للمميِّزين.
وَمن الْعَرَب من يَستعمل (مَا) فِي مَوضِع (من) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: 22) التَّقْدِير: لَا تَنكحوا مَن نكح آباؤكم.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاء: 3) ، مَعْنَاهُ: من طَابَ لكم.
وروى سَلمة، عَن الفَراء، قَالَ الْكسَائي: تكون (مَا) اسْما، وَتَكون جَحْداً، وَتَكون استفهاماً، وَتَكون شَرْطاً، وَتَكون تعجُّباً، وَتَكون صِلَةً، وَتَكون مَصْدراً.
قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: وَقد تَأتي (مَا) تمنع العاملَ عمله، وَهُوَ كَقَوْلِك: كَأَنَّمَا وَجهك الْقَمَر، وَإِنَّمَا زَيْد صديقنا.
قلت: وَمِنْه قولْه تَعَالَى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (الْحجر: 2) ربّ: وضعت للأسماء، فَلَمَّا أُدخلت فِيهَا (مَا) جُعلت للفِعْل.
وَقد توصل (مَا) ب (رب) و (ربت) فَتكون صلَة؛ كَقَوْلِه:
ماوِيّ يَا رُبَّتما غارةٍ
شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيَسمِ
يُريد: يَا ربّت غَارة.
وتجيء (مَا) صلَة يُراد بهَا التَّأْكِيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ} (النِّسَاء: 155) . الْمَعْنى: بِنَقْضهم ميثاقهم.
وَتَكون مصدرا؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الْحجر: 94) أَي: فَاصْدَعْ بالأَمر.
وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَتَبَّ مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا} (المسد: 2) أَي: وكَسْبه.
و (مَا) التَّعجب؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (الْبَقَرَة: 175) .
والاستفهام ب (مَا) كَقَوْلِك: مَا قَولك فِي كَذَلِك؟
والاستفهام ب (مَا) مِن الله لِعِبَادِهِ على وَجهين: هُوَ للمُؤمن تَقْرير؛ وللكافر تَقْريع وتَوْبيخ.
فالتَّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى لمُوسى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى} {قَالَ هِىَ عَصَاىَ} (طه: 17 و 18) قَرَّره الله أَنَّهَا عَصىً كَرَاهِيَة أَن يَخافها إِذا حَوَّلها حَيَّة.
والشَّرط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {شَىْءٍ قَدِيرٌ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر: 2) .
والجحد؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النِّسَاء: 66) .

(15/449)


وتجيء (مَا) بِمَعْنى (أَي) ؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} (الْبَقَرَة: 69) الْمَعْنى: يبين لنا أيّ شَيْء لَوْنهَا؟ و (مَا) فِي هَذَا الْموضع رَفع، لِأَنَّهُ ابْتِدَاء، ومُرافعها قَوْله (لَوْنهَا) .
الْفراء: و {ضَلاَلاً مِّمَّا خَطِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ} (نوح: 25) تَجعل (مَا) صلَة فِيمَا تَنْوي بِهِ مَذْهَب الْجَزَاء، كَأَنَّهُ: من خطيئاتهم مَا أُغرقوا.
وَكَذَلِكَ رَأَيْتهَا فِي مُصحف عبد الله، وتأخرها دَلِيل على مَذْهَب الْجَزَاء.
وَمثلهَا فِي مصحفه: (أَي الْأَجَليْنِ مَا قَضيتَ) .
أَلا ترى أَنَّك تَقول: حَيْثُمَا تكن أكن، وَمهما تقل أقُل.
وَقَوله تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى} (الْإِسْرَاء: 110) وُصل الْجَزَاء ب (مَا) ، فإِذا كَانَ استفهاماً لم يُوصل ب (مَا) ، وَإِنَّمَا يُوصل إِذا كَانَ جَزَاء؛ أَنْشد ابْن الأعرابيّ قولَ حسّان:
إِن يكُن غَثّ مِنْ رَقَاشِ حَدِيثٌ
فبمَا يَأْكُل الحديثُ السَّمينَا
قَالَ: فبمَا، أَي: رُبمَا.
قلت: وَهُوَ مَعروف فِي كَلَامهم قد جاءَ فِي شعر الْأَعْشَى وَغَيره.
أما: وَقَالَ اللَّيْث (أمَا) اسْتِفْهَام جحود؛ كَقَوْلِك: أما تَسْتَحي من الله؟
قَالَ: وَتَكون (أما) تَأْكِيد للْكَلَام ولليمين، كَقَوْلِك: أما إِنَّه لرجل كَرِيم.
وَفِي الْيَمين كَقَوْلِك: أمَا وَالله لَئِن سَهرت كُل لَيْلَة لأدَعنّك نَادِما؛ أما لَو علمتُ بمكانك لأزعجنّك مِنْهُ.
إِمَّا وَأما: وافتراقهما
أَبُو الْعَبَّاس، عَن سَلمة، عَن الفراءِ، قَالَ: قَالَ الْكسَائي فِي بَاب (إمّا) و (أمّا) :
إِذا كنت آمراً، أَو ناهياً، أَو مُخبراً، فَهِيَ (أمّا) مَفْتُوحَة.
وَإِذا كنت مُشترطاً أَو شاكاً أَو مخيِّراً أَو مُخْتَارًا، فَهِيَ (إمّا) بِكَسْر الْألف.
قَالَ: وَتقول من ذَلِك فِي الأول: أما الله فاعْبد، وَأما الخَمر فَلَا تَشْربها، وأمّا زيد فقد خَرج.
قَالَ: وَتقول فِي النَّوْع الثَّانِي؛ إِذا كنت مُشترطاً: إمّا تَشْتمنّ زيدا فَإِنَّهُ يَحْلُم عَنْك.
وَتقول فِي الشكّ: لَا أَدْري من قَامَ إمَّا زيدٌ وإمّا عَمْرو.
وَتقول فِي التَّخيير: تعلّم إمّا الفِقه: وإمّا النَّحو.
وَتقول فِي الْمُخْتَار: لي بِالْكُوفَةِ دارٌ وَأَنا خَارج إِلَيْهَا فإمّا أَن أَسْكنها وإمّا أَن أبِيعها.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَجعل (إمّا) بِمَعْنى: إمّا الشّرطِيَّة. قَالَ: وَأنْشد الْكسَائي

(15/450)


لصَاحب هَذِه اللُّغَة، إِلَّا أَنه أبدل إِحْدَى الميمين يَاء:
يَا لَيْت مَا أُمّنا شالت نعامتها
إيما إِلَى جَنّة إيما إِلَى نارِ
وَقَالَ المبرّد: إِذا أتيت ب (إمّا) و (أما) فافتحها مَعَ الْأَسْمَاء واكسرها مَعَ الْأَفْعَال؛ وأَنْشد:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت ذَا سَفر
فَالله يَحْفظ مَا تَأتي وَمَا تَذَرُ
كسرت (إِمَّا أَقمت) مَعَ الْفِعْل، وَفتحت (وَأما أَنْت) لِأَنَّهَا وَليهَا الِاسْم. وَقَالَ:
أَبَا خُراشة أمّا أنْت ذَا نَفر
الْمَعْنى: إِذا كنت ذَا نفر. قَالَه ابْن كَيسان.
وَقَالَ الزجّاج: (إِمَّا) الَّتِي للتَّخيير شُبهت ب (إِن) الَّتِي ضمّت إِلَيْهَا (مَا) ، مثل قَوْله تَعَالَى: {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (الْكَهْف: 86) .
كتبت بِالْألف لما وَصفنَا، وَكَذَلِكَ (إِلَّا) كتبت بِالْألف، لِأَنَّهَا لَو كُتبت بِالْيَاءِ لأَشْبهت (إِلَى) .
قَالَ البَصريون: (أمّا) هِيَ (أَن) الْمَفْتُوحَة ضُمت إِلَيْهَا (مَا) عوضا من الْفِعْل، وَهِي بِمَنْزِلَة (إِذْ) ، الْمَعْنى: إِذْ كنت قَائِما فإِني قَائِم مَعَك؛ ويُنْشدون:
أَبَا خُراشة أمّا أَنْت ذَا نفر
قَالُوا: فَإِن ولي هَذِه الْفِعْل كُسرت، فَقيل: إمّا انْطَلَقت انْطلقت مَعَك؛ وأَنْشدوا:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت مُرتحلا
فكَسر الأُولى وفتَح الثَّانِيَة.
فَإِن ولي هَذِه الْمَكْسُورَة فعل مُستقبل أحدثت فِيهِ النُّون، فَقلت: إمّا تذهبنّ فإنّي مَعَك.
فَإِن حَذفت النُّون جَزمت، فَقلت: إمّا يَأْكُلك الذِّئْب فَلَا أَبكيك.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (الْإِنْسَان: 3) .
قَالَ (إمّا) هَا هُنَا تكون جَزَاء، أَي: إِن شكر وَإِن كَفر.
قَالَ: وَيكون على (إمّا) الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (التَّوْبَة: 106) فَكَأَنَّهُ قَالَ: خَلَقناه شقيّاً أَو سعيداً.
أم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأُم: امْرَأَة الرَّجل المُسِنّة.
وَالأُم، الوالدة من كل الحَيوان.
ويُقال: مَا أَمِّي وأَمُّه؟ وَمَا شَكلي وشَكله؟ أَي: مَا أَمْري وأَمْره لبُعده منّي، فلمَ يتعرّض لي؟ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَمَا أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا
تَفَرَّع فِي ذُؤابَتِي المَشِيبُ

(15/451)


وَقَالَ ابْن بُزُرْج: قَالُوا مَا أَمّك وأمّ ذَات عِرْق؟ أَي: أَيْهات مِنْك ذَات عِرْق؟
قَالَ اللَّيْث: الأُم، هِيَ الوالدة؛ وَالْجمع الأُمَّهات.
وَقَالَ غَيره: تُجمع (الأُم) من الآدميّات: أمّهات؛
وَتجمع من الْبَهَائِم: أُمّات؛ قَالَ:
لقد آليْت أُعْذَر فِي خِداع
وَإِن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ
اللَّيْث: يُقَال: تأمّم فلَان أُمّاً، أَي: اتخذها لنَفسِهِ أُمّاً.
وَتَفْسِير (الْأُم) فِي كل مَعَانِيهَا: أمّة، لِأَن تأسيسه من حَرْفين صَحِيحَيْنِ، وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة، وَلَكِن الْعَرَب حذَفت تِلْكَ الْهَاء إِذا أمنُوا اللَّبْس.
قَالَ: وَيَقُول بعضُهم فِي تَصغير (أُمّ) : أمَيْمة.
وَالصَّوَاب: أُمَيْهة، تُرد إِلَى أصل تأسيسها.
وَمن قَالَ (أُميمة) صغّرها على لَفظهَا، وهم الَّذين يَقُولُونَ (أمّات) ؛ وأَنشد:
إِذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا
قَالَ ابْن كيسَان: يُقال: أُمّ، وَهِي الأصْل؛
وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّة؛ وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّهة؛ وأَنْشد:
تَقَبَّلْتها عَن أُمَّةٍ لَك طالما
تُنوزِع فِي الأَسواق عَنْهَا خِمارُها
يُريد: عَن أُم لَك، فألحقها هَاء التَّأْنِيث.
وَقَالَ آخر:
أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي
فأمّا الْجمع فَأكْثر الْعَرَب على (أمّهات) وَمِنْهُم من يقُول: أُمّات.
وَقَالَ المبرّد: الْهَاء من حُرُوف الزّيادة، وَهِي مزيدة فِي (الأُمهات) وَالْأَصْل (الأُم) وَهُوَ: القَصْد.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، أَن (الْهَاء) مزيدة فِي (الْأُمَّهَات) .
وَقَالَ اللَّيْث: من الْعَرَب مَن يَحذف ألف (أم) كَقَوْل عديّ بن زيد:
أيّها العائب عِنْدِي مّ زَيْد
وَأعلم أَن كل شَيْء يُضم إِلَيْهِ سَائِر مَا يَلِيهِ فَإِن الْعَرَب تسمِّي ذَلِك الشَّيْء: أُمًّا، من ذَلِك: أُم الرَّأْس، وَهُوَ الدِّماغ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم؛ والشجّة الآمّة: الَّتِي تبلغ أُمَّ الدِّماغ.
والأَميم: المَأْموم.
قَالَ والأُمَيْمة: الْحِجَارَة الَّتِي تُشْدخ بهَا الرُّؤوس؛ قَالَ:
ويومَ جَلَّينا عَن الأهاتم
بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ

(15/452)


المكنىّ بِالْأُمِّ
قَالَ: وأُم التّنائف: الْمَفَازَة الْبَعِيدَة.
وَأم القُرَى: مَكَّة.
وكُل مَدِينَة، هِيَ أُم مَا حولهَا من القُرى.
وأُم الكِتَاب: كُل آيَة محكمَة من آيَات الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام والفرائض.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (إِن أُم الْكتاب هِيَ فَاتِحَة الْكتاب) ، لِأَنَّهَا هِيَ المتقدّمة أَمَام كل سُورة فِي جَمِيع الصَّلَوَات، وابتدى بهَا فِي المُصحف فقدّمت، وَهِي الْقُرْآن الْعَظِيم.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ} (الزخرف: 4) . فَقَالَ: هِيَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَالَ قَتَادَة: أُم الْكتاب: أَصل الْكتاب.
وَعَن ابْن عبّاس: أُمّ الْكتاب، الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره.
وَقَوله تَعَالَى: {مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القارعة: 9) أَي: أُمه الَّتِي يأوي إِلَيْهَا، كَمَا يأوي الرجل إِلَى أُمه، هاوية، وَهِي النَّار يهوي فِيهَا من يدخلهَا، أَي: يَهلك.
وَقيل: فَأم رَأسه هاوية فِيهَا، أَي: سَاقِطَة.
وأُم الرُّمْح: لواؤُه وَمَا لُفّ عَلَيْهِ من خِرقة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وسَلَبْنا الرُّمْح فِيهِ أُمّه
مِن يَدِ العاصِي وَمَا طالَ الطِّوَلْ
وَأخْبرنَا عبد الْملك، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، قَالَ: العربُ تَقول للرجل يَلِي طَعَام الْقَوْم وَخدمَتهمْ: هُوَ أُمتهم؛ وأَنْشد للشَّنْفرى:
وأُمّ عِيَال قد شهِدت تَقُوتهم
إِذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت
قَالَ: ويُقال للْمَرْأَة الَّتِي يأوي إِلَيْهَا الرَّجُلُ: هِيَ أُم مَثْواه.
وَفِي الحَدِيث: (اتَّقوا الْخمر فَإِنَّهَا أُم الْخَبَائِث) .
وَقَالَ شمر: أم الْخَبَائِث: الَّتِي تجمع كُل خَبِيث.
قَالَ: وَقَالَ: الفصيح فِي أَعْرَاب قَيس: إِذا قيل: أُمّ الشَّرّ، فَهِيَ تَجمع كل شَرّ على وَجه الأَرْض. -
وَإِذا قيل أُمّ الْخَيْر، فَهِيَ تَجمع كُلّ خَير.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْأُم لكُل شَيْء، هِيَ المجَمع لَهُ والمَضَمّ.
وأُم الرَّأْس، هِيَ الخريطة الَّتِي فِيهَا الدِّماغ.
وأمُّ النُّجوم: المَجَرّة.
وأمُّ الطَّريق: مُعظمها، إِذا كَانَ طَرِيقا عَظِيما وَحَوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطَّرِيق.

(15/453)


وأمّ اللُّهَيْم: هِيَ المَنِيّة.
وأمّ خَنُّور: الخِصْب.
وأمّ جَابر: الخُبز.
وأمّ صَبَّار: الحَرَّة.
ورُوي عَن عَمرو، عَن أَبِيه، أَنه قَالَ:
أمّ عُبَيد: هِيَ الصَّحراء.
وأمّ عَطِيّة: الرَّحَى.
وأمّ شَمْلة: الشَّمْس.
وأمّ الخُلْفُف: الدَّاهية.
وأمّ رُبَيْق: الْحَرْب.
وأمّ ليْلى: الخَمْرُ. وليلى: النَّشوة.
وأمّ دَرْز: الدُّنيا.
وأمّ بَحنة: النَّخلة.
وأمّ سِرياح: الجرادة.
وأمّ عَامر: المَقْبُرة.
وأمّ جَابر: السُّنْبلة.
وأمّ طِلْبة: العُقاب.
وَكَذَلِكَ: أمّ شَعْواء.
وأمّ حباب: هِيَ الدُّنيا؛ وَهِي أمّ وافرة.
وأمّ زافرة: البَيْن.
وأمّ سَمْحة: العَنْز.
ويُقال لِلْقِدْر: أمّ غِياث، وأمّ عُقْبة، وأمّ بَيْضَاء، وأمّ دسمة، وأمّ العِيَال.
وأمّ جِرْذَان: النَّخلة، وَإِذا سَمَّيت رجلا بأُم جِرذان لم تَصْرفه.
وأمّ خَبِيص، وأمّ سُويد، وأمّ عَقاق، وأمّ عَزمة، وأمّ طبيخة، وَهِي أمّ تسعين.
وأمّ حِلْس: الأثان.
وأمّ عَمْرو، وأمّ عَامر: الضَّبُع.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: إِنَّه لحسن أمّة الوَجْه، يعنون: سُنَّته وصُورته.
وَإنَّهُ لقبيح أمّة الوَجه.
وَأَخْبرنِي المنُذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للرجل الْعَالم: أُمّة.
قَالَ: والأُمّة: الْجَمَاعَة.
والأُمّة: الرجل الْجَامِع للخَيْر.
والأُمة: الطَّاعَة.
وأُمّة الرَّجُل: وَجهه وقامَتُه.
وأُمّة الرَّجل: قَوْمُه.
والإمّة، بِالْكَسْرِ: الْعَيْش الرَّخِيّ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الْمُنْذِرِيّ، قَالَ: الأُمَّة: الحِين.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (يُوسُف: 45) .
قَالَ: بعد حينٍ من الدَّهْر.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والأُمّة: الدِّين.

(15/454)


والأُمّة: المُعلِّم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} (النَّحْل: 120) .
قَالَ: أُمّة معلِّما للخير.
وروى سَلمة، عَن الْفراء: {قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا عَلَى} (الزخرف: 22) ، وَهِي مثل: السُّنّة والمِلّة.
وقرىء (على إمّة) ، وَهِي الطَّرِيقَة، من: أَمَمْت.
يُقَال: مَا أحسن إمّته
قَالَ: والإمّة أَيْضا: الْملك والنَّعيم؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد:
ثمَّ بعد الفَلاح والمُلك والإمّ
ة وارتْهمُ هُنَاكَ القُبور
قَالَ: أَرَادَ: إِمَامَة المُلك ونعيمه.
وَقَالَ أَبو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} (الْبَقَرَة: 213) ، أَي: كانو على دين وَاحِد.
قَالَ: والأُمّة: فِي اللُّغَة أَشْيَاء، فَمِنْهَا؛ أَن الأُمُّة: الدّين، وَهُوَ هَذَا.
والأُمّة: الْقَامَة؛ وَأنْشد:
وَإِن مُعاوية الأَكْرمي
ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ
أَي: طوال القَامات.
قَالَ: والأُمّة، من النَّاس، يُقال: قد مَضَت أُمم، أَي: قُرُون.
والأُمّة: الرجل الَّذِي لَا نَظير لَهُ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} (النَّحْل: 120) .
وَقَالَ أَبو عُبيدة: معنى قَوْله (كَانَ أُمة) أَي: كَانَ إمَاماً. والأُمّة: النِّعمة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: هُوَ فِي إمّة من العَيش؛ وآمة، أَي: خِصْب.
قَالَ شمر. وآمة، بتَخْفِيف الْمِيم: عَيْب؛ وأُنْشد:
مَهلاً أَبيت اللّعْن مَهْ
لَا إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
وَذكر أَبُو عَمْرو الشَّيباني أَن الْعَرَب تَقول للشَّيْخ إِذا كَانَ بَاقِي القُوة: فلَان بإِمّةٍ، رَاجع إِلَى الْخَيْر والنّعمة، لِأَن بَقَاء قُوته من أعظم النِّعمة.
قَالَ: وأَصل هَذَا الْبَاب كُله من (القَصْد) .
يُقَال: أممت إِلَيْهِ، إِذا قَصدته.
فَمَعْنَى (الأمّة) فِي الدّين، أَن مَقصدهم مقصدٌ وَاحِد.
وَمعنى (الإمّة) فِي النِّعمة؛ إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي يَقْصده الْخلق ويَطْلُبونه.
وَمعنى (الْأمة) فِي الرجُل المُنفرد الَّذِي لَا نَظير لَهُ: أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سَائِر النَّاس؛ قَالَ النَّابِغَة:
وَهل يَأْثمن ذُو أُمّة وَهُوَ طائع
ويُروى: ذُو إمّة.

(15/455)


فَمن قَالَ: ذُو أمّة، فَمَعْنَاه: ذُو دِين.
وَمن قَالَ: ذُو إمّة، فَمَعْنَاه: ذُو نعْمَة أُسديت إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمعنى (الأُمّة) : الْقَامَة، سَائِر مَقْصَد الْجَسَد.
فَلَيْسَ يخرج شَيْء من هَذَا الْبَاب عَن معنى (أممت) ، أَي: قصدت.
وَيُقَال: إمامنا هَذَا حَسن الإمّة، أَي: حسن الْقيام بإمامته إِذا صلّى بِنَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالُوا فِي معنى الْآيَة غيْرَ قولٍ.
قَالَ بَعضهم: كَانَ النَّاس فِيمَا بَين آدم ونوح كُفَّاراً فَبعث الله النَّبيين يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنَّار
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ جَمِيع مَن مَعَ نوح فِي السَّفِينة مُؤمناً ثمَّ تَفرّقوا من بعده عَن كُفْر، فَبعث الله النَّبِيين.
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: النَّاس كَانُوا كفّاراً فَبعث الله إِبْرَاهِيم والنَّبيِّين من بعده.
قلت: و (الأمّة) فِيمَا فسروا، يَقع على الكفّار وعَلى المُؤمنين.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ} (الْبَقَرَة: 78) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى (الْأُمِّي) فِي اللُّغَة: الْمَنْسُوب إِلَى مَا عَلَيْهِ جَبَلَتْه أُمّه، أَي: لَا يكْتب، فَهُوَ فِي أَنه لَا يكْتب على مَا ولد عَلَيْهِ. وارتفع (أُمِّيُّونَ) بِالِابْتِدَاءِ، و (مِنْهُم) الْخَبَر.
وَقَالَ غَيره: قيل للَّذي لَا يكْتب: أُمي، لِأَن الْكِتَابَة مكتسبة، فَكَأَنَّهُ نُسب إِلَى مَا وُلد عَلَيْهِ، أَي: هُوَ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ.
وَكَانَت الْكِتَابَة فِي الْعَرَب فِي أهل الطَّائِف تعلّموها من رجل من أهل الْحيرَة، عَن أَهل الأنبار.
قَالَ أَبُو زيد: الأمّي من الرِّجَال: العَيِيّ الْقَلِيل الْكَلَام الجافي الجلْف؛ وأَنشد:
وَلَا أَعُود بعْدهَا كَرِيّا
أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا
والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا
قيل لَهُ: أميّ، لِأَنَّهُ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ من قلَّة الْكَلَام وعُجْمة اللّسان.
وَقيل للنَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأُمي، لِأَن أُمة الْعَرَب لم تكن تكْتب وَلَا تقْرَأ الْمَكْتُوب، بَعثه الله رَسُولا وَهُوَ لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ من كتاب، وَكَانَت هَذِه الْخلَّة إِحْدَى آيَاته المُعجزة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا عَلَيْهِم كتاب الله منظوماً مَعَ أميته بآيَات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تَارَة بعد أُخْرَى، بالنَّظم الَّذِي أُنزل عَلَيْهِ، فَلم يغيّره وَلم يبدِّل أَلْفَاظه.
وَكَانَ الْخَطِيب من الْعَرَب إِذا ارتجل خطْبَة ثمَّ أَعَادَهَا زَاد فِيهَا ونَقص، فَحفِظه الله

(15/456)


جلّ وعزّ على نبيّه كَمَا أَنزله، وأَبانه من سَائِر مَن بَعثه إِلَيْهِم بِهَذِهِ الْآيَة الَّتِي بايَن بَينه وَبينهمْ بهَا، وَفِي ذَلِك أَنزل الله تَعَالَى: {) إِلاَّ الْكَافِرونَ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48) .
يَقُول جلّ وعزّ: لَو كنت تتلو من الْكتاب، أَو تخط لارتاب المُبطلون الَّذين كفرُوا، ولقالوا إِنَّه وَجد هَذِه الأقاصيص مَكْتُوبَة فحفظها من الْكتب.
اللَّيْث: كُل قوم نُسبوا إِلَى نَبِي فأُضيفوا إِلَيْهِ، فهم: أُمّته.
وَقيل: أُمة مُحَمَّد: كُل من أَرسل إِلَيْهِ ممَّن آمن بِهِ أَو كفر.
قَالَ: وكل جيل من النَّاس، فهم: أُمة على حِدة.
وَقَالَ غَيره: كل جنس من الْحَيَوَان غير بني آدم أُمّة على حِدة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الْأَنْعَام: 38) الْآيَة.
وَمعنى قَوْله: (إِلَّا أُمَم أمثالكم) فِي معنى دون معنى.
يُرِيد: وَالله أَعلم: أَن الله خلقهمْ وتعبّدهم بِمَا شَاءَ أَن يتعبَّدهم بِهِ من تَسبيح وَعبادَة عَلِمها مِنْهُم وَلم يُفقِّهنا ذَلِك.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَوْلَا أَن الْكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها، وَلَكِن اقْتُلوا مِنْهَا كُلَّ أَسْود بَهيم) .
اللَّيْث: الإمّة: الائتمام بِالْإِمَامِ.
يُقال: فلَان أَحقّ بإِمّة هَذَا الْمَسْجِد من فلَان، أَي: بِالْإِمَامَةِ.
قلت: الإمّة: الْهَيْئَة فِي الإمَامة وَالْحَالة.
يُقال: فلَان حَسن الإمّة، أَي: حسن الْهَيْئَة إِذا أمّ النَّاس فِي الصَّلَاة.
وَالْإِمَام: كل من ائتم بِهِ قومٌ كَانُوا على الصّراط الْمُسْتَقيم أَو كَانُوا ضالّين.
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إمَام أُمته، وَعَلَيْهِم جَمِيعًا الائتمام بسُنَّته الَّتِي مَضى عَلَيْهَا.
والخليفة: إمَام رَعيّته.
وَالْقُرْآن: إمَام المُسلمين.
وإمَام الغُلام فِي المَكتب، مَا يتعلّمه كُلَّ يَوْم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) قَالَت طَائِفَة، بإِمامهم. وَقَالَت طَائِفَة: دينهم وشَرعهم.
وَقيل: بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أحصى فِيهِ عَمَلهم. وَقَول الله تَعَالَى: {فَقَاتِلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (التَّوْبَة: 12) أَي: قَاتلُوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الَّذين ضُعَفاؤُهم تَبع لَهُم.
وقرىء قَوْله تَعَالَى: {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} على حَرْفين.

(15/457)


فَأكْثر القُراء قرؤوا: أيِمة؛ بِهَمْزَة وَاحِدَة.
وَقَرَأَ بَعضهم: أَئِمَّة، بهمزتين.
وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِذا فَضلنا رجلا فِي الْإِمَامَة قُلْنَا: هَذَا أَوَمُّ من هَذَا.
وَبَعْضهمْ يَقُول: هَذَا أَيَمّ من هَذَا.
قَالَ: وَالْأَصْل فِي (أَئِمَّة) : أأْمِمَة، لِأَنَّهُ جمع (إِمَام) مثله: مِثَال وأَمثلة.
وَلَكِن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى فِي الثَّانِيَة، وأُلقيت حركتها على الْهمزَة، فَقيل: أَئمّة، فأبدلت الْعَرَب من الْهمزَة الْمَكْسُورَة الْيَاء.
قَالَ: وَمن قَالَ: هَذَا أَيَمّ من هَذَا، جعل هَذِه الْهمزَة كلّما تحركت أَبدل مِنْهَا يَاء.
وَالَّذِي قَالَ: فلَان أَوَمُّ من هَذَا، كَانَ عِنْده أَصلها (أَأَمّ) ، فَلم يُمكنهُ أَن يُبدل مِنْهُ ألفا لِاجْتِمَاع الساكنين، فَجَعلهَا واواً مَفْتُوحَة؛ كَمَا فِي جمع (آدم) : أوادم.
وَهَذَا هُوَ الْقيَاس.
قَالَ: وَالَّذِي جعلهَا يَاء قَالَ: قد صَارَت الْيَاء فِي (أَيمّة) بَدَلا لَازِما.
وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش.
وَالْأول مَذْهَب المازنيّ، وَأَظنهُ أَقيس المذهبين.
فَأَما (أَئِمَّة) باجتماع الهمزتين، فَإِنَّمَا يُحكى عَن أبي إِسْحَاق: فإِنه كَانَ يُجِيز اجْتِمَاعهمَا، وَلَا أَقول إِنَّهَا غير جَائِزَة.
وَالَّذِي بدأنا بِهِ هُوَ الِاخْتِيَار.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) يَقُول: فِي طَرِيق لَهُم يَمُرون عَلَيْهَا فِي أَسْفارهم. فَجعل الطَّريقَ إمَاماً، لِأَنَّهُ يُؤَمّ ويُتّبع.
اللَّيْث: الْأَمَام، بِمَعْنى: القُدّام.
وَفُلَان يَؤُم الْقَوْم، أَي: يَقْدُمهم.
وَيُقَال: صَدرك أمامُك، بِالرَّفْع، إِذا جعلته اسْماً.
وَتقول: أَخُوك أمامَك، بِالنّصب، لِأَنَّهُ صِفة.
وَقَالَ لَبيد، فَجعله اسْماً:
فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه
مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها
يصف بقرة وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت، وكِلا فَرْجَيها، وهما أمامها وَخَلفهَا، تحسب أَنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها، أَي: وليّ مَخافتها.
قَالَ أَبُو بكر: معنى قَوْلهم: فلانٌ يؤُمّ أَي: يتقدّمهم.
أُخذ من (الْأَمَام) ، يُقَال: فلَان إِمَام الْقَوْم، إِذا تَقدَّمهم.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: فلَان إِمَام الْقَوْم، مَعْنَاهُ: هُوَ المتقدِّم لَهُم.
وَيكون الإِمَام رَئِيسا، كَقَوْلِك: إِمَام

(15/458)


المُسلمين.
وَيكون: الْكتاب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) .
وَيكون (الإِمَام) : الطَّرِيق الْوَاضِح، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) . وَيكون (الإِمَام) : الْمِثَال، وَأنْشد:
أَبوهُ قبله وَأَبُو أَبِيه
بنَوا مجد الْحَيَاة على إِمامِ
مَعْنَاهُ: على مِثَال؛ وَقَالَ لَبيد:
ولكُلّ قَومِ سُنَّة وإمامُها
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الأَمُّ، هُوَ القَصْد.
يُقَال: أممته أؤُمه أمّاً، إِذا قَصَدْت لَهُ.
وأَمَمته أَمًّا: إِذا شَجَجْته.
وشَجَّة آمَّةٌ.
قَالَ: والأَمَم، بَين الْقَرِيب والبَعيد.
وَيُقَال: ظَلَمت ظلما أَمَماً؛ قَالَ زُهير:
كَأَن عَيْني وَقد سَالَ السَّلِيلُ بهم
وَجِيرة مَا هُمُ لَو أَنهم أَمَمُ
وَيُقَال: هَذَا أَمر مُؤَامٌّ، أَي: قَصْدٌ مُقَارِب.
وأَنشد اللَّيْث:
تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا
لَو أَنَّهَا تَطْلب شَيئاً أَمَمَا
أَرَادَ: لَو طلبت شَيْئا يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها، فَأَما أَن تطلُب بِالْبَلَدِ القَفر السَّلْجم، فَإِنَّهُ غير مُتَيَسِّر وَلَا أَمَم.
وَيُقَال: أَمَمْتُه أمًّا، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.
قَالَ: وَلَا يَعرف الأصمعيّ (أَمَّمْته) بالتّشديد.
ويُقال: أَمَمْتُه، وأَمَّمْته، وتأَمَّمْته، وتَيَمَّمته، بِمَعْنى وَاحِد، أَي: توخيته وقَصَدْتُه.
والتَيمُّم بالصَّعيد، مَأْخُوذ من هَذَا.
وَصَارَ (التيمّم) عِنْد عوام النَّاس المَسْح بِالتُّرَابِ، وَالْأَصْل فِيهِ، القَصْد والتوخِّي؛ قَالَ الْأَعْشَى:
تَيَمَّمت قيسا وَكم دُونه
من الأَرْض من مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ
اللّحياني، يُقَال: أَمّوا، ويَمُّوا، بِمَعْنى وَاحِد، ثمَّ ذكر سَائِر الُّلغات.
اللَّيْث: إِذا قَالَت الْعَرَب للرجل: لَا أُم لَك، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: زَعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أَب لَك: مدح؛ وَأَن قَوْلهم: لَا أُمَّ لَك: ذمّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجدنَا قَوْلهم: لَا أُمّ لَك، قد وُضع مَوضِع المَدح؛ قَالَ كَعْب الغَنويّ:
هَوت أُمّه مَا يَبْعث الصُّبح غادياً
وماذا يُؤَدّي الليلُ حِين يُؤوبُ

(15/459)


قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَأَيْنَ هَذَا ممّا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عُبيد، وَإِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمه، ويل أمّه، وهَوت أُمه، والوَيل لَهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذَهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يُشبه هَذَا قَوْلهم: لَا أُم لَك، لِأَن قَوْله: لَا أم لَك، فِي مَذْهَب: لَيْسَ لَك أُمٌّ حرَّة، وَهَذَا السبّ الصَّرِيح، وَذَلِكَ أَن بني الْإِمَاء عِنْد الْعَرَب مَذْمُومون لَا يَلحقون ببني الْحَرَائِر، وَلَا يَقُول الرَّجلُ لصَاحبه: لَا أُم لَك، إِلَّا فِي غَضَبه عَلَيْهِ مُقصِّراً بِهِ شاتماً لَهُ.
قَالَ: وَأما إِذا قَالَ: لَا أَبا لَك، فَلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئاً.
يم: اللَّيْث: اليَمُّ: البَحر الَّذِي لَا يُدْرك قَعْره وَلَا شَطّاه.
وَيُقَال: اليَمُّ: لُجّته.
ويُمَّ الرَّجُل، فَهُوَ مَيْمُوم، إِذا وَقع فِي البَحر وغَرِق فِيهِ.
ويُقال: يُمَّ الساحلُ، إِذا طَما عَلَيْهِ البحرُ فغَلَب عَلَيْهِ.
قلت: اليَمّ: البَحر، وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله بالسُّريانية، فعرّبته الْعَرَب، وَأَصله: (يَماً) .
وَيَقَع اسْم (اليم) على مَا كَانَ مَاؤُهُ مِلْحاً زُعافاً، وعَلى النَّهر الْكَبِير العَذْب المَاء.
وأُمرت أُم مُوسى حِين وَلدتْه وخافت عَلَيْهِ فِرعون أَن تَجْعَلهُ فِي تَابُوت ثمَّ تَقذفه فِي اليَمّ، وَهُوَ نَهر النّيل بِمصْر، وماؤه عَذب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} (طه: 39) فَجعل لَهُ ساحلاً؛ وَهَذَا كُله دليلٌ على بُطلان قَول اللَّيْث فِي (اليم) : إِنَّه الْبَحْر الَّذِي لَا يُدرك قَعْره وَلَا شَطَّاه.
وَأما (اليمام) من الطَّير، فَإِن أَبَا عُبيد قَالَ: سمعتُ الْكسَائي يَقُول: اليمَام: من الحَمام الَّتِي تكون فِي البُيوت، وَالْحمام: البرّي.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليمام: ضَرْب من الْحمام؛ بَرِّيّ.
وَأما (الْحمام) فكُل مَا كَانَ ذَا طَوق، مثل القُمْريّ والفاختة.
وَقَالَ غَيره فِي (الْيَمَامَة) وَهِي الْقرْيَة الَّتِي قَصبتها: حَجْر، يُقَال: إِن اسْمهَا فِيمَا خَلا كات (جَوًّا) فسُمِّيت: يمامة باسم امْرَأَة كَانَت تَسكنها، وَاسْمهَا (يمامة) ، وَالله أعلم.
أما: قَالَ اللَّيْث: الأمَة: الْمَرْأَة ذاتُ العُبوديّة.
وَقد أَقرّت بالأُمُوَّة.
وَقَالَ غَيره: يُقال لجمع (الْأمة) : إِمَاء، وإمْوان، وَثَلَاث آمٍ، وأَنْشد:
تَمْشي بهَا رُبدُ النَّعا
مِ تَماشِيَ الآم الزَّوافِر

(15/460)


وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الآم: جمع الأَمَة، كالنَّخلة والنَّخْل، والبَقْلة والبَقْل.
وأصل (الْأمة) أَمْوة، حذفوا لامها لمّا كَانَت من حُرُوف اللين، فَلَمَّا جَمعوها على مِثَال: نَخلة ونخل، لَزِمهم أَن يقُولوا: أَمة وآم، فكرهوا أَن يجعلوها على حَرفين، وكرهوا أَن يردُّوا الْوَاو المحذوفة لمّا كَانَت فِي آخر الِاسْم، لاستثقالهم السُّكُوت على (الْوَاو) ، فقدموا (الْوَاو) فجعلوها ألفا، فِيمَا بَين الْألف وَالْمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقال: ثَلَاث آمٍ.
وَهُوَ على تَقْدِير (أفْعُل) .
قلت: لم يزدْ اللَّيْث على هَذَا، وأُراه ذهب إِلَى أَنه كَانَ فِي الأَصْل: ثَلَاث أَمْوُيٍ.
وَالَّذِي حَكَاهُ لي المُنذريّ أصحّ وأَقيس، لِأَنِّي لم أَر فِي بَاب الْقلب حرفين حُوِّلا، وأُراه جُمع على (أَفْعُل) على أَن الْألف الأولى من (آم) ألف (أفْعُل) ، وَالْألف الثَّانِيَة فَاء (أفعل) وَحذف (الْوَاو) من (آمُو) فَانْكَسَرت (الْمِيم) كَمَا يُقَال فِي جمع (جِرْو) ثَلَاثَة أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصْل: ثَلَاثَة أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذفت الْوَاو جُرّت الرَّاء.
وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْهَيْثَم قَول حَسَن.
قَالَ الْمبرد: أصل (أمَة) : فَعَلة، متحركة العَين، وَلَيْسَ شَيْء من الْأَسْمَاء على حرفين إلاّ وَقد سَقط مِنْهُ حرف يُستدَلّ عَلَيْهِ بجمعه أَو تَثنيته، أَو بِفعل إِن كَانَ مُشتقَّاً مِنْهُ، لِأَن أقلّ الْأُصُول ثَلَاثَة أحرف، ف (أَمة) الذَّاهِب مِنْهَا (وَاو) لقَولهم: إِمْوَان.
قَالَ: و (أمة) : فَعَلة، متحرِّكة.
ويُقال فِي جمعهَا: آمٍ، وَوزن هَذَا (أَفْعُل) ، كَمَا يُقَال: أَكمة وأكم، وَلَا يكون (فَعْلة) على (أَفْعُل) . ثمَّ قَالُوا: إِمْوان، كَمَا قَالُوا: إخْوان.
وَقَالَ ابْن كيسَان: تَقول: جاءتْني أَمة الله.
وَإِذا ثَنّيت قلت: جَاءَتْنِي أمتا الله.
وَفِي الْجمع على التكسير: جَاءَتْنِي إِمَاء الله، وإِمْوان الله، وأَمَوات الله، وَيجوز: أَمات الله، على النَّقص.
ويُقال: هن آمٌ لزيد، وَرَأَيْت آماً لزيد، ومررت بآمٍ لزيد.
فَإِذا كثرت: فَهِيَ الْإِمَاء، والإمْوان، والأُمْوان.
أَبُو عُبيد: مَا كنتِ أمة، وَلَقَد أَمَوْتِ أُمُوَّة.
وَمَا كنتِ أمَة، وَلَقَد تأمَّيتِ، وأَمِيت، أُمُوّة.
ومأ: أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: ومأت إِلَيْهِ أمَأ وَمْئاً، مثل: أَوْمأت.

(15/461)


قَالَ: وأَنشدني القَنَانِيّ:
مَا كَانَ إلاّ وَمْؤُها بالْحَوَاجِبِ
اللَّيْث: الْإِيمَاء: أَن تُومىء برأسك أَو بِيَدِك، كَمَا يُومىء الْمَرِيض بِرَأْسِهِ للرُّكوع والسُّجود.
وَقد تَقول الْعَرَب: أَوْمَأ بِرَأْسِهِ، أَي قَالَ: لَا؛ قَالَ ذُو الرمّة.
قِياماً تَذُبّ البَقَّ عَن نُخراتها
بنَهْزٍ كإيماء الرُّؤُوس المَوانِعِ
وأَنْشد ابْن شُميل:
قد كُنت أَحْذَر مَا أَرى
فأَنا الغداةَ مُوامِئُهْ
قَالَ النَّضر: وزَعم أَبُو الخَطَّاب: مُوَامِئه: مُعاينه.
وَقَالَ الفرّاء: استولى عليّ الْأَمر، واسْتَومى، إِذا غَلب عَلَيْهِ.
ابْن السِّكيت: يُقال: ذَهب ثوبي فَمَا أَدْرِي مَا كَانَت وامِئته، وَمَا أَدري من أَلمْأ عَلَيْهِ.
وَهَذَا قد يُتكلّم بِغَيْر جحد.
وَقَالَ الفرّاء: أَوْمى يُومي، ووَمى يَمي، مثل: أَوحى يُوحي، ووَحى.
وَيُقَال: ومأ بالشَّيْء، إِذا ذَهب بِهِ.
آم: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد، قَالَ: الآمة، على مِثَال الْعَامَّة: الإمة، وَهِي الخِصْب.
وَقَالَ شمر: الآمة: الْعَيْب، وأَنْشد:
مَهْلاً أَبَيْت اللَّعْ
ن إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
اللَّيْث: الآمَة من الصَّبِيّ: مَا يَعْلَق بسُرّته حِين يُولَد.
ويُقال: مَا لُفّ فِيهِ من خِرْقة وَمَا خَرج مَعَه؛ قَالَ حسّان:
ومَوْءُودَة مَقْرورة فِي معَاوِزٍ
بآمتها مَرْسُومة لم تُوسَّدِ
وروى ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الآمة: العَيْب.
والآمَة: العُزّاب، جمع آمٍ. أَرَادَ: أَيِّم، فقَلب.
وَقَول النَّابِغَة:
أُمْهِرْن أَرْماحاً وَهن بآمَةٍ
أَعْجَلْنُهُنّ مَظّنة الإعْذارِ
يُرِيد: أَنَّهُنَّ سُبِين قبل أَن يُخْفضن، فَجعل ذَلِك عَيْباً.
ودعا جريرٌ رجُلاً من بني كَلب إِلَى مُهاجاته، فَقَالَ الْكَلْبِيّ: إنّ نسَائِي بآمتهنّ، وَإِن الشُّعراء لم تدع فِي نِسَائِك مُتَرَقَّعاً.
أَرَادَ: أَن نِسَاءَهُ لم يُهتْك سِتْرهن، وَلم تذكر سوآتهن بسُوء، وأنهن بِمَنْزِلَة الَّتِي وُلدتْ وَهِي غير مَخْفوضة وَلَا مُفْتَضَّة.

(15/462)


يَوْم: اللَّيْث: الْيَوْم، مِقْدَار من طُلوع الشَّمْس إِلَى غُروبها؛ والجميع: الأيّام. وَالْيَوْم: الْكَوْن؛ يُقَال: نعِم الْأَخ فلَان فِي الْيَوْم، إِذا نزل بِنَا، أَي: فِي الكائنة من الْكَوْن إِذا حدثت؛ وأَنْشد:
نِعْم أخُو الهَيْجاء فِي اليَوْمِ اليَمِي
قَالَ: أَرَادَ أَن يشتقّ من الِاسْم نعتاً فَكَانَ حدُّه أَن يَقُول: فِي اليَوم اليَوْم، فقَلبه كَمَا قلبوا (العشيّ) و (الأينق) .
وَتقول الْعَرَب لليوم الشّديد: يَوْم ذُو أيّام، وَيَوْم ذُو أياييم، لطُول شرّه على أَهله.
وَقَالَ: و (الأيّام) فِي أصل الْبناء: أَيْوام، وَلَكِن الْعَرَب إِذا وجدوا فِي كلمة (يَاء) و (واواً) فِي مَوضِع وَاحِد، وَالْأولَى مِنْهُمَا سَاكِنة، أدغموا إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، وَجعلُوا الْيَاء هِيَ الْغَالِبَة، كَانَت قبل الْوَاو أَو بعْدهَا، إِلَّا فِي كَلِمَات شواذّ تُرْوَى مثل: الفتوة، والهوّة.
قَالَ ابْن كيسَان: وسُئل عَن (أَيَّام) لم ذهبت (الْوَاو) ؟ فَأجَاب: إِن كُل (يَاء) و (وَاو) سَبق أَحدهمَا الآخر بِسُكُون، فَإِن (الْوَاو) تصير (يَاء) فِي ذَلِك الْموضع. وتُدغم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، من ذَلِك (أَيَّام) أَصْلهَا: أيوام، وَمثلهَا: سيّد، وميت، الأَصْل: سَيْود، ومَيوِت.
فَأكْثر الْكَلَام على هَذَا إلاّ حرفين: صَيْوب وحَيْوة، وَلَو أعلُّوهما لقالوا: صيّب، وحيّة.
وَأما الْوَاو إِذا سَبقت فقولك: لويته ليّاً، وشَويته شَيّاً؛ وَالْأَصْل: شَوْياً، ولَوياً.
وسُئل أَبُو العبّاس أَحْمد بن يحيى عَن قَول العَرب: اليَوْم اليَوْم؟
فَقَالَ: يُريدون: اليَوم اليَوِم، ثمَّ خَفّفوا (الْوَاو) فَقَالُوا: اليَوْم اليَوْم.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) يَقُول: خَوِّفهم بِمَا نَزل بعَادٍ وثَمود وَغَيرهم من الْعَذَاب، وبالعفو عَن آخَرين، وَهُوَ فِي الْمَعْنى كَقَوْلِهِم: خذهم بالشدّة واللِّين.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام، فِي معنى (الوقائع) .
يُقال: هُوَ عَالم بأيّام الْعَرَب، يُرِيد: وقائعها؛ وأنْشد:
وقائع فِي مُضر تِسعةٌ
وَفِي وائِل كَانَت العاشِرَةْ
فَقَالَ: تِسْعَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تِسع، لأنّ الوقيعة أُنْثَى، ولكنّه ذَهب إِلَى (الْأَيَّام) .
وَقَالَ شَمر: جَاءَت (الْأَيَّام) بِمَعْنى: الوقائع والنِّعَم.
قَالَ: وَإِنَّمَا قصّوا الْأَيَّام دون ذِكر اللَّيَالِي فِي الوقائع، لِأَن حروبهم كَانَت نَهَارا، وَإِذا كَانَت لَيْلًا ذكروها، كَقَوْل لَبِيد:

(15/463)


لَيلة العُرْقوب حتّى غامَرتْ
جَعْفر يُدْعَى ورَهْط ابْن شَكَل
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله تَعَالَى: {يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ} (الجاثية: 14) .
قَالَ: نِعَمه.
وَقَالَ شمر فِي قَوْلهم:
يوماه يَوْم نَدىً ويومُ طِعان
ويوماه: يَوْم نعيم وَيَوْم بُؤس.
فاليوم، هَا هُنَا: بِمَعْنى الدَّهْر، أَي: هُوَ دَهْرَه كَذَلِك.
وَحدثنَا المُنذري، عَن مكين، عَن عبد الحميد بن صَالح، عَن مُحَمَّد بن أبان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أُبيّ بن كَعْب، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) قَالَ: (أَيَّامه: نِعمه) .
وَأما قَول عَمرو بن كُلثوم:
وأيّام لنا غرٌّ طوال
فَإِنَّهُ أَرَادَ أيّام الوقائع الَّتِي نُصروا فِيهَا على أَعْدائهم. وَقَوله:
شَرّ يَوْمَيْها وأَغواه لَهَا
رَكِبت عَنْزُ بحدْجٍ جَمَلاَ
أَرَادَ: شَرّ أيّام دَهرها، كَأَنَّهُ قَالَ: شَرّ يَوْمَي دَهْرها الشَّرَّين.
وَهَذَا كَمَا يُقَال: إِن فِي الشّر خياراً.
ويم: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَيْمة: التُّهمة.
المَاء: اللَّيْث: المَاء: مَدَّتُه فِي الأَصْل زِيَادَة، وَإِنَّمَا هِيَ خَلف من (هَاء) محذوفة.
وَبَيَان ذَلِك أَنه فِي التصغير: (مُوَيه) ، وَفِي الْجمع: مِيَاه.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هَذِه ماءة، كبني تَمِيم، يَعنون: الركّية بِمَائِهَا.
فَمنهمْ من يَرويها ممدودة، وَمِنْهُم من يَقُول: ماةَ، مَقْصورة، وَمَاء كثير، على قِيَاس: شَاة وَشاء.
قلت: أصل (المَاء) : ماه، بِوَزْن (تاه) ، فَثقلَتْ الْهَاء مَعَ السّاكن قبلهَا فقلبوا الْهَاء مدّة، فَقَالُوا: مَاء، كَمَا ترى.
وَالدَّلِيل على أَن الأَصْل فِيهِ الْهَاء قولُهم: أَماه فلَان رَكِيَّة، وَقد ماهت الركيّة، وَهَذِه مُوَيْهة عذبة. ويُجمع: مياهاً.
وَقد ذكرت هَذَا فِي معتل (الْهَاء) بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرح.
وَالْمَاء، الْمِيم مُمالة والأَلف ممدودة: حِكَايَة أصوات الشَّاء والظّباء، قَالَ ذُو الرّمة:
داعٍ يُناديه باسم الماءِ مَبْغُومُ
وَقَالَ الْكِنَانِي: مَوّيت مَاء حَسنة، إِذا كتبتها.

(15/464)


وَحكى اللّحياني عَن الرُّؤَاسي، يُقَال: هَذِه قصيدة مَوويّة: قافيتها (مَا) ، ولوَويّة، إِذا كَانَت على (لَا) .
وَقَالَ غَيره: قصيدة مائّية وماويّة، ولائيّة ولاويّة، ويائية وياويّة.
وَهَذَا أَقيس.
والماويّة: الْمرْآة، أَصْلهَا مائية، فقُلبت المَدّة واواً؛ كَمَا يُقَال: شاوِيّ.
وَقَالَ: (الماوّية) بتَشْديد الْيَاء، هِيَ الْمرْآة، نُسبت إِلَى المَاء لصفائها، وَأَن الصُّور ترى فِيهَا كَمَا ترى فِي المَاء الصافي، وَالْمِيم أَصْلِيَّة فِيهَا.

(15/465)


كتاب الْحُرُوف الْجوف
يُقَال للياء وَالْوَاو وَالْألف: الأحرف الْجوف.
وَكَانَ الْخَلِيل يُسمّيها الْحُرُوف الضَّعيفة الهوائية.
سُميت جوفاً لِأَنَّهُ لَا أحياز لَهَا، فنسبت إِلَى أحيازها كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي لَهَا أَحياز، إِنَّمَا تخرج من هَوَاء الْجوف، فسمِّيت مرّة جُوفاً، وَمرَّة هوائية.
وسُميت ضَعِيفَة لانتقالها من حَال إِلَى حَال عِنْد التصرّف باعتلال.
قلت: وَأَنا أبدأ بتفسير مَا يأتلف مِنْهَا، وَيكون لَهَا أَفعَال، أَو يكون أَسمَاء وأدوات، ثمَّ أَذكر هجاءها مُنْفَرِدَة ومعروفة بمعانيها، لتقف عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.