غريب الحديث لابن قتيبة حَدِيث أبي بكر الصّديق عبد الله بن
عُثْمَان
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي بكر أَنه ركب فرسا يشوره
فَقَامَ إِلَيْهِ فَتى من الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُ احملني عَلَيْهِ
يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر لِأَن أحمل عَلَيْهِ
غُلَاما ركب الْخَيل على غرلته أحب إِلَيّ من أَن أحملك عَلَيْهِ
فَقَالَ أَنا وَالله أَفرس عَلَيْهِ مِنْك وَمن أَبِيك قَالَ
الْمُغيرَة فَمَا تمالكت حِين سمعته أَن آخذه بأذنيه وَركبت أَنفه
بركبتي فَكَأَن أَنفه مزادة انبعثت وَمن وَجه آخر عزلاء مزادة فتواثبت
إِلَيّ رجال من الْأَنْصَار وَمضى أَبُو بكر فَلَمَّا رأى مَا يصنعون
بِي قَالَ أَن الْمُغيرَة رجل وازع فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك أرسلوني
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَبُو أُسَامَة عَن
إِسْمَاعِيل بن
(1/557)
أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي
بكر
قَوْله يشوره أَي يعرضه يُقَال شار الدَّابَّة يشورها شورا إِذا عرضهَا
وَالْمَكَان الَّذِي تعرض فِيهِ الدَّوَابّ يُسمى المشوار
حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي أَن أبجر الْعجلِيّ قَالَ لحجار
ابْنه إياك والخطب فَإِنَّهَا مشوار كثير العثار
وَقَوله ركب الْخَيل على غرلته يُرِيد ركبهَا فِي صغره وَهُوَ أغرل أَي
أقلف
والغرلة القلفة وفيهَا لُغَة أُخْرَى القلفة وَمثلهَا من الْكَلَام
قِطْعَة وَقطعَة لقطع الْيَد وخدمة وخدمة وصلعة وصلعة
وَيُقَال رجل أغرل وأرغل وَهُوَ من المقلوب وَمِنْه قَول النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة
غرلًا
وَمن لم يركب الْخَيل على صغره فَهُوَ نَاقص الفروسية قَالَ الشَّاعِر
[من الْبَسِيط] ... لم يركبُوا الْخَيل إِلَّا بَعْدَمَا كبروا ... فهم
ثقال على أكتافها ميل ...
(1/558)
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن
رجل عَالم بِالْخَيْلِ لم يسمه قَالَ كَانَ يُقَال إِن طفيلا ركب
الْخَيل بغرلته وَرَآهَا أَهله وَأَن أَبَا دؤاد ملكهَا لنَفسِهِ
ووهبها لغيره وللملوك
وَأَن النَّابِغَة الْجَعْدِي أسلم النَّاس وآمنوا ثمَّ اجْتَمعُوا
فتحدثوا فَسمع مَا قَالُوا إِلَى مَا كَانَ سمع قبل ذَلِك
فَهَؤُلَاءِ نعات الْخَيل وَكَانُوا يَقُولُونَ من عَلَامَات السؤدد
طول الغرلة
حَدثنِي عبد الرحمن عَن عَمه قَالَ أخبرنَا جَمِيع بن أبي غاضرة
وَكَانَ شَيخا مسنا من أهل الْبَادِيَة وَكَانَ من ولد الزبْرِقَان بن
بدر من قبل النِّسَاء
قَالَ كَانَ الزبْرِقَان يَقُول أبْغض صبياننا إِلَيّ الأقيعس الذّكر
الَّذِي كَأَنَّمَا يطلع فِي جحرة وَإِن سَأَلَهُ الْقَوْم أَيْن أَبوك
(1/559)
هر فِي وُجُوههم وَقَالَ مَا تُرِيدُونَ من
أبي
وَأحب صبياننا إِلَيّ الطَّوِيل الغرلة السبط الْغرَّة العريض الورك
الأبله الْعُقُول الَّذِي يُطِيع عَمه ويعصي أمه وَإِن سَأَلَهُ
الْقَوْم أَيْن أَبوك قَالَ مَعكُمْ
والأقيعس الذّكر هُوَ تَصْغِير أقعس والقعس فِي الظّهْر دُخُوله
وَخُرُوج الصَّدْر والحدب دُخُول الصَّدْر وَخُرُوج الظّهْر
قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي من الطَّوِيل ... فَإِن حدبوا فاقعس
وَإِن هم تقاعسوا ... لينتزعوا مَا خلف ظهرك فاحدب ...
كَأَنَّهُمْ كَانُوا يتفرسون بقعس الذّكر ويستدلون بِهِ على معنى من
السوء كَمَا استدلوا بطول الغرلة على السِّيَادَة
وَقَوله الأبله الْعُقُول يُرِيد إِنَّه كالأبله لشدَّة حيائه وتعاقله
وَهُوَ عقول وَهَذَا شَبيه بقول الشَّاعِر [من الْبَسِيط]
(1/560)
.. لَا خير فِي خب من ترجى فواضله ...
فاستمطروا من قُرَيْش كل منخدع
كَأَن فِيهِ إِذا حاولته بلها ... عَن مَاله وَهُوَ وافي الْعقل والورع
...
وَيُقَال فِي مثل لَيْسَ أَمِير الْقَوْم بالخب الخدع
وَقَوله أَن الْمُغيرَة رجل وازع هُوَ من وزعت الرجل إِذا كففته عَن
الشَّيْء يَفْعَله والوازع فِي الْجَيْش هُوَ أكبرهم يدبر أَمرهم
ويضعهم مواضعهم وَيرد من شَذَّ مِنْهُم وَمن كَانَ كَذَلِك لم يقْتَصّ
مِنْهُ إِذا أدب
والعزلاء فَم المزادة الْأَسْفَل وَجَمعهَا عزالي والمزادة الراوية
وركبته أصبت أَنفه بركبتي وَهُوَ أَن يَأْخُذ بأذنيه فَيضْرب أَنفه
بركبته يُقَال مِنْهُ ركبته أركبه ركبا
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه مر بِالنَّاسِ فِي معسكرهم بالحرف
فَجعل يكْتب الْقَبَائِل حَتَّى مر ببني فَزَارَة فَقَامَ إِلَيْهِ رجل
مِنْهُم فَقَالَ لَهُ
أيؤمر جبانكم قَالُوا نَحن يَا خَليفَة رَسُول الله أحلاس الْخَيل وَقد
قدناها مَعنا فَقَالَ أَبُو بكر بَارك الله فِيكُم
(1/561)
حَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيم بن مُسلم عَن
دَاوُد بن شَيبَان الْعَبْسِي عَن الْوَاقِدِيّ عَن عبد الرحمن بن
إِبْرَاهِيم المري عَن يزِيد بن عبيد السَّعْدِيّ أبي وجزة
قَوْلهم نَحن أحلاس الْخَيل يُقَال هَؤُلَاءِ أحلاس الْخَيل إِذا
كَانُوا يقتنونها ويضمرونها ويفتلونها ويلزمون ظُهُورهَا وَلِهَذَا
يَقُول النَّاس لس من أحلاسها وَأرى أَصله من الحلس وَهُوَ كسَاء يكون
تَحت البرذعة أَي نلزم ظُهُورهَا كَمَا يلْزم الحلس ظهر الْبَعِير
والحلس أَيْضا بِسَاط يبسط فِي الْبَيْت وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث كن
حلْس بَيْتك أَي إلزمه فِي الْفِتْنَة والهرج لُزُوم الْبسَاط لَهُ
وَيُقَال للَّذين يرَوْنَ هَذَا فِي الْفِتْنَة الحلسية
الرياشي قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِسْحَق بن تَوْبَة عَن حَمَّاد بن
زيد قَالَ دخل الضَّحَّاك بن قيس على مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَة
[من الطَّوِيل] ... تطاولت للضحاك حَتَّى رَددته ... إِلَى حسب فِي
قومه متقاصر ...
فَقَالَ قد علم قَومنَا أننا أحلاس الْخَيل فَقَالَ لَهُ صدقُوا
أَنْتُم أحلاسها وَنحن فرسانها
يُرِيد أَنْتُم راضة وساسة وَنحن الفرسان وَنَحْو هَذَا قَول
(1/562)
جرير [من الْكَامِل] ... تصف السيوف وغيركم
يعْصى بهَا ... يَابْنَ القيون وَذَاكَ فعل الصيقل ...
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ كَانَ يخرج
إِلَيْنَا وَكَأن لحيته ضرام عرفج
يرويهِ خَالِد عَن حُصَيْن عَن الْمُغيرَة بن شبْل عَن قيس بن أبي
حَازِم الضرام لَهب النَّار وَمِنْه يُقَال اضطرمت النَّار إِذا التهبت
والضرمة النَّار يُقَال مَا فِي الديار نافخ ضرمة أَي مَا بهَا أحد
والعرفج نبت ضَعِيف تسرع النَّار فِيهِ ثمَّ لَا تلبث إِلَّا يَسِيرا
حَتَّى تطفأ
وَقيل لامْرَأَة من الْأَعْرَاب مالكن يَا معشر نسَاء آل فلَان رسحا
فَقَالَت أرسحتنا نَار الزحفتين تَعْنِي نَار العرفج وَذَلِكَ
لِأَنَّهَا تسرع الالتهاب فِيهِ وتقوى حَتَّى تؤذي بحرها من يدنو
فيزحفون للتاخر عَنْهَا وَاحِدَة ثمَّ يسْرع خمودها فيزحفون أُخْرَى
للتقدم إِلَيْهَا وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... يَا
موقد النَّار أوقدها بعرفجة ... لمن تبينها من مُدْلِج ساري ...
(1/563)
أمره أَن يوقدها بعرفج لِأَن سنا ناره أَشد
من سنا غَيرهَا لضَعْفه وَقلة دخانه هَذَا إِذا كَانَ يَابسا فَإِذا
كَانَ رطبا فالمثل يضْرب بِهِ فِي كَثْرَة الدُّخان قَالَ الرَّاعِي
[من الْكَامِل] ... كدخان مرتجل بِأَعْلَى تلعة ... غرثان ضرم عرفجا
مبلولا ...
وَإِنَّمَا شبه الْمُشبه لحية أبي بكر بسنا نَار العرفج الْيَابِس
لِأَنَّهُ كَانَ يخضبها بِالْحِنَّاءِ ويشبعها خضابا فتشتد حمرتها
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه قَالَ لأسامة حِين أنفذ جَيْشه إِلَى
الشَّام أغر عَلَيْهَا غَارة سحاء لَا تتلاقى عَلَيْك جموع الرّوم
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حدّثنَاهُ أَبُو أُسَامَة عَن
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه وحدثنيه أَيْضا عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو
عَن أبي إِسْحَق بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنه قَالَ مسحاء أَو سنحاء
قَوْله سحاء هُوَ فعلاء من السح والسح الصب يُقَال يَدَاهُ تسحان أَي
تصبان المَال صبا وَالسَّمَاء تسح أَي تصب وَمِنْه قَول النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِين الله سحاء لَا يغيضها شَيْء اللَّيْل
وَالنَّهَار أَي لَا ينقصها شَيْء
(1/564)
يُقَال غاض المَاء يغيض غيضا إِذا نقص
وغضته أَنا وَمِنْه يُقَال للسمان من الشَّاء وَغَيرهَا سحاح
وَقَالَ خَالِد بن مَالك حِين نافره الْقَعْقَاع بن معبد أَنا أنحر
للسحاح وأطعن بِالرِّمَاحِ وَأنزل بالتبراح والتبراح المتسع من الأَرْض
وخبرني عبد الرحمن عَن عَمه أَنه قَالَ فِي قَوْلهم لحم ساح هُوَ
بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ أَنه من سمنه يصب الودك صبا قَالَ
الشَّاعِر [من الوافر] ... وربت غَارة أَوضعت فِيهَا ... كسح الخزرجي
جريم تمر ...
يُرِيد أَنه صبها عَلَيْهِم كَمَا صب الخزرجي التَّمْر فَتفرق والجريم
التَّمْر المصروم والجرام الصرام ومسحاء فعلاء من مسحهم يمسحهم إِذا مر
بهم مرا خَفِيفا لم يقم فِيهِ عِنْدهم وَهُوَ يشبه الْمَعْنى الَّذِي
أَرَادَهُ أَبُو بكر رَحمَه الله لِأَنَّهُ اراد أَن تكون غارته
عَلَيْهِم غَارة سريعة لِئَلَّا تحشد لَهُ الرّوم وتجتمع عَلَيْهِ
وَمَا أَكثر مَا تَأتي فعلاء وَلم يَأْتِ للمذكر أفعل كَقَوْل
(1/565)
امْرِئ الْقَيْس [من الرمل] ... دِيمَة
هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر ...
وَلم يقل فِي الْمُذكر أهطل إِنَّمَا يُقَال سَحَاب هطل وكقول العجاج
[من الرجز] ... حدواء جَاءَت من جبال الطّور ...
يُرِيد الشمَال وَجعلهَا حدواء لِأَنَّهَا تحدو السَّحَاب أَي تسوقه
وَلَيْسَ يُقَال للمذكر أحدى إِنَّمَا يُقَال حاد وَكَذَلِكَ مسحاء
وَلم يقل فِي الْمُذكر أَمسَح وَفِي مثل هَذِه الْغَارة أَو نَحْوهَا
قَول ضَمرَة [من السَّرِيع] ... ماوي بل ربت مَا غَارة ... شعواء
كاللذعة بالميسم ...
يُرِيد كَأَنَّهَا فِي سرعتها لذعة بميسم فِي وبر والشعواء المتفرقة
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه قَالَ فِي خطْبَة لَهُ أَلا إِن
أَشْقَى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمُلُوك الْملك إِذا ملك
زهده الله فِيمَا عِنْده ورغبه فِيمَا فِي يَدي غَيره وانتقصه شطر
أَجله وأشرب قلبه الإشفاق فَإِذا وَجب ونضب عمره وضحا ظله حَاسبه الله
فأشد حسابه وَأَقل عَفوه وَقَالَ بعد ذَلِك فِي كَلَام لَهُ
(1/566)
وسترون بعدِي ملكا عَضُوضًا وَأمة شعاعا
ودما مفاحا فَإِن كَانَت للباطل نزوة وَلأَهل الْحق جَوْلَة يعْفُو
لَهَا الْأَثر وَتَمُوت السّنَن فالزموا الْمَسَاجِد واستشيروا
الْقُرْآن وَليكن الإبرام بعد التشاور والصفقة بعد طول التناظر
قَوْله فَإِذا وَجب يُرِيد مَاتَ وأصل الْوُجُوب السُّقُوط يُقَال قد
وَجَبت الشَّمْس تجب وجوبا إِذا غربت وَيُقَال دفعت الرجل فَوَجَبَ أَي
سقط قَالَ الله جلّ وَعز {فَإِذا وَجَبت جنوبها}
وَيُقَال وَجب الْقلب إِذا خَفق وَيجب وجيبا
وَقَوله نضب عمره أَي نفد يُقَال نضب المَاء إِذا ذهب ينضب نضوبا قَالَ
الْأَصْمَعِي وَالْأَصْل فِي نضب بعد
وَقَوله وضحا ظله أَي صَار شمسا وَإِذا صَار الظل شمسا فقد بَطل صَاحبه
وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه مَاتَ يُقَال ضحا الرجل يُضحي إِذا صَار فِي
الشَّمْس وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا
تضحى}
خبرني أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ هُوَ من الضحاء
(1/567)
وَهُوَ الْحر وَأنْشد بَيت عمر بن أبي
ربيعَة [من الطَّوِيل] ... رَأَتْ رجلا أما اذا الشَّمْس عارضت ...
فيضحى وَأما بالْعَشي فيخصر ...
وَمثل هَذَا الْمَعْنى قَول كثير [من الوافر] ... فَلَمَّا أَن رَأَيْت
العيس صبَّتْ ... بِذِي المأثول مجمعة التوالي
وقحم سيرنا من قور حسمى ... مروت الرَّعْي ضاحية الظلال ...
وَقَوله مروت الرَّعْي يُرِيد جمع مرت وَهِي الأَرْض الملساء الَّتِي
لَا نَبَات فِيهَا يَقُول رعيها مرت أَي رعى بهَا وظلها ضاح أَي لَا
ظلّ فِيهَا وَقَوله وَأمة شعاعا أَي مُتَفَرّقين مُخْتَلفين يُقَال
ذهبت نَفسِي شعاعا اذا انتشرت وَقَالَ قيس بن الخطيم يصف طعنة [من
الطَّوِيل] ... طعنت ابْن عبد الْقَيْس طعنة ثَائِر ... لَهَا نفذ
لَوْلَا الشعاع أضاءها ...
النفذ مخرج الدَّم والشعاع مَا تفرق من الدَّم وانتشر يَقُول لَوْلَا
ذَلِك لَأَضَاءَتْ لَك حَتَّى يَسْتَنِير وَقَالَ الآخر [من الطَّوِيل]
... فَلَا تتركي نَفسِي شعاعا فانها ... من الوجد قد كَادَت عَلَيْك
تذوب ...
وَأما قَوْله ودما مفاحا فانه من قَوْلهم فاحت الشَّجَّة
(1/568)
تفيح فيحا اذا نفحت بِالدَّمِ وأفحتها أَنا
وَقَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ يُقَال للغارة فِي الْجَاهِلِيَّة فيحي
فياح مَكْسُورَة مثل قطام وحذام وَكَذَلِكَ اذا دفعت أَي اتسعي وَقَوله
فاح الدَّم نَفسه اذا سَالَ وَيُقَال دَار فيحاء وَمَكَان أفيح أَي
وَاسع.
فَأَرَادَ انكم ترَوْنَ قتلا ذريعا فاشيا بِكُل مَكَان.
وَقَوله وَلأَهل الْحق جَوْلَة هُوَ من قَوْلك جال يجول فِي الْبِلَاد
يُرِيد أَنهم لايستقرون على أَمر يعرفونه ويطمئنون اليه فهم متحيرون.
وَقَوله يعْفُو لَهَا الْأَثر أَي يدرس والعفاء موت الْأَثر.
حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي شيخ مسن من بني
نهشل قَالَ كَانَ فِي أقطاع النَّاس اني أقطعتك من عفاء الأَرْض وَحقّ
السُّلْطَان وَابْن السَّبِيل أول شَارِب.
قَالَ السجسْتانِي عَنهُ العفاء موت الْأَثر وَقَالَ الزيَادي عَنهُ
عَفا الأَرْض مَا كَانَ عافيا لَيْسَ فِيهِ لمُسلم وَلَا لمعاهد شَيْء
وَالْقَوْلَان جَمِيعًا متقاربان.
والصفقة وَمَا يجمعُونَ عَلَيْهِ يُقَال صفق الْقَوْم لَهُ بالبيعة
وَأَصله من صفق يَده على يَده وَعنهُ يُقَال ربحت صفقتك اذا اشْتريت
شَيْئا وَيُقَال أَتَت الحلفة صفقتهم أَي بيعتهم كَأَنَّهُمْ كَانُوا
يتصافقون بِأَيْدِيهِم عِنْد كل أَمر يبرمونه فَيكون ذَلِك
(1/569)
كالحلف وَالدَّلِيل على انْقِطَاع الْأَمر
وَيُقَال أصفق النَّاس لفُلَان أَي اجْتَمعُوا لَهُ.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر حَدِيث الشَّفَاعَة انه قَالَ انما نَحن
حفْنَة من حفنات الله تَعَالَى.
يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن اسحاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة عَن
سعيد ابْن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَبَا بكر قَالَ ذَلِك.
الحفنة والحثوة شَيْء وَاحِد يُقَال حفن الْقَوْم من المَال وحاث لَهُم
اذا أعْطى كل رجل مِنْهُم حثوة وانما أَرَادَ أَبُو بكر انا على كثرتنا
يَوْم الْقِيَامَة قَلِيل عِنْد الله كالحفنة.
ويروى أَن عمر قَالَ: ان الله ان شَاءَ أَدخل خلقه الْجنَّة بكف
وَاحِدَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه ذكر الْمُسلمين فَقَالَ: فَمن ظلم
مِنْهُم أحدا فقد أَخْفَر ذمَّة الله وَمن ولي من أَمر النَّاس شَيْئا
فَلم يعطهم كتاب الله فَعَلَيهِ بهلة الله وَمن صلى الصُّبْح فَهُوَ
فِي خفرة الله.
يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن نصر بن عمرَان
أَو نصر بن عَاصِم عَن رَافع الطَّائِي عَن أبي بكر.
قَوْله أَخْفَر ذمَّة الله أَي نقض ذمَّة الله وَعَهده يُقَال
(1/570)
أخفرت فلَانا اذا كَانَ بَيْنك وَبَينه
عهدا أَو حلف فنقضه وَقَالَ زيد الْخَيل [من الطَّوِيل] ... اذا
أخفروكم مرّة كَانَ ذَلِكُم ... جيادا على فرسانهن العمائم ...
يَقُول اذا نقضوا مَا بَيْنكُم وَبينهمْ من الصُّلْح كَانَ ذَلِك
النَّقْض فُرْسَانًا يغيرون عَلَيْكُم.
وَيُقَال خفرت الرجل بِغَيْر ألف اذا حفظته فَأَنا خفير.
قَالَ عدي بن زيد [من الْخَفِيف] ... من رَأَيْت الْمنون خلدن أم من
... ذَا عَلَيْهِ من أَن يضام خفير ...
وَأَرَادَ أَبُو بكر أَن الْمُسلم قد أَخذ من الله باسلامه عهدا أَو
ذمَّة فَمن ظلمه فقد أَخْفَر تِلْكَ الذِّمَّة أَلا ترَاهُ يَقُول وَمن
صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي خفرة الله.
وفيهَا لُغَتَانِ أخريان خفارة وخفارة وَمثله بِشَارَة ودراية اللَّبن
ودوايته للَّذي يَعْلُو شبه الْجلْدَة الرقيقة.
وروى الْكسَائي الزِّيَارَة والزوارة وَقَالَ غَيره والفتاحة والفتاحة
وَهِي المحاكمة والفتاح الْحَاكِم.
(1/571)
وَقَوله عَلَيْهِ بهلة الله أَي لعنته
وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على
الْكَاذِبين} .
وفيهَا لُغَة أُخْرَى بهلة وَمثله سدفة اللَّيْل وسدفة وجهمة وجهمة
وبرهة من الدَّهْر وبرهة وَمَالِي عَلَيْهِ عرجة وَلَا عرجة وبقعة من
الأَرْض وبقعة وَجَلَست نبذة ونبذة أَي نَاحيَة.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه أشرف من كنيف وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس
ممسكته وَهِي موشومة الْيَدَيْنِ حِين اسْتخْلف عمر فَكَلَّمَهُمْ.
يرويهِ وَكِيع عَن يُونُس بن أبي اسحاق عَن أبي السّفر.
وَقَوله أشرف من كنيف يَعْنِي من ستْرَة وكل شَيْء سترك فَهُوَ كنيف
وَلذَلِك قيل للترس كنيف وَقَالَ لبيد من الوافر ... حريما يَوْم لم
يمنح حريما ... سيوفهم وَلَا الحجف الكنيف ...
أَي السَّاتِر وَمِنْه يُقَال كنفت الرجل اذا حطته وَمِنْه يُقَال
أَنْت فِي كنف الله أَي فِي ستر الله وَيُقَال أَيْضا كنف فلَان عَن
الشَّيْء وصدف ونكب أَي عدل وَمِنْه قَول الْقطَامِي
(1/572)
[من الطَّوِيل [ ... ليعلم مَا فِينَا عَن
البيع كانف ...
أَي عَادل.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه تزوج بنت خَارِجَة بن أبي زُهَيْر وهم
بالسنح فِي بني الْحَارِث بني الْخَزْرَج فَكَانَ اذا أَتَاهُم تَأتيه
النِّسَاء بأغنامهم فيحلب لَهُنَّ فَيَقُول أأنفج أم ألبد فان قَالَت
أنفج باعد الاناء من الضَّرع حَتَّى تشتد الرغوة فان قَالَت ألبد أدنى
الاناء من الضَّرع حَتَّى لَا يكون لَهُ رغوة.
يرويهِ يحيى بن آدم عَن ابْن ادريس عَن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان
عَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الراهب.
قَوْله أأنفج هُوَ من نفجت الشَّيْء فانتفج أَي عَظمته وَمِنْه قيل
انتفج الدَّابَّة اذا شرب المَاء فَعظم جنباه.
وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي زيد أَنه قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ
لمن ولدت لَهُ بنت هَنِيئًا لَك النافجة يُرِيدُونَ أَنه يَأْخُذ
(1/573)
مهرهَا ابلا يضمها الى ابله فينفجها.
وَقَوله أم ألبد هُوَ من لبد الشَّيْء يلبد لبودا وَتَلَبَّدَ أَيْضا
اذا انْضَمَّ بعضه الى بعض يُقَال ألبد فلَان بِالْمَكَانِ فَهُوَ ملبد
بِهِ اذا لزمَه وَأقَام بِهِ وَمِنْه قَول ابْن أبي بَرزَة وَذكر قوما
يعتزلون الْفِتْنَة عِصَابَة ملبدة خماص الْبُطُون من أَمْوَال النَّاس
خفاف الظُّهُور من دِمَائِهِمْ.
وخبرني السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ وَمن أمثالهم تلبدي
تصيدي يُرَاد انما تلبدتك لتثب وَمثله مخر نبق لينباع والمخر نبق
اللاطيء لينباع أَي لينبسط فيثب وَأنْشد [من السَّرِيع] ... ثمَّة
ينباع انبياع الشجاع ...
وَقَول الله جلّ وَعز: {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} هُوَ من هَذَا
أَي كَادُوا يركبونه ويلبدون بِهِ رَغْبَة فِيمَا سمعُوا من الْقُرْآن
وشهوة لَهُ.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود ان الْجِنّ أَتَوا فَجعلُوا يركبون رَسُول
(1/574)
الله وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لبدا جماعات
متظاهرين وَالْأَصْل من هَذَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان حسان لما هجا قُريْشًا قَالَت قُرَيْش
ان هَذَا الشتم مَا غَابَ عَنهُ ابْن أبي قُحَافَة.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن عَمه عَن ابْن أبي
الزِّنَاد قَوْلهم مَا غَابَ عَنهُ ابْن أبي قُحَافَة لم يُرِيدُوا أَن
أَبَا بكر واطأ حسان على الهجاء وَلَا حَضَره حِين هجاهم وانما
أَرَادوا ان أَبَا بكر عَالم بالأنساب وَالْأَخْبَار وان ذَاك لم يخف
عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَانَ رَحمَه الله هَذَا قَول الْأَصْمَعِي.
وَذكر ابْن اسحق ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان:
نافح عَن قَوْمك واسأله عَن معايب الْقَوْم يَعْنِي أَبَا بكر.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان الْأَنْصَار قَالَت لقريش منا
(1/575)
أَمِير ومنكم أَمِير فجَاء أَبُو بكر
فَقَالَ انا معشر هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش أكْرم النَّاس أحسابا
وأثقبه أنساباء ثمَّ نَحن بعد عترة رَسُول الله الَّتِي خرج مِنْهَا
وبيضته الَّتِي تفقأت عَنهُ وانما جيبت الْعَرَب عَنَّا كَمَا جيبت
الرَّحَى عَن قطبها.
يرويهِ زيد بن هرون عَن أبي مَالك النصري عَن عَليّ بن زيد قَوْله
أثقبه أنسابا يُرِيد أبينهم وأوضحهم والثاقب المضيء يُقَال حسب ثاقب
وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَأتبعهُ شهَاب ثاقب} أَي نجم مضيء.
يُقَال أثقب نارك والثقوب مَا تذكى بِهِ النَّار وَهُوَ مثل الْوقُود
وَقَالَ أَبُو الْأسود [من الطَّوِيل] ... أذاع بِهِ فِي النَّاس
حَتَّى كَأَنَّهُ ... بعلياء نَار أوقدت بثقوب ...
وَيُقَال أثقبت النَّار فثقبت وَمِنْه قَول سَاعِدَة [من الْكَامِل]
غَابَ تشيمه ضرام مثقب
تشيمه دخل فِيهِ.
وَقَوله وَنحن عترة رَسُول الله يُرِيد رهطه وَقد بيّنت هَذَا فِي صدر
هَذَا الْكتاب.
(1/576)
وَقَوله وانما جيبت الْعَرَب عَنَّا يُرِيد
خرقت الْعَرَب عَنَّا فَكُنَّا وسطا وَكَانَت الْعَرَب حوالينا كَمَا
خرقت الرَّحَى فِي وَسطهَا للقطب وَهُوَ الَّذِي تَدور عَلَيْهِ فقريش
كالقطب وَفِيه ثَلَاث لُغَات قطب وقطب وقطب وَيُقَال جبت الْقَمِيص اذا
قورت جيبه وجبيته اذا جعلت لَهُ جيبا.
وَأَرَادَ أَن قُريْشًا وَاسِطَة الْعَرَب ولبابها وَلذَلِك قيل فِي
النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ أوسطهم حسبا أَي خَيرهمْ
ووسط كل شَيْء خَيره وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} . قَالَ الشَّاعِر [من الْكَامِل] ... كَانَت
قُرَيْش بَيْضَة فتفلقت ... فالمخ خالصه لعبد منَاف ...
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان رجلا وقف عَلَيْهِ فلاث لوثا من كَلَام
فِي دهش فَقَالَ أَبُو بكر قُم يَا عمر الى الرجل فَانْظُر مَا شَأْنه
فَسَأَلَهُ عمر فَذكر أَنه ضافه ضيف فزنى بابنته.
يرويهِ يزِيد عَن مُحَمَّد بن اسحق عَن نَافِع عَن ابْن عمر أصل اللوث
الطي يُقَال لثت الْعِمَامَة ألوثها لوثا وَمِنْه قَول الشَّاعِر [من
الطَّوِيل] ... وَلم ينفض الادلاج لوث العمائم ...
(1/577)
وَأَرَادَ أَنه تكلم بِكَلَام مطوي لم
يشرحه وَلم يُبينهُ للاستحياء حَتَّى خلا بِهِ عمر فَصرحَ بِهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان عبد الرَّحْمَن ابْنه قَالَ لَهُ لقد
أهدفت لي يَوْم بدر فضفت عَنْك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر لكنك لَو أهدفت
لي لم أضف عَنْك.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين قَوْله
لقد أهدفت لي أَي أشرفت لي يُقَال أهدف فلَان واستهدف للشَّيْء إِذا
أربأ لَهُ وَمِنْه قيل للْبِنَاء الْمُرْتَفع هدف وَأرى هدف الرَّمْي
مِنْهُ لِأَنَّهُ شَيْء إرتفع للرامي فَرَآهُ وَيُقَال فِي غير هَذَا
الْموضع أهدفت الى فلَان أَي لجأت اليه.
وَقَالَ كَعْب الغنوي [من الطَّوِيل] ... عَظِيم رماد الْبَيْت يحتل
بَيته ... الى هدف لم يحتجبه غيوب ...
ويحتل وَيحل وَاحِد والهدف الْموضع الْمُرْتَفع لم يحتجبه غيوب أَي لم
يصر فِيهَا فيحجبه والغيوب مَا اطْمَأَن من الأَرْض وَاحِدهَا غيب
يُرِيد انه ينزل الْمَوَاضِع المرتفعة لِئَلَّا يخفى مَكَانَهُ على ضيف
أَو طَالب حَاجَة وَمثل هَذَا قَول الآخر
(1/578)
[من الطَّوِيل] ... عِظَام الْبيُوت ينزلون
الروابيا ...
وَقَوله فضفت عَنْك أَي عدلت عَنْك وملت يُقَال ضاف فلَان عَن الشَّيْء
وَمثله ضَاقَ قَالَ أَبُو زبيد [من الْخَفِيف] ... علل الْمَرْء
بالرجاء ويضحى ... غَرضا للمنون نصب الْعود
كل يَوْم ترميه مِنْهَا برشق ... فمصيب أَو ضاف غير بعيد ...
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه أكل مَعَ رجل بِهِ ضروة من جذام. .
هُوَ من ضرّ بِي الْعرق يضرو اذا سَالَ كَأَنَّهُ من الضراوة يُرَاد
أَن داءه قد ضري بِهِ قَالَ العجاج [من الرجز] ... مِمَّا ضرى الْعرق
بِهِ الضري ...
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه قَالَ فِي كَلَام لَهُ سلوا الله
(1/579)
الْعَفو والعافية والمعافاة وَاعْلَمُوا
أَن الصَّبْر نصف الايمان وَالْيَقِين الايمان كُله.
أما الْعَفو فالعفو عَن الذُّنُوب يكون بَين الله وَبَين العَبْد وَأما
الْعَافِيَة فالعافية من آفَات الدُّنْيَا وأهوال الْآخِرَة وَأما
المعاناة فان تَعْفُو عَن النَّاس وَيَعْفُو عَنْك فَلَا يكون يَوْم
الْقِيَامَة قصاص.
والمفاعلة تكون من اثْنَيْنِ نَحْو الْمُضَاربَة والمشاتمة وَهُوَ أَن
تضرب وتضرب وتشتم وتشتم وَكَذَلِكَ المعافاة هِيَ أَن تَعْفُو ويعفى
عَنْك
وَقد تكون المعافاة من الله جلّ وَعز تَقول رب عَافنِي كَمَا تكون
المعاقبة والمشارفة من وَاحِد إِلَّا أَن المعافاة فَفِي حَدِيث أبي
بكر على مَا أعلمتك
وَأما الصَّبْر فَثَلَاث دَرَجَات أَولهَا الصَّبْر على الْمُصِيبَة
وَثَانِيها الصَّبْر على الطَّاعَة وأعلاها الصَّبْر على الْمعْصِيَة
وَأما الْيَقِين فدرجتان إِحْدَاهمَا يَقِين السّمع وَالْأُخْرَى
يَقِين النّظر وَهَذَا أَعلَى الْيَقِين قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى
حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رب أَرِنِي كَيفَ
تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن
قلبِي} أَي يَقِين النّظر وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْسَ الْمخبر كالمعاين حِين ذكر مُوسَى إِذْ
(1/580)
أعلمهُ الله جلّ وَعز أَن قومه عبدُوا
الْعجل فَلم يلق الألواح فَلَمَّا عاينهم عاكفين عَلَيْهِ غضب وَألقى
الألواح حَتَّى انْكَسَرت
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه رأى رجلا يتَوَضَّأ فَقَالَ عَلَيْك
بالمغفلة والمنشلة
يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن عَمْرو بن الْحَارِث قَالَ عَن عقبَة بن
مُسلم عَن أبي عبد الرحمن الحبلي عَن الصنَابحِي
قَالُوا المغفلة العنفقة سميت بذلك لِأَن كثيرا من النَّاس يغْفل
عَنْهَا وَعَما تحتهَا
والمنشلة مَوضِع الْخَاتم من الْخِنْصر وَلَا أَحْسبهُ سمي مَوضِع
الْخَاتم منشلة إِلَّا لِأَنَّهُ إِذا أَرَادَ غسله نشل الْخَاتم من
ذَلِك الْموضع أَي اقتلعه مِنْهُ ثمَّ غسله ورد الْخَاتم
(1/581)
حَدِيث عمر بن الْخطاب
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب النَّاس فَقَالَ إِن أخوف مَا أَخَاف
عَلَيْكُم أَن يُؤْخَذ الرجل الْمُسلم البريء عِنْد الله فيدسر كَمَا
يدسر الْجَزُور ويشاط لَحْمه كَمَا يشاط لحم الْجَزُور يُقَال عَاص
وَلَيْسَ بعاص فَقَالَ عَليّ وَكَيف ذَاك وَلما تشتد البلية وَتظهر
الحمية وتسب الذُّرِّيَّة وتدقهم الْفِتَن دق الرَّحَى بثفالها
يرويهِ سعيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي عَن أبي ثميلة وَهُوَ يحيى بن وَاضح
عَن رُمَيْح بن هِلَال عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن عمر
قَوْله يدسر أَي يدْفع حَتَّى يسْقط يُقَال دسرته دسرا وَمِنْه حَدِيث
ابْن عَبَّاس قَالَ
حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
عَمْرو عَن ابْن أذينة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَيْسَ فِي العنبر
زَكَاة إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر أَي دَفعه وألقاه
وَقَوله يشاط لَحْمه كَمَا يشاط لحم الْجَزُور أَي يبضع وَيقطع
وَالْأَصْل فِي الإشاطة الإحراق فاستعير وَمِنْه قَول عمر الْقسَامَة
توجب الْعقل وَلَا تشيط الدَّم
يَقُول إِذا حَلَفت فَإِنَّمَا تجب الدِّيَة لَا الْقود
(1/582)
ويروى عَن عمر بن عبد العزيز وَابْن الزبير
إنَّهُمَا أقادا بالقسامة
وَمن الإشاطة الحَدِيث فِي يَوْم مُؤْتَة أَن زيد بن حَارِثَة قَاتل
براية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى شاط فِي رماح
الْقَوْم وَقَول عَليّ دق الرَّحَى بثفالها والثفال جلدَة تبسط تَحت
الرَّحَى ليَقَع عَلَيْهَا الدَّقِيق قَالَ زُهَيْر وَذكر الْحَرْب [من
الطَّوِيل] ... فتعرككم عَرك الرَّحَى بثفالها ... وتلقح كشافا ثمَّ
تحمل فتتئم ...
العرك الدَّلْك وَقَوله عَرك الرَّحَى بثفالها يُرِيد دقتها للحب إِذا
كَانَت مثقلة وَلَيْسَت تكون مثقلة إِلَّا وَهِي تطحن فَأَرَادَ دق
الرَّحَى وَهِي طاحنة
وَأَرَادَ عَليّ رَحمَه الله الرَّحَى الَّتِي تديرها الْيَد لِأَن
الثفال يوضع تحتهَا فَهِيَ تدقه
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ لَا تفطروا حَتَّى تروا اللَّيْل
يغسق على الظراب
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة
قَالَ
(1/583)
أرسل الْحجَّاج إِلَى عبد الله بن عكيم
فَذكر ذَلِك عَن عمر فِي حَدِيث فِيهِ طول
يغسق يظلم يُقَال غسق فَهُوَ غَاسِق والظراب جمع ظرب وَهُوَ دون
الْجَبَل قَالَ الشَّاعِر [من الْخَفِيف] ... إِن جَنْبي على الْفراش
لناب ... كتجافي الْأسر فَوق الظراب ...
وَقد يجمع الظراب فَيُقَال ظرب مثل كتاب وَكتب يُقَال فِي بعض الحكم
إياك والرعب فَإِنَّهُ يزِيل الْحلم كالظراب وَإِنَّمَا اخْتصَّ الظراب
لقصرها فَأَرَادَ أَن ظلمَة اللَّيْل تقرب من الأَرْض قَالَ الْهُذلِيّ
[من مجزوء الْكَامِل] ... دلجي إِذا مَا اللَّيْل جن على المقرنة
الحباحب ...
المقرنة الْجبَال الَّتِي يدنو بَعْضهَا من بعض كَأَنَّهَا قرنت
والحباحب الصغار مِنْهَا فَإِذا اشْتَدَّ سَواد اللَّيْل اسْتَوَت
الْأَعْلَام والأكام فِي الْعين وَقَالَ الآخر [من الطَّوِيل] ... إِذا
لم يُنَازع جَاهِل الْقَوْم ذَا النهى ... وبلدت الْأَعْلَام
بِاللَّيْلِ كالأكم ...
يَقُول استسلم الْقَوْم للأولاد وَسكت من سواهُم لأَنهم فِي تيه وَفِي
ليل وبلدت كَأَنَّهَا لزقت بِالْأَرْضِ بِاللَّيْلِ والأعلام
(1/584)
الْجبَال الطوَال صَارَت كَأَنَّهَا آكام
فِي الْعين وَمثله [من مخلع الْبَسِيط] ... حَتَّى إِذا مَا دجا وَسوى
... بَين القرارات والآكام ...
القرارات جمع قرارة وَهُوَ مَوضِع مطمئن يسْتَقرّ فِيهِ مَاء الْمَطَر
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن عمرَان بن سوَادَة أَخا بني لَيْث قَالَ
لَهُ أَربع خِصَال عاتبتك عَلَيْهَا رعيتك فَوضع عود الدرة ثمَّ ذقن
عَلَيْهَا وَقَالَ هَات قَالَ ذكرُوا أَنَّك حرمت الْعمرَة فِي أشهر
الْحَج فَقَالَ عمر أجل إِنَّكُم إِن اعتمرتم فِي أشهر حَجكُمْ
رأيتموها مجزئة لكم من حَجكُمْ فقرع حَجكُمْ فَكَانَت قائبة قوب عامها
وَالْحج بهاء من بهاء الله قَالَ وَشَكوا مِنْك عنف السِّيَاق وقهر
الرّعية قَالَ فَنزع الدرة ثمَّ مسحها حَتَّى أَتَى على سيورها وَقَالَ
أَنا زميل مُحَمَّد فِي غَزْوَة قرقرة الكدر ثمَّ إِنِّي وَالله لأرتع
فأشبع وأسقي فأروى وأضرب الْعرُوض وأزجر العجول وأذب قدري وأسوق خطوي
وأرد اللفوت وأضم العنود وَأكْثر الزّجر وَأَقل الضَّرْب وَأشهر بالعصا
وأدفع بِالْيَدِ وَلَوْلَا ذَلِك لأغدرت
يرويهِ يُوسُف بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن عبد الرحمن بن نباتة عَن
(1/585)
عمرَان بن سوَادَة أخي بني لَيْث
قَوْله ذقن عَلَيْهَا أَي وضع عَلَيْهَا ذقنه يستمع وَقَوله فقرع
حَجكُمْ أَي خلت أَيَّام الْحَج من النَّاس وَكَانُوا يتعوذون بِاللَّه
من قرع الْغناء وَذَلِكَ أَلا يكون عَلَيْهِ غاشية وزوار وَمن قرع
المراح وَذَلِكَ أَلا تكون إبل
والقائبة قشر الْبَيْضَة إِذا خرج مِنْهَا الفرخ والقوب الفرخ
وأنشدني مُحَمَّد بن عمر عَن ابْن كناسَة للكميت وَذكر النِّسَاء [من
الوافر] ... لَهُنَّ وللمشيب وَمن علاهُ ... من الْأَمْثَال قائبة وقوب
...
وَفَسرهُ فَقَالَ أَرَادَ أَن النِّسَاء ينفرن من ذِي المشيب ويفارقنه
كَمَا يُفَارق القوب وَهُوَ الفرخ القائبة وَهِي الْبَيْضَة فَلَا يعود
إِلَيْهَا بعد خُرُوجه مِنْهَا أبدا وَأَرَادَ عمر أَنكُمْ إِذا
رَأَيْتُمْ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج كَافِيَة من الْحَج خلت مَكَّة من
الْحَاج فَكَانَت كبيضة فَارقهَا الفرخ فخلت عامها
وَقَوله إِنِّي وَالله أرتع فأشبع وأسقي فأروي يُرِيد أَنه حسن الرّعية
لِلْإِبِلِ إِذا أرتع الْإِبِل أَي أرسلها ترعى تَركهَا حَتَّى تشبع
وَإِذا سَقَاهَا تَركهَا حَتَّى تروى وَلم يرد الْإِبِل هَاهُنَا وأنما
هُوَ مثل ضربه لسياسته النَّاس
(1/586)
وَقَوله أضْرب الْعرُوض وَالْعرُوض هُوَ
الَّذِي يَأْخُذ يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يلْزم المحجة يَقُول أضربه
حَتَّى يعود إِلَى الطَّرِيق
وَمثله قَوْله وأضم العنود أَي الَّتِي تعند عَن الطَّرِيق وأذب قدري
وأسوق خطوي أَي أذب قدر طاقتي وأسوق قدر خطوي وأرد اللفوت وَهُوَ
الَّذِي يتلفت يَمِينا وَشمَالًا ويروغ
وَقَوله وَأكْثر الزّجر وَأَقل الضَّرْب يُرِيد أَنه يقْتَصر أبدا على
الزّجر وَمَا اكْتفى بِهِ حَتَّى يضْطَر إِلَى الضَّرْب
وَقَوله وَأشهر بالعصا وأدفع بِالْيَدِ يُرِيد أَنه يرفع الْعَصَا يرهب
بهَا وَلَا يستعملها وَلكنه يدْفع بِيَدِهِ
وَقَوله وَلَوْلَا ذَلِك لأغدرت يُرِيد لَوْلَا هَذَا التَّدْبِير
وَهَذِه السياسة لخلفت بعض مَا أسوق
وَهَذِه أَمْثَال ضربهَا أَصْلهَا فِي رعيه الْإِبِل وسوقها وَإِنَّمَا
يُرِيد بهَا حسن سياسته النَّاس فِي هَذَا الْغُزَاة الَّتِي ذكرهَا
يَقُول فَإِذا كنت أفعل هَذَا فِي أَيَّام رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَعَ طَاعَة النَّاس لَهُ وتعظيمهم إِيَّاه فَكيف لَا
أَفعلهُ بعده وَإِن كَانَ راعي الْإِبِل رَفِيقًا بهَا عَالما بمصالحها
قيل لَهُ ترعية وَإِذا كَانَ عنيفا بهَا يخرق فِي إيرادها وإصدارها قيل
حطمة لِأَنَّهُ يحطمها ويلقي بَعْضهَا على بعض
وروى جرير بن حَازِم عَن الْحسن عَن عَائِذ بن عَمْرو أَنه دخل
(1/587)
على عبيد الله بن زِيَاد فَقَالَ لَهُ أَي
بني سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول شَرّ الرعاء
الحطمة وَكَانَ بعض الروَاة يعيب قَول أبي النَّجْم فِي صفة راعي
الْإِبِل [من الرجز] ... صلب الْعَصَا جَاف عَن التغزل ...
وَيَقُول الرَّاعِي لَا يُوصف بصلابة الْعَصَا وَإِنَّمَا الْجيد قَول
الرَّاعِي [من الطَّوِيل] ... ضَعِيف الْعَصَا بَادِي الْعُرُوق ترى
لَهُ ... عَلَيْهَا إِذا مَا أمحل النَّاس إصبعا ...
أَي أثرا حسنا
وَقَالَ بَعضهم لم يرد أَبُو النَّجْم الْعَصَا الَّتِي تكون مَعَه
إِنَّمَا أَرَادَ أَنه صلب الْقَنَاة يَعْنِي الْبدن وَيُقَال أَيْضا
حطم بِلَا هَاء وَأنْشد الْأَصْمَعِي [من الرجز] ... قد حشها اللَّيْل
بسواق حطم ...
(1/588)
وَتَفْسِير هَذَا يَقع فِي تَفْسِير حَدِيث
الْحجَّاج بن يُوسُف
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ للسائب ورع عني بالدرهم
وَالدِّرْهَمَيْنِ
حدّثنَاهُ إِسْحَق بن رَاهَوَيْه قَالَ حدّثنَاهُ الْمُقْرِئ عبد الله
بن يزِيد عَن سعيد بن أبي أَيُّوب عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن ابْن
شهَاب
وَقَوله ورع عني أَي كف عني الْخُصُوم فِي قدر الدِّرْهَم
وَالدِّرْهَمَيْنِ بِأَن تنظر فِي ذَلِك وتقضي فِيهِ بَينهم وتنوب عني
وكل من كففته فقد ورعته وَقَالَ الرَّاعِي وَذكر الْإِبِل [من
الطَّوِيل] ... إِذا ورعت أَن تركب الْحَوْض كسرت ... بأركان هضب كل
رطب وذابل ...
يَقُول إِذا كفت عَن أَن تزدحم على الْحَوْض قحمت بأجسام كأركان
الْجبَال فَكسرت كل رطب وذابل عَن عصي الرعاء وَمِنْه الْوَرع فِي
الدّين إِنَّمَا هُوَ الْكَفّ عَن الْمعاصِي وَمِنْه قَول عمر بن
الْخطاب لَا تنظروا إِلَى صِيَام أحدكُم وَلَا صلَاته وَلَكِن
انْظُرُوا من إِذا حدث صدق وَإِذا اؤتمن أدّى وَإِذا أشفى ورع
يُرِيد إِذا أشرف على مَال يَأْخُذهُ أَو على مَعْصِيّة تركب ورع أَي
كف
(1/589)
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب النَّاس
فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس لينكح الرجل مِنْكُم لمته من النِّسَاء
ولتنكح الْمَرْأَة لمتها من الرِّجَال حَدَّثَنِيهِ هرون بن مُوسَى عَن
إِبْرَاهِيم بن إِسْحَق الطَّالقَانِي عَن عِيسَى بن يُونُس عَن أبي
بكر الغساني عَن أبي المجاشع الْأَزْدِيّ
لمة الرجل من النِّسَاء مثله فِي السن وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث
الْمَوْضُوع على فَاطِمَة رَحمهَا الله إِنَّهَا خرجت فِي لمة من
نسائها تتوطأ ذيولهاه حَتَّى دخلت على أبي بكر فكلمته بذلك الْكَلَام
وَقد كنت كتبته وَأَنا أرى أَن لَهُ أصلا ثمَّ سَأَلت عَنهُ رجال
الحَدِيث فَقَالَ لي بعض نقلة الْأَخْبَار أَنا أسن من هَذَا الحَدِيث
وَأعرف من عمله
وَحدثنَا أَحْمد بن نصر النَّيْسَابُورِي بِإِسْنَاد ذكره إِن فَاطِمَة
عَلَيْهَا السَّلَام قَالَت بعد موت أَبِيهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
[من الْبَسِيط] ... قد كَانَ بعْدك أنباء وهنبثة ... لَو كنت حاضرها لم
تكْثر الْخطب
إِنَّا فقدناك فقد الأَرْض وابلها ... فاختل قَوْمك فاشهدهم وَلَا تغب
...
(1/590)
وَهَذَانِ البيتان هما سَبَب وضع ذَلِك
الْكَلَام
أَرَادَ عمر لَا تنْكح الشَّابَّة الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا ينْكح
الشَّاب الْعَجُوز وَأَن ينْكح كل وَاحِد قرنه وشكله
وَكَانَ سَبَب هَذِه الْخطْبَة أَن شَابة زوجت شَيخا فَقتلته
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا أَتَاهُ يشكو إِلَيْهِ النقرس فَقَالَ
كذبتك الظهائر
يرويهِ أَبُو نعيم عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس
بن ابي حَازِم
الظهائر جمع ظهيرة وَهِي الهاجرة وَقت الزَّوَال وَقَوله كذبتك أَي
عَلَيْك بهَا وَهَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب فِي معنى الإغراء كَذبك
كَذَا أَي عَلَيْك بِهِ وَكذب عَلَيْك كَذَا وَمِنْه حَدِيث النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحجامَة
روى أَبُو عبد الرحمن الْمقري عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن
الْمثنى بن عَمْرو عَن أبي سِنَان عَن أبي قلَابَة عَن عبد الله بن عمر
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحجامَة على الرِّيق
فِيهَا شِفَاء وبركة وتزيد فِي الْعقل وَفِي الْحِفْظ فَمن احْتجم
فَيوم الْخَمِيس والأحد كذباك أَو يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء
فَإِنَّهُ
(1/591)
الْيَوْم الَّذِي كشف الله فِيهِ عَن
أَيُّوب الْبلَاء وأصابه يَوْم الْأَرْبَعَاء ثمَّ قَالَ وَلَا يَبْدُو
بِأحد من جذام أَو برص إِلَّا فِي يَوْم أربعاء أَو لَيْلَة أربعاء
قَوْله كذباك أَي عَلَيْك بهما وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر [من
الطَّوِيل] ... كذبت عَلَيْكُم أوعدوني وعللوا ... بِي الأَرْض
والأقوام قردان موظبا ...
قَوْله عللوا بِي الأَرْض أَي تغنوا بهجائي فِي أسفاركم وعللوا بِهِ
السّفر يَا قردان موظب
وَإِنَّمَا أَمر عمر صَاحب النقرس أَن يبرز للْحرّ فِي الهاجرة
وَيَمْشي فِيهَا حافيا ويبتذل نَفسه فَإِن ذَلِك يذهب النقرس
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا كسر مِنْهُ عظم فَأتى عمر بن الْخطاب
يطْلب الْقود فَأبى أَن يُقَيِّدهُ فَقَالَ الرجل هُوَ إِذا كالأرقم
إِن يقتل ينقم وَإِن يتْرك يلقم قَالَ فَهُوَ كالأرقم
يرويهِ يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الْحجَّاج عَن عَطاء
الأرقم الْحَيَّة وَجمعه أراقم وَمِنْه قيل لبني جشم الأراقم وَذَلِكَ
أَن قَائِلا
(1/592)
قَالَ ورآهم صغَارًا كَأَن عيونهم عُيُون
الأراقم
وَقَوله إِن يقتل ينقم يُرِيد إِن قتلته كَانَ لَهُ من ينْتَقم مِنْك
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَزْعمُونَ أَن الْجِنّ تطلب بثأر الجان
فَرُبمَا مَاتَ قَاتله وَرُبمَا أَصَابَهُ خبل
وَرُوِيَ ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله أَمر بقتل الْحَيَّات وَقَالَ
من خَافَ ثأرهن فَلَيْسَ منا
وَقَالَ ابْن عَبَّاس الجان مسيخ الْجِنّ كَمَا مسخت القردة من بني
إِسْرَائِيل
وَقَوله إِن يتْرك يلقم يَقُول إِن تركته أكلك وَهَذَا مثل يضْرب للرجل
يجْتَمع عَلَيْهِ أَمْرَانِ من الشَّرّ لَا يدْرِي كَيفَ يصنع فيهمَا
وَمثله قَوْلهم أشقر إِن يتَقَدَّم ينْحَر وَإِن يتَأَخَّر يعقر
وَيُقَال إِن أول من قَالَه لَقِيط بن زُرَارَة فِي يَوْم جبلة وَأنْشد
أَبُو زيد فِي نَحْو هَذَا [من الطَّوِيل]
(1/593)
.. وَهل أَنا إِلَّا مثل سيقة العدى ...
إِن استقدمت نحر وَإِن جبأت عقر ...
سيقة العدى أَي سَاقه الْأَعْدَاء يُقَال أَيْضا شيقة العدى أَي
طَلِيعَة الْأَعْدَاء جبأت تَأَخَّرت فَأَرَادَ الرجل أَنه قد وَقع
بَين أَمريْن كسر عظم من عِظَامه وَعدم الْقود من الْجَانِي عَلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي الْعظم إِذا كسر قَود لِأَنَّهُ يخَاف على الْمُقْتَص
مِنْهُ الْمَوْت وَلَكِن فِيهِ الدِّيَة
روى يحيى بن زَكَرِيَّا عَن أَشْعَث عَن الْحسن أَنه قَالَ لَا قصاص
فِي عظم قَالَ فَذكرت ذَلِك لعامر فَقَالَ مَا أنْكرت من ذَلِك
أَرَأَيْت لَو كسر فَخذه أَكنت تكسر فَخذه أَو كسر سَاقه أَكنت تكسر
سَاقه
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أَتَى قبَاء فَرَأى فِيهِ شَيْئا من
غُبَار وعنكبوت فَقَالَ لرجل ائْتِنِي بجريدة وَاتَّقِ العواهن قَالَ
فَجِئْته بهَا فَربط كميه بوذمة ثمَّ أَخذ الجريدة فَجعل يتتبع بهَا
الْغُبَار
يرويهِ ضرار بن صرر عَن عبد العزيز بن مُحَمَّد عَن إِسْحَق بن
الْمُسْتَوْرد عَن عبد الرحمن بن يزِيد بن حَارِثَة عَن أبي حَارِثَة
عَن أبي ليلى قَالَ أَتَانَا عمر فِي مَسْجِدنَا فِي قبَاء ثمَّ ذكر
الحَدِيث
(1/594)
الجريدة السعفة وَجَمعهَا جريد وَهِي
أَيْضا الْخرص وَجَمعهَا خرصان
والعواهن هِيَ السعفات اللواتي بَين القلبة والقلبة جمع قلب
وَأهل نجد يسمون العواهن الخوافي وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْهَا إشفاقا
على الْقلب أَن يضر بِهِ قطعهَا والعواهن فِي غير هَذَا عروق فِي رحم
النَّاقة
والوذمة سير من سيور الدَّلْو وَيكون لغَيْرهَا وَجَمعهَا وذم وَهِي
الَّتِي تكون بَين أَذَان الدَّلْو والعراقي يُقَال أوذمت الدَّلْو
إِذا شددتها بالوذم والعرقوتان الخشبتان اللَّتَان تعرضان على الدَّلْو
مثل الصَّلِيب
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب فَقَالَ فِي خطبَته أَلا لَا تضربوا
الْمُسلمين فتذلوهم وَلَا تمنعوهم حُقُوقهم فتكفروهم وَلَا تجمروهم
فتفتنوهم
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي
إِسْحَق عَن سعيد الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي فراس قَالَ خَطَبنَا
عمر فَقَالَ ذَلِك
(1/595)
قَوْله لَا تجمروهم هُوَ من التجمير
وَذَلِكَ أَن يتْرك الْجَيْش فِي مغازيهم لَا يقفلون قَالَ الشَّاعِر
[من الرجز] ... فاليوم لَا ظلم وَلَا تسيير ... وَلَا لغاز إِن غزا
تجمير ...
وَيُقَال ايضا أجمرتهم فَأَنا أجمرهم إجمارا قَالَ الآخر [من
الطَّوِيل] ... معاوي إِمَّا أَن تجهز أهلنا ... إِلَيْنَا وَإِمَّا
أَن نؤوب معاويا
أأجمرتنا إجمار كسْرَى جُنُوده ... ومنيتنا حَتَّى مللنا الأمانيا ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أَتَى بمروط فَقَسمهَا بَين نسَاء
الْمُسلمين وَدفع مِرْطًا بَقِي إِلَى أم سليط الْأَنْصَارِيَّة
وَكَانَت تزفر الْقرب يَوْم أحد تَسْقِي الْمُسلمين
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي
إِسْحَق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ
المروط أكسية من صوف كَانُوا يَأْتَزِرُونَ بهَا وَرُبمَا كَانَت من
خَز أَو غَيره
وَقَوله تزفر الْقرب أَي تحملهَا على ظهرهَا
(1/596)
والزفر الْحمل على الظّهْر وَيُقَال للإماء
اللواتي يحملن الْقرب على ظهورهن زوافر قَالَ الْكُمَيْت وَذكر
الْمنَازل [من مجزوء الْكَامِل] ... تمشي بهَا ربد النعا ... م تماشي
الآم الزوافر ...
الآم جمع أمة
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ بَينا
أَنا جَالس فِي أَهلِي حِين متع النَّهَار إِذا رَسُوله فَانْطَلَقت
حَتَّى أَدخل عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ جَالس على رمال سَرِير ثمَّ ذكر
حَدِيثا طَويلا فِي الْفَيْء وسبله
يرويهِ عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل عَن ابْن شهَاب
عَن مَالك بن أَوْس
متع النَّهَار أَي تَعَالَى وَهُوَ من الماتع والماتع الطَّوِيل
وَإِنَّمَا أَرَادَ تطاول مَا مضى من النَّهَار وَمِنْه يُقَال فِي
الدُّعَاء أمتع الله بك
(1/597)
ويروى عَن كَعْب أَنه ذكر الدَّجَّال
فَقَالَ يسخر مَعَه جبل ماتع خلاطه ثريد قَالَ الْمسيب بن علس [من
الْكَامِل] ... وَكَأن غزلان الصرائم إِذْ ... متع النَّهَار وأرشق
الحدق ...
وَمثله تلع النَّهَار أَيْضا إِذا ارْتَفع وَقَوله رمال سَرِير يُرِيد
نسجا فِي وَجه السرير من السعف يُقَال رملته وللمرأة الَّتِي تعْمل
ذَلِك راملة وَفِيه لُغَة أُخْرَى أرملت قَالَ كَعْب بن زُهَيْر يصف
طَرِيقا [من الْبَسِيط] ... ولاحب كحصير الراملات ترى ... من الْمطِي
على حَافَّاته حبقا ...
وَقَالَ الراجز [من الرجز] ... كَأَن نسج العنكبوت المرمل ...
جر المرمل بالجوار
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ اعطوا من الصَّدَقَة من
(1/598)
أبقت لَهُ السّنة غنما وَلَا تعطوا من ابقت
لَهُ السّنة غنمين
يرويهِ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن أبي نجيح عَن رجل عَن عمر
السّنة هَاهُنَا الأزمة يُقَال أَصَابَتْهُم السّنة إِذا أجدبوا
وَأَرْض بني فلَان سنة إِذا كَانَت مُجْدِبَة وَمِنْه قَول الله تبَارك
وَتَعَالَى {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنقص من
الثمرات}
وَكَانَ عمر لَا يُجِيز نِكَاحا فِي عَام سنة وَيَقُول لَعَلَّ الضيقة
تحملهم على أَن ينكحوا غير الْأَكفاء وَقَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل
... أَرَادَ ابْن كوز والسفاهة كاسمها ... ليستاد منا إِن شتونا لياليا
...
وَكَانَ عمر أَيْضا لَا يقطع سَارِقا فِي عَام سنة
وَقَوله غنما أَي قِطْعَة من الْغنم يُقَال لفُلَان غنمان أَي قطعتان
من الْغنم قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... هما سيدانا يزعمان
وَإِنَّمَا ... يسوداننا إِن يسرت غنماهما
فَأَرَادَ عمر أَن يُعْطي من الصَّدَقَة من لم تبْق لَهُ السّنة من
غنمه إِلَّا قِطْعَة وَاحِدَة لَا يقطع مثلهَا فَتكون الصَّدَقَة
قطعتين
(1/599)
لقلتهَا وَألا يُعْطي مِنْهَا من أبقت لَهُ
غنما يقطعهَا ويجعلها فِي مكانين لكثرتها أَلا ترى أَن الْغنم قد تكون
خمْسا وَعشرا وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل وَأَن الْغَنَمَيْنِ لَا يكون
أَحدهمَا إِلَّا قطيعا وَنَحْوه لِأَنَّهَا لَا تفرق فَتكون فِي مكانين
إِلَّا للكثرة
وَقَالَ ابْن أبي نجيح الْغنم مائَة شَاة كَأَن القطيع الَّذِي يفرد
عِنْده مائَة وَلست أحفظ عَن عُلَمَائِنَا فِي الْغنم حدا محدودا
وَقَالَ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي إِذا كَانَت الْإِبِل مائَة قيل
لَهَا إبل يُقَال لَهُ إبلان أَي مِائَتَان من الْإِبِل وَلم يذكر فِي
الْغنم شَيْئا فَإِن كَانَ الَّذِي ذكره ابْن أبي نجيح مَحْفُوظًا
مَعْرُوفا فَأرى عمر رَحمَه الله عِنْده قد أَمر بِأَن تدفع الصَّدَقَة
إِلَى من لَهُ مائَة من الْغنم وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَغَنِيّ
وَالَّذِي تقدم من تفسيرنا مُوَافق للسّنة واللغة
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه انكفأ لَونه فِي عَام الرَّمَادَة حِين
قَالَ لَا آكل سمنا وَأَنه اتخذ أَيَّام كَانَ يطعم النَّاس قدحا فِيهِ
فرض فَكَانَ يطوف على القصاع فيغمز الْقدح فَإِن لم تبلغ الثريدة
الْفَرْض فتعال فَانْظُر مَاذَا يفعل بِالَّذِي ولي الطَّعَام
حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن عبد الله بن
عمر الْعمريّ
قَوْله انكفأ لَونه يُرِيد تغير عَن حَاله وَحَال
(1/600)
وَالْأَصْل فِي الانكفاء الانقلاب وَمِنْه
يُقَال كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال أرمد
النَّاس إِذا جهدوا وَلذَلِك قيل عَام الرَّمَادَة والرمد الْهَلَاك
وَمِنْه قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... صببت عَلَيْكُم حاصبي
فتركتكم ... كأصرام عَاد حِين جللها الرمد ...
والقدح السهْم وَجمعه قداح وَالْفَرْض الحز يُقَال فرضت المسواك والزند
إِذا حززت فيهمَا وَمِنْه قَول عَمْرو بن الْعَاصِ للنجاشي إِنَّهُم
يَعْنِي الْمُهَاجِرين يخالفونك فِي عِيسَى وَأمه قَالُوا بقول كَمَا
قَالَ الله هُوَ كلمة الله وروحه أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاء البتول
الَّتِي لم يمسسها بشر وَلم يفترضها ولد
يُرِيد قبل الْمَسِيح وَكَأن عمر جعل هَذَا الْفَرْض عَلامَة لمنتهى
الثَّرِيد فِي الصحاف
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه كَانَ أروح كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس
يَمْشُونَ كَأَنَّهُ من رجال بني سدوس
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن سماك بن
حَرْب الأروح الَّذِي يتدانى عقباه وتتباعد صُدُور قَدَمَيْهِ يُقَال
أروح بَين الرّوح والأفحج الَّذِي تتدانى صُدُور قَدَمَيْهِ
(1/601)
ويتباعد عقباه وتنفحج ساقاه والوكع ميل
إِبْهَام الرجل على الْأَصَابِع حَتَّى تَزُول فَيرى شخص أَصْلهَا
خَارِجا وَمِنْه يُقَال أمة وكعاء
وَبَنُو سدوس من شَيبَان والطول أغلب عَلَيْهِم
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن ابْن عَبَّاس قَالَ دَعَاني عمر فَإِذا
حَصِير بَين يَدَيْهِ عَلَيْهِ الذَّهَب منثورا نثر الحثا فَأمرنِي
بقسمه
يرويهِ أَبُو النَّضر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال
عَن زُهَيْر بن حَيَّان قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يذكر ذَلِك
الحثا التِّبْن وَيُقَال هُوَ دقاق التِّبْن قَالَ الشَّاعِر [من
الطَّوِيل] ... وأغبر مسحول التُّرَاب ترى بِهِ ... حثى طردته الرّيح
من كل مطرد ...
ويروى ترى بِهِ جثى جمع جثوَة وَهِي جُمُعَة من التُّرَاب تجمعها
الرّيح وَقَالَ أحد الرجاز يهجو رجلا [من الرجز] ... وَيَأْكُل
التَّمْر وَلَا يلقِي النَّوَى ... كَأَنَّهُ غرارة ملأى جثا ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ النِّسَاء ثَلَاث فهينة لينَة
(1/602)
عفيفة مسلمة تعين أَهلهَا على الْعَيْش
وَلَا تعين الْعَيْش على أَهلهَا وَأُخْرَى وعَاء للْوَلَد وَأُخْرَى
غل قمل يَضَعهُ الله فِي عنق من يَشَاء ويفكه عَمَّن يَشَاء
وَالرِّجَال ثَلَاثَة رجل ذُو رَأْي وعقل وَرجل إِذا حزبه أَمر أَتَى
ذَا رَأْي فَاسْتَشَارَهُ وَرجل حائر بائر لَا يأتمر رشدا وَلَا يُطِيع
مرشدا
كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يروي هَذَا الحَدِيث عَن عبد الملك بن
عُمَيْر وحدثنيه عبد الرحمن عَن عَمه عَن شيخ من بني العنبر أَنه قَالَ
كَانَ يُقَال وَذكر الْكَلَام كُله وَلم يروه عَن عمر
وَقَالَ وَرجل يَنْتَهِي إِلَى رَأْي ذِي اللب والمقدرة وَقَالَ
الْمقدرَة من التَّقْدِير والمقدرة من الْيَسَار والحائر المتحير فِي
أمره يُقَال رجل حيران وحائر وَامْرَأَة حيرى والبائر الْهَالِك يُقَال
بار يبور بورا وأباره الله وَمِنْه قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {قوما
بورا} يُقَال رجل بور إِذا كَانَ فَاسِدا هَالكا لَا خير فِيهِ وَقوم
بور
وَقَوله غل قمل وَالْأَصْل فِيهِ أَنهم كَانُوا يغلون بالقد وَعَلِيهِ
الشّعْر فيقمل على الرجل
وَقَوله لَا يأتمر رشدا أَي لَا يَأْتِي برشد من ذَات نَفسه يُقَال لمن
فعل الشَّيْء عَن غير مُشَاورَة قد ائتمر وَيُقَال
(1/603)
بئس مَا أتمرت لنَفسك قَالَ النمر بن تولب
[من المديد] ... اعلمي أَن كل مؤتمر ... مُخطئ فِي الرَّأْي أَحْيَانًا
فَإِذا مالم يصب رشدا ... كَانَ بعض اللوم ثنيانا ...
يَقُول إِذا ركب رَأسه وَفعل الشَّيْء عَن غير مُشَاورَة فَلَا بُد من
أَن يُخطئ فَإِذا لم يصب رشدا لامه النَّاس لوما بعد اللوم الأول على
ركُوبه هَوَاهُ بِغَيْر مُشَاورَة وَالثَّانِي على خطأه وَقَالَ ربيعَة
بن جشم [من المتقارب] ... أحاربن عَمْرو كَأَنِّي خمر ... يعدو على
الْمَرْء مَا يأتمر ...
خمر أَي كَأَنِّي خامرني دَاء أَو وجع وَيُقَال أَرَادَ كَأَنِّي فِي
عقب خمار وَقَوله ويعدو على الْمَرْء مَا يأتمر يَقُول إِذا ائتمر أمرا
على غير رشد عدا عَلَيْهِ فَأَهْلَكَهُ وَهُوَ شَبيه بقَوْلهمْ من حفر
حُفْرَة وَقع فِيهَا وَأَنا أَحسب أصل هَذَا الْحَرْف يفتعل من الْأَمر
كَأَن نَفسه أَمرته بِشَيْء فائتمر أَي فأطاعها أَو أَن هَوَاهُ
دَعَاهُ إِلَى شَيْء فتابعه وَمثله فِي الْكَلَام عذلته فاعتذل أَي
فأعتب ورددته فَارْتَد
(1/604)
فَأَرَادَ عمر أَنه لَا يَأْتِي برشد من
ذَات نَفسه وَلَا يقبل مِمَّن يرشده وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي
عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {إِن الْمَلأ يأتمرون بك}
أَرَادَ يتشاورون فِيك وَاسْتشْهدَ أَبُو عُبَيْدَة على يتشاورون فِيك
قَوْله ويعدو على الْمَرْء مَا يأتمر وَلَيْسَ يجوز أَن يكون فِي هَذَا
الْموضع يأتمر يشاور لِأَن الْمُشَاورَة رشد وَخير فَكيف يعدو عَلَيْهِ
مَا شاور فِيهِ
وَالْمعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ وَأما قَول النمر بن تولب [من المتقارب]
... أرى النَّاس قد أَحْدَثُوا شِيمَة ... وَفِي كل حَادِثَة يؤتمر ...
فَإِنَّهُ أَرَادَ فِي كل أَمر يحدث تفكر وَنظر وارتياء رَأْي
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان وَالنَّاس
أوزاع فَقَالَ إِنِّي لأَظُن أَن لَو جمعناهم على قَارِئ كَانَ أفضل
فَأمر أبي بن كَعْب فَأمهمْ ثمَّ خرج لَيْلَة وهم يصلونَ بِصَلَاتِهِ
فَقَالَ نعم الْبِدْعَة هَذِه وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من
الَّتِي يقومُونَ فِيهَا
يرويهِ إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن
عُرْوَة ابْن الزبير عَن عبد الرحمن بن عبد الْقَارِي الأوزاع الْفرق
(1/605)
يُرِيد أَنهم كَانُوا يتنقلون فِي شهر
رَمَضَان بعد صَلَاة الْعشَاء فرقا وَمِنْه يُقَال وزعت المَال بَينهم
إِذا فرقته وَقَالَ الْمسيب بن علس يمدح رجلا [من الْكَامِل] ... أحللت
بَيْتك بِالْجَمِيعِ وَبَعْضهمْ ... متفرق ليحل بالأوزاع ...
أَي حللت وسط الْقَوْم وَلم تنتح فِرَارًا من الْقرى حَيْثُ لَا يعرف
مَكَانك فَتكون من الأوزاع وَهَذَا مثل قَول الآخر [من الْبَسِيط] ...
وَلَا يحل إِذا مَا حل معتنزا ... يخْشَى الرزية بَين المَاء والبادي
...
والمعتنز الْمُنْفَرد يَقُول لَا ينزل وَحده مَخَافَة أَن ينزل بِهِ
ضيف على المَاء أَو فِي البدو
وَقَوله الَّتِي تنامون عَنْهَا يُرِيد صَلَاة آخر اللَّيْل خير من
الَّتِي تقومون فِيهَا يَعْنِي صَلَاة أَوله
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن أَصْحَاب مُحَمَّد تَذَاكَرُوا الْوتر
فَقَالَ أَبُو بكر أما أَنا فأبدأ بالوتر وَقَالَ عمر لكني أوتر حِين
تنام الضغطى
يرويهِ يعلى عَن الْأَجْلَح عَن ابْن أبي الْهُذيْل
(1/606)
الضغطى جمع ضغيط وَهُوَ الرجل الضَّعِيف
الرَّأْي الْجَاهِل يُقَال رجل ضغيط بَين الضغاطة وَمِنْه قَول عمر فِي
حَدِيث آخر اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الضغاطة
وَمِنْه قَول ابْن عَبَّاس لَو لم يطْلب النَّاس بِدَم عُثْمَان لرموا
بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء فَقيل لَهُ أَتَقول هَذَا وَأَنت عَامل
لفُلَان فَقَالَ إِن فِي ضغطات وَهَذِه إِحْدَى ضغطاتي وَمثله ضَعِيف
وضعفى ومريض ومرضى
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه لما قدم إِلَى الشَّام تفحل لَهُ أُمَرَاء
الشَّام رَوَاهُ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَوْله تفحل لَهُ أُمَرَاء
الشَّام يُرِيد أَنهم اخْشَوْشِنُوا فِي الزي واللباس والمطعم وَأَصله
من الْفَحْل لِأَن التصنع فِي الزي وَالْقِيَام على النَّفس عِنْدهم
إِنَّمَا هُوَ للإناث أَو من تأنث
وَقد قَالَ عمر اخْشَوْشِنُوا أَو اخشوشبوا وَتَمَعْدَدُوا يَقُول دعوا
عَنْكُم التنعم وزي الْعَجم وَعَلَيْكُم بمعد وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ
فِي زيهم ومعاشهم وَكَانُوا أَصْحَاب غلظ وخشونة
(1/607)
وَقَوله اخشوشبوا أَي تيبسوا وَأَصله من
الْخشب يبس الْخشب
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه كَانَ فِي وَصيته إِن توفيت وَفِي يَدي
صرمة ابْن الْأَكْوَع فسنتها سنة ثمغ
رَوَاهُ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي
الصرمة هَاهُنَا قِطْعَة من نخيل وَيُقَال أَيْضا للقطعة من الْإِبِل
صرمة إِذا كَانَت خَفِيفَة قَالَ الْأَصْمَعِي وَيُقَال للَّذي لَهُ
صرمة مصرم وَلَا أَحْسبهُ قيل للمقل مصرم إِلَّا من هَذَا
وثمغ مَال لعمر كَانَ وَقفه
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه مر على رَاع فَقَالَ يَا راعي عَلَيْك
الظلْف لَا ترمض فَإنَّك رَاع وكل رَاع مسؤول
من حَدِيث ابْن أبي حليمة عَن مَالك بن مغول عَن طَلْحَة بن مصرف
قَوْله عَلَيْك الظلْف يُرِيد عَلَيْك الْمَوَاضِع الصلبة الَّتِي لَا
يكون فِيهَا رمل وَلَا تُرَاب فارع الْغنم فِيهَا يُقَال ظلفت أثري
إِذا مشيت فِي مَكَان صلب لَا يتَبَيَّن فِيهِ أثر الْقدَم وَمن هَذَا
يُقَال كَذَا أظلف من كَذَا وظلفت نَفسِي من كَذَا
وَقَوله لَا ترمض أَي لَا تصب الْغنم بالرمضاء وَهُوَ
(1/608)
حر الشَّمْس والرمضاء تشتد فِي الدهاس
والرمل
قَالَ حَدثنِي الْأَعْرَاب أَنهم إِذا أَرَادوا صيد الظباء فِي الرمل
أَثَارُوهَا نصف النَّهَار من تَحت الشّجر فَإِذا رمضت أظلافها فِي
الرمل نصلت فَأَخَذُوهَا بِأَيْدِيهِم
يُقَال فلَان يترمض الظباء إِذا فعل ذَلِك
وروى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَق عَن سعيد بن وهب عَن خباب أَنه قَالَ
شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله الرمضاء فَلم يشكنا يُرِيد أَنهم شكوا
إِلَيْهِ حر الشَّمْس وَمَا يُصِيب أَقْدَامهم مِنْهَا فِي صَلَاة
الظّهْر وسألوه تَأْخِيرهَا إِلَى الْإِبْرَاد قَلِيلا
وَقَوله فَلم يشكنا أَي لم ينْزع عَن ذَلِك وَلم يجبهم وَهَذَا
الْحَرْف لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا ضد الآخر تَقول أشكيت الرجل فَأَنا
أشكيه إِذا أحوجته إِلَى الشكاية وأشكيته نزعت عَن الْأَمر الَّذِي
شكاني لَهُ وَقَالَ بعض الرجاز من الرجز
(1/609)
.. تمد بالأعناق أَو تثنيها ... وتشتكي لَو
أننا نشكيها ...
وَمثل هَذَا الْحَرْف أطلبت الرجل أخرجته إِلَى الطّلب وَلذَلِك
قَالُوا مَاء مطلب إِذا بعد فأحوج إِلَى طلبه وأطلبته أسعفته بِمَا طلب
وأفزعت الْقَوْم أحللت بهم الْفَزع وأفزعتهم إِذا فزعوا غليك فأغثتهم
وأودعت فلَانا مَالا دَفعته وَدِيعَة إِلَيْهِ وأودعته قبلت وديعته
هَذَا الْحَرْف عَن الْكسَائي
وَفِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يُصَلِّي الظّهْر
وَالْجَنَادِب تنقز من الرمضاء
وَالْجَنَادِب الْجَرَاد وَاحِدهَا جُنْدُب وَبِه سمي الرجل تنقز تقفز
وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر الجندب [من الْبَسِيط] ... معروريا رمض
الرضراض يركضه ... وَالشَّمْس حيرى لَهَا بالجو تدويم ...
يُرِيد أَنه قد ركب حرارة الْحَصَى وَهُوَ ينزو من شدَّة
(1/610)
الْحر وَقَالَ آخر [من الرجز] ... ونقز
الظهائر الجنادبا ...
وَمن الرمضاء قيل أمضني الْأَمر وأرمضني وَمِنْه [من الْبَسِيط] ...
كالمستجير من الرمضاء بالنَّار ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قدم مَكَّة فَسَأَلَ من يعلم مَوضِع
الْمقَام وَكَانَ السَّيْل احتمله من مَكَانَهُ فَقَالَ الْمطلب بن أبي
ودَاعَة السهي أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كنت قدرته وذرعته بمقاط
عِنْدِي
رَوَاهُ سُفْيَان عَن حبيب بن أبي الأشرس
المقاط الْحَبل وَجمعه مقط قَالَ الرَّاعِي وَذكر حميرا [من الْبَسِيط]
... كَأَنَّهَا مقط ظلت على قيم ... من ثكد واغتمست فِي مَائه الكدر
...
شبهها بالحبال فِي ضمرها واندماجها والقيم جمع قامة وَهِي الْبكر وثكد
مَاء لبني نمير
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ للَّذي قتل الظبي وَهُوَ
(1/611)
محرم خُذ شَاة من الْغنم فَتصدق بلحمها
واسق إهابها
يرويهِ سُفْيَان عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن قبيصَة بن جَابر
الْأَسدي قَوْله اسْقِ إهابها أَي اجْعَلْهُ لغيرك سقاء قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة يُقَال اسْقِنِي إهابك أَي اجْعَلْهُ لي سقاء واسقني عسلا
أَي اجْعَلْهُ لي شِفَاء وَقَالَ غَيره أقدني خيلا أَي أَعْطِنِي خيلا
أقودها واسقني إبِلا أَي أَعْطِنِي إبِلا أسوقها وأقبرني فلَانا أَي
أعطينيه لأقبره
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَت بَنو تَمِيم للحجاج أَو غَيره من
عُمَّال الْعرَاق أقبرنا صَالحا يعنون صَالح بن عبد الرحمن وَكَانَ
قَتله وصلبه وَقَالَ أَبُو زيد أسقيت فلَانا إهابا أَي وهبته لَهُ
ليتَّخذ مِنْهُ سقاء وأسقيته سقاء أَي وهبته لَهُ مَعْمُولا أَيْضا
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه ذكر عِنْده التَّمْر وَالزَّبِيب أَيهمَا
أطيب وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ لرجل من أهل الطَّائِف الحبلة أفضل
أم النَّخْلَة فَأرْسل إِلَى أبي خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ فَقَالَ إِن
هَؤُلَاءِ قد اخْتلفُوا فِي التَّمْر وَالزَّبِيب
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَجَاء أَبُو عمْرَة عبد الرحمن بن مُحصن
الْأنْصَارِيّ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَة لَيْسَ الصعر فِي رُؤُوس الرقل
الراسخات فِي الوحل المطعمات فِي الْمحل تعلة الصَّبِي وقرى الضَّيْف
وَبِه يحترش الضَّب فِي الأَرْض الصلعاء كزبيب إِن أَكلته
(1/612)
ضرست وَإِن تركته غرثت
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو عمْرَة الزَّبِيب إِن آكله
أضرس وَإِن أتركه أغرث لَيْسَ كالصقر فِي رُؤُوس الرقل الراسخات فِي
الوحل المطعمات فِي الْمحل خرفة الصَّائِم وتحفة الْكَبِير وصمتة
الصَّغِير وخرسة مَرْيَم وتحترش بِهِ الضباب من الصلعاء
يروي الأول الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الرّبيع بن لوط من أهل
الْكُوفَة من ولد الْبَراء بن عَازِب
الحبلة الأَصْل من الْكَرم وَكَذَلِكَ الحفنة وَمِنْه الحَدِيث إِن
نوحًا لما خرج من السَّفِينَة غرس الحبلة هَذَا أَو نَحوه من الْكَلَام
وَرُوِيَ أَنه كَانَ لأنس بن مَالك حبلة تحمل كرا وَكَانَ يسميها أم
الْعِيَال
فَأَما الحبلة بِضَم الْحَاء فَهُوَ ثَمَر العضاه وَمِنْه قَول سعد بن
أبي وَقاص كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا
لنا طَعَام إِلَّا الحبلة وورق السمر والحبلة أَيْضا ضرب من الْحلِيّ
يَجْعَل فِي القلائد قَالَ النمر بن تولب من المتقارب ... وكل خَلِيل
عَلَيْهِ الرعاث والحبلات كذوب ملق ...
إِنَّمَا قيل لَهُ حبلة لِأَنَّهُ يصاغ على مِثَال ثَمَر بعض
(1/613)
العضاه وَقَوله إِن أتركه أغرث أَي أجوع
والغرث الْجُوع يُقَال رجل غرثان وَامْرَأَة غرثى وَمن أمثالهم غرثان
فاربكوا لَهُ وَذَلِكَ أَن رجلا أَتَى أَهله فبشتر بِغُلَام ولد لَهُ
فَقَالَ مَا أصنع بِهِ أآكله أم أشربه فَقَالَت امْرَأَته غرثان
فاربكوا لَهُ فَلَمَّا شبع قَالَ كَيفَ الطلا وَأمه وَقَوْلها فاربكوا
لَهُ من الربيكة وَهُوَ الأقط وَالتَّمْر وَالسمن يعْمل رخوا لَيْسَ
كالحيس فيؤكل وَرُبمَا صب عَلَيْهِ مَاء فَشرب
قَالَ الْأَحْمَر الربيكة شَيْء يطْبخ من بر وتمر يُقَال مِنْهُ ربكته
أربكه ربكا والطلا الصَّبِي وأصل الطلا ولد الظبية فاستعاره
وَقَالَ ابْن كثوة فِي بعض كَلَامه تركته يلْعَب مَعَ طلوان الْحَيّ
أَو مَعَ صبيانهم
يُرِيد أَنه إِذا أكل الزَّبِيب ثمَّ تَركه تَركه وَهُوَ جَائِع
لِأَنَّهُ لَا يعْصم كَمَا يعْصم التَّمْر
وَقَوله لَيْسَ كالصقر والصقر عسل الرطب قَالَ الْمسيب بن علس يصف
ظَبْيًا [من الطَّوِيل]
(1/614)
لسسن بقول الصَّيف حَتَّى كَأَنَّمَا ...
بأفواهها من لس حلبها الصَّقْر ...
حلبها يَعْنِي النبت الَّذِي يُسمى الحلبلاب وتسميه الْعَامَّة اللبلاب
والصقر فِي مَوضِع آخر اللَّبن الحامض الشَّديد الحموضة والرقل جمع
رقلة وَهِي النَّخْلَة الطَّوِيلَة وَأهل نجد يدعونها العيدانة إِذا
طَالَتْ وَهِي دون السجوف وَفَوق الجبارة الَّتِي فاقت الْيَد يُقَال
نَخْلَة جبارَة وناقة جَبَّار بِلَا هَاء إِذا عظمت وسمنت والجميع
جبابير قَالَ الشَّاعِر وَذكر ظعنا [من الْخَفِيف] ... كاليهودي من
نطاة الرقال ...
أَرَادَ كنخل الْيَهُودِيّ الرقال ونطاة من خَيْبَر
وَقَوله وخرفة الصَّائِم والخرفة اسْم مَا اخترفت أَي اجتنيت ونسبها
إِلَى الصَّائِم لأَنهم كَانُوا يستحبون أَن يفطروا على التَّمْر
وروى أنس بن مَالك أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ
يبْدَأ إِذا أفطر بِالتَّمْرِ
وحَدثني أَبُو وَائِل قَالَ حَدثنَا السَّهْمِي قَالَ حَدثنَا هِشَام
عَن حَفْصَة عَن الربَاب عَن سلمَان بن عَامر أَنه سمع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا أفطر أحدكُم فليفطر على تمر
(1/615)
فَإِن لم يجد تَمرا فماء فَإِن المَاء
طهُور
قَوْله وصمتة الصَّغِير يُرِيد أَنه إِذا بَكَى أصمت بِهِ والصمتة
والسكتة وَاحِد وَهُوَ مَا أسكت بِهِ الصَّبِي والمصمت الَّذِي يسكته
قَالَ الراجز لجمله [من الرجز] ... إِنَّك لَا تَشْكُو إِلَى مصمت ...
فاصبر على الدَّاء الدوي أَو مت ...
وَقَالَ أَوْس بن حجر [من المنسرح] ... وَذَات هدم عَار نواشرها ...
تصمت بِالْمَاءِ تولبا جدعا ...
الْهدم الثَّوْب الْخلق وَجمعه أهدام والنواشر عصب الذِّرَاع واحدتها
نَاشِرَة وَبهَا سمي الرجل وَإِنَّمَا نعرى من الهزال
وَقَوله تصمت بِالْمَاءِ أَي تسكت صبيها بِالْمَاءِ إِذا بَكَى وتعلله
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا لين وتعلة الصَّبِي مثل الصمتة لَهُ وَهُوَ من
التَّعْلِيل والتولب ولد الْحمار الصَّغِير فاستعاره والجدع السيء
الْغذَاء الْمَقْطُوع الرّيّ وَمِنْه يُقَال جدعت أَنفه أَي قطعته
(1/616)
وَقَول ابْن مقبل [من الطَّوِيل] ... وغيث
مريع لم يجدع نَبَاته ... ولته أهاليل السماكين معشب ...
وَهَذَا الْبَيْت هُوَ الَّذِي وَقع فِيهِ التشاجر بَين الْمفضل
الضَّبِّيّ والأصمعي عِنْد جَعْفَر بن سُلَيْمَان
قَالَ حَدثنِي الباهليون إِن الْمفضل أنْشدهُ تولبا جذعا فَقَالَ لَهُ
الْأَصْمَعِي صحفت إِنَّمَا هُوَ تولبا جدعا فصاح الْمفضل وَأكْثر
فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِي لَو نفخت فِي الشبور مَا نفعك تكلم بِكَلَام
النَّمْل وأصب
وَقَوله وخرسة مَرْيَم والخرسة مَا تطعمه النُّفَسَاء عِنْد ولادها
يُقَال خرستها إِذا أَنْت أطعمتها الخرسة وَيُقَال فِي مثل تخرسي لَا
مخرسة لَك
فَأَما الخرسى بِلَا هَاء فَهُوَ طَعَام الْولادَة كَمَا يُقَال لطعام
الْخِتَان إعذار ولطعام القادم من سفر نقيعة ولطعام الْبناء إِذا
(1/617)
فرغ مِنْهُ وكيرة يُرِيد إِن الله أطْعم
مَرْيَم الرطب حِين ولدت
وَقَوله وتحترش بِهِ الضباب أَي تصطاد وَيُقَال إِن الضَّب يعجب
بِالتَّمْرِ والحارش صائد الضباب وحرشها هُوَ أَن يُحَرك يَده عِنْد
جُحر الضَّب فَيرى أَنه حَيَّة فَيخرج قَالَ الْأَصْمَعِي وَمن أمثالهم
هَذَا أجل من الحرش قَالَ وَأَصله فِيمَا يتحدثون بِهِ عَن الْبَهَائِم
والأحناش
إِن الضَّب قَالَ لِابْنِهِ إِذا سَمِعت صَوت الحرش فَلَا تخرج قَالَ
فَسمع الحسل صَوت الْحفر فَقَالَ للضب يَا أَبَت هَذَا الحرش فَقَالَ
يَا بني هَذَا أجل من الحرش
فَهَذَا أصل حرش الضباب ثمَّ قيل لصائدها بِأَيّ وَجه صادها حارش
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي [من الطَّوِيل] ... سوى أَنكُمْ دربتم
فجريتم ... على عَادَة والضب يخْتل بِالتَّمْرِ ...
وَقَوله من الصلعاء يُرِيد الصَّحرَاء الَّتِي لَا نبت فِيهَا مثل
الرَّأْس الأصلع وَهِي الْحَصَا أَيْضا مثل الرَّأْس الأحص
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ من يدلني على نَسِيج
(1/618)
وَحده فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى مَا
نعلمهُ غَيْرك فَقَالَ مَا هِيَ إِلَّا إبل موقع ظُهُورهَا قَوْله
نَسِيج وَحده يُرِيد رجلا لَا عيب فِيهِ وأصل هَذَا أَن الثَّوْب إِذا
كَانَ نفيسا لم ينسج على منواله غَيره فَإِذا لم يكن نفيسا عمل على
منواله سدى بعدة أَثوَاب فَقيل ذَلِك لكل من أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي
مدحه
وَالْبَعِير الْموقع الَّذِي تكْثر آثَار الدبر بظهره لِكَثْرَة مَا
ركب وَالْعرب تَقول أَصْبِر من عود بجنبيه الجلب وَهُوَ مثل الْموقع
وَأَرَادَ عمر أَنا مثل تِلْكَ الْإِبِل فِي الصَّبْر وروى مُحَمَّد
ابْن عمر عَن أُسَامَة بن زيد عَن شيخ من بني سعد بن بكر إِن حليمة
قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ جَدب
الْبِلَاد فَكلم لَهَا خَدِيجَة فأعطتها أَرْبَعِينَ شَاة وبعيرا موقعا
للظعينة فَانْصَرَفت بِخَير
والظعينة الهودج وَسميت الْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تكون فِيهِ
وَقَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي حَدثنِي بعض الْأَعْرَاب فَقَالَ
فِي حَدِيثه خرج فلَان مجروحا فعثر فِي ظَعِينَة فُلَانَة أَي فِي
مركبها وَلَا أَحسب الْمركب سمي ظَعِينَة إِلَّا من الظعن وَهُوَ
الْخُرُوج يُرَاد أَن
(1/619)
الْمَرْأَة تظعن فِيهِ
وحَدثني السجسْتانِي عَن أبي زيد أَنه قَالَ الظعن والأظعان الهوادج
كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لم يكن وَلَا يُقَال حمول وَلَا ظعن إِلَّا
لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج وَإِن لم يكن فِيهَا نسَاء
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا قَرَأَ عَلَيْهِ حرفا فَأنكرهُ
فَقَالَ من أَقْرَأَك هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
فَقَالَ إِن أَبَا مُوسَى لم يكن من أهل البهش البهش الْمقل مَا كَانَ
رطبا فَإِذا يبس فَهُوَ الخشل وَفِيه لُغَتَانِ الخشل والخشل وَهُوَ
كالحشف من التَّمْر قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] ... ترى قطعا من
الأحناش فِيهِ ... جماجمهن كالخشل الفريع ...
وَيُقَال للْقَوْم إِذا كَانُوا قباحا سُودًا وُجُوه البهش
وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا مُوسَى لَيْسَ من أهل الْحجاز والمقل
ينْبت بالحجاز يُرِيد أَن الْقُرْآن نزل بلغَة قُرَيْش وَنَحْو مِنْهُ
قَوْله لعبد الله بن مَسْعُود حِين بلغه أَنه يقرئ النَّاس عتى عين
يُرِيد {حَتَّى حِين} إِن الْقُرْآن لم ينزل بلغَة هُذَيْل فاقرئ
النَّاس بلغَة قُرَيْش
(1/620)
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه لما قَالَ
ابْن أبي معيط أقتل من بَين قُرَيْش قَالَ عمر حن قدح لَيْسَ مِنْهَا
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي
هَذَا مثل يضْرب للرجل يدْخل نَفسه فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم
قَالَ الْأَصْمَعِي وَلَا أَدْرِي أقاله عمر مبتدئا أَو قيل قبله
والقدح هَاهُنَا أحد قداح الميسر وهم يصفونه بالحنين قَالَ الشَّاعِر
[من الرمل] ... وحنين من عنود بدأة ... أَقرع النقبة حنان لحم ...
وَكَانُوا يستعيرون الْقدح يدخلونه فِي قداحهم كَأَنَّهُمْ يتمنون بِهِ
ويثقون بفوزه قَالَ ابْن مقبل وَذكر قدحا من الطَّوِيل ... إِذا
امتنحته من معد عِصَابَة ... غَدا ربه قبل المفيضين يقْدَح ... امتنحته
استعارته وهما منيحان أَحدهمَا أحد الثَّلَاثَة الَّتِي لَا حظوظ لَهَا
وَإِنَّمَا تُوصَف بالكر والمعاودة فَيُقَال كركر المنيح لِأَنَّهُ
يُعَاد فِي كل ربابة يضْرب بهَا لتكثر بِهِ ولصاحبيه وَالْآخر
(1/621)
الممتح لثقتهم بفوزه وَهُوَ الْمَحْمُود
قَالَ ابْن قميئة [من الطَّوِيل] ... بِأَيْدِيهِم مقرومة ومغالق ...
تعود بأرزاق الْعِيَال منيحها ...
وَقَالَ الآخر [من السَّرِيع] ... وجامل خوع من نيبه ... زجر
الْمُعَلَّى أصلا والمنيح ...
خوع نقص وَنَحْوه خوف وخون ونيبه جمع نَاب فَمَتَى رَأَيْت المنيح
مَذْكُورا بفوز فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمُسْتَعَار
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه ركب نَاقَة فارهة فمشت بِهِ مشيا جيدا
فَقَالَ [من الْبَسِيط] ... كَأَن راكبها غُصْن بمروحة ... إِذا تدلت
بِهِ أَو شَارِب ثمل ...
حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن عَن عَمه عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء
المروحة الْموضع الَّذِي تخترق فِيهِ الرّيح بِفَتْح الْمِيم فَإِن
كسرت الْمِيم فَهِيَ الَّتِي يتروح بهَا لِأَنَّهَا مِمَّا يعتمل مثل
مرْآة ومطهرة ومرفقة وَمِلْحَفَة
(1/622)
وَشبه راكبها لوطأتها ولينها بِغُصْن تميله
الرّيح أَو بسكران يميد
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن الطَّبِيب من الْأَنْصَار سقَاهُ لَبَنًا
حِين طعن فَخرج من الطعنة أَبيض يصلد
من حَدِيث أنس بن عِيَاض عَن أبي الحكم عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن
عبد الله عَن ابْن عمر
قَوْله يصلد أَي يَبْرق يُقَال صلد اللَّبن يصلد وصلد رَأس الرجل يصلد
إِذا برق للصلع قَالَ رُؤْيَة [من الرجز] ... براق أصلاد الجبين الأجله
...
وَمِنْه حَدِيث رُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار أَنه كَانَ فِي سفينة فِي
الْبَحْر فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ رَأَيْت أَنِّي أدخلت
الْجنَّة فسقيت فِيهَا لَبَنًا فَقَالَ لي بعض الْقَوْم أَقْسَمت
عَلَيْك لما تقيأت فقاء لَبَنًا يصلد وَمَا فِي السَّفِينَة لبن وَلَا
شَاة
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن أهل الْكُوفَة لما أوفدوا
(1/623)
العلباء بن الْهَيْثَم السدُوسِي إِلَيْهِ
فَرَأى عمر هَيْئَة رثَّة وَمَا يصنع فِي الْحَوَائِج فَقَالَ لكل
أنَاس فِي جميلهم خبر
حدّثنَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدَّثَنِيهِ شيخ رَأَيْته
عِنْد أبي عَمْرو بن الْعَلَاء
قَوْله لكل أنَاس فِي جميلهم خبر هَذَا مثل يضْرب وَإِنَّمَا أَرَادَ
أَنهم سودوه ورأسوه على معرفَة مِنْهُم بِمَا فِيهِ من الْخلال
المحمودة وَكَانُوا أعلم بِهِ من غَيرهم وَالْمعْنَى أَن خَبره فَوق
منظره
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن الْأسود قَالَ أفضنا مَعَه على جمل أَحْمَر
وَنحن نوضع حوله
يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود
وَرَوَاهُ وَكِيع بِهَذَا الْإِسْنَاد وَنحن نوجف حوله.
(1/624)
قَوْله: نوضع حوله من الايضاع. يُقَال:
أَوضعت بعيرى مَوضِع وَاسم السّير: الْوَضع وَهُوَ سير حثيث دون
الْجهد. والا يجاف مثله. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَمَا
أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} .
وَبَلغنِي عَن الأصمعى انه قَالَ: قيل لرجل أسْرع فِي مسيره كَيفَ
كَانَ مسيرك فَقَالَ: كنت آكل الوجبة وأعرس اذا أفجرت وارتحل اذا أسفرت
وأسير الْوَضع وأحتت الملع فجئتكم لمسير سبع.
والملع: سير شَدِيد وَمِنْه قيل للناقة ميلع وانما احتث الملع
لِأَنَّهُ يحسر وَيقطع. وَلذَلِك قيل شَرّ السّير.
وَقَوله: كنت آكل الوجبة يُرِيد: انه كَانَ يَأْكُل فِي الْيَوْم
وَاللَّيْلَة أَكلَة وَاحِدَة. يُقَال: فلَان يَأْكُل الوجبة والوزمة.
وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث انه أوضع فِي الْإِفَاضَة وروى عَنهُ
أَيْضا انه كَانَ يَقُول: وجدنَا الافاضة هِيَ الايضاع وَكَانَ غَيره
يسير على هَيئته.
وروى أُسَامَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ
وَعَلِيهِ السكينَة وَأمرهمْ بِالسَّكِينَةِ وأوضع فِي وَادي محسر.
(2/3)
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه كَانَ يَقُول
للخارص: إِذا وجدت قوما خرفوا فِي حائطهم فَانْظُر قدر مَا ترى أَنهم
يَأْكُلُون فَلَا تخرصه عَلَيْهِم. يرويهِ معمر عَن يحيى بن سعيد.
قَوْله: خرفوا فِي حائطهم أَي: نزلُوا فِيهِ أَيَّام اختراف
الثَّمَرَة. يُقَال: صَاف الْقَوْم بِالْمَكَانِ وشتوا وارتبعوا وخرفوا
إِذا أَقَامُوا فِيهِ هَذِه الْأَزْمِنَة. فَإِن أردْت أَنهم صَارُوا
فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قلت: أصافوا وأشتموا وأربعوا وأخرفوا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: إِذا أجريت المَاء على المَاء جزى
عَنْك. يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَلْقَمَة.
قَوْله: إِذا أجريت المَاء على المَاء يُرِيد: إِذا صببت المَاء على
الْبَوْل فِي الأَرْض جزى المَاء عَنْك فقد طهر الْمَكَان. وَلَا
حَاجَة بك إِلَى غسل ذَلِك الْموضع ونشف المَاء بِخرقَة أَو غَيرهَا
كَمَا يفعل كثير من النَّاس. وَالْأَصْل فِي هَذَا حَدِيث النبى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَمر بصب المَاء على بَوْل الأعرابى فِي
الْمَسْجِد وَلم يَأْمر يغسل الْمَكَان ونشف المَاء.
قَوْله: جزى عَنْك أَي: قضى عَنْك وأغنى من قَول الله جلّ وَعز: {لَا
تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} .
(2/4)
فَإِن أدخلت الْألف قلت: أجزأك وهمزت
وَمَعْنَاهُ: كَفاك. تَقول: أجزأني الشَّيْء يجزئني أَي: كفاني.
وحَدثني أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قيل لأبى هِلَال: مَا
كَانَ الْحسن يَقُول فِي كَذَا. فَقَالَ: كَانَ يَقُول: أَنى فعلت
ذَلِك جزى عَنْك.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: لَا يعْطى من الْمَغَانِم شَيْء
حَتَّى تقسم الا لراع أَو دَلِيل غير موليه.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عمر بن أَبى إِسْحَق
عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده.
الرَّاعِي هَاهُنَا عين الْقَوْم على الْعَدو وانما قيل لَهُ لِأَنَّهُ
يرْعَى الْقَوْم أَي: يحفظهم ويرقبهم. وَمِنْه قيل: راعيت فلَانا اذا
تأملته وَقَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... رَأَيْتُك ترعاني بِعَين
بَصِيرَة ... وتبعث أحراسا عَليّ وناظرا ...
أَي: ترقبني.
وَقَوله: غير موليه أَي: غير معطية شَيْئا لَا يسْتَحقّهُ وكل من
أَعْطيته ابْتِدَاء غير مُكَافَأَة فقد أوليته. وَمِنْه قيل: الله يبلي
ويولي. فَإِذا أَنْت كافأته على شء كَانَ مِنْهُ فقد أثْبته وأجرته.
وَالثَّوَاب من الله وَالْأَجْر. إِنَّمَا هما الْجَزَاء على الْعَمَل.
وَفِي هَذَا
(2/5)
الحَدِيث قلت: يَا موليه فَقَالَ: محابية.
والتفسيران شَيْء وَاحِد.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن نادبته قَالَت: واعمراء. أَقَامَ الأود
وشفى الْعمد. فَقَالَ عَليّ: أما وَالله مَا قالته وَلكنهَا قولته.
حَدَّثَنِيهِ أَبى عَن شيخ لَهُ عَن ابْن دأب اللَّيْثِيّ. وَرَوَاهُ
أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن مُوسَى بن مِسْكين باسناد يتَّصل بالمغيرة بن
شُعْبَة.
الْعمد ورم يكون فِي الظّهْر ودبر. يُقَال: عمد الْبَعِير يعمد عمدا.
وَأما قَول عَليّ: مَا قالته وَلكنهَا قولته. فَإِنَّهُ أَرَادَ: مَا
هِيَ قالته وَلكنهَا ألقِي على لسانها كَأَن الله جلّ وَعز أَلْقَاهُ
عَلَيْهِ. يُقَال: أقولت فلَانا كَذَا وَكَذَا وقولته اذا لقنته
الشَّيْء فقاله.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: من النَّاس من يُقَاتل رِيَاء
وَسُمْعَة. وَمِنْهُم من يُقَاتل وَهُوَ يَنْوِي الدُّنْيَا وَمِنْهُم
من ألحمه الْقِتَال فَلم يجد بدا وَمِنْهُم من يُقَاتل صَابِرًا محتسبا
أُولَئِكَ هم الشُّهَدَاء.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي
إِسْحَق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن رجل عَن الزُّهْرِيّ عَن ملك بن أَوْس.
(2/6)
قَوْله: ألحمه الْقِتَال أَي: رهقه وغشيه
فَلم يجد مخلصا. يُقَال ألحم الرجل واستلحم وَمِنْه حَدِيث جَعْفَر
يَوْم مُؤْتَة: انه أَخذ الرَّايَة بعد زيد فقاتل بهَا حَتَّى ألحمه
الْقِتَال فَنزل وعقر فرسه. وَكَانَ أول من عقر فِي الْإِسْلَام.
وَيُقَال: ألحم الرجل إِذا نشب فَلم يبرح وَلحم اذا قتل. وَمِنْه قَول
الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل. ... وَلَا ريب أَن قد كَانَ ثمَّ لحيم ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر ان الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب سَأَلَهُ عَن
الشُّعَرَاء فَقَالَ: امْرُؤ الْقَيْس سابقهم خسف لَهُم عين الشّعْر
فافتقر عَن معَان عور أصح بصرا.
رَوَاهُ الْهَيْثَم عَن ابْن عَبَّاس عَن الشّعبِيّ عَن دَغْفَل
النسابة. قَوْله: خسف لَهُم عَن الْخَسْف وَهُوَ الْبِئْر الَّتِي حفرت
فِي حِجَارَة فَخرج مِنْهَا مَاء كثير. وَجَمعهَا: خسف. وَمِنْه قَول
الْحجَّاج لعضيدة السّلمِيّ حِين بَعثه يحتفر لَهُ بِئْرا بالشجى
فَقَالَ: أخسفت أم أوشكت يُرِيد: أنبطت مَاء غزيرا أم قَلِيلا واشلا
وَقَوله: افْتقر أَي: فتح وَهُوَ من الْفَقِير. وَالْفَقِير فَم
(2/7)
الْقَنَاة. وَقَوله: عَن معَان عور يُرِيد:
ان امْرأ الْقَيْس من الْيمن وان الْيمن لَيست لَهُم فصاحة نزار فجعلهم
مَعَاني عورا. يَقُول: فتح امْرُؤ الْقَيْس من معَان عور أصبح بصرا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أرسل إِلَى أبي عُبَيْدَة رَسُولا فَقَالَ
لَهُ حِين رَجَعَ كَيفَ رَأَيْت أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: رَأَيْت بللا
من عَيْش. فقصر من رزقه ثمَّ أرسل إِلَيْهِ وَقَالَ للرسول حِين قدم
كَيفَ رَأَيْته ففال: رَأَيْت حفوفا. فَقَالَ: رحم الله أَبَا
عُبَيْدَة بسطنا لَهُ فَبسط وقبضنا فَقبض.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي. والخفوف والحفف وَاحِد.
وَهُوَ: شدَّة الْعَيْش وضيقه. وَأَصله: اليبس. .
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال حفت أَرْضنَا وقفت إِذْ يبس بقلها.
وَحدثت عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ رجل أتونا بعصيدة
قد حفت فَكَأَنَّهَا عقب فِيهَا شقَاق هَكَذَا حَدثنِي الْمُحدث.
وَإِنَّمَا هِيَ: الشقوق فِي الرجل. والشقاق فِي قَوَائِم الدَّابَّة.
وَيُقَال: مَا رُوِيَ عَلَيْهِم خفف وَلَا ضفف. أَي: لم ير عَلَيْهِم
أنر عود. وَيُقَال: قوم محفوفون إِذا كَانُوا محاويج والشظف
(2/8)
مثل الخفف. قَالَ ابْن الرّقاع العاملي: من
الْكَامِل ... وَلَقَد أصبت من الْمَعيشَة لَذَّة ... وَلَقِيت من شظف
الخطوب شدادها ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه كَانَ يَقُول: اغزوا والغزو حُلْو خضر قبل
أَن يكون تَمامًا ثمَّ يكون رماما ثمَّ يكون حطاما. وَكَانَ يَقُول
إِذا انتاطت الْمَغَازِي واشتدت العزائم ومنعت الْغَنَائِم فَخير غزوكم
الرِّبَاط.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحجي عَن عبد
الرَّحْمَن بن زيد عَن أَبِيه عَن عمر.
الثمام نبت ضَعِيف ن وَله خوص أَو شَيْء يشبه الخوص. وَرُبمَا حشي
بِهِ. يقا ل: قد أمصخ الثمام إِذا خرجت أما صيخة. واحدتها أمصوخة
وَهُوَ خوصَة. وَوَاحِد الثمام ثُمَامَة وَبِه سمي الرجل قَالَ عبيد بن
الأبرص: من مجزوء الْكَامِل ... عيوا بأمرهم كَمَا عيت ببيضتها الحمامه
جعلت لَهَا عودين من بشم وَآخر من ثمامه
والبشم شجر يتَّخذ مِنْهُ القسي. يَقُول: قرنت البشم بالثمام
(2/9)
والثمام ضَعِيف فَسقط فَسقط الْبيض فانكسر.
وَلِهَذَا قيل فِي الْمثل: أخرق من حمامة. لِأَنَّهَا لَا تجيد عمل
العش فَرُبمَا وَقع الْبيض فانكسر.
وقرأت فِي الأنجيل: كونُوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام. وَيُقَال:
أَيْضا: أخرق من عقعق. لِأَنَّهُ من الطير الَّذِي يضيع بيضه وفراخه
وأموق من نعَامَة. وَذَلِكَ أَنَّهَا تخرج للطعم فَرُبمَا رَأَتْ بيض
نعَامَة أُخْرَى قد خرجت لمثل مَا خرجت هِيَ لَهُ فتحضن بيضها وَتَدَع
بيض نَفسهَا. وَإِيَّاهَا أَرَادَ ابْن هرمة. بقوله: من المتقارب ...
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أُخْرَى جنَاحا ...
والرمام والرميم وَاحِد. وهومثل قَوْلك: طوال وطويل وعراض وعريض وعجاب
وَعَجِيب يُقَال: رم الْعظم إِذا بلي وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز:
{قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} وأرم إِذا صَار فِيهِ رم
وَهُوَ المخ. والحطام: يبس النبت إِذا تكسر. قَالَ الله تبَارك
وَتَعَالَى: {ثمَّ يهيج فتراه مصفرا ثمَّ يكون حطاما} وَلَا أرى عمر
أَخذ الْمثل إِلَّا من هَذِه الْآيَة
(2/10)
من كتاب الله. أَرَادَ اغزوا والغزو وحلو
خضر يُرِيد أَنكُمْ تبصرون فِيهِ وتوفون غنائمكم قبل أَن يهن ويضعف
فَيكون كالثمام الضَّعِيف ثمَّ كالرميم ثمَّ يصير حطاما فَيذْهب
وَيُقَال فِي مثل: هُوَ على طرف الثمام. يُرَاد أَنه مُمكن قريب.
وَذَلِكَ ان الثمام لَا يطول. فَمَا كَانَ على طرفه فاخذه سهل.
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَخذ بِيَدِك ضغثا
فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} . أَخذ ضغثا من ثمام وَهُوَ مائَة عود
فَضرب. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من الأثل.
وَقَوله: انتاطت بَعدت. والنطي: الْبعيد. وَقَوله: اشتدت العزائم
يَعْنِي: عزائم الْأُمَرَاء فِي الْمَغَازِي وَأَخذهم بهَا. وَفِي
الحَدِيث: إِن رجلا قَالَ لِابْنِ مَسْعُود: يعزم علينا أمراؤنا فِي
أَشْيَاء لَا نحصيها. أَي: لَا نطيقها.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه روئي فِي الْمَنَام فَسئلَ عَن حَاله
فَقَالَ: ثل عَرْشِي لَوْلَا أَنِّي صادفت رَبًّا رحِيما أَو كَاد
عَرْشِي ينثل.
يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن يحيى بن عبد
الرَّحْمَن عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب.
(2/11)
قَوْله: ثل عَرْشِي. هَذَا مثل يضْرب للرجل
إِذا ذل وَهلك. يُقَال ثللت الشَّيْء إِذا هدمته وكسرته. وأثللته إِذا
أمرت بإصلاحه. وللعرش هَا هُنَا معينيان:
أَحدهمَا: السرير وَالْأَصْل فِيهِ: ان الأسرة كَانَت للملوك. فَإِذا
ثل عرش الْملك فقد ذهب عزه أَو هلك.
وَالْمعْنَى الآخر: الْبَيْت ينصب من العيدان ويظلل وَجَمعهَا: عروش.
وَإِذا كسر عرش الرجل فقد هلك أَو ذل. وَهُوَ نَحْو قَوْلهم خرب بَيت
فلَان.
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: انشدنيه أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله
ابْن مُحَمَّد بن هانىء قَالَ أنشدنيه الْأَخْفَش وَقَالَ: النَّضر بن
شُمَيْل: من الْكَامِل. ... كن كَيفَ شِئْت فقصرك الْمَوْت ... لَا
مزحل عَنهُ وَلَا فَوت
بَينا غنى بَيت وبهجته ... زَالَ الْغنى وتقوض الْبَيْت ...
كَانَ الْأَصْمَعِي ينشده مخفوضا. وَكَذَلِكَ بَيت أَبى
(2/12)
دؤيب: من الْكَامِل ... بَينا تعلقه الكماة
وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جرىء سلفع ...
قَالَ: وَسَأَلت الرياشي عَن الْعلَّة فِي الْخَفْض فَقَالَ: بَينا
ترفع الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام مثل: ذيد وَعَمْرو فَتَقول:
بَينا زيد وَعَمْرو يذهبان جَاءَ أَخُوك. فَإِذا وليت اسْما مأخوذا من
فعل جرت قَالَ تَقول: بَينا قيام عبد الله وقعوده أَتَانَا زيد. قَالَ:
وَهِي كَذَلِك بِمَعْنى بَين.
وَالْعرش: السّقف وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: فَهِيَ خاوية على عروشها
وَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النفخ فِي الصُّور قَالَ:
فترنج: الأَرْض بِأَهْلِهَا فَتكون كالسفينة المرنقة فِي الْبَحْر
تضربها الأمواج أَو كالقنديل الْمُعَلق بالعرش ترجحه الْأَرْوَاح.
وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله وَاحِد. وَمِنْه قيل: كرم معروش. وَمِنْه
قيل: عرشت الْبِئْر اعرشها إِذا أَنْت طويت أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ
قَلِيلا ثمَّ طويت سائرها بالخشب وَذَلِكَ الْخشب هُوَ الْعَرْش.
(2/13)
قَالَ زُهَيْر: من الطَّوِيل ... تداركتما
الأحلاف قد ثل عرشهم ... وذبيان إِذْ زلت بأقدامها النَّعْل ...
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ لأبي مَرْيَم الْحَنَفِيّ: لأَنا
أَشد بغضا لَك من الأَرْض للدم.
قَالَ ابْن سِيرِين: كَانَ عمر عَلَيْهِ غليظا وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه
قَاتل زيد بن الْخطاب وبغض الأَرْض للدم بِأَنَّهُ لَا يغوص فِيهَا.
وانها لَا تنشفه وَمَتى جف فقشرته انقشر كُله وَظهر مَا وليه من
الأَرْض ابيض.
وَبَلغنِي ذَلِك فِي كل دم إِلَّا دم الْبَعِير فَإِن الأَرْض تنشفه
وحدثنى عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد
الْمُنعم عَن أَبِيه عَن وهب ان الأَرْض نشفت دم ابْن آدم الْمَقْتُول
فلعن آدم الأَرْض فَمن أجل ذَلِك لَا تنشف الأَرْض دَمًا بعد دم هابيل
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قا ل: ان اللَّبن يشبه عَلَيْهِ. يرويهِ
سُفْيَان عَن ابْن جريح عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن
خَالِد الْخَثْعَمِي عَن ابْن عمر عَن عمر.
قوه: يشبه يُرِيد: أَن الطِّفْل الرَّضِيع رُبمَا نزع بِهِ الشّبَه
(2/14)
إِلَى الظِّئْر من أجل اللَّبن يَقُول:
فَلَا تسترضعوا إِلَّا من ترتضون أخلاقه وعفافه.
وَقد روى مثل هَذَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَلذَلِك قَالَ
الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... لم يرضعوا الدَّهْر إِلَّا ثدي وَاحِدَة
... لواضح الْوَجْه يحمي باحة الدَّار ...
يُرِيد: لم تنازغهم الظؤور فتميل إِلَى أخلاقهن وَلكنه اقْتصر لَهُم
على ألبان الْأُمَّهَات.
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي طرفَة الْهُذلِيّ
عَن جُنْدُب ابْن شُعَيْب قَالَ: إِذا رَأَيْت الْمَوْلُود قبل أَن
يغتذى من لبن غير أمه فعلى وَجه مِصْبَاح من الْبَيَان ألبان النِّسَاء
تغيره.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه أجبر بني عَم على منفوس.
يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن
سعيد ابْن الْمسيب.
المنفوس: الطِّفْل. وَهُوَ من قَوْلك: نفست الْمَرْأَة ونفست
(2/15)
إِذا ولدت. وَهُوَ صبي منفوس أَي:
مَوْلُود. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من نفس
منفوسة إِلَّا وَقد كتب أجلهَا.
وَقَالَ ابْن الْمسيب لَا يَرث المنفوس وَلَا يُورث حَتَّى يستهل
صَارِخًا. وَقَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... فيا لهفتى على ابْن
أُخْتِي لهفة ... كَمَا سقط المنفوس بَين القوابل ...
وَإِنَّمَا أَرَادَ انه أجبرهم على رضاعه. وروى عَنهُ أَيْضا أَنه أجبر
رجلا على رضَاع أَخِيه. وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: يجْبر على كل ذِي رحم
محرم.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر ان الْجِنّ ناحت عَلَيْهِ فَقَالَت: من
الطَّوِيل ... عَلَيْك سَلام من أَمِير وباركت ... يَد الله فِي ذَاك
الْأَدِيم الممزق ...
(2/16)
.. قضيت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ...
بوائق فِي أكمامها لم تفتق
فَمن يسع أَو يركب جناحي نعَامَة ... ليدرك مَا قدمت بالْأَمْس يسْبق
أبعد قَتِيل بِالْمَدِينَةِ أظلمت ... لَهُ الأَرْض تهتز العضاه بأسوق
وَمَا كنت أخْشَى أَن يكون وَفَاته ... يَكْفِي سبنتى أَزْرَق الْعين
مطرق ...
حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن حَمَّاد بن
يزِيد عَن يزِيد بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن يسَار.
وحدثنيه ايضا أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد عَن زيد عَن
يزِيد عَن سُلَيْمَان إِلَّا أَنه قَالَ: بوائج وَلم يذكر: فَبعد
قَتِيل بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ: جُزْء الله خيرا من أَمِير.
قَوْله: قضيت أمورا. أَي: عملت أعمالا أحكمتها. وَهُوَ من قَول الله
جلّ وَعز: {فقضاهن سبع سماوات فِي يَوْمَيْنِ} . أَي: صنعهن وأحكمهن.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب
(2/17)
وَذكر الدرْع من الْكَامِل ...
وَعَلَيْهِمَا مسرودتان قضاهما دَاوُد أَو صنع السوابغ تَبْغِ ...
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ صنعهما دَاوُد.
غادرت: خلفت. وَمِنْه سمي الغدير. لِأَنَّهُ مَاء تخلفه السُّيُول
وتمضي. والبائقة: الداهية وَهِي البائجة أَيْضا. وَجَمعهَا: بوائق
وبوائج يُقَال: باقتهم تبوقهم بوقا. فِي اكمامها أَي: فِي أغطيتها
وَاحِدهَا: كم. وغلاف الشَّيْء كمه. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز:
{وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها} . أَي من الْموضع الذى كَانَت
فِيهِ مستورة لم تفتق عَنْهَا الأكمام. وَإِنَّمَا أَرَادَ: انك حِين
وليت تركت بعْدك فتنا وأمورا عظاما مستورة لم تنكشف حِين مت. وستنكشف
بعد.
وَقَوله: أَو يركب جناحي نعَامَة. يَقُول: من أَرَادَ بعْدك من
الْخُلَفَاء أَن يلحقك ويبلغ مبالغك فِي سيرتك وتدبيرك لم يلحقك وَلَو
سعي أَو عدا أَو ركب جناحي نعَامَة فعدت بِهِ.
والنعامة يضْرب بهَا الْمثل فِي السرعة. وَلذَلِك وتشبه الشُّعَرَاء
النَّاقة بهَا وتشبه المنهزمين. قَالَ بشر بن أبي خازم: من المتقارب
... وَأما بَنو عَامر بالنسار ... فَكَانُوا غَدَاة لقونا نعاما ...
يُرِيد: أَنهم مروا مُسْرِعين منهزمين لَا يلوون على شَيْء. والظليم
(2/18)
إِذا عدا لم ينْه فِي عدوه شَيْء لِأَنَّهُ
يُقَال: انه لَا يستمع. قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل.
وأمهلت فِي إخوانه فَكَأَنَّمَا ... يسمع بِالنَّهْي النعام الشوارد
...
يَقُول: لم يقبل فَكَأَنِّي أسمعت بِقَوْلِي: نعاما شاردا وَلَا يسمع
وَلَا يعرج. وَنَحْو مِنْهُ قَول الآخر: من الطَّوِيل. ... وَينْهى ذوى
الأحلام عني حلومهم ... وَأَرْفَع صوتي للنعام المخزم ...
أَرَادَ: الْجُهَّال. شبههم فِي قلَّة أفهامهم بالنعام. يُرِيد: من
كَانَ حَلِيمًا نَهَاهُ حلمه عني وَمن كَانَ جَاهِلا زجرتة أَشد
الزّجر.
وَأما قَول عَلْقَمَة بن عَبدة يصف الظلأيم: من الْبَسِيط ... فوه كشق
الْعَصَا لأيا تبينه ... أسك مَا يسمع الْأَصْوَات مصلوم ...
فَفِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا أَنه أَرَادَ لَا يسمع الْأَصْوَات. اما كَمَا قَالُوا
لِأَنَّهُ أَصمّ وَلِأَنَّهُ لَا يعرج عَلَيْهَا وَإِن سَمعهَا كَمَا
يُقَال: فلَان لَا يسمع قولي. أَي: لَا يعْمل بِهِ. وَهَذَا أشبه
عِنْدِي لِأَنَّهُ يَقُول فِي هَذَا الشّعْر: من الْبَسِيط.
(2/19)
.. يوحي إِلَيْهَا بأنقاض ونقنقة ... كَمَا
تراطن فِي أقنانها الرّوم ...
فَلَو لم يسمع لم يُوح إِلَيْهَا. وَمثله قَول الآخر: من المنسرح ...
أَو خاضب يرتعي بهقلته ... مَتى ترعه الْأَصْوَات يهتجس ...
فلولا أَنه يسمع الْأَصْوَات مَا راعته.
وَالْقَوْل الآخر أَنه أَرَادَ أَنه أسك الَّذِي يسمع الْأَصْوَات
وَالَّذِي يسمع الْأَصْوَات هُوَ الْأذن فَكَأَنَّهُ قَالَ: أسك
الْأذن.
وَهَذَا الْبَيْت شَبيه بقول خفاف بن ندبة. حَدثنِي أَبُو حَاتِم وَعبد
الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي ان قوم خفاف بن ندبة السّلمِيّ ارْتَدُّوا
وأبى أَن يرْتَد وَحسن ثباته على الْإِسْلَام. فَقَالَ فِي أَبى بكر
شعرًا قوافيه ممدودة مُقَيّدَة: من السَّرِيع ... لَيْسَ لشَيْء غير
تقوى جداء ... وكل خلق عمره للفناء ... إِن أَبَا بكر هُوَ العشب إِذْ
لم تزرع الأمطار بقلا بِمَاء
الْمُعْطِي الجرد بارسانها ... والناعجات المسرعات النَّجَاء ...
(2/20)
وَالله لَا يدْرك أَيَّامه ... ذُو طرة ناش
وَلَا ذُو رِدَاء
من يسع كي يدْرك أَيَّامه ... يجْتَهد الشد بِأَرْض فضاء ...
الشد: الْعَدو. قَوْله: تهتز العضاه وَهُوَ شجر أَي: أبعد أَن قتل عمر
تورق العضاه وتهتز من النِّعْمَة على سوقها. وَهُوَ جمع سَاق. وَهَذَا
كَمَا قَالَ الآخر: من الطَّوِيل ... أيا شجر الخابور مَالك مورقا ...
كَأَنَّك لم تجزع على ابْن طريف ...
(2/21)
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
الْعلي الْعَظِيم رب يسر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قدم رجل
من بعض الْفروج عَلَيْهِ فنثر كِنَانَته فَسَقَطت صحيفَة فَإِذا
فِيهَا: من الوافر ... أَلا أبلغ أَبَا حَفْص رَسُولا ... فدى لَك من
أخي ثِقَة إزَارِي
قلائصنا هداك الله إِنَّا ... شغلنا عَنْكُم زمن الْحصار
فَمَا قلص وجدن معقلات ... قفا سلع بمختلف النجار
يعقلهن جعدة من سليم ... معيدا يَبْتَغِي سقط العذاري ...
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن أشهل بن حاتيم عَن
ابْن عون عَن ابْن سِيرِين.
(2/22)
الْفروج الثغور وَاحِدهَا فرج. قَالَ لبيد:
من الرمل ... رابط الجأش على فرجهم ... أعطف الجون بمربوع متل ...
وَقَوله: رَسُولا أَي رِسَالَة وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل
... لقد كذب الواشون مَا بحت عِنْدهم ... بسر وَلَا أرسلتهم برَسُول
...
أَي: برسالة.
وَقَوله: فدى لَك من أخي ثِقَة إزَارِي أَي: أَهلِي وَمِنْه قَول الله
تَعَالَى: {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} قَالَ الْجَعْدِي
وَذكر الْمَرْأَة: من المتقارب. ... إِذا مَا الضجيع ثنى جيدها ...
تداعت عَلَيْهِ فَكَانَت لِبَاسه ...
(2/23)
وَيُقَال ايضا أَرَادَ بالإزار نَفسه لِأَن
الازار يشْتَمل على جِسْمه فَسُمي الْجِسْم إزارا. وَقَالَ أَبُو
ذُؤَيْب وَذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل ... تَبرأ من دم الْقَتِيل وبزه
... وَقد علقت دم الْقَتِيل إزَارهَا ...
أَي: هِيَ نَفسهَا والإزار يذكر وَيُؤَنث.
وَقَوله: قلائصنا نصب يُرِيد: تدارك قلائصنا وَهِي: النوق الشواب كنى
بهَا عَن النِّسَاء.
وَقَوله: فَمَا قلص وجدن معقلات يَعْنِي نسَاء مغيبات يعقلهن جعدة رجل
من سليم وَأَرَادَ أَنَّهُنَّ معقلات للأزواج وَهُوَ يعقلهن أَيْضا.
معيدا أَي: فعل ذَلِك عودا كَأَن البدء للأزواج والاعادة لَهُ. أَو
كَأَنَّهُ يَفْعَله مرّة بعد مرّة.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي
عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ: فَقَالَ عمر أَدْعُو إِلَى جعدة
فَأتي بِهِ فجلد معقولا.
(2/24)
وحَدثني أبي حَدثنِي أَيْضا عَن
الْأَصْمَعِي عَن طَلْحَة بن مُحَمَّد ابْن سعيد بن الْمسيب ان سعيدا
قَالَ: إِنِّي لفي الأغيلمة الَّذين يجرونَ جعدة إِلَى عمر.
قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول:
كَانَ فِي الشّعْر: من الوافر
يعقلهن جعدة شيظمي ... وَبئسَ معقل الذود الظؤار ...
والشيظمي: الطَّوِيل. والظؤار جمع ظئر وَيُقَال: ان أصل هَذَا اللَّفْظ
أَن النَّاقة تعقل للضراب فكنى عَنهُ بِهِ.
وَسقط العذارى عثراتها وزلاتها. يُقَال: فلَان قَلِيل السقاط إِذا
كَانَ قَلِيل العثار.
وَقفا سلع: وَرَاءه وَهُوَ جبل.
(2/25)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر
رَضِي الله عَنهُ انه لما قدم الشَّام لقِيه المقلسون بِالسُّيُوفِ
وَالريحَان.
يرويهِ هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن تَمِيم بن عَطِيَّة
عَن عبد الله بن قيس.
المقلسون الَّذين يَلْعَبُونَ بَين يَدي الْأَمِير إِذا دخل الْبَلَد
وَالْوَاحد مقلس وَمِنْه قَول الْكُمَيْت: من الْبَسِيط. ... قد استمرت
تغنيه الذُّبَاب كَمَا ... غنى المقلس بطريقا بأسوار ...
أَرَادَ: مَعَ أسوار وَاحِد الأساورة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
بليت من الفواقر: جَار مقَامه إِن رَأْي حَسَنَة دَفنهَا وَإِن رأى
سَيِّئَة أذاعها وَامْرَأَة إِن دخلت لسنتك وَإِن غبت عَنْهَا لم
تأمنها وَإِمَام أَن أَحْسَنت لم يرض عَنْك وَإِن أَسَأْت قَتلك.
(2/26)
يرويهِ أَبُو قدامَة عَن عَليّ بن زيد.
الفواقر الدَّوَاهِي وَقد ذكرنَا اشتقاق هَذَا الْحَرْف فِي غير هَذَا
الْموضع.
وَقَوله: لسنتك أَي: أخذتك بلسانها واللسن الْمصدر واللسن طول
اللِّسَان قَالَ ابْن أم صَاحب: من الْبَسِيط ... إِن العواذل مِنْهَا
الْجَهْل واللسن ...
واللسن واللغة يُقَال: لكل قوم لسن.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
فِي خطْبَة لَهُ: من أَتَى هَذَا الْبَيْت لَا ينهزه إِلَيْهِ غَيره
رَجَعَ وَقد غقر لَهُ.
يرويهِ عباد بن عباد عَن وَاصل مولى أَبى عُيَيْنَة عَن حما د عَن أَبى
الضُّحَى عَن مَسْرُوق.
قَوْله: ينهزه أَي: يَدْفَعهُ يُقَال: نهزت الرجل ولهزته وهمزته وَلَا
أَحسب الْهَمْز فِي الْحُرُوف إِلَّا من هَذَا.
(2/27)
كَأَنَّك تدفعها ولمزته وَمِنْه قَوْله جلّ
وَعز: {ويل لكل همزَة لُمزَة} كَأَنَّهُ يغمز وَيدْفَع إِذا عَابَ
ووهزته أَيْضا وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان مجمع
ابْن جَارِيَة قَالَ: شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ النبى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انصرفنا عَنْهَا إِذا النَّاس ينهزون الأباعر
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: مَالهم قَالُوا: أُوحِي إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فخرجنا مَعَ النَّاس نوجف يُرِيد أَن النَّاس
كَانُوا يحثون ابلهم ويدفعونها وَإِنَّمَا أَرَادَ عمر أَن من حج لَا
يَنْوِي فِي حجه غير الْحَج لَا تِجَارَة وَلَا يُرِيد هُنَاكَ حَاجَة
رَجَعَ مغفورا لَهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ ان سُفْيَان
ابْن عبد الله الثَّقَفِيّ كتب إِلَيْهِ وَكَانَ عَاملا لَهُ على
الطَّائِف إِن قبلنَا حيطانا فِيهَا من الفرسك وَالرُّمَّان مَا هُوَ
أَكثر من الْكَرم أصعافا ويستأمره فِي الْعشْر فَكتب إِلَيْهِ عمر: انه
لَيْسَ عَلَيْهَا عشر هِيَ من العضاه.
يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي عَن جَعْفَر بن نجيع
السَّعْدِيّ عَن بشر بن عَاصِم.
(2/28)
الفرسك: الخوخ. وَكَانَ عمر رَضِي الله
عَنهُ لَا يرى فِي الْخضر زَكَاة وَلَا فِيمَا لَا يحول عَلَيْهِ
الْحول فِي أَيدي النَّاس. وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَا يرى
أَيْضا فِي زرع الصَّيف صَدَقَة. وَكَانَ طَاوُوس وَعِكْرِمَة
يَقُولَانِ: لَيْسَ فِي العطب زَكَاة.
والعطب: الْقطن وَهُوَ من الغلات الصيفية وَمِنْه حَدِيث الْحسن رَحمَه
الله إِنَّه كَانَ لَا يرى بغزل من عطب بِثَوْب من كرابيس نَسِيئَة
بَأْسا.
فَأَما ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ يرى الصَّدَقَة
فِي جَمِيع مَا أخرجت الأَرْض.
قَالَ أَبُو رَجَاء: كَانَ يَأْخُذ صَدَقَاتنَا بِالْبَصْرَةِ حَتَّى
رساتيج
(2/29)
الكرات. وَإِلَى هَذَا يذهب عَطاء
وَإِبْرَاهِيم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه وضع
يَده فِي كشية ضَب. وَقَالَ: إِن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم
يحرمه وَلَكِن قذره.
يرويهِ ابْن أبي زَائِدَة عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد.
كشية الضَّب: شَحم بَطْنه وَجَمعهَا كشى. وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: من
الرجز ... وَأَنت لَو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضَّب يعدو
بالواد ...
يَقُول: لَو عرفت طعمها مَعَ الأكباد لصدت الضَّب وَلم تتركه.
(2/30)
فَأَما المكن فبيضها.
يُقَال: ضبة مكون اذا جمعت الْبيض فِي بَطنهَا قَالَ أَبُو
الْهِنْدِيّ: من المتقارب
وَمكن الضباب طَعَام العريب وَلَا تشتهيه نفوس الْعَجم وَقَوله: وضع
يَده أَي: أكل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
لَا أُوتِيَ بِأحد انْتقصَ من سبل الْمُسلمين إِلَى مثاباتهم شَيْئا
إِلَّا فعلت بِهِ كَذَا.
يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن مسعر عَن جَامع بن شَدَّاد عَن زِيَاد بن
حدير.
المثابات هَاهُنَا الْمنَازل وَاحِدهَا مثابة وَإِنَّمَا قيل للمنزل
مثابة لِأَن أَهله يتصرفون فِي أُمُورهم ثمَّ يثوبون إِلَيْهِ أَي:
يعودون إِلَيْهِ.
يُقَال: ثاب فلَان إِلَى كَذَا أَي: رَجَعَ وثاب جسم فلَان إِذا عَاد
بعد الْعلَّة.
وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس
وَأمنا}
(2/31)
أَي: يرجعُونَ اليه وَمِنْه التثويب فِي
الْأَذَان الْأَذَان.
وَأَرَادَ من اقتطع شَيْئا من طرق الْمُسلمين وَأدْخلهُ فِي دَاره.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه كره
النير.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة عَن ابْن عمر وَقَالَ
ابْن عمر: لَوْلَا انه كره ذَلِك لم أر بِهِ بَأْسا.
النير: الْعلم وَلَا أرَاهُ كره إِلَّا علم الْحَرِير وَكَذَلِكَ
رُوِيَ عَن ابْن عمر انه كَانَ يقطع الْعلم الْحَرِير من عمَامَته.
يُقَال: نرت الثَّوْب نيرا وَجمع النير أنيار. قَالَ ذُو الرمة وَذكر
النِّسَاء: من الطَّوِيل ... لحفن الْحَصَا انياره ثمَّ خضنه ... نهوض
الهجان الموعثات الجواثم ...
يَقُول: جعلنه لحافا للحصى ثمَّ خضن فضول أذيالهن
(2/32)
كَمَا يخاض المَاء.
والموعثات اللواتي وقعن فِي وعث أَي: شدَّة. والجواشم اللواتي يتجشمنه
على مشقة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه
انْكَسَرت قلُوص من إبل الصَّدَقَة فجفنها.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ.
قَوْله: فجفنها أَي: اتخذ مِنْهَا طَعَاما وَجمع عَلَيْهِ. وَهُوَ من
الْجَفْنَة مَأْخُوذ. وَكَانُوا يطْعمُون إِذا جمعُوا فِي الجفان.
وَلذَلِك قَالُوا للرجل إِذا رثوه فوصفوه بإطعام الطَّعَام: جَفْنَة
وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
عجبت لتاجر هجس وراكب الْبَحْر.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن رجل عَن الْحسن.
قَوْله: عجبت لتاجر هجر يُرِيد: كَيفَ يخْتَلف إِلَيْهَا مَعَ شدَّة
وبائها ولراكب الْبَحْر كَيفَ يركبه للتِّجَارَة مَعَ مَا فِيهِ من
الخطار بالأنفس لَا أعلم للْحَدِيث وَجها غير هَذَا. وكل مَوضِع كثر
نخله اشْتَدَّ وباؤه.
(2/33)
وَرُوِيَ فِي الحَدِيث: إِن الْحمى فِي
اصول النّخل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ
ذَات لَيْلَة فِي مسير لَهُ لِابْنِ عَبَّاس: أنشدنا لشاعر الشُّعَرَاء
قَالَ: وَمن هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: الَّذِي لم يعاظل
بَين القَوْل وَلم يتبع حوشي الْكَلَام. قَالَ: وَمن هُوَ قَالَ:
زُهَيْر. فَجعل ينشده إِلَى أَن برق الصُّبْح.
هَذَا حَدِيث كَانَ يرويهِ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن شيخ يكنى
أَبَا مُحَمَّد ذكر أَنه لَا بَأْس بِهِ عَن أبي مخنف وَعَن أَبى
مَسْعُود.
قَوْله: لم يعاظل بَين القَوْل أَي لم يكرره وَيحمل بعضه على بعض.
وَيُقَال: تعاظل الْجَرَاد اذا ركب بعضه بَعْضًا وَذَلِكَ حِين يُرِيد
أَن يبيض. وَيُقَال للضبع اذا دخل عَلَيْهَا الصَّائِد: خامري أم عَامر
ابشري بجراد عظال وكمر رجال. فتقر ونسكن حَتَّى يدْخل عَلَيْهَا فيربط
يَديهَا ورجليها ويكمعها. وَقَالَ جرير: من الطَّوِيل
(2/34)
.. تراغيتم يَوْم الزبير كأنكم ... ضباع
بِذِي قار تمنى الأمانيا ...
فَقَوله: تمنى الأمانيا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُوله الصَّائِد لَهَا.
وروى تقلة الْأَخْبَار ان الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام حِين
كَانَ من أَمر طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة مَا كَانَ: أَشرت
عَلَيْك ثَلَاث مَرَّات فعصيتني. فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام:
إِنَّك تخن خنين الْجَارِيَة هَات مَا الَّذِي أَشرت بِهِ عَليّ وَمَا
الَّذِي عصيتك فِيهِ. فَذكر أَشْيَاء فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ
السَّلَام: أَنا وَالله إِذا مثل الَّتِي أحيط بهَا فَقيل لَهَا زباب
حَتَّى دخلت حجرها ثمَّ احتفر عَلَيْهَا فاجتر برجلها حَتَّى ذبحت.
وَلَا أرَاهُ أَرَادَ إِلَّا الضبع كَأَنَّهُمْ كَانُوا إِذا أَرَادوا
صيدها أحاطوا بهَا ثمَّ قيل: زباب زباب تؤنس بذلك أَو تبشر بِهِ.
الزباب جنس من الفأر لَا يسمع. والخلد مِنْهُ لَا يبصر ولعلها ان تكون
تَأْكُله كَمَا تَأْكُل الْجَرَاد.
والخنين: ضرب من الْبكاء.
قَالُوا: وَإِنَّمَا قيل: يَوْم العظالى وَهُوَ يَوْم للْعَرَب
مَشْهُور لِأَن النَّاس ركب فِيهِ بَعضهم بَعْضًا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ركب الِاثْنَان وَالثَّلَاثَة الدَّابَّة
الْوَاحِدَة.
(2/35)
والذئاب وَالْكلاب تتعاظل إِذا تسافدت.
وَقَول الصَّائِد: ابشري بكمر رجال لِأَن الضبع إِذا وجدت قَتِيلا قد
انتفخ جردانه ألقته على قَفاهُ ثمَّ ركبته واستعملته. قَالَ الْعَبَّاس
بن مرداس: من الطَّوِيل. ... فَلَو مَاتَ مِنْهُم من جرحنا لأصبحت ...
ضباع بِأَكْنَافِ الْأَرَاك عرائسا ...
فَقَوله: خامري أَي خالطي.
قَالَ الْكُمَيْت: من مجزوء الْكَامِل
أما أَخُوك ابو الْوَلِيد فلابس ثوبي مخامر
فعل المقرة للمقالة خامري يَا أم عَامر ...
وَأم عَامر هِيَ الضبع. وحوشي. الْكَلَام ووحشية وَاحِد. وَيُقَال:
الابل الحوشية منسوبة إِلَى الحوش. وَأَنَّهَا فحول نعم الْجِنّ ضربت
فِي بعض الابل فنسبت اليها. قَالَ رؤبة: من الرجز ... جرت رحانا من
بِلَاد الحوش ...
(2/36)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر
رَضِي الله عَنهُ إِن نائلا قَالَ: سَافَرت مَعَ مولَايَ عُثْمَان بن
عَفَّان وَعمر فِي حج أَو عمْرَة فَكَانَ عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر
لفا وَكنت أَنا وَابْن البير فِي شببة مَعنا لفا فَكُنَّا نتمازح
ونترامى بالحنظل. فَمَا يزيدنا عمر على أَن يَقُول: كَذَاك لَا تذعروا
علينا. فَقُلْنَا لرباح ابْن المغترف: لَو نصبت نصب الْعَرَب فَقَالَ
مَعَ عمر قُلْنَا افْعَل فَإِن نهاك عَنهُ فانته. فَفعل فَمَا قَالَ
لَهُ عمر شَيْئا حَتَّى إِذا كَانَ فِي وَجه السحر فاداه يَا رَبَاح
أكفف فَإِنَّهَا فَإنَّا سَاعَة ذكر.
يرويهِ عبيد الله بن مُحَمَّد عَن عمر بن عُثْمَان التَّيْمِيّ عَن
عُثْمَان بن نائل عَن أَبِيه.
قَوْله: كَانَ عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر لفا أَي حزبا وَفرْقَة وَهُوَ
من الالتفاف مَأْخُوذ. كَأَنَّهُمْ حِين اجْتَمعُوا وانفردوا قِطْعَة
وَاحِدَة التفوا فِي ذَلِك الِاجْتِمَاع.
وَذكر أَبُو عُبَيْدَة ان ألفافا فِي كتاب الله تَعَالَى جمع لف
وَقَالَ غَيره هُوَ جمع لف. ولف جمع ألف كَأَنَّهُ جمع الْجمع.
(2/37)
وَقَول عمر كَذَلِك لَا تذعروا علينا
يُرِيد: لَا تنفرُوا إبلنا فَحذف الابل اسْتِخْفَافًا.
وَقَوله: كَذَاك أَي: حسبكم وَمِنْه قَول أبي بكر للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَهُوَ يَدْعُو: يَا نَبِي الله كَذَاك
فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك.
وشبيه بِهِ قَوْلهم: إِلَيْك أَي: تَنَح قَالَ الْقطَامِي وَذكر
امْرَأَة استضافها: من الطَّوِيل
تَقول وَقد قربت كوري وناقتي ... إِلَيْك فَلَا تذْعَر عَليّ ركائبي
...
وتشببة جمع شَاب مثل كَاتب وكتبة وكاذب وكذبة وَقَوْلهمْ: لَو نصبت لنا
نصب الْعَرَب أَي غنيتنا غناء الْعَرَب وَهُوَ غناء لَهُم يشبه الحداء
غير أَنه أرق مِنْهُ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَفِي الحَدِيث: كلهم كَانَ ينصب. أَي: يُغني
النصب.
يُقَال: نصب فلَان ينصب نصبا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه سَأَلَ
الْمَفْقُود الَّذِي استهوته الْجِنّ مَا كَانَ شرابهم فَقَالَ: الجدف.
(2/38)
ذكره أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ تَفْسِيره
فِي الحَدِيث: انه مَا لَا يغطى. قَالَ: وَيُقَال هُوَ نَبَات يكون
بِالْيمن لَا يحْتَاج آكله إِلَى شرب المَاء عَلَيْهِ وَلم أزل لهَذَا
التَّفْسِير مُنْكرا لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَن شرابهم فَأَجَابَهُ بِذكر
النَّبَات والنبات لَا يجوز أَن يكون شرابًا وان كَانَ صَاحبه
يَسْتَغْنِي مَعَ أكله عَن شرب المَاء إِلَّا على وَجه من الْمجَاز
ضَعِيف وَهُوَ أَن يكون صَاحبه لَا يشرب المَاء فَيُقَال ان ذَلِك
شرابه لِأَنَّهُ يقوم مقَام شرابه فَيجوز أَن يكون قَالَ هَذَا ان
كَانَت الحن لَا تشرب شرابًا أصلا.
وَأما التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يُوَافقهُ
اللَّفْظ. وَبَلغنِي عَن بعض أَصْحَاب اللُّغَة انه كَانَ يَقُول:
الجدف زبد الشَّرَاب ورغوة اللَّبن وَغَيره. سمي جدفا من موضِعين:
أَحدهمَا لِأَنَّهُ يجدف عَن الشَّرَاب أَي: يقطع ويلقى إِلَّا الأَرْض
والجدف والجذف وَاحِد. وَمِنْه يُقَال: قَمِيص مجدوف الكمين أَي
مقطوعهما وقصيرهما يَقُول: جذفت الشَّيْء جذفا اذا قطعته. وَاسم مَا
انْقَطع: جذف كَمَا تَقول: نفضت الشَّجَرَة نفضا وَاسم مَا سقط إِلَى
الأَرْض مِنْهَا نفض وخبطتها خبطا وَاسم مَا سقط من وَرقهَا إِلَى
الأَرْض: خبط.
والموضع الآخر ان الشَّرَاب يجدف أَي: يُحَرك فرتفع الرغوة فَمَا
ارْتَفع مِنْهَا جدف. لِأَنَّهُ على الجدف كَانَ كَمَا مثلت لَك.
(2/39)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر
رَضِي الله عَنهُ انه كتب فِي الصَّدَقَة إِلَى بعض عماله كتابا فِيهِ:
وَلَا تحبس النَّاس أَوَّلهمْ على آخِرهم فَإِن الرجن للماشية
عَلَيْهَا شَدِيد وَلها مهلك. وَإِذا وقف الرجل عَلَيْك غنمه فَلَا
تعتم من غنمه وَلَا تَأْخُذ من أدناها وَخذ الصَّدَقَة من أوسطها
وَإِذا وَجب على الرجل سنّ فَلم تَجدهُ فِي إبِله فَلَا تَأْخُذ إِلَّا
تِلْكَ السن من شروى إبِله. أَو قيمَة عدل. وَانْظُر ذَوَات الدّرّ
والماخض فتنكب عَنْهَا فانها ثمال حاضرتهم.
وَفِي حَدِيث آخر إِنَّه قَالَ فِي صَدَقَة الْغنم: يعتامها صَاحبهَا
شَاة شَاة حَتَّى يعْزل ثلثهَا ثمَّ يصدع الْغنم صدعين فيختار الْمُصدق
من أَحدهمَا.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد
الرَّحْمَن ابْن الْقَاسِم عَن أَبِيه.
قَوْله: الرجن عَلَيْهَا شَدِيد. يَعْنِي الْحَبْس. يُقَال: رجن فلَان
بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَمثله: دجن بِالْمَكَانِ دجونا
ورجونا. وَمِنْه قيل لما يعلفه النَّاس فِي مَنَازِلهمْ من الشَّاء:
دواجن. وَكَذَلِكَ الدَّجَاج وَالطير. وَمِنْه الحَدِيث: لعن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مثل بدواجنه وَهُوَ أَن يجدعها
(2/40)
أَو يخصيها أَو ينصبها غَرضا فيرميها.
وحَدثني ابي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي ان عمر ابْن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لقط نويات من الطَّرِيق فَأَمْسكهَا بِيَدِهِ
حَتَّى مر بدار قوم فألقاها فِيهَا وَقَالَ: تأكلها داجنتهم. يَعْنِي
مَا يعلفونه فِي مَنَازِلهمْ من الشَّاء.
وَقَالَ غَيره: كَانَ يَأْخُذ النَّوَى ويلقط النكث من الطَّرِيق
فَإِذا مر بدار قوم رمى بهما فِيهَا وَقَالَ: انتفعوا بِهَذَا.
والنكث: الْخَيط الْخلق من صوف أَو شعر أَو وبر وَجمعه أنكاث
وَإِنَّمَا سمي نَكثا لِأَنَّهُ ينْكث أَي: ينْقض وَذَلِكَ أَن الْحَبل
إِذا أخلق ورث نقض ليؤخذ شعره اَوْ وبره فيعاد مَعَ الْجَدِيد
وَكَذَلِكَ الْخَزّ إِذا أخلق نكث أَي نقض وَمن هَذَا قيل لمن
يُبَايِعك على شَيْء ثمَّ نقض مَا أَعْطَاك من نَفسه: ناكث قَالَ الله
جلّ وَعز: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة
أنكاثا} .
وَقَالَ قعنب بن ام صَاحب من الْبَسِيط ... رَأس الخنامنهم وَالْكفْر
خامسهم ... وحشوة مِنْهُم فِي اللؤم قد دجنوا ...
يُرِيد: أَقَامُوا. قَالَ أَبُو زيد: والدجون من الشَّاء الَّتِي لَا
تمنع ضرْعهَا سخال غَيرهَا.
وَقَوله: فَلَا تعتم من غنمه أَي: لَا تختر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي
(2/41)
الحَدِيث الآخر: يعتامها صَاحبهَا شَاة
شَاة أَي: يختارها. يُقَال: اعتام فلَان يعتام واعتمى يعتمي مقلوب.
وعيمة المَال: خِيَاره.
قَالَ طرفَة بن العَبْد: من الطَّوِيل ... أرى الْمَوْت يعتام
الْكِرَام ويصطفي ... عقيلة مَال الْفَاحِش المتشدد ...
وَقَوله: شروى إبِله أَي: مثلهَا. وَمِنْه الحَدِيث: ان شريحا ومسروقا
كَانَا يضمنَانِ الْقصار شرواه يَوْم اخذه أَي: مثل الثَّوْب.
وَقَوله: ثمال حاضرتهم يُرِيد: عصمتهم وغياثهم يُقَال: فلَان ثمال قومه
إِذا كَانَ يقوم بأمرهم. وَقَالَ أَبُو طَالب فِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: من الطَّوِيل ... وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ
... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه جعل على
كل جريب عَامر أَو غامر درهما وقفيزا.
(2/42)
يرويهِ ابو مُعَاوِيَة عَن الشَّيْبَانِيّ
عَن أبي عون الثَّقَفِيّ.
الغامر من الأَرْض مَا لم يزرع مِمَّا يحْتَمل الزِّرَاعَة وَقَالَ لي
بعض أَصْحَاب اللُّغَة: إِنَّمَا قيل لَهُ غامر لِأَن المَاء يبلغهُ
فيغمره. وَهُوَ فَاعل بِمَعْنى مفعول. كَمَا يُقَال: مَاء دافق
بِمَعْنى مدفوق وسر كاتم أَي: بِمَعْنى مَكْتُوم وليل نَائِم أَي: منوم
فِيهِ. فَإِن كَانَ كَمَا ذكرنَا فَإِنِّي أَحْسبهُ بني على فَاعل
ليقابل بِهِ العامر وَقد خبرتك انهم يوازنون الشَّيْء بالشَّيْء إِذا
كَانَ مَعَه كَقَوْلِهِم: إِنِّي لآتيه بالغدايا والعشايا فَجمعُوا
الْغَدَاة غدايا لما قابلوه بالعشايا. كَمَا جمعُوا العشية وكقول
الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... هتاك أخبية ولاج أبوية ...
فَجمع الْبَاب أَبَوَيْهِ إِذْ كَانَ موازيا لأخبية. وَهَذَا الأَصْل
فِي الغامر ثمَّ قيل لكل أَرض معطلة من زرع أَو بِنَاء أَو غرس: غامرة
وَنَحْوهَا البراح. وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا فِي الغامر
(2/43)
قَول الشّعبِيّ: إِن عمر بعث عُثْمَان بن
حنيف فقسم على كل جريب يبلغهُ المَاء عمله صَاحبه أَو لم يعمله درهما
ومختوما: وَأما مَا لَا يبلغهُ المَاء من موَات الأَرْض فَلَا يُقَال
لَهُ غامر. وَإِنَّمَا جعل عمر رَضِي الله عَنهُ على مَا لم يزرع
الْخراج فِيمَا أرى لِئَلَّا يقصر النَّاس فِي الزِّرَاعَة وَأَرَادَ
عمَارَة الأَرْض.
فَأَما مَا ترك عمله بِعُذْر بَين أَو مَا زرع فَلم ينْبت فَإِن صَاحبه
كَانَ لَا يلْزم شَيْئا.
وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول: إِذا كَانَ للرجل أَرض خراج فعطلها
فَعَلَيهِ خراجها وَإِن زَرعهَا فَأصَاب زَرعهَا آفَة اصطلمته فَلَا
خراج عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ:
اللَّبن لَا يَمُوت.
يرويهِ يحيى بن الْيَمَان عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أَبى إِسْحَق عَن
فرظة.
وَبَلغنِي عَن بعض الْفُقَهَاء انه كَانَ يذهب فِي تَأْوِيله إِلَى إِن
(2/44)
الصَّبِي إِذا رضع امْرَأَة ميتَة حرم
عَلَيْهِ من وَلَدهَا وقرابتها من يحرم عَلَيْهِ من ولد الْحَيَّة
وقرابتها إِذا رضعها. وَهَذَا إِن كَانَ من امْرَأَة فعلته. يُرِيد
بِهِ يحرم وَلَدهَا على ولد الْميتَة أَو من صبي خلا بميتة فرضعها.
وَسُئِلَ عَن ذَلِك عمر.
فَإِن هَذَا التَّفْسِير لَهُ وَجه وَإِلَّا فَإنَّا لَا نعلم أحدا
يرضع وَلَده بِلَبن ميتَة.
وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن الله جلّ وَعز حرَام النِّكَاح بِالرّضَاعِ
فَقَالَ: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} .
وَالرّضَاع أَن يمتص الصَّبِي من الثدي فَإِذا فصل اللَّبن من الثدي
فأوجره الصَّبِي أَو أَدَم لَهُ بِهِ أَو ديف لَهُ فِي الدَّوَاء أَو
سقيه أَو سعط بِهِ لم يكن رضَاعًا وَلكنه يحرم بِهِ مَا يحرم
بِالرّضَاعِ لَان اللَّبن لَا يَمُوت أَي: لَا يبطل عمله بمفارقته
الثدي. وَمَعْنَاهُ: قَول الْفُقَهَاء السعوط والوجور يحرمان مَا يحرمه
الرَّضَاع. وشبيه بِهِ وان لم يكن لَهُ كل مَعْنَاهُ قَوْلهم: الشّعْر
لَا يَمُوت. وَالصُّوف لَا يَمُوت. وَذَلِكَ يكون فِي موضِعين:
أَحدهمَا مجمع عَلَيْهِ. وَالْآخر مُخْتَلف فِيهِ.
فاما الْمجمع عَلَيْهِ فالصوف وَالشعر إِن أخذا من الْحَيّ
فَإِنَّهُمَا لَا يموتان بمفارقة الْحَيّ كَمَا يَمُوت اللَّحْم
وَالْجَلد ان قطعا مِنْهُ وَلكنه يحل اغتزالهما ولبسهما وَالصَّلَاة
فيهمَا وَعَلَيْهِمَا.
(2/45)
وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فالشعر وَالصُّوف
يؤخذان من الْميتَة يَقُول بعض الْفُقَهَاء: انهما ميتان. وَيَقُول
بَعضهم: ليسَا بميتين.
وَسمعت بعض أَصْحَاب الْقيَاس يَقُول: ان اللَّبن إِن أَخذ من ميتَة لم
يحرم وَقَالَ: كل شَيْء أَخذ من الْحَيّ فَلم يحرم. فَإِنَّهُ إِن أَخذ
من الْمَيِّت لم يحرم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ:
من حَظّ الْمَرْء نفاق أيمه وَمَوْضِع حَقه.
يرويهِ وَكِيع عَن مبارك بن فضَالة عَن الْحسن.
الأيم: الْمَرْأَة لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا. وَكَذَلِكَ
الرجل إِذا لم تكن لَهُ امْرَأَة فَهُوَ أيم. وَيُقَال فِي مثل:
الْحَرْب مايمة أَي: يقتل فِيهَا الرِّجَال فَتبقى النِّسَاء بِلَا
أَزوَاج.
وَأَرَادَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَن من جد الرجل أَن يخْطب إِلَيْهِ
ويتزوج نساؤه من بَنَاته وأخواته وأشباههن فَلَا يبرن وَلَا يكسدن.
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يتَعَوَّذ بِاللَّه من
بوار الأيم.
وَقَالَ بعض العباسيين للمنصور: إِذا نَحن اتسعنا فِي الْبَنَات وضقنا
(2/46)
فِي الْبَنِينَ وخفنا بوار الايامي فالى من
نخرجهن فَقَالَ الْمَنْصُور: من الرمل
عبد شمس كَانَ يَتْلُو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب ...
يُرِيد: ان بني امية أكفاء بني هَاشم.
وَقَوله: وَمَوْضِع حَقه يُرِيد: من حَظّ الرجل أَيْضا أَن يكون حَقه
عِنْد من لَا يَدْفَعهُ وَلَا يجحده وَلَا يَدْفَعهُ عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر انه اسْتعْمل رجلا على عمل
بِالْيمن فوفد عَلَيْهِ وَعَلِيهِ حلَّة مشهرة وَهُوَ مرجل دَهِين
فَقَالَ: هَكَذَا بعثناك فَأمر بالحلة فنزعت وألبس جُبَّة صوف ثمَّ
سَالَ عَن ولَايَته فَلم يذكر إِلَّا خير فَرده على عمله ثمَّ وَفد
عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَإِذا أَشْعَث مغبر عَلَيْهِ أطلاس فَقَالَ: لَا
وَلَا كل هَذَا إِن عاملنا لَيْسَ بالشعث وَلَا بالعافي كلوا
وَاشْرَبُوا وادهنوا انكم ستعلمون الَّذِي أكره من أَمركُم.
يرويهِ الْفضل بن مُوسَى عَن عَمْرو بن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أَبِيه
الأطلاس: الوسخة من الثِّيَاب يُقَال رجل أطلس الثَّوْب
(2/47)
8 - بَين الطلسة قَالَ ذُو الرمة وَذكر
الصَّائِد: من الْبَسِيط ... مقزع أطلس الأطمار لَيْسَ لَهُ ... إِلَّا
الضراء وَإِلَّا صيدها نشب ...
وَمِنْه قيل للذئب فِي لَونه أطلس. والعافي: الطَّوِيل الشّعْر يُقَال:
عَفا وبر الْبَعِير إِذا طَال وعفت الأَرْض إِذا غطاها النَّبَات
وَمِنْه الحَدِيث إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن
تعفى اللحى وتحفى الشَّوَارِب.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ
لِابْنِ أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ: أما تراني لَو شِئْت أمرت بفتيه
سَمِينَة أَو قنية فألقي عَنْهَا شعرهَا ثمَّ أمرت بدقيق فنخل فِي
خرقَة فَجعل مِنْهُ خبز مرقق وَأمرت بِصَاع من زبيب فَجعل فِي سعن
حَتَّى يكون كَدم الغزال.
يرويهِ سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال.
السعن: قربَة أَو إداوة ينْبذ فِيهَا وَتعلق بوتد أَو جذع نَخْلَة.
وَبَلغنِي إِنَّهَا لَا تسمى سعنا حَتَّى يقطع أَسْفَلهَا ويشد رَأسهَا
وَذَلِكَ إِذا أخلقت فَيكون مَا يلقى فِيهَا من مَوضِع الْقطع لسعته.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه رأى
(2/48)
رجلا يأنح ببطنه فَقَالَ: مَا هَذَا
فَقَالَ: بركَة من الله فَقَالَ بل هُوَ عَذَاب يعذبك الله بِهِ.
يرويهِ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن الْحسن.
قَوْله: يانح ببطنه هُوَ من الأنوح صَوت يسمع من الْجوف وَمَعَهُ نفس
وبهر يعتري السمين من الرِّجَال إِذا مَشى وَالْفرس الخوار الثقيل
يُقَال: انج يأنح أنوحا وَهُوَ رجل أنوح وَفرس أنوح قَالَ الشَّاعِر:
من الرجز ... جرى ابْن ليلى جرية السبوح ... جرية لَا كاب وَلَا أنوح
...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه لما دنا
من الشَّام ولقيه النَّاس جعلُوا يتواطنون فأشكعه ذَلِك وَقَالَ لأسلم:
انهم لن يرَوا على صَاحبك بز قوم غضب الله عَلَيْهِم.
أشكعه: فِيهِ قَولَانِ يُقَال اغضبه ذَلِك تَقول أشكعني الامر وأحفظني
أَي: أَغْضَبَنِي وَيُقَال أشكعه: أمله وأضجره. يُقَال: شكعت من كَذَا
إِذا مللته وَهَذَا أعجب إِلَيّ الأول لقَوْل أبي وجزة: من الْبَسِيط
(2/49)
.. سل الْهوى ولبانات الْفُؤَاد بهَا ...
وَالْقلب شاكي الْهوى من حبها شكع ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ ان عَاملا
لَهُ على الطَّائِف كتب اليه ان رجَالًا من فهم كلموني فِي خلايا لَهُم
أَسْلمُوا عَلَيْهَا وسألوني أَن أحميها لَهُم. فَكتب إِلَيْهِ عمر:
إِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث فَإِن أَدّوا زَكَاته فاحمه لَهُم.
الخلايا مَوَاضِع النَّحْل الَّتِي تعسل فِيهَا الْوَاحِدَة خلية.
وَقَوله: إِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث أَي: يكون مَعَ الْغَيْث يُرِيد
أَنَّهَا تعيش بالمطر لِأَنَّهَا تَأْكُل مَا ينْبت عَنهُ. فَإِذا لم
يكن غيتا لم يكن لَهَا مَا تَأْكُل فشبهها بالراعي والسائم من النعم
إِذا لم يكن على صَاحبهَا مِنْهَا مؤونة وَأوجب فِيهَا الزَّكَاة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِن سعد بن
الأخرم قَالَ: كَانَ بَين الْحَيّ وَبَين عدي بن حَاتِم تشاجر فأرسلوني
إِلَى عمر بن الْخطاب فَأَتَيْته وَهُوَ يطعم النَّاس من كسور إبل
وَهُوَ قَائِم متوكيء على عصى متزر إِلَى أَنْصَاف سَاقيه خذب من
الرِّجَال كَأَنَّهُ راعي غنم وَعلي حلَّة ابتعتها بِخمْس مائَة
دِرْهَم فَسلمت عَلَيْهِ فَنظر إِلَيّ بذنب عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي
(2/50)
رجل: أمالك معوز قلت: بلَى قَالَ:
فَأَلْقِهَا قَالَ فالقيتها وَأخذت معوزا ثمَّ لَقيته فَسلمت فَرد
عَليّ السَّلَام.
يرويهِ سُفْيَان عَن شيخ من طي عَن سعد بن الأخرم.
كسور الْإِبِل أعضاؤها والخدب الْعَظِيم الجافي وَلذَلِك قيل للظليم:
خذب.
وَقَوله: كَأَنَّهُ راعي غنم يُرِيد فِي الْجفَاء والبذاذة. وَالْعرب
تضرب بِهِ الْمثل براعي الْغنم فِي الْجفَاء وَكَذَلِكَ راعي الابل
تضرب بِهِ الْمثل قَالَ أَبُو النَّجْم يصف رَاعيا: [من الرجز] صلب
الْعَصَا جَاف عَن التغزل
يُرِيد أَنه يجفو عَن المغازية والمزاح وَأَشْبَاه هَذَا. وَالْعرب
أَيْضا تضرب الْمثل [10 / ب] براعي الْغنم فِي الْجَهْل وَيَقُولُونَ:
{اجهل من راعي ضَأْن} وَقَالَ حميد بن ثَوْر يصف بَعِيرًا: من
الطَّوِيل. ... محلى بأطواق عتاق يبينها ... على الضّر راعي الضان لَا
يتقوف ...
يُرِيد انه اذا تبينها راعي الضَّأْن على جَهله فَغَيره لَهَا أَشد
نَبينَا وَلِهَذَا قَالَ الأخطل لجرير: من الْكَامِل
(2/51)
.. فانعق بضأنك يَا جرير فَإِنَّمَا ...
منتك نَفسك فِي الْخَلَاء ضلالا ...
وَلم يكن جرير براعي ضَأْن وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن بني كُلَيْب يعيرون
برعي الضَّأْن وَجَرِير مِنْهُم فَهُوَ من جفاتهم وَمن ذهب فِي قَول
الله جلّ وَعز: {وَمثل الَّذين كفرُوا كَمثل الَّذِي ينعق بِمَا لَا
يسمع} . إِلَى انه شبههم براعي الضَّأْن فِي الْجَهْل كَانَ على
مَذْهَب الْعَرَب وَجها غير أَنه لم يذهب إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء
فِيمَا نعلم.
وَفِي حَدِيث حنين أَن دُرَيْد بن الصمَّة قَالَ: بِأَيّ وَاد أَنْتُم
قَالُوا بأوطاس فَقَالَ: نعم مجَال الْخَيل لَا حزن ضرس وَلَا سهل دهس
ثمَّ قَالَ لمَالِك بن عَوْف: مَالِي أسمع بكاء الصَّغِير ورغاء
الْبَعِير ونهاق الْحمير ويعار الشَّاء. قَالَ مَالك. يَا أَبَا قُرَّة
اني سقت مَعَ النَّاس أَمْوَالهم وذراريهم وَأَرَدْت أَن أجعَل كل رجل
مِنْهُم أَهله وَمَاله يُقَاتل عَنهُ فأنقض بِهِ دُرَيْد ثمَّ قَالَ:
لبس المعوز رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا من الْأَئِمَّة تَأْدِيب
وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم لِأَن رد السَّلَام فرض.
(2/52)
.. يَا لَيْتَني فِيهَا جذع ... أخب فِيهَا
وأضع
أَقُود وطفاء الزمع ... كَأَنَّهَا شَاة صدع ...
قَوْله: انقض بِهِ دُرَيْد يُرِيد انه نقر بِلِسَانِهِ فِي فِيهِ كَمَا
تزجر الشَّاة أَو الْحمار.
وَقَوله: رويعي ضَأْن يستجهله وَبَلغنِي أَن قوما من منتصبي صحابة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذهبون فِي قَول الْقَائِل فِي
عمر رَضِي الله عَنهُ كَأَنَّهُ راعي غنم إِلَى هَذَا المغنى ومعاذ
الله وَكَيف يظنّ هَذَا بِمن جعل الله ظَنّه كيقين غَيره. وَجعل
السكينَة على لِسَانه وَالْحق مَعَه حَيْثُ زَالَ وَحَيْثُ كَانَ
وَلكنه شبههه براغي الْغنم فِي جفائه عَن الْعَبَث والمزح وخشونته
وبذاذة هَيئته وَنَحْو هَذَا قَول ابْن عمر فِيهِ: انه كَانَ يَصِيح
الصَّيْحَة فيكاد من سَمعهَا يصعق كَالْجمَلِ المحجوم. والمحجوم هُوَ
الْبَعِير يَجْعَل فوه فِي حجام لِئَلَّا يعَض. والحجام والكعام
وَاحِد. وَذَلِكَ إِذا هاج والمعوز: الثَّوْب الْخلق وَجمعه: معاوز
كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الوز أَي يلْبسهُ الْفَقِير المعوز وَخرج مخرج
الْآلَة والأداة بِكَسْر الْمِيم كَمَا يُقَال: مقطع ومحمل وَإِنَّمَا
ترك عمر رَضِي الله عَنهُ فَرد السَّلَام عَلَيْهِ وَنظر إِلَيْهِ
بمؤخر عَيْنَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتهر الْحلَّة فَلَمَّا الْحلَّة
فَلَمَّا لبس المعوز رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا من الْأَئِمَّة
تَأْدِيب وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم لِأَن رد السَّلَام فرض.
(2/53)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر
رَضِي الله عَنهُ انه مر بِرَجُل قد قصر الشّعْر فِي السُّوق فعاقبه.
قصّ الشّعْر أَي: جزه وانما عاقبه على ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُؤمن اذا
جز فِي السُّوق أَن تحمله الرّيح فتلقيه فِيمَا يَأْكُلهُ النَّاس
ويأتدمونه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه ذكر
فتيَان قُرَيْش وسر فهم فِي الانفاق فَقَالَ: لحرفة أحدهم أَشد عَليّ
من عيلته.
الحرفة هَا هُنَا ان يكون الرجل لَا يتجر وَلَا يلْتَمس الرزق أَو يكون
محدودا لَا يرْزق إِذا طلب وَمِنْه قيل: فلَان محارف والعيلة: الْفقر.
وَأَرَادَ عمر أَن إغناء الْفَقِير مِنْهُم أيسر عَليّ من إصْلَاح
الْفَاسِد.
والحرفة فِي مَوضِع آخر الِاكْتِسَاب بالصناعة وَالتِّجَارَة. وَفِي
حَدِيث آخر لعمر أَنه قَالَ: إِنِّي لارى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول
هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني. وَمِنْه يُقَال:
فلَان حريف فلَان إِذا عَامله فعيل فِي معنى فَاعل مثل جليس
(2/54)
وأكيل وشريب.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
لرجل: مَا مَالك فَقَالَ: أقرن لي وآدمة فِي المنيئة فَقَالَ: فقومها
وزكها.
الأقرن جمع قرن وَهِي جعبة من جُلُود تكون للصيادين يشق جَانب مِنْهَا
لتدخلها الرّيح وَلَا يفْسد الريش وآدمة جمع أَدِيم مثل جريب وأجربة.
والمنيئة: الدّباغ وَإِنَّمَا امْرَهْ بتزكيتها لِأَنَّهَا كَانَت
للتِّجَارَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِن أَبَا أبي
وجزة السَّعْدِيّ قَالَ:
شهدته يَسْتَسْقِي فَجعل يسْتَغْفر فَأَقُول: أَلا يَأْخُذ فِيمَا خرج
لَهُ وَلَا أشعر أَن الاسْتِسْقَاء هُوَ الاسْتِغْفَار. فقلدتنا
السَّمَاء قلدا كل خمس عشرَة لَيْلَة حَتَّى رَأَتْ الأرنبة يأكلها
صغَار الابل من وَرَاء حقاق العرفط.
رَوَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن عبد الله بن عمر عَن أَبى وجزة
عَن أَبِيه.
قَوْله: قلدتنا السَّمَاء يُرِيد مطرتنا لوقت. والقلد
(2/55)
أَن يَأْتِيك لمطر. وَكَذَلِكَ قلد الْحمى
هُوَ أَن تَأْتِيك لوقت.
وقلد الزَّرْع: أَن تسقيه يَوْم حَاجته يُقَال: أَقمت قلدي إِذا أَنْت
سقيت زرعك فِي الْأَوْقَات الَّتِي تحْتَاج إِلَى السَّقْي فِيهَا
وَمِنْه حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: أَن قيمه فِي الوهط استأذنه فِي
بيع فضل المَاء فَكتب إِلَيْهِ: لَا تبعه وَلَكِن أقِم قلدك ثمَّ اسْقِ
الْأَدْنَى فالأدنى فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن
بيع فضل المَاء. وَفِيه قَول آخر يُقَال: القلد فِي الْمَطَر من
المقاليد وَهِي المفاتيح. قَالَ الله جلّ وَعز {لَهُ مقاليد
السَّمَاوَات وَالْأَرْض يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} .
أَي لَهُ مَفَاتِيح خزائنها وواحدها اقليد وَيُقَال أَصله فَارسي:
إكليذ فَكَأَن عمر رَضِي الله عَنهُ استفتح بالاستغفار بَاب الرَّحْمَة
والمطر فقلدت السَّمَاء أَي فتحت.
وَقَوله: حَتَّى رَأَيْت الأرنبة تأكلها صغَار الْإِبِل يُرِيد: ان
الأرانب حملهَا السَّيْل حَتَّى تعلّقت بالعرفط وَهُوَ شجر أَو شوك
والسيل يحمل السباغ والظباء والأرانب قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر
سيلا: من الطَّوِيل
(2/56)
.. كَأَن سياعا فِيهِ غرفى عَشِيَّة ...
بأرجائه القصوى أنابيش عنصل ...
وَقَالَ الْهُذلِيّ وَذكر سيلا: من المتقارب كَأَن الظباء كشوح
النِّسَاء يطفون فَوق ذراه جنوحا
وَزَاد فِي الأرنب هَاء. كَمَا قَالُوا: عقرب وعقربة لِأَن الأرنب
وَالْعَقْرَب مؤنثتان وَذكر الأرانب خزز. وَذكر الْعَقْرَب عقربان
وأرنب وعقرب يَقع على الْمُذكر والمؤنث حَتَّى تَقول: خزز أَو عقربان
فَيكون ذَلِك للذّكر خَاصَّة فَمن زَاد فيهمَا هَاء فَإِنَّهُ أظهر علم
التَّأْنِيث كَمَا قَالُوا متن وَهِي مُؤَنّثَة ثمَّ قَالُوا: متنة
فأظهروا علم التَّأْنِيث وَقَالُوا طَرِيق ثمَّ قَالُوا طَريقَة.
وحقاق العرفط: صغارها وشوابها شبهت بحقاق الْإِبِل وَهِي الَّتِي لَهَا
أَربع سِنِين.
وانما خص صغَار الشّجر دون كباره لِأَنَّهُ يقر من الأَرْض ويتشعب
مِنْهُ شوك فَإِذا حمل السَّيْل الأرانب وَمَا أشبههَا تعلق بشعب
العرفط فَيبقى متشبثا بِهِ ويمضي السَّيْل. وَدلّ أَيْضا على انها
تنْبت بذلك الْمَطَر. وَتخرج الْإِبِل الى المرعى فتأكل مَا تعلق بذلك
من عِظَام الأرانب وَغَيرهَا وَالْإِبِل تَأْكُل عِظَام الْميتَة قَالَ
أَبُو ذُؤَيْب: من الطَّوِيل
(2/57)
وَكنت كعظم العاجمات اكتنفنه ... بأطرافها
حَتَّى استدق نحولها ...
يَقُول: بليت حَتَّى صرت كعظم اكتنفته الْإِبِل ترتمه بأطرافها أَي:
بأفواها حَتَّى استدق نَحْوهَا الابل إِذا لم تَجِد غَيره من المرعى
وَكَانَ بعض الروَاة يذهب فِي تَفْسِير هَذَا الْبَيْت إِلَى غير مَا
ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَهَذَا أحسن مَا سمعناه فِيهِ. وأبعده من
الاستكراه قَالَ لبيد: من الْبَسِيط
والنيب ان تعر مني رمة خلقا ... بعد الْمَمَات فَإِنِّي كنت أثئر ...
يَقُول: الابل ان تعتر مني عظما بَالِيًا بعد مماتي تَأْكُله فقد اثأرت
افتعلت من الثأر أَي: قد كنت أنحرها وأعرقها وَأَنا حَيّ فقد ادركت
ثَأْرِي.
وَقَالَ عِكْرِمَة: ان الَّذين يغرقون فِي الْبَحْر تقتسم لحومهم
الْحيتَان فَلَا يبْقى مِنْهُم شىء إِلَّا الْعِظَام فتلقيها الأمواج
على السَّاحِل فتمكث حينا ثمَّ تصير حائلة نخرة ثمَّ تمر بهَا الْإِبِل
فتأكلها ثمَّ تجتر ثمَّ تسير الابل فتبعر ثمَّ يجىء قوم فينزلون
فَيَأْخُذُونَ ذَلِك البعر فيوقدون بِهِ ثمَّ تخمد تِلْكَ النَّار
فتجىء ريح فتلقي ذَلِك الرماد على الأَرْض. فَإِذا جَاءَت النفخة إِذا
هم قيام ينظرُونَ يخرج اولئك وَأهل الْقُبُور سَوَاء وَفِي قَول آخر
يُقَال ان الأرنبة ضرب
(2/58)
من النبت لَا يكَاد يطول وَأَرَادَ أَنه
طَال بِهَذَا الْمَطَر حَتَّى أَكلته صغَار الْإِبِل وتناولته من
وَرَاء شجر العرفط.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ:
مَا ولي أحد إِلَّا حام على قرَابَته وقرى فِي عيبته وَلنْ يَلِي
النَّاس كقرشي عض على ناجذه.
رَوَاهُ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي.
وَقَوله: حام على قرَابَته يُرِيد: عطف عَلَيْهِم وَقصد بالنفع لَهُم
وحاطهم وَأَصله من قَوْله: الابل تحوم على المَاء إِذا دارت حوله
لتشرب.
وَقَوله: وقرى فِي عيبته أَي: اختان وأصل قرى جمع يُقَال: قريت المَاء
فِي الْحَوْض إِذا جمعته فِيهِ وقرى الدَّابَّة الْعلف فِي شدقه.
والعيبه: عَيْبَة الثِّيَاب وَكَانُوا يجْعَلُونَ فِيهَا حر مَتَاعهمْ
وَأفضل مَا يحرزون ويخفون. فَقيل فلَان يقري فِي عيبته إِذا اختان وَقد
بَين ذَلِك ابْن أَحْمَر حِين ذكر عُمَّال الصَّدَقَة وحياناتهم فقا ل:
من الْبَسِيط
(2/59)
.. ان االعياب الَّتِي يخفون مشرجة ...
فِيهَا الْبَيَان ويخفي عنْدك الْخَبَر
فَابْعَثْ إِلَيْهِم فحاسبهم محاسبة ... لَا تخف عين على عين وَلَا أثر
هَل فِي الثماني من التسعين مظْلمَة ... وربها بِكِتَاب الله مصبطر ...
يَقُول: هَل فِي ثَمَانِي فَرَائض أخذت من تسعين شَاة مظْلمَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ:
لن تخور قوى مَا كَانَ صَاحبهَا ينْزع وينزو. بَلغنِي عَن ابْن
عَائِشَة.
قَوْله: لن تخور أَي: لن تضعف وَمِنْه قيل للضعيف خوار وخار فلَان فِي
الْعَمَل إِذا ضعف. والقوى جمع قُوَّة.
وَقَوله: مَا كَانَ صَاحبهَا ينْزع أَي: ينْزع فِي الْقوس وينزو
يُرِيد: النزو على الْخَيل وَترك الِاسْتِعَانَة على الرّكُوب بالركب.
قَالَ الْعمريّ: كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ
(2/60)
بِيَدِهِ الْيُمْنَى أذنة الْيُسْرَى تمّ
يبجمع جزاميزه ويثب فَكَأَنَّمَا خلق على ظهر فرسه. جراميزه: رِجْلَاهُ
ويداه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ:
تعلمُوا السّنة والفرائض واللحن كَمَا تعلمُونَ الْقُرْآن.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الوهاب
الحجي عَن عبد الواحد بن زِيَاد عَن عَاصِم الْأَحول عَن مؤرق
الْعجلِيّ.
اللّحن هَاهُنَا: اللُّغَة يَقُول: تعلمُوا اللُّغَة يَعْنِي الْغَرِيب
والنحو كَمَا تتعلمون الْقُرْآن لِأَن فِي اللُّغَة علم غَرِيب
الْقُرْآن ومعانيه ومعاني الحَدِيث وَالسّنة وَمن لم يعرف اللُّغَة لم
يعرف أَكثر كتاب الله وَلم يقمه وَلم يعرف اكثر السّنَن.
وروى شريك عَن أَبى اسحق قَالَ قَالَ أَبُو ميسرَة فِي قَول الله جلّ
وَعز: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم} . ان العرم المسناة بلحن
الْيمن يُرِيد بلغَة الْيمن وَمِنْه قَول ذِي الرمة: من الْبَسِيط ...
فِي لحنه عَن لُغَات الْعَرَب تعجيم ...
(2/61)
أَي: فِي لغته تعجيم عَن لُغَات الْعَرَب.
وقاال ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ان
عَطاء بن يسَار قَالَ: قلت للوليد بن عبد الْملك قَالَ عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ: وددت أَنِّي سلمت من الْخلَافَة كفافا لَا عَليّ
وَلَا لي. فَقَالَ أَو كذبت الْخَلِيفَة يَقُول هَذَا فَقلت: كذبت
قَالَ: فَأَفلَت مِنْهُ بجريعة الذقن.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن إِسْحَق
بن يحيى ابْن طَلْحَة عَن عَطاء بن يسَار. وخبرني ابو حَاتِم عَن
الْأَصْمَعِي قَالَ هَذَا مثل يُقَال: أفلت فلَان بجريعة الذقن. يُرَاد
أَن نَفسه صَارَت فِي فِيهِ قَالَ أَبُو حَاتِم وَقَالَ أَبُو زيد
يُقَال: أفلتني فلَان جريعة الذقن إِذا كَانَ قَرِيبا مِنْهُ كجرعة
الذقن وَقَالَ الْهُذلِيّ مثل قَول الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ... نجا
سَالم وَالنَّفس مِنْهُ بشدقة ... وَلم ينج الا جفن سيف ومئزرا ...
تمّ حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.
(2/62)
|