غريب الحديث لابن قتيبة

حَدِيث ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي وَفِي وَصفه قَالَ كَانَ فخما مفخما يتلألأ وَجهه تلألؤ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عَظِيم الهامة رجل الشّعْر ان انفرقت عقيقته فرق والا فَلَا يُجَاوز شعره شحمة أُذُنه اذا هُوَ وقره أَزْهَر اللَّوْن وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب سوابغ فِي غير قرن بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب أقنى الْعرنِين لَهُ نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أَشمّ كث اللِّحْيَة سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان دَقِيق المسربة كَأَن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة معتدل الْخلق بادن متماسك سَوَاء الْبَطن والصدر عريض الصَّدْر بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ ضخم الكراديس أنور المتجرد طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين سَائل الْأَطْرَاف خمصان الأخمصين مسيح الْقَدَمَيْنِ ينبو عَنْهُمَا المَاء اذا زَالَ زَالَ قلعا يخطو تكيفا وَيَمْشي هونا

(1/487)


ذريع المشية اذا مَشى كانما ينحط من صبب اذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا خافض الطّرف نظره الى الأَرْض أطول من نظره الى السَّمَاء جلّ نظره الملاحظة يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لَقِي بِالسَّلَامِ.
وَقَالَ فِي وصف مَنْطِقه يفْتَتح الْكَلَام ويختتمه بأشداقه يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فصلا لَا فضول وَلَا تَقْصِير دمثا لَيْسَ بالجافي وَلَا المهين يعظم النِّعْمَة وان دقَّتْ وَلَا يذم مِنْهَا شَيْئا لم يكن يذم ذواقا وَلَا يمدحه واذا غضب أعرض وأشاح جلّ ضحكه التبسم ويفتر عَن مثل حب الْغَمَام.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثَنَا مَالك بن اسماعيل ثَنَا جَمِيع ابْن عمر الْعجلِيّ ثَنَا رجل من بني تَمِيم منى ولد أبي هَالة زوج خَدِيجَة عَن ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ سَأَلت خَالِي هِنْد ابْن أبي هَالة وَكَانَ وصافا عَن حلية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك قَالَ الْحسن فكتمتها الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام زَمَانا ثمَّ حَدَّثَنِيهِ فَوَجَدته قد سبقني اليه فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلته عَنهُ وَوَجَدته قد سَأَلَ أَبَاهُ عَن مدخله ومخرجه وشكله فَلم يدع مِنْهُ شَيْئا قَالَ الْحُسَيْن سَأَلت أبي عَن دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَانَ دُخُوله

(1/488)


لنَفسِهِ مَأْذُون لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَ اذا أَوَى الى منزله جزأ دُخُوله ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْءا لله عز وَجل وجزءا لأَهله وجزءا لنَفسِهِ ثمَّ جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة وَلَا يدّخر عَنْهُم شَيْئا وَذكر دُخُول النَّاس عَلَيْهِ فَقَالَ يدْخلُونَ رَوَّادًا وَلَا يتفرقون الا عَن ذواق وَيخرجُونَ أَدِلَّة وَذكر مَجْلِسه فَقَالَ مجْلِس حَيَاء وحلم وصبر وَأَمَانَة لَا ترفع فِيهِ الْأَصْوَات وَلَا تؤبن فِيهِ الْحرم وَلَا تنثى فلتاته اذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير فاذا سكت تكلمُوا وَلَا يقبل الثَّنَاء الا عَن مكافئ.
قَوْله كَانَ فخما مفخما أَي عَظِيما مُعظما يُقَال فخم بَين الفخامة وأتينا فلَانا ففخمناه أَي عظمناه ورفعنا من شَأْنه وَقَالَ رؤبة [من الرجز] ... نحمد مَوْلَانَا الْأَجَل الأفخما ...
وَقَوله أقصر من المشذب والمشذب الطَّوِيل الْبَائِن وأصل التشذيب التَّفْرِيق يُقَال شذبت المَال اذا فرقته فَكَأَن المفرط الطول فرق خلقه وَلم يجمع قَالَ الشَّاعِر يصف فرسا [من مجزوء الْكَامِل] ... بمشذب كالجذع صاك على حواجبه خضابه ...

(1/489)


صاك لزق خضابة وَكَانُوا يخضبون الْفرس بِدَم صَيْده يُرِيد انه لَيْسَ بمفرط الطول وَلكنه بَين الربعة وَبَين المشذب وَيُقَال للشَّيْء يتفرق شذب.
وَقَوله ان انفرقت عقيقته فرق وأصل الْعَقِيقَة شعر الصَّبِي قبل أَن يحلق فَإِذا حلق وَنبت ثَانِيَة فقد زَالَ عَنهُ اسْم الْعَقِيقَة وَإِنَّمَا سمي الذّبْح عَن الصَّبِي يَوْم السَّابِع من مولده عقيقة باسم الشّعْر لِأَنَّهُ يحلق فِي ذَلِك الْيَوْم وَرُبمَا سمي الشّعْر عقيقة بعد الْحلق على الِاسْتِعَارَة وَبِذَلِك جَاءَ هَذَا الحَدِيث يُرِيد أَنه كَانَ لَا يفرق شعره إِلَّا أَن يفْتَرق هُوَ وَكَانَ هَذَا فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ فرق
روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ أَمر لم يُؤمر فِيهِ بِشَيْء يَفْعَله الْمُشْركُونَ وَأهل الْكتاب أَخذ بِفعل أهل الْكتاب فسدل ناصيته مَا شَاءَ الله ثمَّ فرق بعد ذَلِك
وَقَوله أَزْهَر اللَّوْن يُرِيد أَبيض اللَّوْن مشرقه وأحسب قَوْلهم سراج يزهر مِنْهُ أَي يضيء وَمِنْه سميت

(1/490)


الزهرة لشدَّة ضوئها فَأَما الْأَبْيَض الْمشرق فَهُوَ الأمهق
وَقَوله أَزجّ الحواجب والزجج طول الحاجبين ودقتها وسبوغهما إِلَى مُؤخر الْعَينَيْنِ ثمَّ وصف الحواجب فَقَالَ سوابغ فِي غير قرن والقرن أَن يطول الحاجبان حَتَّى يلتقي طرفاهما وَهَذَا خلاف مَا وَصفته بِهِ أم معبد لِأَنَّهَا قَالَت فِي وَصفه أَزجّ أقرن وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَمَا ذكر ابْن أبي هَالة
وَقَالَ الْأَصْمَعِي كَانَت الْعَرَب تكره الْقرن وتستحب البلج والبلج أَن يَنْقَطِع الحاجبان فَيكون مَا بَينهمَا نقيا
وَقَوله أقنى الْعرنِين والعرنين المعطس وَهُوَ المرسن والقنا فِيهِ طوله ودقة أرنبته وحدب فِي وَسطه
وَقَوله يحسبه من لم يتأمله أَشمّ والشمم ارْتِفَاع القصبة وحسنها واستواء أَعْلَاهَا وإسراف الأرنبة قَلِيلا تَقول لحسن قِنَا أَنفه واعتدال ذَلِك يحْسب قبل التَّأَمُّل أَشمّ
وَقَوله ضليع الْفَم أَي عظيمه يُقَال ضليع بَين

(1/491)


الضلاعة وَمِنْه قَول الجني لعمر: اني مِنْهُم لضليع وَكَانَت الْعَرَب تحمد ذَلِك وتذم صغر الْفَم وَقَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... لحا الله أَفْوَاه الدبى من قَبيلَة ...
هجاهم بِضيق أَفْوَاههم وَشبههَا بأفواه صغَار الْجَرَاد وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّبِّيّ أنشدنا أَبُو سعيد وَفَسرهُ [من الْبَسِيط] ... أَكَانَ كري واقدامي لفي جرذ ... بَين العواسج أحنى حوله المصع ...
قَالَ هَذَا رجل لقبه بفي جرذ لضيق فَمه كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من الطَّوِيل] ... لعمري لسعد حَيْثُ حلت دياره ... أحب الينا مِنْك فافرس حمر ...
لقبه بفي فرس لنتن فَم الْفرس الْجَمْر وَلم يرد فِي هَذَا الْبَيْت صغر الْفَم.
والمصع ثَمَر العوسج وَكَانُوا يمدحون برحب

(1/492)


الشدقين وَمِنْه قَوْله فِي وصف مَنْطِقه انه كَانَ يفْتَتح الْكَلَام ويختمه بأشداقه وَذَلِكَ لرحب شدقيه يُقَال للرجل اذا كَانَ كَذَلِك أشدق بَين الشدق. وحَدثني السجسْتانِي وَعبد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ الهاشميان انهما قَالَا أَو أَنه قيل لأبي المخش أَكَانَ لَك ولد فَقَالَ أَي وَالله المخش وَمَا المخش كَانَ وَالله خر طمانيا أشدق اذا تكلم سَالَ لعابه ينظر بِمثل الفلسين كَأَن مشاشة مَنْكِبَيْه كركرة بعير وَكَأن ترقوته بوان أَو خالفة فَقَأَ الله عَيْني ان كنت رَأَيْت قبله وَلَا بعده مثله.
سَأَلت أَبَا حَاتِم عَن المخش فَقَالَ هُوَ الَّذِي ينخش فِي الْقَوْم وَيدخل مَعَهم وهم يَأْكُلُون وَعَن قَوْله ينظر بِمثل الفلسين فَقَالَ أَرَادَ خضرَة عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي غَيره أَرَادَ غؤور عَيْنَيْهِ وَأَحْسبهُ كَذَلِك لأَنهم يجعلونه من الْجمال.

(1/493)


قَالَ الْأَصْمَعِي قلت لأعرابي مَا الْجمال فَقَالَ غؤور الْعَينَيْنِ واشراف الحاجبين ورحب الشدقين.
وَأما قَوْله كَانَ خر طمانيا اذا تكلم سَالَ لعابه فان السَّامع لهَذَا يحسبه عَيْبا وذما وَلَيْسَ كَذَلِك وانما أَرَادَ بقوله كَانَ خرطمانيا طول أَنفه وَكَانُوا يمدحون بذلك.
حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن الْوَلِيد بن يسَار ان امْرَأَة عقيل بن أبي طَالب وَهِي بنت عتبَة قَالَت لَا يحبكم قلبِي يَا بني هَاشم أبدا أَيْن أخي أَيْن عمي أَيْن فلَان أَيْن فلَان كَأَن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة ترد أنوفهم قبل شفاههم فَقَالَ لَهَا عقيل اذا دخلت النَّار فَخذي عَن يسارك وَأنْشد الْأَصْمَعِي فِي مثل ذَلِك [من الطَّوِيل] ... كرام ينَال المَاء قبل شفاههم ... لَهُم واردات الْغَرَض شم الأرانب ...

(1/494)


قَالَ أَرَادَ الغر ضوف فَقطع وَأَرَادَ بقوله اذا تكلم سَالَ لعابه انه عِنْد الْكَلَام رابط الجأش ثَابت الْجنان لَا يتهيب ففوه رطب والجبان الْحصْر اذا تكلم جف رِيقه فِي فِيهِ وهم يمدحون بِكَثْرَة الرِّيق عِنْد المقامات والخطب وَفِي الْحَرْب وَيَوْم اللِّقَاء لِأَنَّهُ دَلِيل على ثبات الْقلب وَقُوَّة النَّفس.
أَنْشدني شيخ من أَصْحَاب الْمعَانِي لبَعض الشُّعَرَاء يصف قوما يَتَكَلَّمُونَ ويشيرون بِأَيْدِيهِم [من الطَّوِيل] ... تلقح أَيْديهم كَأَن زبيبهم ... زبيب الفحول الصَّيْد وَهِي تلمح ...
قَوْله تلقح أَيْديهم وَيَعْنِي انهم يشيرون بهَا اذا تكلمُوا وأصل التلقح للناقة اذا شالت بذنبها تريك أَنَّهَا لاقح وَلَيْسَ بهَا لقح.
وَالزَّبِيب الَّذِي يجْتَمع فِي الأشداق من الزّبد اذا تكلم الرجل فَأكْثر يُقَال قد زبب شدقاه وَذَلِكَ لِكَثْرَة رِيقه.
والتلمح الْأكل الْيَسِير والفحول اذا هَاجَتْ لَا تَأْكُل الا لماجا أَي قَلِيلا.

(1/495)


وَأما فِي الْحَرْب فان ابْن هُبَيْرَة سَأَلَ عَن مقتل عبد الله ابْن حَازِم فَقَالَ رجل مِمَّن حضر مَجْلِسه سَأَلت وَكِيع بن الدورقية كَيفَ قتلته فَقَالَ غلبته بِفضل فتاء كَانَ لي عَلَيْهِ فصرعته وَجَلَست على صَدره وَقلت يَا لثأرات دويلة يَعْنِي أَخَاهُ من أمه فَقَالَ من تحتي قَتلك الله تقتل كَبْش مُضر بأخيك وَهُوَ لَا يُسَاوِي كف نوى ثمَّ تنخم فَمَلَأ وَجْهي فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة هَذِه وَالله البسالة اسْتدلَّ عَلَيْهَا بِكَثْرَة الرِّيق فِي ذَلِك الْوَقْت.
والبوان عَمُود من عمد الخباء يكون فِي مقدمه وَجمعه بون مثل خوان وخون وَيُقَال خوان وَهُوَ أَجود والخالفة عَمُود يكون فِي مؤخره وَجَمعهَا خوالف.
ومشاشة الْمنْكب الْجيد الْمشرق مِنْهَا أَرَادَ بِهِ عَظِيم الْخلق غليظ الْعِظَام فَأَما مَا جَاءَ عَنهُ فِي المتشادقين فانه أَرَادَ بِهِ الَّذين يتشادقون اذا تكلمُوا فيميلون بأشداقهم يَمِينا وَشمَالًا ويتنطعون فِي القَوْل كَمَا قَول الْقَائِل فِي عَمْرو بن سعيد [من الطَّوِيل]

(1/496)


.. تشادق حَتَّى مَال بالشدق قَوْله ... وكل خطيب لَا أبالك أشدق ...
أَي بالْقَوْل شدقه. وَقَوله أشنب من الشنب فِي الْأَسْنَان وَهُوَ تحدد فِي أطرافها وَيُقَال الشنب برد وعذوبة.
روى الرياشي عَن ابْن عَائِشَة أَنه قَالَ سُئِلَ رُؤْيَة عَن الشنب فِي قَول ذِي الرمة [من الْبَسِيط] ... لمياء فِي شفتيها حوة لعس ... وَفِي اللثاث وَفِي أنيابها شنب ...
فَأخذ حَبَّة رمان فَقَالَ هَذَا هُوَ الشنب لم يزدهم.
وَقَوله دَقِيق المسربة والمسربة الشّعْر المستدق مَا بَين اللبة الى السُّرَّة قَالَ الشَّاعِر [من المنسرح] ... ألآن لما ابيض مسر بتي ... وعضضت من نابي على جذم ...
والجذم الأَصْل وَكَذَلِكَ جذم الْحَائِط أَصله وَمِنْه

(1/497)


الحَدِيث فِي الْأَذَان ان عبد الله بن زيد رأى فِي الْمَنَام كَأَن رجلا نزل من السَّمَاء عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران فعلا جذم حَائِط فَأذن.
يَقُول لما أسننت وعضضت من الأنياب على الْأُصُول يُرِيد أَنَّهَا قد ذهبت الا أُصُولهَا.
وَقَوله كَأَن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة والجيد الْعُنُق والدمية الصُّورَة وَجَمعهَا دمى وَشبههَا فِي بياضها بِالْفِضَّةِ وَمثل ذَلِك قَول الْمَرْأَة كَأَن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة وَكَذَلِكَ تصف الشُّعَرَاء النِّسَاء فَتَقول ... السوالف وَلَيْسَ يُرَاد بِهَذَا الْعُنُق خَاصَّة دون سَائِر الْجَسَد وَلَكِن السالفة اذا ابْيَضَّتْ ابيض سَائِر الْجَسَد وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم سليم حِين بعث بهَا تنظر الى امْرَأَة: انظري الى عقبيها.
قَالَ الْأَصْمَعِي لِأَن الْعقب اذا اسودت اسود سَائِر جَسدهَا.
وَقَوله بادن متماسك البادن الضخم يُقَال بدن الرجل يبدن بدنا وبدانة وَهُوَ بادن اذا ضخم وبدن الرجل بِالتَّشْدِيدِ اذا أسن قَالَ حميد الأرقط [من الرجز]

(1/498)


.. وَكنت خلت الشيب والتبدينا ... والهم مِمَّا يذهل القرينا ...
وَيُقَال مِنْهُ هَذَا رجل بدن اذا كَانَ مسنا قَالَ الْأسود ابْن يعفر [من السَّرِيع] ... هَل لشباب فَاتَ من مطلب ... أم مَا بكاء الْبدن الأشيب ...
وَقَوله متماسك يُرِيد انه مَعَ بدانته متماسك اللَّحْم لَيْسَ بمسترخيه وَلَا منفضجه.
وَقَوله سَوَاء الْبَطن والصدر يُرِيد ان بَطْنه غير مستفيض فَهُوَ مسَاوٍ لصدره وان صَدره عريض مسَاوٍ لبطنه.
وَقَوله ضخم الكراديس يُرِيد الْأَعْضَاء وَفِي صفة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: انه كَانَ جليل المشاش أَي عَظِيم رُؤْس الْعِظَام مثل الرُّكْبَتَيْنِ والمنكبين هِيَ مثل الكراديس وَفِيمَا روى النَّاس من الْأَخْبَار الْقَدِيمَة ان لُقْمَان بن عَاد ولقيما ابْنه أغارا فأصابا ابلا ثمَّ انصرفا نَحْو أهلهما فنحرا نَاقَة فِي منزل نزلاه فَقَالَ لُقْمَان

(1/499)


أتعشي أم أعشي لَك قا لقيم أَي ذَلِك شِئْت قَالَ لُقْمَان اذْهَبْ فَادع إبلك حَتَّى ترى النَّجْم قُم رَأس وَحَتَّى ترى الجوزاء كَأَنَّهَا قطا نوافر وَحَتَّى ترى الشعرى كَأَنَّهَا نَار فَإِن لَا تكن عشيت فقد آنيت فَقَالَ لَهُ لقيم واطبخ أَنْت لحم جزورك حَتَّى ترى الكراديس كَأَنَّهَا رُؤْس شُيُوخ صلع وَحَتَّى ترى الضلوع كَأَنَّهَا نسَاء حواسر والوذر كَأَنَّهَا قطا نوافر وَحَتَّى ترى اللَّحْم يَدْعُو عطيفا أَو غطيا أَو غطفان فَإِن لم تكن أَصبَحت فقد آنيت
وَقَوله أنور المتجرد والمتجرد مَا جرد عَنهُ الثَّوْب من بدنه وَهُوَ الْمُجَرّد أَيْضا وأنور من النُّور يُرِيد شدَّة بياضه وَأكْثر مَا يسْتَعْمل هَذَا فِي نير ومنير فجَاء بِهِ على أفعل كَأَنَّهُ قَالَ أَبيض المتجرد
وَقَوله طَوِيل الزندين والزند من الذِّرَاع مَا انحسر عَنهُ اللَّحْم وللزند رأسان الْكُوع والكرسوع فالكرسوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر وَهُوَ الوحشي والكوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام وَهُوَ الْإِنْسِي

(1/500)


وحَدثني أبي أَخْبرنِي عبد الرحمن بن عبد الله عَن الْأَصْمَعِي قَالَ أَخْبرنِي أبي أَنه لم ير أحدا أعرض زندا من الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ كَانَ عرضه شبْرًا
وَقَوله رحب الرَّاحَة يُرِيد أَنه وَاسع الرَّاحَة وَكَانَت الْعَرَب تحمد ذَلِك وتمدح بِهِ وتذم صغر الْكَفّ وضيق الرَّاحَة قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... مناتين أبرام كَأَن أكفهم ... أكف ضباب انشقت فِي الحبائل ...
شبه أكفهم فِي صغرها بأكف الضباب وَيُقَال فِي الْمثل أقصر من إِبْهَام الضَّب وأقصر من إِبْهَام الْحُبَارَى وأقصر من إِبْهَام القطاة وَقَالَ الأخطل وَذكر قتل الْمُخْتَار بن أبي عبيد [من الطَّوِيل] ... وناطوا من الْكذَّاب كفا صَغِيرَة ... وَلَيْسَ عَلَيْهِم قَتله بكبير ...
ناطوا عَلقُوا كفا صَغِيرَة قَالَ ابْن الْأَعرَابِي رَمَاه بالبخل وَكَانُوا يَقُولُونَ إِن ضيق الْكَفّ يدل على الْبُخْل
وَقَوله شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين يُرِيد أَنَّهُمَا إِلَى الغلظ وَالْقصر وَفِيه لُغَة أُخْرَى شثل

(1/501)


وَقَوله سَائل الْأَطْرَاف يُرِيد الْأَصَابِع أَنَّهَا طوال لَيست بمنعقدة وَلَا متغضنة
وَقَوله خمصان الأخمضين والأخمص فِي الْقدَم من تحتهَا وَهُوَ مَا ارْتَفع عَن الأَرْض فِي وَسطهَا وَأَرَادَ بقوله خمصان الأخمصين أَن ذَاك مِنْهُمَا مُرْتَفع وَأَنه لَيْسَ بأرج والأرج هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِن قدمه حَتَّى يمس جَمِيعه الأَرْض وَيُقَال للْمَرْأَة الضامر الْبَطن خمصانة
وَقَوله مسيح الْقَدَمَيْنِ يُرِيد أَنه مَمْسُوح ظَاهر الْقَدَمَيْنِ فالماء إِذا صب عَلَيْهِمَا مر عَلَيْهِمَا سَرِيعا لِاسْتِوَائِهِمَا وإملاسهما
وَقَوله إِذا زَالَ زَالَ قلعا هُوَ بِمَنْزِلَة قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي وَصفه إِذا مَشى تقلع
وَقَوله يخطو تكفيا وَيَمْشي هونا يُرِيد أَنه يميد إِذا خطا وَيَمْشي فِي رفق غير مخال لَا يضْرب عطفا
والهون بِفَتْح الْهَاء الرِّفْق قَالَ الله جلّ وَعز {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} فَإِذا ضممت الْهَاء فَهُوَ الهوان قَالَ الله تَعَالَى {عَذَاب الْهون}

(1/502)


وَقَوله ذريع المشية يُرِيد أَنه مَعَ هَذَا الرِّفْق سريع المشية يُقَال فرس ذريع بَين الذراعة إِذا كَانَ سَرِيعا وَامْرَأَة ذِرَاع إِذا كَانَت سريعة الْغَزل
وَقَوله إِذا مَشى فَكَأَنَّمَا ينحط من صبب والصبب الانحدار وَجمعه أصباب فقد وَصفه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بذلك وَفَسرهُ أَبُو عبيد
وَقَوله يَسُوق أَصْحَابه يُرِيد أَنه إِذا مَشى مَعَ أَصْحَابه يقدمهم بَين يَدَيْهِ وَمَشى وَرَاءَهُمْ
وَفِي حَدِيث آخر كَانَ ينس أَصْحَابه والنس السُّوق وَكَانَت مَكَّة تسمى الناسة لِأَن الْبَاغِي فِيهَا والمحدث يخرج مِنْهَا
وَقَوله كَانَ دمثا الدمث من الرِّجَال السهل اللين وَهُوَ من الدمث مَأْخُوذ وَهُوَ الأَرْض اللينة
وَقَوله لَيْسَ بالجافي وَلَا المهين فَإِن كَانَت الرِّوَايَة كَذَلِك فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِالْفَظِّ الغليظ وَلَا الجافي وَلَا الحقير الضَّعِيف
وَقَوله يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ يَقُول إِنَّه لَا يستصغر شَيْئا أوتيه وَإِن كَانَ صَغِيرا وَلَا يحتقره

(1/503)


وَقَوله وَلَا يذم ذواقا وَلَا يمدحه يُرِيد أَنه كَانَ لَا يصف الطَّعَام بِطيب وَلَا بِفساد إِن كَانَ فِيهِ وَيُقَال مَا ذقت ذواقا
وَقَوله إِذا غضب أعرض وأشاح والإشاحة تكون بمعنيين أَحدهمَا الْجد فِي الْأَمر يُقَال أشاح إِذا جد
وَالْآخر الْإِعْرَاض بِالْوَجْهِ يُقَال أشاح إِذا عدل بِوَجْهِهِ وَهَذَا معنى هَذَا الْحَرْف فِي هَذَا الْموضع وَمِنْه حَدِيثه الآخر أَنه قَالَ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة ثمَّ أعرض وأشاح أَي عدل بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ فعل الحذر من الشَّيْء أَو الكاره لِلْأَمْرِ
وَقَوله يفتر أَي يتبسم وَمِنْه يُقَال فَرَرْت الدَّابَّة إِذا نظرت إِلَى سنّهَا وَحب الْغَمَام الْبرد شبه ثغره بِهِ والغمام السَّحَاب
وَقَوله سَأَلَهُ أَبَاهُ عَن شكله فَإِنَّهُ أَرَادَ سَأَلَهُ عَن نَحوه وَمن ذَلِك قَول أبي ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... فَمَا أَدْرِي أشكلهم شكلي ...

(1/504)


وَمِنْه يَقُول النَّاس هَذَا شكل هَذَا وَهَذَا لَا يشاكل هَذَا وَقَوله فِي دُخُوله جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة يُرِيد أَن الْعَامَّة كَانَت لَا تصل إِلَيْهِ فِي منزله فِي ذَلِك الْوَقْت وَلكنه كَانَ يُوصل إِلَيْهَا حظها من ذَلِك الْجُزْء بالخاصة الَّتِي تصل إِلَيْهِ فتوصله إِلَى الْعَامَّة
وَقَوله يدْخلُونَ رَوَّادًا وَهُوَ جمع رائد والرائد الَّذِي يبْعَث بِهِ الْقَوْم يطْلب لَهُم الْكلأ ومساقط الْغَيْث وَلم يرد الْكلأ فِي هَذَا الْموضع وَلكنه ضربه مثلا لما يَلْتَمِسُونَ عِنْده من النَّفْع فِي دينهم ودنياهم وَالْعلم
وَقَوله وَلَا يتفرقون إِلَّا عَن ذواق والذواق أَصله الطّعْم وَلم يرد الطّعْم هَاهُنَا وَلكنه ضربه مثلا لما ينالون عِنْده من الْخَيْر
وَقَوله وَيخرجُونَ أَدِلَّة يُرِيد أَنهم يخرجُون من عِنْده بِمَا قد علموه مدلون عَلَيْهِ النَّاس وينبؤنهم بِهِ وَهُوَ جمع دَلِيل وَهُوَ مثل شحيح وأشحة وسرير وأسرة وجليل وأجلة وَقَوله فِي ذكر مَجْلِسه لَا تؤبن فِيهِ الْحرم أَي لَا تقرف فِيهِ يُقَال أبنته بِكَذَا من السِّرّ إِذا رميته بِهِ وَمِنْه قَوْله فِي حَدِيث الْإِفْك أَشِيرُوا عَليّ فِي أنَاس أبنوا أَهلِي وأبنوهم بِمن وَالله

(1/505)


مَا علمت عَلَيْهِ من سوء قطّ
وَمِنْه قَول أبي الدَّرْدَاء إِن نؤبن بِمَا لَيْسَ فِينَا فَرُبمَا زكينا بِمَا لَيْسَ عندنَا فَلَعَلَّ هَذَا أَن يكون بِهَذَا وَمِنْه قيل رجل مأبون أَي مقروف بخلة من السوء وَيُقَال أبنته آبنه جَمِيعًا
وَقَوله لَا تنثى فلتاته أَي لَا يتحدث بهفوة أَو زلَّة إِن كَانَت فِي مَجْلِسه من بعض الْقَوْم يُقَال نثوت الحَدِيث فَأَنا أنثوه إِذا أذعته والفلتات جمع فلتة وَهِي هَاهُنَا الزلة والسقطة وكل شَيْء فعل أَو قيل على غير روية وَتثبت فقد افتلت
وَقَوله إِذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير يُرِيد أَنهم يسكتون فَلَا يتحركون ويغضون أَبْصَارهم وَالطير لَا تسْقط إِلَّا على سَاكن وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ حَلِيمًا وقورا أَنه لساكن الطَّائِر كَأَنَّهُ لما سكن سكن طَائِره وَلَيْسَ أَن طائرا عَلَيْهِ وأحسب قَول الْهُذلِيّ من هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه [من الوافر] ... إِذا حلت بَنو لَيْث عكاظا ... رَأَيْت على رُؤْسهمْ الغرابا ...
يُرِيد أَنهم يذلون ويسكتون فَكَأَن على رؤوسهم غرابا لسكونهم

(1/506)


وَخص الْغُرَاب لِأَنَّهُ أحذر الطُّيُور وأبصرها يُقَال أحذر من غراب وَأبْصر من غراب وَمِنْه يُقَال طارت عصافير رَأسه إِذا ذعر أَي كَأَنَّمَا كَانَت على رَأسه عصافير عِنْد سكونه فَلَمَّا ذعر طارت قَالَ الْعَبْدي [من السَّرِيع] ... فنخب الْقلب ومارت بِهِ ... مور عصافير حَشا الْموعد ...
وَيُقَال أصل هَذَا الْمثل أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول للريح أقلينا وللطير أضلينا فتقله وَأَصْحَابه الرّيح وتظلهم الطير فَكَأَن أَصْحَابه يَغُضُّونَ أَبْصَارهم هَيْبَة وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا إِن سَأَلَهُمْ فيجيبوه فَقيل للْقَوْم إِذا سكنوا كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير
وَقَوله لَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا عَن مكافئ يُرِيد أَنه كَانَ إِذا ابتدئ بمدح كره ذَلِك وَإِذا اصْطنع مَعْرُوفا فَأثْنى عَلَيْهِ بِهِ مثن وشكره لَهُ قبل ثناءه

(1/507)


حَدِيث أبي عَمْرو النَّخعِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَبَا عَمْرو النَّخعِيّ قدم عَلَيْهِ فِي وَفد من النخع فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي طريقي هَذَا رُؤْيا رَأَيْت أَتَانَا تركتهَا فِي الْحَيّ ولدت جديا أسفع أحوى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لَك من أمة تركتهَا مَسَرَّة حملا قَالَ نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت قَالَ فقد ولدت غُلَاما وَهُوَ ابْنك قَالَ فَمَا لَهُ أسفع أحوى قَالَ أدن مني فَدَنَا مِنْهُ قَالَ هَل بك برص تكتمه قَالَ نعم وَلَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا رَآهُ مَخْلُوق

(1/508)


وَلَا علم بِهِ قَالَ فَهُوَ ذَلِك قَالَ وَرَأَيْت النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَلَيْهِ قرطان ودملجان ومسكتان قَالَ ذَلِك ملك الْعَرَب عَاد إِلَى أفضل زيه وبهجته قَالَ وَرَأَيْت عجوزا شَمْطَاء تخرج من الأَرْض قَالَ تِلْكَ بَقِيَّة الدُّنْيَا قَالَ وَرَأَيْت نَارا خرجت من الأَرْض فحالت بيني وَبَين ابْن لي يُقَال لَهُ عَمْرو ورأيتها تَقول لظى لظى بَصِير وأعمى أَطْعمُونِي أكلكم كلكُمْ أهلكم ومالكم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ فتْنَة تكون فِي آخر الزَّمَان قَالَ وَمَا الْفِتْنَة يَا رَسُول الله قَالَ يقتل النَّاس إمَامهمْ ثمَّ يشتجرون اشتجار أطباق الرَّأْس وَخَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصَابِعه يحْسب الْمُسِيء أَنه محسن وَدم الْمُؤمن عِنْد الْمُؤمن أحل من شرب المَاء
حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ أبي عَن شيخ لَهُ كَانَ يرويهِ عَن ابْن دأب اللَّيْثِيّ
الأسفع الَّذِي أصَاب خَدّه لون خَالف سَائِر لَونه من سَواد أَو حمرَة أَو غير ذَلِك وَلذَلِك قيل للثور الوحشي أسفع وللبقر الوحشية سفع لِأَن فِي خدودها سوادا يُخَالف سَائِر لَوْنهَا قَالَ الْعَبْدي وَذكر نَاقَة [من السَّرِيع]

(1/509)


.. كَأَنَّهَا أسفع ذُو جدة ... يمسده القفر وليل سدي
كَأَنَّمَا ينظر من برقع ... من تَحت روق سلب مذود ...
يمسده يطويه ليل سد أَي ند وَلَا يزَال البقل فِي تَمام مَا سقط الندى عَلَيْهِ أَرَادَ أَنه يَأْكُل البقل فيجنبه عَن المَاء فيطويه ذَلِك وَشبه السفعة فِي وَجهه ببرقع وشبيه بِهَذَا قَول الآخر [من المتقارب] ... وبرقع خديه ديباجتان ...
وَمِنْه حَدِيث رَوَاهُ مُسَدّد هُوَ ابْن مسرهد عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن النهاس عَن شَدَّاد أبي عمار عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنا وَامْرَأَة سفعاء الْخَدين يَوْم الْقِيَامَة كهاتين يُرِيد السبابَة وَالْوُسْطَى

(1/510)


امْرَأَة آمت من زَوجهَا ذَات منصب وجمال حبست نَفسهَا على يتاماها
أَرَادَ الْمَرْأَة الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فقصرت نَفسهَا على وَلَدهَا وَتركت التصنع فشحب لَوْنهَا وَتغَير بِالْعُمُومِ وابتذال النَّفس فِي خدمَة الْوَلَد
وحَدثني أبي حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو الغنوي ثَنَا قَحْطَبَةَ بن غُدَانَة الجشعي حَدَّثَنِيهِ مرّة بنت منْجَاب الجشمية عَن السفعاء بنت سعد أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة عَن سفع بوجهها فَقَالَت إِن كَانَ حَدثا فاقشريه وَإِن لم يكن حَدثا فَلَا تقشريه
والأحوى الْأسود لَيْسَ بالشديد السوَاد فَأَرَادَ أَن الجدي كَانَ أسود لطيما فِي الْخَدين بَيَاض والمسرة للْحَمْل هِيَ المجنة لَهُ وكل شَيْء أخفيته فقد أسررته وَمِنْه سر الحَدِيث يُقَال أجنت الْحَامِل وأسرت وأضمرت
والمسكتان السواران وَمِنْه الحَدِيث فِي مرأة أَتَت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وحليها مسكتان من ذهب وشبيه بِهِ الحَدِيث الآخر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى على أَسمَاء بنت يزِيد سِوَارَيْنِ من ذهب وخواتم من ذهب فَقَالَ أتعجز إحداكن أَن تتَّخذ

(1/511)


حلقتين أَو تومتين من فضَّة ثمَّ تلطخهما بعبير أَو ورس أَو زعفران
والتومة مثل الدرة من فضَّة وَجَمعهَا توم وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر نبتا [من الْبَسِيط] ... وحنف كَأَن الندى وَالشَّمْس ماتعة ... إِذا توقد فِي أفنانه التوم ...
يُرِيد كَأَن الندى إِذا تتوقد الشَّمْس التوم فِي نواحيه
وَقَالَ عدي بن زيد [من الْبَسِيط] ... شكل العهن فِي التوم ...
وَقَالَ بَعضهم التوم القرط وَمَا علق فِي شحمة الْأذن
والشنف مَا علق فِي أَعلَى الْأذن
وَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَوْثَر فَقَالَ حَاله الْمسك ورضراضه التوم وَالْحَال الحمأة والرمل والتوم هَاهُنَا الدّرّ فَأَما التؤامية فَهِيَ

(1/512)


الدرة بِعَينهَا منسوبة إِلَى تؤام وَهِي قَصَبَة عمان
والعبير أخلاط من الطّيب يجمع بالزعفران قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يزْعم أَن العبير الزَّعْفَرَان بِعَيْنِه وَقَالَ فِي قَول الْأَعْشَى من المتقارب ... وتبرد برد رِدَاء الْعَرُوس بالصيف رقرقت فِيهِ العبيرا ...
أَرَادَ الزَّعْفَرَان وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على أَن القَوْل مَا قَالَ الْأَصْمَعِي
وَقَوله يشتجرون اشتجار أطباق الرَّأْس يُرِيد أَنهم يشتبكون فِي الْحَرْب اشتباك أطباق الرَّأْس وَهِي عِظَامه الَّتِي يدْخل بَعْضهَا فِي بعض كَمَا يدْخل بعض الْأَصَابِع فِي بعض وَمِنْه يُقَال شجر بَيْننَا كَلَام لِأَن المتجادلين يدْخل بعض كَلَامهم فِي بعض

(1/513)


حَدِيث لُقْمَان بن عَاد
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لُقْمَان بن عَاد خطب امْرَأَة قد خطبهَا أخوته قبله فَقَالُوا بئس مَا صنعت خطبت امْرَأَة قد خطبناها قبلك وَكَانُوا سَبْعَة هُوَ ثامنهم فَصَالحهُمْ على أَن ينعَت لَهَا نَفسه وَإِخْوَته بِصدق وتختار هِيَ أَيهمْ شَاءَت فَقَالَ خذي مني أخي ذَا البجل إِذا رعى الْقَوْم غفل وَإِذا سعى الْقَوْم نسل وَإِذا كَانَ الشَّأْن اتكل قريب من نضيج بعيد من نيىء فلحيا لصاحبنا لحيا ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا البجلة يحمل ثقلي وَثقله ويخصف نَعْلي وَنَعله وَإِذا حل يَوْمه قدمت قبله ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا العفاق صفاق أَفَاق يعْمل النَّاقة والساق ثمَّ قَالَ خذي مني أخي إِذا النمر حييّ خفر شُجَاع

(1/514)


ظفر أعجبني وَهُوَ خير من ذَلِك إِذا سكر ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا الْأسد جَوَاب ليل سرمد وبحرا إِذا زبد ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا الحممة يهب البكرة السنمة والمئة الْبَقَرَة العممة والمئة الضائنة الزنمة أَو الزلمة وَإِذا أَتَت لَيْلَة على عَاد مظْلمَة رتب رتوب الكعب وولآهم شزنة فَقَالَ أكفوني الميمنة سأكفيكم المشأمة وَلَيْسَت فِيهِ لعثمة إِلَّا أَنه ابْن أمة
قَالَت أم حَبِيبَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث حَدِيثهمْ أخذت هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ رويدك فَإِنِّي لم أفرغ من حَدِيثهمْ ثمَّ قَالَ خذي مني حَزينًا أولنا إِذا غدونا وآخرنا إِذا استنجينا وعصمة أَبْنَائِنَا إِذا شتونا وفاصل خطة أعيت علينا وَلَا يعد فَضله لدينا أَو علينا قَالَت أم حَبِيبَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث حَدِيثهمْ أخذت هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ رويدك فَإِنِّي لم أفرغ من حَدِيثهمْ بعد ثمَّ قَالَ أَنا لُقْمَان بن عَاد لعادية لعاد إِذا انضجعت لَا أجلنظئ وَلَا تملأ رئتي

(1/515)


جَنْبي إِن أر مطعي فحدأ تلمع وَإِلَّا أر مطمعي فوقاع بصلع
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو بن الْبَراء الغنوي ثناه مُوسَى بن إِسْمَاعِيل ثَنَا سعيد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن ابيه قَالَ عُرْوَة فَبَلغنَا أَنَّهَا تزوجت حَزينًا
حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ قَالَ الْأَصْمَعِي عَن قَوْله خذي مني أخي ذَا البجل فَقَالَ يُقَال رجل بجال وبجيل إِذا كَانَ ضخما قَالَ وأنشدني [من الرجز] ... شَيخا بجالا وَغُلَامًا حزورا ...
وَمثله عقام وعقيم وشحاح وشحيح وَأَنا أَحسب قَوْلهم بجلت فلَانا إِذا عَظمته من ذَلِك
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْقُبُور فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أصبْتُم خيرا بجيلا وسبقتم شرا طَويلا
وَقَوله إِذا رعى الْقَوْم غفل لم يرد رعيه الْغنم وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا يحافظ الْقَوْم لشَيْء يخافونه غفل وَلم يرعهم وَمِنْه يُقَال رعاك الله وَمِنْه قيل راعي الْغنم لِأَنَّهُ يحفظها وَقَوله إِذا سعى الْقَوْم نسل يُرِيد إِذا عدا الْقَوْم لغارة أَو لمخافة نسل هُوَ قَالَ أَبُو زيد يُقَال أبز الرجل يأبز أبزا وأفر يأفر أفرا

(1/516)


والتبط التباطا وسعى سعيا كل ذَلِك إِذا عدا وَمن الالتباط قَول الْحجَّاج السّلمِيّ حِين دخل مَكَّة للْمُشْرِكين عِنْدِي من الْخَبَر مَا يسركم قَالَ فالتبطوا بجنبي نَاقَته يَقُولُونَ إيه يَا حجاج
قَوْله نسل من النسلان وَهُوَ مقاربة الخطو مَعَ الْإِسْرَاع نَحْو الهدج قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وخبرني أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ هُوَ مشي الذِّئْب إِذا بَادر إِلَى شَيْء وَمثله العسلان قَالَ الشَّاعِر من الرمل ... عسلان الذِّئْب أَمْسَى قاربا ... برد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل ...
يُرِيد قاربا من المَاء وَمن النسلان قَول الله تَعَالَى {وهم من كل حدب يَنْسلونَ}
وحَدثني أبي حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن ابْن عَيْنِيَّة عَن رجل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِأَصْحَابِهِ وهم يَمْشُونَ فشكوا الإعياء فَأَمرهمْ أَن ينسلوا

(1/517)


وَقَوله إِذا كَانَ الشَّأْن اتكل يُرِيد انه مواكل لَا ينْهض بِالْأَمر إِذا وَقع وَلكنه يتكل فِيهِ على غَيره وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَتَاهُ الْفضل بن الْعَبَّاس وَابْن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد المطلب يسألانه عَن أبويهما السّعَايَة فتواكلا الْكَلَام فَقَالَ أخرجَا مَا تصرران قَالَ فكلمناه فَسكت ورأينا زَيْنَب من وَرَاء الْحجاب تلمع أَلا تعجل
قَوْله فتواكلا الْكَلَام أَي اتكل كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر فِيهِ
وَقَوله أخرجَا مَا تصرران أَي مَا تجمعان من الْكَلَام فِي صدوركما وكل شَيْء جمعته فقد صررته وَمِنْه قيل للأسير مصرور لِأَن يَدَيْهِ جمعتا بالغل إِلَى عُنُقه وَرجلَيْهِ جمعتا بالقيد قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ بعث عبد الله بن عَامر إِلَى ابْن عمر وَهُوَ بِفَارِس بأسير موثق ليَقْتُلهُ فَقَالَ أما وَهُوَ مصرور فَلَا
وَقَوله تلمع أَي تُشِير بِيَدِهَا وَيُقَال للمواكل من الرِّجَال رجل تكلة
حَدثنِي أبي حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي أَبُو الْجراح قَالَ استشارت امْرَأَة امْرَأَة فِي رجل تزَوجه فَقَالَت لَا تفعلي فَإِنَّهُ وكلة تكلة يَأْكُل خلله قَالَ وَلَيْسَ

(1/518)


بَين وكلة وتكلة فرق فِي الْمَعْنى وَإِنَّمَا قلبت الْوَاو فِي تكلة تَاء كَمَا قَالُوا تخمة وَهِي من الوخامة وَقَالُوا تراث وَهُوَ من ورث وَكَذَلِكَ التكلان أَيْضا قَالَ وَأما قَوْلهَا يَأْكُل خلله فَإِنَّهَا أَرَادَت أَنه يَأْكُل مَا يخرج من أَسْنَانه إِذا تخَلّل وَهُوَ الخلالة أَيْضا وَلم أسمع فِي اللؤم والحرص والشوه شرا من هَذَا القَوْل
وَمن قَوْلهم فلَان يثير الْكلاب عَن مرابضها يُرِيدُونَ أَنه لشرهه يثيرها عَن موَاضعهَا يطْلب تحتهَا شَيْئا قد فضل من طعمها يَأْكُلهُ
وَقَوله قريب من نضيج بعيد من نيء حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن ذَلِك فَقَالَ أَرَادَ أَنه يَأْكُل النضيج وَلَا يَأْكُل النيء لم يزدْ على ذَلِك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه يَأْكُل مَا طبخ وَمَا اتخذ لإلفه الْمنزل وَطول مكثه فِي الْحَيّ وَلَا يَأْكُل النيء كَمَا يَأْكُلهُ من غزا واصطاد وَمن أعجله الزماع عَن إنضاج مَا اتخذ وهم يمدحون بذلك قَالَ الشماخ [من الطَّوِيل] ... وَأَشْعَث قد قد السفار قَمِيصه ... وجر الشواء بالعصا غير منضج ...
يُرِيد أَنه لَا ينضجه لعجلته
وَقَالَ الْكُمَيْت [من الطَّوِيل]

(1/519)


.. ومرضوفة لم تون فِي الطَّبْخ طاهيا ... عجلت إِلَى محورها حِين غرغرا
مرضوفة قدر أنضجت بالرضف وَهِي حِجَارَة تحمى وتطرح فِيهَا والطاهي الطباخ يُقَال طهوت اللَّحْم وطهيته لم تون لم تحبس من الونا
والمحور مَا ابيض مِنْهَا قبل النضج حِين غرغرا حِين غلا أول غلية يُرِيد أَنه على عجلة
وَقَوله فلحيا لصاحبنا لحيا هُوَ من لحوت الرجل ولحيته إِذا عذلته ولمته وَفِيه اللغتان جَمِيعًا الْوَاو وَالْيَاء وَكَذَلِكَ لحوت الشَّجَرَة ولحيتها إِذا أخذت لحاءها وَهُوَ القشر وَإِنَّمَا نصب على مَذْهَب الدُّعَاء كَمَا يُقَال بعدا لَهُ أَي أبعده الله وَكَذَلِكَ لحيا أَي لحاه الله
وَقَوله فِي الآخر يحمل ثقلي وَثقله ويخصف نَعْلي وَنَعله يُرِيد أَنه يضينه على أمره وَيحمل عَلَيْهِ
وَقَوله خذي مني أخي ذَا العفاق حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ سَأَلت الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ هُوَ من عفق يعفق إِذا ذهب ذَهَابًا سَرِيعا هَكَذَا قَالَ والعفق هُوَ الْعَطف أَيْضا

(1/520)


وَعَن قَوْله صفاق فَقَالَ هُوَ الَّذِي يصفق على الْأَمر الْعَظِيم وَعَن الأفاق فَقَالَ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف وَيَأْتِي الْآفَاق
وَقَول يعْمل النَّاقة والساق أَي يركب تَارَة وَيَمْشي تَارَة يُرِيد أَنه كَامِل للأمرين وَقَوله جَوَاب ليل يَقُول يَدُور اللَّيْل كُله لَا ينَام يُرِيد أَنه جري على اللَّيْل وأصل جبت خرقت وَمِنْه سمي الرجل جَوَابا وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {جابوا الصخر بالواد}
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة سمي رجل من بني كلاب جَوَابا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحْفر بِئْرا وَلَا صَخْرَة إِلَّا أماهها
حَدثنِي أبي قَالَ خبرني بذلك أَبُو حَاتِم عَنهُ قَالَ فالسرمد الدَّائِم وكل شَيْء لَا يَنْقَطِع من غم أَو بلَاء فَهُوَ سرمد وَإِنَّمَا جعل اللَّيْل سرمدا لطوله شبه بالشَّيْء لَا يَنْقَضِي كَمَا قَالَ النَّابِغَة وَذكر لَيْلًا [من الطَّوِيل] ... تطاول حَتَّى قلت لَيْسَ بمنقض ... وَلَيْسَ الَّذِي يهدي النُّجُوم بآيب ...

(1/521)


وَالَّذِي يهدي النُّجُوم هُوَ الَّذِي يتقدمها بآيب أَي بساقط
يَقُول لَا أرى الْمُتَقَدّم للنجم يغيب وَيُقَال آبت الشَّمْس إِذا غَابَتْ وَقَالَت أم تأبط شرا تبْكي ابْنهَا وَا ابناه وَا ابْن اللَّيْل لَيْسَ بزميل شروب للقيل يضْرب بالذيل كمقرب الْخَيل وَا ابناه لَيْسَ بعلفوف تلفه هوف حشي من صوف
والزميل الضَّعِيف والقيل شربه نصف النَّهَار تَقول لَيْسَ هُوَ بمهياف يحْتَاج إِلَيْهَا يضْرب بالذيل تَقول إِذا عدا صفق برجليه من شدَّة عدوه كَمَا يفعل المقرب من الْخَيل وَهِي الَّتِي حَان أَن تضع فَهِيَ تصرع من دنا مِنْهَا والهوف الرّيح الحارة يُقَال هوف وهيف
وَقَوْلها حشي من صوف تَقول لَيْسَ هُوَ بخوار أجوف والعلفوف الجافي المسن تَقول لَيْسَ هُوَ بالجافي المسن فتصمه الرِّيَاح فَلَا يَغْزُو وَلَا يركب
وَقَوله حييّ خفر قَالَ أَبُو زيد خفرت الْمَرْأَة تخفر خفرا إِذا استحيت والخفر الْحيَاء نَفسه وَكَانَ يُقَال خير النِّسَاء المبتذلة لزَوجهَا الخفرة فِي قَومهَا وَقَالَ الفرزدق

(1/522)


[من الْكَامِل] ... يأنسن عِنْد بعولهن إِذا خلوا ... وَإِذا هم خَرجُوا فهن خفار ...
وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو ثَنَا يزِيد بن هرون عَن وهب بن وهب عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ خير نِسَائِكُم العفيفة فِي فرجهَا العلمة لزَوجهَا
وَقَوله ذَا الحممة والحممة الفحمة وَجَمعهَا حمم وَمِنْه الحَدِيث إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِيَهُودِيٍّ محمم مجلود فَدَعَا الْيَهُود فَقَالَ هَكَذَا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ محمم أَي مسود الْوَجْه وَهُوَ مفعل من الحمم وَيُقَال فلَان أسود كَأَنَّهُ الحمم قَالَ الْأَصْمَعِي وَمِنْه يُقَال رجل أحم وَامْرَأَة حماء إِذا كَانَا أسودين
وَقَوله البكرة السنمة يُرِيد الْعَظِيمَة السنام
حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قيل لأعرابي

(1/523)


أَي الطَّعَام أطيب قَالَ جزور سنمة فِي غَدَاة شبمة ومواس خذمة الشبمة الْبَارِدَة والشبم الْبرد والخذمة القطاعة قَالَ وَسَأَلته عَن الضائنة الزنمة أَو الزلمة فَقَالَ الزنمة هِيَ الَّتِي قطع من أذنها شَيْء للوسم وَترك مِنْهُ شَيْء فالمتروك يُقَال لَهُ الزنمة والوسم الزنم والزنمة من العنوق الَّتِي لَهَا زنمتان فِي حلقها والزنمة والزلمة وَاحِد وَكَذَلِكَ المزنم من الْإِبِل والمزلم وَهُوَ الْكَرِيم مِنْهَا قَالَ وَسَأَلته عَن قَوْله رتب رتوب الكعب فَقَالَ انتصب كَمَا ينْتَصب الكعب إِذا أَلقيته وَمِنْه قيل فلَان راتب فِي الْبَلَد أَي ثَابت فِيهِ قَالَ أَبُو كَبِير يصف رجلا [من الْكَامِل] ... وَإِذا يهب من الْمَنَام رَأَيْته ... كرتوب كَعْب السَّاق لَيْسَ بزمل ...
يَقُول إِذا اسْتَيْقَظَ من نَومه رَأَيْته منتصبا كانتصاب الكعب
وَرُوِيَ أَن عبد الله بن الزبير كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وأحجار المنجنيق تمر على أُذُنَيْهِ وَمَا يلْتَفت كَأَنَّهُ كَعْب راتب وَمن هَذَا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ ابي حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن يزِيد عَن الْمُقْرِئ عَن حَيْوَة بن شُرَيْح عَن أبي هاني أَن أَبَا عَليّ الْجَنبي حَدثهُ أَنه سمع فضَالة بن عبيد

(1/524)


يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من مَاتَ على مرتبَة من هَذِه الْمَرَاتِب بعث عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة
يَعْنِي الْغَزْو وَالْحج
قَالَ وَسَأَلته عَن قَوْله وولاهم شزنه فَقَالَ الشزن عرضه أَي جَانِبه وَفِيه لُغَة أُخْرَى شزن قَالَ ابْن أَحْمَر [من الوافر] ... أَلا لَيْت الْمنَازل قد بلينا ... فَلَا يرمين عَن شزن حَزينًا ...
يُرِيد أَنه حِين دهمهم الْأَمر أقبل عَلَيْهِ وولاهم جَانِبه وَقَالَ أكفوني الميمنة سأكفيكم المشأمة أَي الميسرة قَالَ الله جلّ وَعز {وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة}
وَيُقَال لليد الْيُسْرَى الشومى قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَمن ذَلِك سميت الشَّام وَمن الْيَمين سميت الْيمن
وَعَن قَوْله وَلست فِيهِ لعثمة إِلَّا أَنه ابْن أمة
قَالَ التلعثم التَّوَقُّف عَن الشَّيْء حَتَّى تفكر فِيهِ وَمِنْه

(1/525)


حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أبي بكر مَا أحد عرضت عَلَيْهِ الْإِسْلَام إِلَّا كَانَت فِيهِ كبوة غير أبي بكر فَإِنَّهُ لم يتلعثم
يَقُول لم يتَوَقَّف وسارع وَفِي حَدِيث آخر فَإِنَّهُ مَا عكم عَنهُ حِين ذكرته لَهُ وَمَا تردد فِيهِ
قَوْله مَا عكم أَي مَا تحبس فِيهِ وَلَا انْتظر فَأَرَادَ أَنه لَيْسَ فِي خلاله كلهَا شَيْء يتَوَقَّف عَنهُ وَعَن مدحه لَهُ إِلَّا أَنه ابْن أمة وَسَائِر ذَلِك حميد
وَقَوله أولنا إِذا غدونا يُرِيد أَنه يُبَادر إِذا نَحن خرجنَا لمهم من الْأُمُور فَيكون أولنا وآخرنا إِذا استنجينا وَيَقُول يكون حاميتنا إِذا نَحن ولينا
وَقَوله استنجينا هُوَ من النَّجَاء والنجاء الْإِسْرَاع يُقَال نجوت واستنجيت بِمَعْنى وَمِنْه الحَدِيث إِذا سافرتم فِي الجدوبة فاستنجوا
وَقَوله وعصمة أَبْنَائِنَا إِذا شتمونا يَقُول يعصمهم الله جلّ وَعز فِي جَدب الزَّمَان وَشدَّة الْبرد من الْجُوع والبؤس وَأَرَادَ الْأَطْفَال وَإِذا تعذر عَلَيْهِم قوت الطِّفْل فَذَلِك غَايَة الْجهد وكلب الزَّمَان قَالَ الْكُمَيْت [من الطَّوِيل]

(1/526)


.. وَأَنْتُم غيوث النَّاس فِي كل شتوة ... إِذا بلغ الْمحل الفطيم المعفرا ...
والمعفر هُوَ الصَّبِي الَّذِي تُرِيدُ أمه فطامه فتقطع عَنهُ الرَّضَاع يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ ترده إِلَيْهِ ثمَّ تقطعه عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ ترده وَهِي فِي ذَلِك تعلله بالشَّيْء ليستغني بِهِ عَن اللَّبن قَالَ الْكُمَيْت أَيْضا يذكر سنة جَدب [من الوافر] ... وَكَانَ السوف للفتيان قوتا ... تعيش بِهِ وهييت الرقوب ...
والسوف التسويف يَقُول عشن بالأماني والرقوب الَّتِي لَا يبْقى لَهَا ولد تَقول لَهَا آلَات الْأَوْلَاد هَنِيئًا لَك لَيْسَ لَك ولد فَيحْتَاج إِلَى غذَاء
وَقَوله وفاصل خطة أعيت علينا يَقُول إِذا وَقعت معضلة قَامَ بهَا أَو مشكلة عرفهَا وَبَينهَا
وَقَوله وَلَا يعد فَضله لدينا أَو علينا أَي لَا يمن علينا بِمَا يَأْتِيهِ إِلَيْنَا
وَقَوله أَنا لُقْمَان بن عَاد لعادية لعاد قَالَ سَأَلت عَنهُ الْأَصْمَعِي فَقَالَ تَقول أَنا لوَاحِد وَلِجَمِيعِ والعادية خيل تعدو وَتَكون أَيْضا رجَالًا يعدون
وَقَوله إِذا انضجعت لَا أجلنظي والمجلنظئ هُوَ الَّذِي يستلقي على ظَهره وَيرْفَع رجلَيْهِ يُقَال اجلنظأت

(1/527)


بِالْهَمْز واجلنظيت بِلَا همز وَمثله فِي التَّقْدِير احبنطأت واحبنطيت يَقُول لست أفعل هَذَا إِذا انضجعت ولكنني أَنَام مستوفزا على جنب كَمَا قَالَ أَبُو كَبِير يصف رجلا فِي نَومه [من الْكَامِل] ... مَا أَن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طي الْمحمل
فَإِذا قذفت لَهُ الْحَصَاة رَأَيْته ... ينزو لوقعتها طمور الأخيل ...
وَقَوله وَلَا تملأ رئتي جَنْبي يَقُول لست جَبَانًا ينتفخ سحره
يُقَال انتفخ سحر فلَان وسحره إِذا جن والحدأ جمع حدأة وَهِي الطَّائِر فَأَما الفأس فَهِيَ حدأة بِفَتْح الْحَاء وَجَمعهَا حدأ
يَقُول إِن رَأَيْت شَيْئا أطمع فِيهِ انْقَضتْ عَلَيْهِ مَا ينْقض الحدأ وَيُقَال لمع الطَّائِر بجناحيه إِذا خَفق بهما ولمع الرجل بِيَدِهِ إِذا أَشَارَ وَيُقَال للجناح ملمع قَالَ حميد بن ثَوْر وَذكر قطاة [من المتقارب] ... لَهَا ملمعان إِذا أوغفا ... يحثان جؤجؤها بالوحا ...

(1/528)


أوغفا أَسْرعَا والوحا الصَّوْت أَرَادَ بِهِ الحفيف
وَقَوله وقاع بصلع حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ قَالَ لي أَبُو سَلمَة سَأَلت ابْن مناذر عَن الصلع فَقَالَ الْحجر
وحَدثني أَبُو سُفْيَان قَالَ وَسَأَلت الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ هُوَ الْموضع الَّذِي لَا نبت فِيهِ وَأَصله من صلع الرَّأْس يُقَال للْأَرْض الَّتِي لَا نبت فِيهَا صلعاء

(1/529)


حَدِيث لَقِيط بن عَامر وَافد بني المنتفق
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الصَّيْحَة قَالَ فلعمر إلهك مَا يدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَأصْبح يطوف فِي الأَرْض وخلت عَلَيْهِ الْبِلَاد فَأرْسل السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش فلعمر إلهك مَا يدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الأَرْض عَنهُ حَتَّى يخلقه من قبل رَأسه
وَسَأَلَهُ لَقِيط فَقَالَ كَيفَ يجمعنا الله بعد مَا مزقتنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع قَالَ أنبئك بِمثل ذَلِك فِي إل الله الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا مَدَرَة بالية فَقلت لَا تحيا أَبَد ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَلَيْك إِلَّا أَيَّامًا ثمَّ أشرفت عَلَيْهَا وَهِي شربة وَاحِدَة ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض فتخرجون من الأصواء فتنظرون إِلَيْهِ سَاعَة وَينظر إِلَيْكُم قَالَ يَا رَسُول الله فَمَا يفعل رَبنَا إِذا لقيناه قَالَ تعرضون

(1/530)


عَلَيْهِ باديا لَهُ صفحاتكم لَا تخفى مِنْكُم عَلَيْهِ خافية فَيَأْخُذ ربكُم بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح عَلَيْكُم فَأَما الْمُسلم فيدع وَجهه مثل الريطة الْبَيْضَاء وَأما الْكَافِر فتخطمه بِمثل الحمم الْأسود أَلا ثمَّ ينْصَرف من بَيْنكُم ويفترق على أَثَره الصالحون أَلا فتسلكون جِسْرًا فِي النَّار يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة ثمَّ يَقُول حس يَقُول رَبك وَإنَّهُ أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول لَا يظمأ وَالله ناهله فلعمر إلهك مَا يبسط أحد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قدح مطهرة من الطوف والأذى قَالَ يَا رَسُول الله فعلى مَا نطلع من الْجنَّة قَالَ على أَنهَار من عسل مصفى وأنهار من كأس مَا بهَا صداع وَلَا ندامة ثمَّ بَايعه على أَن يحل حَيْثُ شَاءَ وَلَا يجر عَلَيْهِ إِلَّا نَفسه
يرويهِ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن عبد الرحمن بن الْمُغيرَة حَدثنِي عبد الرحمن بن عَيَّاش السمعي الْأنْصَارِيّ عَن دلهم بن الْأسود عَن عَاصِم ابْن لَقِيط أَن لَقِيط بن عَامر خرج وافدا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر ذَلِك عَنهُ فِي حَدِيث فِيهِ طول اختصرته واقتصرت مِنْهُ على مَا يُفَسر
قَوْله فَأرْسل السَّمَاء بهضب أَي بمطر يُقَال هضبت السَّمَاء تهضب هضبا قَالَ الْكُمَيْت من الطَّوِيل ... سحابته مَا شمتها فَهِيَ تهضب ...

(1/531)


أَي تمطر وَقَالَ العجاج [من الرجز] ... سَحا أهاضيب وبرقا مرعجا ... فالأهاضيب دفعات من الْمَطَر وَهُوَ جمع الْجمع كَأَنَّهُ جمع أهضاب وأهضاب جمع هضب مثل قَول وأقوال وأقاويل
والمرعج من الْبَرْق هُوَ المتتابع يُقَال أرعج الْبَرْق وارتعج إِذا كثر وتتابع
وَقَوله أنبئك بِمثل ذَلِك فِي إل الله الإل هَاهُنَا بِمَعْنى الربوية وَمِنْه قَول أبي بكر حِين سمع كَلَام مُسَيْلمَة إِنَّه لكَلَام لم يخرج من إل كَأَنَّهُ أَرَادَ أخْبرك بِمثل ذَلِك فِي قدرته وَفِي إلاهيته
فإل فِي غير هَذَا الْعَهْد وَهُوَ أَيْضا الْقَرَابَة
وَقَوله فتخرجون من الأصواء يَعْنِي الْقُبُور وأصل الأصواء الْأَعْلَام تنصب فِي الأَرْض للهدى شبه الْقُبُور بهَا وَهِي أَيْضا الصوى وَاحِدهَا صوة وَمِنْه الحَدِيث إِن

(1/532)


لِلْإِسْلَامِ صوى ومنارا كمنار الطَّرِيق قَالَ رؤبة وَذكر السراب [من الرجز] ... إِذا جرى بَين الفلا رهاؤه ... وخشعت من بعده أصواؤه ...
يَقُول تنظر إِلَى أَعْلَامه صغَارًا من بعده كَأَنَّهَا خاشعة وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ الصوة الْمَكَان الْمُرْتَفع فِيهِ غلظ والجميع صوى وَأنْشد لحميد بن ثَوْر الْهِلَالِي فِي وصف طَرِيق [من الطَّوِيل] ... يجر إِلَى أصوائه عَن طَرِيقه ... عِظَام مطي كالمحاجن تبرق ...
وَقَوله أشرفت عَلَيْهَا وَهِي شربة وَاحِدَة هَكَذَا رَوَاهُ وَأَنا من ذَلِك على ارتياب فَإِن كَانَ ذَلِك هُوَ الْمَحْفُوظ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن المَاء قد كثر فَمن حَيْثُ أردْت أَن تشرب شربت وَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ شربة وَاحِدَة بِفَتْح الرَّاء فَإِن الشربة حَوْض يكون فِي اصل النَّخْلَة يمْلَأ بِمَاء لشربها يُرِيد أَن المَاء قد وقف فِي مَوَاضِع مِنْهَا فَشبه تِلْكَ الْمَوَاضِع بالشربات قَالَ زُهَيْر يذكر الضفادع [من الْبَسِيط] ... يخْرجن من شربات مَاؤُهَا طحل ... على الْجُذُوع يخفن الْغم والغرقا ...

(1/533)


وَقَالَ بعض الْعلمَاء غلط زُهَيْر فِي توهمه أَن خُرُوج الضفادع من المَاء مَخَافَة الْغم وَالْغَرق وَلَيْسَ خروجهن لذَلِك قَالَ وَأما قَول أبي ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... ضفادعه غرقى رواء كَأَنَّهَا ...
فَإِنَّهُ مثل قَوْلهم فلَان غرق فِي النَّعيم وَكَذَلِكَ قَول طفيل [من الطَّوِيل] ... فصادفن جونا للعلاجيم فَوْقه ... مجَالِس غرقى لَا يحلأ ناهله ...
وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ شرية وَاحِدَة والشرية الحنظلة وَجَمعهَا شري فَإِن كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن الأَرْض قد اخضرت بالنبات فَكَأَنَّهَا شرية وَاحِدَة وَوصف الأَرْض بالنبات فِي هَذَا أشبه بِالْمَعْنَى من اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلين لِأَنَّهُ شبه من أَحْيَاهُ الله من الْمَوْتَى بالنبات الَّذِي أخرجه الله من الأَرْض الهامدة بالمطر وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَهُوَ أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض وَمثله فِي حَدِيث لَهُ آخر قَالَ كَيفَ يبْعَث الله الْمَوْتَى فَقَالَ اضْرِب لَك مثلا هَل مَرَرْت

(1/534)


بواد أهلك محلا قَالَ نعم قَالَ ثمَّ مَرَرْت بِهِ يَهْتَز خضرًا قَالَ نعم قَالَ فَكَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى
والحنظل أَخْضَر ناعم قَالَ ذُو الرمة وَذكره [من الطَّوِيل] ... إِذا مَا المطايا سفنها لم يذقنها ... وَإِن كَانَ أَعلَى نبتها نَاعِمًا نضرا ...
وَيضْرب بهَا الْمثل فِي البريق وَالَّذِي قَالَ أَبُو النَّجْم يصف إبِلا [من الرجز] ... شربت والحشو من حفانها كالحنظل ...
قَالَ الْأَصْمَعِي شبهها بهَا فِي البريق والري وَذَلِكَ أَن الحنظلة إِذا شققتها قطرت مَاء والريطة الملاءة إِذا لم تكن لفقين وَجَمعهَا رياط وريط فَإِذا كَانَت لفقين فَلَيْسَتْ بريطة
وَقَوله فتخطمه بِمثل الحمم الْأسود أَي تصيب خطمه يُقَال رأست الرجل وبطنته وكبدته وخطمته فَأَنا أرأسه وأبطنه وأكبده وأخطمه كل هَذَا إِذا أردْت أَنَّك أصبت شَيْئا من ذَلِك وَمِنْه الحَدِيث فِي دَابَّة الأَرْض إِن مَعهَا

(1/535)


عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان فتجلو وَجه الْمُؤمن بالعصا وتخطم أنف الْكَافِر بالخاتم
وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ فِي بَيت أَوْس بن حجر [من الطَّوِيل] ... يجود وَيُعْطِي المَال من غير ضنة ... ويخطم أنف الأبلخ المتغشم ...
هَذَا مثل أَي يضْرب أَنفه فَيجْعَل لَهُ أثرا مثل أثر الخطام فَيردهُ بصغر
والحمم الفحم واحدته حممة وَقَوله يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة فَيَقُول حس هَذِه كلمة يَقُولهَا الْإِنْسَان إِذا أَصَابَهُ الشَّيْء غَفلَة فأمضه وَأحرقهُ كالجمرة تسْقط على يَده أَو الْجراحَة تقع بِهِ وَقَالَ طَلْحَة ذَلِك حِين أُصِيبَت يَده يَوْم أحد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ ذكر الله لدخلت يَده الْجنَّة أَو لدخل الْجنَّة وَالنَّاس ينظرُونَ
وَحكى أَبُو زيد ضَربته فَمَا قَالَ حس وَلَا بس مَفْتُوحَة الأول مَكْسُورَة الآخر وَمِنْه حَدِيث أبي رهم الْغِفَارِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير

(1/536)


فِي مضيق وَإِلَى جَنْبي رجل ضغطه بعض المرار فَقَالَ حس فَنَظَرت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا عرفني سَأَلَني عَن قوم تخلفوا عَنهُ
والمرار الْحَبل وَقَوله وَيَقُول رَبك وَإنَّهُ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن تجْعَل إِنَّه بِمَعْنى نعم
وَالْآخر أَن تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مُقْتَصرا مِمَّا بعده عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ وَإنَّهُ كَذَلِك أَو أَنه على مَا تَقول وَمثله قَول الشَّاعِر من مجزوء الْكَامِل ... بكرت عَليّ عواذلي ... يلحينني وألومهنه
وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...
وَقَالَ بَعضهم إِنَّه بِمَعْنى نعم وَقَالَ أَعْرَابِي وَهُوَ ابْن الزبير الْأَسدي لِابْنِ الزبير لَا حملت نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك

(1/537)


فَقَالَ إِن وصاحبها وَقَالَ بعض أَرَادَ إِنَّه كَمَا تقلن فَحذف اختصارا وَمثل هَذَا من الِاخْتِصَار فِي الْقُرْآن والأشعار كثير قَالَ النمر بن تولب [من المتقارب] ... فَإِن الْمنية من يخشها ... فَسَوف تصادفه أَيْنَمَا
وَإِن تتخطاك أَسبَابهَا ... فَإِن قصاراك أَن تهرما ...
أَرَادَ أَيْن مَا ذهب أَو أَيْن مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... عصيت إِلَيْهَا الْقلب إِنِّي لأَمره ... سميع فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها ...
أَرَادَ أرشد هُوَ أُمَم غي فَحذف
وَقَوله لَا يظمأ ناهله يَقُول من روى مِنْهُ لم يعطش بعد ذَلِك والناهل الَّذِي قد شرب حَتَّى رُوِيَ
وَقد يكون فِي غير هَذَا الْموضع العطشان وَهُوَ حرف من الأضداد

(1/538)


قَالَ النَّابِغَة [من السَّرِيع] ... والطاعن الطعنة يَوْم الوغى ... ينهل مِنْهَا الأسل الناهل ...
أَتَى بالمعنيين جَمِيعًا فِي الْبَيْت أَي يرْوى مِنْهَا الرمْح والعطشان وَيُقَال أصل الْحَرْف وَهُوَ الرّيّ وَإِنَّمَا قيل للعطشان ناهل على وَجه التفاؤل لَهُ بِالريِّ والتطير من الْعَطش كَمَا قيل للديغ سليم وللفلاة مفازة
وَقَوله قدح مطهرة من الطوف فأنث الْقدح لِأَنَّهُ ذهب إِلَى الشربة وَكَذَلِكَ أنثوا الكأس لأَنهم ذَهَبُوا إِلَى الْخمر ثمَّ صَار الكأس اسْما للخمر إِذْ كَانَت تكون فِيهِ أَلا ترَاهُ يَقُول وأنهار من كأس أَي من خمر وَقَالَ الْأَعْشَى [من المتقارب] ... وكأس شربت على لَذَّة ... وَأُخْرَى تداويت مِنْهَا بهَا ...
وَمثل هَذَا قَوْلهم للعنب خمر لِأَنَّهَا مِنْهُ تعصر وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا}

(1/539)


قَالَ أَي أعصر عنبا
وحَدثني أبي قَالَ أَخْبرنِي سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن مُعْتَمر قَالَ لقِيت حميريا مَعَه عِنَب فَقلت مَا مَعَك فَقَالَ خمر وَلَقِيت آخر عمانيا أَو حميريا فَقلت مَا مَعَك قَالَ سخام والسخام الفحم وَمِنْه قيل سخم الله وَجهه أَي سوده
والطوف الْحَدث من الطَّعَام وَهُوَ من الصَّبِي قبل أَن يطعم العقي يُقَال إطاف الرجل يُطَاف أطيافا إِذا قضى حَاجته وَيُقَال عقى الصَّبِي يعقى عقيا وَالِاسْم العقي بِكَسْر الْعين وَمثله مِمَّا يُخَالف مصدره الِاسْم الْقسم مصدر قسمت وَالْقسم النَّصِيب والسقي مصدر سقيت والسقي الْحَظ من المَاء يُقَال كم سقِِي أَرْضك أَي كم حظها من المَاء
وَمن الطوف الحَدِيث لَا يُصَلِّي أحدكُم وَهُوَ يدافع الطوف وَالْبَوْل

(1/540)


وَفِي حَدِيث آخر وَهُوَ يدافعه الأخبثان يعنيهما والأذى هَاهُنَا الْحيض قَالَ الله جلّ وَعز {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى} يُرِيد أَنه من شرب تِلْكَ الشربة طهر من الْحَدث وَالْحيض قَالَ الله تَعَالَى {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} يَعْنِي من الْحيض وَالْحَدَث وَالْبَوْل وَجَمِيع النَّجَاسَات
وَقَوله وَلَا يجر عَلَيْهِ إِلَّا نَفسه يُرِيد أَنه لَا يُؤْخَذ بجريرة غَيره لَا وَالِد وَلَا ولد وَلَا عشيرة وَهَكَذَا كَقَوْلِه فِي حَدِيث آخر لرجل رأى مَعَه ابْنه فَقَالَ لَا يجنى عَلَيْك وَلَا يجنى عَلَيْهِ
وكقول الله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَهُوَ خلاف مَا رُوِيَ عَن زِيَاد وَالْحجاج من قَول كل وَاحِد مِنْهُمَا على الْمِنْبَر لآخذن البريء بالسقيم والمطيع بالعاصي والمقبل بالمدبر

(1/541)


حَدِيث جرير بن عبد الله البَجلِيّ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَأَلَ جرير ابْن عبد الله عَن منزله ببيشة فوصفها جرير فَقَالَ سهل ودكداك وَسلم وحمص وعلاك بَين نَخْلَة ونخلة ماؤنا ينبوع وجنابنا مريع وشتاؤنا ربيع فَقَالَ لَهُ يَا جرير إياك وسجع الْكُهَّان هَكَذَا قَالَ ابْن دأب فَأَما غَيره فيخالفه فِي بعض هَذِه الْأَلْفَاظ
حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُسلم عَن إِسْمَاعِيل بن مهْرَان عَن الديَّان بن عباد الْمذْحِجِي عَن عَمْرو بن مُوسَى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله ابْن عتبَة عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ شتاؤنا ربيع وماؤنا يميع أَو يريع لَا يُقَام ماتحها وَلَا يحسر صابحها وَلَا يعزب سارحها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خير المَاء الشبم وَخير المَال الْغنم وَخير المرعى الْأَرَاك وَالسّلم إِذا أخلف كَانَ لجينا وَإِذا سقط كَانَ درينا وَإِذا أكل كَانَ لبينا

(1/542)


فِي أَلْفَاظ اختصرتها واقتصرت مِنْهَا على مَا يُفَسر
وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ خلق الله الأَرْض السُّفْلى من الزّبد الْجفَاء وَالْمَاء الكباء
الدكداك من الرمل مَا التبد مِنْهُ بِالْأَرْضِ وَلم يرْتَفع ذَلِك الِارْتفَاع وَأَرَادَ أَن أَرضهم غير ذَات حزونة وَالسّلم شجر من العضاه واحدته سَلمَة وَبهَا سمي الرجل سَلمَة والحمض من النبت مَا كَانَت فِيهِ ملوحة مثل الرمث والهرم والنجيل والقلام وَيُقَال هُوَ القاقلى وَالْعرب تَقول الْخلَّة خبز الْإِبِل والحمض لَحمهَا أَو فاكهتها
والخلة مَا لم تكن فِيهِ ملوحة من صغَار الشّجر الَّذِي ترعاه الْإِبِل فَإِذا ملت الْخلَّة حولت إِلَى الحمض
والعلاك شجر ينْبت بالحجاز وَهُوَ العلك قَالَ لبيد وَذكر إبِلا [من الْكَامِل] ... لتقيظت علك الْحجاز مُقِيمَة ... فجنوب ناصفة لقاح الحوأب ...
والجناب مَا حول الْقَوْم والمريع الخصيب

(1/543)


وَقد ذكرته فِي حَدِيث اسستقاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله ماؤنا يميع أَي يسيل من علو وكل سايل فَهُوَ مايع وَمن رَوَاهُ تريع أَرَادَ يعود ويثوب وكل شَيْء عَاد فقد رَاع
وَقَوله لَا يُقَام ماتحها الماتح المستقي الَّذِي ينْزع بالدلو والمائح الَّذِي ينزل فِي الْبِئْر إِذا قل المَاء فَيمْلَأ الدَّلْو أَرَادَ أَن ماءها جَار على وَجه الأَرْض فَلَيْسَ يُقَام بهَا ماتح لِأَن الماتح يحْتَاج إِلَى إِقَامَته على الْآبَار
وَقَوله وَلَا يحسر صابحها يُرِيد أَنه لَا يعي وَلَا يكل يُقَال حسرت من كَذَا أحسر فَأَنا حسيرا إِذا كللت وانقطعت وَيُقَال للبعير إِذا قَامَ إعياء وكلالا قد حسره السّير وَهَذِه إبل حسرى قَالَ الله جلّ وَعز {يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئا وَهُوَ حسير}
والصابح الَّذِي يصبح الْإِبِل أَي يسقيها صباحا يَقُول لَيْسَ يتعب فِي سقيها حَتَّى يحسر لِأَنَّهُ يوردها مَاء ظَاهرا على وَجه الأَرْض فَهِيَ تشرب من غير أَن يَسْتَقِي لَهَا أَو يمتح وَلَو كَانَت ترد آبارا لاحتاج إِلَى أَن يَسْتَقِي لَهَا مخسر

(1/544)


وَقَوله وَلَا يعزب سارحها والسارح مَا سرح من الْأَنْعَام يُقَال سرحت الْإِبِل وَالْغنم إِذا غَدَتْ للمرعى لَا تعزب يُرِيد أَنه لَا يبعد إِذا خرج يرْعَى لِأَنَّهُ يجد بِالْقربِ من مَنَازِلهمْ مرعى يَكْفِيهِ فَهُوَ لَا يعزب وَلكنه يرْعَى فِي جنابهم وناحيتهم
وَقَوله خير المَاء الشبم هَكَذَا رُوِيَ والشبم الْبَارِد والشبم الْبرد وَأَنا أَحْسبهُ السنم والسنم المَاء على وَجه الأَرْض وكل شَيْء علا شَيْئا فقد تسنمه وَيُقَال للشريف سنيم وَهَذَا مَأْخُوذ من السنام وَهَذَا أشبه بِمَا ذكره عَن مَائِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ وماؤنا يميع أَي يجْرِي من علو فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير المَاء السنم أَي مَا كَانَ ظَاهرا على الأَرْض وَلم يذكر جرير أَن مَاءَهُمْ بَارِد
فَيَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير المَاء الشبم قَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله جلّ وَعز {ومزاجه من تسنيم} أَنه يمزج بِمَا ينزل من علو
وَقَوله إِذا أخلف يُرِيد إِذا أخرج الخلفة وَهِي ورق يخرج بعد الْوَرق الأول فِي الصَّيف وَيكون إِذا أخلف فَلم يحمل واللجين هُوَ الْخبط بِعَيْنِه وَذَلِكَ إِن ورق الْأَرَاك

(1/545)


وَالسّلم يخبط حَتَّى يسْقط ويجف ثمَّ يدق حَتَّى يتلجن أَي يلتزج وَيصير كالخطمي ثمَّ تؤجره الْإِبِل وكل شَيْء تلزج فقد تلجن قَالَ الشماخ [من الوافر] ... وَمَاء قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطير كالورق اللجين ...
قَالُوا وَمِنْه قيل للناقة البطيئة الثَّقِيلَة لجون
وَقَوله إِذا سقط كَانَ درينا يُرِيد أَنه إِذا سقط ثمَّ أَخذ جافا كَانَ درينا والدرين حطام المرعى إِذا قدم قَالَ الشماخ وَذكر نَاقَة [من الوافر] ... تعللها مسود الدرين
وَقَوله إِذْ أكل لبينا أَي مدرا للبن مكثرا لَهُ يُرِيد أَنه يلبن النعم إِذا رعته يَعْنِي البرير وَحمل السّلم وَهُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل كَمَا يُقَال قدير بِمَعْنى قَادر وحفيظ بِمَعْنى حَافظ وَكَذَلِكَ لبين بِمَعْنى لِابْنِ للنعم وَكَأَنَّهَا يُعْطِيهَا اللَّبن كَمَا يَقُول لبِنْت الْقَوْم وسمنتهم إِذا أدمتهم اللَّبن وَالسمن
والزبد الْجفَاء هُوَ مَا جفاه الْوَادي فَرمى بِهِ هَذَا أَصله

(1/546)


يُقَال أجفأت الْقدر بزبدها إِذا ألقته قَالَ الله تَعَالَى {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء} فَأَرَادَ أَنه خلق الأَرْض من زبد اجْتمع للْمَاء وتكاثف فِي جنبات المَاء وَالْمَاء الكباء هُوَ الْعَظِيم العالي وَمِنْه يُقَال فلَان كابي الرماد أَي عَظِيم الرماد منتفخه وَقد كبا الْفرس يبكو إِذا رَبًّا وانتفخ وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَيْضا مَا انتفخ على المَاء وَربا من الزّبد

(1/547)


حَدِيث ذِي المشعار مَالك بن نمط الْهَمدَانِي
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن وَفد هَمدَان قدمُوا عَلَيْهِ فَلَقوهُ مُقبلا من تَبُوك فَقَالَ مَالك بن نمط يَا رَسُول الله نصية من هَمدَان من كل حَاضر وباد أتوك على قلص نواج مُتَّصِلَة بحبائل الْإِسْلَام لَا تأخذهم فِي الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام عَهدهم لَا ينْقض عَن سنة ماحل وَلَا سَوْدَاء عنقفيز مَا قَامَت لعلع وَمَا جرى اليعفور بصلع
فَكتب لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لمخلاف خارف وَأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مَعَ وافدها ذِي المشعار مَالك بن نمط وَمن أسلم من قومه على أَن لَهُم فراعها ووهاطها وعزازها مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة يَأْكُلُون علافها ويرعون عفاءها لنا من دفئهم

(1/548)


وصرامهم مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة وَلَهُم من الصَّدَقَة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وَعَلَيْهِم بِهِ الصالغ والقارح هُوَ من حَدِيث أبي روق
قَوْله نصية من هَمدَان أَي رُؤَسَاء مختارون مِنْهُم يُقَال هَؤُلَاءِ نصية قَومهمْ أَي خيارهم وَهَذِه نصية الْإِبِل أَي خِيَارهَا وانتصيت من الْقَوْم رجلا أَي اخترته وأحسب أصل الْحَرْف من الناصية كني عَن الْخِيَار بهَا كَمَا كنى عَنْهُم بِالرَّأْسِ يُقَال هَذَا رَأس قومه وَهَؤُلَاء رُؤُوس الْقَوْم وكما كني عَن الأرذال بالأذناب لِأَن رَأس كل شَيْء خَيره وَأَعلاهُ وذنب كل شَيْء شَره وَأَدْنَاهُ وَرُبمَا كني عَن الْأَشْرَاف بالناصية فَيُقَال هَؤُلَاءِ نواصي الْقَوْم وَأُولَئِكَ أذنابهم قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... قوم هم الرَّأْس والأذناب غَيرهم ... وَمن يُسَوِّي بأنف النَّاقة الذنبا ...
وَبِهَذَا الْبَيْت قيل هُوَ أنف النَّاقة
والقلص شواب النوق وَاحِدهَا قلُوص والنواجي السراع واحدتها نَاجِية وَبهَا سمي الرجل وَيُقَال نجت تنجو والنجاء الِاسْم وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي السّير
وخارف ويام قبيلتان ينْسب إِلَيْهِمَا فَيُقَال فلَان الخارفي

(1/549)


واليامي من يام
والمخلاف لأهل الْيمن كالرستاق لغَيرهم وَجمعه مخاليف وَقَوله وعدهم لَا ينْقض عَن سنة مَا حل والماحل السَّاعِي بالنمائم والإفساد بَين النَّاس يَقُول لَيْسَ ينْقض عَهدهم بسعي مَا حل فِي النَّقْص وَهُوَ سنته أَي طَرِيقَته وَهَذَا كَمَا نقُول أَنا لَا أفسد مَا بيني وَبَيْنك بمذاهب الأشرار يُرِيد بإفسادهم وسعايتهم
وَقَوله وَلَا سَوْدَاء عنقفير وَهِي الداهية أَي لَا ينْقض عَهدهم من داهية عَظِيمَة تنزل بهم وتضطرهم إِلَى النَّقْض وَلَكنهُمْ يُقِيمُونَ على الْعَهْد وَمِمَّا كَانُوا يكتبونه فِي عهودهم مِمَّا يشبه هَذَا لكم الْوَفَاء منا بِمَا أعطيناكم فِي الْعسر واليسر وعَلى المنشط وَالْمكْره
ولعلع جبل أَي لكم الْوَفَاء مَا قَامَ هَذَا الْجَبَل يُرِيدُونَ أبدا وَمَا جرى اليعفور وَهُوَ ولد الْبَقَرَة بصلع وَهِي

(1/550)


الصَّحرَاء البارزة المستوية الَّتِي لَا نبت فِيهَا وَمثله فِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد إِلَّا أر مطمعي بوقاع بصلع
وجناب الهضب مَوضِع وحقاف الرمل جمع حقف وَيجمع أَيْضا أحقاف وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {إِذْ أنذر قومه بالأحقاف} يُقَال كَانَت مَنَازِلهمْ بالرمل والحقف من الرمل مَا اعوج واستطال وَمِنْه يُقَال لما اعوج قد احقوقف
والفراع أعالي الْجبَال وَمَا أشرف من الأَرْض وَاحِدهَا فرعة
والفرعة فِي غير هَذَا القملة وَمِنْه حسان بن الفريعة إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير فرعة وَيُقَال جبل فارع إِذا كَانَ عَالِيا وَامْرَأَة فارعة إِذا كَانَت طَوِيلَة
والوهاط الْمَوَاضِع المطمئنة وَاحِدهَا وهط وَبِه سمي

(1/551)


الوهط وَهُوَ مَال كَانَ لعَمْرو بن الْعَاصِ بِالطَّائِف
والعزاز مَا صلب من الأَرْض وَهُوَ الْجلد وَأخذ من قَوْلك تعزز لحم النَّاقة إِذا اشْتَدَّ وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {فعززنا بثالث} أَي قوينا الِاثْنَيْنِ بثالث قَالَ الزُّهْرِيّ كنت أختلف إِلَى عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أكتب عَنهُ فَكنت أقوم لَهُ إِذا خرج وأسوي ثِيَابه إِذا ركب ثمَّ ظَنَنْت إِنِّي قد استفرغت مَا عِنْده فَخرج يَوْمًا فَلم أقِم لَهُ فَقَالَ لي إِنَّك فِي العزاز فَقُمْ والعزاز يكون فِي أَطْرَاف الأَرْض وجوانبها فَإِذا توسطتها صرت فِي السهولة واللين فَأَرَادَ عبيد الله إِنَّك بعد فِي الْأَوَائِل من الْعلم والأطراف وَلم تبلغ الأوساط فعد إِلَى التَّعْظِيم الَّذِي كنت عَلَيْهِ إِذْ كنت لم تستغن وَلم تكمل
وَقَوله يَأْكُلُون علافها جمع علف يُقَال علف وعلاف كَمَا يُقَال جمل وجمال وَيُقَال أَيْضا أعلاف كَمَا يُقَال أحمال
والعفاء من الأَرْض مَا لَيْسَ لأحد فِيهِ شَيْء

(1/552)


وَقَوله لنا من دفئهم يَعْنِي من إبلهم وشائهم وَسميت دفأ لما يتَّخذ من أوبارها وأصوافها من الأكسية والبيوت وَغير ذَلِك مِمَّا يستدفأ بِهِ قَالَ الله تَعَالَى {والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع}
والصرام النّخل لِأَنَّهُ يصرم أَي يجتنى ثمره وأصل الصرم الْقطع وَيكون الصرام التَّمْر بِعَيْنِه
وَقَوله لنا من ذَلِك مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة يُرِيد أَنهم مأمونون على صدقَات أَمْوَالهم بِمَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق وَلَا يبْعَث فِيهِ إِلَيْهِم مُصدق وَلَا عَاشر
وَقَوله لَهُم من الصَّدَقَة الثلب وَهُوَ من الْإِبِل الذُّكُور الَّذِي قد تَكَسَّرَتْ أَسْنَانه
وَكتب عَمْرو بن الْعَاصِ مُعَاوِيَة إِنَّك قد جربتني فوجدتني لست بالغمر الضَّرع وَلَا الثلب الفاني والضرع الصَّغِير والناب الهرمة من النوق سميت بذلك لِأَن نابها يطول

(1/553)


إِذا هرمت وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من بني نهد كَيفَ أَنْت عِنْد الْقرى قَالَ ألصق وَالله بالناب الفانية وَالْبكْر والضرع
قَوْله ألصق بالناب يُرِيد أَنه يعرقها إِذا عرقها ألصق بهَا السَّيْف فاختصر قَالَ الرَّاعِي وَذكر أضيافا طرقوه [من الطَّوِيل] ... فأومأت إِيمَاء خَفِيفا لحبتر ... وَللَّه ثوبا حبتر أَيّمَا فَتى
وَقلت لَهُ ألحق بأيبس سَاقهَا ... فَإِن يجْبر العرقوب لَا يرقأ النسا ...
والفارض المسنة وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {لَا فارض وَلَا بكر} أَي لَا كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة
والداجن الَّتِي يعلفها النَّاس فِي مَنَازِلهمْ وَلَا يبْعَث بهَا إِلَى المرعى
والصالغ من الْغنم وَالْبَقر الَّذِي كمل وانتهت سنه وَذَلِكَ فِي

(1/554)


السّنة السَّادِسَة مِنْهُ
والقارح من الْخَيل مثله والكبش الحوري أرَاهُ مَنْسُوبا إِلَى الْحور وَهِي جُلُود حمر تتَّخذ من جُلُود الْمعز وَمن جُلُود بعض الضَّأْن قَالَ أَبُو النَّجْم يذكر قَتِيلا [من الرجز] ... كَأَنَّمَا برقع خديه الْحور ...
يَقُول صَار الدَّم على خديه فَكَأَنَّهُ حور لحمرته

(1/555)


آخر الْجُزْء الثَّانِي
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على رَسُوله سيدنَا الْمُصْطَفى مُحَمَّد النَّبِي وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
فرغ من نسخه لنَفسِهِ عبد الغني بن عبد الواحد بن عَليّ الْمَقْدِسِي بفسطاط مصر حرسه الله فِي محرم سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ يسْتَغْفر الله من ذنُوبه ويسأله الْعَفو عَن زللة وَسُوء عمله
وَأَن يمن عَلَيْهِ ببلوغ أمله قبل انْقِضَاء أَجله إِنَّه على كل شَيْء قدير وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل

(1/556)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أخبرنَا القَاضِي الْأَجَل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أدبنا أَبُو يَعْقُوب ابْن خرزاذ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن المهلبي قَالَ أخبرنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة قَالَ أخبرنَا أبي