غريب الحديث للخطابي

المجلد الأول
تفسير غريب حديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
مارواه أبو سليمان من غريب حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهُمْ بُغَيْشٌ فَنَادَى مُنَادِيهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي في رحلة فليفعل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير غريب حديث رَسُول الله:
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهُمْ بُغَيْشٌ فَنَادَى مُنَادِيهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي فِي رَحْلِهِ فَلْيَفْعَلْ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيِّ نا أَبُو الْمُلَيْحِ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ:
قوله: بُغَيْش تصغير بَغْش وهو المَطَر الخفيف قَالَ الأصمعي أخَفُّ المطر وأَضْعَفُه الطَّلُّ ثُمَّ الرَّذَاذُ ثُمَّ البَغْشُ يقال بُغِشَت الأرضُ إذا نَدِيت بالمطر فهي مَبْغُوشَة قَالَ رؤبة:
سِيدًا كَسِيد الرَّدْهَةِ المَبْغُوشِ2
قَالَ ويقال أرض مبغوشةً من البَغْش وأرضٌ مُرَذٌّ عليها من الرَّذَاذِ ولا يقال مُرَذَّة ولا مَرْذُوذة قَالَ الكسائي يقال أرض مُرَذَّةٌ من الرَّذَاذ ومَطْلُولَة من الطَّلّ ومَوْبُولةٌ من الوابل ومَجْودَةٌ من الجوْدِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا معه في بعض المغازي
__________
1 أخرجه البيهقي 3/71
2 الديوان /79

(1/72)


فَأَصَابَهُمْ رِكٌّ1 أي مطر ضعيف يقال مَطَرٌ رِكٌّ وَرَكِيك وجمعه ركاك قال ذو الرمة:
تر شفن دِرّات الذِّهاب الرَّكَائِكِ2
ومنه قيل للرجل إذا كان ضعيف العقل رَكِيك
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي صَلاةِ الْمُسَافِرِ3 أَنَّهُ قَالَ: إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ. فالنعل ما غَلُظَ من الأرض4 في صلابة قَالَ الشاعر:
قَومٌ إذا اخْضَرَّت نِعالُهمُ ... يتناهَقُون تَنَاهُقَ الْحُمُرِ5
يريد أنهم يَبطَرون إذا أَخْصَبُوا. وإنما قيل للأرض نَعْلٌ لأنها تُنْعَلُ وتُوطَأ ويقال للرجل الذليل نَعْلٌ تَشْبِيهًا له بالنَّعْل التي تُوطَأ وتُداسُ بالأَرجل أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب:
إني إذا ما الأمرُ كان مَعْلا ... وأَوْخَفَت أَيدي الرجال غِسْلا
وكان ذو الحِلْم أَشدَّ جَهْلا ... من الوُغُولِ لم تَجِدْني وَغلا
ولم أكن دارجة ونعلا6
__________
1 الفائق "ركك" 2/80
2 في الديوان /149, وصدر البيت:"توضحن في قرن الغزالة بعدها" وفي رواية: "درات الرهام". وفي اللسان والتاج "رك": ذرات بالذال.
3 سقط من م
4 ت: "ما غلظ من وجه الأرض"
5 اللسان "نعل"
6 الرجز للقلاخ, وذكر منه البيت الثاني: "وأوخفت أيدي الرجال عسلا", وفي اللسان والتاج "وخف"

(1/73)


قَالَ أبو عمر المَعْل الاخْتِلاسُ وقوله: أَوْخَفَت معناه ارتعشت شبّه ارتعاشَ يَدِ الجبان باضطراب يدي مُوخِف الغِسْل إذا حَرّكه بيده والغِسْلُ الخِطْمِيّ قَالَ والدّارجة الخَسِيس.
وفي الحديث من الفقه أَنَّ المطر الخَفِيفَ عُذرٌ في التخلف عن صلاة الجماعة. وفيه أيضًا أن الاجتماع للصلاة في السفر مندوب إليه كَما هُوَ في الحَضَر.

(1/74)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ أَتَى امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَهَشَّتْ لَهُ صَوْرًا وَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ حَانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أُتِيَ بِعُلالَةِ الشَّاةِ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْعَصْرِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. 1
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُهُ.
قوله: أُتِي بعُلالَةِ الشاةِ يريد بَقِيَّةَ لحمِها ويقال لبقية اللبن في الضَّرع ولبقيَّة جَرْي الفرس ولبقيَّة قُوةِ الشيخِ عُلالة قَالَ النجاشيُّ:
ونَجَّى ابنَ حربٍ سابحٌ ذو عُلالَةٍ ... أجشُّ هزيمٌ والرِّماحُ دَواني2
وقال الطِّرمَّاح:
أبَوْا لشَقائِهم إلا ابتِعاثي ... ومثلي ذو العلالة والمتان3
__________
1 رواه الحميدي في مسبده 2/533 والترمذي 1/116 وأحمد 3/374 وغيرهم. وفي س: "لم يتوض"
2 اللسان والتاج "جش".
3 اللسان والتاج "متن" برواية: "إلا انبعاثي" وهو في الأساس "متن" أيضا, وفي الديوان /557. يقول: إنني ذو قوة ومعارضة لا أخشى قتال الأعداء.

(1/74)


وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ المُطَيَّنِ1 بإسناد له أن عقيل بن أبن طَالِبٍ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ وَفِيهِ شَبَابٌ مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ فَتَنَحَّوْا لَهُ عَنِ الأُسْطُوَانَةِ فقالوا اجلس إليها يَا عَمُّ فَقَالَ يَا بُنَيْ أَخِي أَنْتُمْ خَيْرٌ لِشُيُوخِكُمْ مِنْ مَهْرَةَ كَانَ إِذَا كَبُرَ الشَّيْخُ شَدُّوهُ عِقَالا ثُمَّ قَالُوا لَهُ ثِبْ فَإِنْ [15] / وَثَبَ2 خَلَّوْا سَبِيلَهُ وَقَالُوا فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ عُلالَةٍ وَإِنْ لَمْ يَثِبْ تَرَكُوهُ فِي الْعِقَالِ حَتَّى يَمُوتَ.
والعُلالَةُ مأخوذة من العَلِّ وهو الشُّرْبُ الثاني بعد الأول ومنه سُمِّيت المرأة عَلَّة وذلك أنها تَعْل بعد صاحبتها أي ينتَقِل الزوجُ إليها بعد الأخرى
وأما الصَّوْرُ فإن الأصمعيَّ يقول هُوَ جماعةُ النخّل الصّغار ولا واحد له من لَفظِه ومثله الحائِشُ
وقال ابن الأعرابي واحدة الصَّوْر صَوْرَة وهي النخّلة وقال غَيُره يجمع الصَّور صِيرَانًا.
وفي الحديث من الفقه أنه لم يَرَ فيما مسَّت النارُ وُضُوءًا
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا ابْنُ السرح3 أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ نا عُتْبَةُ بْنُ ثُمَامَةَ الْمُرَادِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ أَنَّ رسول الله مَرَّ بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ تَفُورُ عَلَى النَّارِ فَقَالَ لَهُ أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ قَالَ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً فَلَمْ يَزَلْ يَعْلِكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ 4
أَيْ يَمْضُغُهَا والعِلْكُ مَضْغُ ما لا يُطاوع الأَسنان وسُمِّي العِلْكُ لأنه
__________
1 المطين: لقب مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ الحافظ "المتبه 2/596"
2 م: "فإذا وثب"
3 ابن السرح: هو أحمد بن عمرو "التقريب 2/509"
4 أخرجه أبو داود 1/49

(1/75)


يُعْلَك وفلان يَعْلُكُ أُرَّمَه إذا صَرفَ بأضراسِه من الغَيْظ قَالَ الشاعر:
ظَلُّوا غِضَابًا يَعْلِكون الأُرَّما1
ومثله يحرِق أُرَّمه
وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النبي مَرَّ عَلَى قِدْرٍ فَانْتَشَلَ عَظْمًا مِنْهَا قَالَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ2
النشيل: ما أخذ من اللحم قبل النُّضْج قَالَ الشاعر:
إن الشواء والنشيل والرغف ... القينة الحسناء والكأس الأنف
لطاعنين الخَيلَ والخيْل خُنُف3
والعظم العُراق بما عليه من اللحم [والخناف في الخيل: سُرعة نقل قوائمه في السير] 4
__________
1 في اللسان والتاج "أرم" برواية: "أضحوا غضايا يحرقون الأرما"
2 أخرجه البخاري 7/254 وفي س: "ولم يتوض"
3 الرجز اللقيط بن زرارة. والبيتان الأول والثاني في اللسان والتاج "رغف", و"نشل" والبيت الثالث في اللسان والتاج:" "قطف"
4 ليس في ط

(1/76)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ كَانَ مَنْهُوشَ الْكَعْبَيْنِ1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُوسَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أنا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بن سمرة ورواه غندر
__________
1 أخرجه مسلم 4/1820, والترذمي 5/503, وأحمد 5/ 103,97,88,86 بلفظ العقبين بدل الكعبين.

(1/76)


عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: مَنْهُوسُ الْعَقِبَيْنِ. وَرَوَى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ مَبْخُوصَ الْعَقِبَيْنِ
قوله: مَنهُوش الكعبين أي ناتىء الكعبين معروقها يقال رجل مَنهوشٌ إذا كان مجهودًا سَيِّءَ الحال. قَالَ رؤبة:
كم من خَلِيلٍ وأخٍ مَنْهوشِ ... مُنْتَعِشٍ بفَضْلِكم مَنْعوُشِ1
فأما المنهوس فإن شُعْبَةَ قَالَ: قلت لسِماك ما مَنْهوسُ العَقِبَيْن قَالَ: قليلُ لحم العَقِب وهو مأخوذ من النَّهسِ وهو عَرْق العَظْم وأخذُ ما عليه من اللَّحم والنَّهْسُ أبلغُ من النَهْشِ والمَبْخوص قريب منهما والبَخْصَة [والبَخَصُ] لَحْمُ أسفَلِ القدمين وقيل للقليل منه مَبخوص عَلَى معنى أنَّ ذَلِكَ قد نِيلَ منه وأُخذ فعَرِيَ مكانه من اللحم [قَالَ ابن السكيت البَخْص مصدر بَخَصت عينه بَخْصًا والبَخَص لحم القدم ولحم الفِرسِنِ] 2 وفيه وجه آخر إن وافَقتْه الرواية وهو منحوض العَقِبين أي قليل لحم العقبين يقال نخضت الْعُضْوَ إذا أخذتَ عنه لحَمه والنحض اللحم.
__________
1 اللسان والتاج "نهش", والديوان /78
2 من ت وم

(1/77)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي قَالَ: "ذَاكِرُ اللَّهَ فِي الْغَافِلِينَ مِثْلُ الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ وَسَطَ الشَّجَرِ الَّذِي قَدْ تَحَاتَّ مِنَ الضَّرِيبِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ [16] / إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَبُو عَلِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ مُسْلِمٍ وَعَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلا أَنَّهُ قَالَ الضَّرِيدُ وَهُوَ وَهْمٌ.
__________
1 ذكره السيوطي في جامعة الصغير 3/558, وعزاه لأبي نعيم في الحلية 4/268, 6/181.

(1/77)


وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَكَمِ ثنا عَبْدَانُ نا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وقال فيه الصَّريف وهو أيضًا غلط وتصحيف ويشبه أن يكون الكاتِب قد فَخَّم الباءَ من الضَّريب فصارت كالفاء لانتفاخها والضّريب الجليد وإنما يقع ذَلِكَ في شدة البرد وأوان سُقوط ورق الشَّجر قَالَ الأعشى:
وهم يطعمون إن قحط القطـ
...
ـر وهبَّتْ بشَمألٍ وضريبِ1
وقال آخر:
رِجْلا عُقابٍ يوم دَجْنٍ تُضْرَبُ
معناه يُصيبها الضّريب.
والضَّريب أيضًا اللبنُ يُحلَب بعْضُه عَلَى بعض قاله الأصمعي: ولا موضع له في هذا الحديث.
قَالَ ابن أحمر:
وما كُنتُ أخْشى أن تَكُونَ مَنِيَّتي
...
ضَريبَ جِلادِ الشَّوْلِ خمطا وصافيا2
__________
1 الديوان / 27 واللسان والتاج "قحط".
2 واللسان والتاج "خمط" ولم أقف عليه في ديوانه.

(1/78)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ "مَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدَّثَنِيهِ محمد
__________
1 أخرجه مسلم 2/681 وأبو داود 2/124 وأحمد 2/262 وغيرهم.

(1/78)


بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: "لَيْسَ فِيهَا عَضْبَاءُ وَلا عَطْفَاءُ"
العَقْصاءُ الملتوية القَرن وكذلك العطفاء هي التي انعطف قَرنُها ورجل عقِص إذا كان عَسِرًا فيه التواء. قَالَ ذو الرُّمَّة:
ومُنْتَابٍ أناخَ إلى بلال ... فلا زُهدًا أصاب ولا اعتلالا
ولا عَقِصًا بحاجَتِه ولكن ... عطاءً لم يكن عدةً مِطالا1
قَالَ وإنما نفى عنها العَقَص ليكون أنكى في العقوبة وأدنى إلى أن تجرحَ المنطوحَ وتَمور فيه قُرونُها نَعوذ بالله من عذابه. والجَلْحاء التي لا قَرْن لها وهي الجَمَّاءُ أيضًا.
والأَجْلَحُ من الناس هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسِه فإن انكَشَفَ حتى يتَّصل بموضع الصَّلع فهو أَجْلَى قَالَ العَجَّاج:
وحِفْظَةٍ أَكنَّها ضَمِيرِي ... مع الجَلا ولائح القَتِير2
والعضباء المكسورة القَرْن وأصلهُ من العَضْب وهو القطع يقال ظبي أعضَب والعرب تَتَشاءم به.
أَنشدونا عن أبي العَبَّاس ثَعْلَب أنشدَني الزُّبيرُ بن بكّار:
غُرابٌ وظَبْيٌ أعضَبُ القرن ناديَا ... بصُرْمٍ وصِردانُ العشي تصيح
__________
1 الديوان / 447,446. وفي الأساس "عقص".
2 اللسان والتاج "حفظ" وديوانه / 221 وجاء البيت الثاني قبل الأول.

(1/79)


[17] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ " اتَّقِ.. يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَلا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِكَ شَاةٌ لَهَا ثُؤَاجٌ" 1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا الرَّبِيعُ أنا الشَّافِعِيُّ نا ابْنُ عُيَيْنَةَ عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ.
الثُّؤاجُ صَوْتُ النَّعجة يقال ثَأجَتَ تَثْأَجُ ثَأْجًا وثُؤَاجًا قَالَ الكُميت:
رأيُه فيهم كرَأْيِ ذوي الثلـ ... ـة في الثَّائِجات جُنْحَ الظَّلامِ2
وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد الله بن شَبِيب نا المِنْقري نا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء العرب تقول الفَرس يَصْهَل والبَغْلُ يَشْحَج والحمار يَنْهق والبَعير يرغُو والبقرة تَخُور والشاةُ تَثْغُو والنعجة تَثْأَجُ والأسد يَزْأَرُ والكلب يَنْبَح والسِّنَّور يَمُوء أو يَبْغُم والحمامة تَهْدِر وتنوح وتبكي وتهتف وتُنَقْنِق3 والدِّيك يَسْقَع ويَصيح والبُلْبُل يُعندِل.
وكان هذا القول منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُبَادَةَ عَلَى وَجْهَ الشفقة لا عَلَى طريق التُّهمَة له وهو تأويل قولهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 4
__________
1 أخرجه الشافعي في سننه كما في بدائع المنن 1/242, وذكره البيثمي في معجمه 3/86 والسيوطي في جامعه الصغير 1/123 وعزاه إلى الطبراني في الكبير إلا أن في الزوائد"أوشاة لها ثغاء".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط بغداد, وهو في الأساس "ثأج".
3 ت م "تبقبق" وفي الوسيط "نقنق":نقنق الضفدع ونحوه: رجع صوته. وفي مادة "بقبق" بقبقيت القدر: سمع صوته غليانها, والماء عند نزوله في القلة ونحوها: صوت
4 سورة آل عمران: 161.

(1/80)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَمَّا آجَرَ مُوسَى نَفْسَهُ مِنْ شُعَيْبٍ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ لَكَ مِنْهَا يَعْنِي مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِبَ لَوْنٍ قَالَ فَجَاءَتْ بِهِ كُلِّهِ قَالِبَ لَوْنٍ غَيْرَ وَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا عَزُوزٌ وَلا فَشُوشٌ وَلا كَمُوشٌ وَلا ضَبُوبٌ وَلا ثَعُولٌ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى نا ابْنُ الْمُبَارَكِ نا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ أَنَّ رسول الله قَالَ: "آجَرَ مُوسَى نَفْسَهُ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ لَكَ مِنْهَا يَعْنِي مِنْ نِتَاجِ غَنَمِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ قَالِبَ لَوْنٍ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّقْيِ وَضَعَ مُوسَى قَضِيبًا عَلَى الْحَوْضِ فَجَاءَتْ بِهِ كُلِّهِ قَالِبَ لَوْنٍ وَاحِدٍ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وفي غير هذه الرواية من طريق عُتْبَةَ بن النُّدَّر أن موسى وقف بإزاء الحوض أو عند إزائه فلما وردت الغنمُ لم تصدر شاةٌ إلا طعن جُنْبَها بِعَصاه فوضَعَت قَوالِبَ ألوان
قوله: بشِبْع بَطْنِه أي ما يُشْبعه من الطعام وهو الشِّبْع ساكنة الباء إذا أردتَ الاسم والشِّبَع بفتحها إذا أردتَ المَصْدَر والعَزُوز من الشَّاءِ البَكِيئَةُ التي تُجهَد حتى يَنزِل لها لَبَن ويقال إن اشتقاقها من العَزَازِ وهو الأرضُ الصّلبة يقال تعزَّزَتِ الشَّاة والفَشُوش التي يَنْفَشُّ لبنها بسرعة إذا هي حُلِبَت وذلك لِسَعةِ الإِحْليل ولَبَنُها مع ذَلِكَ قَليل قَالَ رؤبة:
وازجُرْ بَنِي النّجّاخَةِ الفَشُوشِ ... عن مُسْمَهرٍّ لَيْسَ بالفيوش2
__________
1 ذكره السيوطي في الدرر المنثورة 5/126, وأشار ابن الأثير في أسد الغابة 3/570 إلى هذه الرواية.
2 اقتصر اللسان "فيش" على البيت الثاني والرجز في الديوان /77

(1/81)


قَالَ أبو زيد والفَتُوح مثل الفَشُوشِ وكذلك الثَّرُور ومنه الثَّرثّرَةُ في الكلام يقال رجل ثَرْثَار إذا كان واسعَ الكلام والكَموشُ [18] / الصغيرة الضّرع وهي الكَمْشَةُ أيضًا وسُمِّيت كُمُوشًا لانكماشِ ضَرْعِها ويقال للفحل إذا كان قَصِيرَ الآلةِ كَمْشٌ1 والكَشُود2 أيضًا مثل الكَمُوش والضَّبُوب الضَّيِّقَةُ ثَقْبِ الإِحْليل وسُمِّيَتْ ضَبُوبًا لانها تُضَبُّ عند الحَلَب والضَّبُّ الحَلْبُ بِشِدَّة العَصْر قَالَ أبو زيد والحَصُورُ من الشَّاءِ الضَّيِّقَةُ الإحْليل والمَصُورُ التي يُتَمَصَّر لَبَنُها قَليلًا قليلًا والثَّعول الشاةُ التي لها زيادة حَلَمَة وهي الثَّعْلاء والثَّعْل زيادة السِّنِّ أو اختلاف3 المنبت لها وتلك الزيادة عَيْب قَالَ الشاعر يذم رَجُلًا يُشَبِّهه بالزِّيادة في الأَطْباء:
وأنتَ مَلِيخٌ كَلَحْم الحُوارِ ... فلا أنت حُلوٌ ولا أنت مُرْ4
كأنَّك ذاك الَّذِي في الضّروعِ ... قُدَّام ضراتها المنتشر
وقال البزيدي: الثُّعْل: مَخْرج اللَّبَن وأنشد عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر:
يَذُمُّون لي الدنيا وهم يَرْضِعونها ... أفاويقَ حتى ما يَدُرُّ لها ثُعْل5
هكذا رواه يَرضِع بكسر الضَّادِ وهو لغة يقال رَضِع يرضع ورضع
__________
1 ط:"كمش وكموش".
2 م:"والكشوء" وفي القاموس "كشد":الكشود: ناقة تكشد فتدر, والضيقة الإحليل القصيرة الخلف.
3 س:"زيادة السن واختلاف المنبت لها" والمثبت من ت, م, ط, ح.
4 السان "ضرر" ضمن أربعة أبيات ليس منها البيت الثاني, وفي "مسخ" ضمن أربعة أبيات ليس منها البيبت الثاني أيضا, وهو للأشعر الرقبان:"أسد جاهلي" يهجو ابن عمه رضوان".
5 اللسان "ثعل" وهو لابن السلولي يهجو العلماء.

(1/82)


يرْضِع وقوله: قالبَ لون تفسيره في الحديث أنها جاءت عَلَى غير ألوان أُمَّهَاتِها وإزاء الحوض مَصَبّ الدَّلو قَالَ الأغلب العِجْليّ:
يَغْدوُ بدَلْوٍ ورِشاءٍ مُصْلَح ... إلى إزاءٍ كالمِجَنِّ الرَّحْرَح
وقال آخر:
يُبادِرُ الحوضَ إلى إزائه ... منه بَمَخْضُوبَين من صَفْرائه
يريد بالمخضوبين مِشْفَرَيْه والصَّفْراء بُرَتُه قد أدمت أَنْفَه فسال [الدَّمُ] 1 عَلَى مِشْفَرَيْه
وفي الحديث من الفقه إثبات الإجارات والحديث فيها قليل وقد أبطلها قوم لأنَّها زعموا ليست بعَيْن مرئِيَّة ولا صفةٍ معلومة ومِمَّن ذهب إلى ظاهر هذا الخبر مَعْمَرُ بن راشد قَالَ لا بأس أن تُكرى الماشيةُ عَلَى الثُّلث والرّبع وعن ابن سيرين وعطاء والزُّهري وقتادة جَوازُ أن يَدْفَع الثوبَ عَلَى أن ينسجه بالثلث أو الربع وإليه ذهب أحمدِ بن حنبل رحمه الله وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ غُلامٌ يَخْدِمُهُ بطعام بطنه.
__________
1 من ط.

(1/83)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أنه قَالَ " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَسَّسُوا" 1
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ نا الْبِرْتِيُّ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا وُهَيْبٌ نا ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
التَجَسُّسُ البَحثُ عن باطن أُمورِ النَّاس وأكثر ما يُقال ذَلِكَ في الشر.
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب النكاح 7/24, ومسلم 4/1985, وأبو داود 4/480 وغيرهم.

(1/83)


أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي وعن عمرو بن أبي عَمْرو الشَّيباني عن أبيه قالا الجَاسوس صاحِب سِرّ الشَّرَّ والنَّاموس صاحِبُ سِرُّ الخير.
وأما التَّحَسُّس بالحاء فقد اختلفوا في تفسيره فَقَالَ بعضهم هُوَ كالتَّجَسُّسِ سواء وقرأ الحسن {وَلاَ تَجَسَّسُوا} 1 ويقال خرج القوم يتحسُّسُون الأخبارَ ويتحسَّبون ويتَنَحَّسُون أي يطلبونها ويسألون عنها وقال الشاعر:
[19] / تَجَنَّبْتُ سُعْدَى رَهْبَةً أن يُشِيد بي ... إذا زرت سعدى الكاشح المتحسس
ومنهم مَنْ فَرَّق بينهما
روى الْوَلِيدُ عن الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثير أنَّه قَالَ التّجَسُّسُ البَحثُ عن عورات المسلمين والتحسس الاستماع لحديث القوم وكان أبو عمر يقول التَّحَسُّسُ بالحاء أن يطلبه لِنفسِه والتجسس أن2 يكون رسولًا لغيره وكان يقول في الفرق بين النَّمّام والقَتَّات والقَسَّاس نحوا من ذَلِكَ قَالَ النّمام الَّذِي يكون مع القوم يتحدثون فَيَنُمُّ حديثَهم والقَتَّات الَّذِي يَتَسَّمع عَلَى القوم وهم لا يعلمون ثُمَّ يَنُمّ حَديثهم والقَسَّاسُ الَّذِي يَقُسُّ الأَخبَار أي يسأل الناسَ عنها ثُمَّ يَنثوها عَلَى أصحابها سمعتُه يقول ذَلِكَ.
وقوله: إياكم والظَّنّ فإنه أراد تحقيقَ ظَنِّ السَّوْءِ وتصديقه دون ما يَهْجِس بالقلب من خواطِر الظُّنون فإنها لا تُملَك
وقال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 3 فلم يجعل كله إثما.
__________
1 سورة الحجرات: 12
2 ح: "أن لايكون" تحريف
3 سورة الحجرات: 12

(1/84)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ ثَلاثٌ لا يُعْجِزُنَّ ابْنَ آدَمَ الطِّيَرَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالْحَسَدُ قَالَ فَيُنْجِيكَ مِنَ الطِّيَرَةِ أَلا تَعْمَلَ بِهَا وَيُنْجِيكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَلا تَتَكَلَّمَ بِهِ وَيُنْجِيكَ مِنَ الْحَسَدِ أَلا تَبْغِيَ أَخَاكَ سوءا1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/403.

(1/85)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ نَصَبْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً وَعَلَى مَجَرِّ بَيْتِي سِتْرًا مَقْدَمُهُ مِنْ غَزْوِ خَيْبَرَ أَوْ تَبُوكٍ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَهَتَكَ الْعَرْصُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الأَرْضِ1
حَدَّثَنَاهُ مُكْرِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُكْرِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عِمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي وَالصَّوَابُ عَنْ عَائِشَةَ إِلا أَنَّهُ قَالَ العَرْضَ وَهُوَ غَلَطٌ والصواب العرض وَهِيَ خَشَبَةٌ تُوضَعُ عَلَى الْبَيْتِ عَرْضًا إِذَا أَرَادُوا تَسْقِيفَهُ ثُمَّ تُلْقَى عَلَيْهِ أَطْرَافُ الْخَشَبِ الْقِصَارِ يقال عرصت السقف تعريصا ومجر البيت هُوَ العَرْص بعينه وهو الَّذِي يقال له الجائز وهو حامل البيت وأُراه مُشَبَّها بالمَجَّرةِ لاعتراضها في السّماء وإنما عَنَت بِهَتْكِ العَرْص هَتْكَ سماوةِ البيت التي كانت غَطَّت بها وجْه العَرْص.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الآخر أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ نُمَيْرٍ نا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ الله أَتَى فَاطِمَةَ فَوَجَدَ عَلَى بَابِهَا سترا فلم
__________
1 لم نجده بهذا السياق, وأخرجه أبو داود 4/73 وغيره بنحوه.

(1/85)


في حديث النبي أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ نَصَبْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً وَعَلَى مَجَرِّ بَيْتِي سِتْرًا مَقْدَمُهُ مِنْ غَزْوِ خَيْبَرَ أَوْ تَبُوكٍ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَهَتَكَ الْعَرْصُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الأرض
...
يَدْخُلْ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا وَالرَّقْمُ1 يُرِيدُ بِالرَّقْمِ النَّقْشَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ سِتْرًا مُوَشَّى وَأَصْلُ الرَّقْمِ الْكِتَابَةُ يقال: رقَمْتُ الكتابَ وزبَرْتُ وذَبَرت ونَمَقْتُ ونَمَصْت بمعنى واحد قَالَ الشاعر:
سأَرْقُم في الماء القَراحِ إليكمُ ... عَلَى بُعدِكم إن كان للماء راقم2
__________
1 سنن أبي داود 4/72
2 اللسان والتاج "رقم".

(1/68)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ "عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ [20] / الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ" وَيُرْوَى "تَرْتَمُّ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٌ وَأُبَيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قوله: تَرُمّ وتَرْتَمُّ أي تَرْعَى وتَتَناول بِالمرمَّة والمَرمَّةُ لذواتَ الظِّلْفِ بمنزلة الْفَمِ للإنسانِ وهي المقمَّة أيضًا ويقال له من ذوات الحافر الجَحْفَلَة ومن السِّباع الخُرطوم
ويقال رمَّت البَقَر تَرُمُّ قَالَ العجّاج:
من سَنَةٍ تَرْتَمُّ كل رم ... تنتسف النابت بعد القَمِّ2
ويقال للإبل أَرمَت تأرم أرما وللخيل قضمت تقضم.
__________
1المستدرك 4/197, وذكره السيوطي في الجامع الصغير4/347 وعزاه لابن عساكر أيضا.
2ط: "تننشف" والبيتان لرؤبة وهما في ديوانه /142.

(1/86)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي إِنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيَّ قَالَ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمَالُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبِعَةٌ مِنْ طَالِبٍ وَلا مِنْ ضَيْفٍ قَالَ: "نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ وَالْكُثْرُ سِتُّونَ وَوَيْلٌ لأَصْحَابِ الْمِئِينَ إِلا مَنْ أَعْطَى الْكَرِيمَةَ وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ وَنَحَرَ السَّمِينَةَ فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"
قَالَ وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ "كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الطَّرُوقَةِ" قَالَ يَغْدُو النَّاسُ بِجِمَالِهِمْ1 فَلا يُوزَعُ رَجُلٌ عَنْ جَمَلٍ يَخْطِمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الإِفْقَارِ" قَالَ إِنِّي لأُفْقِرُ الْبَكْرَ الضَّرْعَ وَالنَّابَ الْمُدْبِرَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ كِيلَجَةُ نا عَارِمٌ نا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيّ
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابن جريج قال حدثث أَنَّهُ قَالَ لَهُ: "فَكَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ الْقِرَى" قَالَ: أُلْصِقُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالنَّابِ الْفَانِيَةِ وَالضَّرَعِ3
قوله: ليس فيه تَبِعة أي ما يَتْبع المالَ من الحقوق وأصلها من تبعث الرجلَ بحَقِّي وتابَعْتُه به إذا طالبتَه والتَّبِيع الَّذِي يَتْبَعُك بحقٍ ويطالبك به
قَالَ الله: {ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} 4 ومنه قَولُه: "إذا أُتْبِع أحدكم على ملىء فَليَتْبَع5"
يريد إذا أُحيل بحقِه [عَلَى مليءٍ] 6 فَلْيَحْتَل وأكثر المحدّثين يقولون إذا اتُّبِع بتثْقِيل التَّاء والصواب أتبع
__________
1 كذا في جميع النسخ, وفي هامش س:"بحبالهم".
2 انظر المستدرك 3/612, وأسد الغابة 4/434.
3 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/30 في حديث طويل.
4 سورة الإسراء: 69.
5 سيأتي تخرجه بعد قليل, وفي س: على ملي بترك الهمزة وتشديد الياء, والمثبت من م ط والنهاية "ملأ".
6 من م وط.

(1/87)


حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا حَمْدَانُ الْوَرَّاقُ نا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتبع أحدكم على ملىء فَلْيَتْبَعْ" 1 وَالتَّبِعَةُ وَالتِّبَاعَةُ تَجْرِيَانِ مَجْرَى الظُّلَامَةِ أنشدني التَّمّارُ أنشدني ابن الأنباري أنشدنا أبو العباس ثعلب:
إذا كنتَ ذا مالٍ ولم تَكُ مُنْفِقًا ... فأنتَ إذًا والمُقْتِرُون سَواءُ
عَلَى أنَّ للأموالِ يومًا تِبَاعَةً ... عَلَى أهلها والمُقْتِرون بُراءُ2
والكُثْر الكثير كما قيل في القليل قُلِّ قَالَ أبو زيد الكُثْر من المال الكثير قَالَ والحِلْق مِثلُه يقال جاءَ فلانٌ بالحِلْقِ قَالَ وَالذَّوْدُ من الإبل ما بين الثَّلاثة إلى العشرة والصَّرْمَةُ ما بين العشرة إلى الأربعين فإذا بلغت [21] / سِتِّين فهي الصِّدعَةُ والهَجْمَة أولُها أربعون إلى ما زادت وهُنَيْدَةُ المائة قَطٌ
وأخبرني أبو عُمر أنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ هُنَيْدة المِائَةُ من الإبل ولا تصرِفْها وهِندٌ مائتان من الإبل واصْرِفْها قَالَ أبو عُمَر صَرْعَيْنَا إبلٌ كثيرة من غير ألف ولامٍ قَالَ وهو نادِرٌ جدًا وأَنشدَنا [يَصِف سائلًا شَبَّهه بالقُراد] 3
مِثلَ البُرام غَدَا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ ... لم يَسْتَعِن وحَوامي المَوتِ تَغْشاهُ
فَرَّجتُ عنه بصَرْعَيْنا لأرْمَلَةٍ ... أو بائس جاء معناه كمعناه4
__________
1 البخاري 3/123, ومسلم 31197, وأبو داود 3/247 وغيرهم
2 اللسان والتاج "براً": براء مثل عجيب وعجاب. وقال ابن بري: المعروف في براء أنه جمع لا واحد له.
3 من ت.
4 اللسان والتاج "صرع" يصف سائلا شبهه بالبرام وهو القراد. لم يستعن: لم يخلق عانته. وحوامي الموت: أسبابه. وهذا الشعر أورده الشيخ ابن بري عن أبي عمرو.

(1/88)


وقوله: مَنَح الغزيرة أراد المَنِيحَةَ وهي الناقة أو الشَّاة ذاتُ الدَّرِّ تُعارُ للبنها ثُمَّ تُردُّ إلى أهلها ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المَنِيحَةُ مَرْدُودَة1" والقانِعُ السائِل يقال قنع قُنُوعًا إذا سأل وقَنِع قَنَاعَةً إذا عف عن المسألة2 والمُعْتَرُّ الَّذِي يغشاك ويتعرض لك ولا يفصح بحاجته وقوله: كيف "تصنع فِي الطروقة" فإنه يريد فحلالطروقة وهي الناقة التي استحقّت الضِّراب وآن لها أن تُطْرق يقال استطرقني فلان فأطرقْتُه أي أَعطيتُه فحلا يَضرِب في إبله.
وقوله: لا يُوزَع رجل عن جَمَلٍ يخْطِمُه أي لا يُمنَع منه يقال وزَعْتُ الرجلَ عن الأمرِ أي كَففتُه عنه أنشدني محمد بن عَبْد الواحد النحوي أنشدنا المبّرد:
لِسانُ الفتى سَبْعٌ عليه شذاته ... وإلا يزع عن غَرْبِه فهو قاتِلُه
وما الجَهلُ إلا منطقٌ متسرع ... سواءٌ عليه حقٌ أمرٍ وباطِلُه
والمعنى أنه لا يأخذ عَلَى ضِرابِ الفُحُولَةِ عَسْبًا.
وقوله: لا يُوزَع رجل عن جَمَلٍ يخْطِمُه أي لا يمُنَع منه يقال بِحبالهم يعني الحبال التي تقرَن بها الإبِلُ قَالَ سالم بن قُحْفانَ العَنْبَريّ:
فلا تَعذُليني في العطاءِ ويَسِّري ... لكل بَعيرٍ جاء طَالِبُه حَبْلا
ويقال إن سالمًا هذا أَتاه صِهُره أخو امرأته فأعطاه بعيرًا من إِبِله وقال لامرأته هاتي حبلًا يقرُن به ما أعطيناه إلى بعيره ثُمَّ أعطاه بعيرًا آخر
__________
1 أخرجه أبو داود في 3/297, والترمذي 4/433 وغيرهما بلفظ: "والم نحة مردودة".
2 ت:"عف من المسألة"

(1/89)


وقال هاتي حبلًا ثُمَّ أعطاه ثالثًا وقال هاتي حَبلًا فقالت ما بقي عِندي حَبْلٌ فَقَالَ لها عليّ الجِمالُ وَعَليْكِ الحِبالُ.
وقوله: أُفْقِرُ الضَّرَع فإن الإفقار في الإبل أن تُعار للركوب وَالْحَمْلِ عليه ومنه حديث جابر "أنه باع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جملَه قَالَ وأَفْقَرني ظَهَره إلى المدينة"1 والضَّرَع الصغير ويقال الضعيف والنَّاب المُسِنَّة.
وقوله: أُلصِقُ بالنّاب الفانيةِ معناه إلصاق السِلاح بها وكان من عادتهم أن يُعرقبوها قبل النَّحر قَالَ الراعي:
وقلتُ له أَلصِق بأيْبَسِ ساقِها ... فإن يَجْبُر العرقوبُ لا يرقأ النسا2
__________
1 أخرجه مسلم في 3/1222 بلفظ:"فقار ظهره" وأحمد في 3/392 بلفظ:"يفقرني ظهره".
2 الديوان /178 ط. دمشق وفي الديوان /257 ط بغداد, والفئق"تبع" 1/146.

(1/90)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "طُولُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ1 وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الرَّوْحَاءِ يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ" 2
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ نا أَسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيِّ3 عَنِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وفي غير هذه الرواية "إنَّي لبِعقْر حوضِي أَذود الناسَ لأهل اليمن أَضرِب بعَصَاي حتى ترفَضَّ" 4
__________
1 ح:"كما بين مكة وأيلة".
2 ام نجد بهذا السياق, وأخرجه مسلم 4/1800-1801, وغيره بسياق آخر.
3 كذا في م, وفي تقريب التهذيب 1/295 "سعيد بن زربي – بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة – الخزاعي البصري".
4 أخرجه مسلم 4/1799 وأحمد 5/280-281.

(1/90)


قوله: يَغُتُّ معناه يَمُدّه ويُتابع دَفْق الماءِ فيه يقال غَتَّ الشَّاربُ الماءَ إذا جَرَعَه جَرْعًا بعد جَرْع ونَفَسًا بعد نَفَس
ومررت بأعرابيٍّ ومعه بُنَيَّةٌ صغيرة وقد رَفَع إليها كُوزًا وهو يقول لها غُتِّي وَيْلَكِ غُتِّي وقال طرفة:
فَبِتُّ كأنَّني من ذِكْرِ سَلْمَى ... أُغَتُّ بِنَاقِع الرُّقْشِ القِزَازِ1
وعُقْرُ الحوضِ قَالَ أبو عبيدة هُوَ مُؤخّرُ الحوضِ وإزاؤُهُ مَصَبُّ الماء وما بين ذَلِكَ عَضْد الحوضِ قَالَ ويقال للنّاقة التي تشرب من عقر الحَوْض عَقِرَة والتي تشرب من إزائه أَزِيَةٌ عَلَى مثال فَعِلة قَالَ امرؤ القيس:
فرماها في فرائِصِها ... في إزاء الحَوضِ أو عُقُرِهِ2
وعُقْر الدار أصلُها ومنه قيل لفُلان عَقَارٌ أي أَصلُ مالٍ وقد لَزِمَ عُقْرَ دارِه وفلان يُعاقِر الخَمرَ أي يُلازِمُها ويُداوِم شُربَها ولعن رَسُول الله عاقِرَ الخمر قَالَ النَّضْرُ بن شُمَيْل عاقِرُ الخمر هُوَ الَّذِي إذا وجدها شَرِبها.
وأخبرني محمد بن عَبْد الواحد قَالَ سألت المُبَرّد عن الخمر لِمَ سُمِّيت عُقارًا فَقَالَ لأنها تَعقِر العَقْل فتذهب به.
__________
1 ليس في ط بيروت, وط دمشق.
2 الديوان /124.

(1/91)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَلا ذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أبي قحافة" 1
__________
1أخرجه الترمذي في المناقب 5/607, الحديث 3659, وأحمد 3/478.

(1/91)


حَدَّثَنَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ الدَّهْقَانُ نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أمن علينا يريد أسمَحَ بماله وأبذلَ له ولم يرد به معنى الامْتِنان لأن المِنَّةَ تُفسِد الصَّنِيعَة ولا مِنَّةَ لأحد على رسول الله بل له المِنَّةُ عَلَى الأُمَّة قاطِبة والمَنُّ في كلام العرب الإحسان إلى مَنْ لا تَسْتَثيُبه قَالَ الله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1 {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2 أي لا تُعطِ لتأخذَ من المكافأة أكثرَ مما أعْطَيت.
وَمِنَ الْمَنِّ الْمَذْمُومِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا أَبِي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ حَدَّثَنِي ابْنُ الْأَحْمَسِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَلاثَةٌ يَشْنَأُهُمُ اللَّهُ الْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالْبَيِّعُ الْحَلافُ" 3
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ خَرْشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ4 وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ" 5 فإنه يقسر سلعته عَلَى وجهين: أحدهما من المِنَّةِ التي هي
__________
1 سورة ص: 39.
2 سورة المدثر: 6.
3 أخرجه أحمد 5/151.
4 ح: "الفاجرة".
5 أخرجه مسلم 1/102, وأبو داود 4/57, والترمذي 3/507 وغيرهم.

(1/92)


الاعتداء بالصنعة, ولآخر من المَنِّ, الَّذِي هُوَ النَّقص من الحق والبَخْس له.
قَالَ الله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} 1 يقال: غير مقطوع, وغير منقوص, وكلاهما2 قريب ومنه سُمِّي المَوتُ مَنُونًا [23] / وذلك أنه يَنقُص الأعداد ويقطع الأعمار والمَنُون واحد وجَميع3 وقد يُذَكَّر ويؤنث فمن ذكّر أراد الموتَ ومن أنث أراد المَنيَّةَ.
وقول أبي ذؤيب:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ4 ... يرويه قوم ورَيْبِها عَلَى تأويل المَنِيَّة
وقال عدِيُّ بن زيد:
مَنْ رأيتَ المَنُونَ أبقَيْن أَمْ مَنْ ... ذا عليه من أَن يُضامَ خَفِير5
فجعله بمعنى الجمع والمنون الدهر في قول الأصمعي
__________
1 سورة القلم: 3
2 س, ط: "وكليهما".
3 م: "وجمع".
4 شرح أشعار الهذليين 1/4, وعجزه: "والدهر ليس بمتعب من يجزع" وجاء كاملا في ت.
5 شعراء النصرانية 2/455,خلدن بدل أبقين.

(1/93)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ"
__________
6 أخرجه البخاري 9/48 ومسلم 4/1773, وأبو داود 4/305, والترمذي 4/532 وغيرهم بلفظ: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤومن تكذب.." الحديث.

(1/93)


حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا الْحَسَنُ بْنُ سَلامٍ [السَّوَّاقُ] 1 ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ نا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
بلغني عن أبي دَاود أنه كان يقول تَقارُبُ الزّمان استواءُ الليل والنهار وهو إن شَاءَ الله معنى سَدِيد والمُعَبِّرون يزعمون أَنَّ أَصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انْفِتاق الأَنْوار ووقت يَنْع الثَّمار وإدراكها وهما الوقتان يتقارب فيهما الزمان ويَعْتَدل الليل والنهار وفيه وجه آخر وهو أن يراد بتَقَارب الزمان قربُ انتهاء أَمَدِه وقد جاء ذَلِكَ مرفوعًا حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا" 2
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كالساعة" 3
فإن الخريمي حدثني عن علي بن عَبْد العزيز عن حَجّاج بن المِنْهال عن حَمَّاد بن سَلَمة قَالَ سألتُ عنه أَبَا سِنان فَقَالَ ذَلِكَ من استِلْذَاذ العَيْش يُريد والله أعلم زَمانَ خروج المهديّ ووقوع الأَمَنَة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها فَيُسْتَلَذُّ العَيشُ عند ذَلِكَ وتُسْتَقْصَر مُدَّتُه ولا يزال الناس يستَقْصِرون مُدَّة أيام الرخاء وإن طالت وامتدّت ويستطيلون أيام
__________
1 ساقطة من ح.
2 أخرجه الترمذي في الرؤيا 4/541.
3 أخرجه الترمذي 4/567.

(1/94)


المكروه وإن قَصْرت وقَلَّت والعرب تقول في مِثْل هذا مَرَّ بنا يوم كعُرقُوب القَطَا قِصَرًا1.
وأخبرني ابن الزِّئبَقِيّ نا موسى بن زَكْرُوَيَّه نا أبو حاتم ثنا العُتْبِيّ سمعت أعرابيًا وذكر امرأته فقال كاد الغزال يكونُها لولا ما تَمّ منها ونَقَص منه وما كانت أيامي معها إلا كأَباهِيم القَطَا قِصرًا ثُمَّ طالت بعدها شوقًا إليها وأسفًا عليها وقد جمع الشاعر طرفَيْ هذا المعنى فَقَالَ:
يطولُ اليومُ لا ألقاكِ فيه ... وشهر نلتقي فيه قصير
__________
1 اللسان "عرقب" والدرة الفاخرة 1/249 وروايته فيهما: "مر بنا يوم أقصر من عرقوب القطاة".

(1/95)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَتَتْهُ تَسْتَأْذِنُهُ وَقَدْ خَطَبَهَا أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ فَقَالَ: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَأَخَافُ عَلَيْكَ قَسْقَاسَتَهُ الْعَصَا وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخْلَقُ مِنَ الْمَالِ" قَالَتْ فَتَزَوَّجَتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ مَكْتُومٍ فَاعْتَدِّي عِنْدَهَا" ثُمَّ قَالَ: " لا إِنَّ أُمَّ مَكْتُومٍ امْرَأَةٌ يَكْثُرُ عُوَّادُهَا وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَعْمَى" فَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ خَطَبَهَا أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ..الْحَدِيثُ"
قوله: " يكثر عُوَّادُها" يريد زُوَّارها ومَنْ يغشاها من الضيفان وقد
__________
1 أخرجه أحمد 6/414 وعبد الرزاق 7/19 بهذا السياق وأخرجه مسلم 2/1114, وأبو داود 2/285, والترمذي 3/433 وغيرهم بلفظ: "أما أَبو جَهْم فلا يَضَع عصاه عن عاتِقِه وأما معاوية فصعلوك لا مال له".

(1/95)


روي من طريق آخر أنها امرأة يكثر أضيافُها وكل منْ أتاك مرَّة بعد أخرى فهو عائد قَالَ الأعشى:
فانْهَي خَيالك يا جُبَيْر فإنه ... في كل منزلة يَعُود وسادي1
أراد أنه يزوره ويَطرقُه ليلًا.
وكان بعض أهل اللغة يقول إنما سُمِّي يوم العِيدِ لهذا المعنى لتكرّره وعَوده لأوقاته من السنة وأنشد لبعضهم:
عَادَ قَلْبِي من التذكر عِيدُ2
وقال بعضهم إنما سُمِّي عِيدًا لأنه يومٌ يعود فيه الفَرحُ إلى المسلمين وكلاهما قريب
وقوله "أخاف عليك قَسْقَاسَتَه العَصَا" فإن القَسْقَاسَةَ العصا بعينها وذِكْرُهُ العصا عَلَى أثرها تفسيرٌ لها وإبانةٌ عنها كأنه يقول أَعنِي العصا يَقُسُّ دَابَّتَهُ أي يَسوقُها ويقال ما زال يُقَسْقِسُ الليلة كلها إذا أدأب السَّيْرَ قَالَ الشَّمّاخ:
ودَلَجُ اللَّيلِ وهادٍ قَسْقَاس3
وقال الأصمعي: خَمسٌ قَسْقَاسٌ وحَثْحَاثٌ وقَعْقَاعٌ وصَبْصَابٌ وحصْحَاصٌ كل هذا سَيْر لَيْسَت فيهِ وَتيرَةٌ والمعنى أن أبا جهم سيىء الخلق
__________
1 الديوان /50 برواية: "فانهى خيالك أن يزور فأنه".
2 اللسان والتاج "عود".
3 الديوان /399 برواية:
ودلج الليل وهاد قياس

(1/96)


سريعٌ إلى التأديب والضَّرب وفي أكثر الروايات أنه قَالَ إن أبا جَهْم لا يَضَع عَصَاه عن عاتِقِه يريد هذا المَعْنَى وذلك أن الضارب بالعصا لا يزال رافعًا لها إلى عاتِقه ما دام يضرب
وفيه وجَهْهٌ آخر وهو أن يكون أراد بهذا القول كثرة أسفارِه ودَوامَ غَيْبَتِه عن أهله يقول لا حظ لكِ في صحبته لأنه يُكثِر الظعن ويقل المقام كنى بالعَصَا عن نَوَى السفر يقال رفَعَ فلان عَصَا السَّير إذا سافر وألقى عصاه إذا أقام قَالَ الشاعر:
فألقَتْ عَصاهَا واستَقرَّت بها النَّوَى ... كما قَرّ عَيْنًا بالإياب المُسافِرُ1
ويقال للرّاعي إذا كان قليلَ الضَّرب لإبله بعصاه إنّه لصُلْب العَصَا يريد2 أنّ عَصَاه صُلْبَةً صحيحة لأنه لا يُعمِلها فَتُشَظَّى وتكَسَّر فإذا أكثر الضَّربَ بها قيل له ضَعيفُ العصا وهو المحمود لأنه يَحمِلها بذلك عَلَى الرّعْي ويَسوقُها إلى الأماكن المُعْشِبَة قَالَ الشاعر:
ضعَيفُ العَصَا بادِي العروقِ ترى له ... عليها إذا ما أَمْحَل الناسُ إصبْعَا3
فأما قولُ الآخر:
صُلْبُ العصا بالضَّرب قد دَمَّاها4 ... تحسِبُه من حُبِّها أخاها
يقول: ليت الله قد أفناها
__________
1 اللسان والتاج "نوى", وهولمعقر بن حمار.
2 م وط وح: "يراد".
3 اللسان "صبع", وعزى للراعي, وهو في ديوانه /185 ط دمشق, وديوانه /222 ط بغداد.
4 اللسان "فني" وفيه البيتان الأول والثالث, والأبيات غير معزوة, وهي في وصف راعي غنم.

(1/97)


فإنه قد أَلْغَزَ في هذا القول وأراد بالضَّرب السَّيَر في البلاد في طلب الرَّعْي ومعنى دماها صَيّرها كالدُّمَى سِمَنًا جمع دُمْية وأَفْناها أنبت لها الفَنَا وهو فيما يقال الزُّعْرور.
وقوله: أخلقُ من المال معناه خِلْوٌ عارٍ منه وأصله في الشيء الأملس الَّذِي لا يُمسِك شيئًا يقال: حجر أخْلقُ أي أملَسُ زلالٌ وصخرة خَلقاءُ قَالَ الشاعر:
قد يترك الدَّهرُ في خلقاءَ راسِيَةٍ ... وَهْنًا ويُنزِلُ منها الأعْصَمَ الجَذَعا1
وفي رواية أخرى: "أَمَّا معاوية فإنه رجل عائِلٌ" والعائِل الفَقَير يقال عال الرجل يَعِيل إذا افتقر قَالَ الشاعر:
فَما يَدْري الفقيرُ مَتَى غِناه ... ولا يدري الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ2
وفي الحديث أنواع من الفِقه منها إباحةُ تأدِيب النّساء ولو كان غيرَ جائزٍ لم يذكر ذَلِكَ من فعله إلا مقرونًا بالنَّهي عنه والإِنكار له ومنها أن المالَ مُعْتَبرٌ في بَابُ المكافأة وفيه دلالة على أنه إذا لم يجد نفقةَ أهلهِ وطَلَبتْ فِراقَة فُرِّق بينهما.
وبلغني عن سفيان بن عُيَيْنَة أنه قَالَ لوكيع بن الجرّاح وهو يُذاكِره ما معنى قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحَسَب المَالُ" 3 فَقَالَ وَكِيع أراد أن الرجل إذا
__________
1 م: "وهيا" بدل "وهنا" وفي هامش م: "الصدعا" بدل "الجذعا", وهو في اللسان "خلق" برواية: "وهيا وينزل منها الأعصم الجدعا". وفي ديوان الأعشى / 105.
2 اللسان "عيل". وعزى لأحيحة, وهو واحد من أربعة أبيات.
3 في النهاية "حسب" 1/381: "الحسب والمال, والكرم التقوى".
وجاء في الشرح: الحسب في الأصل: بالآباء وما يعده الناس من مفاخرهم, وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف, والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء, فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء, والمعنى أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ولا يحتفل به, والغني الذي لا حسب له يوقر ويحل في العيون, أخرجه الترمذي في 5/390, والن ماجة في 2/1410, وأحمد في مسنده 5/10.

(1/98)


كان ذا مالٍ عَظَّمه الناسُ فَقَالَ سفيان ليس كذلك إنما هُوَ قول أهلِ المدينة إذا لم يَجِد نفقةَ زوجتِه فُرِّقَ بَينهما.
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ أنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَحْسَابُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْمَالُ" 1
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي هَذَا الباب حديث أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إسحاق نا الحجاج بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ تَقُولُ امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي يَقُولُ وَلَدُهُ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي يَقُولُ خَادِمُهُ اسْتَعْمِلْنِي وَأَطْعِمْنِي" 2.
وفيه من الفقه جَوازُ نِكاح المولى القُرَشِيَّة.
وفيه أيضًا بَابُ من الرُّخصَة ومذهب لَحمْل الكلام عَلَى سَعَة المجاز وذلك أنه قد روي في هذا الحديث من غير هذا الوَجْه أَنَّه قَالَ: "أما أَبو جَهْم فلا يَضَع عصاه عن عاتِقِه وأما معاوية فصُعلوك لا مالَ له" 3. وقد كان لا محالةَ يَضَعُها في حال من الأحوال وقد كان لمعاوية مالٌ وإن قل.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/353, 361, والنسائي في النكاح 6/64 عن سمرة.
2 أخرجه البخاري 7/81, وأحمد 2/252, 524, 527.
3 تقديم تخريجه.

(1/99)


وفيه أيضًا من الفقه جَوازُ ذكر ما في الإنسان من عَيْب إذا لم يُقصَد به المَذَمَّةُ له وأنّ ذَلِكَ ليس من بَابُ الغِيبَة.
وفيه أيضًا من الفقه أن للمَبْتُوتَةَ السُّكْنى وذلك أنَّ النَّبِيّ عليه السلام قد أوجبَها لفاطمة بقوله: "اعْتَدِّي عند ابن أم مَكْتُوم". وكانوا لا يُكْرون المنازل ويتبرعون بالإِعارة ثُمَّ إنه قد ذهب عليها معرفة السبب في نقله إيَّاها عن بيت أهلها فتوهَمَتْه إبطالًا لسُكْنَاها فقالت عند ذَلِكَ لم يجعل لي النبي عليه السلام سُكنى ولا نَفَقَةً فكان إخبارُها عن أَحَد الأمرين عِلمًا وعن الآخر وَهْمًا وهو السُّكنى وبيَّن السَّبَبَ في ذَلِكَ سعيد بن المُسَيَّب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ وَمَعْمَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ1 عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ أَتَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلاثَ مِنْ بَيْتِهَا فَقَالَ لا قُلْتُ فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً عَلَى أَحْمَائِهَا2" يَتَأَوَّلُ قَوْلَ اللَّهِ {وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 3.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَبْذُأَ عَلَى أَهْلِهَا.
حَدَّثَنَا مُكْرِمُ بْنُ أَحْمَدَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ نا آدَمُ بْنُ أبي
__________
1 ت: "جعفر بن برقان". وفي التقريب 1/129: جعفر بن برقان – بضم الموحدة, وسكون الراء بعدها قاف – الكلابي, أبو عبد الله الرقي, صدوق, يهم في حديث الزهراي مات سنة 250 هـ, وقيل: بعدها.
2 أخرجه عبد الرزاق 7/26, وأبو داود 2/89, والبيهقي 7/433.
3 سورة الطلاق: 1

(1/100)


إِيَاسٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ نا سَعْدُ1 بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ فُرَيْعَةَ وَهِيَ ابْنَةُ مَالِكٍ قُتِلَ زَوْجُهَا بِطَرَفَ الْقَدُومِ2 فَأَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: زَوْجِي قُتِلَ وَأَنَا فِي وَحْشَةٍ: "فَقَالَ لَهَا لا عَلَيْكِ أَنْ تَنْتَقِلِي" ثُمَّ قَالَ لَهَا: " تعالي لا تبرحي حتى يبلع الْكِتَابُ أَجَلَهُ" 3.
وفي هذا الحديث من الفقه جَوازُ نَسْخ الشيء قبل تنفيذ العمل به
__________
1 ط: "ناسعد بن إسحاق بن كعب, وعجرة عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بن عجرة".
2 معجم البلدان: طرف القدوم, بتشديد الدال وضم القف. وفي معجم ما استعجم 3/1052: قدوم, بفتح أوله "على وزن فعول": ثنية بالسراة, وهو بلد دوس, والمحدثون يقولون: قدوم بتثنية ثانيه". قال المعترض بن حنواء الظفري:
فإما تقتلوا نفرا فإنا ... فجعناكم بأصحاب القدوم
3 أخرجه عبد الرزاق 7/33-34 وأبو داود 2/291, والترمذي 3/499, ومالك 2/591 وغيرهم.

(1/101)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الاسْتِجْمَارُ تَوٌّ وَالسَّعْيُ 1 وَالطَّوَافُ تَوٌّ وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ" 2
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرُّهَاوِيُّ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي3 الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثقفي عنه4
__________
1 كذا في م, ط, س, في ح, ت: "والسعي تو والطواف تو".
2 أخرجه مسلم 2/945.
3 م: "ابن الزبير" والصواب أبو الزبير, وهو محمد بن مسلم بن تدرس "أنظر تقريب التهذيب 2/207".
4 يلاحظ أن الخطابي هنا ينقل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ صاحب التاريخ, وهو الذي روى الحديث عن الذهلي, مما يدل على أن الخطابي لا بسوق سائر الأحاديث بأسانيده التي تحملها رواية: وإنما ينقل من بعض الكتب أحيانا.

(1/101)


التَّوُّ مَعْنَاهُ الْوِتْرُ قَالَ أبو زيد جاء فلان تَوًّا إذا جاء قاصِدًا لا يُعَرِّجُه شَيءٌ فإن أقام ببعض الطريق فليسبتو يُريد أنه إذا قطَّع مَسِيَره لم يكن سَيْره سيرًا واحدًا فيُعَدٌ وِتْرًا
وقال عمر بن شَبَّةَ قَالَ الشَّعبيُّ دخَلتُ البصرةَ فرأيت حَلْقةً عظيمة في الجامع وإذا هي حَلْقَةُ الأحنف فسلَّمتُ وجلستُ قَالَ فَما مَضَتْ إلا تَوَّةٌ حتى قام الأحنف في قِصَّة ذكرها يريد
بالتَّوَّةِ الساعةَ الواحدةَ [وقال ابن الأعرابي العرب تقول لكل فردٍ تَوٌّ ولكل زَوجٍ زَوٌّ] 1
وقوله: السَّعْيُ والطوافُ تَوُّ يُتَأَوّل عَلَى وجهين أحدهما وهو أظْهرهما أَنَّ الطَّوافَ سَبعةُ أَشْواط وكذلك السَّعْي سَبْعٌ وِتْر غَيرُ شَفْعٍ.
والوجه الآخر أن الطَّوافَ الواجبَ طوافٌ واحد لا يُثَنَّى ولا يكرر وكذلك السّعْيُ سواء كان المُحرِم قارِنًا أو مُفِردًا ويؤيدُ هذا خَبُر عائشة وقولُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها: " طوافُك بالبَيْتِ وسَعْيُك بين الصَّفَا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك2"
__________
1 من ت, م ولم يرد في ط ولا في س ولا في ح.
2 أخرجه أبو داود 2/108.

(1/102)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الصَّقُورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا"3
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا مُحَمَّدُ بن قتيبة العسقلاني
__________
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/304, وأنظر أسد الغابة 5/9. وفي النهاية"صرف": الصرف: التوبة, وقيل: النافلة. والعدل: الفدية. وقيل: الفريضة.

(1/102)


نا دُحَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ نا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمَعِيُّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْبَاهِلِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أُخَامِرٍ1 الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ.
الصَّقُورُ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الدَّيُّوثُ. وسألتُ أبا عُمَر عن هذا الحرف فلم يعرفه ثُمَّ بلغني عنه بعدُ أنه كان يُثْبِته ويذكره عن أبي العباسُّ ثَعْلب.
وأخبرني الأزهريّ عن المُنذري فيما أحسِبُ عن أحمدَ بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قَالَ الصَّقْرُ القِيادة عَلَى الحُرَم ومنه الصَّقَّار [27] / الَّذِي جاء في الحديث. قال أبو العباس وأخبرني سَلَمةُ عن الفراء أنه قَالَ الصَّقَّارُ اللَّعَّان لغير المستحِقَيِن والصَّقَّار الكافر والصَّقَّارُ الدَّيّاسُ قَالَ وقرأتُ بخط شَمِر في كتاب غريب الحديث له أنّ الصَّقَّار النَّمّام.
وأخبرني أبو عمر أنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ والمماذل الديوث وهو القنذع أيضا.
__________
1 تهذيب التهذيب 10/24: مالك بن يخامر, ويقال: ابن أخامر, يقال له صحبة.

(1/103)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَزِمْتُ السِّوَاكَ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُدْرِدَنِي" 2
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَرْفَعُهُ.
قوله: يُدْرِدُني أي يُحِفي أسناني ويُذهِبها فَيترُكُني أَدْردَ
قَالَ الأصمعيّ الدَّرَدُ أن تسقطَ الأسنان واللَّطَع قَرِيب من الدَّرَد وهو أن يذهَب السِّنُّ ويَبقى سِنْخُه والدَّرادِرُ مغَارِزُ الأسنان واحدها دردر وفي
__________
2 ذكر المنذري في ترغيب الترهيب 1/167, وقال: رواه الطبراني في الأوسط.

(1/103)


بعض الأمثال "أعييتني بأشر فكيف بدُرْدُرٍ"1 يقول لم تَقْبلِي الريِّاضةَ وأَنت شَابَّةٌ فكيف أرجوها منك بعد الهَرَم قَالَ جرير:
تلقَى الفَتاةُ من الشُّيوخ بَلِيَّةً ... ويَقلن أُفٍّ لِكُلِّ شَيْخ أَدْرَدَا2
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ "أَوْصَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خِفْتُ عَلَى عُمُورِي" 3.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الأُبُلِّيُّ نا عَبْدَانُ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ تَسْنِيمٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى نا عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
العُمُورُ اللّحمُ بين الأسنان4
والواحِدُ عُمْرٌ وعَمْرٌ قَالَ الشاعر:
ذهب الشَّبَابُ وأخلَف العَمْرُ ... وتَغَيَّر الأزمان والدهر5
أخلف: تغير.
__________
1 اللسان"أشر, درر", وجمهرة الأمثال 2/7, والمستقصي 1/275.
2 البيت ملفق من البيتين:
وإذا الشيوخ تعرضوا لمودة ... قلن التراب لكل شيخ أدردا
تلقى الفتاة بليلة ... إن البلية كل شيخ أفندا
وهما في الديوان /181.
3 الفائق "عمر"3/27, وجاء فيه جمع عمر, روي فيه الضم, وهو لحم اللثة المستطيل ببين كل سنين.
4 اللسان "عمر": العمور: منابت الأسنان, واللحم الذي بين مغارسها.
5 اللسان "عمر" برواية: "وتبدل الإخوان والدهر", وعزي لابن أحمر وهو في ديوانه /90 ط بغداد.

(1/104)


وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "لَزِمْتُ السِّوَاكَ حَتَّى كِدْتُ أُحْفِي فَمِي1" يريد بالفم الأسنان. وهذا مثلُ قولِه للعباس: "لا فَضّ الله فاك".
أخبرني أبو عمر أنا ثعلب عن ابن الأعرابي في قولهم لا يَفْضُضِ الله فَاكَ قَالَ أَرادَ لا يكسِر الله أسنانَك التي في فيك فحُذِف لعلم المخاطب كما يقال يا خيل الله اركبي يراد يا ركاب خيل الله اركبي.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/106 بألفاظ متشابهة.

(1/105)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي أُطُمٍ.
قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَطَلَّ عَلَيْنَا يَهُودِيٌّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ رَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَتَقَضْقَضُوا وَقَالُوا لَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَتْرُكْ أَهْلَهُ خُلُوفًا2"
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُرْوَةَ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ الزُّبَيْرِ عَنْ صَفِيَّةَ
الأُطُم الحِصْن المبني بالحجارة والجمع الآطام وأَطَلَّ أي أشرف وقوله: تَقَضْقَضُوا أي تفرَّقوا وأصله تَقَضَّضُوا من القَضِّ وهو كَسْر الشيءِ وتَفرِيقُ أجزائه
ومن مذهبهم إدخالُ الحرف بين الحَرْفَين من جِنْسٍ واحد كراهة اجتماعهما وأكثره في المضعف
والقَضَض [28] / والقَضَّةُ ما تَفَتَّت من الحَصَا
وأنشدنا أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب يَصِف دلوا:
__________
2 ذكر الهيثمي في مجعمه 6/114, وقال الطبراني في الكبير والوسط.

(1/105)


قد سقطت في قضة من شَرْجِ ... ثُمَّ استَقَلَّت مِثَل شِدْقِ العِلْجِ1
يريد أنَّها سَقَطت عَلَى حجارة لا ماءَ فيها والشَّرْجُ مجرى الماء وشَبَّهها بشِدْق العِلْج لانضمامها والعِلْجُ الحمار.
قَالَ وأخبرنا ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين قَالُوا القِضَّةُ بالكسر عُذرَةُ الجارية والقُضَّةُ بالضم العَيْبُ والقَضَّةُ بالفَتْح الحَصَا الصِّغار.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ كَنْزًا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ فَلا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيُقَضْقِضُهَا2": أَيّ يُقَطِّعُهَا" ويقال أسدٌ قَضْقَاض وهو الَّذِي يُكسِّر الفَرِيسة ويُقَطِّعها قَالَ رؤبة:
جاوزَتْ من حَيَّةٍ نَضْنَاضِ ... وأسَدٍ في غيلِهِ قَضْقَاضِ3
وقوله: لم يترك أهلَه خُلوفًا أي لم يُخَلِّفْهن لا حامِيَ لهن ولا رجلَ معهن يقال الحَيُّ خُلوفٌ إذا خَلَّفوا أثقالَهم وخرجوا في رَعْيٍ أو سَقْيٍ أو نحو ذلك يقال أخلف الرجل إذ استقى الماء واستخلف مِثله قَالَ ذو الرُّمَّةِ يصِف القَطا:
ومستَخْلِفاتٍ من بلاد تَنُوفَةٍ ... لمِصْفَرَّةِ الأَشْداقِ حمر الحواصل4
__________
1 اللسان "قضض" دون عزو.
2 أخرجه ابن حبان, انظر موارد الظمآن /205, وذكره المنذر في الترغيب 1/540, والهيثمي في مجمع الزوائد 3/164برواية "فيقضمها" بدل "فيقضقها".
3 اللسان والتاج "قض, نض", والديوان /82.
4 اللسان والتاج "خلف", والديوان /498.

(1/106)


وأنشدنا أَبو عُمَر أنشدنا أبو العباس عن سَلَمَة عن الفرّاء:
ويَهْمَاءَ يَسْتافُ التّرابَ دَلِيلُها ... وليس بها إلا اليَمانِيَّ مُخْلِفُ.
يريد أنهم إذا عَطِشوا بَقَرُوا [بالسيوف] 1 بُطونَ الإبل فشربوا ما في أكراشها.
__________
1 من م, ط, ح.

(1/107)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "اتققوا الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ" 2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا عُمَرُ3 بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ" 4
الْمَوَارِدُ: الطُّرُقُ إِلَى الْمَاءِ وَاحِدُهَا مَوْرِدَةٌ بِالْهَاءِ وإنّما تأولناه عَلَى المَشارِع وطُرُقِ الماء وإن كانت شوارعُ الطّرق قد تُسمَّى الموارد أيضًا لأنَّ ذِكرَ قارعةِ الطَّرِيق قد جاء مقرونًا به في الخَبَر فلم يكن في إعادته فائدة
__________
2 النهاية "برز": البراز: بالفتح: اسم للقضاء الواسع, فكنوا به عن الغائط كما كنوا عنه بالخلاء لأنهم كانوا يتبرزون في الأماكن الخالية من الناس. وعزي للخطابي وقوله: المحدثون يروونه بالكسر وهو خطأ: لأنه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب, وقال الجوهري بخلافه, وهذا لفظه: البراز: المبارزة في الحرب, والبراز أيضا كناية عن ثقل الغذاء, وهو الغائط, ثم قال: والبراز بالفتح: القضاء الواسع, وتبرز الرجل: أي خرج إلى البراز للحاجة, وقد تكرر المكسور في الحديث.
3 هو عمر بن الخطاب السجستاني "بكسر المهملة والجيم وسكون المهملة بعدها مثناة": نزيل الأهواز القشيري, صدوق "ت264 هـ" عن التقريب 2/54.
4 سنن أبي داود 1/7, وابن ماجة 1/119, والفائق "لعن" 3/318.

(1/107)


وقال جرير:
أميرُ المؤمنين عَلَى صِراطٍ ... إذا اعوَجَّ المواردُ مُسْتَقيمِ1
والوارِد الطريقُ أيضًا قَالَ لبيد:
ثُمَّ أصدرناهما في واردٍ ... صادرٍ وَهْمٍ صُواهُ قد مَثَل2
وَحَدَّثَنَا الْأَصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [29] / " اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثَّلاثَ" قِيلَ يَا: رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمَلَاعِنُ؟ قَالَ: " يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يَسْتَظِلُّ فِيهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ أَوْ نَقْعِ مَاءٍ" 3
والنَّقْع: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَشَرَّابٌ بأَنْقُعٍ جَمْعُ النَّقْعِ وَالْمَلاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَلاعِنَ للعن الناس فاعلها
__________
1 الديوان /507, والبيت من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك.
2 شرح الديوان /185, والوارد أو الصادر: والصوى: أعلام حجارة منصوبة في الفياقي يستدل بها على الطريق.
3 أخرجه أحمد 1/299.

(1/108)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَعَثَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَتَخَبَّرُونَ لَهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالرَّجِيعِ اعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ عَاصِمٌ:
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنابِلُ
تَزِلُّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... وَالْمَوْتُ حَقٌّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ4
__________
4 س: "صفحة", والبيت الول في اللسان والتاج "نبل", والأبيات في الجمهرة 3/392, وروى البيت الول: "ما علتي وأنا طب نابل". وعاصم هو عاصم بن ثابت بن الأقلح.

(1/108)


وَضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ وَأَسَرُوا خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فَكَانَ عِنْدَ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَ لامْرَأَةِ عُقْبَةَ أَبْغِينِي حَدِيدَةً أَسْتَطِيبُ بِهَا فَأَعْطَتْهُ مُوسِي فَاسْتَدَفَّ بِهَا فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَى الْخَشَبَةِ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قوله: ما عِلَّتي يقول ما عُذْرِي في تَركِ القِتال وأنا جَلْد ومَعِي سِلاح يقال رجل نابِل إذا كان معه نَبْل وهي السّهام العربية اسم جماعة فإذا أرادوا الواحد منها قَالُوا سَهْم كما قيل لواحد النساء امرأة.
وقوله: وتر عُنَابل معناه مَتِين صُلْب يقال في الوَاحِد عُنابِل بضَم العين وفي الجميعِ عَنَابل بفتحها لأن فُعالِل تُجمَع عَلَى فَعَالل كما قَالُوا جُوَالق وفي الجمع جَوَالق.
والمَعَابِلُ: النِّصال العَرِيضَة التي لا عَيْرَ لها وعَيْرُها المرتَفِع منها في وَسَطِها واحدتها مِعْبَلَة قَالَ الشاعر:
وآخَرَ منهمُ أجررْتُ رُمحي ... وفي البَجْلِيِّ مِعْبَلَةٌ وقِيعُ2
يقال: أجررتُ الرَّجلَ الرَّمحَ إذا طعنتَه به فتركتَه فيه وقال آخر:
فهذا أَوانُ الشِّعْرِ سُلَّتْ سِهامُه ... معابلها والمرهفات السلاجم
__________
1 ذكر القصة البخاري في 5/132, وابن هشام في 3/93 وغيرهما مفصلة بسياق آخر وانظر البداية والنهاية 4/62-67.
2 اللسان والتاج "بجل", وعزي لعننترة وهو شرح ديوانه/105.

(1/109)


وقوله: أَسَتطِيب بها يُرِيد الاحْتلاقَ وسمَّاه استطابةً لِمَا فيه من إزالة الأَذَى وطَهارةِ البَدَن كالاستِنجاء يُسَمِّيه أَهلُ الحجاز استطابةً لهذا المَعْنى ومن هذا قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} 1 أي طاهرًا وسَمَّى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينَة طابَةً يُرِيد أنّها طاهرة من الخُبْثِ والنِّفاق
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَتُنْصِعُ طَيِّبَهَا" 2
وقوله: استدَفَّ بها يُرِيد حَلْقَ الشَّعْر واستِئصالَه3 وهو مأخوذ من قولك دافَفْتُ الرجلَ أُدَافُّه وهو إجهازُك عليه ويقال في معناه استَعان الرَّجلُ إذا حَلقَ عانَتَه ويُذكَر عن بشر بن عَمْرو بن مَرْثد أَنَّه حِينَ أُرِيد قَتلُه قَالَ أَجِيُروا لي سَراويلي فإني لم أَستَعِن ومنه قول الشاعر [يصف سائلًا شَبَّهه بالقُراد] 4:
مِثلَ البُرام غَدَا في أُصْدَةٍ خَلَقٍ ... لم يَسْتَعِن وحَوامي المَوْتِ تَغْشاه5
[30] / وقوله: اقتُلْهم بَدَدًا أي متفرقين واحِدًا واحدًا ومَن رواه بِدَدًا فإنه جمع بِدَّة وهي الحِصَّة كأنه قَالَ اجعَلْه أَقسامًا وحصصا على السواء بينهم
__________
1 سورة النساء: 43 والمائدة: 6.
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/266-267 والنسائي 7/151, وأحمد 3/306-307.
3 ت: "وهو استئصاله".
4 من ت.
5 اللسان "أصد" دون عزو وقد سبق في اللوحة /21.

(1/110)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ إِمَامَ قَوْمِهِ فَمَرَّ فَتًى مِنْهُمْ بِنَاضِحِهِ يُرِيدُ سَقِيَّتَهُ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَطَوَّلَ مُعَاذٌ فَصَلَّى الْفَتَى ثُمَّ خَرَجَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ "يَا مُعَاذُ أَعُدْتَ فَتَّانًا إِذَا كُنْتَ إِمَامًا لِلنَّاسِ فَخَفِّفْ" 1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمَرْوَزِيُّ نا النَّضْرُ أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
السَّقِيَّةُ النَّخْل التي تُسقَى بالسَّوانِي قَالَ امرؤُ القَيْس:
وكَشْحٍ لَطِيفٍ كالجديل مُخَصَّرٍ ... وساقٍ كأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ2
وقوله: أَعدُتَ فَتَّانا معناه أَصِرت فَتَّانا يقال عَادَ فلان يَفعَل كذا أي صارَ يَتعاطاه ومن هذا قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 3: أي صَار كالعُرجُون قَالَ الشاعر:
أَطَعتُ العُرسَ في الشّهوات حتى ... أعادَتْني عَسِيفًا عَبْدَ عَبْدِ4
وقال أبو الصَّلْت الثَّقَفِيّ:
تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لبن ... شِيبًا بِماءٍ فعادا بَعدُ أبوالا5
ومنه قَوْلُ كَعب وَدِدْتُ أنّ هذا اللّبنَ يعود قَطِرانًا فقيل لِمَ يا أبا إسحاق قَالَ تَتَبَّعَتْ قُريشٌ أَذنابَ الإِبِل في الشِّعاب وتركوا الجماعات.
- وفيه من الفِقْه أنَ خُروجَ المرء من صَلاةِ إمامه لِعُذْرٍ لا يُفسِد صَلاتَه.
__________
1 لم نجد بهذا السياق, والأصل مخرج في الصحيحين: انظر البخاري 1/171 ومسلم 1/339-340, وأخرج أحمد نحوه في مسنده 3/124 و 299, وانظر مجمع الزوائد 2/71.
2 الديوان /17.
3 سورة يس: 39.
4 اللسان "عسف", وعزي لنبيه بن الحجاج. والعسيف: الأجير.
5 التاج "قعب" دون عزو. واقتر الأساس "قعب" على السطر الأول.

(1/111)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنِ اتَّخَذَ قَوْسًا عَرَبِيَّةً وَجَفِيرَهَا نَفَى اللَّهُ عَنْهُ الْفَقْرَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَبَلَةَ الْبَاهِلِيُّ نا مَرْدَوَيْهِ بْنُ يَزِيدَ نا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
الجَفيرُ الكنِانَة قَالَ عَنْتَرةُ:
ما يَدرِي جُرَيَّة أَنَّ نَبْلِي ... يكون جَفِيَرها البَطَلُ النَّجِيدُ2
وقال آخر:
وفي جَفِير النَّبْل حَشْراتُ الفُوَقْ ... وخصّ القَوسَ العربية لكراهِيتهِ زيّ العَجَم
ويروى: "أنه رأى رَجُلًا ومعه قوسٌ فارِسِيَّةٌ فَقَالَ أَلْقِها"3
__________
1 الفائق "جفر" 1/221 وفيه: الجفير: الواسعة من الكنائس, ومنه الفرس المجفر.
وتقدير قوله: وجفيرها: وجفير سهامها, وأخرجه ابن الأعرابي في مجمعه لوحة 111 ب.
2 الديوان /49.
3 مجمع الزوائد /267, 268.

(1/112)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُمْ حَاسُوا4 الْعَدُوَّ ضَرْبًا يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعَ اللأمة كان يجوز الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ اسْتَوْسِقُوا كَمَا يَسْتَوْسِقُ جُرْبُ الْغَنَمِ فَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بَلَغَتْ وركه" 5
__________
4 ح: "حاشوا" تصحيف.
5 ذكر ابن سيد الناس جزءا من هذا الحديث في عيون الأثر2/6.

(1/112)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَوْلُهُ: حَاسُوا الْعَدُوَّ ضَرْبًا أَيْ أَسْرَعُوا إِلَيْهِمْ بِالضَّرْبِ وَالْحَوْسُ الإِقْدَامُ وَالتَّسَرُّعُ
يُقَالُ رَجلٌ أَحْوَسُ أَيْ مِقْدَامٌ لا يَرُدُّهُ شَيْءٌ وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ يُقَالُ تَرَكْتُ فُلانًا يَحُوسُ بَنِي فُلانٍ وَيَجُوسُهُمْ [وَيَدُوسُهُمْ] 1 أَيْ يَطَؤُهُمْ فَأَمَّا الْحَسُّ فَهُوَ الْقَتْلُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} 2
وَمَعْنَى أَجْهَضُوهُمْ نَحَّوْهُمْ [وَبَعَّدُوهُمْ] 3 وَطَرَدُوهُمْ وَالأَصْلُ [31] / فِي الإِجْهَاضِ الإِزْلاقُ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلسِّقْطِ جَهِيضٌ.
وَاللَّأْمةُ الدِّرْعُ تُجْمَع عَلَى اللُّؤَمِ [عَلَى غَيْرِ قياس] 4 ويجوز الْمُسْلِمِينَ: أَيْ يَسُوقُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: اسْتَوْسَقُوا مَعْنَاهُ اجْتَمَعُوا وَانْضَمُّوا يَسُومُهُمُ الانْقِيَادُ وَالاسْتِسْلامُ
يُقَالُ اسْتَوْسَقَتِ الإبِلُ إِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي صِرْمَةَ الأَنْصَارِيِّ:
إِنَّ لَنَا قَلائِصًا نَقَانِقا ... مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدن سَائِقًا5
شبهها بالظلمان لسرعتها والنقنق الظَّليم وحَبْل العَاتِق رِباطُ مَا بينه وبين المنكب.
__________
1 من ح.
2 سورة آل عمران: 152.
3 من ت وم.
4 من ط. وفي اللسان "لأم": على غير قياس, كأنه جمع لؤمة"كغرفة".
5 اللسان والتاج "وسق" وعزي للعجاج, ولم أقف عليه في ديوانه ط /بيروت.

(1/113)


وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمُونَا يَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ [هَذَا] 1 حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ" 2
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا النُّفَيْلِيُّ نا زُهَيْرٌ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
قوله: يَخْطَفُنَا الطّيرُ مَثَل والمعنى إن رأيتمونا قد انهزمنا وولَّينا [فلا تَبْرحوا يقال فلان ساكنُ الطَّيرُ وواقعُ الطَّير] 3 إذا كان هادِئًا وَقُورًا وضُرِبَ المَثَلُ بالطَّير لأنه لا يَقَع إلا عَلَى الشيء السّاكن.
ويقال للإنسان إذا طاش وأَسْرع قد طار طَيْرُه قَالَ لَقِيطٌ الإياديٌ:
هُوَ الجَلاءُ الَّذِي يجتزُّ أَصلَكم ... إن طار طيرُكُم يومًا وإن وَقَعَا4
يريد إن أقمتم أَوْ سِرْتم.
وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ: "أَنَّهُ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَزَجَلَ بِهَا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ"5
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عُثْمَانَ الْجَزْرِيِّ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
زَجَل بها أي رَمَى بها وأكثَرُ ما يقال ذَلِكَ في الشيء الرّخوِ كالقَصَبة ونحوها.
__________
1 من ط.
2 من سنن أبي داود 3/51 والبخاري 5/150 وغيرهما.
3 ساقط من ح.
4 الديوان /47 برواية: "هو البلاء الذي ينبغي مذلتكم".
5 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/356 في قصة طويلة بلفظ: "فجزل".

(1/114)


وفي قصة أُحُد أنّه قَالَ لأصحابه "اليوم تُسَرَّوْن" سمعت أبا عمر يقول معناه اليومَ يُقْتَل سَرِيُّكم فَقُتِل حَمْزَةُ. ويقال تُشُرِّفَ القَومُ إذا أُصِيب شَريفُهم وتُكُمُّوا إذا قُتِل كَمِيُّهم وأنشد:
بَلْ لو شهِدْتَ القَومَ إذ تُكُمُّوا1
ويقال اسْتِيدَ القَومُ إذا أُصِيبَ سَيِّدُهُم واستِيدَ فيهم إذا خَطَب إلى سادَتِهم وأنشَدَ البَاهليُّ:
أرادَ ابنُ كُوزٍ والسَّفَاهَةُ كاسْمِها ... لِيَسْتَادَ مِنَّا أن شَتَوْنا لَيَاليَا
تَبَغَّ ابنَ كُوزٍ في سِوانا فإنه ... غذا الناسُ مذ جاء الرَّسولُ الجَوارِيَا2
يريد أنهم تركوا وَأْدَ البنات.
__________
1 اللسان "كمم" وعزي للعجاج وهو في ديوان /422.
2 اقتصر اللسان والتاج "سود" على البيت الأول. وجاء في مادة "شتا" أيضا مع اختلاف في الرواية.

(1/115)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ الرَّافِلَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَالظُّلْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا نُورَ لَهَا"1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا ابْنُ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرَّافلَة في غير أهلها المُتَبَرِّجَةُ بالزِّينة لغير زَوْجها يقال رَفَلَ الرجلُ إزارَه وأَغدفَ إزاره وأسبَلَه وأَذَالَه إذا أرخاه والرَّفْل الذَّيْل أيضًا قَالَ الشاعر يمدح المهلب:
__________
1 أخرجه الترمذي 3/461.

(1/115)


إذا نادى الشّرَاةُ أبا سَعِيد ... مَشَى في رَفْل مُحْكَمَةِ القَتِيرِ
وفيه أنّه لم يكره لها الزِّينةَ إذا كانت في أهلها.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ [32] /: "أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ تَعَطُّرَ النِّسَاءِ وَتَشَبُّهَهُنَّ بِالرِّجَالِ"
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أَبُو رُوَيْقٍ نا الْقَعْنَبِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ تَعَطُّرَ النِّسَاءِ وَتَشَبُّهَهُنَّ بِالرِّجَالِ"1 فوجهه إن كان أَرادَ به العِطْرَ أن يكرهَه لَهُنَّ إذا كان لغَيْر أزواجهن إلا أَنَّي أراه2 تَعَطُّلَ النِّساء باللام وقد تُبَدل اللامُ رَاءً لأَنهما أُخْتان في قُرب المَخْرج كقولهم سَمَل عينَه وسَمَر عَيْنَه والتَّعَطُّل أن تكون المرأة عُطُلًا لا حُلِيّ عليها ولا خِضَابَ يقال امرأة عُطُل وعَاطِل قَالَ الشَّمَّاخ3:
دارُ الفتاةِ التي كنّا نَقُول لها: ... يا ظَبْيَةً عُطُلًا حَسَّانَةَ الجِيدِ
ويشهد بصحة هذا التأويل قولُه: وتشبههن بالرجال.
__________
1 النهاية "عطر" 3/256, وفيها الذي يظهر ريحه كما يظهر عطر الرجال.
2 في كنز العمال 6/398, بلفظ " ... كره التعطل للنساء" وعزاه للسمويه.
3 م: قال الشاعر, والبيت في ديوانه/112.

(1/116)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ نُقَادَةَ الأَسَدِيَّ قَالَ يَا رسول الله إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ فَأَيْنَ أَسِمُ قَالَ: "فِي مَوْضِعِ الْجَرِيرِ مِنَ السَّالِفَةِ" قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اطْلُبْ إِلَيَّ طَلِبَةً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُطْلِبَكَهَا قَالَ: "أَبْغِنِي نَاقَةً حَلْبَانَةً رَكْبَانَةً غَيْرَ أَنْ لا تُوَلِّهَ ذَاتَ وَلَدٍ عَنْ وَلَدِهَا" 1
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي مَسَرَّةَ2 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسَيْحٍ [الأَسَدِيِّ] 3 عَنْ عُتَيْبَةَ4 بْنِ عَاصِمِ بْنِ سِعْرِ بْنِ نُقَادَةَ عَنْ أبيه عن جده عن نُقَادَةَ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مسيح مِثْلَهُ وَسَاقَ الْخَبَرَ إِلا أَنَّهُ ل"م يَذْكُرْ إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ وَلا حَلْبَانةً رَكْبَانَةً".
قَوْلُهُ: إِنِّي رَجُلٌ مُغْفِلٌ يُرِيدُ أَنَّهُ صَاحِبُ إِبِلٍ أَغْفَالٍ وَالأَغْفَالُ هِيَ الَّتِي لا سِمَةَ عَلَيْهَا.
قَالَ الأصمعيّ الأَطلاق من الإِبِل التي لا عُقُل عليها والأَعْطال التي لا أَرسانَ عليها وقال الكسائِي الباهلُ من الإبل التي لا سِمَة عليها قَالَ والجَمعُ المَبَاهِيلُ والجَرِيرُ الزَّمامُ والسَّالِفَةُ مُقَدَّمُ صَفْحَةِ العُنُق وسُمِّيت سالِفَةً لأنَّها تتقَدَّم البَدَن قَالَ الشاعر:
إنّا لنَصْفَحُ عن مَجاهِل قومِنا ... ونُقِيم سالِفَةَ العَدُوِّ الأَصْيَدِ
وسالف كل شيء أَوَّلُه وسُلافَةُ الخَمْر ما سال من العِنَب قبل أن يعصر.
__________
1 ذكر البخاري طرفا منه في التاريخ الكبير 4/2/127.
2 م: "ابن ميسرة", والمثبت من س وط وح ت.
3 في المشبه 2/590: ابن مسيح باثنتين من تحت, وكذلك ذكره الدارقطني في كتابه فقال: عبد العزيز بن مسيح, ويقال: مسيح بكسر السين, وقيل صوابه بالموحدة, وفي ت وس "مسبح" بتشديد الباء المكسورة.
4 ت, ح: "عيينه".

(1/117)


وقوله: حَلْبَانَةً رَكْبَانَةً يُريد [ناقةً] 1 غَزِيرةً تُحلَب وراحلةً تُرْكَب يقال ناقَةٌ حَلْبَاةٌ رَكْبَاةٌ وحَلْبَانَةٌ رَكْبَانَةٌ قال الشاعر:
حلبانة ركبانة ضفوف ... تَخْلِط بين وَبَرٍ وَصُوفِ2
الضَّفُوفُ الغَزِيرة ويروى صَفُوف وهي التي تَصُفُّ يَدَيْها عند الحلَب والصَّفُوف أيضًا هي التي تجمع بين مَحْلَبَيْن في حَلْبةٍ.
وقوله: تَخْلِط بين وَبَرٍ وصُوفِ يَصِف سَيَرها يقول كأنَّ يَدَيْها يَدَا ناسِجَةٍ تَخْلِط بين وَبَرٍ وَصُوفٍ من سرعتها وقال آخر:
إن الحَرام غَزِيرةٌ حَلْبَانَةٌ ... ووجدتُ حالِبَةَ الحَلالِ مَصُورَا
ويُرْوَى غزِيرَةٌ حَلَبَاتُهُ ومنه المَثَل الحَلالِ يقطر والحرام يَسيل والطَّلِبَةُ الحاجة والإِطلابُ إنجازُها يقال طلب إلي فأطلبتُه أي أسعفْتُه بما طلب [33] /, ومثلُه سأل فأَسْأَلْتُه أعطيته سُؤْلَه ويقال ابغني كذا أي اطلُبه لي وأَبْغِنِي بقَطْع الألف أي أَعِنِّي عَلَى طلبه ومِثْلُه أَحْمِلْنِي أي أَعِنِّي عَلَى حَمُولَتِي وكذلك أَحْلِبْنِي عَلَى الحَلَب ومِثْلُه كثير.
__________
1 من ت وم.
2 اللسان "ضعف", واقتصر على البيت الأول ولم يعزه.

(1/118)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ قَالَ لأبِي بَكْرٍ: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ, وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ [1 فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ "أَخَذْتَ بِالْحَزْمِ" وَقَالَ لِعُمَرَ "أخذت بالعزم 2 "
__________
1 ساقط من ح نحو أبع صفحات من حجم الفلوسكاب.
2 أخرجه أبو داود 2/66, وفيه: وقال لعمر: "أخذت بالقوة" , والبيهقي في السنن 3/35.

(1/118)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيلَحِينِيُّ1 نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ.
الحَزْم الحَذَرُ والعَزْم القُوَّة ومنه المَثَل "لا خَيْرَ في عَزْمٍ بغَير حَزْم" معناه أَنَّ القُوَّة إذا لم يكن معها حَذَرٌ أَورَطت صاحِبَها وأَفضَت2 به إلى العَطَب ومن هذا قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ} 3 يقال في تفسيره أُولو القُوَّة والصَّبْر وقال: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} 4 يقال ثَباتًا وقُوَّةً وقال بعضهم الحَزْمُ التَّأَهُبُ للأمْر والعَزْم النَّفَاذُ فيه وفي بعض الأمثال "رَوِّ تَحزِم فإذا استوضَحْتَ فاعْزِم"5
وأخبرني الْكَرَّانِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيب قَالَ قَالَ الأصمَعيُّ سمِعتُ أعرابيَّا يقول أَسْعَدُ الحَزَمَةِ مَنْ جمع إلى حَزْمِه عَزْمًا وقال بعض أهل اللغة قولُهم رجل حازِمٌ معناه جامِع لرأيه مُتَثَبِّت في أمرِهِ من قولهم حَزَمتُ المتَاعَ إذا جَمعتَه ويقال حَزُمَ الرَّجلُ وحَزَم قَالَ الشاعر:
وصاحبٍ قد قَالَ لي وما حَزَمْ
وقد جاء الوَجهُ الَّذِي قدَّمناه أولًا مفسرا في الحديث.
__________
1 في أبي داود 2/66: "السلحيني" بالحاء المهملة, وفي التقريب 2/342: يحيى بن إسحاق السليحيني بمهملة ممالة, وقد تصير الفا ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة, ثم تحتانية ساكنة ثم نون, أبو زكريا أو بكر نزيل بغداد صدوق مات سنة عشرين ومائتين.
2 ت: "وأفضت له" ولم يرد الم ثل بهذا اللفظ في كتب الأمثال, وإنما الذي فيها "قد أحزم لو أعزم" أي إن عزمت الرأي فأمضيته فإنا حازم, وإن تركت الصواب وأنا أراه وضيعت العزم لم ينفعني حزمي, والمثل في الميداني 2/104, والمستقصى 2/189.
3 سورة الأحقاف: 35.
4 سورة طه: 115.
5 المستقصى 2/105, وروايته: "تروئ تحزم, فإذا روات فاعزم".

(1/119)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ1 بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَذَاكَرَا الْوِتْرَ عند رسول الله فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَنَامُ عَلَى وِتْرٍ فَإِنِ اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَّاحِ وَقَالَ عُمَرُ لَكِنِّي أَنَامُ عَلَى شَفْعٍ ثُمَّ أُوتِرُ مِنَ السَّحَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ لأَبِي بَكْرٍ: "حَذِرَ هَذَا" وَقَالَ لِعُمَرَ: "قَوِيَ هَذَا" 2
__________
1 م: "محمد بن هاشم الدبري".
2 أخرجه عبد الرزاق 3/14.

(1/120)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَزَالُ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ وُلاتُهُ مَا لَمْ تُحْدِثُوا أَعْمَالا فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقِهِ فَلَحَتُوكُمْ كَمَا يُلْحَتُ الْقَضِيبُ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ ثنا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ نا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ فُلانٍ أَوْ فُلانِ بْنِ الْقَاسِمِ شَكَّ يَعْلَى عَنِ ابْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ2 وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ فَقَالَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ3
قوله: لَحَتُوكم من اللَّحْت يقال لَحَتَ فلان عصاه لَحْتًا إذا قَشَرها ولَحَتَه بالعذْل لَحْتًا مِثْلُه واللَّتْح القشر أيضًا. قَالَ أبو النَّجْم:
يَلْتَحْن وَجْهًا بالحصى ملتوحا4
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/458 و 5/274 بألفاظ متقاربة.
2 في مسنده أحمد 4/118: شُعْبَةُ, عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابت, عن عبيد الله بن القاسم, أو القاسم بن عبيد الله بن عتبة, عن أبي مسعود.
3 في مسند أحمد 5/274: سفيان, عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ, عن القاسم بن الحارثة, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتبة, عن أبي مسعود.
4 اللسان والتاج "لتح", يصف عانة طردها مسحلها وهي تعدو وتثير الحصا في وجهه.

(1/120)


وقد يجوز أن يكون من المقلوب كقولهم جَذَبَ وجَبَذَ وذكر أبو حاتم عن الأصمعي قَالَ كان جَرِيرٌ أَلْتَح أصحابهِ هِجَاءً فأما اللَّحْبُ فهو قَطْعُك الشيء طُولًا ومنه قولهم طِريقٌ لاحِبٌ أي مَسْلُوكٌ مُنْقَادٌ لمن يَسْلكها وقد لَحِبَ جَنْبُ العَجُوز إذا ذَهَبَ لَحمُه وأنشدنا ابن الأعرابيّ أنشدنا ابنُ أبي الدنيا:
[34] / عَجُوزٌ تُرَجِّي أن تَعُودَ فَتِيَّةً ... وقد لُحِبَ الجَنْبان واحْدَوْدَب الظَّهْرُ
تَدُسُّ إلى العَطَّار ِميرةَ أهلِها ... ولن يُصْلِحَ العَطَّارُ ما أفسد الدَّهْرُ1
وفي بعض الروايات من هذا الحديث "فالتَحوكم كَمَا يُلْتَحى القَضِيبُ" 2 والمعنى واحد يقال لَحوتُ العَصَا والْتَحَيْتُها إذا أخذتَ لحاءَها قَالَ المُتَلَمِّس:
لعمرُك إنِّي في نوائبَ تَلْتَحِي ... لِحَاءَ الفَتَى عن عُودِه لصليب3
__________
1 اقتصر اللسان والتاج "لحب" على البيت الأول من غير عزو, وهو في الجمهرة لابن دريد 1/229, وعزي لجران العود, ولم أقف عليه في ديوانه. ط دار الكتب المصرية.
2 تقدم تخريجه.
3 لم أقف عليه في ديوانه.

(1/121)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ صَلَّى مَعَهُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَمَزِّقٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ دَعَا لَهُ بِثَوْبٍ فَقَالَ تُوَدِّعُهُ بِخَلَقِكَ هَذَا" 1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَتُّوثِيُّ نا أَبُو رُوَيْقٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الله بن أنيس
__________
1 في النهاية "ودع" 5/166 بروية: "تودعه" بصيغة الأمر, وجاء فيها أي صنه به, يريد البس هذا الذي دفعت إليك في أوقات الاحتفال والتزين.

(1/121)


التَّودِيعُ أن تجعلَ ثَوْبًا وِقَايَةَ ثَوبٍ آخَرَ يقال ثَوبٌ مِيدَعٌ وهو المُبْتَذَلُ قَالَ ذو الرُّمَّة:
هي الشمسُ إشراقًا إذا ما تزينت ... وشبه النقا مُغْتَرَّةٌ في الموادع1
قَالَ أبو زيد المَبَاذِلُ والمَعَاوِز والمَوَادِع الثِّياب الخُلْقان واحدِتُها مِبْذَلَة ومِعْوَزَة ومِيدَعة.
__________
1 كذا في الديوان /358. وفي هامش م أي أتيتها في حال غرة. وفي اللسان والتاج "ودع" برواية: مفترة".

(1/122)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَمِيرِي مِنَ الْمَلائِكَةِ جِبْرِيلُ"1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قوله: أَمِيري أي وَليِّي وصاحِبي وكل من فَزِعْتَ إلى مُؤَامرته ومُشَاوَرَته فهو أميرك والعَقْلُ أمِير النَّفس لأنها إذا أرادت أَمرًا راجَعَتْه قَالَ الشَّمّاخُ يذكر رجلًا أُعْطِي بقوسٍ له ثمنا فهو يُؤَامر النَّفسَ في إمضاء البيع أو رده:
فَظَلَّ يُناجي نَفْسَه وأَمِيرَها ... أَيأْتِي الَّذِي يُعطَى بِها أم يُجَاوِزُ2
يعني عقلَه وقال زُهَير:
وقال أَمِيري هل تَرَى رَأْيَ ما نَرى ... أَنَخْتِلُهُ عن نَفْسِه أَم نصاوله3
يريد صاحبه.
__________
1 النهاية "أمر" 1/66.
2 ديوانه /189.
3 ديوانه/132.

(1/122)


ومِمّا جاء عَلَى وزنِه وَزِيرٌ ونَديم يقال هُوَ وَزِير المَلِك إذا كان يُؤازِرُه وندِيمه إذا كان يُنادِمه وشَرِيبُه إذا كان يُشارِبُه قَالَ الشاعر:
إنا إذا نازَعَنا شَرِيبُ ... لنا ذَنُوبٌ وله ذنوب1
ونرى والله أغلم أَنه أَرادَ بهذا القول مُخالفَةَ اليَهُود لأنهم كانوا يقولون إنَّ صاحِبَنا مِيكائيل لأنه يأتي بالرّحمة والخير وإن عَدُوَّنا جبريل لأنه يأتي بالبلاءِ والعَذاب فأنزل الله {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ2}
__________
1 اللسان والتاج "ذنب" برواية: "لها ذنوب ولكم ذنوب".
2 سورة البقرة/97.

(1/123)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّنِي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ الْبُرُدَ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الإِسْلامُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [35] /: "إِنِّي لا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الآنَ فَارْجِعْ"1
يقال خاسَ فلان وَعْدَه إذا أخْلَفَه وخاسَ بالعَهْدِ إذا نَقَضَه وأصله في الطَّعام إذا تَغَيَّر وفسد.
يقال خاسَ الشّيءُ في الوِعَاء إذا تَغَيَّر وفَسَد كالتَّمْرِ والجَوْز وما أشبه ذَلِكَ.
وخاسَتِ الجِيفَةُ إذا بدت تُرْوِحُ وكان قد صالح قريشًا عَلَى أن يَرُدَّ إليهم مَنْ أَتاه منهم.
__________
1 سنن أبي داود 3/82, وأحمد 6/8.

(1/123)


حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ ثنا الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومَ بِنْتَ عُقْبَةَ خَرَجَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهِيَ عَاتِقٌ فَقَبِلَ هِجْرَتَهَا وَأَقْبَلَ أَبُو جَنْدَلٍ يَرْسُفُ فِي الْحَدِيدِ فَرَدَّهُ إِلَى أَبِيهِ1.
الْعَاتِقُ الْجَارِيَةُ حِينَ تُدْرِكُ.
أخبرني أبو عمر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي عن أبي المكارم قَالَ قالت جارِية لأَبيها اشتر لي لوطا أغطي به فُرْعُلِي فإني قد عَتَقْت تُريدُ أَدرَكْتُ.
واللوط الرِّداء والفُرْعُل ها هنا الشَّعُر. ويقال في ردُّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبا جَنْدل إليهم أنه لم يَخَفْ عليه مَعَرَّتَهم لأنه ردَّه إلى أبيه وأهلهِ.
فأما النِّساءُ فقد نَقَض الله الصُّلحَ في ردِّهن إلى الكُفَّارِ فَقَالَ [تعالى] 2: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فلذلك لم يَرُدَّها إلى إخوتها.
- وفيه حُجَّةٌ لمنْ رأى نَسْخَ السنة بالكتاب.
__________
1 الفائق "عتق" 2/381 وجاء فيه: قال ابن الأعرابي: أنما سميت عاتقا لأنها عتقت من الصبا وبلغت أن تزوج, ذكر السيوطي قصة هجرتهما في الدر المنثورة 6/306, وانظر قصة جندل في البداية والنهاية 4/169, 175.
2 من ت وم, والآية في سورة الممتحنة: 10.

(1/124)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ انْطَلَقَ لِلْبَرَازِ فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ إِيتِ هَاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ فقل لهما حتى تجتمعا فاجتمعتا فقضى حاجته" 1
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/122 وأحمد 4/172 من طريق الأعمش عن منهال بن عمرو, عن يعلى بن مرة عن أبيه.

(1/124)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُكْتِبُ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إسماعيل نا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ نا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَكِيمَةَ امْرَأَةِ يَعْلَى عَنْ يَعْلَى.
الأشاء النخل الصغار قَالَ ذو الرُّمَّة:
يَسْتَلُّها جَدولٌ كالسيف مُنْصَلِتٌ ... مثلُ الأَشاءِ تَسامى حوله العُشُبُ1
والواحدة أَشَاءَة قَالَ الشاعر:
كأنَّ هَزِيزَنَا يوم التَقَينَا ... هَزِيزُ أَشاءَةٍ فيها حَرِيقُ
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ جَابِرٌ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بَوَاطٍ قَالَ: "أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَاجَةَ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ به وإذا شجرتان بشاطىء الْوَادِي فَانْطَلَقَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ"2
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا حَمْدَانُ الْوَرَّاقُ نا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ خُرُوجَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بَوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ النَّجْدِيَّ3 بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ وَفِيهِ إِنَّهُ وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ تَقَدَّمَا فَانْطَلَقَا إِلَى الْبِئْرِ فَنَزَعَا فِي الْحَوْضِ سَجْلا أَوْ سَجْلَيْنِ ثُمَّ مَدَرَاهُ ثم نزعا فيه حتى
__________
1 هامش س: "وسط الأشياء". والبيت في الديوان /14 واللسان "صلت" برواية: "بين الأشياء".
2 أخرجه مسلم 4/2306 في حديث طويل طويل. والبيهقي 1/94.
3 كذا في ت وم. وفي س وط وح ومسلم 4/2304: "المجدي بن عمرو الجهني".

(1/125)


أَنْهَقَاهُ1 فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ طَالِعٍ فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ وَشَنَقَ لَهَا فَفَشَجَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَدَلَ بِهَا فَأَنَاخَهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ [36] / وَقَالَ يَا جَابِرُ انْطَلِقْ إِلَيْهِمَا فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فَانْذَلَقَ لِي فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا2" فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
الْبَعِيرُ الْمَخْشُوشُ هُوَ الَّذِي يُقَادُ بِخِشَاشِهِ وَهُوَ مَا يُجعَلُ فِي أَنْفِهِ مِنَ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْرٍ قِيلَ لَهُ خِزَامَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حَدِيدٍ قِيلَ لَهُ بُرَةٌ وَمَدْرُ الْحَوْضِ أَنْ يُطْلَى بِالْمَدَرِ لِئَلا يَتَسَرَّبَ3 الْمَاءُ مِنْ خَصَاصِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْهَقَاهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَفْهَقَاهُ أَيْ مَلآهُ وهو قَولُ الشَّاعر:
كجابِيَةِ الشَّيخ العِراقِيِّ تفْهَق4
ويروي السَّيْح العِراقِيُّ وهو الماء السَّائح أي الجاري
وَمِنْ هَذَا قوله: "إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ" 5 يريد المُسْهبين في القول المُكثِرِينَ له.
وقوله: شنَق لها أي عَاجَها بالزِّمام والمَشْنُوق الفرسُ الطّويل الرأْس الطامِحُ إلى فوق ومثله الشِّنَاقُ وأنشدني بعضُ أصحابِنا قَالَ أنشدنا ابن دريد:
__________
1 كذا في جميع النسخ, وفي هامش س: "أفهقاه".
2 أخرجه مسلم 4/2301-2308, والبيهقي ينحوه في السنن 194.
3 ت: "ينسرب".
4 اللسان "فهق" وصدوره:"تروح على آل المحلق جفنة" وعزى للأعسى. وهو في الديوان /121 وصدره فيه: نفي الدم عن آل المحلق جفنة".
5 ابن الأثير "فهق" والفائق "وطأ" 4/68.

(1/126)


جَميل المُحَيّا بَخْتَرِيٌّ إذا مَشَى ... وفي الدِّرْع ضَخْمُ المنكبَيْن شِنَاقُ1
وقوله: فَفَشَجَت أي تَفاجَّت وَفَرّجَت ما بَيْن رِجلَيْها لِتَبُول.
وقوله: حَسَرْتُه أي كَشَطْتُ ما عليه من لِحائه.
وقوله: فانْذلَق أي صار له حَدُّ يُقْطع به وذلق كل شيء حده وأذلقت الشَّيء إذا حددتَه ومنه قولُهم ذَلُق لِسانُه ذَلاقةً إذا فَصُح وذرب [ولسان طلق ذلق] 2
__________
1 اللسان "بختر", وأورد حديث الحجاج لما أدخل عليه يزيد بن المهلب أسير, فقال الحجاج الشطر الأول, فقال يزيد الشطر الثاني.
2 من ت وم. وفي القاموس "طلق": ولسان طلق ذلق ككتف" وطلق ذلق بضمتين. وطليق ذليق. وكضرد: ذو حدة.

(1/127)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى فِي الضَّحَايَا عَنِ الْمُصَفَّرَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيِّعَةِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ نا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ ذُو مِصْرَ2 عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ
قَوْلُهُ: الْمُصَفَّرَةُ تَفسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْمُسْتَأْصَلَةُ الأُذُنِ وأُراها سُمِّيت مُصَفرة لأن صِماخَيْها قد صَفِرا من الأُذُنين أي خَلَوا يقال صَفر الوِعاءُ إذا خَلا والعرب تقول نعوذُ بالله من صَفَرِ الإناء3 وقَرَع الفِناء وقد تكون المُصَفَّرة الهَزِيلَة التي خَلَتْ من السِّمَن
قَالَ والمُشَيِّعَةُ التي لا تزال تَتبع الغَنَم عَجَفًا يريد أنها لا تَلْحق الغَنَمَ فهي أبدًا تُشَيِّعُها أي تكون من وراء القَطِيع والبَخْقَاءُ التي بُخِقَت عينها.
__________
1 سنن أبي داود 3/97, أحمد 4/185.
2 تهذيب التهذيب 11/375: يزيد ذو مصر المقرئي حمصي, كان من وجوه أهل الشام.
3 ح: "صفرة الأناء".

(1/127)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ لا يُصَبِّي رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ وَلا يُقْنِعُهُ"1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ أُرَاهُ ذَكَرَ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَهُ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ يقال صَبَّى رأسَه تَصْبيَةً2 إذا خفضه جدًا وزعم بعضهم أنه مأخوذ من قولهم صَبَا الرجلُ إلى الجاريَة إذا مال إليها وقال آخر بل هو يصبىء مَهموزٌ من قولهم صَبأ الرجلُ عن دين قَومِه [أي خرج] 3 فهو صابىء وعلى هذا تأوَّلَ قولَه عليه السلام حينَ ذكر الفِتَن فَقَالَ "لتَعودُنَّ فيها [37] / أَساوِدَ صُبًّا" 4 وإنما هُوَ صُبَّاء مثالُ فُعَّال جمع صابىء وقال أبو سعيد الضَّرِيرُ بل هُوَ صُبَّى جمع صَابٍ كقولِك غاز وغزى وأنشد:
لا أَشْتِم العُفَّى ولا يُجْدِبُونَنِي ... إذا هرّ دُونَ اللَّحْم والفَرْثِ جَازِرُ
[العُفَّى] 3: جمع العَافِي.
وقوله: ولا يُقْنِعه أي لا يرفع رأْسَه
يقال أَقنعَ رأسَه إذا صَوَّبَه وأقنعه إذا رفعه.
__________
1 أخرجه الترمذي 2/106 وأبو داود 1/194, وأحمد 5/424 بنحوه.
2 كذا في ت وم وط. وفي س: "يصبيه".
3 من ت وم.
4 أخرجه أحمد في مسنده 3/477 عن كرز بن علقمة.

(1/128)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله عليه وسلمأنه قَالَ: "مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَةً حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا عقبة المحدر عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ كَاعَةٌ جَمْعُ كَائِعٍ وَهُوَ الجَبَانُ كما يقال بَائِع وبَاعة وقائِد وقَادةٌ يريد أنه كان يحوط رسول الله ويَذُبُّ عَنْه فكانت قُريْش تَكِيع وتَجْبُن عن أذاه يقال كَعَّ الرجلُ عن الأَمر إذا جَبُن وانْقَبَض يَكِعُّ وكَاعَ يَكِيعُ قَالَ الفراءُ كعَعْتُ عن الشَّيء وكَيِئْتُ2 وأَزَأْتُ بمعنى واحدٍ
قَالَ الأصمَعِيّ: أَزِيَ يأْزَى أُزِيًّا غير مهموز إذا انْقَبَضَ وَدَنَا بعضهُ من بَعْضٍ وأنشدني بعضُ أهل اللغة:
هذا زَمانٌ مُوَلٍّ خَيُره آزي ... صارت رؤوس به أَذنَاب أعْجاز3
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ قَالَ: "نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النار فأخرجته إلى ضحضاح4"
__________
1 النهاية "كيع" 4/218, أخرجه ابن معين في تاريخه 1/24, رقم النص 174.
2 كذا في م. وفي ت وس وط: وكبنت. وفي القاموس"كيأ" كاء: جبن.
3 البيت الأول في اللسان "أزا" برواية: "هذا الزمان...." وعزى لعمارة.
4 أخرجه الحميدي 1/219 ومسلم 1/195 وغيرهما.

(1/129)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلاءِ الزبيدي من كتابه
__________
1 سنن أبي داود 2/299.

(1/129)


نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ [ثنا] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
قَولُه: صُومُوا الشهرَ أي مُسْتَهَلَّ الشَّهْر والعرب تُسَمِّي الهِلالَ شَهْرًا قَالَ الشاعر أنشده الفَقْعَسِيّ:
ابدَأْنَ من نَجدٍ عَلَى ثِقَةٍ ... والشَّهرُ مِثلُ قُلامَة الظُّفْرِ
[يريد الهلال] 1
وكان أبو زيادٍ الأعرابيّ إذا رأى الهلال أخذ عودا فحدد طَرَفَه وأشارَ به إليه وقال عُود عَدَّى عَنَّا شَرُّكَ أَيُّها الشَّهر2.
ومن دُعاءِ العَرَب إذا رَأَوْا الهِلالَ لا مَرْحَبًا بحُجَيْن مُحِلّ الدَّيْن ومُقَرِّب الحَيْنِ.
وفي سِرِّ الشَّهر أقوالٌ أحدُها أَنَّ سِرَّه أَوَّلُه هَكَذا رَوَى أبو داود عن الأوزاعيّ قَالَ: "سِرُّه أَوَّلُه3".
حدّثنِيه ابنُ داسةَ عَنْه نا سليمان بن عَبْد الرحمن الدِمَشْقِيّ عن الوليد عن الأوزاعِيّ وأَنَا أُنكِر هذا التفْسِير وأَراهُ غَلطًا في النَّقْلِ ولا أعرِف له وَجْهًا في اللُّغَة والذي يعرفُه النَّاسُ أن سِرَّهُ آخِرهُ وفيه ثَلاثُ لُغاتٍ يقال سِرُّ الشهر وسرر الشهر وسَرَارُه وسُمِّي آخر الشهر سِرًّا لاسْتسْرارِ القمر فيه.
وقد روى محمودُ بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعيّ أنه قَالَ
__________
1 من ت وم وط وح.
2 ط: "عَدَّى عَنَّا شَرُّكَ أَيُّها الشَّهر" ببناء عدي للمجهول.
3 سنن أبي داود 2/299.

(1/130)


في هذا الحديث سِرُّه آخرُه هكذا [38] / حدَّثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل نا محمود بن خالد.
وهذا هُوَ الصَّحِيح من الرِّواية المساوق لمذهب اللغة1.
وفيه وجه ثالث وهو أنَّ سرَّه وسَطُه وسِرُّ كل شيء جَوفُه يقال قناة سَرَّاءُ أي جوفاء والزَّند إذا كان أجوف قيل زَنْد أَسَرُّ ويقال سُرَّ زَنْدُك وهو أن يُجْعل في جوفه عُودٌ ليُقْدَحَ2 به ذكره يعقوب بن السِّكَيت.
وأخبرنا أبو رجاء الغَنَوِيّ حدثني أبي ثنا عبّاد بن الحسن3 حدثني محمد بن عُجْرة سمعت أبي يقول لرجل انْحر البَعِير فلتجدنَّه ذا سِرٍّ أي ذا مُخٍّ ويقال فلان سِرُّ قومه أي أوسطهم حَسَبًا وقال ذو الإصبع:
وهُمْ مَن وَلَدوا أَشْبوْا ... بسرِّ النَّسبِ المْحضِ4
ويقال فلان في سرارَةِ قَومِه أي في منصب منهم وإذا غَرسْتَ فاغْرِسْ في سَرارة الوادي أي وسطه قَالَ حَسَّان:
أو في السَّرارة من تَيْمٍ رَضيتُ به ... أو من بني عامر الخضر الجلاعيدِ5
[جمع الجلعاد وهو الضخم] 6
__________
1 ت: "لأهل اللغة".
2 م, ح: "ليقتدح".
3 ح: "عبادة بن الحسين".
4 هامش م: أشبوا أي أنجبوا, والبيت في اللسان "شبا" بروية: إن ولدوا أشبوا ... بسر الحسب المحض" وفي مقاييس اللغة "سرر, شبا" وعزى لذي الإصبع العدواني.
5 الديوان /345, والأغاني 7/54 ط دار الكتب, والاستعاب 1/293, والكامل / 141, برويات مختلفة.
6 من م.

(1/131)


ومعنى الخبر على هذا الوجه الحثُّ عَلَى صيام أَيَّام البِيضِ إذْ هي وَسط الشَّهر.
وأما حديثه الآخر "أنه قَالَ لرجل: " هل صُمتَ من سَرَرِ شَعْبان شيئًا؟ " فَقَالَ لا قَالَ: "فإذا أفطرت" يعني مِنْ رمضان "فَصُم يَوْمَين" 1
فقد كان بعضُ أهلِ العلم يقول في هذا أَنَّ سؤاله سؤال زَجْر وإنكار لأنه قد نهى أن يُسْتَقْبَل الشهرُ بيوم أو يومين قَالَ ويُشبِه أن يكون هذا الرجلُ قد كان أوْجَبَهما عَلَى نفسه فاستحَب له الوفاءَ بهما وأن يَجْعَل قضاءهما في شوال.
__________
1 أخرجه مسلم 2/820, والبخاري 3/298, والدارمي 2/18 وغيرهم.

(1/132)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يُشَدُّ الْغُرُضُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" 1
يَرْوِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
هَكَذَا حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَجَّاجٍ.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ "لا تُشَدُّ الْعُرَى" الغَرْضُ الْبطَانُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى بَطْنِ البعير إذا رحل.
__________
1 لم أجده بلفظ "الغرض" وأخرجه البخاري 2/77 ومسلم 2/976, والترمذي 2/148, وأحمد 3/7, 34, 45, 51, 53, 64, 71, 77, 93 وغيرهم بلفظ: "لا تشد الرحال, أو لا يعمل المطي" من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

(1/132)


قَالَ الأصمعي: فيه لغتان الغُرْضَةُ والغَرْض والمَغْرِضُ من البعير الموضع الَّذِي ينالُه الحَبلُ قَالَ أبو داود الإياديُّ:
وشِمِلَّةٍ تَمسي مرافِقُها ... عنها إذا ضَمَرت قُوى الغَرْضِ
تمسْي: تَجُرّ وتَجْذِبُ يقال مَسَيْتُ ومَسَوْتُ وقال أوسُ بن حَجَرٍ:
كأنَّ هِرًّا جنبيًا تحت غُرْضَتها ... والتَفّ دِيكٌ برجليها وخنزيرُ1
وهذا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِدَ" يُريد أنَّ الظَّعنَ والشُّخوصَ إلى غير هذه المساجد لا يَلْزَمُ أحدًا وهذا في النَّذْرِ يَنْذُره الإنسان والصلاةِ يوجِبُها عَلَى نفسه فيها فأما إذا نَذَر صلاةً في غيرها من المساجدِ فله الخيارُ في الوفاء بها2 أو يصلِّيها في أي مسجد شاء
وَنَرَى - والله أعلم - أنه خَصَّ هذه المساجد بذلك لأنها مساجدُ الأَنبياء وقد أُمرنا بالاقْتداءِ بهم قَالَ الله تعالى: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 3
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ [أَبُو عَلِيٍّ] 4 الصَّفَّارُ نا سَعْدَانُ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ [39] / قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلا؟ "قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى" قَالَ قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ "أَرْبَعُونَ سَنَةً" قَالَ "فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مسجد" 5
__________
1 الديوان /42.
2 س وط: "في الوفاء به".
3 سورة الأنعام: 90.
4 من ت وم وح.
5 أخرجه مسلم 1/370 وأحمد 5/150, 156, 157, 160.

(1/133)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ أَتَاهُ فَقَالَ أَيُّ السَّاعَاتِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ" ثُمَّ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ يَدَيْكَ خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ يَدَيْكَ وَأَنَامِلِكَ مَعَ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ وَمَضْمَضْتَ وَاسْتَنْشَيْتَ وَاسْتَنْثَرْتَ خَرَجَتْ خَطَايَا وَجْهِكَ وَفِيكَ وَخَيَاشِيمِكَ مَعَ الْمَاءِ"1 [وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى "وَاسْتَنْشَرْتَ"] 2
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجُرْجَانِيُّ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ3 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ.
قوله: أَي السّاعات أَسمعُ؟ يريد أيها أوقع للسَّمْع والمعنى أيها أَوْلَى بالدُّعاء وأرْجى للاستجابة وهذا كقولِ ضمادٍ الأزدي حين عرَض عليه رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الإسلام قَالَ فسمعتُ كلامًا لم أسمع قولا قَطّ أسمع منه يريد أبلغَ منه ولا أنْجَع في القلْب.
وجوفُ الليل الآخِر إنما هُوَ الجُزء الخامس من أَسْدَاسِ الليل وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى "إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَبْقَى الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى! هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُغْفَرُ لَهُ؟ "
وقوله: استَنْشَيت يريد الاسِتِنْشاق وأصله من قولك نَشِيتُ الرائحةَ إذا شممْتها قَالَ الهُذَليّ:
ونَشِيتُ رِيحَ الموتِ من تِلقائكم ... وَخَشِيتُ وقعَ مُهَنَّدِ قرضاب4
__________
1 لم نجده بهذا السياق وأخرجه أحمد 4/112, 114. 385, والبيهقي 1/81, 2/454, 3/4 مفرقا, وأخرجه أيضا أبو داود 2/25, والترمذي 5/570 بنحوه.
2 من ت وم.
3 م: "عباس". وفي التقريب 1/73: إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي, أبو عتبة الحمصي ت: 182هـ
4 اللسان "نشي", وعزى لأبي خراش الهذليين 3/1240== برواية:
فنشيت ريح الموت من تلقائهم ... وكرهت كل مهند قضاب

(1/134)


ويقال شَمِمتُ نَشْوةَ رَيحانٍ أي رائحته الطيّبة والنَّشوةُ من السّكْر أيضًا قَالَ الأصمعي سُئل أَعرابيٌّ عن أمير فَقَالَ يُطيل النِّشوة ويوطىء العِشْوَةَ ويَقْبَلُ الرِّشوة".
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [بْنِ شَابُورَةَ] 1 ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لأَبِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَكَانَ أَبُو الْحَارِثِ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ أَلا تَذْهَبُ بِنَا إِلَى الحَرَّةِ نَتَخَمَّرُ الرِّيحَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَارِثِ إِنَّمَا يَتَخَمَّرُ الْحَمِيرُ قَالَ فَنَسْتَنْشِي قَالَ إِنَّمَا تَسْتَنْشِي الْكِلابُ قَالَ فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ نَتَنَسَّمُ الرِّيحَ فَقَالَ لَهُ نَافِعٌ مَهْ مَهْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ أَلْصَقَتْكَ وَاللَّهِ عَبْدُ مَنَافٍ بِالدَّكَادِكِ ذَهَبَتْ عَلَيْهِمْ2 بَنُو هَاشِمٍ بِالنُّبُوَّةِ وَأُمَيَّةُ بِالْخِلافَةِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ لِنَافِعٍ يَا نَافِعُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا فَقَالَ نَافِعٌ مَا أَصْنَعُ بِمَنْ صَحَّ نَسَبُهُ وَمَذَقَ3 لِسَانُهُ.
وقوله: استنشرتُ إن كان محفوظًا فمعناه الاستنشار مأخوذٌ من انتشار الماء وقيل للحَسَن في الوضوء يُصيب الثّوبَ فَقَالَ وَيْلَك وهل يُمْلَك نَشَرُ الإناء أي ما يَنْتَضِح من مائِه ونُشْرَةُ المصاب مأخوذة من هذا وفَرق ما بين الاستنشار والاستنثار كفرق ما بين الاستنشاق والاستنثار وذلك أن الاستنشاق إنما هُوَ إدخال الماء إلى الأنف وإبلاغه الخيَاشيم من قولك نَشِق رائحة [40] / طيبٍ فتَنَشَّقها قال الشاعر:
__________
1 ليست في ت. وفي م: "شابور", والمثبت من س وح.
2 س:"عليكم".
3 الأساس "مذاق":مذاق لسانه: كذب

(1/135)


إذا ما أتاه الركب من نحوِ أرضِها ... تَنَشَّق يَسْتَشْفي برائحةِ الرّكْبِ
والاستِنْثار أن يَمْري الأنفَ يستَخْرج ما قد تنشقه من الماء وزعم بعضهُم أن الاستنثار مأخوذ من النَّثْرة وهي الأنْف فإذا قيل استَنْثِر كان معناه أدخل الماءَ نَثْرَتَه ويقال إن الاسِتنْشار مأخوذ من النَّشْر وهو الريح.

(1/136)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ وَأَمِيرُهُمُ1 الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَاهُمُ انْتَحَى لَهُ عَامِرُ بْنُ طُفَيْلٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَتَلَ الْمُنْذِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "أَعْنَقَ لِيَمُوتَ" قَالَ: وَتَخَلَّفَ مِنْهُمْ ثَلاثَةٌ فَهُمْ يَتْبَعُونَ السَّرِيَّةَ فَإِذَا الطَّيْرُ ترميهم بالعلف قَالُوا: قُتِلَ وَاللَّهِ أَصْحَابُنَا إِنَّا لَنَعْرِفُ مَا كَانُوا لِيَقْتُلُوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيْمٍ وَهُمُ النَّدِيُّ ... فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ2
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَوْلُهُ: انْتَحى لَهُ: أَيْ عَرَض لَهُ ومثله تَنَحَّى له.
قَالَ ذو الرُّمَّة [يصف ناقة:] 3
نهوضٌ بأُخْراها إذا ما انْتحَى لها ... من الأرض نَهاضُ الحَزَابيّ أغبر4
وقال أيضا:
__________
1 ت: "وأمرهم".
2 أخرجه البخاري بسياق آخر, انظر 5/134, 135. وابن هشام 3/103.
3 من ت
4 الديوان /228 برواية: إذا ما انبرى لها. والحزاني: ما غلظ من الأرض.

(1/136)


تَنَحَّى له عَمْروٌ فَشَكَّ ضلُوعَه ... بنافذةٍ نجلاءِ والخيلُ تَضْبِرُ1
وقوله: "أَعْنَقَ ليموت" 2 مثل يريد أن المَنِيَّةَ ساقته إلى مَصْرَعه والعَنَقُ ضرب من السَّير والعلَق الدَّمُ الجامَد قبل أن ييبْسَ والنَدى القوم المجتمعون ومثله النَّادي ويقال تَنَادَى القومُ إذا اجتمعوا في النادي وهو المجلس وناديتُ الرَّجُلَ إذا جالسته قَالَ الشاعر:
أَلا مَنْ مُبِلغُ الحجّاجِ أَنِّي ... أُنادِي القَومَ من أهلِ العراق
يريد أجالِسُهم في ناديهم وسمِّيت دارُ الندوة لأنهم كانوا يَنْدُون3 إليها إذا حَزَبهم أمرٌ فيتشاورون قَالَ الفَرَّاء العرب تَقولُ النّادي يشهدون عليك يَجعلَوُن النَّادِيَ والمَجلِسَ والمَشْهَدَ قَوْمَ الرّجل وأنشدّ:
لهم مَجلسٌ صُهْبُ السِّبالِ أَذِلَّةٌ ... سَواسِيَةٌ أَحرارُها وعَبِيدُها
وقال المُهَلْهل يرثي أخاه كُلَيْبًا:
ذهب الخِيَارُ من المعاشِرِ كُلِّهم ... واستَبَّ بعدَك يا كُلَيْب المَجْلِسُ4
وكان كُلَيب لِعِزِّهِ لا يُرفَع بَحَضْرتِه صَوتٌ ولا تُسْمَع في ناديه كلمةُ خَنى.
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ طَعَامًا فَدَعَاهُ وَدَعَا حَوَارِيَّهُ فأكلوا حتى شبعوا
__________
1 الديوان /231. وتضر: تثب
2 لم أقف عليه في كتب الأمثال.
3 يندون: يجتمعون
4 شعراء النصرانية 2/179 برواية "نبئت أن النار بعدك أوقدت" بدل الشطر الأول.

(1/137)


وَإِنَّ مَجْلِسَ بَنِي عَوْفٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ"1 يُرِيدُ جَمَاعَتَهُمْ [41] / ويقال حضر القاضي مَجْلِسَ بَنِي فُلان أي جماعتهم وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي يَصِفُ النُّوقَ:
فأَقْبَلْن إربابًا وأعرضْنَ هَيْبَةً ... صُدُودُ العَذارَى قابَلَتْها المجالِسُ
قَالَ: قلت لابن الأعرابيّ لِمَ يُعرِضْن ومن شَأْنِهِنَّ المُلاقَاة فَقَالَ لأنه أَعنِي الفَحْل إذا رآهن عذمهن أي عضهن.
__________
1 أخرجه الدارمي 1/22-24. في حديث طويل. وهو في الصحيحين بسياق آخر.

(1/138)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمْرَضُ مَرَضًا حَتَّى يُحْرِضَهُ إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ"1
[رَوَاهُ] 2 يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أبيه قوله: يحرضه معناه يدنفه والحَرِضُ الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى الْهَلاكِ
قَالَ الله تعالى: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ} 3 ومنه قيل للرَّجُل السَّاقط حارِضٌ قَالَ الأصمعي يقال رجل حارِضَةٌ وهو الأحمقُ وقال أبو عمرو حارِضٌ بلا هاء وقال العَرْجِيُّ:
إنّي امرؤٌ لجَّ بي حُبٌّ فأَحرضَنِي ... حتى بَلِيتُ وحتّى شَفَّنِي السَّقَمُ4
وقال امرؤ القيس:
أَرَى المَرءَ ذَا الأَذْوادِ يُصبِح مُحرَضًا ... كإحراضِ بَكْرٍ في الدِّيار مَرِيضِ5
__________
1 أخرجه أحمد 3/346, 386 منحديث جابر بنحوه دون كلمة "يحرصه".
2 من ت
3 سورة يوسف:85.
4 اللسان والتاج "حرض".
5 الديوان /77. وفي الشرح: يصبح محرضا: أي يصير المرء إلى الكبر والضعف بعد أن كان صاحب أذواد ومال.

(1/138)


ويقال: إن الحَرِضَ هُوَ الَّذِي لا يَتَّخِذ سِلاحًا ولا يُقاتل قَالَ الطِّرماح:
مَنْ يَرُمْ جمعَهم يجدهم مراجيـ ... ـح حُماةً لا العُزَّل الأَحْراض1
[أي ليسوا بالعُزَّل الأحراض] 2
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَمْرَضُ مُؤْمِنٌ إِلا حُطَّ هُدْبَةٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ" 3
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا قُتَيْبَةُ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِالْهُدْبَةِ القِطعة والطائِفَةَ مِنْهَا يُقَالُ: هدبتُ الشيءَ إِذَا قَطَعتَه وَمِنْهُ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ: "هاجَرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنيا لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أينَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا"4 وأرى هدبة الثوب من هذا أخذت.
__________
1 كذا في س, ط, ح. وفي الديوان /277 والصحاح واللسان "حرض" برواية: مراجيح حماة للعزل الأحراض"
2 من ت
3 أخرجه أحمد 3/346 من طريق ابن لهيعة بدون لفظ "هدبة"
4 أخرجه البخاري في كتاب الجنائز 2/98 وغيره. ومسلم 2/649 والنسائي 4/38 وغيرهم.

(1/139)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنْكَافُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ نا عُبَيْدُ
__________
1 الفائق "نكف" 4/23.

(1/139)


اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
قَوْلُهُ: إِنْكَافُ اللَّهِ مَعْنَاهُ التَّنْزِيهُ وَالتَّبْرِئَةُ لَهُ مِمَّا يُسْتَنْكَفُ مِنْهُ وحكى ابن السّكّيت عن أبي عَمْرو قَالَ نَكِفْتُ من الأمر نَكَفًا إذا استَنْكَفْتَ منه فإذا قلتَ في اللازم نَكفَ قيل في المتعدي أَنكَفَه أَي نَزَّهه عما يُسْتَنكَف منه ويقال تَنكَّفْتُ عن فلان بمعنى تَنَزَّهت قَالَ حاتمٌ الطائيُّ:
وذلك أَنَّي لا أعادي سَرَاتَهمُ ... ولا عن أَخي ضَرّائهم أتنكَّفُ1
[وقال الزجاج استنكف الرجلُ أي أنف أصلهُ مأخوذ من نكفتُ الدمعَ إذا نحيَّتَه بإصبعك عن خَدِّك] 2
وقولك سبحان الله معناه سَبَّحتُ اللهَ ونزَّهتُه عن كل عيْب فنُصِب عَلَى مذهب المصدر
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [42] / يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ"3
قوله يتأول القرآن يريد قوله عَزَّ وجَلَّ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} 4
وأخبرني الحسن بن خَلاد قَالَ سَأَلتُ الزَّجَّاجَ عن قَولِهم سبحانك اللهم
__________
1 الديوان /75.
2 من ت.
3 سنن أبي داود 1/233: "وسجود" بعد ركوعه.
4 سورة النصر:3

(1/140)


وبحمدك والعِلَّة في ظهور الواو فَقَالَ سألتُ أبا العباس محمد بن يزيد عما سألتني عنه فَقَالَ سألت أبا عثمان المازني عما سألتني عنه فَقَالَ المعنى سبّحتُك اللهُمَّ بجمِيع آلائِك وبحَمْدك سبَّحتُك قَالَ ومعنى سُبْحانَك سَبَّحتك.

(1/141)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا فِي وَجْهِهِ مُزْعَةٌ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ نا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ نا وُهَيْبٌ عَنِ النُّعْمَانِ2 بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أخبرني أبو عمر عن ثَعْلب قَالَ المُزْعَةُ النُّتْفَةُ من اللحم قال غيره يقال ما له جُزْعَة ولا مُزْعة فالجُزْعة ما بَقِيَ في الإناء والمُزْعَةُ القِطعَةُ من الشَّحم وأصله من قولك مَزعْتُ اللحمَ والشيءَ إذا قطعته. قَالَ مُتَمِّمُ بن نُوَيْرة:
بِمَثْنى الأَيادي ثُمَّ لم يُلْفِ مالِكًا ... عَلَى الفَرْثِ يحمي اللحمَ أن يتَمَزّعا3
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "أَنَّ رَجُلًا غَضِبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ أَنْفُهُ كَأَنَّهُ يَتَمَزَّعُ": أَيْ يَتَقَطَّعُ وَيَتَشَقَّقُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد فِي كِتَابِهِ ثُمَّ قال: يتمزع4
__________
1 ح: "مزعة لحم" أخرجه البخاري 2/153 والنسائي 94:5 وأحمد 15:2, 88
2 ح:"المعمر بن راشد". وفي التقريب 2/304: "النعمان بن راشد الجزري, أبو إسحاق الرقي, مولى بني أمية, صدوق سيء الحفظ, توفي بعد المائة" – وهو الذي روى عن عبد الله بن مسرلم, وروى عنه وهيب بن خالد
3 الجمهرة لابن دريد 3/8 برواية: "قاعدا" بدل "ماكا" والفضليات /267 برواية: "وإن شهد الأيسار لم يلف مالك".
4 غريب أبي عبيد 3/184

(1/141)


ليس بشيء إنما يترمع إي يَرْتَعِدُ ولَسْتُ أَدرِي لِمَ أنكرَ الصَّوابَ واختار غيرَه وإنما هُوَ يتَمَّزع كذلك رواه الأثبات.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ أَنْفَهُ يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ مِنَ الْغَضَبِ" فَقَالَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" 1
ومعنى الحديث الأَوَّل أنه يَأتي الله يومَ القيامة ذليلًا ساقِطَ القدر لا وَجْهَ له عند الله.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "فَيَلْقَى الله وما في وجهه لُحادَةٌ من لحم": أي قطعة من لحم وفي رواية أخرى "ووجهه عَظْم كُلُّه"
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَرْزَةَ نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي نا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ حَتَّى يُخْلَقَ وَجْهَهُ فَيَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ" 2
وهذا في الرجل يسأل عن غير حاجة إنما يقصد الاستكثار من المال ويريد الاستِئْثارَ به عَلَى الناس
فأمّا مَنْ سأل لِفاقَةٍ نزلت به أو جائحة أصابته فالمسألة مُبَاحَةٌ له إلى أن يستغني.
__________
1 سنن أبي داود 4/248 وأحمد 5/240.
2 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/96, وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير, وفيه محمد بن أبي ليلى, وفيه.

(1/142)


وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَخْبَارٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: "لا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ غُرْمٍ [43] / مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ" 1
فالفقر المُدقع هُوَ الفَقْر الشديد المُفْضِي به إلى الدَّقْعاءِ وهو التُّراب والدَّمُ الموجِع أن يتحمَّل الرجلُ الدِّيَةَ فيَسْعى فيها حتى يُؤَدِّيها إلى أولياء المقتول وبيان هذا في حديث قَبِيصَة بن مُخارق الهلالّي.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا هَارُونَ بْنُ رِئَابٍ قَالَ سَمِعْتُ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ يُحَدِّثُ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: "تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ "نُؤَدِّيهَا أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْكَ إِذَا قَدِمَتْ نَعَمُ الصَّدَقَةِ" ثُمَّ قَالَ "إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلا فِي ثَلاثٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثلاثة منذوي الْحِجَى أَنَّ بِهِ فَاقَةً وَحَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ [أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ] 2 وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُحْتٌ"3
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا فَقَالَ: "نَعَمْ يَسْأَلُ فِي الْفَتْقِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرَبَ أمسك" 4
__________
1 أخرجه أبو داود 2/121, والترمذي 2/34 وابن ماجه 2/741 وغيرهم.
2 من س, م, ط, وليست في ت.
3 أخرجه مسلم 2/722, وأبو داود 2/120, والنسائي 5/97 وغيرهم.
4 أخرجه أحمد 5/503, وعبد الرزاق 11/93 بلفظ الفتن بدل الفتق.

(1/143)


يريد بالفَتْق التَّشاجُرَ والاختلافَ بسبب الدّماء [وأصل الفتق الشَّقّ يريد شَقّ العصا وتفرّق الكلمة بعد اجتماعها] 1
فَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ نا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ نا شُعْبَةُ وَأَبُو عُوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ "الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا" 2 فَإِنَّ هَذَا فِي سُؤَالِ الْمَرْءِ حَقَّهَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يضع هذا الحديث موضعه ويرى أنه رُخْصة في تناول ما تَحْوِيه أيدي بَعضِ السلاطين من غَصْب أموال المسلمين ونعوذ بالله من الجهل.
__________
1 من ت وم.
2 أخرجه أبو داود 2/119 والنسائي 5/100 والترمذي 3/56.

(1/144)


[1وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُ فَأَشْرَفُوا عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَةٍ"2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ عن ربيعة ابن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْهُدَيْرِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
المَحْنِيَةُ مُنْحَنَى الوادي ومنعرجه حيث ينعطف قاله الأصمعي وغيرُه قَالَ الشاعر:
وَمَحْنِيَةٍ كسواد البجا ... د قد خُضْتُ بالليل عُقَّارَها
ومنه حِنْو الوَادِي وكُلُّ شيءٍ فيه اعْوِجاجٌ فهو حِنْوٌ والجمع الأَحْنَاء.
__________
1 سقط من نسخة ح من هنا نحو أربع صفحات من حجم الفولسكاب
2 أخرجه أبو داود 2/218 وأحمد 1/161 بلفظ: "خرجنا مع رسولا لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد فبور الشهداء حتى إذا أشرف على حرة واقم ... ".

(1/144)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَتْ نُبُوَّةَ رَحْمَةٍ ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةَ رَحْمَةٍ ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا يُمَلِّكُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ تَكُونُ بَزْبَزِيًّا قَطْعَ سَبِيلٍ وَسَفْكَ دِمَاءٍ وَأَخْذَ أَمْوَالٍ بِغَيْرِ حَقِّهَا" 1
يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ نا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ بِشْرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَذْكُرُ عن عمير بن هانىء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.
قَوْلُهُ: بَزْبَزِيًّا هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا الْمُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ فإن كان محفوظًا فهو من البَزْبَزة وهو الإسراع في السير والاستعجالُ فيه يُريد بذلك عَسْفَ الوُلاةِ وإِسراعَهم إلى الظلم قال الشاع:
وساقَها ثَمَّ سِيَاقًا بَزْبَزَا
وقال أبو عمرو الشيباني يقال رجل بزبز وبزابز أي شديد وقال بعضهم إنما هُوَ بِزِّيزَى عَلَى وَزْن فِعِّيلَى من قولهم: "من عز بز"2 أي غَلَب سَلَب.
وممَّا جاء عَلَى وزنه [من المصادر3] الخِلِّيفَى والرِّمِّيَّا ونظائرها.
__________
1 انظر مجمع الزوائد 5/189.
2 اللسان "بزز", المستقصي 2/357, مجمع الأمثال 2/307,جمهرة الأمثال 2/288, الفاخر /89 أمثال الضبي /53.
3 من م

(1/145)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي عليه السلام: أنه كان يمسح الماقيين1.
__________
1 أخرجه أبو داود 2/33 وابن ماجة 1/152 أحمد 5/267.

(1/145)


حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
الماقِيان: تثنية ماقٍ وهو طرف العين الَّذِي يلي الأنف وهو مَخرَج الدَّمْع فأما الطَّرَف الآخر فهو اللِّحاظ قَالَ الأصمعي: فيه لغات هُوَ المُؤْق ويجمع عَلَى آماق وبعض العرب يقول مأْقٌ كما ترى مهموز مرفوع آخره ويجمع أيضًا كالأَوّل قَالَ وبعض العرب تقول مُؤْقٍ كما ترى مهموزٌ مخفوضٌ ويجمع عَلَى مآقٍ1
قَالَ وبعض العرب يقول مَاقٍ غير مهموز والجمع مواقٍ مثل قاضٍ والجمع قَواضٍ وبهذه اللغة جاء الخبر قال أبو حية النُّمَيْرِيّ:
لَعيناكَ يوم البَيْن أسرعُ واكفا ... من الفنن الممطور وهو مروح
إذا قلت يفني ماؤها اليوم أصبحت ... غَدًا وهي رَيّا الماقِيَيْنِ نَضُوحُ2
وقال كُثَيِّر:
كأنه حين مار الماقيان به ... دُرُّ تَسَلْسَل من أسلاكه نسق
__________
1 ساقط من ت. وهو في س, م, ط.
2 شعر أبي حية النميري /128, 130.
3 الديوان /467

(1/146)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَنْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ فِي إِسْلامٍ دَامِجٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ".1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ نا الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّالَقَانِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّنْعَانِيُّ سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عباس
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير1/789, وعزاه إلى أمثال الرامهرمذي والطبراني والخطيب في المتفق والمفترق.

(1/146)


الدامِجُ: المجتمع المنتَظِم وأصل الدُّموج دخول الشّيء في الشيء يقال مَتْن مُدْمَجٌ ورجل مُدْمَجُ الخَلق إذا كان مجدول الخَلْق وكلام مُدْمَجٌ وخَطٌّ مُدْمَجٌ وهو المُداخَلُ قَالَ حُمَيْد الأرقط:
حتى اتَّقَوْا بالطَّاعةِ الدُّماجِ ... وتَركَ النَّاسَ عَلَى منْهاج
وقال ابنُ مَيَّادَة:
بِشَعْفٍ عَلَى حين المشيب يهِيجُه ... غِناءُ الحمامِ الدَّامجات الهواتِفِ
يريد الدَّاخِلات في أوكارهن.
وفيه وجه آخر وهو أن يقال وهُمْ في إسلامِ داجٍ أي تامٌّ وافٍ.
وفي كلام بَعضِ الفُصَحاء: كان ذَلِكَ منذ دَجَا الإسلام ومثله قولهم عيش داج ومنه قول الأعرابي وقيل له بأيّ شيء تَعرِف حَمْل شَاتِك فَقَالَ إذا استفاضَتْ خاصِرتَاهَا ودَجَت1 شعرتها.
__________
1 اللسان "دجا": دجا شعر الماعزة: ألبس وركب بعضه بعضا ولم ينتفش.

(1/147)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَبْرِقُوا فَإِنَّ دَمَ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مَهْرَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَتْنِي بِذَلِكَ مَوْلاتِي كَبِيرَةُ بِنْتُ سُفْيَانَ وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتِ الْجَاهِلِيَّةَ وَالإسْلامَ قوله: أَبرِقُوا معناه ضَحّوا بالبَرْقَاء وهي الشَّاة التي يَشُقُ صُوفَها الأبيضَ طاقاتٌ سُودٌ قَالَ رؤبة يصف الأسد:
__________
1 ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 4/18 بدون لفظ: "أبرقوا" وقال: وراه الطبراني في الكبير وفيه مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وهو ضعيف. وأخرجه أحمد 2/417 من حديث أبي هريرة.

(1/147)


دُبْسًا ونُمْرًا في شَمِيط أبرقَا1
ويقال للمكان الَّذِي يخالط تربتَه حجارةً أبرق وبُرقَةٌ والعَفْراءُ التي يضرب لونُها إلى البياض أُخِذت من عُفْرةِ الأرض وهي لَونُها الأغَبر ومنه قيل للظِّباء العُفْر ولولد البقرة اليَعْفُور يقال أَعْفَر ويَعْفُور وأَخْضَر ويَخْضُور ورُوي هذا الخبر عن أبي هُريرة فَقَالَ: "دمُ بيضاءَ أحبُّ إلى الله من دم سوداوين".
__________
1 الديوان /113.

(1/148)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى المهاجر بن أبو أُمَيَّةَ أَنَّ وَائِلا يُسْتَسْعَى وَيَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْوَالِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَكِتَابًا آخَرَ لأَقْوَالِ شَبْوَةَ1 بِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مُلْكٍ وَعُمْرَانٍ وَمَزاهِرَ وَعُرمَانَ وَمِلْحٍ وَمَحْجِرٍ2 وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ بِحَضْرمَوْتَ أَعْلاهَا وَأَسْفَلِهَا3 مِنَ الْجِوَارِ وَالذَّمَّةِ اللَّهُ لَهُمْ جَارٌ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْصَارٌ إِنْ كُنَّا4 صَادِقِينَ وَكِتَابًا آخَرَ إِلَى الأَقْوَالِ الْعَبَاهِلَةِ لا شِغَارَ وَلا وِرَاطَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ السَّرَايَا مَا يَحْمِلُ القراب من التمر"5
__________
1 ح: شنوه "تصحف".
2 ساقط من ح.
3 ح: "وأوسطها".
4 س: "إن كانوا". والمثبت من ت, م, ح.
5 الفائق "أبو" 1/14 وجاء فيه: الأقوال: جمع قيل, وأصله قيل فيعل من القول, فحذفت عينه واشتقاقه من القول كأنه الذي له قول: أي ينفذ قوله. والعباهلة الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه. والشغار: أن يشاغر الرجل الرجل, وهو أن يزوجه أخته على أن يتزوجه هو أخته ولا مهر إلا هذا, والورطة, وهي خداع المصدق, بأن يكون له أربعون شاة, فيعطى صاحبه نصفها لئلا يأخذ المصدق شيئا, مأخوذ من الورطة, وهي في الأصل الهوة الغامضة, فجعلت مثلا لكل خطة وإبطاء عشوة, وقيل: هو أن يزعم عند رجل صدقة وليست عنده فيورطه.

(1/148)


هذا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ عَمِّهِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ1 حدَّثَنِيه غَيُر وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ ... الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
قوله: يُسْتَسْعَى: أي يُوَلَّى أَمرَ الصدقات ويقال للمصدِّق السَّاعِي قَالَ الشاعر:
يا أيها السَّاعي عَلَى غَيْر قَدم
وقوله: يترفَّل معناه يتَرأسُ قَالَ ذو الرُّمَّة:
إذا نَحن رفَّلْنَا امرأ ساد قَومَه ... وإن لم يكن من قبل ذَلِكَ يُذْكَرُ2
ويروى رَقَّلنا بالقاف.
واختلفوا في تفسير هذه الأسماء فَقَالَ لي كُعَيْدنَةُ بن مِرْفَد رجل من أهل اليمن إنها بلاد من حَضْرمَوْت أَقطَعَها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّاهم وقال لي: أنا أَعرِف مَحْجِر وهي قَريةٌ معروفة فيها وقال لي غيرهُ من أهل حَضْرموت بل هُوَ المَحْجِنُ
والاحِتجانُ الاحتِظار3 للشَّيء وقال أبو عَمْرو هُوَ المَحْجِر وهو الحديقة والمحاجِرُ الحدائِقُ وأَنْشَد للبِيدٍ:
بَكَرتْ به جَرَشِيَّةٌ مَقْطُورَة ... تُروي المحاجِرَ بازِلٌ عُلْكُومُ4
قَالَ ومحاجِرُ النخل: خظائر تتخذ حولها5
__________
1 ساقط من ت, والمثبت من م
2 اللسان "رفل" والديوان /238 برواية: "إذا نحن سودنا.." والفائق "أبو" /1/14
3 م: "الاحتضار".
4 ساقط من ط. والبيت في شرح الديوان /122
5 ساقط من ح.

(1/149)


فأما المَحْجَر -بفتح الجيم- فهو المُحَرَّم1 من الحَجْر قَالَ حُمَيْد بن ثور:
فهمت أن أَغْشَى إليها مَحْجَرًا ... ولَمِثْلُها يُغْشَى إليها المَحْجَرُ2
قَالَ الحَضْرميّ فأَما العُرمان فإنه يريد المزَارِع قَالَ والعَرِيمُ ما يُرفَع حول الدَّبْرة ويجمع عَلَى العُرمان قَالَ والعُرْمَةُ أيضًا الكَدِيسُ وهو حَصِيد الزرع إذا دُقَّ قبل أن يُذَرَّى يقال نصب فلان عُرْمَتَه وهو أن يجمَعَها فيجعلها هَدَفًا3 لوَجْه الريح
وأَمَّا العَرمَةُ فهي المُسَنَّاةُ قاله أبو عُبَيْدةَ قَالَ ويُجمَع عَلَى العَرِم ومنه قوله تَعالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} 4 وأَنشد لأَبي سُفيان بن الحارِث:
فمزقهم ربهم في البلا ... د وغَرَّق فيها الزُروع العَرِمْ
قَالَ والمزَاهِر الرِّياض وسُمِّيت مَزِاهر لأنها تجمع أصنافَ الزَّهْر والنّبات يقال روضة مُزهِرةٌ إذا خرج أزاهيرُها وجمعها مَزاهِرُ ويقال أزْهَارَّ النَّبتُ قَالَ كُثَيِّر:
سَقَى مُطْفِئاتُ المَحْل جَوْدًا ودِيَمةً ... عِظامَ ابنِ ليلى حيث كان رَمِيمُها
فأمرعَ منها كل وادٍ وتَلْعَةٍ ... سوائِلُ خُضْرٌ مزهئر عميمها5
__________
1 م: "المحرم" على وزن مفعل كمقعد.
2 الديوان /84, واللسان "حجر", والكامل /414.
3 كذا في, س, ح. وفي هامش س, م, ت: "هدما".
4 سورة سبأ: 16
5 لم أقف عليهما في ديوانه ط دار الثقافة ببيروت. وفي الديوان قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذان البيتان.

(1/150)


يريد مُزْهارُّ فهَمَز لئَلا يَلْتَقِي السَّاكِنان وكان الأعَمْش يَقْرأ: {مُدْهَامَّتَانِ} 1 وقرأ أَيُّوب السِّخْتِياني ولا الضَّألِّين أنشدني أبو عُمَر عن ثَعْلب:
يا قومِ إني قَدْ رأيتُ عَجَبَا ... حِمارَ قَبّان يسُوقُ أرنَبَا
خاطِمَها زَأَمَّها أن تَهْرُبا2
يريد زَامَّها من الزِمّام فهَمَز لئَلا يَلتَقِي السَّاكِنانِ.
والعَباهِلُ المُلوكُ وقد فَسَّره أبو عُبَيْد3 وفَسَّر قولَه: "لا شِغَارَ ولا وَرَاطَ"4
وأما قوله: ما يَحمِل القِرابُ من التَّمر فإن الرِّواية هكذا جاءَتْ بالباء ولا موضع للقراب هاهنا
إنما القِرابُ قِرابُ السَّيفِ وأَرَاهُ القِرافَ بالفاء جمع قَرْف وقد يجمع أيضًا عَلَى القُروف وهي أوعية من جلود يُحمَل فيها الزَّادُ للأَسفار قَالَ الشاعِرُ: هُوَ مُعقِّر بن حمِار البارِقيّ5
وذَبيانِيَّةٍ وصَّت بنيها ... بأن كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
والمعنى أنَّ عليهم أن يُزَوِّدوا السَّرِيَّةَ إذا مرّت بهم لكل عشرة منهم ما يُحمَل في مِزْوَدٍ.
__________
1 سورة الرحمن: 64.
2 اللسان "زمم" و "قبن" برواية: "أن تذهبان" بدل: "أن تهربا".
3 انظر كتابه 1/212.
4 كتابه 3/128.
5 من ح, والبيت في التاج "قرطف" وعزاه لمعقرالبارقي. واقتصر اللسان على الشطرالثاني, ولم يعزه.

(1/151)


وقوله: إلى المهاجر بن أبُو أُميَّة فقد كان حَقُّه في الإعراب أن يُقالَ ابنُ أَبِي أُمَيَّة لأنه مضاف إلى أبيه ولكن لاشتهاره تُرِك عَلَى حالِه كما قيلَ علي بن أبي طالب.
وأخبرنا ابن الأَعرابي نا العَبَّاس الدُّوريّ نا يَحْيَى بن مَعين1 قَالَ كان إسماعيل بن أبي خالد يقول حدثنا قيس بن أبو حازم.
__________
1 سقط من ح من هنا نحو أربع صفحات من حجم الفلوسكاب.

(1/152)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ الَّتِي حَكَاهَا عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ رَكِبَ الْبَحْرَ وَأَنَّهُ رَآهُ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ مُكَبَّلا بِالْحَدِيدِ بِأَزْوِرَةٍ وَرَأَى دَابَّةً يُوارِيهَا شَعْرُهَا فَقَالُوا مَا أَنْتِ قَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ1..فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ أَبُو الْمُنْذِرِ نا قُرَّةُ2 بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أبو عَمْرو: واحد الأزْوِرَة زِوارٌ وهو حبل يُجعَل بين التَّصدير والحقَب ويُدعَى ذَلِكَ الحبل أيضًا الشِّكال.
يقال شكلت عن البعير وهو أن تَجْعَل بين الحقَب والتَّصْدِير خَيْطًا ثُمَّ تَشُدَّه لكيلا يدنو الحَقَبُ من الثِّيل والمعنى أنه رآه وقد جُمِعت يَداه3 إلى صدره فشدت هناك.
__________
1 أخرجه مسلم 4/2261 وأبو داود 4/118 وابن ماجه 2/1354 وأحمد 6/373, 374, 413, 417, 418 وغيرهم.
2 ط: "قروة بن خالد" وفي التقريب 2/125: قروة بن خالد السدوسي البصري, ثقة ضايط "ت: 155 هـ"
3 س, ط: "يده".

(1/152)


والزِّيارُ أيضًا كاللَّبَبِ للدَّابَّة والشَّيءُ الَّذِي يَشُدّ به البَيْطارُ جَحْفَلَةَ الدَّابَّةِ إذا أراد بَزْغَها يُسَمَّى أيضًا زِيارًا ويقال إن هذه الدَّابَّةَ إنما تُدعَى الجَسَّاسة لأَنَّها تُجَسِّسُ الأَخبارَ للدَّجّال أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ ثنا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن تَمِيمًا الدَّارِيَّ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ رَكِبَ الْبَحْرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ:
قَالَ ورأى الجَسَّاسة دابَّةً أَهدبَ القِبالِ يريد كَثْرَة الشَّعَر في قِبالها وهو النَّاصيَةُ والعُرْفُ ونحوُه ونحو ذَلِكَ من مُقَدَّمها وقُبالُ الشَّيءِ وقُبْلُه ما استَقْبَلك منه ومنه قِبال النَّعْل وهو زِمامُها ورُوِيَ عن عَبْد الله بن عمر أنه قَالَ الدَّابةُ الهَلباءُ التي كلمت تميمًا هي دابَّةُ الأرض التي تُكلّمُ الناسَ1 وفي رواية أخرى أنَّه قَالَ لهم أخبِروني عن نَخْل بَيْسَان هل أَطْعَمَ قَالُوا نَعَم قَالَ فأَخبِروني عن حَمَّةِ زُغَر هل فيها مَاءٌ قالوا نعم تتدفق جنبتاها.
قوله: أَطْعَم معناه أَثْمَر ما يُطْعَم والحَمَّةُ العَيْن وهي حَمَّة زغر معروفة.
__________
1 ساقط من ت, وهو في س, م, ط.

(1/153)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا أَحْبَنَ أَصَابَ امْرَأَةً فَسُئِلَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ بِأُثْكُولِ النَّخْلِ"1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ أنا سُفْيَانُ عن يحيى بن سعيد
__________
1 أخرجه الشافعي في مسنده: انظر بدائع المنن 2/288.

(1/153)


وَأَبِي الزِّنَادِ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ أَحَدُهُمَا أَحْبَنٌ وَالآخَرُ مُقْعَدٌ وَقَالَ أَحَدُهُمَا أُثْكُولٌ وَقَالَ الآخَرُ إِثْكَالٌ.
الحَبَنُ: نُتوءُ البَطْن وانْدحاقُه لمرض والأَحْبَن الَّذِي به دَاءُ السَّقْي قَالَ رؤبة:
فَباتَ ذُو الدَّاءِ انتفاخَ الكوْدَنِ ... يَحْكِي من الغَيْظِ زفِيرَ الأَحْبن1
ويقال إنما سُمِّيت أُمّ حُبَيْن لنُتُوء بطنها.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا الأَصْمَعِيُّ أَنَّ رَجُلا تَجَشَّأَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ دَعَوْتَ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ أَحَدًا فَقَالَ لا قَالَ فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَبَنًا وَقُدَادًا.
قَالَ الأصمعي: القُدادُ وجع في البطن قال أبو عمرو العلوص والعِلَّوْزُ جميعًا الوجَع الَّذِي يقال له اللَّوَى. يقال من ذَلِكَ اعْلَوَّصَ واعْلَوَّزَ إذا اعْتَراه ذَلِكَ.
والأُثْكُول والإثْكَالُ لغتان في العِثْكال والعثكول وهو الشمراخ من شماريخ العذق قَالَ الشاعر:
طَوِيلَةُ الأَقْناءِ والأَثَاكِل2
ويقال: العِثْكالُ: الإهانُ ما دام رَطْبًا فإذا يَبِس فهو العُرجُون والعَيْن قد تُبَدل همزةً لقرب مخارجهما وكذلك الهَمْزَةُ تُبدَل عَيْنًا كقول الشاعر:
__________
1 الديوان /164.
2 اللسان "ثكل".

(1/154)


فَما أُبالي إذا ما كُنتِ جارَتنا ... عَلا يُجاوِرَنا إلاكِ دَيَّارُ1
يريد أَلا.
وقال آخر:
ألم تَعْلَمي عَلا يَرُدّ مَنِيَّتي ... قُعُودِي ولا يُدِني المماتَ رَحِيلي
- وفي الحديث من الفقه أَنَّ المريضَ إذا وجب عليه الحدُّ وكان مَرَضُه ممَّا لا يُرجَى له بُرْء أُقِيم عليه الحَدُّ بالضَّرب الخَفِيف بالإثْكالِ ونحوِه وإن كان مما يُرجَى بُرؤُه انْتُظِر به حتى يَبْرأ فيُقام عليه الحَدَّ بالضَّرب الموجِعِ وكذلك إن كان في البَردِ الشديد والحَرِّ المُفرِط اللَّذين يُخافُ معهما التَّلَفُ وأمّا إذا وجب عليه الرَّجْم فلا نَظِرةَ في أمره لأنه إنما يُرادُ به التَّلفُ فلا وجه للاستِينَاءِ به والله أعلم
__________
1 الخصائص 1/307, 2/195 وخزنة الأدب للبغدادي 2/405

(1/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ " 1
هذا حديث مشهور وتفسيره عَلَى وجوه منها أَنَّ مَنْ بَذَلَ مَعْرُوفَه في الدنيا أناله الله معروفه في الآخرة. ومنها أن يُرادَ بالمعروف خصوصًا الشَّفاعة في المذنبين وذَوِي الزَّلات التي لا تَبلُغ الحدودَ يَقول مَنْ تَشَفَّع2 للنَاس في الدنيا شَفّعه الله في المُذنِبِين في الآخرة فيكون وَجِيهًا عند الله كما كان وَجِيهًا عند خلقه. وقد رُوي هذا الوجه عن بعض السَّلَفِ
__________
1 ذكر العجلوني في كشف الخفاء 1/262 وقال: رواه الطبراني عن سلمان, وأبو نعيم عن أبي هريرة.
2 س, ط: "يشفع".

(1/155)


وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اشْفَعُوا إِلَيَّ فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ" 1
وفيه وجه آخر ذكره أبو العباس ثعلب قَالَ سألتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ يُروَى عن الشّعْبِيّ أنه قَالَ يأتي أصحابُ المعروف في الدنيا يومَ القيامة فيُغْفَرُ لهم بمعروفهم وتبقى حَسناتُهم جامَّة فَيُعْطُونها لَمنْ زَادَت سَيِّئاتُه عَلَى حَسَناتِه فيغْفُر له ربُّه عَزَّ وجَلَّ.
والمعروف كل ما تعرفه النفوس وتسحسنه العُقولُ من مكارم الأخلاق ومحاسِن الشِّيَم وهي التي كانت لم تَزَل مُسْتَحْسَنَةً في كل زَمان وعند أهل كل مِلَّة فلا تَزال كذلك لا يَجرِي عليها النَّسْخ ولا يجوز فيها التَّبْديل وإلى هذا أشار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: "إنَّ مِمَّا بَقِيَ من كلام النُّبُوَّةِ الأُولَى إذا لم تَسْتَحْيِ فاصنع ما شئت" 2 يُرِيد أن الحياءَ لم يَزَلْ مُسْتَحْسَنًا في شرائع الأنبياء الأَوّلين وأنه لم يرفع ولم يُنْسَخْ في جملة ما نُسِخَ من شرائعهم
وقوله: فاصْنَع ما شئتَ فيه وجهان أحدهما أن يكون معناه إخبارًا كأَنَّه قَالَ إذا لم تَسْتَحْيِ صَنَعْت ما شئْت أي أَتيتَ ما يَقْبُح ولم تَسْتَحْي ولم تُبال به وإلى هذا أو نحوه أشار أبو عُبَيد3
ووجه آخر وهو أَنْ يكون معناه اصنع ما شئت من أمرٍ لا يُسْتَحْيَا منه أي ما يُسْتَحْيَا منه4 فلا تَفعلْه
وفيه وجه ثالث قَالَه أبو العباس ثعلب وهو أن يكون معناه الوعيد كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} 5 وَمِنَ الْمَعْرُوفِ حَدِيثُ أَبِي تَمِيمَةَ
__________
1 أخرجه البخاري 2/134, ومسلم 4/2026, وأبو داود 4/334 وغيرهم.
2 أخرجه البخاري 4/215, وأبو داود 4/252, وابن ماجه 2/1400
3 عريب الحديث 3/31
4 ح: "لا يستحيا به: أي ما بستحيا منه فلا تفعله".
5 من م, ت. والآية من سورة فصلت: 40

(1/156)


الْهُجَيْمِيِّ1 حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا الدُّورِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَوْصِنِي فَقَالَ: "أُوصِيكَ أَنْ لَا تَسُبَّ النَّاسَ وَلَا تَزْهَدْ2 فِي مَعْرُوفٍ وَإِنِ اسْتَسْقَاكَ أَخُوكَ مِنْ دَلْوِكَ فَصُبَّ لَهُ وَالْقَهْ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ" 3
وفي غير هذه الرواية من طَرِيقِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَعْرُوفِ فَقَالَ: "لا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَلَوْ بِشِسْعِ النَّعْلِ وَلَوْ أَنْ تُعْطِي الْحَبْلَ وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الْوَحْشَانَ" 4 قوله: تُؤْنِسُ الوَحْشَان فيه وجهان: أحدهما أن تَلْقَاهُ بما يُؤنِسه من القَوْلِ الجميل وإنما هُوَ فَعْلان من الوَحْشَةِ يقال رجل وَحْشَان من قوم وَحَاشَي والوجه الآخر أنه أُرِيد به المنقطع بأرضِ الفَلاة المستوحِش بها تَحْمِلهُ فتُبَلِّغُه المكانَ الآنِسَ الآهِل والأول أَشْبَه.
__________
1 ح: "الهجمي". وفي التقريب 2/403: أبو تميمة, بزيادة هاء, الجيمي, بجيم مصغرا, اسمه طريف بن مجالد.
2 ت: "ولا تزهدن".
3 أخرجه أحمد في مسنده 4/65, 5/64, 377. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/28 بنحوه.
4 أخرجه أحمد 3483.

(1/157)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ وَثَوْبٍ حَبِرَةٍ"1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بن محمد عن أبيه.
__________
1 مصنف عبد الرزاق 3/421.

(1/157)


الصُّحْرَةُ حُمْرةٌ خَفِيَّةٌ كالغُبْرة يقال ثَوبٌ أَصحَرُ وصُحَارِيّ ومُلاءَةٌ صَحْراءُ وصُحارِيَّة وقال بعض أهل اللغة الأصحَرُ ما كان لونُه لونَ الصَّحراء من الأرض قَالَ الأصمعي الأصْحَرُ قريب من الأصهب ويقال إِنَّ الصُّحارِيَّ مَنْسوبٌ إلى صُحار وهي قرية باليمن
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْقَاسِمُ بْنُ نَصْرٍ الْمُخَرَّمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ وَبُرْدٍ نَجْرَانِيِّ1
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ وَقَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ2.. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ3 وهي المقصورة من قولك سَحَلْتُ الشيءَ بالمِسْحَل كما تقول بردتُه بالمِبْرَدِ ويقال سَحُولٌ موضع باليمن نُسِبت إليه الثَّياب وهذا أصح الأخبار لأنها أعلم بباطن أمرِه إذا كان قد حُجِب عنه الناسُ ووِليَه نِساؤه وأَهلُ بيتِه وقد مات في بيت عائِشَة وفي حِجْرها ودُفِن في حُجْرتها لم يَخْف عليها شيءٌ من أمره ويشبه أن يكون -والله أعلم- لَمَّا مات سُجِّيَ ببُردٍ فَمَن رآه مُسَجًّى به ظَنَّ أنه قد كُفَّن فيه.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَتَى الْبَيْتَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ النبي صلى
__________
1 ذكره الهيمي في مجمع الزوائد 3/23 وقال: رواه البزار, ورجاله رجال الصحيح.
2 أخرجه أبو داود 3/199, ابن ماجه 1/472 بنحوهم.
3 أخرجه البخاري 2/97 ومسلم 2/649, 650 والنسائي 4/25 وغيرهم.

(1/158)


اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ1 وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ مَا رَفَعَ الإِشْكَالَ فِي هَذَا الْبَابِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الأَوْزَاعِيُّ نا الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِّرَ عَنْهُ"2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 3/596.
2 سنن أبي داود 3/198, ومسلم 2/650 بنحوه.

(1/159)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ شَكَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ السُّرِّيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قوله: أهلُ البَحْرة يُريد أهلَ المدينة قَالَ الأُمويّ البَحْرةُ الأرضُ والبَلْدَةُ يقال هذه بَحْرَتُنَا أي بَلدَتُنا وقال ابنُ ميّادَةَ:
ورَبْعٍ مُحِيلٍ تَلعبُ الريحُ فوقَه ... قديمًا عَهِدْنا أَهلَه منذ أَعْصُرِ
كأنَّ بَقَاياه بِبَحْرة مالكٍ ... بَقيَّةُ سَحْقٍ من رِداءٍ مُحَبَّرِ
وقوله: يُعَصِّبوه أي يسوِّدوه والسَّيِّد المُطاع يقال له المُعَصَّب لأنه
__________
1 أخرجه البخاري في الأدب, باب كنية المشرك 8/56-57, وأخرجه مسلم في الجهاد 3/1422.

(1/159)


تُعَصَّبُ الأُمورُ برأسه والتاجُ عندهم للمَلِك والعِصَابةُ للسَّيّدِ المُطاع في قومه وقد جَمَعَهما هَوذَةُ بنُ عليٍّ الحَنَفِيّ فَقَالَ الأعشى يَذْكُرُه:
مَنْ يَرَ هَوْذَةَ يَسجُدْ غير مُمْتَنعٍ ... إذا تعصّب فوق التَّاج أو وضعا1
ويقال: لم يكن في مَعَدٍّ مُتوَّج غيرُه ويقال للرئيس أيضًا المُعَمَّم قَالَ الشاعر:
رأيتك هريت العِمامةَ بعدما ... رأيتُك حينًا حاسِرًا لم تُعَصَّب2
ويقال: إنما سُمِّي الرئيسُ مُعَمَّما عَلَى مثل ما ذكرتُ من مَذْهَبهم في تَسْمِيَته معَصَّبًا ويقال بل سُمِّي مُعَمَّمًا لأنه كان يعتَمُّ بعمامةٍ يُعرَف بها وكان أبو أُحَيْحَة سَعيدُ بن العاص إذا اعتَمَّ لم يعتَمَّ قُرشيٌّ إعظامًا له
وأنشدني بعضُ أهل الأدب قَالَ أنشدنا ابن الأنباري عن أبي العباس ثعلب:
إذا المرءُ أَثْرى ثُمَّ قَالَ لقومه ... أنا السَّيِّد المُفْضَى إليه المُعَمَّمُ
ولم يُعطِهم مَالًا أَبوا أن يسُودَهم ... وهان عليهم فَقْدُه وهو أظْلمُ
وقوله: شَرِق بذلك أي غَصَّ به ويقال: غَصَّ الرجلُ بالطعام وشَرِق بالماء وشَجِي بالعَظْم قَالَ الشاعر:
يحِكي سُعالَ الشَّرِقِ الأَبَحِّ
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: "أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الصبح
__________
1 الديوان /108 برواية: "من يلق هوذة يسجد غير متئب".
2 اللسان "عمم, عصب" والبيت للمخبل في الزبرقان.

(1/160)


بِمَكَّةَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ1 فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى وَأُمِّهِ أَخَذَتْهُ شَرِقَةٌ فَرَكَعَ"2 يُرِيدُ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَعِييَ بِالْقِرَاءَةِ
ومن هذا أيضًا حديثه الَّذِي يُروَى في تأخير الصلاة إلى شَرَق الموتى قَالَ ابن الأعرابي هُوَ من شَرَقِ المَيِّت بِرِيقه عند خروج نِفْسِه فَشَبَّه ما بَقِيَ من الوَقْت بما بقي من حياة الشَّرِق بروحه قَالَ غيره شَرِقَت نَفسُ الميِّت إذا زهَقَت وشَرِقَت الشَّمس إذا غابت وشَرِقت إذا بَدت وأشرقت إذا أضاءت
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ نَحْمَةً مِنْ نُعَيْمٍ" 3
قَالَ ابن أبي خَيْثَمَةَ قَالَ مصعب بن عَبْد الله الزُّبَيْرِيّ فسُمِّي النَّحَّام فإن النَّحْمَةَ والنَّحِيمَ صوتٌ من الجَوْفِ قَالَ رؤبة:
بَيَّض عَيْنَيْه الْعَمَى المُعَمِّي ... من نَحَمان السيِّد النِّحَم4
وقال آخر:
ما لك لا تَنْحَمّ يا رَواحهْ ... إن النحيم للسقاة راحة5
__________
1 م, ط: "المؤمن".
2 أخرجه مسلم في المساجد 1/378, 379 في طويل رقمه"26".
3 أخرجه ابن ماجه 1/269 والبخاري 1/186 ومسلم 1/326 وغيرهما بسياق آخر.
4 ت, م: "من نحمان الحسد النجم" وهو في الديوان /143.
5 من م, ت. والرجز في الأساس واللسان وتهذيب اللغة "نجم"

(1/161)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالْبُرَاقِ فَقَالَ ارْكَبْ يَا مُحَمَّدُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ لأَرْكَبَ فَأَنْكَرَنِي فَتَحَيَّا مِنِّي" 1
__________
1 الفائق "حيا" 1/341 والنهاية "حيا" 1/472.

(1/161)


حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ نا يُونُسَ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ1 عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قوله: تَحَيَّا مِنّي إنما هُوَ تَحوَّى منّي أبدل الواوَ ياءً والتَّحَوِّي: أن يَلْتَوِيَ ويَسْتَدِير2 ويقال إنما سُمِّيت الحَيَّةُ لتحوِّيها يقال حَوِيت الحَيَّةُ تَحْوَى إذا استدارت ويقال بل سُمِّيَتْ حَيَّةً لِطُولِ حَياتِها وهي فيما يقال طَوِيلَةُ الحياةِ ويقال إنها من أطول الحيوان ذماء.
__________
1 أبو داود في الطهارة, باب الغسل من الجنابة 1/63 ومسلم في الحبض, باب صفة غسل الجنابة 1/255 وغيرهما.

(1/162)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلابِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ
الحِلابُ إناءٌ يَسَعُ حَلْبَةَ ناقةٍ وهو المِحْلب بكسر الميم فأما المَحْلَب بفتح الميم فهو الحَبُّ الطيب الرِّيح قَالَ الشّاعر:
وقَبرٍ تجاوزْتُ نَكْراءَه ... صُدودَ الهِزَبْرِ عن الثَّعلب
ولو شِئتُ بالرِّيح أَذْرَيتُه ... كطَحْن الرَّحا حَبَّةَ المحلب
__________
1 أبو داود في الطهارة, باب الغسل من الجنابة 1/63 ومسلم في الحبض, باب صفة غسل الجنابة 1/255 وغيرهما.

(1/162)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى صَلاةً فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي يَقْطَعُ الصَّلاةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ" 1
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ نا شَبَابَةُ نا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ: ذَعَتُّهُ يُرِيدُ خَنَقْتُهُ أخبرني أبو عمر أنا ثعلب قَالَ: يقال: ذَعَتُّه وسَأَتُّه وسأَبتُه بمعنى خَنَقْتُه وأنشدنا:
ولا تزالُ بَكْرَةٌ تَغَّارَه ... يَسْأَبُها بحَبْلهِ عُمَارَه
قَالَ: وأخبرنا أبو العباس عن عُمَرَ بن شَبَّةَ عن الأصمعيّ قَالَ كان عندنا رجلٌ يَشْتُم أبا بكر وعُمَر فرأى في المنام عمرَ بن الخطاب فَذَعَتَه عُمرُ ذَعْتَةً فأَصْبَح الرجلُ وقد لَوَّثَ فِراشَه وجاءنا تائِبًا
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْمَرْوَزِيُّ نا عَلِيكٌ2 الرَّازِيُّ نا الْهَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُمَيْعٍ سَمِعْتُ الْوَضِينَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ مَرَّ رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَخْنُقُ أَبَاهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَأَرَادَ أن يُخَلِّصَهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ لا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا يَذْغَتُ أَبَاهُ فِي أَصْلِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ هكذا قَالَ المَرْوَزيُّ يذغت بالغين المعجمة وهو غلط والصواب يذعت من الأول
__________
1 أخرجه البخاري 2/81, ومسلم 1/384.
2 في المشتبه 2/469: علي بن سعيد الرازي يعرف بعليك, والكاف في لغة العجم هي حرف التصغير. وبعض الحفاظ قيده باختلاس كسرة اللام وفتح الياء وخفف. قال ابن نقطة: وهذا عندي أصح, ليس في كتاب الأمير ابن ماكولا تشديد الياء بل أهمل ذلك. وقد ضبطه المؤتمن الساجي بسكون اللام وفتح الياء.

(1/163)


والذَّعْتُ أيضًا أن تُمَعِّكَ الرجلَ في التُّرابِ فأما الذَّعْطُ فهو الذَّبْحُ الوَحِيُّ يقال ذَعَطَه وسَحَطَه إذا ذَبَحه قَالَ الهُذَلِيُّ:
إذا وَرَدُوا مِصْرَهَم عُجِّلُوا ... من الموت بالهِمْيَعِ الذَّاعطِ1
والهِمْيَع: الموتُ المُعَجَّل ويقال: الهِمْيَغُ بالغين أيضًا
وفي الحديث من الفِقْه أن العَملَ اليَسِير لا يقطع الصَّلاةَ وفيه إباحة دَفْع مَنْ يَمُرّ بين يديك في الصلاة وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَقَاتِلْه فإنه شيْطان" 2. يريد أن الشَّيطانَ يَحْمِله عَلَى ذَلِكَ وفي بعض الأخبار: "فقاتِلْه فإِنَّ مَعَه القَرِينَ" 3
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامُ4 بْنُ الْغَازِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ"5
قَوْلُهُ: يُدَارِئُهَا: أَرَادَ يُدَافِعُهَا مِنَ الدَّرْءِ مَهْمُوزًا وَلَيْسَ مِنَ الْمُدَارَاةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَة فِي الأُمُورِ وَالْبَهْمَةُ: السَّخْلَةُ وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعةَ تُوضَع من الضَّأْنِ
__________
1 شرح أشعار الهذليين 3/1290 وهو لأسامة بن الحارثة الهذلي.
2 أخرجه مسلم وغيره. صحيح مسلم 1/362.
3 أخرجه مسلم وغيره أيضا. صحيح مسلم 1/363.
4 م: "هيثم" وفي التقريب 2/320: هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة الدمشقي مات سنة مائة وبضع وخمسين.
5 كذا في هامش س, وقال: هو الصواب. وفي بقية النسخ: بطنها بالجدار. والحديث في سنن أبي داود 1/188 وأحمد 2/196.

(1/164)


والمَعِز ذكرا كان أم أنْثَى سَخْلة وجمعه سِخَالٌ ثُمَّ هي البَهْمَةُ للذكر والأنثى وَجَمعُها بَهْم.

(1/165)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ جَارِيَتَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَاءَتَا تَشْتَدَّانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَأَخَذَتَا بِرُكْبَتَيْهِ فَفَرَعَ بَيْنَهُمَا"1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ نا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ صُهَيْبٍ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَوْلُهُ: فَرَعَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا يقال فرعْتُ بين القوم إذا حَجزتَ بينهم وفرعْتُ الفرسَ إذا قَدَعْتَه باللِّجَام ويقال أَفرعتُه بالألف وفَرعْت رأسَه بالعَصَا إذا علاه بها وافْتِراع2 البِكْر وهو افتِضَاضُها وهو مأخوذ من الفَصْل بين الشَّيئين ويقال بل هُوَ مأخوذ من إفراع اللِّجام الدَّابَّةَ وهو أن يُدْمِيَ فَاهَا قَالَ الأَعْشى:
صَدَدْتَ عن الأعداء يومَ عُبَاعِبٍ ... صدود المذاكي أفرعتها المساحل3
__________
1 أخرجه النسائي 2/65.
2 ت: "وافراع البكر".
3 م, ط: "صدت عن الأعداء", وهو الديوان /133.

(1/165)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه مَرَّ بِرَجُلٍ نُغَاشٍ فَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ: "أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أنا الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
النُّغَاشُ: القَصير النَّاقِص الخَلْق قَالَ النَّضْر بن شميل رجل نغاشي:
__________
1 الفائق "نغش" 4/7 وفيه: وروى: "نعاشي" وهو أقصر ما يكون من الرجال.

(1/165)


أي قَصِير وقَلَطِيٌّ وهو فوق النُّغَاشِيّ وسُئِل رجلٌ من أَئِمَّة أهلِ اللغة مِمَّن أدركناه عن تِفْسير هذا الحرف وكان قَصِيرًا فَظَنَّ أنّ السائلَ يعرِّض به فَقَالَ هُوَ أَقَصَرُ منِّي ولم يَزِده1 عَلَى ذَلِكَ.
ويقال لكل شيء من الطَّير والهوامّ إذا خَفَّ وتَحرَّك في مكانه قد تَنَغَّش.
قَالَ ذو الرُّمَّةِ يَصِف القُرادَ وأنها أحسَّت بِوَطْء الإِبِل فَخَفَّت:
إذا سَمِعَت وَطْءَ المَطِيِّ تَنَغَشَت ... حُشَاشَاتُها في غير لحمٍ ولا دَمِ2
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيَّ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَكَانَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ فِي أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ" قَالَ فَمَرَرْتُ بِهِ وَسَطَ الْقَتْلَى صَرِيعًا فِي الْوَادِي فَنَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَالَ فَتَنَغَّشَ كَمَا يَتَنَغَّشُ الطَّيْرُ3: أي تحرك.
__________
1 س, ح: ولم يزد.
2 اللسان "نغش", والأساس "وطأ", والديوان /630.
3 كتاب المغازي للواقدي 1/292 وفيه: "فتنفس كما يتنفس الكبير".

(1/166)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفًا مُهَرَّتَةً ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ ثُمَّ صَلَّى"1
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: مُهَرَّتة إِنَّمَا هِيَ الْمُهَرَّدَة –بِالدَّالِ- قَالَ الكِسائِيُّ إذا أَنْضَجْت اللحمَ فهو مُهَرَّد وقد هَرَّدْتُه وقد هَرِد اللحمُ إذا نَضِج قَالَ والمُهَرَّأُ مثله.
-قَالَ أبو زيد إذا شَوَيتَ اللحمَ قيل خَمَطْتَهُ خَمْطًا وهو خميط فإن
__________
1 الفائق "هرت" 4/99, والنهاية "هرت" 5/257.

(1/166)


شويتَه حتى يَيْبَس فهو كَشِيءٌ وقد كَشَأْتُه فإن جعلتَ اللحم عَلَى الجَمْر قيل حَسْحَسْتَه1 فإن أدخلته النارَ ولم تبالغ في نُضْجِه قيل ضَهَّبْتَه2 قَالَ امرؤُ القَيْس:
نَمشُّ بأعرافِ الجيادِ أَكفَّنَا ... إذا نحن قُمنا عن شِواءٍ مُضَهَّبِ3
والأَنيضُ: اللَّحمُ غيرُ النَّضيج يقال أنَضْتُ اللحم وأَنْهَأْتُه وأنأتُه وهو بين النهوءة والنيوءة.
__________
1 س, ط: "حشحشته" والمثبت من م, ت. وفي القاموس "حس": حسست اللحم: جعلته على الجمر كحسحسته.
2 س: "ضهيته" بالياء. وفي القاموس "ضهب" اللحم تضهيبا: شواه على حجارة محماة, وشواه ولم يبالغ في نضجه.
3 الديوان /54.

(1/167)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا سَكَبَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ سُوَيْد: سَكَبَ يُرِيدُ أَذَّنَ السَّكْب: الصَّبُّ والدَّفْقُ وأصلُه في الماء يُصَبُّ وقد يُسْتَعارُ فيُسْتَعْمَل في القول والكلام كقول القائل: أُفْرِغَ في أُذُنِي كلامٌ لم أَسَمَعْ مَثلَه وأَخَذَ فلان في خُطبةٍ فَسحلَها وما أشبه هذا من الكلام أنشدني الحسن بنُ خَلاد أنشدني ابن دُرَيْد:
لا تُفْرِغَنْ في أُذُنَيّ مِثْلَها ... ما يستفز فأريك فقدها
__________
1 وأخرجه أبو داود في الصلاة 2/39 رقم الحديث "1336" بلفظ سكت المؤذن بدل سكب. وأخرجه أحمد 6/83.

(1/167)


إنِّي إذا السَّيفُ تَولّى نَدَّها ... لا أَسْتَطيع عند ذَاكَ رَدَّها1
وهذا رجل أُنشِدَ شِعرًا أعجبه فقام إلى البَرْك بسَيْفه وهي الإبلُ المُنَاخَةُ2 فجعل يضربها3 يمينًا وشِمالًا يَعْقِرُها
وفي الحديث: "وَيْلٌ لأَقْماع القَوْل" وهم الذينَ يَسْمَعُون ولا يَعْمَلون به4 شَبَّه آذانهم بالأَقْمَاع يُصَبُّ فيها الكلامُ صَبَّ الماءِ في الإناءِ
ورواه بعضهم سكت بالأولى أي فَرَغ من الأذان فسكت عنه5
__________
1 ت: "بدها" بدل "ندها."
2 ت: "المناصة".
3 م, ط: "فجعل يضرب".
4 مسند أحمد 2/165, 219.
5 من ت, م.

(1/168)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بِلالا أَتَاهُ يُؤْذِنُهُ1 بِصَلاةِ الْغَدَاةِ فَشَغَلَتْ2 عَائِشَةُ بِلالا بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ فَأَصْبَحَ جِدًّا"3
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنِي أَبُو زِيَادَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادَةَ الْكِنْدِيُّ عَنْ بِلالٍ.
قَوْلُهُ: فَضَحه الصُّبْح أَيْ دهَمَتْه فُضْحَةُ الصُّبح والفُضْحَةُ كالغُبْرةِ في
__________
1 م: "يوذنه" من فعل المشددة العين.
2 ت: "فشغلته عائشة بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصبح".
3 سنن أبي داود 2/20.

(1/168)


اللون وقال أبو عمرو الأَفْضَح الأبيض وليس بشديد البياض ومنه قول ابن مقبل:
أَحَشُّ سِماكِيٌّ من الوَبْل أَفْضَح1
ورواه بعضهم فَصحه الصُّبح أي بانَ له وغَلَبَه ضوؤه ومنه الفصيح من الكلام2
__________
1 الديوان /32.
2 من ت, م.

(1/169)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ النَّاسَ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْسَالا أَرْسَالا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ"1.
أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ2 نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ ثنا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
قوله: أَرسالًا يريد أفواجًا وفِرَقًا مُتَقَطِّعة3 قَالَ أبو عُبَيْدة إذا أَوردَ الرجلُ إِبِلَه مُتَقَطِّعة قَالُوا أَوردَها أَرسالًا قَالَ امرؤ القيس:
فهُنَّ أَرسالٌ كرِجْل الدَّبَي ... أَو كَقَطَا كاظمة النَّاهِلِ4
وإذا أورَدها جماعة قَالُوا أوردها عِرَاكًا. وواحد الأَرسَالِ رَسَل كما قيل لما نَشَرْتَه نَشَر ولما أَسْبَلْتَه سَبَل وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ جَرَّ سَبَلَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرِ الله إليه يوم القيامة" 5
__________
1 أخرجه أحمد 5/81 وابن ماجه 1/521 بنحوه.
2 ت: "إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري".
3 م: "متقطعة".
4 الديوان /121.
5 لم أجده بلفظ: "من جر سبله" ولكن بلفظ: "من جر ثوبه" وهو مخرج بألفاظ مختلفة في الكتب السنة ومسند أحمد وغيره.

(1/169)


وَقَالَ سَعْدٌ قَتَلْتُ يَوْمَ بَدْرٍ قَتِيلا وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَقَالَ رَسُولُ الله عليه السلام: "اطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ1" يُرِيدُ فِيمَا قُبِضَ وَجُمِعَ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ قَالَ فَنَزَلَتْ سُورَةُ الأَنْفَالَ فَقَالَ لِي: "اذْهَبْ فَخُذْ سيفك".
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/180

(1/170)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قَالَ فِيمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّى وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا بِقَصْرِهِ: "إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَهُ جُمُعَتُهُ تِلْكَ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ كَانَ نُبَيْشَةُ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ: بقَصْره مَعْنَاهُ غَايَته ذَلِكَ أَيْ حَسْبه مِنَ الثَّوَابِ أَنْ تُكَفَّر ذُنوبُه
قَالَ أَبو زَيْد يقال قُصارُك أن تفعل ذَلِكَ وقُصَاراك وقَصْرك أي غايتُك وعُنَاناكَ أن تفعل ذَلِكَ بمعناه قَالَ الأعشى:
فَقَالَ له: ماذا تُرِيدُ وقَصْرُه ... عَلَى مائةٍ قد أَكَملتْها وُفَاتُها2
وقال هُدْبَةُ بن الخشْرم العُذرِيّ:
وأنتَ أَميرُ المؤمنين فَما لَنا ... وَراءَك من مَعْدى ولا عنكَ مِنْ قصْرِ
قَالَ الأصمعي ويقال حَبَابُك أن تفعلَ ذَلِكَ أي جَهدك ومِثلهُ: حماداك.
__________
1 أخرجه أحمد 5/75 بالإسناد المذكور بدون لفظ "بقصره".
2 الديوان /32 برواية: "وسخطه" بدل: "وقصره".

(1/170)


حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في اصف الأول ... "
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لاقْتَتَلُوا عَلَيْهِ وَمَا تَقَدَّمُوا إِلا بِنُحْبَةٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ: مَا تَقَدَّمُوا إِلا بِنُحْبَةٍ يُرِيدُ الْقُرْعَةَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الأَذَانِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ" 2 وأَصلهُ من المُنَاحَبَةِ وهي المحاكمة يقال: ناحَبتُ الرجلَ إذا قاضيتَه وحاكمتَه ويقال: للقِمَار النَّحْبُ لأنه كالمُساهَمَة أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب عن ابنِ الأعرابي:
ماذا عليه لو أعان بِلِقْحَةٍ ... عَلَى نَحْبِ مولاهُ أَعانَ وأَحربا
قَالَ أبو عمر هذا رجل كان مُقامِرًا فافتَقَر فجاء ابنُ عَمِّه يسأَلُهُ لِقْحَةً لِيُقامِرَ عليها فيُرزقَ مالا فمنعه
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 2/92 بلفظ "..ما صفوا فيه إلا بقرعة أو سهمة".
2 أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: 1/151 ومسلم 1/325 وغيرهما.

(1/171)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَرْوِيهِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ قَالَ: فَدُفِعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بأزز وَذَكَرَ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ خَطَبَ وَذَكَرَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ وَأَنَّهُ يَحْصُرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: "فَيُؤْزَلُونَ أَزْلا شَدِيدًا ثُمَّ يَهْزِمُهُ اللَّهُ وَجُنُودَهُ" 1 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ2, نا زُهَيْرٌ نا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ نا
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدركه 1/330 وأحمد في مسنده 5/16 بلفظ: "فيزلزلون زلزالا شديدا" وسيأتي تخريجه مفصلا.
2 ت: أحمد بن عبيد الله بن يونس.

(1/171)


ثَعْلَبَةُ1 بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ ثُمَّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قوله: بأَزَزٍ يريد بجمع كثير ضاق عنهم المَسْجِد يقال الفضاء منهم أزز والبيتُ منهم أَزَزٌ إذا غَصَّ بهم وقال أبو النجم:
واجتمع الأَقْدام في ضَيْقٍ أزَزْ2
وفي غير هذه الرواية: فإذا المسجد يتأزَّزُ وهو يَتَفَعَّل من الأَزِيز تَمثيلًا له بأزِيزِ المرجَل وهو صَوتُ الغَلَيان وما أُراه محفوظًا
وقوله: يُؤزَلُونَ معناه يُقْحَطُون قَالَ الأصمعي الأَزْل الشِّدَّةُ يقال أَزَلَه يأْزِلُه أَزْلًا إذا ضَيَّق عليه قَالَ زُهَيْر:
وإن أَفْسد المالَ الجماعات والأزل3
__________
1 ط, س: "عن ثعلبة" والمثبت من م, ت.
2 هامش م: "الأقوام" بدل "الأقدام" وفي التاج واللسان "أز" وقلبه: "أنا أبو النجم إذا شد الحجر" برواية: الأقدام.
3 الديوان /150, وصدره: "تجدهم على ما خليت هم إزاءها". ورواى أبو عمر "يكونوا على ما كان فيها أزءها".

(1/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ اهْتَمَّ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الأَذَانِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَابْنُ دَاسَةَ قَالا ثنا أَبُو دَاوُدَ نا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ قَالَ أنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ قَالا نا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ أبو سليمان قد أكثرت السؤال عن هذا الحرف والنشدة له فلم أجد
__________
1 سنن أبي داود 1/134.

(1/172)


فيه إلا دون ما يُقْنِع وقد ذكر في الحديث أَنَّه الشَّبُّور واختلفت الروايات فيه فَقَالَ ابن الأعرابي القُنْع وسمعتُه مرةً أخرى يقول القُنَع.
وأخبرني مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا هُشَيم نا أبو بِشر أخبرني أبو عُمَير بن أنس أخبرني عُمومةٌ لي من الأنصار وذَكَر الحَدِيثَ فَقَالَ فيه القَتَع بالتاء التي هي أخت الطاء.
فأما القُنْع وتفسير الراوي أنه أراد الشَّبُّورَ فإنَّ الروايةَ إذا صَحَّتْ به أمكن أن يقال عَلَى بُعدٍ فيه إنَّما سُمِّي قُنْعًا لإقناع الصَّوت بِه وهو رَفْعُه قَالَ الراعي:
فإذا تعرَّضت المفازَةُ غادرت ... رَبِذًا يُبَغِّل خَلْفَها تَبْغِيلا
زَجِلَ الحُداءِ كأنَّ في حَيْزَومِه ... قضبا ومُقْنِعَةَ الحَنِين عَجُولًا1
يريد الناقة ترفع صوتها بالحنين.
ورواه عُمارَةُ بن عَقِيل وَمقْنَعة الحَنِين بفتح النون وقال هي النَّأْيُ.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون إنّما سمي قُنْعًا لأنه أُقْنِع أَطرافُه إلى داخله قَالَ الأصْمَعيُّ: المُقْنَع: الْفَمُ الَّذِي يكون عَطْفُ أسنانِه إلى داخل الفَمِ ويقال: إن الطَّبقَ الَّذِي يُؤكَل عليه الطَّعامُ إنما سُمِّي قُنْعًا لأنه تُقْنَع أَطرافُه إلى داخله.
وإن كانت الرِّواية القُبَع فالوجه في تَخْرِيجه وإن كان في البُعدِ مثلَ الأول أو أشَدّ أن يكون الشَّبُّورُ إنما سُمِّي قُبَعًا إما لأنه يَقْبَع فَا صاحِبِه: أي يُوارِيه إذا نَفَخ فيه يقال قَبَع الرجلُ رأسَه إذا أدخله في قميصه وقبع
__________
1 الديوان /128, 129 ط دمشق, وديوانه ط بغداد /50 واللسان "رقص", والجمهرة 1/318.

(1/173)


وراء الجِدارِ إذا تَوَارَى أو لأنه قد ضَمَّ أطرافَه إلى داخله يقال قبعت لجراب والجُوالِقَ ونحوَه إذا ثَنيْتَ أطرافَه فجمعتَها إلى داخل وقد يُسَمَّى لشيء ذو القَعر قُبَاعًا أخبرني ابن الفارسي1 أخبرني محمد بن خَلَف نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنِي عَبْد الله بن محمد الطّائيّ نا خالد بن سعيد قَالَ استعمل ابن الزّبير الحارثَ بن عَبْد الله بن أبي ربيعة المخزوميّ عَلَى البصرة فأتَوْه بمكيال لهم فَقَالَ إنَّ مِكيالكُم هذا لَقُباعٌ2 وهو ذو القَعْر فسُمِّي قُبَاعًا فَقَالَ أبو الأسود الدؤليُّ فيه:
أميرَ المؤمنين جُزِيتَ عنا ... أَرِحْنا من قُبَاعِ بَنِي المُغِيرَه3
وقال لي أَبُو عُمَر إنما هُوَ القَثَع بالثَّاء المثَلَّثة وهو البُوقُ وهذا عَلَى ما ذكره أَصَحُّ الوجوه ورواية سعيد بن منصور تشهد لذلك غَيرَ أَنِّي لم أسْمَعْ هذا الحرفَ من غيره
فأما القَتَع بالتاء فهو دود يكون في الخشب والواحدة قَتَعَةٌ
ومدار هذا الحديث عَلَى هُشَيْم وكان كثيرَ اللحن والتّحريف عَلَى جلالة مَحَلِّه في الحديث رحمه الله.
__________
1 ت: "ابن الفارس".
2 م: "إن مكيالكم هذا القباع".
3 التاج "قبح"من غير غزو. ويروي: "أمير المؤمنين أبا خبيب" قال الصاغاني: ذكر أبو الفرج في الأغاني لعمر بن أبي ربيعة وليس في شعره, وينسب أيضا لأبي الأسود الدؤلي.

(1/174)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: "النزاع من القبائل" 1.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/1320, والدارمي 2/311 وأحمد 1/398.

(1/174)


حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
النُّزَّاع جَمْعُ نَزِيعٍ وَهُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي قَدْ نُزِع مِنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ وقال حُمَيْد بن ثَوْر:
نَزِيعان من جَرْمِ بن زبّان إنهم ... أَبَوْا أَنْ يُمِيُروا في الهَزَاهِزِ مِحْجَما1
وامرأة نَزِيعةٌ إذا زُوِّجت في غير قبيلتها من نِساء نَزِائع قَالَ الشاعر:
نَمّتْ بِيّ من شَيْبَان أُمٌّ نزيعة ... كذلك ضرب المنجبات النَّزَائِع
وأولاد الغُرَباء عندهم أشدُّ وأقوى قَالَ الشاعر:
فَتًى لم تَلِدْه بنتُ عَمٍّ قرِيبَةٌ ... فَيَضْوَى وقد يَضْوى رَدِيدُ الغرائِب2
ومنه قَولُ عَنْتَرة:
أَنا الهجينُ عَنْتَرة3
افتخر بأنه هَجِينٌ لأنه أَقوى من الصَّريح وأَجْلَدُ
قَالَ الأصمعي: والنَّزِائعُ من الإبل الغَرائبُ التي تنقذت من أيدي الغرباء
__________
1 الديوان /28
2 كذا في هامش م, وفي جميع النسخ: "القرائب" بدل: "الغرائب" والبيت في اللسان والتاج "ردد, ضوى" دون عزو برواية: "رديد الغرائب".
3 في الديوان /198
إني أنا عنترة الهجين ... فج الأتان قد علا الأنين

(1/175)


ونُرَى والله أعلم أَنه أَرادَ بذلك المُهاجرين الذين هَجَرُوا دِيَارَهم وأَوطانهم إلى الله عَزَّ وجَلَّ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَدَّتِهِ مَيْمُونَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ1 فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ" 2
__________
1 ت: "وسيعود غريبا, فطوبى للغرباء".
2 أخرجه أحمد 4/73.

(1/176)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى سُمِعَ ضَغِيزُهُ أَوْ ضَفِيزُهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"1
هَكَذَا حدثناه محمد بن هاشم بن هشام نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحِنَّائِيُّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبَّادُ2 بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
الضَّغِيزُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فأَمَّا الضَّفِيزُ فَهُوَ كَالْغَطِيطِ وَهُوَ الصَّوتُ يُسْمَع مِنَ النَّائِمِ عِنْدَ تَرْدِيدِ النَّفَسِ وأَصْلُ الضَّفْزِ اللَّقْم واللّوك قَالَ رُؤبةُ:
تَبْتَلِع الهامةَ قبل الضفز3
__________
1 أخرجه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ 1/133 بلفظ"قام من الليل يصلي ثم نام فلقد سمعت صفيره ... ".
2 ت: "ابن عباد بن العوام".
3 الديوان /64.

(1/176)


ويقال ضَفَزْتُ البعيرُ إذا علفْتَه الضَفائِزَ وهي اللُّقَمُ الكبِارُ واحدتها ضَفِيزَة وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي ثَمُودَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ بِوَادٍ مَلْعُونٍ مَنْ كَانَ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ فَلْيَضْفِزْهُ بَعِيرَهُ" 1
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى نا خُنَيْسُ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ ثنا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عن فاطمة الكبرى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: "أَلا إِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَكَ يُضْفَزُونَ الإِسْلامَ ثُمَّ يَلْفِظُونَهُ ثُمَّ يُضْفَزُونَهُ ثُمَّ يَلْفِظُونَهُ ثَلاثًا يُقَالُ لَهُمُ الرَّافِضَةُ" 2
قوله: يُضْفَزُونه معناه يُلقَّنونَه فيَلْفِظُونَه ولا يَقْبَلُونَه ويقال ضَفَزْتُ الفَرسَ لِجامَه إذا أدخلْتَه في فِيهِ
والضَّفْزُ أيضًا بمعنى الجِماع وهو قريب من الأول وفي بعض الكلام: ضَفَزْتُه النَّصِيحةَ فقاءها أي لم يَقبَلْها3 ولولا أَنَّ حقَّ السّماع الاتّباعُ لقُلتُ: إنَّه الصفير إلا أنَّ الصَّفِيرَ بالشَّفَتَيْن
وقد رُوِي في هذا الحديث أَنَّه نام حتى سُمِع فَخِيخُه وحتى سُمِع غَطِيطُه وهُما من الحَلْق إلا أَنَّ الفَخِيخَ أَخَفُّ من الغَطِيط ويُروى عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول:
__________
1 أخرجه البخاري 4/181 معلقا بالاختصار. وقال ابن حجر في الفتح 7/189 وصلة البزار.
2 النهاية "ضفز" 3/94, أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 153 - م بلفظ"يصغرون" والهيثمي في مجمعه 10/22 بلفظ"يرفضون".
3 من ت وم.

(1/177)


طُوبَى لمن كانت له مِزَخَّهْ ... يزخها ثُمَّ ينام الفَخَّهْ1
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ نا ابن المثنى نا ابن أبي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ2 قَالَ: وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ3 فَأَحَدُهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الآخَرِ وَالْخاءُ وَالْغَيْنُ أُخْتَانِ في قرب المخرج
وكان مَعْصُومًا فِي نَوْمِهِ مِنَ الْحَدَثِ وَكَانَ يَقُولُ: "تَنَامُ عَيْنِي وَلا يَنَامُ قَلْبِي" 4 وفي ذَلِكَ دليل عَلَى أنّ النَّومَ عَينَه لَيْس بحدث إذ لا فرق بين رَسُول الله وبين أُمَّتِه في الأحداث وإنما النَّومَ مَظِنَّةٌ للحَدَث لأن النائِمَ قد يُوجَد في الأغلب منه الحَدَثُ فَحُمِل عَلَى حكم الأحداثَ وحقيقة النوم هو الغَشْيَةُ الثَّقِيلَةُ التي تَهْجِم عَلَى القلب فتَقْطَعه عن معرفة الأمور الظاهرة والناعِسُ هُوَ الَّذِي رَهِقه ثِقلٌ قطعه عن معرفة الأحوال الباطنة وقد فَصَل الشاعرُ بينهما فَقَالَ:
وَسْنَانُ أقصده النُّعَاسُ فرَنَّقَتْ ... في عَيْنِه سِنَةٌ وليس بنائم5
قَالَ المُفَضَّل السِّنَةُ في الرَّأْسِ والنَّومُ في القَلْب قَالَ ومنه قَولُ الله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 6
__________
1 السان والتاج "فخخ" يرواية: "أفلح من كانت له مزحة".
2 أخرجه أبو داود 2/45, والبيهقي في سننه3//28.
3 من م, ت, ط, ح.
4 س, ط: "تنام عيناي", وفي ح: "تنام عيني", والمثبت من ت, م. أخرجه أبو داود 2/52.
5 السان"تعس" وعزي لعد بن الرفاع.
6 سورة البقرة: 255.

(1/178)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٍ يُكِنُّهُ وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِرَفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ" 1
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا أَبُو دَاوُدَ نا النَّضْرُ أنا الْحُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حُمْرَانَ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ السَّائِبِ فَقَالَ: "جِلَفُ الخُبْزِ وَالْمَاءِ".
قَوْلُهُ: جِرَفُ الْخُبْزِ: يُرِيدُ كِسَرَ الْخُبْزِ وَاحِدَتُهَا جِرْفَةٌ وَكَذَلِكَ الْجِلَفُ وَاحِدَتُهَا جِلْفَةٌ وَهِيَ قِطَعُ الْخُبْزِ الْيَابِسِ3 الَّذِي لَيْسَ بلَيِّنٍ وَلا مَأْدُومٍ قَالَ ابنُ الأعرابيّ: وهو مأخوذ من جرفتُ الشيءَ أجرِفُه إذا قَشَرْتَه4 ويقال جَرَفْتَه السَّنَةُ وجَلَفَتْه إذا أَذهبَتْ ماله5 قَالَ أبو عُبَيدة المُجَلَّف والمُعَصَّبُ هُوَ الَّذِي أَتى الدَّهرُ عَلَى ماله يقال جَلَّفَتْه السِّنُون وَعَصَّبَتْهُ6 السُّنُون إذا أكلتْ مالَه وقال غيره المُجَرَّفُ مَنْ بقى له شيء قليل والمجلف المستأصل الحوادثُ جَرَّفَتْني فلم أَرَ هالِكًا كابْنَي زيادِ هما رُمْحان خَطِّيَّانِ كانا من السُّمْر المُثَقَّفَةِ الصِعادِ وقال أبو عُبَيْدةَ يقال أتانا بخُبزٍ كِسَفٍ أي قِطَعٍ ومنه قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} قال واحدتها كسفة وقال رجل من طيءٍ يرثي الرَّبيعَ وعمارةَ ابني زياد العَبْسِيَّيْن7:
__________
1 أخرجه الترمذي 4/571, والحاكم 4/322, وأحمد 1/62 بنحوه, وكليهم بلفظ "جلف الخبر".
2 ت: "حمدان".
3 ت: "قطع الخبز الغليظ اليابس"
4 سقط من ت, وهو في, س, ط, ح.
5 ت: "ذهبت بماله".
6 ح: "وجرفته".
7 م, ط: "العبشميين".

(1/179)


وإن تكن الحوادثُ جَرَّفَتْني ... فلم أَرَ هالِكًا كابْنَي زيادِ
هما رُمْحان خَطِّيَّانِ كانا ... من السُّمْر المُثَقَّفَةِ الصعاد1
وقال أبو عبيد: يقال: أتانا بخبر كِسَفٍ: أي قِطَعٍ, ومنه قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} 2 قال: ويقال أصابتهم جَلِيفَةٌ عظيمة إذا اجْتَلَفت أموالَهم ويُجمَع عَلَى الجَلائِف قَالَ الشاعر:
وإذا تَتَبَّعَتِ الجَلائِفُ مالَنا ... خُلِطَت صَحِيحَتُنَا إلى جَرْبَائِه3
ومنه قَولُ الفرزدق:
وعَضُّ زمانٍ يا بْنَ مَرْوان لم يَدَعْ ... من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجُلَّفُ4
ويروى إلا مُسحَتٌ أو مُجَلَّف فمن روى إلا مُسحتًا بالنصب جعل معنى لم يدع لم يترك ورفع مجلف بإضمار كأنه قال أو هو مجلف5
__________
1 اللسان "جرف".
2 سورة الشعراء:187.
3 اللسان "جلف", وعزي للعجير.
4 اللسان "جلف", والديوان/31
5 من ت.

(1/180)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ فَيَتَلَقَّى نَبِيَّ اللَّهِ لَيْلا فَقَالَ لَهُ: "مَنْ أَنْتَ" قَالَ بُرَيْدَةُ فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ" ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ"؟

(1/180)


قَالَ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "سَلِمْنَا" ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ" قَالَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ قَالَ: "خَرَجَ سَهْمُكَ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ ثنا الحسين بن حريث ثنا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن بريدة حدثني الحسين بن واقد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه.
قوله: رد أَمْرُنَا فِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ سَهُلٌ أَمْرُنَا وَمِنْهُ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ" 2 ويقال عيش باردٌ أي ناعم سَهْل ومن هذا قولهم في الدعاء للمَيِّت اللهُمَّ بَرِّد عليه مَضْجَعَه وأَنشد الباهليُّ:
قليلة لحم النَّاظِرَيْن يَزِينُها ... شَبابٌ ومَخْفوضٌ من العيش باردُ3
والوجه الآخر أن يكون مَعْناه ثَبَتَ أمرُنا واستقام من قولهم بَرَد لي عَلَى فلان حَقٌّ أي وجب وثَبَتَ قَالَ الأصمعيّ ما بَرَد لَكَ عَلَى فلان شيء وكذلك ما ذابَ لك عليه شيءٌ ويقال إن أصحابك لا يبالون ما بردوا عليَكَ أي ما ثَبَتُوا عليك قَالَ الشاعر:
اليومَ يومٌ باردٌ سَمُومُه ... مَنْ جَزِع اليومَ فلا نَلُومُه4
أي ثابت سَمُومُه.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون بَرَد بمعنى ضَعُفَ وفَتَر يريد به أمر
__________
1 ذكر الهثيمي في مجمع الزوائد 6/55 بنحوه, وقال: رواه البزار وفيه: عبد العزيز بن عمران الزهري, متروك.
2 أخرجه أحمد 1/335, والترمذي 3/153.
3 اللسان "برد".
4 اللسان "برد".

(1/181)


قُريش والخارِجِين في أثَره من الطَّلب يقال جدَّ فلان في الأمر ثُمَّ بَرد أي فَتَر واستَرْخَى قَالَ الراجز:
الأبيضان أَبرَدا عِظَامِي ... الفَثُّ والماءُ بلا إدامِ1
ويقال: ضَرَبَه بالسّيف حتى بَرَد أي مات وسَكَن
وأخبرني أبو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابي قَالَ سمعتُ أبا المكارم قَالَ كان مِنَّا فَتى يقال له في الحَيَّ عَلَق2 وكان عفيفَ الخَلْوةِ فجاءنا يومًا وهي في بيتها فَدخَل3 يتَحدَّثُ إليها فأسرع الخروج فقلنا له ما لك قَالَ منعني البَردُ قَالَ فدخلنا فإذا الجارية مَيِّتَةٌ ومن هذا حديث عمر بن الخطاب أنه شَرِب النّبيذَ بعد ما بَرَد غَلْيُه أي سكن وقد يجوز أن يكون النَّومُ إنما سُمِّيَ بَرْدًا لهذا المعنى ذَلِكَ لأنه يُرخي المفاصِلَ ويُسَكِّنُها وزعم بعضهم أنه إنما سُمِّي بَرْدًا لأنه يُبرِّد حرارةَ العطش ويسكِّنها.
وقوله: خَرجَ سَهمُك معناه الفَلْجُ والظَّفَر وأصله في الشيء يتداعاه الجَماعةُ فيستهمون عليه أي يُجيلون السِّهامُ فمن خرج سهمهُ منهم حَازَه دون أصحابه قَالَ الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} 4 وقال: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 5.
__________
1 اللسان "برد".
2 ح: "كان منا فتى له في الحي غلق" وفي التاج علق: العلق: المحبة.
3 ح: "فدخل في بيتها يتحدث إليها".
4 سورة الصافات: 141.
5 سورة آل عمران: 44.

(1/182)


وفي الحديث من الفقه استحبابُ الفَأْلِ والتيَمّن بالاسْم الحَسَن وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الفأْل ويكره التَّطَيُّر1
أخبرني أبو محمد الكُراني ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأصمعي قَالَ سُئِل ابنُ عَوْن عن الفأل فَقَالَ هُوَ أن يكون مَريضًا فيسمع يا سَالِم أو يكون باغيًا فيَسْمَع يا واجد
والفرق بين الفأل والطِّيَرة أَنَّ الفَألَ إنما هُوَ من طَريق حُسن الظَّنِّ بالله عَزَّ وجَلَّ والطِّيَرَة إنما هي من طريق الاتّكال عَلَى شيء سِواه وفي هذه القِصة أَنَّ بُرَيْدَةَ أَسلَم ومعه سَبْعُون راكِبًا من أهل بيته ثُمَّ قَالَ الحمد لله إذا أَسلَمتْ بَنُو سَهْم طائِعين غير مُكْرَهِين ودعا لهم رَسُول الله فَقَالَ: "أسلَمُ سالَمها اللهُ" 2 وذلك لأن إسلامهم كان سلما ععن غير حَرْب
وأما قوله: "غِفَارُ غَفَر اللهُ لها" 3 فَنُرى -والله أعلم- أَنَّه إنّما خَصَّهم بالدُّعاء بالمغْفِرَة لمُبادرتهم إلى الإسلام وقد أَسلَم أبو ذَرٍّ في أول أَيّامِ رَسُول الله وهو بمكة غير ظاهر وَفِي قِصَّةِ إِسْلامِهِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتَ" قُلْتُ أَنَا جُنْدَبٌ4 رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ فَكَأَنَّهُ ارْتَدَعَ وَوَدَّ أَنِّي كُنْتُ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِي وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يُقْرَفُونَ5 بِهِ مِنَ الشَّرِّ وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/332 بلفظ"الطيرة".
2 النهاية "سلم" 2/394 وجاء فيها: ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا, إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها أو أخبر أن الله قد سالمهاومنع من حربها.
3 أخرجه البخاري في مواضع منها 2/33, ومسلم 1/470 و4/1922, والترمذي 5/729 وغيرهم.
4 م: "أبا جندب"
5 ت: "يعرفون".

(1/183)


وَيَسْرِقُونَ الْحَجِيجَ فَيُشْبه أن يكون والله أعلم إنما دعا لهم بالمَغْفِرة ليمحوَ تلك السُّبَّةَ ويُزِيلَها عنهم ثُمَّ حَسُنَ بَلاءُ هاتَين القبيلتين في الإسلام.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا الصَّائِغُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَيُقَالُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ أَسْلَمَ أَرْبَعُ مِائَةٍ وَمِنْ غِفَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ.

(1/184)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشٍ أَدْغَمَ1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثنا مُحَمَّدُ2 بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ الْجِيلانِيِّ3 عَنْ أَبِي سَعْدٍ الزُّرَقِيِّ4
الأَدْغَمُ مِنَ الْكِبَاشِ مَا اسْوَدَّتْ أَرْنَبَتُهُ وَمَا تَحْتَ حَنَكِهِ والدُّغْمَةُ السَّواد ويقال إنه إنَّما سُمِّي أدغم لأنه أدغم في السَّوادِ أي أُدخِل ومنه إدغام الحُروفِ قَالَ الهُذَليّ:
بمقربات بأيديهم أعنتها ... خوض إذا فَزِعوا أُدْغِمْن في اللُّجُمِ
أي أدخلن.
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/1046 بنحوه.
2 كذا في س, قال: وهو الصواب. وفي بقية النسخ: عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ.
3 ح: "عن أبي سعيد الدرقي".
4 اللسان "دغم", وعزاه لساعدة بن جؤية, وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1233.

(1/184)


وقال أبو زيد إذا اسودَّت نخرة الشاة وحكمتها فهي دغْماء1 فإن اسودَّ رأْسُها فهي رأساء فإن أبيضٌ رأسُها من بين جَسَدِها فهي رَخْماء ومُرخَّمَة فإن اسودَّت العُنُق فهي دَرْعاء فإن كان بعُرضِ عُنُقِها سَوادٌ فهي لعطاء.
__________
1 اللسان "دغم": النخرة: الأرنبة. والحكمة: الذقن.

(1/185)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ ثنا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَفَّانُ وَكَانَ حَدَّثَنَاهُ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ إِنَّمَا هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عِمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ.
البَرْدان الغَداةُ والعَشِيُّ وهما الأبردان قَالَ الشَّمَّاخ:
إذا الأَرْطَى تَوسَّد أَبْرَدَيْه ... خدود جوازىء بالرَّمْلِ عِينِ2
وإنما قيل أَبردان لِطِيب الهَواء وبَرْدِه في هذين الوَقْتَين.
وأنشدني أبو رَجَاء الغَنَوِيّ أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب:
فلا الظِّلُّ من بَرْدِ الضُحَى نَسْتَطِيعُه ... ولا الفَيْءُ من برد العَشِي نَذُوقُ3
قَالَ: وقال أبو العباس: أُخْبِرتُ عن أبي عُبَيْدة قَالَ: قَالَ رُؤْبَةُ كُلُّ ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فَيْء وظِلٌّ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل.
__________
1 أخرجه البخاري 1/142 ومسلم 1/440 وغيرهما.
2 الديوان /331.
3 البيت لحميد بن في ديوانه/ 40 برواية أخرى.

(1/185)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فأَبرِدوا بالصّلاة" 1 فليس هذا من بَرْدَي النهار ولا من الجائز تأخير الظُّهر إلى ذَلِكَ الوقت وإنما الإبراد انكسار وهَج الشمس بعد الزوال وسُمِّي ذَلِكَ إبرادًا لأنه بالإضافة إلى حَرِّ الهاجرة بَرْدٌ وقد روينا هذا التّفسيرَ عن محمد بن كعب القُرَظِيّ
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ نا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو نا أَفْلَحُ2 بْنُ سَعِيدٍ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ" قَالَ كلام العرب إذا كان القَومُ في السَّفر فزالت الشَّمسُ وهَبَّت الأَرْوَاح تَنادَوْا أَبْردتُم فالرَّواح
قَالَ وكان يُعَدُّ إبرادًا حين تزول الشّمسُ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ" 3
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ نا خَالِدٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ".
وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا فَقُلْتُ وَمَا الْعَصْرَانِ؟ قَالَ: "صَلاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا".
فإن العَصْرَيْن عند العرب الغَدَاةُ والعَشِيِّ قَالَ حُمَيْد بنُ ثَوْر:
ولن يَلْبَثَ العَصْران يَومٌ ولَيْلَةٌ ... إذا طَلَبا أن يُدْرِكَا ما تَيَمَّمَا4
فجعلهما يومًا وليلةٍ.
__________
1 أخرجه البخاري 1/135, وأبو داود 1/110, والترمذي 1/295 وغيرهم.
2 ت: "الأفلح".
3 سنن أبي داود 1/116.
4 الديوان /8, برواية: ولا يلبث العصران يومًا وليلةٍ".

(1/186)


وقال آخر:
أُمَاطِلُه العَصْرَيْن كيما يَملَّني ... ويرضى بِنصف الدَّينِ والأَنفُ راغم1
وقد ذهب بعضُ أهلِ اللغة في العَصْرَيْن إلى مجاز تَغْليبِ أحدِ الاسمين عَلَى الآخر كقولهم الأسودان للتَّمرْ والماء وسِيرَةُ العُمَريْن يريدون أبا بكر وعُمَر وهو عند أصحاب المعاني عَلَى حقيقة الاسم والوضع في كل واحد منهما كالبَرْدَين والجَديدَيْن وما أشْبَهَهُما من مُثَنَّى الأَسماء
ويقال والله أعلم إن صلاة العَشِيّ2 إنما سُمِّي عصرًا لأن مَدَى وَقْتِها يُقارِب غُروبَ الشمس من قولهم أعصَرت الجاريةُ إذا قاربت الإدراكَ وجارية مُعْصِرٌ قَالَ الشاعر:
جارية بسَفْوان دَارُها ... قد أَعْصَرَتْ أو قد دنا إعصارها3
وكذلك هذا المعنى في تسمية صلاة الفجر عَصْرًا وذلك أن الوقت الَّذِي تُصَلَّى فيه قد يمتد إلى طلوع الشمس أو يُقارِبه وقد روي عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} 4 أنه قَالَ: "أَلا وهي العَصْرُ" 5 وذهب عبد الله بن عمر وابن عباس وعطاء وطاووس في تأويلها إلى أنها صلاة الفجر وتابعهم عَلَى ذَلِكَ من فقهاء الأمصار الشّافعيُّ ولا أراهم توهموه إلا معنى الخبر وهو قوله: "أَلا وهي العَصْرُ" عَلَى أن ضَربًا من الاستنباط قد يشهد لمذهبهم وذلك أَنَّ صَلاةَ الفجر واسِطَةٌ
__________
1 م, ح:" ... حتى يملي". والبيت في اللسان والتاج "عصر" دون عزو.
2 ح:"العشاء".
3 اللسان "عصر". وعزي لمنصور بن مرثد الأسدي. وفي التاج: يقال لمنظور بن حبة, كما في التكملة.
4 سورة اليقرة: 238.
5 أخرجه مسلم 1/437. والنسائي 2/236, ومالك 1/139.

(1/187)


بين صلاتين قبلها تُجْمَعَان في السفر وهما المغرب والعشاء وبين صلاتين بعدها وتجمعان كذلك وهما الظُّهر والعَصْر وصلاة الفجر لا تُجمَع إليها صلاة فهي واسطة بين الصَّلَوات الخمس.

(1/188)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ أَوِ الْقَثَدَ بِالْمُجَاجِ"1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراس نا جعفر السُّوسِيُّ نا أَبُو بَكْرٍ الأَدَمِيُّ2 نا شَاذُ بْنُ فَيَّاضٍ نا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
المُجاج فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إِمَّا الْعَسَلُ أَوِ اللَّبَنُ ويُسَمّى العَسَلُ مُجاجًا لأن النَّحلَ يَمُجُّها وكذلك اللبن إنما يُسَمَّى مُجَاجًا لأَنَّ الضَّرْع يَمُجُّه عند الحَلْب وكُلُّ ما تَحَلَّب من شيءٍ فهو مُجاجُه ولذلك قيل للريق مُجاجٌ قَالَ طرفة:
شَهِيَّةُ طَعْم الرِّيق يجري سِواكُها ... عَلَى بَرَدٍ عذب المُجاجَةِ أَشْنَب3
وقال آخر:
وماءٍ قَدِيمِ العَهْدِ أَجْنٍ كأنَّه ... مُجاجُ دَبى لاقى بهاجرةٍ دَبَى4
وللجراد لُعابٌ يسيل من أفواهها. قَالَ أبو ثَروان العُكْلِيُّ في كلام له أقويتُ فلم أَطْعَم ثلاثًا إلا لَثا الإِذخِر ومُجاجَةَ صَمْغ الشَّجَر أي ما يتحلب من الصمغ
__________
1 ذكره ابن حبان في المجروحين 2/158: ترجمة عباد بن كثير , وكان يأكل القثاء إذا أكله بالملح, وبلفظ المجاج في الفائق 3/346
2 م, ح: "الأمي".
3 لم أقف عليه في الديوان ط بيروت أو دمشق.
4 اللسان والتاج "مجج" دون عزو.

(1/188)


وخُبزُ مُجَاجًا خُبزُ الذُّرة يُفَتُّ فيُروَّى بالَّلبن ثُمَّ يُؤكلُ ولذلك يقول قائلُهم:
أَطْيبُ شيءٍ باليَمَنْ ... خُبزُ مُجاجَا بالّلبن

(1/189)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ وَأَنَّهُمَا لَمَّا رَكِبَا السَّفِينَةَ حَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرٌ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
قوله: بغير نَوْل يريد بغير جُعْلٍ والنَّوْلُ والنَّالُ المَنالةُ وأما النَّيْلُ والنَّوال فإنهما العطاء ابتداءً يقال رجل نَالٌ إذا كان كثيرَ النَّوال ورجلان نالان وقوم أَنوالٌ كما قَالُوا رجلٌ مالٌ أي كثيرُ المال وكبشٌ صافٌ كثيرُ الصُّوف ويقال نُلتُ الرَّجلَ أَنُولُه نَوْلًا ونِلْتُ الشيءَ أَنالُه نيلا.
__________
1 ت: "حملوه" بدل: "حملوهم" أخرجه الحميد في مسنده 1/182, 183 في حديث طويل.

(1/189)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ أَنْشَدَهُ شِعْرًا فَقَالَ لَهُ: "أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ" قَالَ فَنَيَّفَ عَلَى الْمِائَةِ وَكَأَنَّ فَاهُ الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ تَرِفُّ غُرُوبُهُ
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَمَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ إِلا فَغَرَتْ مَكَانَهَا سِنٌّ1
__________
1 اللسان "فغر": قوله: ففرت أي طلعت, قال الأزهري: صوابه ثغرت بالثاء ألا أن تكون الفاء مبدلة في استيعاب 4/1516 وأسد الغابة 5/292.

(1/189)


حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ نا إِسْمَاعِيلُ بن يعقوب الصفار نا سوار بن سهل نا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ1 نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن حبيب الكعبي عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ قَالَ سمعتُ نابغةَ بَنِي جَعْدَةَ يَقُولُ أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ قَوْلِي:
عَلَوْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرُّمًا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا2
قَالَ فغَضِب رسول الله وقال لي: "إلى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى" قُلْتُ إِلَى الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ:
فَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرُ أَصْدَرَا
قَالَ: "أجَدْتَ لا يَفْضُضُ اللَّهُ فَاكَ" قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّ فَاهُ الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ تَرِفُّ غُرُوبُهُ المظهر المَصْعَد والمُرْتَقَى قَالَ الله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} 3
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِي قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ"4
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ أنا أَبُو دَاوُدَ نا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ وَتَصْعَدَ إِلَى شعف الجدر5
__________
1 س, ت, ط: "الجرسي", والمثبت من م, ح.
2 الديوان /72.
3 سورة الزخرف: 33.
4 أخرجه البخاري 1/132, ومسلم 1/426, وأبو داود 1/111 وغيرهم.
5 سقط من ح. وشعف الجدار: أعلاها.

(1/190)


ورواه سفيان عن الزهري فقال: وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِهَا لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ1 حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادِهِ
وقال محمد بن إسحاق: لم يَظْهر أي لم يَغِلب الفَيْءُ عَلَى الشّمس في حجرتها وليس هذا عندي بالوَجْه لأن الفَيْءَ وَقْتَ العَصْر في الأبنية لا محالةَ أَغلبُ من الشمس وإنما معناه لم يصعد الفَيْءُ بعد إلى أعالي الحيطان
فأما قَولُه: إنه كان يُصَلِّي والشَّمسُ حَيَّةٌ2 فإِنَّ حَياتَها صَفاءُ لونِها قبل أن تَصْفَرَّ أو تَتغَيَّر قَالَ ذو الرُّمَّة:
يُرِيك نُجومَ الَّليل والشمسُ حيَّةٌ ... زِحامٌ ببابِ الحارِثِ بنِ عُبادِ3
وقوله: بَوَادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا فإنها جمع بادِرَة وهي الكلمة تكون من الإنسان في حال الغضب. يقول إنَّ الحليمَ إذا لم تكن منه بادرةٌ يَقمَع بها السَّفِيهَ استُضْعِف واستُذِلَ كقول الشاعر:
إذا أنتَ لم تَخْشِفُ مع الحِلْمِ خَشْفَةً ... من الجَهْلِ لم يَعْزِز أَخٌ أنتَ ناصِرُه
وقوله: لا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ معناه لا يكسِر اللهُ أسنانَك التي في فيك ثُمَّ حُذِف لعلم المخاطب كما يقال يا خَيلَ الله اركبي أي يا رُكَّابَ خيل الله ومثل هذا في الاختصار قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} 4 أي حب
__________
1 أخرجه البخاري 1/136 ومسلم 1/246.
2 البخاري 1/140 ومسلم1/447 وأبو داود 1/111.
2 لم أقف عليه في ديوانه ط كمبردج.
3 ت: "واستبذل".
4 سورة البقرة: 93.

(1/191)


العجل وقال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 1 أي: أهلَ القَريَة: وأنشدنا أبو عُمَر2:
حَسِبتَ بُغامَ راحِلَتِي عَنَاقًا ... وما هيَ وَيْبَ غَيرِك بالعَناقِ3
يريد بُغَامَ عَناقٍ
وفيه لغتان لا يَفْضُضِ اللهُ فاك ولا يُفضِ اللهُ فَاكَ فَمنَ قَالَ يَفْضُض فمعناه يكسر ويَفُلُّ ومن قَالَ يُفْضِي أَراد لا يجعل الله فَاكَ فَضاءً لا سِنّ فيه والبَرَد المُنْهَلُّ هُوَ الَّذِي سَقط لوقْتِه وفيه بَيَاضُه ورونَقُه يقال هَلَّ السَّماءُ بالمَطرِ هَلا وانهل انهلالا وهو شِدَّة انْصبابه
وقوله: تَرِفُّ غُروبهُ معناه تَبرُق وتَلأْلأُ يقال رفَّ الثَّغْرُ يَرفُّ قَالَ عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
يَرِفّ إذا تَفْتَرُّ عنه كأنّه ... حَصَا بَرَدٍ أو أُقْحوانٌ مُنَوَّرُ4
وقال نَصْرُ بنُ حَجَّاج وقد حَلَقَه عُمرُ بن الخطاب:
فَصَلَّع رأْسًا لم يُصَلِّعْه رَبُّه ... يَرِفُّ رفيفًا بعد أسودَ جاثلِ5
وغُروبُه ماؤُهُ وأشره قال المرؤ القيس:
فتور القيام قطيع الكلا ... م تَفْتَرُّ عن ذي غُرُوبٍ خَصِرْ6
وقوله: فَغَرت يُرِيد طَلَعت ويقال فَغَر الوردُ إذا تَفَتَّق ومنه فغر
__________
1 سورة يوسف: 82.
2 ح: ابن عمر.
3 اللسان والتاج "بغم", وعزي لذي الحرق.
4 الديوان /124, برواية: "تراه" بدل: "يرف".
5 ط: "لم يحلقه ربه". بدل "لم يصلعه ربه".
6 الديوان / 157

(1/192)


الفم وهو فَتْحُه ويجوز أن يكون ثغَرتْ أي طَلَع ثَغْرُه والفاءُ تُبدَل من الثّاء في لغة كثير من العرب كقولهم جَدَثٌ وجَدَفٌ وثُومٌ وفُومٌ.

(1/193)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى فَجَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ" فَأَرَمَّ الْقَوْمُ وَيُرْوَى فَأَزَمَّ الْقَوْمُ1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا عَيَّاشُ بْنُ تَمِيمٍ السُّكَّرِيُّ نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ
قوله: حَفَزَه: أي جَهَده النَّفَس وعَلاه البُهر وأصل الحَفْز الحَثُّ والاستِعْجالُ يقال احْتَفَزتُ للأمر إذا انزعَجْتَ له قَالَ الشاعر:
وقد أَغدُو غَداةَ الرَّوْع هَشًّا ... بمُنكَفِت الثَّمِيلَة ذي احتَفازِ
وقوله: فأَرمَّ القومُ معناه سَكَتُوا ولم يُجيبوا يقال للساكت المُطرِق مُرِمٌّ قَالَ ذو الرُّمَّة:
مُرِمِّين من لَيْثٍ عليه مهابَةٌ ... تَفَادى الأُسُودُ الغُلبُ منه تَفادِيًا2
وقال آخر:
يَردْنَ واللَّيلُ مُرِمٌّ طائِره ... مُرْخى رِواقَاهُ هُجُودٌ سامِرُهْ3
فأما قولُه: أَزَمَ فمعناه راجع إلى الأول والأَزْمُ: الإمساك عن الكلام وعن الطعام ولذلك سُمّيَت الحمْية أَزْما وقيل للحارث بن كَلَدة ما الطِّبُّ؟
__________
1 أخرجه مسلم 1/419, 420, وأبو داود 1/203, والنسائي 2/133.
2 اللسان "فدي" والديوان 654
3 اللسان والتاج "رمم", وعزي لحميد الأرقط.

(1/193)


قَالَ الأزم يريد الحِمْيَة ويقال إن الأصلَ في الأزم العَضّ وذلك أن العَاضَّ عَلَى الشّيء يَشُدّ أحد لِحْيَيه عَلَى الآخر فَشُبِّه المُمْسِك عن الطعام به
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ زَامٌّ لا يتكلم 1
فمعناه أنه رافع رأسه لا يُقْبِل عليه ولا يستِمع إليه يقال حَمَل الذِّئبُ السّخْلَةَ زامًّا بها أي رافِعًا بها رأسه.
__________
1 الفائق "زمخ" 2/123.

(1/194)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه ذكر قارىء الْقُرْآنِ وَصَاحِبَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَكَ النَّجْدَةَ تَكُونُ فِي الرَّجُلِ فَقَالَ: "لَيْسَتْ لَهُمَا بِعَدْلٍ إِنَّ الْكَلْبَ يَهِرُّ مِنْ وَرَاءِ أَهْلِهِ" 1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ نا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ
قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكَ هُوَ كَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ ويَجرِي فِي الْكَلامِ مَجْرَى الاسْتِخْبَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 2
وقوله: إنّ الكلبَ يَهِرُّ من وراء أهله مَثَل ومعناه أن النَّجدةَ والشَّجَاعَةَ غَريزَةٌ في الإنسان فهو قد يَلْقَى الحربَ ويُقاتِلُ حمية لا حسبة
__________
1 أخرجه أحمد 4/105, إلى قوله: فقال رجل با رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَكَ النَّجْدَةَ تَكُونُ في الرجل ثم قال: وسقط باقي الحديث. وذكره الهيثمي 3/108 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.
2 سورة الإسراء: 62.

(1/194)


وضرب الكلبَ مثلا إذْ كان من طَبْعه أن يَهِرّ دون أهله ويَذُبَّ عنهم
وقوله: لَيْسَت لهما بِعَدْل أي بِمِثْل قَالَ الفَرّاء ما كان من جِنْس الشيء فهو عِدْلُه وما كان من غيرِ جِنْسِه فهو عَدْله يقال عندي عِدْل غُلامِك أي عندي غُلامٌ مِثلُه وعَدْل غُلامِك أي قيمته من الدراهم والدَّنانِير.

(1/195)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ عَادَ سَعْدًا فَوَصَفَ لَهُ الْوَجِيئَةَ1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَقَالَ: "إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ فَأْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلْدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ يَتَطَبَّبُ فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ"
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَةَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ الْفَرِيقَةَ.
قوله: فَلْيَجأْهُنَّ الوَجيئَةُ التّمرُ يُبَلّ بلبَن أو سَمْن حتى يلزَمَ بعضُه بعضا ويؤكل واللدود كلّ ما يوجَرُه الإنسان من أَحدِ شِقَّيه ومنه قيل لجانبي الوادي اللَّدِيدان يقال لَدَّه لدًّا ولَدُودًا والاسم اللِّداد ويُجمَع أَلِدَّة قَالَ ابن أحمر:
شَرِبْتُ الشُّكَاعَى والتَدَدتُ أَلِدَّةً ... وأَقْبلتُ أَفواهَ العُروقَ المكاوِيَا2
والفَرِيقَةُ نَحوٌ من الوَجيئة قال ذو الرمة3:
__________
1 سنن أبي داود 4/807, والفائق "فأد" 3/85, والنهاية "وجأ" 5/152.
2 اللسان والتاج "شكع", الديوان /171 ط دمشق. والشكاعي: نبت يتداوي به.
3 لم أقف عليه في الديوان ذي الرمة. وعزي في اللسان والتاج "فرق" لأبي كبير الهذلي.
قال ابن بري: صوابه: لقد وردت الماء بفتح التاء لأنه يخاطب المري, وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1086 برواية "فوق جمامة" ومثل الفريقة. زجاء الشرح: الفريقة: حلبة تطبخ للنفساء مع حبوب, فشبه ماء ذلك المكان بالفريقة لصفرته.

(1/195)


ولقد وردتَ الماءَ لونُ جمامِه ... لون الفريقة صفيت للمُدْنَفِ
وقوله: مَفْئُود يريد أنه أُصيبَ بداءٍ في فؤاده يقال منه فُئِد الرَّجلُ إذا أُصيبَ فُؤادُه وصُدِر إذا أُصِيبَ صَدرُه ومنه المَثَل لا بد للمَصْدُور من أَنْ يَنْفِثَ1 ومثلُه جُنِب وبُطِن فهو مَجْنُوبٌ ومَبْطون قَالَ الشاعر:
إذا ضَرَبتَ موُقَرًا فابطُنْ لَهْ ... بَيْنَ قُصَيْراه وبَيْن الجُلَّهْ2
وزعم بعضهم أن الفؤادَ غِشاءُ القلب وأن القَلْبَ حَبَّتُه وسُوَيْداؤه وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً" 3
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ: أَنَّ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةٌ مِنَ النَّارِ فَحَبَسَتْهُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْفَرَقَ مِنَ النَّارِ فَلَذَ كَبِدَهُ" 4
فإنه يريد أنَّ الخَوفَ قد خَلَع كَبِدَه وقَطَعَها والفِلْذَةُ القِطْعَةُ منها ويقال فَلَذ له من العَطاءِ أي قَطَع له قَالَ الشاعر, وهو كُثَيِّر5:
إذا المالُ لم يوُجِبْ عليك عَطاءَه ... صَنيِعَةُ تَقْوَى أو صديق توامقه
__________
1 اللسان "صدر" ومجمع الأمثال 2/241, ويروي: "أن يسعلا"
2 اللسان "جلل" ولم يعز.
3 أخرجه البخاري 5/219, ومسلم 1/73 وغيرهما.
4 النهاية "فلذ" 3/470.
5 من ح: والشعر في اللسان "فلذ", وعزي لكثير, وهو في ديوانه 308, 309.

(1/196)


بَخِلتَ وبَعضُ البُخل حَزمٌ وقُوَّةٌ ... ولم يَفْتَلِذْك المالَ إلا حَقَائِقُهْ
ويروى يَفْتَلتْك:
يقال افتَلَتُّ الشيءَ إذا أَخَذتَه فُجاءةً قَالَ الشاعر:
فإن يَفْتِلتْها والخِلافَةُ تَنْفِلت ... بأكرم عِلْقَي مِنْبَرٍ وسَرِيرِ
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا"1: أَيْ أُخِذَتْ نَفْسُهَا فُجَاءَةً
وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ نا ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ صُبَيْرَةُ يَقُومُ عَلَى الْمَجَالِسِ فَيَقُولُ هَلْ تَرَوْنَ بِي بَأْسًا إِعْجَابًا بِنَفْسِهِ فبينا هو كذلك إذا فَجِئَهُ الْمَوْتُ أَصَحَّ مَا كَانَ فَقِيل فيه:
مَنْ يأمَنِ الحَدَثان بعـ ... ـد صُبَيْرةَ القُرَشيِّ ماتَا
سَبَقَت مَنِيَّتُه المشيـ ... ـب وكان مِيتَتُه افْتِلاتَا2
قَالَ العَنْبرِيّ: صُبَيْرة وقال غيره: ضُبَيْرةَ بالضَّادَ المعجمة
__________
1 أخرجه أبو داود 3/118, والبخاري 2/121, 4/10, ومسلم 2/696, 3/1254 بلفظ أن رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ...
2 للاشتقاق /125 برواية: "صبيره السهمي".

(1/197)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمْ يَشْعُرْ بعسكر رسول الله يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى تَصَايَحَ الْفَرِيقَانِ فَفَزِعَ أَبُو الْحَكَمِ فَقَالَ مَا الْخَبَرُ فَقِيلَ مُحَمَّدٌ فِي الدَّهْمِ بِهَذَا الْقَوْزِ قَالَ فَأَخَذَتْهُ خَوَّةٌ فلا ينطق"1
__________
1 الفائق "دهم" 1/448.

(1/197)


يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغَطَفَانِيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ.
الدَّهْمُ العدد الكثير يقال جيش دَهْم: أي كَثِير قَالَ طرفة:
وأنا امرؤ أكْوِي من القصر الـ ... ـبادي وأغشى الدَّهْمَ بالدَّهْمِ1
وقال آخر:
جِئْنَا بِدَهْمٍ يَدْحَرُ الدُّهُومَا ... مَجْرٍ كأنَّ فوقه النجوما2
المجر: جيش شَاكُّونَ
وأخبرني أبو عمر أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ ابن الأعرابي قال: بدهم الخَلْق الكَثِيرُ وقال أَعرابِي وقد سَبَقَ النَّاسَ إلى عَرفَةَ اللَّهُمّ اغْفِر لي قبل أَنْ يدهَمَك النَّاسُ
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ بِدَهْمٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ" 3
والقَوْزُ الكَثيبُ من الرَّمْل ويجمع عَلَى القِيزانِ والخَوَّةُ الفَتْرَةُ أصله من الخَوَى قَالَ ابن الأعرابي: الخَوَّةُ الجوع كانت في الأصل خَوْية يقال خَوِي فلان يَخْوَي خَوًى إذا جاعَ فشُدِّدت الواو وتركت الياء
__________
1 الديوان /87.
2 اللسان والتاج "دهم" برواية: "يدهم الدهوم".
3 في ح: "من أراد أهل المدينة". وأخرجه أحمد 1/180.

(1/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِهَذَا الْقُرْآنِ شِرَّةً ثُمَّ إِنَّ لِلنَّاسِ عَنْهُ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْقَصْدِ فَنِعِمَّا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الإِعْرَاضِ فَأُولَئِكُمْ بُورٌ" 1
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 7/168 وقال: رواه أبو يعلى.

(1/198)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ1 نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: إن للقرآن شِرَّةً معناه إن للقارىء المبتدىء فيهِ رَغْبةً ونشاطًا ومنه شِرَّةُ الشَّبَابِ وهي مَيْعَتُه ونشاطُه قَالَ الشاعر:
رأت غلامًا قد صَرَى في فقْرتهْ ... ماءُ الشَّباب عُنْفُوان شِرَّتِهْ3
والمعنى: مَدْحُ الاقتصاد في القراءة والأَمرُ بالمواظبة عليه
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى الاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ أَخْبَارٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى" 4
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا" 5ومعناه لا يَسأمُ إذا سَئِمْتُم كقول الشَّنْفَرَى:
صَلِيَت مِنّي هُذَيلٌ بِخِرْقٍ ... لا يَملُّ الشَّرَّ حتى يَمَلُّوا
يريد أنه لا يَمَل إذا مَلُّوا ولو أَراد به النِهاية لم يكن فيه مَدْحٌ ولا له عليهم فَضلٌ
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه أن اللهَ لا يسأَمُ الثَّوابَ ما لم تَسْأَمُوا العَمَلَ أي لا يترُك الثَّوابَ ما لم تَتركُوا العَمَل ومَثَل العَرَب في هذا قولهم: القَصْدُ أنجى للسير6 قال الأعشى:
__________
1 ح: ابن الصائغ.
2 ح: "سعد بن أبي سعيد".
3 اللسان والتاج "صري" وعزي للأغلب العجلي.
4 أخرجه أحمد 3/199 مختصرا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير 2/544 وعزاه للبزار.
5 أخرجه مسلم 1/542. وأحمد 6/247.
6 المستقصى 1/339.

(1/199)


إذا حاجةٌ ولَّتْك لا تَسْتَطِيعها ... فخُذ طَرَفًا من غيرها حينَ تُسْبَقُ
فذلك أَحرَى أن تَنالَ جَسِيمَها ... وللْقَصْد أَنَجى في المسير وأَلحقُ1
وقال مَرّارٌ الفَقْعَسِيُّ:
نُقَطِّع بالنُّزولِ الأرضَ عَنَّا ... وبُعدُ الأَرضِ يَقْطعُه النُّزُول2
يقول إن إِجمامَ المَطِيَّةِ بالنُّزول مَعُونَةٌ لها3 عَلَى السير عند الرحيل
وقوله: فأولئكم بُورٌ يقال: رجل بائِرٌ أي هالِكٌ وقوم بُورٌ هَلْكَى ويقال أيضًا للواحد بُورٌ قَالَ ابنُ الزِّبَعْرَى:
يا رَسُولَ المَلِيكِ إنَّ لساني ... راتق ما فَتَقْتُ إذْ أَنَا بُورُ4
والبوار: الكساد أيضا ومنه الحديثُ: "نَعُوذُ بالله من بَوارِ الأيم"5
__________
1 الديوان /119.
2 شعراء أمويون 2/472.
3 ت: "معونة له"
4 اللسان والتاج "بور".
5 ط, ح: "تعوذوا بالله". والحديث في النهاية "بور" 5/161, وفيه: أي كسادها, من بارت السوق إذا كسدت. والأيم: التي لا زوج لها, وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد.

(1/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ مَضَغَ وَتَرًا فِي رَمَضَانَ وَرَصَفَ بِهِ وَتَرَ قَوْسِهِ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَضْرَمِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْقَوَّاسُ نا أَبِي مَرْدَوَيْهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ عن أنس بن مالك.
__________
1 النهاية "رصف" 2/227, وجاء فيها: أي شده به وقواه. والرصف: السد والضم. ورصف السهم إذا شده بالرصف السهم إذا شده بالرصاف".

(1/200)


الرَّصْفَةُ: عَقَبَةٌ تُلوَى عَلَى مَدْخل النَّصل في السَّهم, يقال: رصَفْتُ السَّهمَ فهو مَرْصُوف وكذلك هي تُلوَى عَلَى مَوِضع الفُوقِ من الوَتَرِ ويُشَدُّ بها
وفي الحديث من الفَقْه أَنَّ مَضْغَ العِلْك لا يُفْطِر الصائم.

(1/201)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا يُعْرَفُ فِي مَشْيِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرِضٍ وَلا وَكَلٍ"1
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
الغَرِضُ: المَلُول الضَّيِّق الصَّدر والغَرَضُ المَلالَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ حَدَّثَنَاهُ أحمد بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ أنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ كَرِهْتُهُ أَشَدَّ كَرَاهِيَةٍ فَسِرْتُ حَتَّى نَزَلْتُ أَقْصَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَقَمْتُ بِهَا حَتَّى اشْتَدَّ غَرَضِي.."2 ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ قُدُومِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَإِسْلامِهِ يُرِيدُ اشْتَدَّ ضَجَرِي والغَرَضُ أيضًا شِدَّةُ النِّزاعِ إلى الشيء والاشتِياق إلى قُربِه ومنه قول أعرابيّ من بني كلاب:
فَمَنْ يَكُ لم يَغْرَض فإنيّ وناقَتِي ... بحَجْرٍ إلى أهْلِ الحِمَى غَرِضان
تَحنُّ فتُبْدي ما بها من صَبَابَةٍ ... وأُخْفِي الَّذِي لولا الأُسَى لقَضَانِي3
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/328 بلفظ."كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا ليس فيه كسل" وزاد البزار على أحمد فقال: "لم يلتفت يعرف في مشيه أنه كسل ولا وهن" ذكر ذلك الهيثمي في مجمعه 8/281.
2 أخرجه أحمد 4/257.بنحوه.
3 اللسان والتاج "غرض". وفي هامش س: "إلى أرض الحمى غرضان".

(1/201)


وأنشدنا أَبو عُمَر: أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
مَنْ ذا رَسُولٌ ناصِحٌ فُمبَلِّغٌ ... عَنّي عُلَيَّةَ غيرَ قِيلِ الكاذب
إنّي غَرِضتُ إلى تَنَاصُفِ وَجْهِها ... غَرَضَ المُحِبّ إلى الحبيبِ الغائبِ1
قوله: تَنَاصُفِ وَجْهِها: أي تَنَاسُب مَحاسِنِها وتَشَاكُلِها.
وقوله: غير وَكَلٍ معناه غير ضَعيفٍ ولا ثَقِيلِ الحركات قال الراجز:
تكونن كهلوف وكل ... صبح في مصْرعه قد انْجَدَلْ2
ويقال: إنَّ الوَكَل هُوَ الَّذِي يَكِل الأمَر إلى غيره ولا يباشره بنفسه
__________
1 البيت الثاني في اللسان والتاج"غرض" وعزي لابن هرمة, وهو في ديوانه /71, 72.
2 اللسان والتاج "هلف" قالته امرأة من العرب وهي ترقص ابنها, الرجز لزوجها قيس بن عاصم ...

(1/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ابْتَغُوا الرِّزْقَ فِي خبايا الأرض" 1
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ مَنِيعٍ ثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَة الْمَخْزُومِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
يُتأول عَلَى وجهين: أحدهما الحَرْثُ والزراعة والآخر استخراج ما في المعان من جواهر الأرض.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/63, والعجلوني في كشف الخفاء 1/138 وقالا: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بلفظ: "اطلبوا الرزق".

(1/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه ذكر خروج الرجال وَأَنَّهُ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَابًّا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ غرض ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يضحك1.
__________
1 في ت: "متلئا شبابا". أخرجه مسلم 4/2253, وأحمد 4/182 في حديث طويل.

(1/202)


مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلابِيِّ.
قَالَ الأصمعي: يقال ضرب الصّيدَ فقطعه جَزْلَتَيْن: أي قِطعَتَينْ. قَالَ ويقال جَازَ من الجزَال وهو زَمن صِرام النَّخْل وأنشد:
حتى إذا ما حَانَ من جِزَالِها ... وحَطّت الجُرَّامُ من جِلالِها1
يريد أوعِيَتها
وقوله: رَمْيَة الغَرَض يريدُ أَنَّ بُعدَ ما بين القطعتين رمية غرض.
__________
1 اللسان والتاج"جزل" دون عزو.

(1/203)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مِعْنَقًا صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ دَهْقَانَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قوله: بَلَّحَ معناه أَعيَا وانْقَطَع يقال بلَّح الفرسُ إذا انقطع جَرْيُه وبلَّحَتِ الرَّكِيَّةُ إذا ذهب ماؤُها وَبَلَّحَ الغَريمُ إذا أَفْلَس والمَعْنَى في هذا كله يرجع إلى شيءٍ واحدٍ قَالَ مُتِّمم بن نُوَيْرَة يصف فرسًا:
مُلِحٌّ إذا بلَّحْنَ في الوعث لاجق ... سنابِكُ رِجليْه بِعَقْد حزام
وقال قَيسُ بن الخَطِيم:
وإنَّا إذا ما مُمْتَرُو الحَرْب بَلَّحُوا ... نُقِيمُ بآساد العرين لواءها2
__________
1 كذا في م, وفي س, ط, والفائق والنهاية "عنق" معنقا, اسم فاعل من أعنق. والحديث في سنن أبي داود 4/104.
2 الديوان /11.

(1/203)


وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَدْخُلُ آخِرَ النَّاسِ الْجَنَّةَ: "فَيُقَالُ لَهُ اعْدُ مَا بلغت قدماك فيعدو حَتَّى إِذَا بَلَّحَ ... " 1
وقوله: مِعْنَقًا مأخوذ من العَنَق وهو انبساط السَّيْر يقال دابَّة مِعْنَاقٌ قَالَ الشاعر:
ومن سَيْرها العَنَق المُسْبَطِرُّ ... والعَجْرَفيَّةُ بعد الكَلال2
والمِعْنقُ من أوصافِ المبالغة3
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي قِصَّةِ الْغَارِ حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ نا عَبْدَانُ الْجُوَالِقِيُّ4 نا دَاهُرُ بْنُ نُوحٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ نا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ رَهْطًا ثلاثة انطلقوا فأصابتهم السماء فلجؤوا إِلَى غَارٍ فَبَيْنَمَا هُمْ فِيهِ إِذِ انْقَلَعَتْ صَخْرَةٌ مِنْ قُلَّةِ الْجَبَلِ حَتَّى تَدَهْدَهَتْ حَتَّى جَثَمَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ" قَالَ: "فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كُفَّ الْمَطَرُ وَعَفَا الْأَثَرُ وَلَنْ يَرَاكُمْ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أَفْضَلَ عَمَلٍ عَمِلَهُ قَطُّ فليذكره ثُمَّ لِيَدْعُ اللَّهَ" 5 وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ فَانْفَجَرَتِ الصَّخْرَةُ فَانْطَلَقُوا مُعَانِقِينَ أَيْ مُسَارِعِينَ مِنَ الْعَنَقِ
__________
1 ذكر هـ الحافظ في المطالب العالمية 4/368 و412, وعزاه لأبي بكر بن أبي شيبة وذكره الهيثمي في مجمعه 10/401 بنحوه وعزاه للطبراني.
2 اللسان والتاج "عجرف" وعزف لأمية بن أبي عائد. وهو في شرح أشعار الهذليين 2/498.
3 سهقط من ت, وهو في س, م, ح.
4 م: "الجوالقي" والمثبت من ت, س, ح.
5 حديث الغار هذا من حديث أبي هريرة, ذكره الهيثمي 8/142, بألفاظ متقاربة, وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط. وأخرجه البخاري في 8/3, ومسلم في 4/2099 من حديث ابن عمر.

(1/204)


وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَنَدَّ مِنْ دِمَاءِ الْحَرَامِ بِشَيْءٍ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ" 1
فمعناه لم يُصِب منها شيئًا يقال ما نَدِيَني من فلان بَأسٌ أي ما أصابَني وما نَدِيتُ بشيء قَالَ النَّابِغَةُ:
وما نَدِيتُ بشيءٍ أَنتَ تكرَهُه ... إذًا فلا رفَعتْ سَوْطِي إليَّ يدي2
فأما قولهم: فلان يَتَنَدَّى عَلَى أصحابه فمعناه يَتَسَخَّى عليهم3 والنَّدَى العَطاء
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" 4 فإنَّ شَطْرَ الْكَلِمَةِ نِصْفُهَا
وحدثني محمد بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ عن قُتَيْبَةَ أنا الحُمَيْديّ عن سفيان بن عُيَيْنَة قَالَ هُوَ أن يقول أُقْ..أي اقْتُل وهذا كقوله: كَفَى بالسَّيْفِ شا..يريد شاهدا
__________
1 أخرجه ابن ماجه 2/873, وأحمد 4/148,152.
2 الديوان 86.
3 من ت, م, ح.
4 أخرجه ابن ماجه 2/874.

(1/205)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّجُلَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ آخِرَ الْخَلْقِ قَالَ: "فَيَسْأَلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأَكُونَ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بن
__________
1 أخرجه أحمد 3/27.

(1/205)


أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ1 ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَالَ الأصمعي: النِّجَافُ أُسْكُفَّة الباب قَالَ والنِّجاف في غير هذا القِطعةُ من الجِلد أو الخَصَفَةُ تُرْبَطُ عَلَى التَّيْس إذا كَرِهُوا سفاده لئلا يسفد.
__________
1 ت: "يحيى بن أبي بكر".

(1/206)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُؤَرِّضْهُ مِنَ اللَّيْلِ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثنا ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ
قوله: يؤَرِّضه معناه يُهَيِّئه ويُقَدِّم النِّيَّة له من اللَّيل كقوله: "لا صِيام لمن لم يُبَيِّتْه من الليل" 2 ويقال أَرَّضْتُ المكانَ إذا سَوَّيتَه وَهَيَّأْتَه وقال الأصمعيّ مكان أرِيضٌ إذا كان خَلِيقًا للخَيْر جَيِّدَ النّبات ويقال: تأرَّضَ الرجلُ إذا لزِم الأرضَ ولم يَبْرحْ وأنشد أبو زيد:
وصاحب نَبَّهتُه ليَنْهَضَا ... إذا الكَرَى في عينْهِ تَمَضْمَضَا
فقام عَجلانَ وما تَأرَّضا ... يَمْسَحُ بالكَفَّيْنِ وجْهًا أَبْيضا3
وقال ابن السِّكِّيتِ يقال تَركتُ القومَ يتأرَّضُونَ المنزل4: أي يختارون
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة 3/32, والدارقطني في سننه 2/172 بلفظ: "لم يفرضه".
2 أخرجه النسائي 4/196, 198, والدارمي 2/7, والبيهقي في السنن الكبرى 4/202 بألفاظ متقاربة
3 اللسان والتاج "أرض".
4 ح "يتأرضون للمنزل".

(1/206)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ"1
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثنا هَمَّامٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ" فإنه يُتَأَول أيضًا عَلَى تقْديم النِّيَّة له من الليل إذ كان الليلُ غيرَ مَحَلٍّ للصَّوم وفيه وجه آخر وهو أن تُذكَرَ اللَّيالي ويُرادَ بها الأَيَّام كقولهم خرجنا لَياليَ الفِتْنَة وخِفنا ليالي إمارَةِ فلان
وقال أبو عمرو بن العلاء: هَرَبنا لَيالِيَ إمارَةِ الحَجَّاج وإنما يُراد في هذا كله الأَيّام بلياليها وعلى هذا يُتَأَوَّلُ قَولُه تَعالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 2 يُرِيد والله أعلم الأيّامَ بلياليها. وكان المُبرَّد يقُول إنما أَنّث العَشْرَ لأَنَّ المرادَ به المُدَّةَ وذهب بعضُ الفقهاء إلى أنه إذا انقَضَى لها أربعة أشهر وعَشْرُ ليالٍ حَلَّت للأَزْواج وذلك لأَنَّه رأَى العَددَ مُبْهَمًا فغَلَّبَ مَعنَى التّأنيث وتأوّلها عَلَى اللّيالي وإليه ذهب الأوزاعِيُّ من الفقهاء وأبو بكر الأَصَمّ من أهل الكلام.
أخبرني به الحسنُ بنُ يَحْيى عن ابن المُنذِر ويقال إنهم إنما اعْتَبروا إنشاءَ التَّاريخ من اللَّيالي لأَنَّ الأَهِلَّةَ تَسْتَهِلُّ فيها3.
__________
1 أخرجه النسائي 4/224, 225, وأبو داود 2/328, وأحمد 5/27.
2 سورة البقرة: 234
3 هامش م: "تستهل بها".

(1/207)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ مَكَثَ فِي الْغَارِ وَأَبُو بَكْرٍ ثَلاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ

(1/207)


لَقِنٌ ثَقِفٌ يُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ كَبَائِتٍ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مِنْحَةً فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِهَا وَرَضِيفِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا بِغَلَسٍ"1
حَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ2 نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا حَرْمَلَةُ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلا قَوْلَهُ: وَرَضِيفُهَا فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ مِنْحَتِهَا ورَضِيفِهَا هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ
يقال رجل لَقِن إذا كان حَسَن التَّلَقُّن لِمَا يَسْمَعُه وثَقِفٌ إذا كان ذا فِطْنَةٍ وفَهم قَالَ طَرفَةُ:
أَوَما عَلِمْتَ غَداةَ تُوعِدُني ... أنيَّ بحَرْبك عالِمٌ ثَقِفُ3
ويقال رجل ثَقِف وامرأة ثَقَافٌ
وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ قَالَتْ أُمُّ حَكِيمٍ لَمَّا جَاوَرَتْ أُمَّ جَمِيلٍ بِنْتَ حَرْبٍ: إِنِّي لَحَصَانٌ فَمَا أُكَلَّمُ وَثَقَافٌ فَمَا أُعَلَّمُ وَكِلْتَانَا مِنْ بَنِي الْعَمِّ ثُمَّ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْلَمُ4 ومِثلُه رجل رزِينٌ وامرأةٌ رزَانٌ قَالَ حسان:
__________
1 الجامع الصحيح للبخاري 5/77,73.
2 ت: "عبد الرحمن".
3 الديوان /176.
4 مسند الحميدي /154.

(1/208)


حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بِريبَةٍ ... وتُصْبح غَرْثَى من لُحومِ الغَوَافل1
والرَّضيف: اللَّبَن المرضوف وهو الَّذِي يُحقَن في السِّقاء حتى يصير حازِرًا ثُمَّ يُصبّ في القَدَح وقد سُخِّنَت له الرِّضاف فَتُوضَعُ فيه الرِّضْفَةُ المُحماةُ فتكْسِر من بَرْدِه وتذهْبُ بوخَامَتِه ورواه بعضهم وصَرِيفها والصَّريفُ اللَّبَنُ ساعةَ يُحلَبُ قَالَ الراجز:
لكن غَذَاها لَبَنُ الخَريف ... المَحْضُ والقَارِصُ والصَّرِيف2
والنَّعْق دُعاء الغَنَم3 بلَحْن تُزْجَر به قال الشاعر:
انعق بضَأْنِك يا جَرِيرُ فإنَّما ... مَنَّتْكَ نفْسُكَ في الخلاء ضَلالا4
يهجو جَرِيرًا وجعله راعِيًا لأَنَّ بني كليب أصحاب غنم
__________
1 الديوان /242.
2 كذا في النسخ وفي اللسان والتاج "خرف" وعزي لسلمة بن الأكوع. وقال الهروي: الرواية: اللبن الخريف.
3 م: "دعاؤك الغنم".
4 اللسان والتاج "نعق" وعزي للأخطل وهو في شعر الأخطل /392.

(1/209)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ" 1
قوله: مدَاد كلماتِه يريد قَدْر كلماتِه أو مِثْلَها في العدد كثرة والمداد مَصْدر كالمَدد. يقال مَددتُ الشيءَ أَمُدُّه مَدَدًا ومِدَادًا
ومن هذا حديثه الآخر في ذكر الحَوْض أنه قَالَ: "ينْثَعِب فيه مِيزَابَان من الجَنَّة مِدادُهما الجَنَّةُ" 2: أي تمدّهما أنهارُ الجَنَّة قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه مسلم 4/2090, والنسائي 3/77, واين ماجه 2/1251 وغيرهم.
2 أخرجه أحمد 4/424, وعبد الرزاق 11/406, والحاكم 1/76 بنحوه.

(1/209)


رَأَوْا بَارقاتٍ بالأكُفِّ كأنَّها ... مَصابيحُ سُرْجٍ أُوقِدَت بمدادِ1
أي بزَيْت يَمُدُّها
ورواه سَلَمَةُ عن الفَرَّاء قَالَ: قَالَ الحارثي: يجمعون المُدَّ مِدادا قَالَ: وأنشد:
ما يَرن في البحر بخير سِعْر ... وخير مُدٍّ من مِدادِ البَحْر2
ويقال: بني القومُ بيوتَهم عَلَى غِرار واحد وعلى مِداد واحد: أي عَلَى نَسَقٍ واحد وأنشدني بعض أهل الأدب:
ومن طِرازِ الرّجَزِ الأجاوِدِ ... عَلَى غِرارٍ ومدادٍ واحدِ3
__________
1 اللسان والتاج "مدد" وعزي للأخطل وهو في "شعر الأخطل" 1/174.
2 ساقط من ح, ط وفي هامش م: ما يرن, من الميرة.
3 اللسان والتاج "مدد" وعزي لجندل

(1/210)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا هَوْمَ الأَرْضِ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ" 1
مِنْ حَدِيثِ مُسَدِّدٍ نا خَالِدُ2 بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: هَوْم الأرض هكذا رواه لنا المحدِّث عن أبي خليفة عن مسدَّدٍ ولَستُ أدري ما هَوْم الأَرْض ولا سمعت فيه من ثِقَةٍ ما أَعتمده إلا أن بعض أهل اليمن قَالَ لي هَوْم الأَرْض مشهور في لُغَتِنا وهو بُطْنَانُ الأرض وقال بعض أهل اللغة الهَوْمَةُ والهَوْمَات اسم يقع عَلَى جميع الفَلَواتِ3 وقال بعضهم هذا تصحِيفٌ وإنما هُوَ فاجتَنِبُوا هوى
__________
1 أخرجه مسلم 3/1525, والترمذي 5/143, وأحمد 2/378 بلفظ "فاجتنبوا الطريق" وانظر الفائق 3/103.
2 س: "خلف بن عبد الله" والمثبت من ت, م, ح, ط.
3 من ت, م, س.

(1/210)


الأرْض جَمْعُ هُوَّة وهي الحُفْرةُ يشرف عليها أَسنادٌ غِلاظٌ وقال آخر بل هُوَ هَزَم الأرض وهو ما تَهَزَّمَ منها أي تكسَّر وتَشَقَّق ومنه حديث أسعد بن زُرارَة: "أن أول جمعة جمعت في الإسلام بالمدينة في هَزَم بني بياضَة"1
وجاء في الحديث: "أن زَمْزَمَ هَزْمَةُ جبريل"2: أي من ضَرْبِه الأرضَ وشَقِّه إياها قَالَ الأصمعي يقال سمعت هَزْمَةَ الرَّعْد وهو صوته الَّذِي كأنَّ فيه تشققا.
__________
1 سنن ابن ماجه 1/244, وأبو داود 1/280.
2 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/50 عن مجاهد.

(1/211)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِغُلامٍ يَسْلَخُ شَاةً فَقَالَ لَهُ: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيكَ" فَدَحَسَ بِيَدِهِ حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ الْمَعْنِيُّ2 قَالُوا ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا هِلالُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ قَالَ هِلالٌ لا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ أَيُّوبُ وَعُمَرُ وَأُرَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: دَحَس بها يريد أنه أدخل يدَه دَسًّا بين اللَّحم والجِلد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "حَقٌّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَدْحَسُوا الصُّفُوفَ حَتَّى لا يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرَجٌ"3.
__________
1 سنن أبي داود 1/47, وسنن ابن ماجه 2/1061. وفي س, ح: "ولم يتوض". والمثيت من م.
2 ساقطة من ح. م
3 مصنف عبد الرزاق 2/50.

(1/211)


قال الأصمعي: يت دِحاسٌ أي مَمْلُوءٌ ويقال قد أَدْحسَ الزَّرعُ إذا امتلأت أَكَّمتهُ من الحَبّ ودحَسَ الرجلُ بالشَّرِّ إذا دسَّه من حيثُ لا يعلم به قال الشاعر:
إن دَحَسُوا بالشَّرِّ فاعْفُ تَكَرُّمًا ... وإن كَتَمُوا عنك الحَدِيثَ فلا تَسَلْ1
__________
1 اللسان والتاج "دحس", وعزي للعلاء بن الحضرمي, أنشده النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(1/212)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه كَانَ أَسْجَرَ الْعَيْنَيْنِ1
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ نا خَالِدٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الأصمعي السَّجر أن يكون سوادُ العين مُشرَبًا حُمرةً يقال رجلٌ أَسْجرُ وامرأةٌ سَجراءُ وقال غيره السَّجَر والسُّجْرَةُ حُمرةٌ في بياضِ العين وهذا أشبَه بمَعْنى الحديث لأنه قد رُوِي في نعتِه: أنه كان أَشْكَلَ العَيْنَيْن2 والشُّكْلَةُ: حُمرةٌ في بياض قَالَ الشاعر:
فَما زالَت القَتْلَى تَمُورُ دِماؤُها ... بدِجْلَةَ حتى ماءُ دِجلةَ أَشْكلُ3
وأخبرني أبو بكر4 الخُوارِي قَالَ سألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن قوله: أشكل العَيْنَين فَقَالَ كانت بعينيه سُجْرة فجعل السُّجْرة والشُّكْلَةَ واحدة على خلاف مذهب الأصمعي ويقال إِبِل سُجْر أي حمر قال ذو الرمة:
__________
1 الفائق "مغط" 3/376.
2 أخرجه مسلم 4/1820, والترمذي في الشمائل 43.
3 اللسان والتاج والأساس "شكل" وعزي لجرير, وهو في ديوانه/367.
4 من ت. م, ح.

(1/212)


إذا ما ادَّرَعْنا جَيْبَ خَرْقٍ نَحَتْ بِنَا ... غُريْرِيَّة أُدْمٌ هَجَائِنُ أَو سُجر1
ويروى نَجَتْ بَنَا
وَمِنْ نُعُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ فِي خَاصِرَتَيْهِ انْفِتَاقٌ"2
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "كَانَ فِي خَاصِرَتَيْهِ انْفِتَاقٌ"2 قَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ مَعْنَاهُ اسْتِرْخَاءٌ
ورُوِي في حديث آخر: "أَنَّه كان مُفَاضَ البَطْن"3 وهو أن يكون فيه امتلاء والعرب تَمدح به السادة وتقول اندِحَاقُ البَطْن من علامات السُّؤْدَدِ وتَذُمُّه في النِّساء قَالَ امرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ4
وقد وُصِف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غير هذين الخَبَرَيْن5 بالخَمَص وقد يَتَّفِق أن يُجمَع بين النَّعْتَين بأن يكون الضُّمر في أعلى البَطْن والوُفورُ في أَسفَله يَدُلُّ عَلَى صِحَة ذَلِكَ قولُهُ: "كان في خاصِرَتَيْه انفِتاق"
ومنها خَبرَ أنس "أنه كان أسمر"6
__________
1 الديوان /217, وجاء في الشرح: غريرية: منسوبة إلى بني غرير, وهو حي من اليمن, لهم نجائب أدم بيض.
2 النهاية "فتق" 3/409, وفيها: أي اتساع.
3 الفائق"مغط" 3/376, وأخرجه البيهقي في الدلائل 1/240 بلفظ: سوي البطن.
4 الديوان /15
5 س: "الحديثين". وذكره الهيثمي في مجمعه 8/273 بلفظ: "خمصان الأخمصين" في حديث طويل, وكذلك دلائل النبوة للبيهقي 1/240.
6 ابن حبان في الموارد /521, وذكره الهيثمي في مجمعه 8/272, وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار, ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

(1/213)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْحَرْبِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ". وَهَذَا خَبَرٌ تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدٌ الطَّحَّانُ وَفِي نَعْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب رسول الله "أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا"1.
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: "أَنَّهُ كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ"2.
والسُّمْرَةُ لَونٌ بين البياض3 والأُدْمَةِ وقد يُجمعَ بين الخَبَرين بأن تكون السُّمرةُ فيما يبرز للشَّمسِ من بدنه والبَياضُ فيما واراه الثِّيابُ ويُستَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بقول ابن أَبي هَالَةَ في وصفِه: "أَنَّه كان أَنْوَر المُتَجَرَّد"4 ويُتَأَوّل قولُه: كان أزهرَ عَلَى إشراق اللون ونُصُوعه لا عَلَى البَياضِ.
وفيه وجه آخر وهو أنه مُشرَبُ الحُمرة والحُمرةُ إذا أُشْبِعَت حَكَت سُمْرَة ويدُلّ عَلَى هذا المعنى قَولُ الواصِفِ له لم يكن بالأبيض الأمهق5.
ومنها ما رُوِي عن بعض الصحابة قَالَ رأيتُ رَسُول الله وافرَ السَّبَلَة6.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمَقَّرِيُّ7 نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ حدثني أبو يحيى
__________
1 مجمع الزوائد 8/272, موارد الظمآن /521, الطيالسي 1/25 بنحوه.
2 البخاري 4/228, مجمع الزوائد 8/283, موارد الظمآن /521.
3 ت: "السواد", والمثبت من س, م.
4 مجمع الزوائد 8/283, دلائل النبوة للبيهقي 1/240.
5 أخرجه البخاري 4/228, ومسلم 4/1824 وغيرهما من حديث أنس.
6 الفائق "مغط" 3/376.
7 م: "الحيري" بدل "المقري".

(1/214)


مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ نا سُلَيْم بْنُ الْحَارِثِ أَخُو خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نا جَهْضَمُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّجِيجِ فَرَأَيْتُ شَيْخًا قَالُوا هَذَا الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ قُلْتُ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: صِفْهُ قَالَ: كَانَ حَسَنَ السَّبَلَةِ قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي اللِّحْيَةَ السَّبَلَةَ1.
وقد يدفعه قوم ويرونه مخالفًا لسُنّته في قص الشوارب وليس بينهما خلاف وإنما يتوهم ذلك من أجل أن السَّبَلة عند العامة الشَّاربُ وهي عند العرب مُقَدَّم اللِّحْية قَالَ الأصمعيّ السَّبَلَةُ ما أُسْبل من مُقَدَّم اللَّحْيةِ عَلَى الصدر يقال للرجل الطَّويلِ السَّبَلَة: إنه لأسْبَلُ ومُسبلٌ قَالَ الشاعر:
تَرى لِحْيةَ الجَرْميّ من تحت حَلْقِه ... فَما نبَتَت من لؤم جَرْمٍ سِبالُها
أي لحاؤها2.
وَمِنْهَا خَبَرُ جَابِرِ بن سمرة: "أنه كان أَخْضَرُ الشَّمَطِ"3.
حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ4 نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ نا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ وَإِنَّمَا كَانَ يُخَضِّرُ شَيْبَتَهُ5 بِالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالنَّرْجِيلِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَإِذَا ادَّهَنَ
__________
1 من ت, م. أخرجه الهيثمي في مجمعه 8/281, وعزاه للطبراني.
2 من م.
3 الفائق 3/376. "مغط"
4 ت: "حسين بن مصعب".
5 م, ط: "يخضر شيبه بالطيب".

(1/215)


وَامْتَشَطَ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ رَأَيْتَهُ مُتَبَيِّنًا".1 والخُضْرة أيضًا السواد ولا موضع له هاهنا
ومنها في خَبَرٌ لِعَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ تَبْرُقُ أَكَالِيلُ وَجْهِهِ"2
يَرْوِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ3 لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَهِيَ جَمْعُ إِكْلِيلٍ تُرِيدُ بِهِ نَاحِيَةَ الْجَبْهَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْجَبِينِ كَحَدِيثِهَا الآخَرِ: "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا تَبُرقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ"4؛ وَهِيَ خُطُوطٌ بَيْنَ الْحَاجِبَيْن وَقُصَاصُ الشَّعَرِ وَذَلِكَ أَنَّ الإِكْلِيلَ إِنَّمَا يُوضَعُ5 هُنَاكَ وَكُلُّ مَا أَحَاطَ بِالشَّيْءِ وَتَكلَّلَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ6 فَهُوَ إِكْلِيلٌ وَيُقَالُ: إِنَّمَا أُخِذَتِ الكلالة من تكلل النسب
__________
1 صحيح مسلم 4/1823, ومسند أحمد 5/104, والبيهقي في الدلائل 1/182.
2 الفائق "كلل" 3/273, وفيه: الإكليل: شبه عصابة مزينة بالجوهر جعلت لوجهه صلى الله عليه وسلم آكاليل على سبيل الاستعارة. وهو نوع من الاستعارة. لطيف دقيق المسلك. وقيل: أردت نواحي وجهه وما أحاط به من التكلل وهو الإحاطة.
3 م: "يرويه عاصم بن علي بن ليث بن سعد".
4 أخرجه البخاري 4/229, ومسلم 2/1081.
5 س: "..أن الأكليل إنما توضع هناك". والمثبت من بقية النسخ.
6 ساقط من ت.

(1/216)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ مُقَصَّدًا"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بن
__________
1 أخرجه مسلم في الفضائل 4/1820, رقم الحديث"99".

(1/216)


هَارُونَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي الطُّفَيْلِ: أرأيت رسول الله؟ ققال نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ قَالَ كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا"
الْمُقَصَّدُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَيْسَ بِجَسِيمٍ وَلا قَصِيرٍ
ورواه بعضهم مُقْصَدًا ساكنة القاف مخففة الصاد مفتوحتها قَالَ: وهو الرَّبَعَة من الرجال.
قَالَ: وكل شيء مستوٍ غير مُسرف ولا ناقص فهو قَصَد ومُقْصَد1
ورواه يحيى بن معين: معضدا وهو الموثق الخل والمحفوظ هو الأول
__________
1 من ت.

(1/217)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِعُطْبُولٍ وَلا بِقَصِيرٍ"1
حَدَّثُونَا عَنِ الْحَضْرَمِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ
العُطبولُ: الطَّويل. يقال: رجل عُطبولٌ, وجاريَةٌ عُطبول, ويقال: هُوَ الَّذِي جَمَع امتدادَ القامَةِ وطولَ العُنُق أنشدنا أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
قد أبصرتْ سُعدَى بها كتائلي ... مثل الجواري الحُسَّر العَطَابِل2
الكتائل جمع كتيلة, وهي بلغة طيىء النخلة التي قد فاتت اليد, أراد
__________
1 أخرجه مسلم 4/1818, والترمذي 4/219, 5/598, بلفظ: "لم يكن بالطويل ولا بالقصير".
2 اللسان التاج "كتل"

(1/217)


أنّه كان رَبْعَةً من الرجال من غير طولٍ بائن ولا قِصَر شائنٍ وهذا كما وصفه هِنْد بن أبي هالة فَقَالَ كان أَطْولَ من المَرْبوع وأَقْصَر من المُشَذَّب1 وفَسَّره ابنُ قتيبة2 فَقَالَ المُشَذَّبُ الطَّويلُ البائِنُ الطُّولِ وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري أنه قَالَ هذا غلط لأنه لا يقال للبائن الطّول إذا كان كثير اللحم مُشَذَّبٌ حتى يكون في لَحْمه بعضُ النُّقْصانِ فَوصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه يخالف المُشَذَّبَ في طوله ولا يخالفه في نُقْصان بَعضِ لحمهِ إذ كان المُشَذَّبَ عندهم مُشَذَّبًا لنُقْصانِ بعض الَّذِي عليه والعرب تقول جِذْعٌ مُشَذَّب إذا قُشِر ما عليه من الشَّوكِ وغيره ويقولون فرسٌ مُشَذَّبٌ إذا كان طويلًا ليس بكثير اللحم في أعضائه فالرجل المُشَذَّبُ بمنزلة الفرس المُشَذَّب في المعنى الَّذِي وصفناه قَالَ الشاعر يصف فرسًا:
أَمَّا إذا استَقْبَلْتَه فكأنّه ... في العَيْن جِذعٌ من أَراكٍ مُشَذَّب
وقال امرؤ القيس:
له جؤجؤ حشر كأنّ لِجامَه ... يُعالَى به في رأس جذع مشذب3
__________
1 أخرجه البيهقي في الدلائل 1/240, وذكره الهيثمي في مجمهع 8/273.
2 1/489
3 الديوان /48

(1/218)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ الرِّبَا بِالْبَيْعِ وَالْخَمْرُ بِالنَّبِيذِ وَالْبَخْسُ بِالزَّكَاةِ وَالسُّحْتُ بِالْهَدِيَّةِ وَالْقَتْلُ بِالْمَوْعِظَةِ" 1
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ عَنِ ابن المبارك عن الأوزاعي
__________
1 الفائق "بخس" 1/82, والنهاية "بخس" 1/102.

(1/218)


أصل البَخْسِ النُّقصانُ قَالَ الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} 1 وإنما أريد به المَكْسُ وما يأخذه الوُلاةُ باسم العُشْر ويتأوَّلون فيه مَعنَى الزكاة والصّدقات وهو مكس وظلم وقد قال "لا يَدخُل الجَنَّةَ صاحبُ مَكْسٍ2"
قَالَ الشاعر:
وفي كُلِّ أَسواقِ العِراقِ إتَاوَةٌ ... وفي كلّ ما باع امرؤٌ بخْسُ دِرْهَم3
ويروى: مكْس دِرْهم
وأَصلُ المكس النُّقصان يُقالُ مَكسَني حَقِّي وبَخَسَني ومنه أُخِذَ المِكاسُ في البَيْع وهو أن يَسْتَوْضِعَه المُشتَري شيئًا من الثمن قَالَ الأخفش العرب تَقولُ في الرجلين بينهما نِزاعٌ وتجاذُبٌ بينهما عِكاسٌ ومِكَاسٌ وأَنْشَد أو غيرُه4 لِقُلاخ بن حَزْن المِنْقَرِيّ:
حتى تَقُولَ الأَزْدُ لا مِسَاسَا ... إن نَحنُ خِفْنا مِنْهُمُ مِكَاسا
وقوله: والسُّحْتُ بالهَدِيَّة: أي الرِّشْوة في الحكم والشهاداتِ وما أشبهها من الأمور اللازِمَة لأَهلِها الواجبِ عليهم القيامُ بها
والقَتْلُ بالمَوِعظَة أن يُقْتَل البَرِيءُ ليتَّعظَ به العامة
__________
1 سورة يوسف: 20
2 أخرجه أبو داود 3/133, وأحمد 4/143, 150 وغيرهما.
3 اللسىان والتاج والأساس"أتى", وعزي لجابر بن حنى التغلبي, والشطر الثاني في الفائق 1/82.
4 ت: "وأنشده غيره".

(1/219)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَهُ فِي غَزَاةٍ فَأَتَاهُ سَهْمُ غَرْبٍ فَمَكَثَ مُعَالَجًا فَجَزِعَ مِمَّا بِهِ فَعَدَا عَلَى سَهْمٍ مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ رواهشه"1
__________
1 الفائق"غرب" 3/62.

(1/219)


مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُمَارَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قال أبو عمرو: الرواهِشُ والنّواشِرُ: عُروقُ باطِنِ الذِّراع والأَشاجعُ: عروق ظاهر الكَفِّ
وقال الأصمعيّ: الرّواهِشُ: العَصَب الَّذِي في ظاهر الذِّراع وأَنشد:
أَعددت للحرب فَضْفَاضَةً ... دِلاصًا تَثَنَّى عَلَى الرَّاهِشِ1
قَالَ والنَّواشِرُ: عَصَبُ الذِّراع من باطن وخارج والواحدةُ ناشِرَة قَالَ الشاعر:
ودارٌ لها بالرَّقْمَتَيْن كأنها ... مَراجِعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ2
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُ الدُّوسِيِّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا هَاجَرَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ هَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَى الْمَدِينَةَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ فقَطَعَ بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ3
قَالَ الأصمعي: البَرَاجِم واحدها بُرْجُمة وهو مُلْتَقَى رُؤوسِ السُّلامِيات من ظَهْر الكَفّ إذا قَبَض الإنسانُ كَفَّه نَشَزَت وارتَفَعَت وبها سُمَّيت البَراجِمُ من بني تميم
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس ثعلب قَالَ البَراجِمُ العقد
__________
1 االلسان التاج "رهش" ولم يعز
2 اللسان والتاج "رقم" وعزي لزهير, وهو في الديوان /5 برواية: "ديار لها بالرقمتين".
3 أخرجه مسلم: الإيمان, حديث رقم 184, ومسند أحمد 3/370.

(1/220)


المتشنِّجةُ والرَّواجبُ ما بين البَراجِم والواحدة راجِبَة فأما الأَرجابُ فهي الأَمعاءُ واحدها رُجْبٌ1
وَمِنَ الرَّوَاجِبِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ الْأَصَمُّ ثنا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي كَعْبٍ2: مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ أَبْطَأَ عَنْكَ جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: "ولم لا يبطىء عَنِّي وَأَنْتُمْ حَوْلِي لا تَسْتَنُّونَ وَلا تُقَلِّمُونَ وَلا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ" 3
أراد ما يجتمع في تَشَانِيجِها من الوَسَخ
وقوله: سَهْمُ غَرْبٍ فإنه ما أصاب الرجلَ وهو لا يعرف راميه قَالَ أبو زيد يقال أصابه سَهمُ غَرْبٍ ساكنة الراء إذا أتاه من حيثُ لا يَدْري وسهم غَرَب –بالفتح- إذا رماه فأصاب غيره.
__________
1 س: "وحدها رجيب", والمثبت من م, ت, ح.
2 س, ح: "أبي بن كعب".
3 أخرجه أحمد 1/243, ومجمع الزوئد 5/167.

(1/221)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِهِ الْعِشَاءَ حين غاب الشفق وايتطأ الْعِشَاءَ"1
يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عن الحسن
قوله: ايتطأ وَزنُه افْتَعَل من وطَّأتُ الشَّيءَ إذا هيأته وأصلحته فايتطأ:
__________
1 النهاية "وطأ" 5/202, وجاء فيها: في الفائق 4/69: "حين غاب الشفق وأنطى العشاء", قال: وهو من قول بني قيس: لم يأتط الجداد. ومعناه لم يأت حينه. وقد أئتطى يأتطي كائيلي يأتلي. بمعنى الموافقة والمساعفة.

(1/221)


أي تهيَّأ وصَلَح والمعنى أنه صلَّى حين غاب الشَّفَقُ وأدركَ وَقت العِشاء فَصَلَح أن تُصَلِّي.
وقال أبو زيد يقال إيتطأ الشَّهرُ وذلك قبل النصف بيوم وبعده بيوم بوزن إيتطع1
__________
1 من ت, م.

(1/222)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الْخِضْرَ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءُ" 1
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ نا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ أبو عُمَر: الفَروةُ: الأرضُ البيضاء لا نباتَ فيها. وقال غيرُه: أراد بالفَرْوَةِ الهَشيمَ اليابِسَ شَبَّهه بالفَرْوَة ومنه قيل فَروةَ الرأسِ وهي جِلدتُه بما عليها من الشعر قَالَ الراعي:
ولقد تَرَى الحَبَشِيَّ حولَ بيوتِنا ... جَذلًا إذا ما نَالَ يوما مَأْكَلا
صَعْلا أَسكَّ كأن فروةَ رأسه ... بُذِرَت فأنبت جانباه فلفلا2
__________
1 أخرجه البخاري 4/190, والترمذي 5/321 وغيرهما.
2 الديوان /117 ط دمشق, وديوان ط وديوانه ط بغداد /176.

(1/222)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ حَتَّى يَدَعَهَا مِثْلَ الْقِدْحِ أَوِ الرَّقِيمِ"1
حَدَّثَنَا2 إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا وهب
__________
1 أخرجه مسلم: الصلاة, رقم الحديث 28, وأبو داود 1/178, وابن ماجه 1/318 وغيرهم بدون لفظ: "الرقم".
2 من ت, م.

(1/222)


بْنُ جَرِيرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ويُروَى: مِثلَ الرُّمْح
أولُ ما يُقْطَع السَّهمُ ويُقْتَضَبُ يُسَمَّى قِطْعًا ويجمع عَلَى القُطُوع فإذا بري سمي بريا فإذ قُوِّم وأَنَى1 له أن يُراشَ ويُنْصَل فهو القِدْح فإذا رِيشَ ورُكِّبَ نصلُه صار سَهْمًا
والرَّقيم: الكِتابُ فعيل بمعنى مَفْعول يقال: رقمت أرقم رَقْمًا إذا كتبت قَالَ الله تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} 2 وقال الشاعر:
سأرقُم في الماء القَراحِ إليكمُ ... عَلَى بُعدِكم إن كان للماء راقِمُ3
والمعنى أنه كان يسوّي الصفوفَ حتى لا يترك فيها عِوَجًا ولا حَدَبًا كما يُصلِح البارِي القِدْح ويُقِوِّمُ الكاتب السطر
__________
1 ت: "وآن".
2 سورة المطففين: 9
3 سبق في اللوحة 19.

(1/223)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَقَالَ لَهُ: "بِقَدْرِ أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ"؟ قَالَ قَدْ رَأَتِ الْقَتِيرَ قَالَ: "دَعْهَا" 1
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَّةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: "بِقَرْنِ أَيِّ النِّسَاءِ هي"؟ 2
__________
1 أخرجه أحمد في 6/366, ورواه أبو داود في 2/233 في النكاح.
2 من ت, م.

(1/223)


القَتير الشَّيب قَالَ الأصمعيّ: يقال: لَهزَه القَتِيرُ ووخَزَه وَخْزًا إذا بدا به الشَّيبُ قَالَ العَجَّاجُ:
مع الجَلا ولائِحِ القَتِير1
والقَتِيرُ في غير هذا رُؤُوس حَلَقِ الدِّرع قَالَ الهْذَليّ:
وعَلَيَّ سابِغةٌ كأنَّ قَتِيرها ... حَدَقُ الأَساودِ لونُها كالمِجْوَلِ2
وقوله: "بقَرْنِ أيّ النّساء هي"؟ يريد السِّنَّ وكل نَشْءِ زمان متقاربةٌ أسنانهم فهم قَرْن.
أنشدني أبو عمر قَالَ أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب:
إذا ما مضى القرن الَّذِي أنت منهم ... خلفت في قرن فأنت غريب3
__________
1 ديوانه /221.
2 لم أقف عليه في شرح أشعار الهذليين.
3 من ت, م. والبيت في اللسان والتاج "قرن".

(1/224)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ فِيهَا مِثْقَالُ نَمْلَةٍ مِنْ خَيْرٍ إِلا طِينَ عَلَيْهِ طِينًا1"
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ نا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَلْهَانِيُّ: أَبُو أَنَسٍ نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي ابْنُ ثَوْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ أبي يرده إلى مكحول إلى الحارث بن الحارث إِلَى مَالِكِ بْنِ يُخامِرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ
قوله: طِينَ عليه أي جُبِل عليه ويروى طِيَم عليه يقال طانه الله وطَامَه قَالَ الأصمعي يقال طانني الله عَلَى غير طينتك2, وأنشد الأحمر:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/731 وعزاه للطبراني.
2 س: "طانني الله على طينتك", والمثبت من ت, م.

(1/224)


لئن كانت الدنيا له قد تزيَّنَت ... عَلَى الأرض حتى ضاق عنها فَضَاؤُها
لقد كان حُرًّا يَسْتَحِي أن يَضِيمَه ... أَلا تِلكَ نَفْسٌ طِينَ مِنْهَا حَياؤُها1
وقوله: طِينًا مصدر عَلَى فِعْل كقولك حان ذلك منه حِينًا وكقولك حَرَص حِرْصًا وسَحَر سحرا.
__________
1 س: "طين فيها حياؤها" والمثبت من باقي النسخ. والبيتان في اللسان والتاج "طين".

(1/225)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ: "إِنْ وَلَدَتْهُ أُحَيْمِرَ مِثْلَ الْيَنَعَةِ فَهُوَ لأَبِيهِ الَّذِي انْتُفِيَ مِنْهُ وَإِنْ تَلِدْهُ قَطَطَ الشَّعْرَ أَسْوَدَ اللِّسَانِ فَهُوَ لابْنِ السَّحْمَاءِ"
قَالَ عَاصِمٌ فَلَمَّا وَقَعَ أَخَذْتُ بفَقْوَيْهِ فَاسْتَقْبَلَنِي لِسَانُهُ أَسْوَدُ مِثلُ التَّمْرَةِ1"
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
اليَنَعَةُ: خَرَزَةٌ حَمْرَاءُ. واليَنَع: ضَرْب مِنَ الْعَقِيقِ مَعْرُوفٌ
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ2 فَقَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ" 3
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوِرْكَانِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
الوَحَرَةُ: الوزغة
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/332 بلفظ "بفقمة" بدل "بفقويه" وبلفظ: "مثل النبقة" بدل "مثل الينعة".
2 ح, م: "عن الزهري".
3 أخرجه أبو داود في 2/274, والبيهقي في السنن الكبرى 7/399.

(1/225)


وقوله: أخذت بفَقْويه غلط والصواب أخذت بفقميه والفققم: الحَنَك.

(1/226)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ لاثَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ الله: "الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا1".
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ
قوله: لاثَ به النَّاسُ معناه أَحاطُوا به واجتمعوا عليه وكلُّ شيءٍ اجْتَمع والتَبَس بعضُه ببعض فهو لائِثٌ
قَالَ الراجز:
لاثٍ به الأَشَاءُ والعِبْرِيُّ2
يريد لائث فقلب كما قَالَ: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} 3 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ كَانَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ4 وَهُوَ يَقُولُ يَا حَدْرَاهَا يَا حدراها"5
__________
1 أخرجه البخاري في الأذان 1/159-160: والدارمي 1/338, وأحمد 5/345, إلا أن أحمد والدارمي لم يذكر جملة"آلصبح أربعا إلا مرة واحدة". وقال الحافظ في شرحه 2/148: آلصبح أربعا "بهمزة ممدودة" ويجوز قصرها, وهو استفهام إنكار, وأعاده تأكيدا للإنكار, أي الصبح منصوب بإضمار فعل: أي أتصلي الصبح, وأربعا منصوب على الحال, ويجوز رفع الصبح تصلي أربعا؟
2 اللسان والتاج "لوث"
3 سورة التوبة: 109
4 من م, ت, ح.
5 أخرجه ابن معين في تاريخه 1/196, نص رقم 1132.

(1/226)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلالا سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ يَقُولُ ذَلِكَ
قوله: يا حَدْرَاها قَالَ أبو عبيدة يريد هل أحدٌ رأى مثل هذه ومِنْ هذا قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 1 عطية السَّاميّ أنشدنا أبو حاتم:
أيا قَاتَلَ اللهُ الحَمَامَةَ غُدوةً ... عَلَى الغُصْنِ ماذا هَيَّجتْ حين غَنَّتِ
أراد يا هؤلاء قاتَلَ اللهُ هذه الحَمامَة
وأَنْشَدَ أيضًا:
عَلَّقتُ بالذِّئب حَبْلًا ثُمَّ قلتُ له ... يا لْزَم طريقَك واسْلَم أيها الذيب
__________
1 سورة النمل: 25. وألا هنا استفتاحية, وما بعد "يا" منادى محذوف, وهذه قراءة الكسائي وحده وانظر الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/156, 157.

(1/227)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ: "إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حَوْرَاءُ1 فَانْظُرُوا ذَلِكَ فنظروا فرأوه" 2
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ
قوله: حَوْرَاء يُريدُ أَثَر كَيَّة كُوِي بها يقال: حَوَّرَ عَينَ دابَّتِه إذا حجَّر حَولَها وذلك من داء يُصيبها وسُمِّيت الكَيَّة حَوْراء لأن موضعَها من البَدَنِ يَبْيَضُّ والتَّحوِير التَّبْييض قَالَ الراجز:
__________
1 س: "في ركبته حور". والمثبت من ت, م, ح.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/351 بلفظ: "إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حور" وأخرجه ابن سعد في طبقاته 2/26 بألفاظ مختلفة.

(1/227)


يا وَردُ إنِّي سأموت مَرَّهْ ... فَمَن حَلِيفُ الجَفْنَةِ المحورَّهْ1
يريد المبيضة من ترعيب2 السنام.
__________
1 اللسان والتاج "حور", وعزي لأبي المهوش الأسدي, وورد ترخيم وردة, وهي امرأته, وكانت تنهاه عن إضاعة ماله ونحر إبله.
2 ترغب السنتام: تقطيعة.

(1/228)