غريب الحديث للخطابي

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَتَبَ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كِتَابًا فَلَمَّا أَخَذَ كِتَابَهُ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتُرَانِي حَامِلا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ! "1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنِي النُّفَيْلِيُّ نا مِسْكِينٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ2 السَّلُولِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ
يَقُولُ لا أَحْمِلُ إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لا عِلَم لِي بِمُضَمَّنه وكان من قِصَّة المُتَلَمِّس وصَحِيفتِه أَنَّه وطرفَة بن العبد كانا ينادمان عمرَو بن هند مَلِك الحيرة فهجواه فكتب لهما إلى عامله بالبَحْرين كتابَين وهَّمَهُما أَنَّه أَمَر لهما فيهما بجوائز وكتب إليه يأمرُه بقتلهما فخرجا حتى إذا كانا ببعض الطريق إذا هما بشيخ عَلَى يسار الطَّريق يُحدِث ويأكُل من خُبزٍ في يده فَقَالَ المتلِّمس ما رأيتُ كاليوم شَيْخًا3 أحمق فَقَالَ الشيخ أحمَقُ منّي من يَحمِل حتْفَه بِيَدِه4 فاسترابَ المُتَلَمِّس بقوله, وطلع عليهما غلام
__________
1 أخرجه أبو داود 2/117, وأحمد في 4/181,180 إلا أنه قال: إن الكتابة كانت للأقرع.
2 ح: "ابن كبشة". وفي التقريب 2/465: أبو كبشة السلولي الشامي ثقة, توفي قبل المائة.
3 س: "شيخ".
4 ت: "بيديه".

(1/228)


من أَهلِ الحِيرة فَقَالَ المتلَّمس أَتَقْرأُ يا غلام قَالَ نعم ففَكَّ صَحِيفَتَه ودَفَعها إلى الغلام فإذا فيها أما بعد فإذا أَتاكَ المتَلَمِّس فاقطع يَدَيْه ورِجْلَيْه وادْفِنْه حَيًّا فَقَالَ لِطرفَةَ ادفَع إليه صَحِيفَتَك يقْرأْها ففيها واللهِ ما في صَحِيفتي فَقَالَ طرَفَة كلا لم يكن ليجترىء عليَّ فقذف المُتَلَمِّس بصحِيفته في نهرِ الحِيرة وقال:
قذفتُ بها في الثِّنْي من جَنْبِ كافرٍ ... كذلك أَقْنُو كُلَّ قطَّ مُضَلَّلِ1
وأَخذَ نحوَ الشام وأخذ طَرفةُ نحو البَحْرين فلما وافى صاحبَ الملك سَقَاه الخمرَ وفَصَدَ أَكْحَلَيه إلى أن مات ويقال بل ضرب عُنُقَه فَقَالَ المُتَلَمِّس يذكره:
كطُرَيْفَةَ بنِ العَبْد كان هَدِيَّهم ... ضَرَبوا صَمِيمَ قَذالِهِ بمُهَنَّد2
فَضُرِب المثل بصَحِيفة المُتَلَمِّس
وأخبرني ابن الزِّئبَقي نا الحسين بن حُمَيْد اللَّخْمي نا مِنجابُ بن الحارث ثنا محمد بن زائدة عن رقبةَ بن مَسْقَلة عن سِماك بن حَرْب عن يحيى عن أبي يحيى3 قَالَ إنّي لأسِيرُ عَلَى فرسٍ لي في الجاهلية إذا أنا بطرفةَ بن العَبْد فَقَالَ يا أبا يحيى احْمِلني خَلْفَك قلت أين تريد؟ قَالَ أُريدُ قلائدَ الخَيْل أتحدَّث إليهن وقلائدُ الخيل جوارٍ من بني تَيْم الله كُنَّ يُسَمَّين قلائِدَ الخَيْل قَالَ فحملتُه حتى إذا حاذى أبياتهن نزل
__________
1 السان "قنا" برواية: "ألقيتها بالثني ... ". وفي الديوان /65 برواية: "وألقيتها في الثني". وجاء الشرح: الثني: منثنى النهر, وهو, جانبه, والكافر هاهنا النهر, وذلك غطى ما حوله وما به وكل شيء غطى شيئا فقد كفره. والقط: الصحية.
2 الديوان /144, برواية: "ضربوا قذالة رأسه بمهند".
3 س, ط "عن يحيى", والمثبت من ت, م, ح.

(1/229)


وقال هذا المكان الَّذِي أُرِيد ونَزَلَ فإذا غلام آدمُ أَزرقُ أوقَصُ أزورُ أَفدعُ قَالَ قلت ويلك يا طرفَةُ ما أشَدَّ تشاؤل خَلْقِك فَقَالَ: كيف لو أريتُك مِنْ خَلْقي ما هُوَ أَعجبُ من هذا قلتُ وأيُّ شيءٍ هُوَ قَالَ فيُخرِجُ لسانَه فإذا هُوَ أَسودُ كأنه لِسانُ ظَبْي قَالَ قلت ما رأيتُ كاليوم قطّ شَيئًا أعجبَ قَالَ فأهوى بيده إلى رقبته وقال ويْلٌ لنا مما يَجنِي ذا قَالَ فكان الَّذِي جَنَى عليه فقُتِل
قَولُه: تَشَاؤُلَ خَلْقِك يريد اختلافَه وأُراه من قَوْلِهم شَالَ الميزانُ إذا ارتفع قَالَ الشاعر أنشدنيه أبو عمر1:
فَشَاوِلْ بِقَيْسٍ في الطِّرادِ ولا تكُنْ ... أَخاهَا إذا ما المَشْرِفيَّةُ سُلَّتِ2
يريد خَالِفْها
قَالَ ومعنى قَلائِدِ الخَيْل أنهن كِرامٌ وذلك لأنه لا يُقلَّد من الخيل إلا سابقٌ كريم3
__________
1 ح: أبو عمرو.
2 اللسان التاج "شول" وعزي لعبد الرحمن بن الحكم.
3 من ت, م.

(1/230)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَتَّقِي الأَرْضَ بِشَيْءٍ إِلا فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ أَلْقَيْنَا تحت بِنَاءً"1
حَدَّثَنِيهِ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ ثنا الصَّغَانِيُّ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ شُرَيْحِ بن هانىء عَنْ عَائِشَةَ
البِنَاء النَّطع والمشهور منه المِبناة يقال للنِّطع مِبناة ومبناة -بكسر
__________
1 أخرجه أحمد 6/58.

(1/230)


الميم وفَتْحِها- وممّا جاء عَلَى وزنها: مِثْنَاةٌ ومَثناة ومِرْقَاةٌ ومَرْقَاةٌ قَالُوا وإنما سُمِّي النّطع مِبْناةً لأنها تُتَّخذ من أَدِيمَيْن يُوصَل أَحدهُما بالآخر والمِبْنَاةُ في قَولِ أبي عُبَيْدة خَيْمة وهي العَيْبَة أيضًا قَالَ النابغة:
عَلَى ظَهرِ مِبناةٍ جَديدٍ سُيورُها ... يَطُوفُ بها وَسْطَ اللَّطِيمَة بائع1
قَالَ أبو عبيدة هي الخَيْمة وقال غيره: أراد الحصير.
__________
1 اللسان "بنى" والديوان /63.

(1/231)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا تَأَوّلَ قَوْلَهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1 "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ عَرِيضٌ" 2
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ ونا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إِدْرِيسَ الْمَعْنِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1. أَخَذْتُ عِقَالا أَسْوَدَ وَعِقَالا أَبْيَضَ فَوَضَعْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادِي فَنَظَرْتُ فَلَمْ أتبين فذكرت ذلك للنبي فَقَالَ: "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ عَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ2"
قَوْلُهُ: "إنَّ وِسَادَك إذًا لَعَرِيضٌ" مَعْنَاهُ أَنَّ نَوْمَكَ إِذًا لَطَوِيلٌ كَنَّى بِالْوِسَادِ عَنِ النَّوْمِ لأَنَّ النَّائِمَ يَتَوَسَّدُهُ كَمَا يُكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنِ الْبَدَنِ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَلْبَسُهُ أنشدني بعضُ أصحابنا أنشدنا ابن الأنباري
__________
1 سورة البقرة: 187.
2 أخرجه أبو داود في الصيام 2/304 بدون كلمة "إذا", والبخاري 6/31 بدون كلمة: "لطويل"

(1/231)


رَموْها بأثوابٍ خِفَافٍ فلَنْ تَرى ... لها شبها إلا النعام المنفرى1
أراد بأبدانٍ خِفافٍ
وقال آخر:
عي كُلُّ فَضْفَاضِ القَمِيص كأنه ... إذا ما سَرَى فيه المُدامُ فَنِيقُ2
وقد يكون فيه وجهٌ غَيرُ هذا وهو أن يكون الوِسادُ كنايةً عن موضع الوِسادِ من رأسِه وعُنُقِه يَدُلّ عَلَى صِحَّة هذا المعنى قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ "إِنَّكَ إِذًا عَرِيضُ الْقَفَا" 3
حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ4 بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ قَالَ: "إِنَّكَ لَعَرِيضُ القفا إن أبصرت الخيطين".
وعرض5 القفا يُتَأَوّلُ عَلَى وَجْهَين أحدهما أن يكون كناية عن الغَباوَةِ وسلامة الصَّدر يقال للرجل الغبِيّ إنّه لعَرِيض القفا والوجه الآخر أن يكون أراد إنك غَلِيظ الرَّقبةِ وافر اللحم لأَنَّ مَنْ أكل بعد الصبح لم ينْهَكْه الصَّومُ ولم يَبن6 له أثرٌ فيه وقد بين أن الخيط الأبيض إنما
__________
1 س: "رموها بأبدان". وفي ح: "رمونا بأثواب". والمثبتمن م. والبيت في اللسان والتاج "ثوب" كما في رواية م وجاء في التاج: نقل شيخنا عن السهلي أنه قد تطلق الأثواب على لابسيها.
2 الكامل للمبرد 1/40 وعزي "لطخيم بن أبي الطحماء الأسدي ".
3 أخرجه البخاري 6/31.
4 س: "خالد بن محمد الخيام" والمثبت من م, ط,
5 ت: "وعري القفا".
6 ت: "ولم يكن له أثر فيه".

(1/232)


أُريدَ به بياضُ النَّهارِ وهو أَولُ ما يبدو مُعتَرِضًا في الأُفُق له وشائع كالخُيوطِ قَالَ أبو دُوادٍ الإياديّ:
فلّما أضاءَت لنا سُدْفَةٌ ... ولاحَ من الصُّبْح خيطٌ أَنارَا1
وأنشدني الحَسَنُ بن خَلاد أنشدني ابن دُرَيْد أنشدنا ابن أخي الأَصْمَعِيّ عن عمه لرجل يصف ليلا:
كأنَّ بقايا الليل في أخرياته ... ملاء تُنَقَّى من طيالِسَةٍ خُضْرِ
بقاياه التي أسأَرَ الدُّجَى ... تَمُدُّ وِشِيعًا فوق أردية الفَجْرِ
فشبّهه بالوَشِيع لما يتراءى في خلاله من خيوط سواد وبياض.
__________
1 اللسان والتاج "خيط".

(1/233)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَدِيًّا الْجُذَامِيَّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ لِي امْرَأَتَانِ اقْتَتَلَتَا فَرَمَيْتُ إِحْدَاهُمَا فَرُمِيَ فِي جِنَازَتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اعْقِلْهَا وَلا تَرِثْهَا" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ عَدِيٍّ الْجِذَامِيِّ
قَوْلُهُ: رُمِيَ فِي جِنَازَتِهَا يُرِيدُ أَنَّ الرَّمْيَةَ أَصَابَتْهَا فَمَاتَتْ وهي كَلمة للعَرَب تقولها إذا أَخْبَرت عن موتِ الرَّجُل يقال رُمِي في جِنازِته وطُعِن في نَيْطه: أي مات
وقال أبو زيد النَّيْط مفتوحة النون قَالَ وهو اسم من أسماء
__________
1 أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 4/7, وابن حجر في الإصابة 2/472. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/407 بسياق آخر.

(1/233)


المَوْت ويقال إنَّ النَّيْطَ عِرقُ الوَتِين إذا انقطع مات صاحبُه فأمَّا نيَاط القَلْب فهو رِباطُه.
وفي الجنازة لغتان الكسر والفتح ومنهم مَنْ يَفرقُ بينهما فيجعل الجَنازة بفتح الجيم بَدَنَ الميِّت والجِنازة بالكَسْر السَّريرُ أخبرني أبو عمر نا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ الجنازَة بالكسر السرير1 وبالفتح المِّيت قَالَ ومنه قول الكُمَيت يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ مَيْتًا جَنازةً خَيْرَ مَيْتٍ ... غَيَّبَتْه حفائِرُ الأقوام2
قَالَ: ومَرَّ أعرابيّ بامرأة ثَكْلَى فَقَالَ أَثْكَلتْها الجنائز يريد المَوْتَى وقال صَخْر الغَي:
أَرى أُمَّ صَخْرٍ لا تَمَلُّ عِيَادَتي ... وملَّت سُلَيْمى مَضْجَعي ومَكانِي
وما كنتُ أخشى أن أكون جَنازةً ... عليك ومن يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ3
وفي الحديث من الفقه أَنَّ قاتِلَ الخطأ لا يَرِث كالعامِد وأن النفس إذا تلفت بالتعزيز والتأديب وما في معناهما مما لا يلزم لُزومَ حُكْم كانت مضمونة.
__________
1 من ت, م, ح.
2 لم أقف عليه في ديوانه, ط بغداد, وهو اللسان والتاج "جنز", وفيه يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حيا وميتا.
3 الكامل للمبرد 2/266, ونهاية الأرب 15/368.

(1/234)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ فَانْكِحُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ أَفْتَحُ أَرْحَامًا وَأَعْذَبُ أَفْوَاهًا وأغر غرة" 1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/159, وسعيد بن منصور في سننه 1/128 بلفظ: "عليكم بالجواري الشواب ... وأعز أخلاقا".
وأخرجه ابن ماجه مرفوعا في 1/159 عن عتبة بن عويم.

(1/234)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مَكْحُولٍ.
قوله: أَغَرُّ غُرَّةً فيه وَجْهان أحدهما أن يكون من غُرَّةِ البَياضِ ونُصوع اللون وذلك أنّ الأَيْمَةَ وطُولَ التَّعْنِيس يُحيِلان اللون ويُبْلِيان الجِدَّة والوجه الآخر أن يكونَ من حسن الخُلُق والعِشرة ويَشْهد لذلك قولُه: في رواية أُخْرى: "عليكم بالأَبكار فإنهن أَغرُّ أخلاقًا وأَرضَى باليَسِير" 1
وغُرَّةُ كل شيء خِيارُه يقال هذا غُرَّةُ المَتَاعِ وغُرَّةُ العَبِيد وقد يُكْنى بها عن المحاسن والمكارم ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكم ومُشَارَّةَ الناس فإنها تَدفِنُ الغُرَّة وتُظْهِر العُرَّةَ" 2. ووجه ثالث إن ساعدته الرِّواية وهو أن يقال فإنهن أغَرُّ غِرَّةً بكسر الغَين يريد أَنَّهنّ أبعد من معرفة الشَّرِّ وأَقَلُّ فِطْنَةً له.
فأما حكمه في الجنين بِغُرَّة فإن تِفْسير عامَّةِ العلماء3 لها أَنّها عَبْدٌ أو أَمَة من غَيْر تقْييد له بصفة وذهب بعضُهم إلى أَنه أراد الخِيارَ من العَبِيد والإماء دون الأراذل4 منهم.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/160 مرسلا, ولم يذكر الجملة الأخيرة, وهي موجودة في رواية ابن ماجه المتقدم.
2 أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للبيهقي, انظر فيض القدير 3/121, والفائق "غرر" 3/62, وجاء فيه: والعرة: القذر, فاستعيرت للعيب والدنس في الأخلاق وغيرها, فقالوا: فلان من العرر. والمعنى أنهم إذا نالهم منك مكروه كتموا محاسنك ومنقبك وأبوا مسوئك ومثالبك.
3 س, ط, ح: "العامة", والمثبت من م, ت.
4 ح: "الأرذال".

(1/235)


وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ ثنا عَبْد الله بن شَبِيب ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن العلاء قول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الجِنَيِن غُرَّة عَبْد أو أَمَة" لولا أن رَسُولَ الله أراد بالغُرَّةِ مَعْنى لقال في الجنين عَبْد أو أَمَة ولكنه عَنى البياضَ حتّى لا يُقْبَل في الدِّيَة إلا غلام أبيضُ أو جارية بيضاء ولا يُقبَل فيها أسود ولا سوداء.
قَالَ أبو سليمان وهذا شَبِيه بالمعنى الأول لأنّ البَياض مما يُبْتَغَى في الرَّقيِق ويُزادُ له في القِيمة وكانت العرب تَقْتَني الحَبَش والنُّوبة والبياضُ فيهم عَزِيز فمن أَراد البياضَ في الجِنْس كالرّوم والصَّقَالِبَة لم يقدر عليه إلا بأن يرفَعَ في الثَّمَنِ.

(1/236)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيِّرَ قَالَ أَتَانَا أَعْرَابِيٌّ وَمَعَهُ كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَعْطَيْتُمُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَالصَّفِيَّ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ1 فَلَمَّا قَرَأْنَاهُ انْصَاعَ مُدْبِرًا".
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْفَضْلُ بْنُ عَمْرٍو ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمْحِيُّ قَالَ ذَكَرَ خَلادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيِّرِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ خُمْسُ الْخُمْسِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَالصَّفِيَّ فَأَمَّا خُمْسُ الْخُمْسِ فَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} 2 الآيَةَ وَأَمَّا سَهْمُ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ كان يسهم له
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في 5/77,78, 363. وأبوداود في 3/153, والنسائي في 7/134.
2 سورة الأنفال: 41.

(1/236)


أُسْوَةَ مَنْ حَضَرَ الوَقْعَةَ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ شَهِدَهَا أَوْ غَابَ عَنْهَا وَالصَّفِيُّ: مَا كَانَ يَصْطَفِيهِ وَيَخْتَارُهُ مِنْ عُرْضِ الْمَغْنَمِ من فرس أو غلام أَو سَيْفٍ أَوْ مَا أَحَبَّ من شيء وذلك مِنْ رَأْسِ الْمَغْنَمِ قَبْلَ أَنْ يخمس كان مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الثَّلاثِ عُقْبةً وَعِوَضًا عَنِ الصَّدقَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ
وقوله: فانصاع مُدبرًا يريد أَنَّه وَلَّي في سُرْعَة قَالَ ذو الرُّمَّة:
رَمَى فأَخْطَأَ والأقدارُ غالِبَةٌ ... فانْصَعْن والوَيْلُ هِجَيراهُ والحَرَبُ1
قَالَ محمد بن سلام الأَعرابيّ صاحب الكتاب هُوَ النَّمِر بنُ تَوْلَب الشاعر وقد وَفَد عَلَى رَسُول الله وله يقول:
إنّا أتيناك وقد طَالَ السَّفَرْ ... نَقُودُ خَيْلًا ضُمَّرًا فيها ضَرَرْ
نُطْعِمُها اللَّحمَ إذا عز الشجر2
__________
1 الديوان /16.
2 اقتصر اللسان والتاج "لحم" على البيت الأخير. قال الأصمعي: أراد باللحم اللين سمي به؛ لأنها تسمن على اللبن.
وأنكر ما قاله الأصمعي وقال: إذا لم يكن الشجر لم يكن اللبن.

(1/237)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلالا قَالَ أَذَّنْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فقال رسول الله: "مَا لَهُمْ يَا بِلالُ"؟ قُلْتُ: كَبَدَهُمُ الْبَرْدُ قَالَ: "فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يتروحون في الضحاء" 1
__________
1 الفائق "كبد" 3/244, والنهاية "كبد" 4/139, وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة /19, وعزاه للعقيلي.

(1/237)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ مَهْرَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ بِلالٍ
قوله: كَبَدُهم البَردُ معناه غلبهم وشَقَّ عليهم ومنه قولُهم فلان يكابِدُ مَعِيشَتَه أي يقاسي مَشَقَّتَها ومنه قولهُ تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} 1 يقال في شِدَّةِ مُقاساة ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة وقد يكون قولُهم كبَدَهم بمعنى أصاب أكبادهم وذلك في أشد ما يكون من البَرْد لأنّ الكَبِد مَعدِنُ الحرارة والدَّم ولا يَخلُص إليها من البرد إلا الشديدُ المجحفُ والضَّحاءُ ممدودًا قريبٌ من نصف النهار والضُّحَى إذا تعالى النهار والضَّحْو عند ارتفاع النهار قَالَ بشر بن أبي خَارَم:
هُدُوًّا ثم لأْيًا ما استَقَلُّوا ... لوِجْهَتِهم وقد تَلع الضَّحاءُ2
وإنما صاروا يتروَّحُون لحرِّ الهواء يريد أنّ رَسُولَ الله دَعَا لهم فانكشف البردُ عنهم.
__________
1 سورة البلد: 4
2 الديوان /1, الفائق 3/244 برواية: "هدوءا".

(1/238)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ حَائِلٍ"1
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ أنا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه 1/108, 110, وأبو داود في 1/10 بألفاظ متقاربة بدون كلمة "حائل".
2 من ت, م, ط, ح.

(1/238)


الحائل: المتغَيِّر من البِلَى وكلُّ مُتغيِّر اللّونِ حائِل يقال: حال لَونُه يَحولُ إذا تَغَيَّر فإذا أردتَ أنه قد أَتَى عَلَى الشيء حَولٌ كامِلٌ قلت قد أَحالَ الشيءُ ويقال: دارٌ مُحِيلَة إذا لم تُسكَن حولًا وربما رُدّ إلى الأصل فِقيلَ أَحولَ فهو مُحِول كقَوْل عُمرَ بن أبي ربيعة:
عُوجَا نُحَيِّ الطَّللَ المُحْوِلا ... والرَّبعَ من أَسماءَ والمنزلا1
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ: "أَنَّهُ نَهَى عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوَثِ وَالرِّمَّةِ"2. والرِّمَّةُ العظام البالية
وَرَوَى عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي الْقَمُوصِ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يَتَمَشَّعَ الرَّجُلُ بِرَوْثِ دَابَّةٍ أَوْ بِعَظْمٍ" قَالَ والتَمَشُّع الاستِنجاء.3
ويقال إنه إنما مَنَع الاستنجاء بالرَّميم لأنه إذا أصاب المكانَ عَلِق به بعض أَجزائِه ولهذا كُرِه الاستنجاء بفتات المدر ونحوه
__________
1 الديوان /310.
2 أخرجه أبو داود في 1/3, والنسائي في 1/38, وابن حبان في المورد /62, والبيهيقي في سننه 1/102, 112 وغيرهم.
3 من ت, م والحديث في النهائية "مشع" 2/334 وجاء فيها: التشمع: التمسح في الاستنجاء. وتشمع وامتشع إذ أزال عنه الأذى. وقد أخرجه أبو داود في 1/10. واليهيقي 1/110 بلفظ "نهانا رسول الله أن نتمسح بعظم أو بعر".

(1/239)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الأَعْشَى وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَعْوَرِ الْحِرْمَازِيُّ خَرَجَ فِي رَجَبٍ يَمِيرُ أَهْلَهُ مِنْ هَجَرٍ فَهَرَبَتِ امْرَأَتُهُ بَعْدَهُ نَاشِزًا عَلَيْهِ فَعَاذَتْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُطَرِّفُ بْنُ بُهْصُلٍ فَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمَّا قَدِمَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَ بِهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

(1/239)


يَا سَيِّدَ النَّاسِ وَدَيَّانَ الْعَرَبْ ... إِلَيْكَ أَشْكُو ذِربَةً مِنَ الذِّرَبْ
كَالذِّئْبَةِ الْغَبْسَاءِ فِي ظِلِّ السَّرَبْ ... خَرَجْتُ أَبْغِيهَا الطَّعَامَ فِي رَجَبْ
فَخَلَفَتْنِي بِنِزَاعٍ وَحَرَبْ1 ... أَخْلَفَتِ الْوَعْدَ ولطت بالذنب
وقذفتني بَيْنَ عِيصٍ مُؤْتَشَبْ ... وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ2
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ".
فَشَكَا امْرَأَتَهُ وَمَا صَنَعَتْ بِهِ وَأَنَّهَا عِنْدَ مُطَرِّفَ بْنِ بُهْصُلٍ فَكَتَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُطَرِّفٍ: "انْظُرِ امْرَأَةَ هَذَا مُعَاذَةً فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ"3
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ الْفَارِسِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ مُكْرَمٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاسُ نا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ أُمَيْنِ بْنِ ذَرْوَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ بُهْصُلٍ الحِرْمَازِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي أُمَيْنُ بْنُ ذِرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي ذِرْوَةُ بْنُ نَضْلَةَ عَنْ أَبِيهِ نَضْلَةَ بْنِ طَرِيفٍ
الدَّيَّانُ: الملِكُ المُطاع وهو الَّذِي يَدِين النَّاسَ: أي يَقْهَرهُم عَلَى الطاعة. يقال: دَانَ الرجلُ القومَ إذا قهرهم فَدانُوا له إذا انْقَادوا اللازِم والمُتعدِّي فيه سَواء والدَّيَّانُ الَّذِي يَلي المُجازاةَ والدِّينُ الجَزاء والله مالك يوم الدين أي يوم الجزاء, ولذلك للحاكم الدَّيَّان وفي بعض الكلام مَنْ دَيَّانُ أَرْضِكم؟ أي مَن الحاكم بين أَهلِها وأنشدني الرُّهَنيّ أنشدني ابنُ كَيْسَان أو غيره:
__________
1 ت: "وهرب"
2 في اللسان والتاج "ذرب" هذا الرجز ما البيت الثالث. وجاء فيه: أراد بالذرية امرأته, كنى بها عن فسادها وخيانتها إياه, والبيت الثالث في اللسان والتاج "غبس" والبيت الثاني والسادس في اللسان والتاج "لط".
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/201, 202.

(1/240)


لاهِ ابنُ عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنّي ولا أنت دَيَّاني فَتَخْزُوني1
يقال خَزَاه يَخْزُوه إذا ساسَه ومنه قَولُ زيَاد قد خَزَوْنا وخزانا الخَازُون أي وَلِينَا الناس وَوُليَ علينا فَعلِمْنَا2 ما يُصلِح الرَّاعي والمَرْعَى وقوله: ذِرْبَة من الذِّرَب يُرِيد السَّلِيطَةَ والذَّرَبُ والذَّرابةُ حِدَّةُ الِّلسان يقال سِنَان ذَرِبٌ أي حدِيد وسَيفٌ ذَرِبٌ أي ماضٍ قَالَ الأصمعي الذَّرِبُ فَسادُ الِّلسان وسُوءُ لَفْظِه وهو من قولهم ذَرِبتْ مَعِدتُه إذا فَسدت وأنشد:
ولقد طويتُكُم عَلَى بُلَلاتِكم ... وعلِمتُ ما فِيكم من الأَذْراب3
وحُكِي عن أَبي عُبَيدة أَنُّه سُئِل عن الذَّرَب فَقَالَ: هُوَ سُرعةُ اللِّسان بكلامه حتى لا يَثْبُتَ الكلام فيه كَذَرَب المَعِدة إذا فَسَدت فصار الغِذاءُ لا يَثْبُت فيها فهو مَعنى واحد يُحمَد في الِّلسان ويُذَمُّ في المَعِدة والذئبة الغَبساءُ هي التي في لَوْنِها طُلسَة وكذلك ألوان الذِّئاب والفعل منه اغباسَّ وكذلك هُوَ في كل لون مُتَمَيِّل بين لونين كالصُّهْبَة والصحرة ونحوهما يقال اصهاب واصحار فأما اللون الخالص كالحمرة والبياض ونحوهما فالفِعْل منه احَمَّر وابيضَّ هذا إذا أردتَ أنه قد تَمَكَّن واستقرّ فإذا أردتَ التَّغَيُّرَ والاستحالةَ قُلتَ احْمارَّ واصْفَارَّ كقولك ما زال يَحمارُّ وَجْهُه ويصفارُّ فمن هذا حديثُ عَبْد الله قَالَ أَتيتُ رسولَ الله وهو نائِمٌ في ظل
__________
1 اللسان والتاج والأساس "خزى", وعزي لذي الإصبع العدواني. وهو في شعراء النصرانية 4/636, وفي هامش م: يقول: صفحت عنكم بعد معرفتي بعيوبكم.
2 س: "فعملنا" والمثبت من ت, م, ط.
3 اللسان والتاج "بلل" وعزي لحضرمي بن عامر الأسدي, وجاء في الأساس من غير عزو.

(1/241)


الكعبة, فاستيقظ مُحمارًّا وجَهُه1 وفي رواية أخرى: فاحمار وجهُه حتى صار كأنه الصِّرْف2, وهو شَيءٌ أَحمرُ يُصْبَغُ به الأديمُ قَالَ الشاعر:
كَلَوْن الصِّرْفِ عُلَّ به الأديم3
والعامة تجعل الصَّرفَ من أسماء الخَمْر وإنَما هُوَ نَعتُ لونِها ومعنى قولهم شَرِب الخَمرَ صِرْفًا أي شربها بلونِها لم يُغيِّره بمزَاج وكذلك قولهم في الجِرْيَالِ يجعلونَه من أَسْماءِ الخمر وإنما هُوَ لونها قَالَ الأعشى:
وسَبِيئةٍ مِمَّا تُعتِّق بابلٌ ... كَدَمِ الذَّبِيح سلبتُها جِريالَها4
أخبرني ابن الزِّئْبَقيّ نا الحسين بن حميد اللّخْمي نا التَّوَّزيّ5 نا الحِرمازي نا شعبة عن سِماك بن حرب عن أبيه حرب قَالَ لقيتُ الأعشى في الجاهلية فقلتُ له ما عَنَيْتَ بقولك سَلبتُها جِريالَها قَالَ شربتُها حمراءَ وبُلتُها بيضاءَ
وقوله: أَبْغِيها الطّعامَ معناه أَمتارُه وابْغِيه لها كقوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} 6 المعنى كالوا لهم, كقولهم: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} 7: أي من قومِه قال الشاعر:
__________
1 أخرجه البخاري بلفظ: "فقعد محمرا وجهه" من حديث خباب. وأبو داود 3/47 وغيرهما.
2 أخرجه مسلم 2/739 بلفظ: "فتغير وجهه حتى كان كالصرف".
3 اللسان والتاج "صرف". وصدره: "كميت غير محلفة ولكن". وعزي للكلحبة اليربوعي. وهو في المفضليات /33.
4 الديوان /150.
5 ط: الثوري, والمثبت من بقية النسخ.
6 سورة المطففين: 3.
7 سورة الأعراف: 155.

(1/242)


أمرتُك الخَيَر فافعَل ما أُمِرْتَ به ... فقد تركْتُك ذا مالٍ وذا نَشَب1
فحذف حرفَ الصِّفة يريد أمرتُك بالخَيْر وقال حُميدُ بن ثور:
أنتَ الَّذِي اخْتَارَه الرحمن أُمَّتَه ... فذاكَ غَيظٌ عَلَى مَنْ قلبُه حَسِك2
وأكثر ما يقال البَغْي في طلب الشرّ وأقَلُّه ما جاء في طلب الخير كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَقِيلَ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" 3
وكقول زيد بن عمرو بن نُفَيْل وكان رَغِب في الجاهلية عن عِبادةِ الأوثان وطَلب الدِّين فتنصَّر فكان يقول:
البِرَّ أَبِغي لا الخَالْ ... وهل مُهجِّرٌ كَمن قَالْ
وقوله: لَطَّت بالذَّنَب يريد أنها تَوارَت عنه وأَخْفَت شَخصَها دونَه يقال: لَطَّ الغَرِيمُ دُوني إذا استَخْفَى عنك وغَيَّب شَخصَه وأصلُه من قولهم: لَطَّت الناقةُ بذنَبِها إذا ألزقتْه بحيائها
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد أنها قد نَشَزت عليه وامتنعت عن التّمكين من نفسها كما تمتنع الناقة عَلَى الفحل إذا حملت بأن تلصق ذنبها بحيائها4
__________
1 الكامل للبرد 1/32, وعزي لأياس بن عامر. وفي الخزانة 1/344: إياس بن موسى وهو أعشى طرود, وقيل: لعمرو بن معد يكرب.
2 ليس في الديوان ط دار الكتب, وفيه قصيدة على الوزن والقافية, وليس فيها هذا البيت.
3 الحديث في الفائق "صفد" 2/302, وفي النهاية "صفد"3/35 وجزء من الحديث. وجاء في الفائق: والصفد والصفاد: القيد, ومنه قيل للقيد, ومنه قيل للعطية صفد لأنها قيد للمنعم عليه.
4 من ت, م.

(1/243)


قَالَ أبو عبيدة يقال لَطِطْتُ به أَلَطُّ لَطًّا وأَلَظَّ به إلظاظًا بمعنى واحد وهو لزوم الشَّيء.
قَالَ الشاعر:
أَلا إنّ قومي لا تُلَطُّ قدورُهم ... ولكنها تُوقَدْنَ بالعَذِرات
أي لا تُسْتَر قُدورُهم لكنها تُنْصَب بالأَفْنِية
وقوله: قذفَتْني بين عِيصٍ مُؤتَشِب فالعِيصُ أُصولُ الشَّجَر والمُؤتَشِب الملتَفُّ المُلْتَبس قَالَ جرير:
فَما شَجَراتُ عِيصِكَ من قُرَيْشٍ ... بعَشَّاتِ الفُروعِ ولا ضَوَاحي1
وضَربَ الشّجَر وإئتشابه مَثَلًا في التِبَاس أمره عليه ورواه لنا المحدِّثُ: بَين غِيضٍ مُؤْتَشِب والرّواية بين عِيصٍ عَلَى ما فَسَّرناه وقَولُه: لمن غَلَب فإنما وحَّد الفِعلَ وذكَّره لأنّه ردّه إلى غالبٍ فكأَنَّه قَالَ وهُنّ شَرُّ شيءٍ غالبٍ لِمَنْ غَلَب.
__________
1 الديوان /99.

(1/244)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَرَادَ وَطْأَهَا فَقَالَتْ إِنِّي حَامِلٌ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا سَجَعَ ذَلِكَ الْمَسْجَعَ فَلَيْسِ بِالْخِيَارِ عَلَى اللَّهِ وَأَمَرَ بِرَدِّهَا" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ غَيْلانَ بْنِ أنس عن أبي بكر
__________
1 في مصنف عبد الرواق 7/134 بلفظ: "انتجع بذلك المنتجع" وهو في الفائق "سجع" 2/155".

(1/244)


وقوله: سَجَع ذَلِكَ المَسْجَع معناه سَلَك ذَلِكَ المَسْلَك أو ذَهَب ذَلِكَ المذهب أو نحو هذا من الكلام وأصلُ السَّجْع القَصدُ لجهةٍ واحدة قَالَ ذو الرُّمَّة:
قَطعتُ بها أَرضا تَرَى وجه رَكْبها ... إذا ما علَوْها مُكفَأ غيرَ ساجِعِ1
أي غير قاصِد ومنه سَجْع الكَلامِ وهو أن تَأتَلِفَ أواخِرُه عَلَى نَسقٍ واحد وكذلك سَجْعُ الحمامة إذا صَدحَت وهو مُوالاة الصّوت عَلَى نَمَط واحد ومثله سَجْع الإِبِل إذا حَنَّت قَالَ متِّمم بن نُوَيْرَة:
فَما وَجْد أَظآر ثلاثٍ رَوائمٍ ... رأيْن مَجَرًّا من حُوارٍ ومَصْرعَا
يذكِّرن ذا البَثِّ الحَزينَ بِبَثِّه ... إذا حَنَّت الأولى سَجَعْن لَهَا مَعَا2
-وفي الحديث من الفِقْه كَراهَةُ وَطْءِ الحَبالي من السَّبْي وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: "لا يَسْقِيَنَّ أَحَدُكُمُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ" 3: أَيْ يَطَأَنَّ حَامِلا مِنْ غَيْرِهِ
وفيه أيضًا من الفقه أَنَّ الحملَ في الآدميات عَيبٌ تُردُّ به الجاريةُ وأَنَّها مخالِفَة للمَواشي والدوابِّ
__________
1 اللسان والتاج "سجع" والديوان /359.
2 المفضليات/270
3 أخرجه أبو داود في النكاح, باب وطء السبايا2/248, والإمام أحمد في مسنده 4/108.

(1/245)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيَّ جَاءَهُ فَقَالَ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالضَّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيرًا"1
__________
1 أخرجه مسلم في التوبة, باب فضل دوام الذكر 4/2106 رقم الحديث "12" والترمذي في القيامة 4/666 رقم الحديث "2514". وفي الفائق 3/5 "عفس": حنظلة الأسدي, "خطأ" والمثبت "الأسيدي" في جميع النسخ.

(1/245)


يَرْوِيهِ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيِّ
الْمعافَسَةُ مُلاعَبَةُ النِّسَاءِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَبَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ إِنَّ فِيهِ دُعابةً فَقَالَ زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابةٌ تِمْزَاحَةٌ أُعافِسُ وَأُمَارِسُ هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ ومَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ فَفِي هَذَا عَنْ هَذَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ1
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نا زُهَيْرٌ نا سَعْدٌ الطَّائِيُّ ثنا أَبُو الْمُدِلَّةِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَإِذَا فَارَقْنَاكَ شَمِعْنَا أَوْ شَمِمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ2 والشَّمَاعُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ يقال جارية شَمُوع وقد شَمَعَت قَالَ أبو ذؤيب:
فتَجِدّ حِينًا في العلاج وتشمع3
__________
1 الفائق 2/319, وقيه: التلعابة الكثير اللعب كقولهم: التلقامة للكثير اللقيم, وهذا كقول عمر فيه: فيه دعاية. وفي النهاية 1/194, 196 هو من المرح, والمرح: النشاط والخفة, والتاء زائدة, وهو من أبنية المبالغة, ولكن الثابت في جميع النسخ تمزاحه بالزاي. والمزاح: الدعاية "وانظر اللسان: مزح".
2 أخرجه أحمد في مسنده 2/304/305.
3 شرح أشعار الهذليين 1/14, وصدره: فلبثن حينا يعتلجن بروضه.

(1/246)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا والبر بالبر مدي بمدي" 1
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع 3/248, والنسائي 7/276.

(1/246)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
التِّبْر: جوهَر الذَّهب والفِضَّة يقال للقِطعة منها تبْرة ما لم يُطْبَع فإذا ضَرِبت دراهَم أو دنانير سُمِّيت عَيْنًا حرم التَّفَاضُلَ فيها سواء كان تِبرًا بمضروب أو عَينًا بعَيْن والمُديُ مِكيال لأهلِ الشَّام يقال إنه يَسَع خَمسةَ عَشَر مَكُّوكًا والمَكُّوك صَاعٌ ونِصف والصّاعُ خمسة أرطال وثلث وهو صاع الحَرَمين
أخبرنا ابن الأعرابي نا أبو داود قَالَ قَالَ أحمدُ بن حنبل صاع النبي خمسةُ أرطال وثلث وأما الصّاع في قول أهل العِراق فإن إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ نا قَالَ نا الحسن بن علي بن عَفّان العامِرِيّ عن يحيى بن آدم قَالَ الصَّاعُ عند أصحابِنا ثمانيةُ أَرطال وهذا صاعُ الحَجّاج صَوَّعه لمَّا وُلَّي العراقَ وسَعَّر به عَلَى أهلها وكانت الوُلاةُ يتحمَّدونَ بالزِّيادة في الصِّيعان يُرِيدون به التّوسعةَ عَلَى الناس ولذلك قَالَ بعضُهم في ولاية سَعِيد العراق:
يا ويلنا قد ذَهَبَ الوليد ... وجاءنا مُجوِّعًا سَعِيد
يَنقُص في الصاع ولا يَزِيدُ
قَالَ أبو سليمان فصاعُ: الحَجَّاج صاعُ التَّسعير عَلَى أهل الأسواق لا صاعُ التَّوقيف الَّذِي تُقدُّر به الكَفَّارات وتُخرَجُ به الصدقات
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْد الرزاق نا أبو داود نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلاد نا مُسدَّد عن أميَّة بن خالد قَالَ لما وَلِي خالدٌ أضعَفَ الصّاعَ فصار الصاعُ سِتَّةَ عشر رِطلًا فهذا تفسير المُدْي.

(1/247)


وأما المدُّ فهو رُبع الصّاع ويقال إنه مُقَدَّر بأن يُمدَّ الرجلُ يَدَيْه فيملأ كفّيه طَعامًا ولذلك سُمِّي مُدًّا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِلْءَ الأَرْضِ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" 1
والنَّصِيفُ: النّصفُ ورواه بعض أهل اللغة "ما بَلَغ مَدَّ أحدِهم" –بفتح الميم- يُريد الغاية. يقال فلان لا يبلغ مَدَّ3 فلان أي لا يلحقُ شَأوَه ولا يدرك غايته
__________
1 أخرجه البخاري في فضائل أبي سعيد الخدري 5/10, ومسلم 4/1968 وغيرهما.
2 ت: مدي.
3 أخرجه ابن ماجه في الفتن في باب الملاحم 2/1371.

(1/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ قِتَالَ الرُّومِ فَقَالَ: "يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ"
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ السُّرِّيُّ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
رُوقَةُ القوم: خيارهم وسراتهم يقال رأيتُ رائقةَ بني فُلانٍ أي وجوهَهم وأعيانَهم وأصل هذا في الرَّقيق يقال وصيفٌ رُوقَةٌ وَوُصَفاء رُوقةٌ أي حِسانٌ ويستعار ذَلِكَ في الخيل يقال خَيْل رُوقَةٌ وأُراه مأخوذًا من راقَنِي الشَّيء إذا أعجبك ويقال أيضًا رأيتُ جَبْهة بني فلان إذا رأيتَ سادتَهم وأَعيانَهم ومِثُله رأيتُ نواصِيَ بني فُلان قَالَ الشاعر:
في مجلس من نَواصِي الحَيّ مشهود1
__________
1 اللسان والتاج والأساس "نصا" وعزي إلى أم قبيس الضبية.

(1/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَوَّلُ دِينِكُمْ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ثُمَّ مُلْكٌ أَعْفَرُ ثُمَّ مُلْكٌ وَجَبْرُوَّةٌ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الْفَرْجُ وَالْحَرِيرُ1".
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الأُمَوِيُّ نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْكُلاعِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ
قوله: مُلك أَعفَر معناه الإِرْبُ والدّهاء أُخِذ من العَفَارَة وهي الشَّيْطَنَة والدَّهاء يقال رجل عَفْرٌ وعِفْرٌ ومنه قيل للشيطان المتمرّد عِفرِيت ويوصَف به الرَّجلُ الدَّاهي الخَبِيث فيقال رجل عِفْريت نِفْريت وعِفْرِيَة نِفْرِيَة والمعنى أَنَّ المُلك يُفْضي إلى قوم يَسُوسُون النّاسَ بالدَّهاء والنُّكْر والجبَرُوَّةَ مَصْدَر يقال جبَّارٌ بيّن الجَبْريَّة والجِبْرِيَّة والجَبَروت والجَبْروَّة وهو الجَبَروتا أيضًا كقولهم رَحَمُوتا ورَهَبُوتا والعرب تقول: "رَهَبُوتا خير من رَحَمُوتا"2, معناه لأن تُرهَب خير من أن تُرحَم
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْعَبْدِيُّ ثنا مُهَنَّى بْنُ هِشَامٍ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنِي قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمُ الْيَوْمَ فِي نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ3 ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةُ رَحْمَةٍ ثُمَّ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا ثم يكون ملوكا عضوضا4
__________
1 أخرجه الدارمي 2/114 بنحوه. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/189 بنحوه, عن معاذ أبي عبيدة, وانظر كنز العمال 11/215.
2 هامش كتاب الأمثال لأبي عبيد برواية: "رهبوت خير من رحموت".
3 م, ح: "في نبوة رحمة" بالإضافة.
4 في النهاية "عض": ثم يكون ملك غضوض, بفتح العين. قال: وفي روابة: "ثم يكون ملوك غضوض" وهو جمع عض بالكسر.

(1/249)


يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ وَفِي ذَلِكَ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ" 1
العُضُوض جمع عضٍّ وهو الرِّجلُ الخَبِيث الشَّرِسُ الخُلُق.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي صِفَةِ الْخُلَفَاءِ وَالأُمَرَاءِ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ ثنا كثير بن حفص ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَلْمَانُ2 جلوسا ننتظر رسول الله إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا فِي الْهَجِيرِ مَرْعُوبًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ الْخُلَفَاءِ وَالأُمَرَاءِ بَعْدَهُ فَقَالَ: "أَوْهِ لفراخ محمد من خَلِيفَةٍ يُسْتَخْلَفُ عِتْرِيفٍ مُتْرَفٍ يَقْتُلُ خَلَفِي وَخَلَفَ الْخَلَفِ" 3. فَإِنَّ الْعِتْرِيفَ الْغَاشِمُ يُقَالُ رَجُلٌ عِتْرِيفٌ وعِتْريس أَيْ غاشِمٌ ويقال إنه مقلوب من العِفْرِيت. ورواه بعضهم غِترِيفٍ مترفٍ بالغين المعجمة والغَتْرفَة والغَطْرفَة واحدة ورجل مُتَغَتْرف أي متكبِّر وأنشد عن الأحمر:
فإنك إن عاديتني غضب الحصا ... عليك وذو الجُبُّورَة المُتَغَتْرف4
وقوله: يقتُل خلَفي وخَلَف الخَلَف فإنه يُتَأَوّلُ عَلَى ما كان مِنْ يَزِيد في أمر الحسين بن علي وفيما جَرَى منه عَلَى أولادِ المُهاجرين والأَنصار يوم الحَرَّة وهم خَلَف الخلف رحمهم الله
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالمية 4/265, بلفظ: "ومع ذلك ينصرون إلى قيام الساعة" وعزاه لأبي بكر. وأخرجه أحمد بنحوه في مسنده 4/273. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/188 وقال: رواه أحمد في ترجمة النعمان, والبزار أتم منه, والطبراني ببعضه في الأوسط.
2 ت: "سليمان".
3 ذكره الهيثمي في مجمه 5/189 بنحوه, عن أبي ثعلبة قال: كان معاذ بن جبل وأبو عبيد........وانظر كذلك المطالب العالية 2/197.
4 من, ت, م, والبيت في اللسان والتاج "غترف" وعزي للمغلس بن لقيط.

(1/250)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ نا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ثنا عَفَّانُ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَابْنُ عَائِشَةَ قَالُوا ثنا حَمَّادٌ ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ.
قوله: استُحْلَلتُم فروجَهن بكلمة الله يريد -والله أعلم- ما شَرَطه لهنّ في كَلِمته وهو قَولُه تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2 وقد تتَصَرَفُ الكلمة عَلَى وجوه جِماعُها ما أمر الله به ودعا النّاسَ إليه قَالَ الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 3 ثُمَّ فَسَّر ذَلِكَ فَقَالَ: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} 3..الآية.
وأما قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} 4. فإن المفسرين يذكرون أنها عَشْر خصال في الطَّهارة أمره الله بهن خَمس في الرأْسِ وخَمسٌ في سائرِ الجَسَد فأما التي في الرأس ففَرْق الرَّأسِ5 وقَصُّ الشارب والسِّواكُ والمَضْمَضَةُ والاستِنْشاق وأما التي في الجسد فَتَقْلِيمُ الأظفارِ ونَتْف الإِبِط وحَلْقِ العانةِ والاستِنجاءُ والاختِتانُ
فأَتَّمهن أي وَفَّاهن ثُمَّ قال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} 6 أي أَدَّى ما فُرِض عليه.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/72.
2 سورة البقرة: 229.
3 سورة آل عمران: 64, وفي م: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} .
4 سورة البقرة: 124.
5 س, ط: "الشعر". والمثبت من ت, م.
6 سورة النجم: 37.

(1/251)


وأما قولُه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ} 1 فبيان ذلك قوله تعالى: {ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} 2 الآية وأما قوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} 3 فإنها أربعُ كلماتٍ تكلم بها عيسى في المهد صَبِيًّا: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} 4 إلى قوله: {مَا دُمْتُ حَيًّا} 5
وأما قولُه: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} 6 فكلماته عِلمُه
وأما قوله: {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} 7 فإنه يريد -والله أعلم- أنه أوجدَه بالكلمة وكوَّنَه بها وهي قوله: كُنْ من غير تَوْلِيدٍ من فَحْل أو تَنْسِيلٍ من ذكر وهو معنى قولِه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ} 8 ولم يُرِد -واللهُ أَعْلَم- أنَّ عِيسَى هُوَ الكلمةُ نَفسُها ألا تراه يقول اسمُه المَسِيح ولو أَرادَ الكلمةَ لقال اسمُها المسيح.
فأما قَولُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّات" 9 فإِنّ كلمتَه القُرآنُ وصَفَةُ بالتّمام تنزيهًا له عن أن يَلحقَه نقصٌ أو عيبٌ كما يوجد ذَلِكَ في كلام الآدمِيِّين.
__________
1 سورة البقرة: 27.
2 سورة الأعراف: 23.
3 سورة التحريم: 12
4 سورة مريم:30.
5 سورة مريم: 31.
6 سورة الكهف: 109.
7 سورة آل عمران: 45.
8 سورة آل عمران: 59.
9 رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء 4/2080 – 2080 -2081وغيره.

(1/252)


وقد يَحتَجُّ بهذا الخبر مَنْ يَرَى أَنَّ النِّكاحَ لا ينعَقِد إلا بَلْفظِ النِّكاح أو التِّزويج.

(1/253)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ 1 لِلرَّجُلِ الَّذِي بَاعَ لَهُ الْقَدَحَ وَالْحِلْسَ فِي مَنْ يَزِيدُ: "انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَلا تَدَعْ حَاجًا وَلا حَطَبًا وَلا تَأْتِنِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا" 2
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ نا الأَخْضَرُ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
الحاجُ أيضًا جمع حاجَةٍ قَالَ الراعي:
من حَسَكِ التَّلعَةِ أو من حَاجِها
والحاجُ أيضًا: جمع حاجَةٍ قَالَ الراعي:
وحاجَةٍ غيرِ مُزْجاةٍ من الحَاجِ3
فأما الحوائج فهي جَمعٌ عَلَى غير قياسٍ إلا أَنَّ من العرب من يقول في الواحدة منها حائِجَة فمن قَالَ ذَلِكَ أصابَ القياسَ في جمعها عَلَى الحَوائج ذكره أَبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا تَرَكْتُ حَاجَةً ولا داجة إلا أتيتها.
__________
1ط: "أنه قال للذي باع له".
2 أخرجه ابن حبان في التجارات 2/740 بدون قوله: "انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَلا تدع حاجا ولا حطبا" , وأخرجه الترمذي في البيوع 3/513 مختصرا, وكذلك أحمد في 3/100.
3 الديوان /32 ط دمشق. وصدره: "ومرسل ورسول غير متهم". وديوانه /119 ط بغداد وعجزه في اللسان "زجا" دون عزو.

(1/253)


حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا مَسْتُورُ بْنُ عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ رَسُولَ الله فَقَالَ مَا جِئْتُكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً إِلا أَتَيْتُهَا فَقَالَ لَهُ: "أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَكَ كُلَّ حَاجَةٍ وَدَاجَةٍ" 1
هكذا رواه ابن قُتَيبَة بالتّخفيف2, وفَسِّره فَقَالَ: أَراد أنه لم يَدَعْ شيئًا دعتْه نفسه إليه من المعاصي إلا رَكِبَه3, قَالَ وداجة إتباعٌ كقولهم: شَيطانٌ لَيْطانٌ وأخواتها
وقد روي هذا الحرف من غير هذا الطريق مُثقَّلًا وفُسِّر عَلَى غير هذا المعنى
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَوْصِلِيُّ نا أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْمَرْوَزِيُّ أنا أَبُو الْمُغِيرَةَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ4, عَنْ أَبِي الطَّوِيلِ شَطْبِ5 الْمَمْدُودِ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: يا رسول
__________
1 النهاية "دجج" 1/101.
2 جاء في النهاية بالتشديد, وقال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية بالتشديد ... والمشهور بالتخفيف. قال: وأراد بالحاجة, وبالداجة الحاجة الكبيرة ولم أقف عليه في غريب ابن قتيبة المطبوع.
3 ت: "ركبها".
4 ليس في, م, ح.
5 ت: "شطب", كزفر. وجاء في الإصابة 2/152 قال البغوي: أظن أن الصواب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ أن رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم طويلا شطبا, والشطب يعني اللغة الممدود فظنه الراوي اسما فقال فيه: عن شطب أبي طويل.

(1/254)


اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لا يَتْرُكُ حَاجَّةً وَلا دَاجَّةً إِلا اقْتَطَعَهَا بِيَمِينِهِ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ: "هَلْ أَسْلَمْتَ"؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: "نَعَمْ نَعَمْ1 فَاعْمَلِ الْخَيْرَاتِ بِتَرْكِ الشِّرَّاتِ2 يَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهَا" 3
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُبَشِّرَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ الحاجة الحجاج إذا أقبلوا والداجة إذا رجعوا وقال غيره الحاجَّةُ القاصدون البيت والدّاجَّةُ من كان في ضمنهم من مُكارٍ وتاجرٍ وتابع
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا فِي الْحَجِّ لَهُمْ هَيْئَةٌ أَنْكَرَهَا فَقَالَ: هَؤُلاءِ الدَّاجُّ فَأَيْنَ الْحَاجُّ4؟ وَسُمُّوا دَاجًّا لأنَّهُمْ يَدُجُّونَ عَلَى الأرْضِ والدَّجَجَانُ الدبيب في السير أنشدني:
بعضهم عِصابةٌ إن حَجَّ موسى حجُّوا ... وإن أقام بالعراق دَجُّوا
ما هكذا كان يكون الحجّ
يُريد موسى بن عيسى الهاشميّ قَالَ أبو عمر: قَالَ أبو العبَّاس: يقال لهم الحاجُّ والدَّاجُّ والنّاجُّ
فالحاجُّ أصحاب النِّيّاتِ والدَّاجُّ الأتباع والناج المراؤون
__________
1 ت, م, ح: "نعم من غير تكرار والمثبت من س, ط.
2 ح: "الشهوات".
3 أخرجه ابن عبد البر في الاستعاب 2/708. وذكر الحافظ في الإصابة في ترجمة الطويل 2/152.
4 الفائق 1/412.

(1/255)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" 1
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُخَرَّمِيُّ ثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ2 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ3
هذا يفسّر عَلَى وَجْهَين أحدهما أن تُخسَف به الأرضون السَّبعُ فتكون البُقعةُ المغصوبةُ منها في عنقه كالطَّوق والوَجْه الآخر أن يكون ذَلِكَ من طَوْقِ التَّكليف لا من طَوْق التَّقْليد وهو أن يُكلَّف حملها يَومَ القيامة وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِغَيْرِ حَقِّهَا كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَ تُرْبَتَهَا إِلَى الْمَحْشَرِ" 4
وفي الحديث من الفِقْه أنّ مَنْ ملك بُقعةً من الأرض ملك أسفلها كما يَملِك أعلاها وأن ليس لأحدٍ أن يتّخِذَ سَرْبًا تحت أرضه وإن كان لا يتضَرّر به كما لَيْس له أن يُشرِع جَناحًا أو ظُلَّة في هواء داره وإن كان لا يتضَرّر به.
__________
1 أخرجه الدارمي 2/267, والبخاري 4/130 بلفظ: "من أخذ" بدل"من ظلم", ومسلم 3/1230 وغيرهم, واللاحظة أن الدرامي أتى بهذا الحديث عن طريق الزهري إلا أنه أدخل بين طلحة عبد الله , وسعيد بن زيد, عبد الرحمن بن سهل.
2 ح: "عن عبد الله"؟.
3 كذا في س, ت, ط, ح. وفي م: سعيد بن زيد, عن عمرو بن نفيل. وفي تقريب التهذيب 296:.سعيد بن ريد بن عمرو بن نفيل العدوي, أبو الأعور, أحد العشرة, مات سنة خمسين أو بسنة أو بسنتين.
4 أخرجه أحمد في مسنده 4/172, 173 عن يعلى بن مرة. وذكره الهيثمي في مجمعه 4/175 وعزاه للطبراني في الكبير.

(1/256)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنَةٌ بِرَبْوَةٍ وَإِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلَةٌ بِسَهْوَةٍ" 1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ الْحَضْرَمِيُّ أُرَاهُ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ثنا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ ابْنِ الْبُجَيْرِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
السَّهوةُ الأرض اللَّيِّنة التُّربَةِ2 ويقال للدّابة الذلول المِذعان سَهوة قَالَ امرؤ القيس:
وخَرقٍ بعيدٍ قد قَطعتُ نياطَه ... عَلَى ذاتِ لَوْثٍ سَهْوةِ المشيْ مذعانِ3
وهذا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النار بالشهوات" 4
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة ابن البحير6/335 وقال:أخرجه ابن مندة وأبو نعيم.
2 من م, ت, ط, ح.
3 الديوان /91.
4 أخرجه مسلم في كتاب الجنة 4/2174 وغيره.

(1/257)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَتَبَ لِلْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لا دَاءَ وَلا خِبْثَةَ وَلا غَائِلَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ"1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى بْنِ
__________
1 أخرجه البخاري تعليقا في 3/76, والترمذي 3/511, وابن ماجة 2/756 وغيرهم.

(1/257)


ضُرَيْسٍ1 ثنا عُثْمَانُ بْنُ طَالُوتَ ثنا عَبَّادُ بْنُ اللَّيْثِ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِ ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ أَبُو وَهْبٍ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ
قوله: لا داءَ يريد أن المَبيع بريءٌ من داءِ في بدنه أو عيبٍ يُرَدُّبِهِ وقوله: لا غائلةَ فإنها كلُّ شيءٍ يُقصَد به الخداع والتَّدليس وأصل ذَلِكَ من قولهم غالَتْه غولٌ إذا أذهبتْه فهي غائلته ولذلك قيل الغَضَب غُولُ العقل قَالَ ذو الرُّمَّة:
أعاذلُ قد جَرَّبتُ في الدّهر ما كَفَى ... ونظَّرتُ في أَعقابِ حَقٌ وباطلِ
فأيْقَنَ قلبي أنني تابعٌ أبي ... وغائلتي غَوْلُ الرِّجالِ الأوائلِ2
فالغائلة في البيع كلّ ما أَدَّى إلى تلَف الحقِّ وذهابه
وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَرَانِيُّ ثنا عَبْد الله بن شَبِيب ثنا زكريا بن يحيى المِنْقَريّ عَنِ الأَصْمَعي قَالَ سألتُ سعيدَ بن أبي عَروُبة عن الغائلة فَقَالَ الإباقُ والسَّرَقُ والزِّنا
وقال قتادةُ الإباق قَالَ الأصمعي وسألته عن الخِبْثَةِ فَقَالَ بيع أهل عهد المسلمين يريد سبي من أعطى عهدًا أو أمانًا وسمَّاه خبْثةً لحُرمته وكلُّ مُحرّمٍ خبيث. ويقال سَبْيٌ خِبْثَةٌ: أي خبيث وسَبْيٌ طِيبَةٌ وهو ما طاب ملكه وحل3
__________
1 ط: "الضريس" والمثبت من باقي النسخ.
2 الديوان /501.
3 من ت, م.

(1/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُوزَنَ"1
حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا آدَمُ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَريِّ الطَّائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: حتى تُوزَن الثمار لا تُوزنُ إنما تُكال ومعنى تُوزن تُخرصُ وسماه وزنًا لأن الخارص يَحزرُها ويقدِّرها فيحُلّ ذَلِكَ مَحَلّ الوزْن لها والمعنى في النَّهي عن بَيْعها قَبْل الخرصِ شيئان أحدهما تحصين الأموال وذلك أنها في الغالب لا تأمنُ العاهةَ إلا بعد الإدراك وهو أوان الخرْص والمعنى الآخر أنّه إذا باعها قَبْل بُدُوِّ الصَّلاح عَلَى القَطْع سقط حقوقُ الفقراء لأنّ الله تعالى أوجب إخراجها وقت الحصاد
__________
1 أخرجه البخاري في السلم بلفظ: "بيع النخل" بدل "بيع الثمار" 3/112, ومسلم 3/1167, وأحمد في 1/341.

(1/259)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَذِنَ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ"1
قَالَ سَبْرَةُ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ شَابَّةٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ ثنا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثنا سَعِيدُ بْنُ2
__________
1 أخرجه مسلم 2/1023, والنسائي 6/126, وابن ماجه 1/631, وأحمد 3/405.
2 ح: "سعد بن منصور".

(1/259)


مَنْصُورٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ثنا الْمُعْتَمِرُ سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ غَزِيَّةَ يُحَدِّثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي وَمَعِي بُرْدٌ قَدْ بُسَّ مِنْهُ فَلَقِينَا فَتَاةً مِثْلَ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ1
وَحَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا2 حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ3 الْوَاسِطِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ الْجُهَنِيَّ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَسَاقَهُ وَقَالَ فَجَعَلَ ابْنُ عَمِّي يَقُولُ لَهَا بُرْدِي أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِهِ قَالَتْ بُرْدُ هَذَا غَيْرُ مَفْنُوخٍ ثُمَّ قَالَتْ بُردٌ كَبُرْدٍ4
العيطاءُ: الطَّويلةُ العُنُق وطولها يُستَحسن ما لم يُفرِط قَالَ قيسُ بنُ الخَطيم:
عيتاء جَيداء يُسْتَضاء بها ... كأنها خوطُ بانةٍ قَصِفُ5
فأما قول ذي الرُّمَّة:
والقُرطُ في حُرَّةِ الذِّفرى مُعَلَّقةٌ ... تَباعد الحبلُ منها فهْو يضطرب6
__________
1 أخرجه مسلم 2/1024, والبيهقي في سننه 7/202.
2 س, ح: "أصحابي".
3 ح: "عبد العزيز بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ".
4 أخرجه مسلم 2/1025, والبيهقي في سننه 7/202.
5 هامش س: "عيطاء" بد "عيناء" والمثبت من النسخ كلها. وفي الديوان /57: "حوراء.
6 الديوان /6, والسان والتاج "حبل".

(1/260)


فهذا إفراط وقد عِيبَ به.
والعُطْبوُل أيضًا الطَّويلُ العُنُق وهو العيطل والبكرة العَنَطْنَطة مثل العيطاءِ سواء ويقال عُنُق عَنَطْنَطٌ قَالَ الشاعر:
تَمطُو السُّرَى بعُنُقِ عَنَطْنَطِ1
وقوله: قد بُسَّ منه أي قد نَالَ منه البِلَى فَرقَّ ونَهِك ومن هذا قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} 2, قَالُوا: معناه فُتَّت3 ودُقَّت ومنه البَسِيسَةُ وهي السُّوِيقُ ونحوُه وقال الأصمعي: هي كل شيءٍ خَلطَته بغيره مثل السَّوِيق والأَقِط ثُمَّ تبلُّه أو مثل الشَّعير بالنَّوى للإبل يقال: بَسَسْت أَبُسُّ بَسًّا قَالَ الراجز:
لا تَخْبِزَا خُبْزًا وبُسَّابَسَّا ... ولا تُطِيلا بمقامٍ حَبْسَا4
يقول: تَزوَّدا السَّويق5 ولا تَصْنَعا خبزًا لئلا يطول المَكْثُ يأمرهما بالنَّجاء في السَّير ويروى لا تَخْبِزَا خَبْزًا "بفتح الخاء", والخَبز: الدَّفْعُ بالأَيْدي في السَّوْقِ والبَسُّ السَّيرُ أيضًا.
قَالَ أبو زَيْد: البَسُّ والبَشْكُ جميعًا: السَّيرُ الرَّقِيق يقال بَسَسْتُ أَبُسُّ وبَشَكْتُ أَبْشُك وأنشد:
لا تَخْبِزا خَبْزًا وبُسَّابسَّا
__________
1 اللسان والتاج "عنط" وعزي لرؤية.
2 سورة الواقعة: 5
3 ت, م, ح: "فتتت".
4 اللسان والتاج "بسس" ولم يعز.
5 ت, م, ح: "تزودوا السويق" والمثبت من م.

(1/261)


ويُروى أيضًا: ونُسَّانَسَّا "بالنون" والنَّسُّ: السَّوقُ
وقوله: غير مَفْنُوخ: أي غَير مَنْهوك. ويقال للرجل الضعيف: إنه لفَنِيخٌ ومنه قيل: فَنَخْتُ رأسَه إذا شَدخْتَه, قَالَ العَجّاج:
لَعَلِم الجُهال أَنّيَ مِفْنَخُ1
وقد استَدلَّ بعضُ أهل العلم بقوله: "أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي المُتْعة عامَ الفتَح" عَلَى أَنّ حَظرًا قد كان تَقَدّمه واحتج بخبر عليّ بن أبي طالب
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَاهُ أَنَّ أَبَاهُمَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ2
وذهب آخرون إلى أن حَظْرًا لم يكن تَقدمَّه وإنما كان النَّهي عنه عامَ الفَتْح وتأوّلوا الخبَر عَلَى أنَّ ذِكْر خَيْبَر ليس عَلَى التَّوقيت للنَّهي عن المُتعة لكنه على التوقيت له في لحوم الحُمُر وإنما أدرجه الراوي إدراجًا كأنه قَالَ نهى رسول الله عن نكاح المتعة ثُمَّ قَالَ ونهى عن لُحومِ الحُمُر الأَهلية زَمنَ خَيْبَر فكان التَّوقيتُ مُنصِرفًا إلى حُرْمَةِ الحُمُر لا إلى المُتعة قَالُوا ومما يدل عَلَى صِحَّة ذَلِكَ أَنَّ المُتْعَة لم يكن لها زمَن خَيْبر سببٌ فيجب تحريمها له وكان السببُ في تحريم لحوم الحمر معلوما يوم خَيْبر وذلك أنهم أسرعوا فيها وأَغْلَوْا بها القُدور قَالَ الراوي فنهانا رَسُول الله عنها فأكفَأْنَا القُدورَ وهي تَغْلِي بها.
__________
1 السان والتاج "فنخ", والديوان 459.
2 أخرجه مسلم 2/1027, والحميدي في مسنده 1/22 وغيرهما.

(1/262)


ومَّما احتجوا به أَنْ قَالُوا: ليس في الشَّريعة أمرٌ تَوالَى عليه التَّحريمُ مرتين. ويروى هذا القولُ عن أبي بكر الأَثْرم ورأيتُ ابنَ أبي هُرَيرة يَنْصُره ويَمِيل إليه وقد روى مالِكٌ هذا الخبر فذكر النَّهي عن المُتْعة يوم خَيْبر, فجرَّده من غير تَضْمينٍ له بالنَّهي عن لُحومِ الحُمُر الأَهْلِية
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْحَسَنَ وعبد الله أخبراه أَنَّ أَبَاهُمَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مُتْعَةَ النِّسَاءِ يَوْمَ خيبر"1.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ /335, والبخاري 5/173, والبيهقي في السنن الكبرى 7/201.

(1/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَكَنَفَهَا فَضَرَبَ بِالْمَاءِ وَجْهَهُ"1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ نا عُمَارَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ
قوله: كنَفَها معناه جَمَع كَفّه لِيَصير كِنْفًا للماءِ والكِنْفُ الوِعاء ومنه قولهُ: عليه السلام2 في عبد الله: "كنيف ملىء علمًا" 2 المعنى أنه أَسبغَ الوُضُوء وأَخذ الماءَ له غَرْفًا بِمِلْءِ كَفِّه.
ويقال: كنف الكَيَّال يَكْنُفُ كَنْفًا وهو أن يجعل عَلَى يديه رأس القفيز يُمسِك بهما الطعام3
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/443, بلفظ: "فكفها" وكذلك في 4/237 بلفظ: "بكفها".
2 من ت. وفي النهاية "كنف" 4/205: "ومنه حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنِ مسعود: كنف ملئ علما. وهو تصغير تعضيم للكنف.
3 من م.

(1/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ جُوَيْرِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ قَالَ: "وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلاحَةً" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابن إسحاق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قوله: مُلاحة هي الموصوفة بالمَلاحة يقال مَلِيح ومُلاح وكَرِيمٌ وكُرامٌ قَالَ أبو عُبَيْدة العرب تحوّل لفظ فَعِيل إلى فُعَال ليكون أشدَّ مبالغةً في النَّعت قَالَ غيره فإذا أرادوا التأكيد شَدَّدُوا فقالوا كُرَّام وحُسَّانٌ قَالَ الشَّمّاخُ:
دارُ الفتاةِ التي كنّا نَقُول لها ... يا ظَبْيَةً عُطُلًا حَسَّانَةَ الجِيدِ2
ويقال: رجل أُمَّان أي أَمِين ثِقَة قَالَ الأعشى:
ولقد شَهِدتُ التَّاجِرَ الأُمَّانَ مَوْرودًا شَرابُه3
وقال الفَرَّاء يقال رجل وُضَّاء مُشَدَّدٌ من وَضَاءَةِ الوَجْه ورجل قراء للقارىء قَالَ وأنشدني أبو صَدَقَةَ النُّميْريّ:4
بيضاءَ تَصْطادُ العَفِيفَ وتَسْتَبِي ... بالحُسْنِ قلب المسلم القراء5
__________
1 أخرجه أبو داود في كتاب العتق 4/22, والإمام أحمد 6/277.
2 الدبوان /112.
3 الديوان /22.
4 اللسان والباج "قرأ, وضأ": أبو الدبيري.
5 اللسان التاج "قرأ, وضأ", وجاء في اللاسان والتاج "قرأ": تصطاد الغوي, والقراء يكون من القراءة جمع قارئ, ولا يكون من التنسك, وهو أحسن. قال ابن بري: صواب إنشاده: بيضاء بالفتح, لأن قبله:
ولقد عجبت لكاعب مودونة ... أطرافها بالحلي والحناء

(1/264)


وفي هذه القصيدة:
والمرءُ يُلحِقُه بفِتْيان النَّدى ... خُلُقُ الكَريم وليس بالوُضَّاءِ
ويُحكى عن الأصمعيّ أنه قَالَ قُلتُ لجارية من الأَعراب أين أبوك؟ فقال عند الكُبَّار وأشارت إلى جَبَل قريب منها ومن هذا قولُه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} 1
__________
1 سورة نوح: 22.

(1/265)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ زَوَّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَاهَا فَجَاءَتْ خَرِقَةً مِنَ الْحَيَاءِ فَقَالَ لَهَا: "اسْكُنِي فَقَدْ زَوَّجْتُكِ أَحَبَّ أَهْلِ بَيْتِي ودعا لهما" 1
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ نا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ
قوله: خَرِقة معناه خَجِلة من فَرْط الحَياء. أخبرني أبو عمر عن أبي العَبّاس ثعلب قَالَ يقال خَرِقَ الرجلُ وبَعِل وبَحِر وبَقِر إذا نزل به أَمرٌ فَبِقي مُتحَيِّرا
وفي حديث آخر: أنّها أَتَتْه تَعثر في مِرْطِها من الخَجِل2 وقال أبو دواد الإيادي
__________
1 ذكر الهيثمي في مجمعه 9/210/, بلفظ: "عرقة" أو "حزقة"بدل "خرقة" وفي م, ط, ح: "فقد أنكحتك" بدل "فقد زوجتك".
2 رواه ابن رهويه في مسنده ل12 – ب, وذكر الهيثمي في مجمعه 9/209 بلفظ: "من الحياء" بدل "من الخجل".

(1/265)


والجُونُ في ألجائها خُرُقٌ ... والطَّيرُ في الأوكار قد خَرِقَت
أي تحيرت من الفزع فبقيت في أماكنها لا تَتحرَّك يعني بالجون هنا الحُمُر والإلجاء مواضعها قد تحيرت فيها لا تدري أين تذهب1
__________
1 من ت.

(1/266)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَيَاسَرُوا فِي الصَّدَاقِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْمَرْأَةَ حَتَّى يَبْقَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهَا حَسِيكَةً" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ بِذَلِكَ.
قوله: تَياسَرُوا يريد تَراضْوا بما استَيْسَر منه ولا تُغَالُوا به2 والحَسِيكَةُ العداوة يقال فلان حَسِكُ3 الصّدرِ عليَّ إذا كان مُضمِرًا لك عَلَى حِقْدٍ وقال الكِسائيّ المِئْرةُ الذّحْلُ وجمعها مِئَرٌ والضَّمَد الحِقْد والكَتِيفَةُ الضَّغِينَةُ ومثله الحَسِيفَةُ والحَسِيكَة والسَّخِيمَةُ قَالَ الأُموِيّ الحِشْنَةُ الحِقْد وأنشد:
أَلا لا أَرَى ذا حِشْنَةٍ في فؤاده ... يجمجمها إلا سيبدوا دَفينُها4
يقال جمجم الرجلُ إذا لم يبيّن كلامه من غيْر عي5
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/174.
2 من ت, ط.
3 ح: "حسيك الصدر".
4 اللسان والتاج "حشن".
5 من ت, م.

(1/266)


ومنه الوَحَر والوغَر والوَغْم الذّحْلُ قَالَ الأعشى:
يَقُوم عَلَى الوَغْم في قومه ... فيعفو إذا شَاءَ أو ينتَقِم1
قَالَ أبو عبيدة معناه يطلب لقومه الوِتْر وهو من قَولِه تعالى: {لَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} 2أي طالبًا.
وَنَحْوَ هَذَا حَدِيثُ عُمَرَ: "أَلا لا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغَالِي بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا فِي قَلْبِهِ عَدَاوَةً"3
يقول جَشِمتُ إليك عَلَقَ القِرْبَةِ أو عَرَق القربَةِ وقد فسّره أبو عُبَيْد في كتابه4
__________
1 الديوان /198.
2 سورة: آل عمران: 75.
3 أخرجه أبو داود 2/235, والنسائي 6/117, وعبد الرزاق 6/175, والحميدي في مسنده 1/12, وسعيد بن منصور في سننه 1/150 غيرهم.
4 3/285 والمعنى لقيت منه الشدة.

(1/267)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ ثنا هَمَّامٌ نا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ تأوله أحمدُ بن حَنْبل علي الشَّفاعة يقول إن مات الغُلام ولم يُعَقَّ عنه لم يُشَفَّع في والديه
وقال غيره معنى قوله: كلُّ غلام رهينةٌ بَعَقيقَتِه أي بأَذَى شَعَره واستدل بقوله: "فأميطوا عنه الأذى"
__________
1 أخرجه أبو داود في الأضاحي 3/106, والترمذي 4/101, والنسائي 7/166, وابن ماجه 2/1075, والدارمي 2/81.

(1/267)


وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: "أَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" أَيْ مَا عَلِقَ بِرَأْسِهِ مِنْ دَمِ الرَّحِمِ1
والرَّهِينَة الرَّهْنُ1 فعيل بمعنى مفعول أي مرهون والهاء في هذا وفيما أشبهه للمبالغة يقال فلان كريمةُ قومه أي يَحُلُّ مَحَلُ العقدة الكريمة عندهم وهذا عَقِيلَةُ المتَاع أي غُرَّتُه قَالَ المُبَّرد وروى فُصحاءُ أصحاب الحديث في قِصَّة جَرِير: "إذا أتاكم كَريمةُ قوم فأكرمُوه" 2 وقال صَخْر بن الشَّريد يذكر أخاه معاوية:
أَبَى الشَّتْمَ أَنّي قد أصابُوا كَرِيمَتي ... وأن لَيْس إهداءُ الخَنَى من شِمَالِيَا3
والعَقِيقةُ: شَعَر الصَّبِيّ كما يُولَد من أُمِّه قَالَ الشاعر:
أيا هِنْدُ لا تَنْكَحِي بُوهَةً ... عليه عَقِيقَتُه أَحْسَبَا
ويقال بل العَقِيقَةُ الشَّاةُ التي تُذبَح عنه وأصل العَقِّ القَطْع4 قَالَ الشاعر:
بلادٌ بها عَقَّ الشّبابُ تَمِيمَتِي ... وأولُ أرضٍ مسَّ جلدي تُرابُها5
ومنه قولهم: عقَّ الرجلُ والدَه إذا قطعه ويقال قد انعق البرق إذا
__________
1 من م.
2 أخرجه ابن ماجه 2/1223 عن ابن عمر مرفوعا.
3 اللسان والتاج "كرم" برواية: "أبي الفخر". ويعني بقوله: كريمتي أخاه معاوية بن عمرو والشمال بكسر الشين, والخلق.
4 ساقط من ت, وهو في م, س. والبيت واللسان والتاج "عق", وعزي لامرئ القيس, وهو في ديوانه /128.
5 اللسان والتاج "عق", "نوط", "تمم".

(1/268)


تَبَسَّم وانْشَقَّ والسُّيوفُ تُشَبَّه به فيقال: سَيفٌ كأنه عَقِيقَةُ بَرْقٍ أي لَمعَةُ بَرْق قَالَ الصَّلَتَانُ:
ألا يا اصْبِحَاني قبل عَوْق العَوائِق ... وقبل اخْتِراط القوم مثل العقائقِ
ولهذا سُمِّي الوادي الَّذِي بالمدينة عَقِيقًا وذلك لانْشِقاقه في الأرض طُولًا فإذا كان أَصلُ العَقِّ القطع والشّقّ صَلُحَ أن تكون العقيقةُ اسمًا للذَّبيحة لأنها تُعَقُّ أي تُقطَع مذابِحُها وتُشَقّ وأن تكون اسمًا للشَّعر لأنه يُقْطَع عن الصّبي فيُحذفُ عنه.

(1/269)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَمُ الإِيمَانِ الصَّلاةُ فَمَنْ فَرَّغَ لَهَا قَلْبَهُ وَحَاذَ عَلَيْهَا بِحُدُودِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ" 1
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الشَّافِعِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ نا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ2 نا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
المشهور من هذا حافظ عليها فإن صحّ قولُه: حاذَ فمعناه ومعنى الأَوَّل سواء
يقال حاذ عَلَى الشيء إذا حافظ عليه ومنه قَولُه تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} 3 قال حميد بن ثور:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/574 بلفظ: "حافظ" بدل "حاذ" وعزاه لابن شاهين في الأفراد, وتاريخ الخطيب والن النجار والديلمي.
2 في التقريب التهذيب 1/199: حمزة بن حبيب الزيات القارئ. أبو عمارة الكوفي التيمي. مات سنة 156 أو 158هـ.
3 سورة المجادلة: 19.

(1/269)


عَلَى أَحْوَذِيَّيْن استَقَلَّت عليهما ... نَجاةٌ تراها لَمعةً فَتَغِيبُ1
يريد جَناحَي القطاة.
وقد وصفت عائشَةُ عُمَر بذلك فقالت: "كان أَحوَذِيًّا نَسِيجَ وحدِه2", ويروى: "أحْوَزِيًّا" قَالَ: بعض أهل اللغة: الأَحوَذِيُّ: القَطَّاعُ للأُمور والأَحْوَزِيُّ: الجامِعُ لِمَا شَذَّ.
وأخبرنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأسود3 أنا وَهْب بن جَرِير قَالَ: سألتُ أعرابيًّا عن قَولِ عائشةَ في عُمَر بن الخَطَّاب: كان أَحوزِيًّا قلت: ما الأَحَوزِيُّ؟ قَالَ: الَّذِي يَحتَازُ بالأمر دون الناسِ ومّما جاء عَلَى وزنه من النّعوت الأَلْمَعيّ: الَّذِي يَظن الظن فلا يخطىء قَالُوا: واشتِقاقه من لَمعان النَّار وتوقُّدها ومثله اللَّوذَعِيّ وهو المُتوقِّد واشتقاقه من لذع النار
__________
1 الديوان /55, واللسان والتاج"حوذ" برواية: "فما هي إلا لمحة وتغيب".
2 ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء /120. وفي مجمع الزوائد 9/50, وابن حجر في المطالب العالية 4/39.
3 ح: "أبو بكر بن الأسود". والمثبت من بقية النسخ. وفي التقريب 1/446 هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الأسود البصري أبو بكر, ثقة حافظ"ت: 223هـ".

(1/270)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الضِّبْنَةِ فِي السَّفَرِ وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ" 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كان رسول الله يقول ذلك.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/256, 300.

(1/270)


الضِّبْنَةُ: عِيال الرجل ومَنْ تلزمُه نَفَقَتُه وسُمُّوا ضِبْنَةً لأنهم في ضِبْنِ مَنْ يعولهم والضِّبْنُ ما بَيْن الكَشْح والإِبِط تَعَوَّذَ بالله من كثرة العيال وخصَّ به السَّفَر لأنه مَظنَّة الإِقواء
وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" 1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون إنَّما تَعَوَّذَ من صُحْبَةِ مَنْ لا غَناءَ عنده ولا كِفاية إنما هُوَ كَلٌّ وعيال عليه وقال بعضهم: إنما هو الضّمْنَة بالميم وهي العلَّة المزمِنة وهذا وجه إلا أن الرّواية جاءت بالباء
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: "أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الشِّطَّةِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ"2
حَدَّثَنِيهِ مُحَدِّثٌ نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُحَيْرَةَ نا سُلَيْمَانُ3 بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عَلِيًّا4 الأَسَدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
هَكَذَا قَالَ: الشِّطَّةُ وَهِيَ بُعدُ المسافة يقال: شط المكان إذا بَعُدَ يَشُطُّ ويَشِطُّ وَيُقَالُ: شَطَّتْ بِهِ النَّوَى أَيْ بَعُدَتْ بِهِ المسافة قال الشاعر:
تشط غدا دَارُ جِيرَانِنَا ... وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبعد5
__________
1 أخرجه أبو داود 2/132, وأحمد 2/160, 193, 195. والإقواء: والفقر.
2 أخرجه مسلم 2/978 بلفظ: " ... وكآبة المنظر وسوء المنقلب" وأبو داود 3/33 مختصرا, وأحمد في مسنده 2/150.
3 ت: "سفيان بن داود أبو الربيع", والمثبت من س, م, ط, ح.
4 ت, س, ط,: "علباء", والمثبت من م, ح, والإصابة في تمييز الصحابة, القسم الرابع /169, قال: وهون علي بن عبد الله البارقي الأزدي, مشهور في التابعين, معروف بروايته لهذا الحديث عن ابن عمر.
5 اللسان والتاج"شطط" دون عزو.

(1/271)


وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ أَشَطَّ الرَّجُلُ فِي الْحُكْمِ إِذَا تَبَاعَدَ عَنِ الْحَقِّ قَالَ الأَحْوَصُ:
أَلا يَا لَقَوْمٍ قَدْ أَشَطَّتْ عَوَاذِلِي ... وَيَزْعُمْنَ أَنْ أَوْدَى بِحَقِّيَ بَاطِلِي1
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعدِيلِ النَّفَقَةِ: لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ فَإِنْ رَوَاهُ رَاوٍ كَآبَةَ الشُّقَّةِ فَمَعْنَاهَا مَشَقَّةُ السَّفَرِ.
يُقَالُ شُقَّةٌ شَاقَّةٌ: أَيْ طريق بعيدة ذات مشقة.
__________
1 الديوان /179.

(1/272)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ مَعَهُ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الكُتَّابِ فَسَمِعْتُ الأَعْرَابَ وَالنَّاسَ يَقُولُونَ الطَّبْطَبِيَّةَ الطَّبْطَبِيَّةَ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ الثَّقَفِيُّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ حَدَّثَتْنِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ
قولها: يقولون الطَّبْطَبِيَّةَ إنما هُوَ حِكاية وَقْع الأَقدام تُريد إقبالَ الناس إليه يسْعون ولأَقْدامهم طَبْطَبَة كقول القائل:
جَرَت الخيلُ فقالت حَبَطِقْطِق..2
يُرِيد حِكايةَ وقعِ سنابكها وكقول آخر:
أصابت رِجلُها الطَّستَ فقالت طَنَنِنَّه..
وأخبرني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قال قال أبو
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/366, وأبو داود في النكاح 2/233.
2 اللسان والتاج"طقق".

(1/272)


المُكارِم مررتُ بقوم وهم تِغٍ تِغٍ أي يَضحكون وفيه وَجْه آخر وهو أن يُرادَ بها الدِّرَّة التي كانت معه سمتها الطَّبْطَبِيَّة لصوتها ومنه طَبْطَابُ اللَّعِب.

(1/273)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ وَهِيَ نَزَحٌ"1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الربذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَشَيْخٍ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدَبِ بن ناجية أو ناجية بنت جُنْدَبٍ قَالَ: لَمَّا كُنَّا بِالْغَمِيمِ عَدَلْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ فَأَخَذْتُ بِهِ فِي طَرِيقٍ لَهَا فَدَافِدُ فَاسْتَوَتْ بِيَ الأَرْضُ حَتَّى أَنْزَلْتُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ نَزَحٌ1
قَالَ الكسائي: يقال بئر نَزَحٌ إذا لم يكن فيها ماء وجمعها أَنْزاح وأنشدنا أبو عُمَر:
لا تَسْتَقي في النَّزَح المَضْفُوفِ ... إلا مُداراتُ الغُروبِ الجُوفِ2
مُدارات جمع مُدَارة إذا أُدِيرت فهي مُدارة قَالَ الفراء نزحَتِ البئْرُ ونَزَحتُها اللازم والمتعدي سواء ومثله غاضَ الماءُ وغِضْتُه وهَبَطَ الشيءُ وهَبَطْتُه سواء3 فالنَّزَحُ المَنْزوح كما أَنَّ النَّضَح المَنْضُوح ويقال للحوض النَّضَح. قَالَ أَيْمنُ بن خريم:
__________
1 ذكره الحافظ في الإصابة 3/541 في ترجمة ناجية. وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/613 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأبي نعيم.
2 اللسان"دور", "نزح".
3 من ح, م.

(1/273)


فاسَتوْرَدْتهم سيوفُ المسلمين عَلَى ... تمام ظِمءٍ كما يُسْتَورَدُ النَّضَح
وقوله: طريق له فَدافِدُ. الفَدْفَدُ المكان المرتفع وفيه صَلابَةٌ وحُزونةٌ.

(1/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أَصْحَابَ النَّجَاشِيِّ كَلَّمُوا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَأَلُوهُ عَنْ عِيسَى فَقَالَ جَعْفَرٌ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى عَلَى مَا يَقُولُ مِثْلَ هَذِهِ النُّفَاثَةِ مِنْ سِوَاكِي هَذَا"1
النُّفَاثَةُ مَا يُنْفَثُ مِنْ شَظَايَا السِّوَاكِ قَالَ أبو زيد تقولُ العرب لو سألتَني نُفاثةً وقصامَةً2 وضُوارةً ما أعطيتُك ومعناها ما يبقى في فِيك من السِّواك
وفي هذه القصة: "أَنّ عَمْرو بن العاص دخل عَلَى النَّجاشيِّ وهو إذا ذاك مُشرِك فَقَالَ النَّجاشِيُ نَخِّروا"3
قَالَ عمير بن إسحاق يريد تَكَلَّموا
حدثنيه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو دَاوُدَ نا النَّضْرُ أنا ابن عَوْن عن عُمَيْر بن إسحاق وهذه اللفظة إن كانت من كلام العرب فإني أَحسِبُها من النَّخير ويروى نَجِّروا بالجيم أيضا
__________
1 أخرجه أحمد 1/202, 203 مطولا بلفظ: "هذا العود". بدل "هذه النفاثة", وكذلك في 1/461, 5/290 بلأفاظ متقاربة.
2 س: قصاصة, والمثبت من ت, م, ح.
3 ذكره الحافظ في المطالب العالية 4/193, وعزاه لأبي يعلى, وذكره الهيثمي في مجمعه 6/29 بلفظ: "نجروا".

(1/274)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظلَّمٌ مُزَوَّقٌ فَقَامَ بِالْبَابِ ثم انصرف ولم يدخل"1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/32.

(1/274)


أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ.
قوله: مُظَلَّم معناهُ مُمَوَّه مُزَوّق مأْخوذ من الظَّلْم وهو مُوهَةُ الذَّهب والفِضَّة ويقال للماء الَّذِي يَجرِي عَلَى الثَّغْر ظلم قال الشاعر:
تجلوا عَوارضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابتَسَمت ... كأَنَّه مُنهَلٌ بالرَّاح مَعْلولُ1
وقال بِشْرُ بن أبي خَازِم:
لَياليَ تَسْتَبيك بذي غُروبٍ ... يُشَبَّه ظَلْمُه خضل الأقاحي2
__________
1 اللسان والتاج"ظلم" وعزي لكعب بن زهير, وهو في ديوانه /7.
2 الديوان /43.

(1/275)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلا" ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ" 1. يَعْنِي المُحَصَّبَ
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
الخَيْف: ما انحدر عن الجبل2 وارتفع عن المَسِيل وبه سُمِّي مَسْجدُ الخَيْف
__________
1 أخرجه أبو داود في الفرائض 3/125, والأمام أحمد 5/202 وغيرهما.
2 ت: "من الجبل".

(1/275)


وقوله: "هل ترك لنا عَقِيلٌ من دارٍ" فإنما قَالَ ذَلِكَ لأنّه قد كان باع دُورَ عَبْدِ المطلب وذلك لأنه وَرِث أبا طالب ولم يَرِثْه عليٌّ لتقدم إسلامه موتَ أبيه فلما ورثه عَقِيلٌ باعها ولم يكن لرسول الله فيها مَورِث لأن أباه عَبْد الله هَلَك وأبوه عَبْد المطلب حَيٌّ وهلك أكثرُ أولاده ولم يُعْقِبوا فحاز رِباعَه أبو طالب وحازها بعد موته عَقِيل وقد كان كُفّارُ قُريش يَعمِدون إلى مَنْ هاجر من المسلمين ولَحِق بالمدينة منهم فيَبِيعون دَارَه وعَقارَه
قَالَ الواقدي هاجرتْ بنو جَحْش حتى لم يَبْقَ منهم بمكةَ أحدٌ فصارت دارُهم خَلاءً تَخْفِق أَبوابُها1. فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ قَالَتْ لَمَّا هَاجَرْنَا عَمَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى دَارِنَا فَبَاعَهَا مِنْ عمرو بن علقمة بأربعمائة مِثْقَالٍ عَجَّلَ لَهُ مِائَةَ مِثْقَالٍ وَنَجَّمَ عَلَيْهِ سَائِرَهَا فِي ثَلاثِ سِنِينَ قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا أَحْمَدَ عَبْدَ بْنَ جَحْشٍ2 مَشَى وَبَنُو جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرُوا لَهُ صَنِيعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا دَارًا فِي الْجَنَّةِ"؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا وَاللَّهِ لا نُقِيلُ وَلا نَسْتَقِيلُ فَمَا ذَكَرُوهَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ3 قَالَ وقال الزُّهري فَقَالَ أبو أحمد لأَبي سفيان بن حرب:
دارَ ابنِ عَمِّك بعْتَها ... تَقْضِي بها عنك الغَرَامَهْ4
اذْهَب بها اذْهَب بها ... طُوِّقْتَها طوق الحمامه
__________
1 س: "تخفق الرياح فيها", والمثبت من باقي النسخ.
2 س: "أبا أحمد عبد الله بن جحش", والمثبت من باقي النسخ.
3 لم تقف عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا.
4 اقتصر اللسان على البيت الأول "غرم" دون"عزو.

(1/276)


وفي الحديث من الفِقْه جَوازُ بَيْع دُورِ مكة وكانت مُقاسَمَة قريش عَلَى الكفر أنهم قَالُوا لا نُناكِحُ بَني هاشم ولا نبايِعهم مُعاداةً لهم في رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(1/277)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الاخْتِصَارُ فِي الصَّلاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ" 1
يَرْوِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الاختِصار: وَضْع اليدِ عَلَى الخَاصِرة والمعنى أَنَّه فِعْلُ اليهود في صلاتهم وهم أَهلُ النار ليس عَلَى أَنَّ لأَهْل النّار الذين هم أَهلُها خالدِين فيها راحةً قَالَ الله تعالى: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} 2 فأما قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ} 3 فمعناه إلا ما شَاءَ رَبُّك من زِيادة التَّأْبِيد بعد زَوالِهِما والله أعلم
أَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ ثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلاةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ4
وقد يُفَسَّر الاخُتِصَار في الصّلاة تَفسِيرًا آخر وهو أن يأخُذَ بيده عصا يتكىء عليها5
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه 2/287.
2 سورة الزخرف: 75.
3 سورة هود: 107. 108
4 أخرجه أبو داود في 1/237, والنسائي 2/127 بلفظ: "خصري" بدل "خاصرتي" والإمام أحمد في مسنده 2/106.
5 من ت, م.

(1/277)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1 أَنَّ أُصَيْلا الْغِفَارِيَّ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ: "يَا أُصَيْلُ كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ" فَقَالَ عَهِدْتُهَا وَاللَّهِ قَدْ أَخْصَبَ جِنَابُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَسْلَبَ ثُمَامُهَا وَأَمَشَّ2 سَلَمُهَا فَقَالَ: "حَسْبُكَ يَا أُصَيْلُ" 3
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّهْرِيُّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ أبو سليمان قوله: أَعذَق إذخِرُها أي صارت له أَفْنان كالعُذوق.
يقال أَعْذَقَت النخلة إذا كثر أغذاقها وهي جمع عِذْق وأَعْذَقَ الرجلُ إذا كَثُر عُذوقُه أي نَخْله وهي جمع عَذْق4 وأَسْلبَ ثُمامُها أي أَخْوَص والسَّلَبُ: خُوصُ الثُّمامِ
وقوله: أَمشَّ سَلَمُها هكذا قَالَ الخزاعي قال يُرِيدُ أَنَّه قد أَخرج مُشَاشَه وهو ما يخرج في أطرافه ناعما رخصا كالمشاس وهو غَلَط وإنما هُوَ أَمْشَر سَلَمُها أي أورق واخُضَرَّ روى أبو عُبَيْد عن أبي زياد والأَحْمَر قالا أَمشَر الشَّجرُ وأمشرت الأَرضُ إذا خرج نَبتُها ويقال ما أحسن
__________
1 سقط هنا من ط, ح هذا الحديث وشرحه, وجاء في ط, لوجة 55ب, وح لوحة 69
2 النهاية"مش": والرواية: أمشر.
3 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/155 بلفظ "أغدق ... وأسلت ثمامها". ونقله الحافظ في الإصابة 1/53 بلفظ اخضرت أجنابها ... وانتشر سلمها" وعزاه لغريب الحدييث للخطابي.
4 من م.

(1/278)


مَشرتها وقد رُوي هذا في حَدِيثٌ آخَرُ يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ أَهْدَى لَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَبُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْخُزَاعِيَّانِ غَنَمًا وَجَزُورًا مَعَ غُلامٍ مِنْهُمْ فَأَجْلَسَهُ رسول الله وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ لَهُ فَلْتَةٍ فَقَالَ: "يَا غُلامُ كَيْفَ تَرَكْتَ الْبِلادَ"؟ فَقَالَ تَرَكْتُهَا قَدْ تَيَسَّرَتْ وَقَدْ أَمْشَرَ عِضَاهُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخَرُهَا وَأَسْلَمَ ثُمَامُهَا وَأَبْقَلَ حَمْضُهَا فَشَبِعَتْ شَاتُهَا إِلَى اللَّيْلِ وَشَبِعَ بَعِيرُهَا إِلَى اللَّيْلِ مِمَّا جَمَعَ مِنْ خَوْصٍ وَضَمْدٍ وَبَقْلٍ1
قَالَ الخَطّابيّ: البُرْدَةُ الفَلْتَةُ هِيَ الضَّيَّقَةُ الَّتِي لا ينضم طرفاها لِصِغَرِهَا تُفْلِتُ مِنَ الْيَدِ يُقَالُ بُرْدَةٌ فَلْتَةٌ وَفَلُوتٌ
وَقَوْلُهُ: تَيَسَّرتْ مَعْنَاهُ أَخْصَبَتْ وَأَصْلُهُ مِنَ الْيُسْرِ وَقَدْ تَيَسَّرَ الرَّجُلُ إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ وَيَسَّرَ غَنَمُهُ إِذَا كَثُرتْ ألبابها قَالَ الشَّاعِرُ:
هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ... يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنمَاهُما2
والحَمْض مِنَ النّباتِ مَا فِيهِ مُلُوحَةٌ وَيُقَالُ أَبْقَلَ الْمَكَانُ فَهُوَ بَاقِلٌ وَلَمْ يَقُولُوا مُبْقِلٌ وَمِثْلُهُ أَوْرَسَ الشَّجَرُ فَهُوَ وَارِسٌ الضَّمْدُ رطب الشجر ويابسه قال يعقوب يقال شبعت الإبل من ضمد الأرض وهو رطب النبت وَيَابِسُهُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ وَيُقَالُ قَد أُضْمِدَ الْعَرْفَجُ إِذَا تَجَوَّفَتْهُ الْخُوصَةُ وَلَمْ تَنْدُرْ مِنْهُ أَيْ كَانَتْ فِي جَوْفِهِ وَالسَّلَمُ شَجَرٌ مِنَ الْعِضَاهِ يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ الأَدِيمُ يُقَالُ أَدِيمٌ مَسْلُومٌ إِذَا دُبِغَ بِالسَّلَمِ.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه 2/591, 592 بلفظ "في بردة له بلية" وبلفظ "أسلب ثمامها".
2 اللسان والتاج "يسر" وعزي لأبي أسيد الدبيري.
وقبله:
إن لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيين لا يجدي علينا غناهما

(1/279)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ هَكَذَا" وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى 1
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ نا عَاصِمٌ2 نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.
وهذا يُفَسر عَلَى وجهين:
أحدُهما وهو قول قتادة أنه أراد الوُسطَى عَلَى السَّبَّابة يقول سبَقْتُ السّاعةَ بقدر ما بينهما من الفضل والمعنى تَقْريب مُدَّة مَجِيء الساعة
والوجه الآخر أن يكون أَرادَ انْقِطاع النُّبُوة بعدَه وأَلا نَبِيَّ بينَه وبين السَّاعة كما لا حائل بين الوُسْطَى والسَّبَّابة
__________
1 أخرجه البخاري 8/131, ومسلم 4/2269 بنحوه. والترمذي 4/496 وغيرهم
2 ساقط من ط.

(1/280)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ وَالأَرْوَاعِ الْمَشَابِيبِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتٍ بِإِقَامِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا فِي التِّيعَةِ شَاةٌ لا مُقَوَّرَةُ الأَلْيَاطِ وَلا ضِنَاكٌ وَأنْطُوا الثَّبَجَةَ وَفِي السُّيُوبِ الْخُمْسُ وَمَنْ زَنَى مِم بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ مِائَةً وَاسْتَوْفِضُوهُ عَامًا وَمَنْ زَنَى مِم ثَيِّبٍ فَضَرِّجُوهُ بِالأَضَامِيمِ وَلا تَوْصِيمَ فِي الدِّينِ وَلا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْيَالِ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وأطيعوا1
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/287 بنحوه.

(1/280)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ كتابًا فِي أَدَمٍ ذَكَرَ أَنَّهُ كِتَابٌ كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِجَدِّهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ إِمْلاءً عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ قَلَّدَنِي أَبِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ يَا بُنَيَّ تَوَاصَيْنَا بِهَذَا الْكِتَابِ كُبْرًا عَنْ كُبْرٍ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ.
الأَرْواع جمع الرَّائع مثل شَاهِد وأَشْهاد ونَاصِر وأَنْصار يُرِيد ذَوِي المناظر والهَيئات منهم وهم الرؤساء والعظماء الذين يَرُوعُون بِجمَالهم وبَهائِهم يقال جَمالٌ رائِع وأصلُه من قولك راعَني رَوْعًا أي أفزعَنِي وهو أن يُفرِط حتى يَرُوعَ
قَالَ الله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} 1 والمَشَابِيب واحدهم مَشْبوبٌ وهو الزَّاهر المتوقد اللون من قولك شببت النَّارَ إذا أَوقَدْتَها قَالَ العَجَّاج:
ومن قُريشٍ كلَّ مَشْبوبٍ أغَرّ ... حُلوِ المُساهَاةِ وإن عَادَى أَمَرّ2
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أنا مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ الضَّحَّاكِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ حَكِيمَةَ3 بِنْتُ أَسِيدٍ عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلًى لَهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَعَلْتُ عَلَيَّ صَبِرًا حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلا تَجْعَلِيهِ إلا بالليل وتنزعيه بالنهار" 4
__________
1 سورة النور: 43
2 الديوان /32.
3 في أبي داود 2/292 والتقريب 2/621 "أم حكيم بنت أسيد"
4 أخرجه أبو داود 2/292 بلفظ: "وتنزعينه", والبيهقي في سننه 7/440.

(1/281)


يُرِيدُ أَنَّهُ يُوَقِّدُهُ وَيُلَوِّنُهُ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتَزَرَ بِبُرْدَةٍ سَوْدَاءَ فَجَعَلَ سَوَادُهَا يَشُبُّ بَيَاضَهُ وَجَعَلَ بَيَاضُهُ يَشُبُّ سَوَادَهَا"1 أَيْ يَزْهَاهُ ويَجْلُوهُ2
والتِّيعَةُ: الأربعون من الغَنَم وقد فَسَّره أبو عُبَيْد3. والمُقَوَّرَة الأَلْياطِ الهَزِيلُ المُسترخِي جلدُها والاقْوِرار في الجِلْدِ الاستِرخاء واللِّيطُ القِشْر اللَّازِق بالشَّجَر والقصب ونحوهما والقِطعة لِيطَة قَالَ ذُو الرُّمَّة:
بمَجْلُوزَةِ الأَفْخاذِ بعد اقوِرارِها ... مُؤَلَّلَةِ الآذان عُفْرٍ نزائع4
وقال بشر بن أبي خازم يصف فرسًا:
يُضَمَّر بالأَصائِل فهو نَهدٌ ... أَقَبُّ مُقَلّصٌ فيه اقوِرَار5
أي ضُمورٌ.
والضِّنَاكُ: الكثير اللّحم وأنشد الفَرَّاء:
لَعمرِي لأعرابِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ ... تَظَلُّ بِسِجْفَي بَيْتها الرِّيحُ تَخفِق
أحبُّ إلينا من ضِنَاكٍ ضِفِنَّةٍ ... إذا فَتَرتْ عنها المَراوِحُ تعرَقُ
ويقال: ضُنْأَك عَلَى وزن فُعْلَلٍ يقال: رجل ضُنْأك وامرأة ضُنْأَكَةٌ.
وقوله: أنْطُوا الثَّبَجَةَ يريد أَعْطُوا الوَسَط في الصَّدَقَة لا من خِيار المال ولا من رُذالَتِه وثَبَجُ كل شيء: وسطه.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/122, 144, 219 عن قتادة, عن مطرف, عن عائشة بنحوه.
2 من ت, م.
3 غريب الحديث لأبي عبيد 1/213.
4 الديوان /269.
5 الديوان /77. واللسان "فور, قلص".

(1/282)


وقوله: مَنْ زَنَى مِمْ بكر يريد مِنْ بِكْر وقد تتعاقب الميمُ والنّون كقولهم حُلانٌ وحُلامٌ وذام وذان.
وقوله: فاصقعوه فاضْرِبوه وأصل الصَّقْع الضَّربُ عَلَى الرَّأسِ.
وقوله: استَوِفضُوه عامًا يريد النَّفْيَ والتَّغريبَ وأصله في الإبل إذا نَفَرت يقال استوفَضَتِ الإبلُ إذا تفرَّقَت من ذُعْرِ ومنه قيل للأخلاط من الناس الأوفاض وفي الحديث: "أَنَّه أَمر بصَدَقة تُوضَعَ في الأَوْفاضِ"1وهم الفِرقُ من الناس قَالَ ذو الرُّمَّة يصف الثَّورَ والكِلابَ:
طَاوِي الحَشَى قَصَّرتْ عنه مُحَرَّجَةٌ ... مستوفَضٌ من بنات الأَرْض مِشْهُومُ2
المستوفَض النَّافرُ من الذُّعْر والمُحَرَّجَةُ الكِلاب التي عليها قَلائِدُ والحِرجُ قِلادة الكَلْب والمَشْهومُ الحديد الفؤادِ.
وقولُه: ضَرّجُوه بالأَضاميم يريد الرّجْمَ بالحجارة والتَّضْريجُ: التَّدمِيَةُ والأَضاميمُ جماهير الحجارة واحدتها إضمامَة وسُمِّيت إضمامةً لأنَّ بعضَها قد ضُمَّ إلى بعضٍ ويقال هذا إضمامَةٌ من الكُتُب كالإضبَارَةِ ورأيتُ إضمامةً من الناس أي جماعةً منهم وكذلك هي في الدّوابِّ وغيرها قَالَ ذو الرُّمَّة يصف الصائدَ والحُمُر:
وبات يلهَفُ مِمَّا قد أصِيبَ به ... والحُقبُ يَرفضُّ منهنّ الأَضَامِيمُ3
وقَولهُ: لا تَوْصِيم في الدِّين أي لا هَوادَةَ فيه وأَصلُه الفُتورُ والكَسَل,
__________
1 ساقطة من س ,وهي في م, ط. والحديث أخرجه في مسنده 6/390, بلفظ: "تصدق بوزن شعره من فضة على المساكين والأوفاض....".
2 اللسان التاج "وفض, شهم", والديوان /581.
3 اللسان والتاج "ضمم" والديوان /581.

(1/283)


وهو معنى قولِه: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 قَالَ لَبِيدٌ:
وإِذَا رُمْتَ رحيلًا فارتَحِل ... واعْصِ ما يأمرُ تَوصِيمُ الكَسَل2
وقوله: يترفَّل معناه يَتَأَمَّر ويترأس وقد فَسَّرْناه فيما مضى من الكتاب.
__________
1 سورة النور: 2.
2 شرح الديوان /179.

(1/284)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" 1
حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
إسباغُ الوضوء عَلَى المَكَاره فيه وَجْهان:
أحدهُما أن يكون ذَلِكَ في البَرْد الشَّديد والعِلَّة تُصِيب الإنسان فيتأذى بِمَسِّ المَاءِ ويتضرَّر به.
والوَجه الآخر أن يُراد به إعوازُ الماء وضِيقُه حتى لا يُقدَر عليه إلا بالغالي من الثمن.
وأما قولهُ: فذلكم الرِّباط فإنهُ يُتَأَوّلُ عَلَى وَجْهَين:
أحدهما أن يكون ذَلِكَ مَصْدرًا من قولك رابطتُ إذا لازمتَ الثّغَر وأقمتَ به رباطا جعل المواظبة معناه والله أعلم عَلَى الصلاة والمحافَظَةَ عَلَى أوقاتها كرباط
__________
1 أخرجه النسائي 1/219, والترمذي 1/73 وغيرهم.

(1/284)


المجاهد وهو تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} 1 ومعناه –والله أعلم- اصبروا عَلَى دينكم وصابروا عَدُوَّكم ورابِطُوا أيْ أقيموا عَلَى جهادكم.
والوجه الآخر أن يُجعلَ الرِّباطُ اسمًا لما يُربطُ به الشيءُ كالعِقَالِ لما يُعقَل به والعِصَام لما يُعْصَم به يريد أَنَّ هذه الخِلالَ تَربِط صاحِبها عن المعَاصي وتكُفّه عن المَحارِم.
وفيه وجه ثالث وهو أن يكون الرباط جمع الرُّبْط والعرب تسمي الخيلَ إذا رُبطت بالأقنية وعُلِّقَت رُبْطًا واحدها رَبِيطٌ وتجمع الرُّبْط رِباطا وهو جمع الجمع يُريد أَنَّ مَنْ فعل ذَلِكَ كان كَمنْ رَبَط الخَيلَ إِرصادًا للجهاد2
وكرّر القولَ بها ثلاثًا ليُقابِلَ بها الخِصالَ الثلاث المذكورة قبلها.
__________
1 سورة آل عمران: 200.
2 من ت, م.

(1/285)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الصَّخْرَةُ أَوِ الشَّجَرَةُ أَوِ الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ" 1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ عَنْ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ الْمُشْمَعِلِّ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ.
الصَّخْرَةُ: صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْعَجْوَةُ النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ يُروَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أنه قال هي الكرم.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في 2/1143 بدون "الشجرة" وأخرجه أحمد في مسنده 5/31.

(1/285)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} 1 قَالَ: "كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَتْ قَرْقَرَةُ وَجْهِهِ فِيهِ" 2
يَرْوِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
قَرْقَرَةُ وَجْهَه جِلْدةُ3 الوجه والأصل فيها قَرْقَرُ المرأة وهو ثَوبٌ لها والمُعرِبُون يقولون قَرْقَلٌ بالَّلام والجِلْدَةُ للوَجْه كاللِّباسِ له وقال بَعضُهم إنما هي رَقْرَقَةُ وَجْهِه يريد ما يَتَرقْرَق من محاسِنِ وَجْهِه
ويقال امرأة رَقْراقَةٌ وهي التي كأنَّ الماء يَجرِي في وَجْهِها والرَّقرقَانُ السَّرابُ قَالَ العَجَّاج:
ونَسَجتْ لوامعُ الحَرورِ ... من رقْرقَانِ آلِها المَسْجُورِ
سَبَائِبًا كَسَرَقِ الحَرِير4
وقال السُّدِّيُّ في تفسير هذه الآية أَنّه إذا قَرّبَه سقطت فيه مكارِمُ وجهه يريد حِلْيَة وجهه
__________
1 سورة الكهف: 29.
2 أخرجه الترمذي في 4/704, 706, وفي 5/426 بلفظ: "فروة وجهه", وأحمد في مسنده 3/71.
3 ت: "جلد".
4 س, ت, م: "من رقرقان الهاجر المسجور" والمثبت من هامش س, والديوان /225, 226 واللسان والتاج "رق".

(1/286)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ الْفِتَنَ حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قَالَ: "هِيَ هَرَبٌ وَحَرَبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ

(1/286)


النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءَ لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ"1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانىء الْعَنْسِيِّ2 قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "كُنَّا عِنْدَ رسول الله فَذَكَرَ الْفِتَنَ"
قوله: فِتنَةُ الأَحْلاس إنما شبهَّها بالحِلْس لظُلمِتها والتِباسها أو لأَنها تركُدُ وتَدُوم فلا تقلع يقال فلان حِلْسُ بَيْتِه إذا كان يلازِم قَعْرَ بيتِه لا يَبْرحُ وهم أَحلاسُ الخَيل إذا كانوا يلزمون ظُهورَها ويتعهدونها بالرُّكوب
وقوله: دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهلِ بيتي فإنَّ الدَّخَنَ الدُّخَان يريد أنه سَبَبُ إثارتِها وهَيْجِها
وأما قوله: كَورِكٍ عَلَى ضِلَع فإنه مَثَل يريد -والله أعلم- أَنّهم يجتمعون عَلَى رجل غَير خليق للمُلكِ ولا مُسْتَقِلٍّ به وذلك لأنَّ الوَرِكَ لا يَستقر عَلَى الضَّلَع ولا يُلائِمها وإنما يقال في بَابُ المُشاكلة والملاءَمَةِ هُوَ كَرأْسٍ في جَسَدٍ أو كف في ذراع أو نحوهما من الكَلام
والدُّهَيْماء تصغير الدّهماء وأَحسِبُه صَغَّرها عَلَى طريق المَذَمّةِ لها
__________
1 أخرجه أبو داود في الفتن 4/94, وأحمد في مسنده 2/133.
2 ت: "العنيسي" والمثبت من س, م, ط, ح.
وفي التقريب 2/87: عمير بن هانئ العنسي –بسكون النون ومهملتين– أبو الوليد الدمشقي الداراني, ثقة, قتل سنة 127 هـ, وقيل قبل ذَلِكَ.

(1/287)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَالِكًا الْجُشَمِيَّ قَالَ أَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي: "أَرَبُّ إِبِلٍ أَنْتَ أَوْ رَبُّ غَنَمٍ"؟ فَقُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قَدْ

(1/287)


آتاني الله فأكثر وأيطب1 فَقَالَ: "أَلَسْتَ تَنْتِجُهَا وَافِيَةً أَعْيُنُهَا وَآذَانُهَا فَتَجْدَعُ هَذِهِ وَتَقُولُ: صَرْبَى وَتَهُنٌ هَذِهِ وَتَقُولُ بَحِيرَةٌ" 2
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ عَمْرُو بْنُ عُمَرَ3 عَنْ عمه أبي الأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ
قوله: صَرْبَى فَسَّره ابنُ قُتَيْبة في كتابه4
وقوله: تَهُنّ هذه معناه تُصِيب هَنَ هذه أي الشيءَ منها كالأُذُن والعَيْن ونحوهما وهَنٌ كِنايةٌ عن الشيء لا تذكره باسمه تقول أتاني هَنٌ وهَنَةٌ للأُنْثى وهَنَنْتُه أهُنُّه إذا أصبتَ منه هَنًا أي موضِعًا كما تقول بَطَنْتُه إذا أصبتَ بَطْنَه ورأستُه إذا أصبتَ رأسَه
ورواه عَبْد الجبار بن الْعَلاء عن سُفيان فَقَالَ فيه فتجدَع هَنَ هذه وتقول صربى وتَشُقّ هَنَ هذِه وتقول بَحِيرة وكان مَذهَبَ القَوم فيما يتعاطَوْنه منها شُكرُ الله والتَّقَرّبُ إليه قال الشاعر يذكر صَنِيعَهم:
فكان شُكرُ القَوم عند المِنَنِ ... كَيّ الصَّحيحات وفَقْءَ الأَعْيُنِ
وكان الرجلُ منهم إذا بلغت إبُله ألفًا فَقًا عَينَ الفَحِل فإذا زادت على ألف
__________
1 ت ومسند أحمد 4/136: "وأطيب" والمثبت من س, م.
2 أخرجه الحميدي في مسنده 2/390 بلفظ: "صرم" وأخرجه أحمد في مسنده 4/136, والبيهقي في سننه 10/10 بلفظ: "صرم وصرمي".
3 ح: "ثنا عمرو بن عمرو".
4 في غريب الحديث لابن قتيبة 1/427: وصربي, وهو من قولك: صربت اللبن في الضرع, إذا أنت جمعته فيه ولم تحلبه ... وإنما قيل للبحيرة صربي؛ لأنهم كانوا لا يحلبون إلا لضيف فيجمتع اللبن في ضرعها.

(1/288)


عَمَّوْه بالعين الأخرى ويسمونه المُفَقَّأَ والمُعَمَّى وكيُّ الصّحيحات أن تَجْرَبَ الإبل فيأخذون الصحيح فيكوُونَه قَالَ النابغة:
لحَّملْتَنِي ذَنْبَ امرىء وتَركَته ... كَذِي العُرِّ يُكْوَى غيرُه وهو راتع1
__________
1 الديوان /168.

(1/289)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ خَطَبَ للاسْتِسْقَاءِ فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سحابة فأمطرت فلما رأى لَثَقَ الثِّيَابِ1 عَلَى النَّاسِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ"2
مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
اللَّثَق الوَحْل يقال لَثِقَت رِجْلي ولَثِق الطّائرُ بالمطَر إذا ابتل ريشه
ومن هذا الحديث الَّذِي يُروَى في مقتَل عثمان: "أَنَّ أصحابَ رَسُول الله بالشام لمَّا بلغهم ذَلِكَ بكَوْا حتى تَلَثُّق لِحاهُم"3 أي: اخْضَلَّتْ لِحاهم بالدُّموع.
وأخبرني أبو عمر أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ ابن الأعرابي قَالَ العرب تقول يَدِي من الوَحَل لَثِقَة ومن اللحم غَمِرَة ومن السَّمَك صَمِرةٌ ومن اللبن والزُّبْد شَتِرَة ومن العَجِين وَرِخَة ومن الدَّم سَطِلَة وسلطة ومن
__________
1 هامش س, ت, ح: "الطين" بدل "الثياب" وهما روايتان. وفي النهاية "لثق": "لثق الثياب".
2 أخرجه ابن حبان في صحيحه كما في المورد /160 بلفظه, وأخرجه أبو داود في 1/304 بلفظ: "فلما رأي سرعتهم إلى الكن ضحك"
3 النهاية "لثق" 4/231.

(1/289)


الثَّريد مَرِدَة ومن الحْمأَةِ ذَوِطَة ومن الأُشْنانِ قَضِضَة ومن المِدَادِ وَحِرَة ومن الماء بَلِلَة ومن البزر والنفط نمسة ونسمة ومن الزَّعْفران رَدِعَة ومن العِطْرِ عَبْقَة.

(1/290)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ" 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْذَانِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ عِنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
العُبِّيَّةُ الكِبْر والنَّخوة يريد بهذا القول ما كان عليه أَهلُ الجاهلية من التَّفاخر بالأَنساب والتَّباهِي بها
وفيها لغة أخرى وهي العِبِّيَّةُ بالكَسْرِ وأَصله مهموز من العِبْءِ وهو الحِمْلُ الثَّقيل ولكن الهَمزة قَد تركت فيه كالبَرِيّةِ والذُّرِّيّة قَالَ الشَّنْفَرى:
خَلَّف العِبْءَ عليَّ وَوَلَّى ... أنا بالعِبْء له مُسْتَقِلُّ
ويقال ألقى فلان عليَّ عِبْأَه أي ثِقَلَه ومِثلُه أَلقَى عليه عَبالَّتَه
أخبرني أبو رجاء الغَنَوِيّ أنا أبو العباس ثعلب عن التَّوَّزيّ قَالَ قَالَ لي أبو زيد أنت أَحق مَنْ أَلقينَا عليه عَبالَّتَنا
وقوله: مؤمِنٌ تَقِيٌ وفاجِرٌ شَقِيّ يقول إن الناسَ رَجُلانِ مؤمن تَقِيٌّ فهو الكَرِيمُ وإن لم يكن شَرِيفًا في قومهِ وفاجِرٌ شَقِيٌّ فهو اللَّئيِمُ وإن كان رفيعا في أهله
__________
1 أخرجه أبوداود في الأدب 4/331, وأحمد في مسنده 2/361, 524.

(1/290)


وهذا كحديثه الآخر: "الكرم التقوى" 1
__________
1 أخرجه الترمذي في التفسير 5/390, وابن ماجه في الزهد 2/1410.

(1/291)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَمَّا خَطَبْتُ فَاطِمَةَ قال النبي: "عِنْدَكَ شَيْءٌ"؟ قُلْتُ لا قَالَ: "فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ"؟ قَالَ قُلْتُ: هَا هِيَ ذِه قَالَ: "أَعْطِهَا".
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَعَلَيْنَا قَطِيفَةٌ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ تَحَشْحَشْنَا فَقَالَ: "مَكَانَكُمَا" 1
وَفِي الْخَبَرِ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنِّي قَالَ: "هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ".
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ نا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَذْكُرُهُ
الدِّرعُ الحُطَمِيَّةُ قَالَ هي الثقيلة العريضة وقال بعضُهم هي التي تُحطِّم السيوف أي تكسِرها وقيل2 منسوب إلى حُطمَةَ بن محارب بَطْن من عَبْد القيس كانوا يعملون الدروع نُسِبَتُ إليهم كما نُسِبَتِ التُّبَّعِيَّة إلى تُبَّع قَالَ الهُذَليُّ:
وعليهما مَسْرُودَتان قَضَاهما ... داوُدُ أو صَنَعُ السوابغ تبع3
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 1/23 بلفظ: "تخشخشنا", وأبو داود في النكاح 2/240, 241, وأحمد في مسنده 1/80 مختصرا. وفي الفائق "حطم" 1/291.
2 من ت, م.
3 شرح أشعار الهذليين 1/39 وهو لأبي ذؤيب برواية: "وعليهما ماذيتان".
ورواية الأصمعي: "وتعاورا مسرودتين" وجاء في الشرح: المسرودتان: الدرعان. وقضاهما: فرع من عملهما, والصنع ها هنا تُبَّعُ.

(1/291)


قَالَ ابنُ الكلبيّ: إنما سُمِّيت الأَسِنَّةُ يَزَنِيَّة لأن أوَّل مَنْ عُمِلت له ذوَ يزَن وهو مَلِك من مُلوكِ حِمْير وقيل للسِّياط الأَصْبَحِيَّة لأنَّ أولَ مَنِ اتّخذها ذو أَصْبَح مَلِكٌ من حِمْيَر
وأخبرنا التَّمّار: غُلامُ ابن الأنباري عنه عن أبي العباس ثعلب قَالَ حُبِس رجل فكَتَبَ إلى أبيه:
إذا ذبّالةٌ المصباح لاحَت ... فإنَّ الأَصْبَحِيَّةَ لا تُخافُ
فَدُونَك روِّها عنيّ سَلِيطًا ... لتقعدَ عنِّيَ السُّمْرُ العِجَافُ
قَالَ فَرشَا عنه فَخَلَّى سَبِيلَه
قَالَ أبو عُبَيْدةَ: إنما قيل لملوك حِمْير التَّبابع لأن بعضَهم يتبع بعضًا ولذلك سُمِّي الظِّلُّ تُبَّعًا قَالَ الشاعر:
يَتْبَع رَوْقَيْه كفِعْل التُّبَّعِ
وأنشد الأصمعي:
تَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً ... وِرْدَ القَطَاةِ إذا اسمَأَلَّ التُّبَّعُ1
فالتُّبَّع الظِّلُّ والحَضِيرَةُ ما بَيْن السَّبْعة الرِّجال إلى الثمانية. والنَّفيضَةُ: الواحد مِمَّن يَنفض الطريق.
والمُسْمَئِلُّ: الضَّامر
وقوله: تَحَشْحَشْنَا يريد تَحرَّكْنا للنّهوض قَالَ الأصمعيّ تَحَشْحَش القوم إذا تحركوا وأصله تحشش زيدت فيه الحاء لئلا يَجْتَمِع حرفان من جِنْسٍ واحدٍ كما قَالُوا تَكَعْكَع وأصله من كَعَّ وكفكفتُ فلانًا عن كذا وأَصله كففته قال النابغة:
__________
1 اللسان والتاج "تبع", وعزي لسعدى الجهنية ترثي أخاها أسعد.

(1/292)


فَكفْكَفْتُ منِّي عَبرَةً فَرددتُها ... عَلَى النحر منها مستهل ودامع1
لا يكاد يوجَد ذَلِكَ إلا في المُضَعَّف وقد جاء حَرْفان شاذَّان نَخْنَخْتُ البعيرَ من أنَخْتُه وفي بعض الأمثال: "تَعَظْعَظِي ثُمَّ عِظِي"2
وقوله: "هي أحبُّ إليَّ منك" معناه أَنها أقربُ إلَيَّ وأَلْوَطُ بالقلب منك وهذا كقول أبي بكر حين قَالَ ما عَلَى الأرض أحدٌ أحبُّ إليَّ من عُمَر ثُمَّ قَالَ اللهُمَّ والولَدُ أَلْوَطُ3: أي ألصَقُ بالقَلْبِ.
وقوله: أنتَ أعزُّ عليّ معناه أنتَ أعْظمُ قَدْرًا وأَرفَعُ مَحَلًا وتَحقيقُهُ أنتَ أشَدُّ فَقْدًا وأَصْلُ العِزِّ الشِّدَّةُ والمَنَعَةُ
ومنه قولك للرَّجْل عَزَّ عَلَيَّ ما أَصَابَكَ أي اشتَدَّ عَلَيَّ ذَلِكَ وأنشد أبو عَمرو الشَّيبانِيّ:
أُجُدٌ إذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحمْها ... وإذا تُشَدُّ بِنِسْعَةٍ لا تَنْبِسُ4
يريد أنها إذا هُزِلَت صَلْب لحُمها ولم يَسْترخِ جلدُها.
وقال أبو كبير الهُذَلِيُّ يَصِفُ العُقابَ:
حتى انتَهَيْتُ إلى فراش عَزِيزَةٍ ... سوداءَ رَوْثَةٌ أَنْفِها كالمِخْصَفِ5
سمّاها عَزيزةً لأنّها من أقوى الجوارِح وأَشَدِّها بأْسًا ومن هذا قَولُهم مَنْ عَزَّ بَزَّ6: أي مَنْ غَلَبَ سَلَب قَالَ الله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي
__________
1 الديوان /163.
2 اللسان "وعظ", وجمهرة الأمثال 2/213, والممستقصي 2/257. وروايته في جميعها "لا تعظعني وتعظعظي": أي اتعظي ولا تعظيني. قال الأزهري: وقوله: وتعضعضي وإن كان كمكرر المضاعف فأصله من الوعظ.
3 ذكره السيوطي في تارخ الخلفاء/120, وعزاه لابن عساكر.
4 اللساهن والتاج "عزز", وعزي للمتلمس, وهو في ديوانه /180.
5 شرح أشعار الهذليين 3/1089.
6 سبق في اللوحة 44.

(1/293)


الْخِطَابِ} 1 ويقال صار أعَزّ مِنِّي وأَشَدٌ يقال: عازَزْتُه فَعَزَزْتُه قَالَ الشاعر:
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَتْ ... تُجاذِبُه وقد علق الجناح
__________
1 سورة ص: 23.

(1/294)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ تُحِبُّ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْكُمْ وَلا يُضَافِرُ الدُّنْيَا إِلا الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى" 1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى نا كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
قوله: لا يُضافِر الدُّنيا إلا القتيل أي لا يُحِب أن يعاودها ويلابسها إلى القَتِيل يقال فلان يضافر فلانًا إذا كان يُداخلُه ويُعاشره ومنه قولهم تَضَافَر القومُ وتَضَابَرُوا إذا تجمَّعوا وتألَّبُوا ومن هذا ضَفْر المرأةِ شَعْرَها إذا أدخلَتْ بعضه في بَعضٍ وقيل للعَقِيصة من شَعرها ضَفِيرة وللحَبْل المَفْتُول من الشَّعر ضَفِير ومنه الخَبَر: "إذا زَنَت الأَمةُ فَبِعْها ولو بِضَفِير" 1
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/255, والنسائي في 6/35 وغيرهما.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها 8/213, ومسلم في 3/1329, وأبو داود في 4/160 وغيرهم.

(1/294)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَّحَ إِنْسَانًا قال: "بارك الله عليك" 1.
__________
1 في الفائق "رفأ" 2/70 برواية: "رفأ" وجاء فيه: وروى "رفح" بدل "رفأ" وفي الشرح: تصرفوا فيه بقلب همزته حاء.

(1/294)


حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
سأَلتُ عن هذا الحَرْف عامَّة مَنْ أدركتُه من أهل اللغة فلم أجد في ذَلِكَ عندهم شيئًا يُعتَمد إلا أن أبا عُمَر قَالَ لي إنما هُوَ رَقَّح بالقَاف قَالَ والتَّرِقيحُ إِصلاح المَعِيشَة ولهذا قيل للتّاجرِ رَقَاحِيّ وأنشد للحارث بن حِلِّزة:
يَتْرُك ما رَقَّحَ من عَيْشِه ... يَعيث فيه هَمَجٌ هامِجُ1
قَالَ ومعناه أنّه كان إذا دعا للإنسان بالصَّلاح قَالَ: "بارك الله عليك"
وأخبرني ابن مالك سمعتُ محمد بن النَّضْر يقول سألتُ ابنَ الأَعرابي وسُئِل عن هذا الحرف فَقَالَ: معناه دعا له بخير
قَالَ أبو سليمان: وهذا التفسير ليس عَلَى التَّحقيق ولكن عَلَى وجه التَّخمين والتَّقريب إذا كان معقولًا أَنَّ قَولَه: "بَارَكَ الله عليك" دعاء بالخَيْر لا محالة ولم يكن عندي في ذَلِكَ شيء هُوَ أَشَفُّ ممّا ذكره أبو عُمَر إِلَى أَنْ وَجَدْتُ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ2, نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ" 3. فعلمت أن الحاء من
__________
1 اللسان "رقح". والديوان /21.
2 من م.
3 أخرجه أبو داود في 1/491, والترمذي 3/391, وابن ماجه 1/614, والدرامي 2/134.

(1/295)


قوله: رفَّح بدل من الهمزة في قوله: رفَّأَ والحاء والهاء أُختان في قُربِ المَخْرج وقد يَتَعاقَبَان في مواضع كقولهم مَدَحَ وَمَده وفَرِح وفَرِه
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ سَمِعتُهم يقولون بَاقِلّي هَارّ فقلت من التَّهرِّي فقالوا لا لكن من الحَرَارة قَالَ وأنشدنا:
تَمَدَّهِي ما شِئْتِ أن تَمدَّهِي ... فلَسْتِ منْ هَوْئي ولا ما أَشْتَهِي1
وقال رؤبة:
لله دَرُّ الغَانِيات المُدَّهِ2
يُريد المدَّح
وكذلك الهاء والهمزة يتعاقبان أيضًا كقولهم: هَراقَ الماءَ وأَراقَه وهِبْرِيَةُ الرأس وإبريته وإيّاك وهِيَّاك فعلى هذا قيل رفَّح بمعنى رَفَّأ وهو قَوْلُ الرجل للمتزوِّج بالرِّفاء والبنين كان الأصل فيه رفَّأَ ثُمَّ قُلِبَت الهمزة هَاءً فصار رفَّه ثُمَّ أُبدِلَت الهاء حاء فصار رفَّح ويقال أصل قولهم بالرِّفاء والبنين مأخوذ من رَفَوْتُ الثوبَ أَرفُوه رَفْوًا أي لأَمتُه وأصلحتُه وفيه لغة أخرى رفأتُ أَرفأُ بالهمز,3 وعلى هذا جاء الحديث قَالَ الشاعر:
بُدِّلتُ من جِدَّة الشَّبِيبَة والـ ... أبدال ثوب المشيب أردؤها
__________
1 اللسان والتاج وت "مدة" والبيتان في ملحق ديوان رؤبة/187 برواية: "تمتهي ما شئت أن تمتهي". وفي س, م: "فلست من هوى". وفي القاموس "هاء": الهوء: الهمة والرأي الماضي.
2 اللسان والتاج "مدة" والديوان /165.
3 سقط من ت من هنا تسع عشرة صفحات من حجم الفلوسكاب.

(1/296)


مُلاءةً غيرَ جِدِّ واسعةٍ ... أَخيطُها تارةً وأرفَؤُها
قَالَ أبو زيد في كتاب الهمز يقال رفأتُ الثوبَ أرفأة ورفّأت المَمَلَّك ترفِئَةً وترفيئا إذا دعوت له1
__________
1 من م.

(1/297)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى خَدِيجَةَ يَخْطُبُهَا ودخلت عليها مُسْتَنْشِئَةٌ مِنْ مُوَلَّدَاتِ قُرَيْشٍ فَقَالَت أَمُحَمَّدٌ هَذَا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا"1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إِلا أَنَّهُ قَالَ مُنْتَشِئة وَالصَّوَابُ الْمُسْتَنْشِئَةُ هَكَذَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
المُسْتَنْشِئَةُ الكاهِنَةُ وسُمِّيت بها لمطالعتها الأخبار وتَعاطِيها عِلَم الحَوادث والأكوان يقال فلان يستنشئ الأخبارَ إذا كان يبحث عنها قَالَ الكسائيُّ رجل نَشْيانُ للخَبَر ونَشوان ويقال من أَينَ نَشِيتَ هذا الخبرَ
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ لا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ دَخَلَ عَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَذَا الْبُضْعُ لا يُقْرَعُ أَنْفُهُ" 2
قوله: "لا يُقرَعُ أَنْفُه" يريد أَنه الكُفءُ الَّذِي لا يُرَدُّ ولا يُرغَبُ عنه
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/320 في حديث طويل بلفظ: "منتشية من مولدات قريش". والمنتشية: الناهد التي تشتهي الرجل.
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/132, والطبراني بلفظ: "هذا الفعل لا بقرع أنفه" , أنظر مجمع الزوائد 9/219.

(1/297)


وأصلُه في الفَحْلِ الهَجِين إذا أراد أن يَضْرِبَ في كرائم الإبل قَرعُوا أنفه بعَصا ليرتدَّ عنها. ويروى لا يُقدَع أَنفُه ومعناه قريب من الأول. والقَدُوع الفَحلُ الهَجِين إذا قرب كرائمَ الإِبِل قُدِعَ عنها قَالَ الشَّمّاخُ وذكر الحَمِيرَ:
إذا ما استافَهُنَّ ضَربْن منه ... مكان الرُّمْح من أَنْفِ القَدُوع1
يريد المَقْدُوع كما قَالُوا: فرس رَكُوب وشاةٌ حَلُوب.
ويقال قَدعْتُ الرجلُ وأَقدعتُه لُغتان. قالت ليلى الأَخْيَلِيَّةُ:
كأنّ فَتَى الفِتيان توبةَ لم يُنِخْ ... بنَجد ولم يَطلُع مع المُتغوِّر
ولم يقدع الخصم الألد ويملأ ال ... جفان سديفا يوم نكباء صرصر
__________
1 الديوان /229.

(1/298)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي صَلاةَ الْبَصَرِ حَتَّى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ1".
حَدَّثُونَا بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَمُرَةَ حَدَّثَنِي أَبُو طَرِيفٍ قَالَ كُنْتُ شاهد النبي وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ وَكَانَ يُصَلِّي بِنَا صَلاةَ الْبَصَرِ حَتَّى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا رَمَى بِنَبْلِهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ1.
صلاةُ البَصَر تُتأوّل عَلَى صلاة الفجر ونرَى والله أعلم أَنَّه سمَّاها صلاة البَصَر لأنها إنما تُصَلّى عند إسفار الظّلام وإثبات البَصَر الأَشْخاص ويقال
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/416 بلفظ العصر: بدل البصر وسياق الحديث يدل على أنه تصحيف من البصر وذكره الحافظ في الإصابة 4/114 بلفظ: "المغرب" بدل البصر. وفي الفائق "بصر" 1/114 وجاء فيه: البصر بمعنى الإبصار. يقال: بصر به بصرا.

(1/298)


في صلاة البَصَر أنه أراد بها صَلاة المغرب والقولُ الأَولُ أشهر والله أعلم وأحكم1
__________
1 من ح.

(1/299)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ ظَاهَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ: "أَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا" فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْمَعْنِيُّ قَالا نا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنِّي2.
قوله: وَحْشَيْن أي مُقفرين. يقال: رجل وحْشٌ إذا لم يكن عنده طعام من قوم أوحاش. قَالَ حُمَيد بن ثور:
وإن بات وَحْشًا لَيْلَةً لم يَضِق ... بها ذِراعًا ولم يُصْبِح لها وهو خاشِع3
وقال أبو زيد: يقال رجل وحشٌ وهو الجائع من قوم أَوحَاشٍ وهو المُوحِشُ أيضًا.
ويقال: توحَّشَ الرجلُ إذا استجاع واحْتَمَى.
قَالَ الأحْمَرُ: يقال للجائع الشَّحْذان.
قال الأصمعي: المسحوت الجائع والمجؤوف مثله.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق 2/265 والترمذي 5/403 بلفظ: "وحشا" والدارمي في 2/163 وأحمد في مسنده 4/37 بلفظ: "وحشاء".
2 أخرجه البخاري في الأدب 8/47 بلفظ "مابين لابنيها".
3 الديوان/104 برواية: "وهو خاضع" بدل "وهو خاشع".

(1/299)


وقد جُئِفَ الرجلُ. ومن أسماه الجُودُ والجُوسُ وقال أبو خِراش الهُذَلِيّ:
تَكادُ يداه تُسلِمانِ رداءَه ... من الجُودِ لمّا استقبلتْه الشَّمائل1
والدَّيْقُوع من الجوع أشدّه. يقال جوع دَيقوعٌ وقال بعض الأعراب:
أقول بالمِصْر لمَّا ساءَني شِبَعِي ... أَلا سَبِيلَ إلى أرضٍ بها الجُوع
أَلا سَبِيل إلى أرضٍ بها غَرَثٌ ... جوعٌ يُصَدَّعُ منه الرأس ديقوع2
وقوله: بين طُنُبَي المدينة: أي بين طرفي المدينة والطُّنُبُ من أَطْناب الفُسطاط شبَّه حَوْزَةَ المدينة بالفُسطاط قَالَ ذو الرُّمّة وذكر ثَورًا أَوَى إلى شجرة:
إذا أراد انكِنَاسًا فيه عَنَّ ... له دون الأَرومة من أَطْنابها طُنُب3
جعل أصول الشَّجر وعُروقها أطنابًا لها وقال ابنُ هرمة:
إن امرأ جَعَل الطريقَ لبَيْتِه ... طُنُبًا وأنكر حقَّه لَلَئِيمُ4
والأصل في هذا أن العربَ نازلة العَمَد وإنما كانوا يضربون بيوتهم بأطناب ويثبِّتونها بأوتاد ومن هذا قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي
__________
1 شرح أشعار الهذليين 3/1222. يقول يداه لاتحبسان شيئا من ماله: أي يعطي إذا هاجت الشمال في الشتاء.
2 اللسان والتاج "دقع".
3 الديوان/21 برواية: "إذا أراد انكراسا". وجاء في شرح الديوان: انكراسا أي دخولا وانضماما.
4 الديوان /194.

(1/300)


الْأَوْتَادِ} 1 البناء المُحكم ومنه قولهم مُلكٌ ثابتُ الأوتاد قَالَ الأسودُ بن يَعفُر:
في ظِلِّ مُلكٍ ثابتِ الأوتاد2.
__________
1 سورة الفجر: 10.
2 المفضليات /217 وصدره: "ولقد غنوا فيه بأنعم عيشة".

(1/301)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر فَالْجُمُعَةُ حَقٌّ عَلَيْهِ إِلا عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ.
أخبرني بعضُ أصحابِنا عن ابن الأَنْبارِي قَالَ قوله: استَغْنَى الله عنه يريد طَرَحَه الله ورمى به من عَيْنه
لأن المستَغْنِي عن الشيء تاركٌ له قَالَ الله تعالى: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} 2. يريد هذا المعنى وقال غيره جازاهم جزاءَ استِغْنائِهم كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} 3.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/172, 173 وابن أبي شيبة في مصنفه 2/109.
2سورة التغابن: 6.
3 سورة التوبة: 67.

(1/301)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَضِيَ لَكُمْ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَكَرِهَ لَكُمْ سفسافها" 1.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/188 بلفظ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها". وعزاه للطبراني.

(1/301)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو رِفَاعَةَ الْعَدَوِيُّ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَيْرِيُّ1 عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ.
الأصل في السَّفْسافِ ما تَهَبَّأَ من غُبارِ الدَّقيق إذا نُخل. يقال: سَفْسَفْتُ الدَّقيقَ إذا تَنَخَّلتَه ثُمَّ شُبِّه به الوتح الرديء من كل شيء يقال رجل سَفْسَافٌ ومسفسف إذا وصفْتَه برِقَّة المُروءةِ وكذلك هُوَ إذا وصفتَه بفُسُولة الرَّأي وضَعف العَقْل وكلام سَفْسافٌ وثوبٌ سَفسافٌ إذا كان هَلْهَلَ النَّسج وهو نَعْت مُطَّرِد في كل شيء لم يُحْكَم صُنعهُ.
__________
1 في تقريب التهذيب 2/385: يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَيْرِيُّ الليثي أبو عبد الرحمن البصري صدوق.

(1/302)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "رأيت عيسى ابن مَرْيَمَ فَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ مُبَطَّنٌ مِثْلَ السَّيْفِ".1
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
المُبطَّنُ الضامِرِ البَطْن الَّذِي كأنه قد لَصِقَ بطنُه بظَهره. قَالَ الأصمعيّ: رجل مُبَطَّن إذا كان خَمِيصًا قَالَ: فإذا كان لا يزال ضَخْم البَطْن لا يَنْهِشم بطنه لجوع أو غيره قِيل له: مِبْطان. قَالَ متِّمم بن نُوَيْرة:
لقد غَيَّبَ المِنْهالُ تحت ردائِه ... فَتًى غيرَ مِبْطان العَشِيَّات أروعَا2
ويقال إنَّ مالكَ بنَ نُوَيْرة كان ذا بطن وإنما أراد أنه كان لا يأكل
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وقد أخرجه أحمد في مسنده 1/374 عن ابن عباس بلفظ: "ورأيت رجل أبيض أجعد الأس حديد البصر مبطن الخلق".
2 اقتصر اللسان بطن على الشطر الثاني. والبيت في المفضليات /265.

(1/302)


آخرَ نهاره انتظارًا للأضياف وقال: بعضُهم المِبْطَانُ هُوَ الَّذِي يَغيب بالعَشِيَّات عن الناس في الشُّرب ويَتْبَع الرِّيَب.

(1/303)


وقال أَبُو سُلَيْمَانَ: فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَسِرْتُ مَعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَرُبْتُ مِنْهُ فجعل يسألني عن من تخلف مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: "مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطِّوَالُ النَّطَانِطُ" فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ فَقَالَ: "مَا فَعَلَ النَّفَرُ السُّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ" فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ فِينَا.1
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ يَقُولُ ذَلِكَ.
النَّطَانِطُ: الطِّوَالُ وَاحِدُهُمْ نَطْنَاطٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُم مَا فَعَلَ النَّفَرُ الطوال الثطاط2 كذلك رواه لنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الْبُوسَنْجِيُّ ثنا النُّفَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ إسحاق3 والمحفوظ هو الأَوَّلُ.
والثطاط جمع ثط وهو الكوسج والعامة تقول أثط بالألف وهو السناط4 والسنوط أيضًا والجعاد القصار رجل جعد أي قصير.
__________
1 أخرجه أحمد 4/349, 350 بطوله. وفيه: "مافغل النفر الحمر الطوال القطاط أو القصار" ... الخ. وذكره الهيثمي في مجمعه 6/192.
2 أخرجه ابن حبان في صحيحه بهذه الألفاظ. انظر الموارد /418, 419.
3 ح: عن أبي إسحاق.
4 ط: "السناط" بضم السين. وفي القاموس: "سنط": السناط بالكسر والضم.

(1/303)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله علي وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ فَقَالَ: "اللَهُمَّ قَاتِلْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاجْعَلْ قُلُوبَهُمْ كَقُلُوبِ نِسَاءٍ كَوَافِرَ" 1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ عَنْ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُهُ
قوله: كقُلُوب نِساءٍ كوافِر معناه والله أعلم كقلوبهن في الاختلاف قلة الائْتِلاف وأُراه عَنَى الضَّرائرَ منهن لأَنَّ ذَلِكَ أشدُّ لاختلافهن ومُنافسةِ بعضِهِنّ بعضًا.
وأخبرني بعض أصحابنا أخبرنِي ابن الأنباري عن أبي العباس ثَعْلَب قَالَ: من دُعاءِ الأَعراب اللهم حَبِّبْ بين نِسائِنا. وبغض بين رعائنا قال: مالك أَنَّ الحُبّ يدعوهن إلى التَّعاون في العمل والاجتماع عَلَى السّمَر والغزل.
الرعاء إذا تباغَضَت تفرَّقَت في المَراعِي فكان أسمَنَ للغنم.
ومن دعائهم: اللهم أقِللْ صِبْيَاننا وأكثر جرذاننا.
ومن دعائهم: اللهمَّ ضَبُعًا وذِئبًا2 وذلك أنهما إذا اجتمعا في غنم منع كل واحد منهما صاحبه ومنه قول الشاعر:
كان لها جَارَان لا يُخْفِرانها ... أَبو جَعْدَةَ العادِي وعَرفاءُ جَيْأَلُ3
أبو جَعْدَةَ: الذِّئب وعَرفاءُ: الضَّبُع وجيألُ: اسم للضبع. قال الشاعر:
__________
1 الفائق "كفر" 3/266.
2 المستقصي للزمخشري 1/342.
3 اللسان "عرف" برواية: لها راعيا سوء مضيعان منهما. وعزي للكميت ولم أقف عليه في ديوانه ط بغداد.

(1/304)


وجاءت جَيْأَلٌ وأبو بَنِيها ... أَجَمُّ الماقِيَيْن به خُماعُ1
وفي الكوافر قَوْلان: أَحدهما الكُفْر بالله وذلك أَشَدُّ لاخْتِلافِهِنّ قَالَ الله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} 2.
والقَولُ الآخر: أن يكون من كُفران النِّعَم وهُنَّ مِنْ أقلِّ الناس شُكْرًا للعوارف ولذلك قَالَ لَهُنَّ: "إنّكُنَّ تُكْثِرنَ اللَّعنَ وتَكْفُرن العَشِير" 3.
وفيه وجه آخر وهو أن الكوافر يُرَعْنَ أَبدًا بالصَّباح والبَيَاتِ في عُقْر دارهنَّ فقُلُوبُهن تجب أبدا
__________
1 اللسان "جأل" وعزى لمشعت برواية:
وجاءت جيأل وبنو بنيها ... أجم الماقيين بها خماع
وجاء في "خمع" معزوا لمثقب على رواية الكاتب وهو في ديوانه /278.
2 سورة المائدة /64.
3 أخرجه البخاري 1/80 ومسلم 1/87 وغيرهما.

(1/305)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهَا فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ: "الْمُبْتَاعُ قَدْ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ وأصاب قُشَامٌ" فَلَمَّا كَثُرَتْ خُصُومَتُهُمْ عِنْدَ النبي قَالَ: "لا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا" 1.
كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ زَيْدِ بن ثابت
__________
1 أخرجه البخاري 3/100 وأبو داود في البيوع 3/253 وغيرهما.

(1/305)


وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: الذُّمَارُ1 مَكَانُ الدُّمَانِ قَالَ الأصمعي: إذا أنْسغَت النخلَةُ عن عَفَنٍ وسواد قيل: قد أصابه الدمان قَالَ: وقال ابنُ أبي الزِّناد هُوَ الأُدْمانُ قَالَ الأصمعيّ: إذا انْتَفَض ثَمرُ النَّخل قبل أن يصير بَلَحًا قيل قد أصابه القُشَامُ وإذا كثر نَفْض النَّخلة وعَظُم ما بَقِيَ من بُسْرها قيل خَرْدَلَت فهي مُخَرْدِلٌ قَالَ الأصمعي: والدَّمَالُ2 التَّمرُ العَفِن قَالَ غيرُه القُشَامُ أُكالٌ يَقَع في التَّمر من القَشْم وهو الأَكْلُ فإمّا الذُّمَارُ في رواية ابنِ داسة فلا مَعْنَى لَهُ ويقال: أَنْسغَتِ3 النَّخلةُ إذا أخرجت قُلْبَها.
__________
1 في سنن أبي داود: "الدمان".
2 كذا في "ط" وفي القاموس: الدمال كسحاب: التمر العفن. وفي م, س: الدمان.
3 ح: انشقت النخلة.

(1/306)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مُنشِدًا أَنْشَده:
لا تأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ ... حَتَّى تُلاقِيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي
فَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ ... بِكُلِّ ذَلِكَ يَأْتِيكَ الْجَدِيدَانِ1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ: نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْخُزَاعِيُّ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله وَمُنْشِدٌ يُنْشِدُ هَذَا الشِّعْرَ قَالَ فقال النبي: "لو أدرك هذا لإسلام" فَبَكَى أَبِي فَقُلْتُ أَتَبْكِي لِمُشْرِكٍ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَبِي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مُشْرِكَةً تَلَقَّفَتْ مِنْ مُشْرِكٍ خَيْرًا مِنْ سُوَيْدِ بن عامر.
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/167 وابن حجر في الإصابة 3/414 في ترجمة مسلم بن الحارث الخزاعي. قال ابن حجر: رواه البغوي والطبراني وابن السكن وابن شاهين وابن الأعرابي وابن منده. والبيتان في اللسان "منى". وعزيا في التاج لسويد ابن عامر المصطلقي.

(1/306)


قوله: يَمْنِي لَكَ المَانِي معناه يَقضِي لك القَاضي ويُقدِّر لك المُقدِّر.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قَالَ: يقال: مَنَى الله عليك الخيرَ يَمْنِي مَنْيًا أي قَضَاه قَالَ وسُمِّيَتْ مِنًى لأَنَّ الأَقدارَ وقعت عَلَى الضَّحايا بها فذُبِحَت ومنه أُخِذت المَنِيّةُ وقال هدبة بن خَشْرم العُذرِيّ:
رُمِينا فَرامَيْنَا فوافَق رَمْيُنَا ... مَنِيَّةَ نَفْسٍ في كِتابٍ وفي قَدْر
وقال لَبِيد1:
وعَلِمتُ أَنَّ النَّفسَ تلقى حَتْفَهَا ... ما كان خالِقُهَا المَليكُ مَنَى لَها
أي: قَضَى لها
ومن هذا قوله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} 2 أي: تُقَدَّر وتُخْلَقُ. ويقال: إنَّما سُمِّيت مِنًى لأنَّ الدِّماءَ تُمنَى بها أي تُسالُ. ومنه سُمِّي المَنِيُّ وهو المَاءُ الدَّافِق والجَدِيدان اللَّيلُ والنهار وهما الفَتَيان أيضًا ويقال لهما المَلَوَان.
قَالَ ابنُ مُقبِل:
ألا يا دِيارَ الحَيِّ بالسَّبُعانِ ... أملَّ عليها بالبِلَى المَلَوانِ3
وقوله: تلَقَّفت من مُشرِك أي حَمَلت ولدًا منه والتَّلَقُّفُ سُرعةُ التناولِ لما يُلْقَى إليك من شيء.
__________
1 ح, م: قال الأعشى وفي هامش م, س: لبيد ولم أقف عليه في ديوان لبيد ط الكويت ولا ديوان الأعشى ط دار صادر.
2 سورة النجم: 46.
3 الديوان /335.

(1/307)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عُوَيْرَثَ أَوْ غُوَيْرَثَ1 بْنَ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيَّ أَرَادَ أَنْ يَفْتِكَ بالنبي فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَهُ السَّيْفُ قَدْ سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَكْفِنِيهِ بِمَا شِئْتَ" قَالَ فَانْكَبَّ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ زُلَّخَةٍ زُلِّخَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَنَدَرَ سَيْفُهُ2.
يَرْوِيهِ أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نا أَبُو عُمَرَ الْمُقْرِي نا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا الْحِزَامِيُّ ثنا مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ إلا أَنه قَالَ: فْدُلِجَ بين كتفيه وهو غَلَط والصوّاب زُلِّخ قَالَ أبو زيد: يقال: رمى الله فُلانًا بالزُّلَّخة وهو وَجَع يأخذ في الظهرْ لا يتحرك الإنسان من شِدَّته وأنشد:
كأنما أَصابَ ظَهْرِي زُلَّخَة3
وأنشدَ ابنُ الأعرابي:
دَاوِ بها ظَهرَك من تَوجاعِهِ ... من زُلَّخاتٍ فيه وانقطاعِهِ
وروى أبو الهيثم الرازي عن أم الهيثم الأعرابية أنها اعتّلت فزارها أبو عبيدة فقال لها: عم عِلَّتُكِ فقالت: شهدتُ مأدبة فأكلت جبجبة من صفيف
__________
1 كذا في جميع النسخ وفي الإصابة 3/188 والقاموس "غرث" غورث بن الحرث. وكذلك في السيرة النبوية لابن كثير 3/161 وتبصير 3/1052.
2 أخرج البخاري 4/48, 5/146-147 ومسلم 1/576 وأحمد 3/311-364 وسعيد بن منصور في سننه 2/214 هذه القصة بسياق آخر عن جابر وانظر السيرة النبوية لابن كثير 3/161
3 اللسان "زلخ" برواية: "كأن ظهري أخذته زلخة" وبعده: "لما تمطى بالفري المفضحة".

(1/308)


هِلّعة فاعترتني زُلَّخةٌ فَقَالَ لها ما تقولين يا أمّ الهيثم فقالت سبحان الله أَوَ للناس كلامان1.
__________
1 من م.

(1/309)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ" 1.
ذكره أبو عُبيد في كتابه2 وقال الأجذم: المقطوع الي: د واحتّجَّ بقول الشاعر:
وهل كنتُ إلا مِثلَ قاطِعِ كفّه ... بكَفٍّ له أُخرى فأصبحَ أجذمَا3
واعترض عليه ابنُ قَتَيْبَةَ في كتابه الَّذِي سمَّاه إِصلاحَ الغَلطِ وزعم أنه تدبَّر هذا التفسير فرآه إنما أُتِي فيه من قبل البيت الَّذِي استشْهَده قَالَ وَليْسَ كلُّ أجذم أقطع اليد قال وإذا حملنا الحديث على ما ذهب إليه رأينا عقوبة الذَّنب لا تشاكل الدنب لأنَّ اليدَ لا سببَ لها في نِسْيَانِ القرآن والعُقوباتُ من الله عَزَّ وجَلَّ تكون بحَسب الذُّنُوب كقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 4 يُريد أَنَّ الرِّبا الَّذِي أكلوه رَبَا في بطونِهِم وأَثْقَلَهم وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ فَقَالَ جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ" 5. لأَنهم قَالُوا بأفواههم فعوقبوا فيها ومثل هذا كثير.
__________
1 أخرجه أبو داود في الصلاة 2/75 والدارمي في 2/437 وأحمد في 5/284, 285, 323, 328.
2 غريب الحديث لأبي عبيد 3/48.
3 اللسان "جذم" وعزي للمتلمس وهو في ديوانه /32.
4 سورة البقرة: 275.
5 أخرجه أحمد 3/120, 180, 231, 239 بنحوه.

(1/309)


قال ابن قتيبة والأجذم ها هنا المجذُومُ يقال: رجل أَجذمُ وقوم جَذْمى مثل أحْمَق وحَمْقَى وأَنْوك ونَوْكى وإنما سُمِّيَ مَنْ به هذا الدَّاء أَجذم لأنّه يَقْطَع أصابع يديه وينقُص خَلْقَه وكل شيء قطعته فقد جذمته لأنه يقطع أصابه يديه وينقُص خَلْقَه وكل شيءٍ قطعتَه فقد جَذَمْتَه وهذا أشبه بالعقوبة لأنَّ القرآن كان يدفع عن جسمه كُلِّه العاهةَ ويحفَظ له صحته فلما نسيه فارقه ذَلِكَ فنالَتْه الآفةُ في جميعه ولا داء أَشملَ للبدن من الجُذام ولا أَفسد للخِلْقَة.
قَالَ أبو سليمان: أمّا التَّفسير فعلى ما ذكره أبو عبَيْد لم يُؤْتَ فيه من قِبَل البيت إلا أنه أغفل بيان المعنى واقتصر عَلَى اللفظ وسنذكر المعنى فيه إذا أتينا عَلَى الاحْتِجاج لقوله: وانفصلنا له من ابن قتيبة إن شَاءَ الله وقد سُبق أبو عُبَيد إلى هذا التفسير ورُوي معناه عن سويد بن جبلة الفزاريّ أخبرنا محمد بن المكي ثنا الصائغ نا سعيد بن منصور نا فرج بن فُضالةَ عن لقمان بن عامر عن سُوَيد بن جبلة قَالَ: سمعته يقول: ما أُبالي تَعَلّمتُ سورةَ من القرآن ثُمَّ تركتها أو مَشيتُ في الناس مقطوعةً يدي فمعلوم أن سُوَيدًا إنّما تلقّاه من الخبر وأَن الأَجذمَ عنده المقطوعُ اليدِ دُونَ الَّذِي أصابه الجذام وكذلك تفسير الأَجْذَم إنما هُوَ الأقطع في عامّة ما ورد من الأخبار مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَجْذَمُ" 1. أي أَقْطَعُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شهادة كاليد الجذماء" 2.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عبد الرحمن بن
__________
1 أخرجه ابن ماجه 1/610 بلفظ: "أقطع".
2 أخرجه أبو داود في الأدب 4/261 بلفظ: "تشهد" وكذلك الترمذي 3/405. وأما أحمد في 2/302 و 343 فخرجه بلفظ: "شهادة".

(1/310)


المبارك السدوسي ثنا عبد الواحد بْنُ زِيَادٍ ثنا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ كَالْيَدِ الجذماء".
وحدثنا عبد الرحمن بن الأسد ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: لِقَتَلَةِ عُثْمَانَ إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَمْ تَزَلْ مُحِيطَةً بِمَدِينَتِكُمْ هَذِهِ مُنْذُ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْيَوْمَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَذْهَبَنَّ ثُمَّ لا تَعُودُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ لا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ إِلا لَقِيَ اللَّهَ أَجْذَمَ لا يَدَ لَهُ ومثله1. في الحديث كثير.
وأما القول فيه عَلَى مذهب أهل اللغة فإن تقديرَ الأَجذَم عندهم من الجَذْمِ تِقْدير الأقطع من القَطْع لا يكادون يقولون أقطع وهم يريدون مقطوعَ الأذن أو مجدوع الأنف إنما يُنزِلُونه خصوصًا عَلَى المقطوعِ اليدِ هذا هُوَ الظاهر في عُرْف اللغة فأما مَنْ أُبَين منه عُضْو غير اليَدِ فإنما يَضاف القطع إليه باسمه وكذلك الأَجذَم إذا أطلق فإنما يَلْقى مَنْ جُذِمَت يده أي قُطعت وقلَّ ما يقال: فيمن أصابه داءُ الجذام أَجذم إنما يقال مَجْذوم وبه جاء الخبر وهو ما يروى أَنَّهُ قَالَ: فِرَّ من المجذومِ فِرارك من الأسَدِ2.
فأما قوله: في مشاكلة العقوبات الذنوبَ واطّراد القياس فيها عَلَى ما تمثَّل به من آية الربا ففيه نظر وقد جاء في الحديث: "مَنْ تحلمَّ كاذبا فَقَالَ رأيتُ ما لم يَرَ كُلِّفَ عَقد شعيرة في النار" 3.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/445.
2 أخرجه البخاري 7/164 بنحوه وأحمد 2/443 بمثله.
3 أخرجه البخاري 9/54 وأبو داود 4/206 والترمذي 4/538 وغيرهم.

(1/311)


وكان الواجب عَلَى هذا القياس أن تناله العقوبةُ في عينه1 إلا أنَّا لم نُكَلَّف القياس في أمر الآخرة وإنما ننتهي من علمه إلى ما نطق به القرآن ووردت به الأخبار الصحيحة ولو كان القياس الَّذِي اعتبره في مشاكلة العقوبات الذنوب معنى صحيحًا لكانت أحكام الدُّنيا بها أَولى إذ كُنا متعبدين بالقياس فيها وقد وجدنا كثيرًا من الحدود والعقوبات الواجبة فيها معدولًا بها عن مواقعة الأَعْضاء التي باشرت تلك الذّنوب المُوجبة لتلك العقوبات ألا تَرَى أنّ القاذفَ يقذِفُ بِلسانه فيُجلدُ ظهرهُ والزَّانِي يزني بفرْجه فيفرَّق الحدُّ عَلَى أعضائه ويُجْتَنَب الفرجُ خاصة مَعَ سائر المَقَاتِل والله أعلم بالمصالح وله أن يتَعَبَّدنا بما شَاءَ من حُكمه وكل ذَلِكَ حكمةٌ وصَوابٌ وإن زَلّت عنه أفهامنا لم تُدركْه عقولنا مَعَ أن قَولَ ابن قتبية إذ يقول ولا سبب لليد في نسيان القُرآن ينقض كلامه في الفصل الآخر حين يقول لأَنَّ اليد لم تخرج عن رعاية القرآن ولم تخلُ من حفطه والعجَبُ منه حين لم يَقْنَع من عقوبته بقطع اليد وإبانة الكَفّ ثُمَّ رَضِيَ بقَطْع الأصابع والنَّقص العارض لبعض الأعضاء ومعلوم أن الجُذامَ داء يعالَجُ فيَزُول وأن العُضْوَ المقطوع تالِفٌ لا يعود.
قَالَ أبو سليمان: ومعنى الخبر ما ذهب إليه ابن الأعرابي: محمد بن زياد.
قَالَ ابن الأعرابي: هذا مَثَلٌ والمعنى أنّ مَنْ نَسِيَ القرآن لَقِيَ الله خالِيَ اليَدِ من الخَيْرِ صَفِرها من الثواب كَنَى باليد عَمَّا تَحويه اليَدُ وتشتمل عليه من الخير كقولهم إذا وصَفُوا الرجلَ بانقطاع القُدرَة فُلانٌ لا يَدَ له وإنه لقَصير اليَدِ إذا كان بخيلًا كما قَالُوا جَعدُ البَنَان وكَزُّ البنانِ وفلان طويل اليد
__________
1 س: "عينيه".

(1/312)


إذا وصف بالجودِ وبسط المَقْدِرة وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِنِسَائِهِ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا" 1. فَكَانَتْ سَوْدَةُ وَكَانَتِ امْرَأَةً تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
ويدُلّ عَلَى صِحَّة ما ذهب إليه حَدِيثٌ حَدَّثَنِيه بُكَيْرُ بْنُ الْحَدَّادِ نا أَبُو السَّرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الأنْصَارِيُّ نا عِصْمَةُ بنُ فَضَالَةَ الزُّرَقِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ لَا تَعَجَّلُوا ثَوَابَ الْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا فَتَلْقَوُا اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا حَمَلْتُمْ صِفْرٌ" 2.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ: مُجَاهِدٍ حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا الْفُضَيْلُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ رَبِّ جَعَلْتَنِي فِي جَوْفِهِ فَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ وَمَنَعْتُهُ كَثِيرًا مِنْ شَهَوَاتِهِ وَلِكُلِّ عَامِلٍ عُمَالَةٌ فَيَقُولُ ابْسُطْ يَدَكَ أَوْ يمينك فيملوؤها مِنْ رِضْوَانِهِ وَلا يَسْخَطُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا.
وفيه وجه آخر وهو أن تكون اليدُ ها هنا بمعنى الحُجَّةِ والبرهان وإلى هذا أشار طَلْقُ بن حبيب أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عن عَبْد الكريم أَبِي أُميَّة3 عن طَلْق بن حبيب قَالَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ من غير عُذْر جاء يوم القيامة مخصوما4.
__________
1 أخرجه البخاري 2/131 والنسائي 5/67 وأحمد 6/121.
2 لم أقف عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا.
3 عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري "عن تقريب التهذيب" 1/516.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/360.

(1/313)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلاثَةٌ1 مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ2". وهذا أيضًا مِمّا فَسَّره أبو عبيد في كتابه3 فقال: نرى قوله: "تَحِلَّةَ القَسَمِ" يعني قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} 4 يقول: فلا يرِدُها إلا بِقَدْرِ ما يبرُّ اللهُ قَسَمَه فيه.
وعارضه ابنُ قُتَيبة في كتابه الموْسُوم بإصلاح الغَلَط كما عارضه في الحديث الأول فَقَالَ هذا مذهب الحسن من الاستخراج إن كان هذا قَسَمًا قَالَ: وفيه مذهب آخر أشبهُ بكلام العرب ومعانيهم وهم وإذا أرادوا تَقليل مَكثِ الشيء وتقصيرَ مُدَّته شَبَّهوه بتحليل القسم وذلك أن يقول الرجل بعد إن شَاءَ الله فيقولون ما يقيم فلانٌ عندنا إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ وما ينام العليلُ إلا كتَحْليل الأَلِيَّةِ وكَحَسْوِ الطير وهو كثير مَشْهور في الكَلامِ والشِّعر قَالَ: ومعناه عَلَى هذا التأويل أَنَّ النارَ لا تمسّه إلا قليلًا كتحليل اليمين ثُمَّ يُنجيه اللهُ منها.
قَالَ أبو سليمان: ولا إِشكال أنّ معنى الحديث ما ذهب إليه أبو عبيد إلا أنه أغفل بيان موضع القَسَم فتوَهَّم ابن قتيبة أنه ليس بقسم وقد جاء ذَلِكَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ حَدَّثَنِيه الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ نا رشدين بن سعد نازبان بن فايد
__________
1 م, ط: "ثلاثة أولاد".
2 أخرجه البخاري 2/93, 8/167 ومسلم 4/2028 والترمذي 3/365 والنسائي 4/25 وغيرهم.
3 غريب الحديث 2/16.
4 سورة مريم: 71.

(1/314)


عَنْ سَهْلِ1 بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَرَسَ لَيْلَةً مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَمْ يَأْخُذْهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَرَ النار تسمه إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لا شَرِيكَ لَهُ2". قَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} 3 وَفِي هَذَا مَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا معاذ بن المثنى نا عبد الرحمن الْمُبَارَكِ السَّدُوسِيُّ نا سَعْدُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابْنِ الزُّبَيْرِ لِصَنِيعٍ كَانَ مِنْهُ: "لا تَمَسُّكَ النَّارُ إِلا قَسَمَ الْيَمِينِ". وهذا اللفظ خارجٌ عَن جملة ما حكاه ابن قُتَيْبَة من مذاهبهم فِي تحلة القسم لأنهم لم يقولوا إذا أرادوا تَقليل مَكثِ الشيء وتقصيرَ مُدَّته لم يكن ذَلِكَ إلا قسمَ اليَمِين كما قَالُوا لم يكن ذَلِكَ إلا تحِلَّة القَسَم وإنما هُوَ عَلَى التَّفْسير الأول الَّذِي ذهب إليه أبو عُبَيد.
قَالَ أبو سليمان فإن قيلَ: فأين موضع القَسَم من قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا َعلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} 3 قيل هُوَ مَردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} 4 ... الآية.
وفيه وجه آخر وهو أن العرب تَحلف وتُضْمِر المُقْسَم به كقوله: {وَإِنْ
__________
1 م: "عن سهل عن معاذ بن أنس". وفي تقريب التهذيب 1/337: سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ الجهني نزيل مصر لابأس به إلا في روايات زبان عنه.
2 أخرجه أجمد في مسنده 3/137 بلفظ: "من حرس من وراء المسلمين" الخ.
3 سورة مريم: 71.
4 سورة مريم: 68.

(1/315)


مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} 1 معناه وإنّ منكم واللهِ لمَنْ ليبطئَن فأضمر والله وكذلك قَولُه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} 2 المعنى وإن منكم واللهِ إلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا قيل: هُوَ مَردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} الآية3
__________
1 سورة النساء: 72.
2 سورة ميرم: 71.
3 ساقط من نسخة م, ط.

(1/316)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى أُحُدٍ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي كَتِيبَةٍ كَأَنَّهُ هَيْقٌ يَقْدُمُهُمْ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا.
الهَيْقُ الظَّليمُ قَالَ امرؤُ القَيس:
كجُؤْجُؤِ هَيْقٍ زِفُّهُ قد تَمَوَّرا2
وقال آخَرُ يصف فرسًا:
ولها برْكَةٌ كجُؤْجُؤِ هيق ... ولبان مضرج بالخضاب
__________
1 المغازي للواقدي 1/219.
2 الديوان /267 وصدره: "وخد أسيل كالمسن وبركة".

(1/316)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا خَرَجَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فَنَزَلُوا الأَبْوَاءَ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لأَبِي سُفْيَانَ بن حرب لو نجثم قَبْرَ آمِنَةَ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ بالأبواء1.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/273 بلفظ: "لو بحثتم" بدل "لو نجثتم".

(1/316)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَاصِمٍ الأَسْلَمِيِّ.
قَوْلُهَا: نَجَثْتُمْ أَيْ نَبَشْتُمْ وَالنَّجْثُ اسْتِخْرَاجُ الدَّفِينِ وَمِنْهُ النجيثة وهو تُرابُ الْبِئْرِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَيُقَالُ: نَجَثْتُ مَا عِنْدَ فُلانٍ إِذَا اسْتَنْبَطْتَ رَأْيَهُ وَرَجُلٌ نَجِثٌ إِذَا كَانَ يَسْتَخْرِجُ الأَخْبَارَ قَالَ الأَصْمَعِيُّ فِي أُرْجُوزَتِهِ:
لَيْس بِقَسَّاسٍ وَلا قَمٍّ نَجِثْ ... وَلا بِجَوَّاظِ العشيات مغث1
__________
1 م: "ولا تم نجث". وكذلك روي في اللسان والتاج "نجث".

(1/317)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ الْخَيْلِ الْحُوَّةُ" 1.
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ طَلْحَةَ2 بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ.
الحُوَّةُ: سواد ليس بالشَّديد والنَّعتُ منه أحوى وهو الكميث الَّذِي يعلوه سَوادٌ قَالَ الطِّرمَّاح يصف ثورًا:
أَحَمُّ بأطرافه حُوَّةٌ ... وسائِرُ أجلادِه واضِحَه3
وقال ذو الرمة يصف روضة:
__________
1 م, ح: "الحو" وذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/516 بلفظ: "الحر" ولعله تحريف من الحو وعزاه لابن أبي شيبة. وفي النهاية 1/465 بلفظ "الحو".
2 م: "عن طلحة عن عمرو" وفي التقريب 1/379: طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي مات سنة 152 هـ.
3 الديوان /77.

(1/317)


قَرحاءُ حَوّاءُ أَشراطِيَّةٌ وكَفَت ... فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَراعِيم1
يريد أنها لرِيِّها وخُضرتِها تَضْرِب إلى السّواد.
قَالَ الأصمعي: يقال: حَوِي الفرسُ يَحْوَى حُوَّةً. وقال أبو حاتم: يقال: احووى واحواوى.
__________
1 اللسان والتاج "قرح" والديوان /573.

(1/318)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ الأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ: "لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ" 1. قَالَ بُرَيْدَةُ: فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَوْ علمت أن نبي الله اسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: آل داود أراد داودَ نَفسَه لأنَّا لا نعلم أحدًا من آله أُعطِي من حُسْن الصّوت ما أُعطِيه داود.
أخبرني أبو رَجَاء الغَنَويّ نا أَبِي نا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ سمعتُ أبا عُبَيْدةَ معمر بن المثنى وسأله رجلٌ عن رجل وصَّى2 لآل فلان أَلِفُلان نَفسِه المُسَمَّى من هذا الشيء قَالَ نعم قَالَ الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 3 ففرِعَوْن أولُهم وأنشد:
ولا تَبكِ مَيْتًا بعد مَيْتٍ أَجَنَّه ... عَلِيٌّ وعبَّاسٌ وآلُ أَبي بكرِ
يريد أبا بكر نفسه.
__________
1 أخرجه مسلم 1/546 وأحمد 5/439, 351, 359 ومصنف عبد الرزاق 2/485.
2 م: "أوصى".
3 سورة غافر: 46.

(1/318)


قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ. وثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ثنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ إِذَا صلى على النبي قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ أَحْمَدَ1 كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ يريد بآل أحمد نِفْسَه لأن المفروضَ من الصلاة ما كان عليه قَالَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2 وقد يكون آلُ الرجل أهلَ بيته الأدنَين.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدِ بن الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا شَاذَانُ نا شَرِيكٌ عَنِ الأَعْمَشِ عن يَزِيدُ قَالَ قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ قَالَ آلُ عَبَّاسٍ وَآلُ عُقَيْلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} 3 قال: من أهل دين قَالَ: وَلا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلا فِي الرَّئِيسِ الَّذِي الْبَاقُونَ لَهُ تبع. قال: وكذلك آلُ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هُمْ أُمَّتُهُ وَأَهْلُ دِينِهِ قَالَ فَإِذَا جَاوَزْتَ هَذَا فَآلُ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ خَاصَّةً.
وَقَوْلُهُ: لحبَّرتُها يريد تحْسِينَ القِراءةِ وتَحْزِينَ الصَّوتِ بها يقال: حَبَّرتُ الشيءَ إذا حَسَّنتَه وكان طُفَيْلٌ الغنويّ في الجاهلية يُدعى المحبر لتجويده الشعر وتحسينه إياه.
وأخبرني ابن الفارسيّ هُوَ محمد بن القاسم بن الحكيم أبو بكر4 نا محمد بن يحيى المَرْوَزِيّ نا أبو بلال الأَشْعريّ نا عامِرُ بن سَيَّار عن يَحْيَى بن أبي كَثير في قوله تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} 5 قال الحبر: السماع في
__________
1 ط: "آل محمد".
2 سورة الأحزاب: 256.
3 سورة البقرة: 49.
4 من م.
5 سورة الروم: 15.

(1/319)


الجَنَّة. وقال غَيرُه: يُحبَرون يُسَرُّون. والحَبْرَةُ والحَبَرُ السُّرور وأَنشد:
الحمدُ لله الذي أعطى الحبر1
__________
1 اللسان والتاج "حبر" وعزي للعجاج وهو في ديوانه /4.

(1/320)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ وَالأَفْنُ وَالذَّامُ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ نا الرَّمَادِيُّ نا سُفْيَانُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْمَدِينِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ.
قوله: السَّامُ فسَّره أبو عُبَيد في كتابه وقال: هُوَ الموتُ. قَالَ أبو سليمان: وتأوَّله قتادةُ عَلَى خلاف هذا.
حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتّاب العَبْدِيّ نا يحيى بن أَبِي طَالِبٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ أنا سعيدُ بن أبي عَرُوبة قَالَ: كان قتادةُ يُفسِّر السَّام عليكم تسأمون دينكم وهو مصدر سَئِمتُه سآمةً وسَآمًا مثل رَضَاعةٍ ورضاع ولذاذة ولذاذ والأَفْن النَّقْصُ ومنه قَولُهم رجلٌ أَفِين أي ناقِصُ العقل وفي مَثَل للعرب إنَّ الرِّقِينَ تُذهِب أَفْن الأَفِين2 قَالَ قَيسُ بن الخَطيم:
رددنا الكتيبةَ مَفْلُولَةً ... بها أفنها وبها ذامها3
__________
1 البخاري 8/71, 104 والترمذي 5/60 وأحمد 6/37, 199 وغيرهم بدون لفظ: "الأفن".
2 اللسان "رقن" وجمهرة الأمثال 2/339 ومجمع الأمثال 2/367 والمستقصي 2/372. وروايته فيها: "وجدان الرقين يغطي أفن الأفين". وفي ت: "إن وجان الرقين.." وفي ط: " ... تذهب الأفن الأفين".
3 اللسان والتاج "ذيم" برواية: "يرد الكتيبة مفلولة". ولم أقف عليه في ديوانه.

(1/320)


ويقال أفنت الناقة إذا استوعبت حَلَبًا قَالَ الشاعر:
إذا أُفِنَت أَروَى عِيالَك أَفْنُها ... وإن حُيِّنَتْ أَرْبَى عَلَى الوَطْبِ حينُها1
وهذا راجع أيضًا إلى النَّقْص. والذّامُ العَيْب وهو الذَّابُ والذَّانُ ومنه قولهم: "لا تَعْدَم الحسناء ذَامًا"2.
قال لبيد:
وكثيرة غرباؤها مجهولةٌ ... تُرجَى نَوافِلُها ويُخْشَى ذامُها3
يقال: ذَامَة يذِيمُه وذَمَاهُ يَذْمِيه مَقلوبًا وفيه لُغَة أخرى ذَأَمَه يَذْأَمُه ذَأْمًا مهموز وَرُوِيَ أَنَّ رسول الله قَالَ لِعَائِشَةَ: "لا تَقُولِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَاحُشَ" 4. أراد بالفُحش عُدْوَان5 الجوابِ لا الفُحْش الَّذِي هُوَ من قَذَع الكلام والفُحشُ زيادة الشيء عَلَى مقداره
ومنه قول الفقهاء: يصلى في دم البَراغيث إذا لم يكن فاحِشًا أي كثيرًا غالبًا وقال النُّمِرُ بن تولَبِ:
وقد تَثَلَّمَ أنيابِي وأدركني ... قِرنٌ عليَّ شَدِيدٌ فاحِشُ الغلبة6
__________
1 اللسان والتاج "أفن" وعزي للمخبل.
2 جزء من بيت جاء في اللسان "ذيم" والبيت:
وكنت مسودا فينا حميدا ... وقد لاتعدم الحسناء ذاما
وهو مثل جاء في الفاخر /155 وجمهرة الأمثال 2/398 ومجمع الأمثال 2/213, والمستقصي 2/256 واللسان "ذيم".
3 شرح الديوان /317.
4 رواه مسلم 4/1707 وغيره.
5 س: "عدو الجواب".
6 الديوان /37.

(1/321)


وقال امرؤُ القيس:
وجِيدٍ كجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفاحشٍ ... إذا هي نَصَّتْه ولا بُمعَطَّلِ1
جعل زِيادَةَ الجِيدِ عَلَى مقداره المُسْتَحْسن فُحشًا.
وَفِي خَبَرِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" قَالَتْ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالُوا: قَالُوا السام عليك قَالَ: "قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ" 3.
قَالَ أبو سليمان وهذا أحسن من رِواية مَنْ قَالَ وعليكم بالواو لأَنّ هذا مَعْناه رددتُ ما قلتموه عليكم وإذا أدخلتَ الواوَ صار المعنى فعلي وعليكم لأن الواو حرف الجمع4 والتشريك.
__________
1 الديوان /16. ونصته: مدته وأبرزته
2ساقط من م.
3 أخرجه مسلم في 4/1706 وغيره.
4 من ت, م.

(1/322)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيَّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آيَاتُ الإِسْلامِ قَالَ: "أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ إِلَى اللَّهِ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَنْ مُسْلِمٍ مُحْرِمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ" فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا دِينُنَا قَالَ: "هَذَا دِينُكُمْ وَأَيْنَ مَا تُحْسِنُ يَكْفِكَ" 1.
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ نا ابن عُلَيَّةُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عن أبيه عن جده.
__________
1 م: "بكفك" وفي الهامش: "أينما تحسن ماتعمله بيدك فاعمل ولاتنسه". أخرجه أحمد في مسنده 5/4, 5.

(1/322)


قوله: تَخَلَّيتُ معناه تَبَرَّأْتُ من الشِّركِ وانْقَطَعْتُ عنه وفي هذا حُجَّةٌ لَمنْ ذَهَب إلى أن المُشرِكَ لا يكون مُسلِمًا حتى يتكَلَّم بالشَّهادةِ ويتبرَّأَ من دِينهِ لأن بعضَ أهلِ الشرك يُؤمِن بالله وهو يُنِدُّ1 معه ويؤمن برسوِله وهو لا يراه خَاتِم الأَنْبياء.
وقوله: كل مُسلِم عن مسلم مُحرِم فإن المُحرِمَ في أشياء يقال أَحرَم الرجلُ إذا دخل في الحَرَم وأَحرَم إذا دخل في الشهر الحَرَام وأَحْرَم إذا اعْتَصَم بحُرْمَةٍ وقال الشاعر:
فَيَعلُم حَيَّا مالكٍ ولَفِيفُها ... بأَنْ لَستُ عن قَتْل الحُتاتِ بمُحرِم
وقال آخر:
قَتَلُوا ابنَ عَفَّانَ الخَلِيفَةَ مُحرِمًا ... ودَعَا فلم أَرَ مثلَه مَخذُولًا2
يريد أنهم قتلوه في الشَّهر الحرام. وقال زُهَيْر:
وكَمْ بالقَنان من مُحِلٍّ ومُحرِم3
والمحل: المحارب هاهنا والمُحرِم: المُسالِم.
ومعنى الحديث أَنَّ المُسِلمَ مُعتَصِم بالإسلام مُمتنِع بحُرْمِته مِمَّن أراد دَمَه أو مالَه.
وقوله: "أَخوان نَصِيران" معناه أنّ من حَقّ المُسلِمَيْن أن يَتعاونَا ولا يَتخاذَلا وهذا كقوله: "وهم يد على من سواهم" 4.
__________
1 يند معه: يتخذ معه أندادا.
2 ح: "مقتولا" بدل "مخذولا. وهو في اللسان والتاج "حرم" وعزي للراعي. وهو في ديوانه /144.
3 في الديوان /11. وصدره: "جعلن القنان عن يمين وحزنه". والقنان جبل لبني أسد.
4 أخرجه أبو داود في مواضع منها في الديات 4/181 والنسائي في 8/19 وأحمد في مسنده 1/122 وغيرهم.

(1/323)


وقوله: وأَينَ ما تُحْسِن يَكْفِك يقول لا تَعْجَز أن تَفْعَل خَيرًا وإن لم يكن عليك فرضًا.

(1/324)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ قَالَ: "لا يَكُونُ لِرَجُلٍ إِبِلٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ثُمَّ جَاءَتْ كَأَكْثَرِ مَا كَانَتْ وَأَغَذِّهِ وَأَبْشَرِهِ فَوَطِئَتْهُ بِأَخْفَافِهَا" 1.
أَخْبَرَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إسحاقُ بن إبراهيم نا أَبو الأَشْعَثِ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ2 عَنْ أَبِي هريرة.
قوله: وأبشره يريد وأَحسَنه وأَسْمَنه والبَشارةُ الجَمالُ قَالَ الأَعْشَى:
ورأَت بأَنَّ الشيبَ خَالَطَه البَشَاشَةٌ والبَشَارَهْ3.
ويقال: رجل بَشِير أي جميل وامرأةٌ بَشِيرَةٌ من نِساءٍ بَشائِر. وقال جَرير:
يا بَشْرُ حُقَّ لوجهك التَّبشِيرُ ... هلا غَضِبت لَنَا وأَنتَ أمير4
__________
1 أخرجه مسلم 2/680, 681 وأبو داود 2/125 والنسائي 5/13 وغيرهم بنحوه في حديث طويل.
2 هامش س: "هو أبو عمر الغداني وفيل أبو عمرو ذكره ابن حبان في كتاب الثقات".
3 الديوان /76 ط دمشق وديوانه ط بغداد /57.
4 الديوان /301.

(1/324)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ أَتَتْهُ بِكَتِفٍ فَجَعَلَتْ تَسْحَلُهَا لَهُ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يتوضأ1.
__________
1 أخرجه السيوطي في الجامع الكبير 2/758 وعزاه إلى ابن عساكر في تاريخه بلفظ: "تسحاها" وذكره الهيثمي في مجمعه 1/253 بلفظ: "فجعلت أسحاها له وعزاه للطبراني في الكبير".

(1/324)


يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ نا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ.
قوله: تَسحَلُها أي: تَكْشِط ما عليها من اللّحم ومنه أُخِذَ المِسْحَل وهو المِبردُ ومن هذا ساحِلُ البحر وذلك أن الماء قد سَحَله جاء بلفظ فاعل ومعناه مَسحولُ ويُروَى فجعلتْ تَسْحَاها أي تَقشِرها
يقال: سَحوتُ الشيءَ أسحُوه وأسحاه ومن هذا سُمِّيت سِحاءَةُ القِرطاس وكذلك المِسحاةُ التي يُعمَل بها الطِّين.
وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ نا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: قول العامة ليس لمِسْحاتِك عندي طين خَطَأ إنما هُوَ ليس لسحاتك1 عندي طين.
__________
1 س: لسحائك.

(1/325)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا لِلْمُضَمَّرِ الْمُجِيدِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى يَزِيدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ.
المُضَمِّر هُوَ الَّذِي ضَمَّر خيلَه إذا أعدَّها لِغزْوٍ أو سِبَاق وهو أن يُظاهِر عليها بالعَلَفِ حتى تسمن وتَقوَى ثُمَّ لا تُعلَفُ إلا قُوتًا ليكون أَنْجَى لها وأَخفّ والمُجِيدُ صاحب الجِياد من الخَيْل يقال: رجل مُجِيد كما يقال:
__________
1 أخرجه النسائي في 4/174 بلفظ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام". وقد ذكره الهيثمي في مجمعه 3/194 بلفظ: "المضمر الجواد" ... عن معاذ بن أنس وعزاه لأبي يعلى وعن أبي أمامة ونحوه وعزاه للطبراني في الكبير.

(1/325)


مقو إذا كانت دوابه أَقْوياء ومُضعِفٌ إذا كانت ضِعافًا. وفي بعض الحديث: المُضعِف أَمِيرُ القوم1. وقال الفرزدقُ لجرير:
ولقد شَدَدتَ عَلَى المراغَةِ سَرْجَها ... ولقد نزلْتَ وأنتَ غيرُ مُجِيد2
أي غَير مُنجِب وقال آخر:
إنَّ النّجابةَ والإجادةَ فاعْلَمي ... عند العَقائل من بَنِي أَنمار 3
ومعنى الحديث أَنَّ الصائمَ يُباعِدُه الله من النّار مسافة سَبْعين سَنَةً رَكْضَ المضامير من الخيل.
__________
1 الفائق "ضعف" 2/340 برواية: "المضعف أمير على الصحابة" يعني في السفر لأنهم يسيرون بسيره. وفي النهاية "ضعف" 3/88 برواية: "الضعف أمير الركب".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط بيروت.
3 في هامش س: "والنجادة" بدل "والإجادة" والمثبت من م, ح, ط, ت.

(1/326)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَالْمُهَجِّرُ إِلَى الصِّلاةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي الْكَبْشَ ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سعدان نا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ2
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا
__________
1 البخاري 2/3, 14 ومسلم 2/582, 587 والنسائي 3/97-99 وغيرهم.
2 انظر صحيح مسلم 2/587.

(1/326)


ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ1 عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ.
وَأَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً" 2.
قد يعرض الإِشكالُ من هذا الحديث في مَوْضِعَين أحدهما قوله: مَنْ راح في الساعة الرابعة والخامسة لأَنَّه يوهّم جواز تأخير صَلاة الجمعة عن أول وقتها إلى الساعة الرابعة أو الخامسة وهذا فاسِدٌ.
والموضِع الآخر أنه لمّا فاضل بين الساعات جعل الرائحَ في الساعة الرابعة كَمَن أَهدى دجاجة وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ كمن أَهْدَى بَيْضَة واسمُ الهَدْي لا يقع عَلَى الدَّجاجة والبيضة غالبًا.
وأما الغَنَم فقد اختلف الفقهاءُ فيها فَقَالَ بعضهم: ليست بهَدي والأكثرون منهم يجعلونها هَدْيًا وثمرة هذا الخلاف أن يوجب الرجل عَلَى نفسه هديًا فإذا ذبح شاة أجزاه عن نَذْره في قولِ مَنْ رآها هَدْيًا ولا يُجزِيه في قول الآخرين إلا بَدَنةٌ أو بقرةٌ.
أما قوله: راح في الساعة الرابعة والخَامِسَة ففيه وجْهَان أحدهما
__________
1 التقريب 2/184: ابن أبي ذئب هو مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المغيرة القراشي العامري أبو الحارث المدني ثقة فقيه فاضل "ت158هـ".
2 أخرجه البخاري في 2/3 وأبو داود 1/96 وغيرهما.

(1/327)


ما ذَهَب إليه مالكُ بن أنس. أخبرني الحسنُ بنُ يَحْيى عن ابنِ المُنذِر قَالَ: كان مالِكُ بنُ أنس يقول في هذا الحديث: لا يكون الرواح إلا بعد الزَّوال قَالَ وهذه الساعات كلّها في ساعةٍ واحدةٍ من يوم الجمعة يذهَبُ إلى قولِ القائل جِئتُ منذ ساعة وقَعدتُ عند فلانٍ ساعةً وتحدَّثتُ معه ساعةً وما أشبه ذَلِكَ يريدُ به جُزءا من الزمان غَيَر مَعلُوم دُونَ الساعاتِ التي هي أوراد الليل والنهار وأقسامهما.
والوَجْهُ الآخرُ ما ذهب إليه محمدُ بن إبراهيم بن سعيد البُوشَنْجِيّ.
أخبرني أحمدُ بنُ الحُسيْن التّيمِيّ قَالَ: قَالَ أبو عَبْدِ الله قولُه: راحَ إلى الجُمُعة وهَجَّر إلى الجُمُعة في هذا الحديث إنما هُوَ بعدَ طلوعِ الشّمس كأنه يذهبُ إلى معنى القَصْد منه دُونَ الفِعْل وذلك أَنَّه إنما تُصلَّى الجُمُعة بعد الرَّواح فسُمِّي رائحًا بالقَصْد وهذا كما قيل للمتساوِمَيْن مُتَبايَعَان لِقَصْدِهما البَيْعَ وللمُقْبِلينَ إلى مكَّةَ حُجَّاج ولمّا يَحُجُّوا بَعْد وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ" 1 يُرِيد مَنْ أشرفَ عَلَى المَوْت ومثلُه كَثِير وزعم بعضُهم أَنَّ الرّائح هُوَ الخارِجُ عن أَهلِه وكلُّ مَنْ خرج في وقت من الأوقات فقد رَاحَ قَالَ وعلى هذا مَذْهَب العَرَب إذا أرادوا الرَّحِيل أيَّ وقت كان من ليلٍ أو نهارٍ قَالُوا: الرَّواح.
قَالَ أبو سليمان: والأَمرُ في هذا واضح غيرُ مُشكِلٍ والفَرقُ بين الأمْرين موجودٌ في مُسْتَفِيض كَلامِ النَّاس أَلا تراهم يَقُولُون غَدوْنا ورُحْنا إلى بَابُ فُلان وغَدوتُ إلى السُّوق ورُحتُ إلى أهِلي.
قَالَ الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ
__________
1 أخرجه مسلم 2/631 وأبو داود 3/190 والترمذي 3/306 والنسائي 4/5 وابن ماجه 1/464 وغيرهم.

(1/328)


وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} 1. وقال النابِغَةُ:
أمن آلِ ميّةَ رائحٌ أو مُغتدي2
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أمنْ آلِ نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فُمهَجِّر3
وكان أبو الدرْداء إذا رَأَى جنَازةً قَالَ: رُوحِي فإنّا غادون4 وهذا أبْيَنُ من أن يُستَشْهد له
فأما قَولُهم عند الرَّحِيل الرُّواح فإنَّما يقال ذَلِكَ لأَنَّ رِحيلَ المسافر إنّما يكون في الغالب وَقتَ الرَّواحِ والإِبْراد ثُمَّ كثرُ ذَلِكَ حتى استَجازوا أن يقولوه في غير حِينِه وهذا كقولهم في الاستغاثَةِ عند مُفاجَأة العَدُوِّ أيّ وَقْتٍ كانت واصَبَاحَاه لأن الغالِبَ أن العدوَّ إنما يُصبِّحُ القومَ ويأْتِيهم حالَ الغرة والأمن.
وأما قول ابن أَبِي رَبِيعة:
أيّها الرائحُ المُجدّ ابتكَارَا ... قد قضى من تِهامَة الأَوْطارا
ليتَ ذا الحجَّ كان فرضًا علينا ... كُلَّ يوميْن حِجَّةً واعْتِمارا5
فإنّه أراد الرّائح إلى منزله المُزْمِعَ الرَّحيلَ بُكْرةَ غَدِه.
وأما قَولُه: أَهْدَى دجاجةً وأَهدَى بيْضةً فمن المحمول عَلَى حُكْم ما تَقدَّمه من الكلام كقولكَ: أكَلْتُ طعامًا وشَرابًا والأكلُ إنما ينصرف إلى الطعام
__________
1 سورة سبأ: 12.
2 ملحق بالديوان /102.
3 الديوان /120.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/549 عن أبي هريرة بمثله.
5 الديوان /176.

(1/329)


دون الشَّراب إلا أَنّه لمَّا عُطِف به عَلَى المذكور قبلَه حُمِل عَلَى حُكْمِهِ كقول الشاعر:
ورأيْتُ بَعْلكِ في الوغَى ... مُتقلّدًا سيفا ورمحا1
والرمح لا يتقلد لكن يُحْملُ. وقال الآخر:
إذا مَا الغانِياتُ بَرزْنَ يَوْمًا ... وزَجّجْن الحَواجِبَ والعُيونا2
أي كحّلْن العُيونَ. ومثلُ هذا كَثِيرٌ
فأما حَدِيثُه الآخر في الجُمُعة أنه قَالَ: "مَن بَكر وابْتَكَر وغَسَل واغْتسل" 3. فقد قيل: إنه أراد به بكور الوقت وقيل وأراد إدْراكَ باكورة الخُطْبة وهي أوّلها.
وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري أنه قَالَ: أَرادَ تقدِيمَ الصَّدقة من قوله: "باكِرُوا بالصَّدَقة فإنّ البَلاءَ لا يتخَطَّاها" 4.
وقوله: غَسَل فقد قيل: أراد غَسْل أَعضاءِ الطَّهارة وقيل أراد غَسْلَ الرأسِ لِمَا في رؤوس العرب من الشَّعَر وقِيل معناه جامع أهله من قولهم فحلَ غُسَلَة إذا كان كثير الضِّراب
وقوله: اغْتَسَل أراد غَسْلَ سائرِ البَدَن. وقال الأثرَمُ هما لفظان بمعنى واحدٍ كُرِّرَا للتَّأكيد أَلا تراه يقول في هذا الحديث: "ومَشَى ولم يَرْكب" وفي خبر آخر: "واسْتَمَع وأَنْصَت". وهذا كُلّه واحِد.
__________
1 اللسان والتاج "قلد". وينسب لعبد الله بن الزبعري.
2 اللسان والتاج "زجج". وينسب للراعي النميري.
3 ت والنهاية 2/148: "بكر بتشديد الكاف. وأخرجه أبو داود 1/95 والنسائي 3/97 وابن ماجه 1/346 والدارمي 1/363 وابن خزيمة 3/128 وغيرهم.
4 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/457 وعزاه للطبراني في الأوسط عن علي.

(1/330)


وأما قوله: فالمُهَجِّر إلى الصلاة فإنّ أكثر الناس يذهبون في معناه إلى أنّه من الهَاجِرَة وقت الزوال.
وقد روى أبو داود المَصاحِفِيّ عن النَّضْرِ بن شُمَيْل قَالَ التَّهجِيرُ إلى الجُمُعة وغيرِها التَّبْكِيرُ قَالَ: سمعتُ الخلِيلَ يقول ذَلِكَ في تفسير هذا الحديث.

(1/331)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي الَّذِي يَرْوِيهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ سَرِيَّةً فَلَقَوُا الْعَدُوَّ فَجَاضَ الْمُسْلِمُونَ جَيْضَةَ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله: أنتم العَكَّارون يريد أَنتُم الكَرَّارُون والعَكْرُ الانْصراف2 بعد المُضيّ. يقال: عَكَرْتُ عَلَى الشيء بمعنى عَطفتُ عليه. قَالَ الشاعر:
لما رأيت النفس جاشت عكرتها ... على مسحل وأي ساعة معكر
وأخبرني ابنُ الزِّئبَقِيّ نا محمد بن يونس الكُدَيْمِي نا الأصمعيّ قَالَ: رأيت أعْرابيًّا وهو يَفْلي ثوْبَه فجعل يلتَقِط البَراغِيثَ ويدعُ القَمْلَ فقلت له أتأخذُ هؤلاء وتَدَعُ هَؤُلاء قَالَ: أبدأُ بالفُرسان ثُمَّ أَعكِرُ عَلَى الرَّجَّالةِ.
وقوله: جَاضَ المُسْلمون جَيْضةً3 فسّره أبو عُبَيْد ومعناه مالوا مَيْلةً وحادوا حيدودة.
__________
1 أخرجه الترمذي 4/215 وأحمد 2/70, 100, 111 بلفظ: "خاص".
2 ط: الاصراف.
3 ليست في ت, م, ط, ح.

(1/331)


وحدثناه ابنُ دَاسَة نا أبو داود نا أحمد بن يُونُس نا زُهَير نا يزيدُ بن أبي زِياد بإسنادِه مثله وقال: حاصَ النّاسُ حيْصة1. وهما سَواء.
يقال: حاص الرجل عن الشيء وجاض عنه إذا حاد عنه حذرا أو خوفا. قال أبو عبيدة: خرج أعرابِيٌّ وكانت له امرأةٌ تَفْرَكُهُ وكان يصلفها فأتبعته نواة وقالت شَطَّت نَوَاك ونَأَى سَفَرُك ثم أتبعته رؤثة وقالت رَثَيْتك وراثَ خَبرك ثُمَّ أَتبعَتْه حَصاةً وقالت حاصَ رِزْقُكَ وحُصَّ أَثَرُكَ.
وقوله: "أنا فِئَتُكُمْ" تأويل قوله جل ثناؤه: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} 2 يمهد بذلك عذرهم.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/46.
2 سورة الأنفال: 16.

(1/332)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ يَتَبَهَّنُونَ بِهِ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ الرَّاوِي لَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْهُ وأَحسِبه غلطًا إنّما هُوَ فيما أحْسِبه يتَبهْنَسُون به. والتَّبَهْنُس: كالتَّبخْتر في المَشْي يُرادُ أنهم كانوا يَقُودون به راحِلتَه عَلَى رُودٍ ومَهَلٍ فَيَحْكُون سِيرةَ المُتَبَخْتِر ويشبه أن يكون الكاتِب قد مَشَق السِّين من يَتَبهْنَسُون فتوهّمه الرّاوي يتبهَّنُون.
ورَوَى الواقِدِيّ عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلم الزُّهْرِي في إسناد له أَنَّهم أخرجوا دُرَيدًا يوم حُنَين يقاد به في شَجارٍ فَقَالَ: بأيّ وادٍ أنتم قالوا:
__________
1 النهاية 1/169.

(1/332)


بأَوْطَاس قَالَ: نِعْمَ مَجالُ الحَرْب1 لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دهس ما لي أسمعُ رغاءَ البَعِير ويُعارَ الشَّاء.
قيل ساق مالكُ بنُ عَوْف مع الناس الظُّعُن والأَموالَ فَقَالَ: ما هذا يا مالك قَالَ: أردتُ أن أُحفِظ الناسَ وأن يُقاتِلوا عن أَهْليهم وأموالِهم فأَنْقَض به. وقال راعي ضأن ما له ولِلْحرْب وقال: أنت مُحِلٌّ بقَوْمِك وفاضحٌ عورتَك2 لو تركتَ الظُّعْن في بلادهم والنَّعَم في مَرِاتعها ثُمَّ لِقيتَ القومَ بالرِّجال عَلَى متُونِ الخَيْل والرّجّالة بين أضعاف الخيل أو متقدّمةً دَرِيَّةً أمام الخيل كان الرأي3.
الشِّجار: مَرْكب يُهيَّأ للنِّساء وهو أَعوادٌ يُخالَف بينها وهو المِشْجَرُ أيضًا فإن غَشِي بغِشاء صار هَوْدَجًا والضَّرِسُ الخَشِنُ الَّذِي يَعْقِرُ القوائمَ. والدَهِسُ اللَّيِّن الَّذِي تَسوخُ فيه الأَرجلُ قَالَ الأصمعيُّ: الدَّهَاسُ كل لَيّنِ لَيْس يَبلُغ أن يكون رَمْلًا وليس بتُراب ولا طيْنٍ والظُعُنُ النساء يقال للمرأةِ الظَّعِينَةُ لأَنَها تَظْعَنَ مع زوجها إذا ظعَن وقوله: أُحفِظ النَّاسَ أي أَذْمِرُهم للحرب من الحفيظة يقال هذا أمر محفظ4.
قَالَ الشاعر:
وتَرفَضُّ عندَ المُحْفِظَاتِ الكتَائِفُ5
وقوله: أَنْقَضَ به أي صَفَّق بإحدى يَدَيْه عَلَى الأُخرى حتى سُمِع لها نَقِيض وهو الصّوْت ويقال: بل أراد بالإنقاض أن ينقر بلسانه في فيه كما
__________
1 الفائق 1/138 وهامش م بلفظ: "الخيل" بدل "الحرب".
2 ت: "وفاح بعورتك".
3 المغازي للواقدي 3/886-888 والسيرة لابن هشام.
4 ت: "محفوظ".
5 اللسان والتاج "رفض" ومقاييس اللغة "كتف" 5/160 وعزي للقطامي وهو في ديوانه /55 وصدره:
أخوك الذي لاتملك الحس نفسه

(1/333)


يزجر الحمار ونَحوُه وراعِي ضَأنٍ يَسْتَجْهِله وَيُقَصّر1 به عن رُتبة من يَقودُ الجيوش ويَسوسُها. ويُقال: أجْهلُ من راعي ضَأن. وقوله: أنتَ مُحِلٌّ بقَومِك يريد أَنَّك قد أبحْتَ حَرِيمَهم وعرَّضْتَ بهم للهلاك. يقال: أحلّ الرَّجلُ إذا خرج من حُرْمةٍ كان فيها فهو مُحِلُّ وأَحْرم إذا اعْتَصَم بحُرْمة فهو مُحِرم قَالَ زُهَيْر:
وكَمْ بالقَنان من مُحِلٍّ ومُحْرِمِ2
أراد بالمُحِلّ الَّذِي يحلُّ قَتلُه وبالمُحرِم الَّذِي يَحرُم قتلُه.
وقوله: دَرِيَّةً أمام الخيل أي مُقدِّمة لها وستْرًا دونها. والدَّريَّةُ البعير الَّذِي يستَتِر به الرَّجل إذا أراد أن يرمِيَ الوحْشَ فيتركَه يرعَى مع الوحْش حتى إذا بَسِئَت به3 الوحش وأمكنت من مقاتلها رماها وهي الذَّرِيعة أيضًا قَالَ الشاعر:
وَلِلْمَنيَّةِ أَسْبَابٌ تُقَرّبُهَا ... كما تُقَرِّبُ للوحشية الذرع4
وأما الدريئة مهموزة فالحَلْقة التّي يُتعلّم عليها الطِعانُ قَالَ عَمرُو بنُ مَعْد يكرب:
ظللت كأني للرماح درئية ... أُقاتل عن أبناء جَرْمٍ وَفَرَّت5
وفي يتبهَّنون وجْهٌ آخر وهو أن تكون الرَّواية يتيمَّنُون به: أي يَتَبَرَّكون بَرأيه ومَشْهدِه أو يتَهَّبْون به قَالَ الأصمعي: جاء فلان يتهبى إذا
__________
1 س: ويستقصر.
2 الديوان /11 وصدره: "جعلن القنان عن يمين وحزنه" وقد تقدم في اللوحة 116.
3 ح: "نشئت". وبئست به: انت.
4 اللسان والتاج "ذرع" دون عزو.
5 الديوان /45 ط بغداد. وديوانه ط دمشق /55 وأوردا روايات أخرى.

(1/334)


جاء ينفُش يديْه والأَوّل أشبَه والله أعلم. ويدل عَلَى ذلك ما رواه إبراهيم بن مسعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حضر حُنَينًا دريدُ بن الصّمّة شيخٌ كبير فانٍ ليس فيه شيءٌ إلا التيمُّنَ برأيه ومَعرفتهِ بالحرب وكان شيخًا مُجربًا مِحْرَبًا1.
__________
1 السيرة لابن هشام 4/60 والمغازي للواقدي 3/688. وهو من ت, م.

(1/335)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيَّ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَوْتًا بِاللَّيْلِ يَعْنِي رَجُلا يَقْرَأُ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ: "أَتَقُولُهُ: مُرَائِيًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: أتقُولُه: يريد أَتظُنُّه قَالَ الشاعر:
متى تَقُولُ القُلُصَ الرَّوَاسِمَا ... يَلْحقْنَ أمَّ عَاصمٍ وَعَاصَما2
أي متى تَظُنّ القُلُصَ تلْحَقُهما ولذلك نَصَب القُلُصَ.
قَالَ الفرّاء: العرب تجعل ما بعْد القول مَرْفُوعًا عَلَى الحِكاية فتقول قلتُ عبدُ الله ذاهب وقلت إنك قائِم هذا في جميع القَوْل إلا في أَتَقُول وَحْدَها في حرفِ الاستفهام فإنّهم يُنزّلُونها مَنْزلةَ أتظُنّ فيقولون أتقول: إنك خارج ومَتَى تَقُولُ إنّ عَبْد اللهّ منطلق وأنشد:
أَمَّا الرَّحيلُ فدُونَ بَعْد غَدٍ ... فمتَى تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا3
بنصب الدّار كأنّه قَالَ فمتى تَظُنُّ الدار تجمعنا.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/485 والإمام أحمد في 5/349.
2 اللسان والتاج "قول" برواية: "يدينين أم قاسم وقاسما" وعزي لهدبة بن خشرم.
3 اللسان "رحل" دون عزو.

(1/335)


وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أن رسول الله أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبِ فَقَالَ: "الْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ" ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ.1
قوله: "البِرَّ تَقولُون بهِنّ" معناهُ البِرّ تظنون بهن.
__________
1 أخرجه البخاري في 3/63 وغيره.

(1/336)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّاسَ قُحِطُوا عَلَى عَهْدِهِ فَخَرَجَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا1 ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ضَاحَتْ بِلادُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا اللَّهُمَّ ارْحَمْ بَهَائِمَنَا الْحَائِمَةَ وَالأَنْعَامَ السَّائِمَةَ وَالأَطْفَالَ الْمُحْثَلَةَ".2 فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ نا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَزِيعٍ الْخَفَّافُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنِي سَلامُ بْنُ سَلَمَةَ وكان يقرىء عُمُومَتِي فِي زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
قوله: ضاحت بِلادُنا إنما هُوَ فاعَلَت من ضَحَا المكان إذا بَرَز للشمس وَضَحِيَ الرجلُ يَضْحَى إذا أصابه حَرُّ الشَّمس قَالَ الله تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 3 والضَّحَيانُ: البارِزُ للشَّمس يريد أنّ السَّنَة قد أحرقَتِ النَّباتَ والشجَر فبرزت الأرض للشمس.
__________
1 س, ط: فيهما.
2 النهاية "حثل" /399 "ضحا" 3/77 "حوم" /465.
3 سورة طه: 119.

(1/336)


وقوله: هامت دوابُّنا أي عَطِشت. والهيمان العطشان والحائمة: هي التّي تنْتابُ أماكنَ الماء فتحومُ عليه أي تطوف ولا تَرِدُ يُرِيد أنّها لا تجد ماء تَرِدُه.
وأخبرني ابنُ الفارسيّ حدثني بعضُ شُيوخِنا عن الزُّبَير بن بَكَّار قَالَ: كان عُمرُ بنُ أبي ربيعة عَفِيفًا يَصِفُ ويَقِفُ1 ويَحُومُ ولا يَرِدُ قَالَ الشاعر:
وإنّ بِنَا لو تَعْلمِينَ لَغُلّةً ... إِلَيكِ كَما بالحَائِمَاتِ غَليلُ
والأطفال المحثَلَة هم الذين انقطع رضاعهم والحَثْلُ: سوء الرضاع.
قَالَ ذو الرُّمَّة:
بِهَا الذِّئبُ مَحْزُونًا كأَنّ عُوَاءَه ... عُوَاءُ فَصِيلٍ آخِرَ اللّيل مُحْثَلِ2
والحَثْل أيضًا: سوءُ الحال ومنه قيل لِرُذالةِ النّاس الحثالة ويقال: للصبي السيىء الغِذاء الجَحِن والجَدِع قَالَ أَوسٌ:
تُصْمتُ بالماءِ تَوْلبًا جَدِعَا 3
يقول تُسكِتَ ولدها بالماء من الجوع4.
قَالَ أبو زيد: والجَحِنُ5 البطيء الشباب وهو المُقَرقَم قَالَ الراجِز:
__________
1 ط: "ويعف".
2 الديوان /515.
3 الديوان /515 وصدر البيت: "وذات هدم عار نواشرها". والبيت في اللسان "تلب". يصف صبيا.
4 من ت.
5 س: "الحجن" بتقديم الحاء على الجيم. والتصويب من الهامش وكتب اللغة.

(1/337)


أَشْكُو إلى الله عِيَالًا دَرْدقَا ... مقرقمين وعجوزا سملقا1
__________
1 س: "سملقا" والمثبت من باقي النسخ والرجز في اللسان "قرقم" ولم يعزه والسملق: الفقيرة.

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِهِ فَقَدِمُوا بِلَحْمٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَحَيَّشَتْ أَنْفُسُ أَصْحَابِهِ مِنْهُ وَقَالُوا: لَعَلَّهُمْ لَمْ يُسَمُّوا فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: "سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا" 1.
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قوله: تَحيَّشت معناه نَفَرت يقال: حاشَت نفسُه تَحِيشُ حَيْشًا وسمعتُ بعضَهم يرويه تَجيَّشَتْ بالجِيم فإن صحّ فمن قولهم جاشَتْ نَفْسُه أي خَبُثَت وجاشَت نفْسُ الجَبانِ إذا ارتدّتْ من الرُّعُب قَالَ الشاعر:
وجاشَتْ إليَّ النَفْسُ أوَّلَ مرَّةٍ ... فردت على مكروهها فاستقرت
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/480 بلفظ: "فأنفت" بدل "فتحيشت".

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ عَرِبَ بَطْنُهُ فَقَالَ: "اسْقِ ابْنَ أَخِيكَ عَسَلا" 1.
يَرْوِيهِ يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أبو زَيْد: يُقال عَرِبَتْ مَعِدتُه تعرب عربا وذريت ذريا فهي عَرِبَةٌ وذَرِبَةٌ أي فسَدَت.
__________
1 أخرجه مسلم 4/1737 وأحمد 3/19.
2 ح: ابن الصديق الناجي "تحريف" وفي التقريب 2/437 أبو الصديق "بتشديد الدال المكسورة" هو بكر بن عمر الناجي بالنون والجيم.

(1/338)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْتُ مَعَهُ فَدَخَلَتْ شَاةٌ لِجَارٍ لَنَا فَأَخَذَتْ قُرْصًا تَحْتَ دَنٍّ لَنَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا

(1/338)


فَأَخَذْتُهُ مِنْ بَيْنِ لَحْيَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا كَانَ يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُعَنِّقِيهَا إِنَّهُ لا قَلِيلَ مِنْ أَذَى الْجَارِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ هَارُونَ النَّوَّاءُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ نا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
التَّعِنيقُ الأخْذُ بالعُنُق مع شدّة العَصْر لها وبه سُمّي جُحْرُ الضّبّ العانِقاء وهو جُحْرٌ مملوءٌ تُرابًا فإذا خاف شيئًا دخل تحت ذَلِكَ التّراب فتعنَّق: أي دَسَّ عُنقَه فيه ومضى حتّى يتوارى2.
ورواه لي بعضهم تُعنّكيها وفسره من قولهم اعتَنك البعيرُ إذا ارتطم في رمْل لا يقْدر عَلَى الخلاص منه ولا أراه محفوظا.
__________
1 ذكر الهيثمي الفقرة الأخيرة: "لا قَلِيلَ مِنْ أَذَى الْجَارِ" في مجمعه 8/170 وقال: رواه الطبراني وأخرج البخاري في الأدب المفرد قصة شبيهة بهذه عن عائشة. انظر فضل الله الصمد 1/212.
2 في الفائق 3/33: ويجوز أن يكون التعنيق بمعنى التخييب من العناق وهو الخيبة. ولو روى: تعنفيها "بالفاء" من العنف لكان وجها.

(1/339)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَبْسُطَ 1 اللَّهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ قَالا: نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك.
__________
1 ت: "أن يبسط له في رزقه".
2 أخرجه البخاري 3/73 ومسلم 4/1982 وأبو داود 2/133 وغيرهم.

(1/339)


قوله: يُنسَأ في أَثَره ومعناه يُؤَخَّر في أجله وسُمِي الأجّلُ أَثَرًا لأنه تابعُ الحياة وسائِقُها. قَالَ كَعْبُ بنُ زُهَيْر:
يَسْعَى الفتَى لأُمُورٍ ليس يُدْرِكُها ... والنَفْسُ وَاحِدَةٌ وَالَهمُّ مُنْتَشرُ
والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ له أمَلٌ ... لا تَنْتَهِي العَينُ حتى يَنْتَهِي الأثَرُ1
__________
1 شرح الديوان /299.

(1/340)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُجَارِ أَخَاكَ وَلا تُشَارِهِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ أنا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ عَمْرٍو يَرْفَعُهُ.
قوله: "لا تُجارِ أخاك" هُوَ من الجِراء في الخيْل وهو أن يتجارى الرجُلان للمسابقة يقول: لا تطاوِلْه ولا تُغالبْه ويروى عن بعض الحكماء أنّه سئل ما الحِلْمُ فَقَالَ أن تكون ذا أناةٍ وأن تلاين الولاة فقيل: ما الخُرْق قَالَ: مجاراةُ أميرك ومُمَارَاةُ مَنْ يَضِيرك.
وقوله: "لا تُشارِه" أي لا تلاجِّه يقال: قد اسْتشْرى الرجلُ إذا لجَّ في الأمر فإن شددته كان وزنه مُفاعلةً من الشّرّ قَالَ الأصمعيّ: سأل أبو الأسود الدّؤلي عن رجل فَقَالَ: ما فَعلَتِ امرأتُه التي كانت تُشارّه وتُهارُّه وتزاره وتماره فتُشارُّه من الشَّرِّ وتُهارُّه من الهَرِيرِ وتُزارُّه من الزَّرِّ وهو العَضُّ وتُمارُّه معناه تَلَوّى عليه ومنه الشيء المُمَرُّ وهو المَفْتُول.
__________
1 كذا في الفائق 1/203 بتخفيف الراء في الكلمتين وقال الزمخشري: "ورويا متشددين". وفي النهاية 1/258 بتشديد الراء فيهما ... ويروى بتخفيف الراء من الجري والمسابقة وذكره السيوطي في الجامع الصغير 6/389 وعزاه لأبي الدنيا في ذم الغيبة.

(1/340)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي تَرْوِيهِ قَيْلَةُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "أَيُغْلَبُ أُحَيْدُكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه مَا هُوَ بِهِ أَوْلَى اسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ رَبِّ أُسْنِي مَا أَمْضَيْتَ وَأَعِنِّي عَلَى مَا أَبْقَيْتَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ قَالُوا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا عُلَيْبَةَ أَنَّ قَيْلَةَ أَخْبَرَتَهُمَا بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: "أُسْنِي" مَعْنَاهُ عَوِّضْنِي. وَالأَوْسُ الْعِوَضُ.
قَالَ رُؤْبَةُ:
أُسْنِي فقَدْ قَلَّتْ رِفَادُ الأَوْسِ2
وَيُقَالُ: أَنَا أَسْتَئِيسُ3 اللَّهَ مِنْكَ أَخًا أي أَسْتَبْدِلُهُ بِكَ أَخًا وَاللَّهُ مُسْتَأَسٌ أَيْ مُسْتَعَاضٌ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
لَبِسْتُ أُنَاسًا فَأَهْلَكْتُهُمْ ... وَأَفْنَيْتُ بَعْدَ أُنَاسٍ أُنَاسَا
ثَلاثَةُ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهُمْ ... وَكَانَ الإلَهُ هُوَ الْمُسْتَآسَا4
وَرُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ الْمُقْرِي فَقَالَ رَبِّ أثبني مكان قوله: أسني
__________
1 ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة 4/391-393 في ترجمة قيلة: بلفظ: "إحداكن أن تصاحب" وبلفظ: "رب أنسني ما أمضيت" وعزاه للطبراني وابن مندة.
2 الديوان /74 وقبله: "ياقائد الجيش وزين المجلس".
3 م: "اسنيأس".
4 الديوان /77, 78 واللسان أوس

(1/341)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ سَمِعْتُ جَدَّتَّي صَفِيَّةَ وَدُحَيْبَةَ ابْنَتَيْ عُلَيْبَةَ عَن قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ فَقَالَ1: "رَبِّ أَثِبْنِي عَلَى مَا أَمْضَيْتَ وَأَعِنِّي على ما أبقيت".
__________
1 م: "فقالت".

(1/342)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَوْلٍ لا يُسْمَعُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ نا الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ.
قوله: "لا يُسْمَع" أي لا يُجابُ ولا يُقْبَلُ. ومنه قول المُصَلّي سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه معناه الدُّعاءُ بقَبُولِ الحَمْد واستجابةِ الدُّعاء. قَالَ شُتَيرُ بن الحارث الضّبيّ:
دَعَوْتُ الله حتّى خِفْتُ ... أَلا يكونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ2
قَالَ أبو زَيْد معناه يَقبَل ما أَقولُ. وعلى هذا المعنى يُتأوَّل قولُهُ تعالى: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} 3. يريد والله أعلم الكُفّارَ أي إنك لا تقدِرُ أن تَهْدِيَهم وتوفقَهم لقبول الحق وقد كانوا يسمعون كَلامَ الله بآذانِهم إذا تُلِي عليهم إلا أنهم إذ لم يقْبلُوهُ4 صاروا كأَنْ لم يسمَعُوه. قَالَ الشاعر:
أصَمُّ عَمَّا ساءه سميع5
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 10/439 والنسائي 8/264 وأحمد 3/192, 255, 283 وغيرهم.
2 اللسان "سمع".
3 سورة الروم: 52.
4 س: "إلا أنهم إذا لم يقبلوه" والمثبت من م.
5 اللسان والتاج "صمم".

(1/342)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا" 1.
فيه قولان: أَحدُهُما أن يكون معنى الوراثة فيهما أن تبقَى صحَّتهُما عند ضعْف الكبَر فيكونا وارثي سائرِ الأَعضاء والباقِيَيْن بعدها.
وقال نَضْر بن شُمَيْل: معناه أَبقِهما معي حَتَّى أَمُوت. وقال غيره: أراد بالسَّمع وَعْيَ ما يسمَع والعَمَل به وبالبصر الاعتبار بما يرى ويبصر2. والآخر أن يكون دعا بذلك للأعقاب والأولاد والأَولُ أَصحُّ.
وقوله: "واجعلهُ الوارث" بلفظ الواحِد وقد تقدّم ذكر الأَسْماع والأَبصار بلفظ الجماعة فيه وجهان أحدهما أن تكون الهاء راجعة إلى ضمير الفِعْل وهو الاستِمْتاع3 بهما. والوجْهُ الآخر أن تكون الإشارة بها إلى واحدٍ واحدٍ من كلِّ سَمْعٍ ومن كلّ بَصَر. قال الشاعر:
إن شرخ الشبهاب والشعر الأس ... ود ما لم يعاص كان جُنُونا4
ولم يَقُلْ: يُعاصَيَا لأنّه أرادَ ما لم يُعاص كل واحد منهما.
__________
1 أخرجه الترمذي 5/528 وعبد الرزاق في مصنفه 10/441 بلفظ: "بسمعي وبصري" وغيرهما.
2 ساقط من ط.
3 م: الاستماع.
4 اللسان والتاج "شرخ" وعزي لحسان بن ثابت وهو في ديوانه /252.

(1/343)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاعِ وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَيَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصدقة1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/3 وفي الأدب 4/255 والإمام أحمد 6/58, 222.

(1/343)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ قَالا نا شريك عن أبي الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
التِّلاعُ: جَمْعُ تَلْعَةٍ وهي مَسِيل الماءِ من فوق إلى أسْفل. ويُقال لِمَا ارتفع من الأَرض تَلعَةٌ وكذلك لما انخفض منها. والبَداوةُ الخُروجُ إلى البادية وفيها لَغَتان قَالَ أبو زَيْد البِداوة والحِضارة بالكَسْر. وقال الأصْمعيّ البَداوة والحَضارة بالفَتْح وأنشد:
فَمن تَكُن الحَضَارَةُ أعجَبْتهُ ... فأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرانَا1
والناقةُ المُحرَّمة: هي التي لم تُرْكَبْ ولم تُذلَّل ويقال سَوْطٌ مُحرَّم وهو الَّذِي لم يُكْمَل دِباغُه قَالَ مالك بن خُرَيْم:
فإنّ قليلَ المالِ للمرءِ مُفْسِدٌ ... تحزُّ كما حَزَّ القَطِيعُ المُحرَّمُ2
وذلك أنه إذا لم يُبالَغْ في دباغه كان أشدَّ لضرْبه. ويقال أَعْرابيّ مُحرَّم إذا لم يُخَالط أهلَ الحَضَر قَالَ أبو العَبَّاس ثَعْلَب: قَالَ أبو عُبَيْدة أنشد الأخفَشُ أبو الخطّاب أَبَا عَمْرو بن العلاء:
قالت قتيلة: ما له قد ... جُلِّلَتْ شَيبًا شوَاتُهْ3
قَالَ أبو عُبَيدة: قَالَ أبو عَمروٍ لأَبِي الخَطَّاب لمّا أنشده شواته صَحَّفْتَ إنما هي سَرَاتُه ولكنّك رأيت الراءَ منتفِخَةً فصيَّرتَها واوًا قَالَ فغَضِب أبو الخَطَّاب وأَقْبل عليَّ فَقَالَ بل هُوَ شَواتُه وإنّما هُوَ الَّذي صَحَّف وقال:
__________
1 اللسان والتاج "حضر" وعزي القطامي وهو في ديوانه /76 برواية: "فأي أناس بادية ترانا".
2 حماسة المرزوقي 3/171.
3 اللسان والتاج "شوا". ونسب للأعشى ولم أقف عليه في ديوانه ط دار مصادر وعزي لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان في شرح مايقع فيه التصحيف والتحريف 73, 74.

(1/344)


والله لقد سمعتُ هذا باليَمامة من عِدّةٍ من الناس
قَالَ أبو عُبَيْدة: فأخذنا بقول أبي عمرو فَما مَضَت إلا أيّامٌ حتّى قدم علينا رَجلُ مُحرَّمٌ من آلِ الزُّبيْر فسمعْته يُحدِّث بحديثٍ فَقَالَ اقشعرّت شَواتِي فَعلِمت أنّ أبا الخطّاب وأبا عمرو أَصابَا جميعًا وسَراةُ كلّ شيء أعلاه.

(1/345)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ وَتَقَعُ مِنَ الْجَائِعِ مَوْقِعَهَا مِنَ الشَّبْعَانِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَسْوَاسُ2 نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
قوله: "تقع من الجائع موقعها من الشّبعان" يُتأَوَّل عَلَى وجْهَيْن أحدهما أنّ شِقّ التَّمرة لا يُغني من جُوعٍ ولا يَبِينُ له كبيرُ مَوْقِع3 من الجائع إذا أكله كما لا يَبِين أثرُه عَلَى الشبْعان إذا تناوَله يقول فلا تَعجِزوا أن تَتَصدَّقوا به مع قِلّةِ خَطَره وعدَم غَنائِه. والوَجْهُ الآخر أن هذا القَدْرَ من الطّعام وإن كان يسيرًا فإن فيه عَلَى قِلَّتِهِ ما يمسك من الرمق كما أن له أن يكِظّ عَلَى الشِّبَع يقول: فلا تستَقِلُّوا من الصدقة شيئًا وإن قَلَّ فإنّ القليلَ منه إذا اجتمع إلى مثله لم يلبث أن يُشْبِع الجائع.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 3/105 وقال: رواه أبو يعلى والبزار.
2 س: "الوساوسي" والمثبت من ت, م, ط, ح.
3 س: "موضع".

(1/345)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَمْدُ رَأْسُ الشُكْرِ مَا شَكَرَ اللَّهَ عَبْدٌ لا يَحْمَدُهُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ تَحَدَّثَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو عن رَسُول الله.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الحمد: نوع والشُكر جِنْس فكلّ حَمْدٍ شُكْرٌ وليس كل شُكْرٍ حمدًا. وهو عَلَى ثلاث منازل شُكرُ القَلْب وهو الاعتقاد بأن الله وليّ النِعَم قَالَ الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} 2.
وشُكْرُ اللسان وهو إظْهارُ النِّعْمة بالذِّكْر لها والثَّناءِ عَلَى مُسْدِيها. قَالَ الله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 3 وهو رأس الشكر المذكور في الحديث وشكر العمل وهو إدآب النفس بالطاعة قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} 4. وقام رَسُول الله حتى تَفطَّرت قدماه فقيل له يا رَسُول الله أليس قد غَفَر اللهُ لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخَّر قَالَ: "أفلا أكونُ عَبدًا شَكُورًا". وقد جمع الشَّاعُر أنواعَه الثلاثَة فَقَالَ:
أفادَتْكم النَّعْماءُ مِنّي ثلاثةً ... يَدِي ولِسانِي والضَّمِيرَ المُحجَّبا
ويقالُ: إنّ الحمدَ ما كان على غير مقابلة والشُّكرَ عن مقابلة5
__________
1 مصنف عبد الرزاق 10/424 وذكره السيوطي في الجامع الصغير 3/418 وعزاه أيضا للبيهقي.
2 سورة النحل: 52.
3 سورة الضحى: 11.
4 سورة سبأ: 13.
5 كذا في س ولم يرد في ت, م, ط, ح وجاء في الفائق للزمخشري "حمد": الشكر لايكون إلا على نعمة وهو مقابلتها قولا وعملا ونية وذلك أن يثني على المنعم بلسانه ويدئب نفسه في الطاعة له ويعتقد أنه ولي النعمة ... وأما الحمد فهو المدح والوصف بالجميل وهو شعبة واحدة من شعب الشكر وإنما كان رأسه لأن فيه إظهار النعم والنداء عليها والإشادة بها. والبيت في الفائق دون عزو.

(1/346)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِشَكْوَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: خَرَجَ عَلَى حِمَارِهِ يَعْفُورَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَدِيفُهُ فَمَرَّ بِمَجْلِسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ إِنَّمَا هِيَ سِبَاخٌ وَبَوْغَاءُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ جَاءَتِ الْعَجَاجَةُ فَجَعَلَ ابْنُ أُبَيٍّ طَرَفَ رِدَائِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ يَذْهَبُ مُحَمَّدٌ إِلَى مَنْ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ بِلادِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَكَانَ قُدُومُهُ كَثَّ مِنْخَرِهِ فَلا يَغْشَاهُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الأصمعيُّ: البَوغاءُ التُرْبةُ الرِّخوةُ التي كأنها ذَرِيرة قَالَ أبو زيْد: الدَّقعاءُ والتَّرباءُ والثَّرياءُ التُراب وأُراه قَالَ اللَّيِّن قَالَ عمُر بن أبي ربيعة:
في ظلّ دَانِيَةِ الغُصُون ... وريقَةٍ نبتَتْ بأبْهِر طَيِّب الثَّرْياء2
وقوله: كَثَّ مِنْخَرِه إنما هُوَ بمنزلة قولك رَغْم أنفِه قَالَ الشاعر:
ومَولاكَ لا يُهْضَم لَدَيْك فإنّما ... هَضِيمةُ مَولَى القَومِ كَثُّ المَناخِر
وأُرَى أصْل هذا من الكَثْكَث وهو التُّرابُ يقال للكاذب بِفِيه الكَثْكَثُ والكِثْكِثُ يقال ذَلِكَ بفَتْح الكَاف وكَسْرِها وحكى اللحياني عن أعرابي فصيح أنَّ رجلًا قَالَ له ما تصنع بي قَالَ ما كَتَّك وأرغمك هكذا قَالَ بالتاء التي هي أخت الطاء ويشبه أن يكونا لغتين3 وإنما سُمِّي حِمارُه اليَعْفُور لعُفرةِ لونِهِ والعُفْرةُ حُمرةٌ يخالطها بياضٌ يقال: أعفر
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وهو في النهاية 1/162.
2 الديوان /467.
3 من ت, م.

(1/347)


ويعْفورٌ وأخضَرُ ويخْضُور وأَصفَر ويَصْفُور وأَحَمُّ ويَحْموم قَالَ الشاعر:
عيدانُ شَطَّي دِجْلةَ اليَخْضُورِ

(1/348)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ أَصْلٌ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْعَلْ لَهُ بِهَا أَصْلا وَلَوْ قَصَرةً" 1.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ2 نا كَثِيرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
أراد بالقَصَرة النَّخْلةَ وتُجمع عَلَى القَصَر والقَصَرات. وقرأ الحسنُ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} 3 فسروه كأعناق النخل.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 3/301 بدون لفظ: "ولو قصرة". وعزاه للطبراني في الكبير.
2 ساقطة من ح.
3 سورة المرسلات: 23.

(1/348)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا يَحْكِي 1 عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى: "إِنَّمَا بَعَثْتُكَ أَبْتَلِيكَ وَأَبْتَلِي بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ وَرْدَانَ3 الدِّمَشْقِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ نا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ4 عَنْ قَتَادَةَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المجاشعي.
__________
1 ح: "حكى".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/162, 266.
3 م, س, ط, ح: "قردان" وفي هامش س: صوابه "وردان" وكذلك في ت.
4 تقريب التهذيب 2/319: "الدستوائي" بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد.

(1/348)


قوله: لا يَغسِلهُ الماء يريد أَنَّ القرآن وإن مُحي رَسمُه بالماء وغُسِل لم يذهب عن الصُّدُور ولم يُنْسَخْ حِفظُه من القلوب وكان أهلُ الكتب المتقدّمة لا يكادُ الواحدُ منهم يجمع كتابَه حِفْظًا بقَلْبه ويقال: إن اليهودَ إنّما قالت الفِرْيَة والقَوْلَ المُنْكَر في عُزَيْر تَعجُّبًا منه حين استدركَ التَّوراة حِفْظًا وأَملاها عَلَى بني إسرائيل من ظَهْر قلبِه بعد ما درسَتْ في عهد بُخت نَصَّر فأما هذه الأمّة فقد منَّ الله عليهم بأنْ يَسَّر لهم ذِكْرَ الكتاب وتكفَّل بحفظه عليهم فَقَالَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
وقوله: تقرؤُه نَائِمًا وَيقظَانَ معناه والله أعلم تَجمَعُه حِفظًا وأنت نائم كما تجمعُه وأنتَ يَقظانُ من قولهم قرأت في الحوضِ أي جَمعتُه فيه وما قرأت النافة جنينا أي رحمُها عَلَى ولدٍ قَالَ الشاعر:
ذِراعَي عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ ... هجانِ اللون لم تَقرأ جنينًا2
وقال حميد بن ثور:
أراها غلاماها الخلا فتَشَذَّرت ... مِراحًا ولم تقرأ جنينا ولا دما3
__________
1 سورة الحجر: 9.
2 اللسان والتاج "عطل" وعزي لابن كلثوم وهو في شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر الأنباري /380.
3 الديوان /21.

(1/349)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ كَانَ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يَحُشُّ عَلَيْهَا فِي بَيْدَاءِ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذ عدا عليه ذئب فانتوع شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَجَهْجَأَهُ الرَّجُلُ فرماه بالحجارة ختى الستنفذ مِنْهُ شَاتَهُ.1 وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي كلام الذئب.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/88, 89 بلفظ: "يهش" وذكره الهيثمي في مجمعه 8/291 كذلك وعزاه للبزار أيضا وأخرجه ابن حبان بنحوه كما في الموارد /519.

(1/349)


يَرْوِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ1.
قَالَ: فَقَالَ الذِّئْبُ: أَمَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ أَنْ تَنْتَزِعَ مِنِّي شَاةً رُزِقْتُهَا فَقَالَ الرَّجُلُ تَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ2 كَالْيَوْمِ قَطُّ فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الرَّسُولُ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا خَلا وَيُحَدِّثُهُمْ بِمَا هُوَ آتٍ فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ قَوْلَ الذِّئْبِ سَاقَ غَنَمَهُ يَحُوزُهَا حَتَّى جَاءَ الْمَدِينَةَ.
قوله: يحُشُّ عليها إنّما هُوَ يَهُشُّ بالهاء. والهِشُّ أن تُضْرب أغْصانُ الشجرة بِعصًا حتى يَتَحاتَّ ورقُها فتَرعاه الغنم ومنه قوله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} 3. والهاءُ والحاءُ أُختان في قُربِ المخرج.
وقَولُه: جَهْجَأَه إنما هُوَ جَهْجَهَه أَبدَل الهاءَ همزةً يقال جَهْجَهْتُ السَّبُعَ إذا زجَرْتَهُ. قَالَ عمرو بنُ الإِطنَابَة:
والضارِبيْن الكَبْشِ يَبْرِقُ بَيْضُهُ ضرْب ... المُجَهْجِهِ عن حِياض الآبِل
وفيه لغة أخرى هَجْهَجْتُ وهو في زَجْر الإِبل أكْثر. وأمّا الغَنمُ فإنما يقال في الزَّجْر لها: حاحَيْتُ قَالَ امرؤ القيس:
قَومٌ يُحَاحُون بالبِهِام ونس ... وان صِغارٌ كهَيئَة الحَجِلِ4
وقوله: يحوزها أي يسُوقُها قَالَ الشاعر:
يَحُوزُهُنَّ وله حوزي5
__________
1 راجع مسند أحمد 3/88.
2 ساقط من نسخة ط من هنا نحو ست صفحات من حجم الفلوسكاب.
3 سورة طه: 18.
4 الديوان /348 برواية: "زنسزان قصار".
5 اللسان والتاج "حوز, حوذ" وعزي للعجاج وهو في ديوانه /332 برواية: "يحوذها وهو لها حوذي". وفي اللسان "حوز": قال ابن سيدة: والمعروف "يَحُوزُهُنَّ وله حُوزيُّ".

(1/350)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ صَعَّارٍ مَلْعُونٌ" 1.
ذَكَرَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وفَسَّره فَقَالَ هُوَ النَّمّام وفيه وجْهٌ آخر وهو أنَّ الصَّعَّار ذو الكِبْر والأُبّهة لأنه يميل بخدّه ويُعرضُ عن الناس بوَجْهه قَالَ اللهُ تَعالَى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} 2.وقال بِشْرُ بن أبي خَازِم:
ألا يا عَيْن فابْكي لي سُميْرًا ... إذا صَعِرَتْ من الغَضَب الأُنُوفُ3
وسُمَيْرٌ: أخوه. قَالَ المُتلّمس:
وَكُنَّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خدَّه ... أَقَمْنَا له مِن مِيله فتَقوَّما4
ورواه أبو إسحاق الزَّجّاج ضَفَّارٌ قَالَ: ومعناه النَّمَّام مشتقٌ من الضَّفْز وهو شَعِير يُجَشُّ ليُعْلَفَه البعيرُ
وقيل للنَّمَّام ضَفّاز لأنه يُزوِّر القولَ كما يُهيّأ هذا الشعير لعلف الإبل5.
__________
1 النهاية صعر 3/31.
2 سورة لقمان: 18.
3 الديوان /151 برواية: "ألا ياعين ما فابكي سميرا".
4 الديوان /24.
5 ساقط من ح.

(1/351)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنَّهُ أَفْحَجُ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَتْ بِنَاتِئَةٍ وَلا جَحْرَاءَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ نا بَقِيَّةُ حدثني
__________
1 أخرجه أبو داود وأحمد بنحوه 5/324.

(1/351)


بَحِيرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ1 عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
قَالَ الأصمعي: الفَحَجُ تَباعُدُ ما بَيْن الفَخِذين. يقال: رجل أَفحَجُ. قَالَ: فإذا كَثُر لحم الفخِذيْن فتباعد ما بينهما فذلك البدَدُ ورجلٌ أبدُّ وامرأةٌ بَدّاءُ.
وقوله: مطموسُ العَيْن أي ذاهِبُ البَصَر من غير بَخَقٍ ويقال: إنّه إنّما سُمّي مَسِيحًا لأنه مَمْسُوحُ البَصَر من إحدى عَينيْه. جاء فَعِيل بمعنى مفعول.
وقوله: ليست بناتئة ولا جحراءَ يريد أنّها ليست بمُنْجحرةٍ غائرة.
ورواه نُعَيْم بنُ حَمَّاد عن بَقِيَّة بنِ الوليد فَقَالَ حَجراء الحاء قبل الجِيم هكذا حدثناه الأصم نا الصّغاني2 نا نُعَيم عن بقِيّة فإن كان محفوظًا فمعناه أنّها ليست بصُلْبة متحجرة لكنها رخوة لينة.
__________
1 ت: جنادة بن أمية "تحريف". وفي التقريب 1/134: جنادة بضم أوله ثم نون ابن أبي أمية الأزدي أبو عبد الله الشامي مختلف في صحبته فقال العجلي: تابعي ثقة والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في الاسم وكنية الأب. ورواية جنادة الأزدي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في سنن النسائي ورواية جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عبادة بن الصامت في الكتب الستة.
2 ت, م, ح: محمد بن إسحاق الصغاني.

(1/352)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ جَائِزَتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَلا يَثْوِي عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكعبي.
__________
1 أخرجه البخاري 8/39 وأبو داود 3/342 والترمذي 4/345 وابن ماجه 2/1212 وغيرهم.

(1/352)


قوله: جائزته يومَهُ وليلَتَه تفسيره ما قَالَ مالك أخبرني محمد بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أبو داود عن الحارث بن مسكين عن أَشْهَب قَالَ سُئِل مالك بن أَنَس عن قوله: "جائزَتُه يَومَه وليلَتَه" قَالَ يُكرِمُه ويُتحِفه ويَخُصُّه يومًا وليلة وثلاثة أيام ضيافة قسم أَمَره إلى ثلاثة أَقْسام إذا نزل به الضَّيفُ أَتحفَه في اليَوْم الأَوَّل وتكلَّف له عَلَى قدْر وُجْدِه فإذا كان اليومُ الثّاني قدّم إليه ما يَحْضُره فإذا جاوز مُدَّةَ الثّلاث كان مُخَيّرًا بين أن يتِمّ عَلَى وَتَيرتِه وبَيْن أن يُمْسك وجعله كالصَّدَقة النَّافِلة وقوله: لا يَثْوِي عنده حتى يُحْرجَهُ فإن الثّواءَ الإقامةُ بالمكان يقول لا يُقيم عنْدَه بعد الثلاث حتّى يُضَيِّق صَدْرَه وأصل الحَرَج الضِّيق وقد روي في هذا الحديث من طريق عَبْد الحميد بن جعفر: "ولا يَحِلّ لأحدِكم أن يُقيم عنْد أَخِيه حتى يُؤثِمَه" قَالُوا وكيفَ يُؤثِمُه؟ قَالَ: "يُقِيم عندَه وليس عنده شيءٌ يَقْريه" 1. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" 2.
قَالَ أبو سليمان وأَنَا أُنكِر هذا التفسيرَ وأُراه غَلَطا وكَيفَ يأثَم في ذَلِكَ وهو لا يتَّسع لِقِراه ولا يَجِد سَبِيلًا إليه وإنما الكُلْفَةُ عَلَى قَدْر الطَّاقة
قَالَ الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} 3
وَوجْه الحديث أَنَّه إنّما كَره له المقام عند بعد الثَّلاث لئَلَّا يَضيق صَدْرُه بُمقامِه فتكونَ الصَّدَقَة منه عَلَى وَجْه المَنّ والأَذَى فيُبْطل أَجْرُه قَالَ اللهُ تَعالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} 4.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/176 بلفظ: "وعلى الضيف أن يرتحل ولا يؤثم أهل منزله". وقال: رواه أبو داود باختصار ورواه أبو يعلى والبزار.
2 أخرجه البخاري 8/13 وغيره.
3 سورة الطلاق: 7.
4 سورة البقرة: 264.

(1/353)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْغُلُوطَاتِ وَيُرْوَى الأُغْلُوطَاتِ1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَيْرَكَ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيِّ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ الأوزاعيّ هي صعاب المسَائل.
الغَلُوطَاتُ: جَمْع غَلُوطَةٍ: وهي المسألة التي يعيا بها المسؤول فَيغْلَطُ فيها كرِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُعْتَرضَ بها3 العلماء فيُغَالَطُوا ليُسْتَزلُّوا ويُسْتَسْقَط رأيُهُم فيها. يقال: مسألة غلوط إذا كان يُغْلَطُ فيها كما يُقال شاةٌ حَلُوبٌ وفرسٌ رَكوبٌ إذا كانت تُركب وتُحْلَبُ فإذا جَعَلْتَها اسْمًا زِدْتَ فيها الهاء فقلتَ غَلُوطَةٌ كما يُقال رَكُوبَةٌ وحَلُوبَةٌ وتجمَع عَلَى الغَلُوطات كما تُجمَعُ الحَلُوبَةُ عَلَى الحَلُوبات قَالَ الشاعر:
أَوْدَى الزمانُ حَلوبَاتِي ومَا جَمَعت ... كفَّايَ من سَبَد الأَمْوالِ واللَّبَدِ
والأُغْلُوطَةُ أفْعُولَةٌ من الغَلَط كالأحدوثة والأحموقة ونحوهما.
__________
1 أخرجه أبو داود 3/321 وأحمد 5/435.
2 س: "عن عبد الله بن سعهد الصناجي" وفي م وسنن أبو داود ومسند أجمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عن الصناجي.
3 ت: يعترض فيها.

(1/354)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا عَلَى عُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى فَقَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلابِكَ" فَخَرَجَ عُتَيْبَةُ فِي تَجْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا بِمَكَانٍ مِنَ الشَّأْمِ يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلا فَعَدَا عَلَيْهِ الأسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَدَغَهُ1.
__________
1 ذكره السيوطي في جمع الجوامع 2/804 وعزاه لابن عساكر في تاريخه.

(1/354)


يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ الْعَلاءِ عَنْ سعيدَ بن أبي عَروُبة عن قَتَادَةَ.
الضَغْمُ شِدَّةُ العَضِّ عَلَى الشَّيء والتَّناوُل له بالأسنان وبه سُمِيّ الأَسَدُ ضَيْغمًا قَالَ رُؤبَةُ يَصِف بَعِيرًا:
أَشْدَقُ يَفْتَرُّ افْتِرارَ الأَفْوَهِ ... عَن عَصِلات الضَيْغَمِيِّ الأَجْبَه1
العَصِلاتُ: الأَسْنَانُ العوجُ2.
والضَيْغميُّ الشَدِيدُ العض ويحكى أن كثيرا دخل عَلَى عَبْد الملك بن مروان وعنده الأَخْطل فأنشدَه فالتفَت عَبْد الملك إلى الأخطل فقال: كيف ترى فَقَالَ: حِجازيٌّ مُجوَّعٌ مَقرُورٌ دَعْني أضْغَمْه يا أمير المؤمنين فَقَالَ: كُثيّر مَنْ هذا يا أمير المؤمنين فَقَالَ هذا الأخطل فَقَالَ له فَهلا ضَغَمْتَ الّذي يقول:
لا تطلبن خؤولة في تَغلبٍ ... فالزَّنْجُ أَكْرَمُ مِنْهمُ أَخْوَالَا3
فسَكتَ الأَخْطَلُ وما أَجابَه بحرْف.
وقوله: فَدغَه أي شَدِخه. والفدغ: الشدخ.
__________
1 الديوان /166.
2 ط: "الأسنان المعوجة".
3 القائل جرير وهو في ديوانه /363.

(1/355)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي الَّذِي يَرْوِيهِ الأَعْمَشُ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قال: "زينوا القرآن بأصواتكم" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود 2/74 والنسائي 2/179 وابن ماجه 1/426 والدارمي 2/474 وأحمد 4/283, 285, 296, 304 والحاكم في المستدرك 1/572.

(1/355)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو1 دَاوُدَ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
قوله: "زَيّنُوا القرآن بأصْوَاتِكم" المَعْنَى زَيّنوا أَصواتَكم بالقُرآن فقدّم الأصوات عَلَى مذهبهم في قَلْب الكَلام وهو كَثِير في كلامهم.
يقال: عَرضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الحوض أي عرضْتُ الحَوضَ عَلَى النَّاقةِ وإذا طلعت الشِّعْرى واستَوى العُودُ عَلَى الحِرباءِ أي استوى الحِرباءُ عَلَى العود قَالَ الشاعرُ2:
وتُركَبُ خَيلٌ لا هوادة بَيْنَها ... وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرَة الحُمْرِ
وإنّما هُو تَشْقَى الضّيَاطِرَةُ بالرِّمَاحِ.
وقال الفرزدق:
غَداة أحلَّتْ لابنِ أَصْرَم طَعْنةً ... حُصْينٍ عَبيْطاتُ السَّدائف والخُمْرُ3
روى الأَثْرمُ عن أبي عُبَيْدة أنه حضر يُونُس والكِسائي فأَلقاهُ يونُسُ عَلَى الكسائيّ فرفَع الكِسائيُّ الطَّعْنةَ ونَصبَ العَبِيطات ورفَع الخمرَ فَقَالَ يونس للكسائي: لِمَ رفعتَ الخمرَ فَقَالَ: أردْت وحلّتْ له الخَمْر فَقَالَ يونس ما أحسن ما قلت ولكن سَمِعْت الفرزْدقَ يُنشِده فنصب الطعنة
__________
1 م: ابن داود "تحريف".
2 اللسان "ضطر": هو خداش بن زهير والرواية في اللسان: "وتركب خيلا لاهوادة بينها". وقال ابن سيدة: يجوز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم: أي أنهم لا يحسنون حملها ولا الطعن بها ويجوزون على القلب: أي تشقى الياطرة الحمر بالرماح يعني أنهم يقتلون بها. والهوادة: المصالحة والموادعة. والضيطار: التاجر لايبرح مكانه وقيل: الضوطري: الحمقى. قال ابن سيدة: وهو الصحيح ويقال للقوم إنما كانوا لا يغنون غناء: بنو ضوطري.
3 الديوان 1/254.

(1/356)


ورفع العَبِيطات والخَمْر جعل الفاعلَ مفعولًا والمفعولَ فاعلًا كقول الآخر:
كانت عُقُوبَةَ ما فَعلْتَ كما ... كان الزناء عُقُوبةَ الرِّجْمِ1
وإنما هُوَ كما كان الرجم عقوبة الزنى.
وإنما تأوّلْنا الحديثَ عَلَى هذا المعنى لأنّه لا يجُوزُ عَلَى القرآن وهو كَلامُ الخالقِ أن يُزيّنَه صَوْتُ مَخْلوقٍ بل هُوَ بِالتَّزْيين لغَيْره والتَّحْسين له أَوْلى.
وقد تَوقَّى هذه الرِّوايَة قَومٌ لأَنَّ فيه إثبات مَذْهَب من يقول باللَّفظ.
وأخبرنا ابنُ الأعرابيّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مَعِين نا أبو قَطَن عن شُعْبَةَ قَالَ: نَهانِي أَيّوبُ أنْ أُحدِّث: زَيّنوا القُرآنَ بأصواتكم ورواه مَعْمَرٌ عن منصور عن طلحةَ فقدّم الأصْواتَ عَلَى القُرآن.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ البراء أن رسول الله قَالَ: "زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ" 2.
وَهَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَقْدِيمِ الأَصْوَاتِ عَلَى الْقُرْآنِ. والمعْنى أَشْغلُوا أَصْواتَكُم بالقرآن والهَجُوا بقراءَتِه واتَّخِذوه زينةً وشِعارًا ولم يُردْ تطريبَ الصوْت به والتَّحزِينَ له إذ ليس
__________
1 اللسان "زنى" وعزي للجعدي برواية:
كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناء فريضة الرجم
وهو في شعر النابغة الجعدي /235 برواية: كانت فريضة ما أتيت كما.
2 أخرجه عبد الرزاق 2/485 والحاكم في المستدرك 1/572.

(1/357)


هذا في وُسْع كلِّ أحد فلعلّ من الناس مَنْ إذا أراد التَّزْيين له أَفضَى به إلى التَّهْجِين وإنما المعنى في ذَلِكَ ما ذكرناه لقوله:
"ليسَ مِنّا مَنْ لم يتغَنَّ بالقُرآن" 1 إنّما هُوَ أن يَلْهَج بتلاوته كما يَلْهَج الناسُ بالغِناء والطَّرَب عليه وإلى هذا المْعنى ذَهَب ابنُ الأعرابيّ صاحُبنا.
أخبرني إبراهيمُ بن فِراسٍ قَالَ سألْتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا فَقَالَ: إنّ العرب كانت تتغَنَّى بالرُّكْبَاني وهو النَّشيد بالتَّمطِيط والمَدِّ إذا رَكِبت الإِبل وإذا تبطَّحت2 عَلَى الأرْضَ وإذا جَلَسَتْ في الأَفْنِية وعلى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحبَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون القرآن هِجِّيراهُم3 مكان التغني بالركباني.
__________
1 أخرجه البخاري في التوحيد 9/188 وغيره.
2 ط: "انبطحت".
3 القاموس "هجر": يقال هذا هجيراه: أي دأبه وشأنه.

(1/358)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَحْشٌ فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ لَعِبَ وَجَاءَ وَذَهَبَ فَإِذَا جَاءَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ1.
حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ أَبُو عَلِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ.
قوله: لم يترمْرَمْ معناه لم يتحرّك ولم يبْرح مكانَه قَالَ حُميْدُ بن ثوْر:
صَلْخَدًا لو أنَّ الجِنَّ تَعْزِفُ تَحْتَه ... وضَرْبَ المغني دفه ما ترمرما2
__________
1 أخرجه أحمد 6/113, 150 بلفظ: "لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد دخل ربض".
2 الديوان /11. برواية:
صَلْخَدًا لو أنَّ الجِنَّ تَعْزِفُ حوله ... وضرب المغني والصدى ما تَرمْرَما

(1/358)


وقد يُحْتَمل أن يكون هذا مبْنِيًّا من رَامَ يَرِيم إذا برح المكانَ إلا أَنَّ التَّكْرِيرَ أكثَرهُ إنَّما يَجْري في المُضَعَّفِ دُونَ المعتل وقد جاء في أحرف إلا أنّها يَسِيرة ويقال في مَثلٍ تَعَظْعَظِي ثُمَّ عِظِي1 ويقال: خَضْخَضْتُ الإناء وأصْله من خُضْتُ. ونَخْنَخْتُ البَعِيرَ إذا أنخْتَه. وقد يكون تَرَمْرَم بمعنى تحرّكَت مِرَمّتُه بالصَّوت أو بالقضْم أو نَحوِ ذَلِكَ قَالَ الشاعر:
ومُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى من أناتِنا ... وَلو زَبنَتْهُ الحَرْبُ لْم يَتَرمْرَمِ2
أي لم ينطق.
__________
1 غريب الحديث لابن قتيبة 1/227 تقول العرب في مثل لها: "تعظعظي ثم عظيني". وقال الأصمعي: لا تعظيني وتعظعظي من الوعظ ولا أعلم أنه جاء له في مثل. وانظر جمهرة الأمثال 2/386 وفصل المقال: 244 وتفسيره: اتعظي ثم عظيني أو لاتوصيني وأوصي نفسك وقد تم تخريجه.
2 الللسان "رمم" وعزي لأوس ابن حجر وهو في ديوانه /112.

(1/359)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ شَقَّ الْمَشَاعِلَ يَوْم خَيْبَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ خَيْبَرَ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَذْكُرُهُ.
المشاعِلُ: الزِقاقُ واحِدُها مِشْعَلٌ وقال بعضهم: المِشْعَلُ شيءٌ من جلود له أربعُ قوائِمَ يُنْتَبَذُ فيه قَالَ ذو الرُمَّةِ:
أَضعْنَ مواقتَ الصَلَواتِ عَمدًا ... وحَالَفْنَ المَشاعِلَ والجِرارَا2
وأخبرني أبو عُمر قَالَ: قَالَ بعض الأعراب: اللهم أمتني ميتة أبي
__________
1 أخرجه عبد الرزاق 9/204.
2 الديوان /200.

(1/359)


خارجَة فقيل: وكيف مات أبو خارِجَة قَالَ أَكَلَ بذَجًا وشَرِب مِشْعَلًا ونام في الشَّمْس فلقِي الله شَبْعانَ رَيَّان دفْآن.
والبذَجُ: الحَمَل. قَالَ الراجز:
قدْ هَلَكتْ جَارَتُنا من الهَمَجْ ... وإن تَجُعْ تأكُلْ عَتُودًا أوْ بَذَجْ1
ومن أوعية الخمر الذَّوارع وهي زِقاقٌ صِغارٌ. قَالَ ابن قُتَيبَةَ لا واحد لها من لفظها. وأخبرني الرُّهَني قَالَ: قَالَ ثعْلب: واحدُها ذارع وأنشد أبو العباس:
كأن الذارع المشكوك فيه ... سليب من رجال الدَّيبُلانِ2
فأما الحَمِيتُ فهو ما يُجعَل فيه السَّمْن والزَّيْت ونحوهما ومثْله النِّحْيُ وفي مَثلٍ أَشْغَلُ من ذَاتِ النِّحْيَين3. ولها قِصَّة.
وأَنْشَدَني أبو عُمَر عن أبي العبَّاس عن ابنِ الأَعرابي لبعض الأعراب:
تَسْلأُ كُلّ حُرّةٍ نِحيَيْن ... وإنما تَسْلأُ عُكّتَين
ثُمَّ تَقُول اشْترِ لي قُرطَيْن ... قرّطكِ الله عَلَى الأذنيْن
عُقاربًا صما وأرقمين4
__________
1 اللسان "همج, بذج" وعزي لأبي محرز المحاربي واسمه عبيد.
2 من ت, م.
3 اللسان "نحا" والدرة الفاخرة 1/260 وجمهرة الأمثال 1/564 ومجمع الأمثال 1/276 والمستقصي 1/196.
4 ما بين المعقوفين ساقط من ط, ح, م والبيتان في اللسان "قرط" برواية:
عقاربا سودا وأَرقَمَيْن

(1/360)


فأمّا نَهْيُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشُرب في النَّقِير والمُزَفَّت والحَنْتم وإباحتُه أن يُشرب في السِّقاء المُوكَأ1 فقد فَسَّرها أبو عُبَيْدٍ في كتابه2 إلا أنّه لم يذكر المْعنى فيها ولا السبب الَّذِي من أجْله فَرَّق بينها وبين المُوكأ والمعنى في ذَلِكَ والله أعلم أَنَّ النَّقِيرَ والمُزَفَّت والحَنْتَم أوعيةٌ ضارية تُسْرِعُ بالشِّدّة إلى الشّراب وقد يَحدُث فيه التّغيّر ولا يَشْعُر به صاحِبُه فهو عَلَى خطر من شُرب المُحرَّم فنهى عن استِعمالها استبراءً للشَّكّ وأَخذًا باليقين فيه. فأمّا المُوكأ3 فإنما يُراد به السِّقاء الرقيق الَّذِي لم يُربَّبْ فإذا انتُبِذ فيه وأُوكِي رأْسُه لم يُدرك الشَّراب ولم يَشْتدَّ حتّى يَنْشقّ السِّقاء فلا يخفي حينئذٍ تغيُّره وقد روينا هذا المعنى عن ابن سِيرِين.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَيُّوبُ قَالَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: مَنْ أَوْكَأَ السِّقَاءَ لَمْ يَبْلُغِ السُّكْرَ حَتَّى يَنْشَقَّ السقاء.
__________
1 أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وابن عمر. انظر صحيح مسلم 2/1577-1584 وابن ماجه 2/1127.
2 غريب الحديث 2/182.
3 ح: "الموكى".

(1/361)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النبي صلى الله علبه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَضَعُوا سُيُوفَكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ 1 فأبيدوا خضراءهم" 2.
__________
1 ت: عن عواتقكم "تحريف".
2 ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد. انظر فيض القدر 1/498 ولم أجد في مسند أحمد إلا قوله: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم". انظر مسند أحمد 5/277. وذكره الهيثمي في مجمعه 5/195 وعزاه للطبراني في الأوسط والصغير.

(1/361)


أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ1 بْنُ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ نا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ.
الخوارِجُ ومَن يَرَى رأيَهم يتأوّلُونه في الخروج عَلَى الأَئِمّة. ويحملون قولَه: "ما استَقَامُوا لكم" عَلَى العَدْلِ في السِّيرة وإنما الاستِقامةُ هاهنا الإقامةُ عَلَى الإسْلام. يقال: أقام واستقام بمعنى واحد كما يُقال أجاب واستْجاب. قَالَ الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 2. وقال الشاعر:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى ... فلم يسْتَجِبْهُ عِند ذاك مُجِيبُ3
والمعنى اسْتَقِيموا لهم ما أقَاموا عَلَى الشريعة ولم يُبدِّلوها ويدل عَلَى صحّة ما تأوّلْنَاه في الاستقامة حديث أبي بكر الصديق.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ نِمْرَانَ البَجَلِيِّ قَالَ قُرِئَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} 4. قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا.
ويؤيد هذا المعنى حديثُه الآخر حَدَّثَنَاه إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْبَيَاضِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِّيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سيليكم أمراء تقشعر منهم
__________
1 ط: "الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ".
2 سورة غافر: 60.
3 م: "وداع دعانا من يجيب الندى". والبيت في اللسان "جوب" وعزي لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار.
4 سورة فصلت: 30.

(1/362)


الْجُلُودُ وَتَشْمَئِزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: "لا مَا أَقَامُوا الصَّلاةَ" 1.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فُجَّارِهَا" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا الْفَضْلُ بْنُ يُوسُفَ الْجُعْفِيُّ ثنا الْفَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ3 الْبَجَلِيُّ نا مِسْعَرٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فُجَّارِهَا".
وَحَدَّثَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ نا شُعَيْبُ بْنُ أيوب الصريفيني نا أَبُو أُسَامَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ" 4. فإنما هُوَ عَلَى جهة الإخْبار عنهم لا عَلَى طريق الحُكْم فيهم. يقول: إذا صلح الناسُ وبَرُّوا وَلِيَهم الأَبرارُ وإذا فَسَدُوا وفَجَروا سلَّط الله عليهم الأشرار.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ: "كَمَا تَكُونُونَ كذلك يسلط عليكم".
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/28, 29 بلفظ: "يكون عليكم أمراء" الخ.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك 4/76 والبيهقي في السنن الكبرى 8/143 بلفظ: "الإئمة من قريش" فقط وعبد الرزاق في المصنف 11/58 بلفظ آخر.
3 كذا في ت, م السنن الكبرى 8/143وفي س: الفيض بن الفيض "تحريف".
4 أخرجه أحمد بهذا اللفظ في مسنده 12/261 وكذلك في 2/433 وأخرجه مسلم 2/1451 بلفظ آخر.

(1/363)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُنَيْفًا سَأَلَهُ عَنْ نَحْرِ الإِبِلِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْوِيَ رُؤُوسَهَا1 وَيَفْتُقَ لَبَّتَهَا2.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا الدَّغْوَلِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ نا مَعْرُوفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُزَابَة حَدَّثَتْنِي بُهَيْسَةُ3 عَنْ أُنَيْفٍ:
قوله: يَعْوِي رؤوسَها أي يَعْطِفها ويلوي أعناقَها لتَبْرُزَ اللبَّةُ وهي المَنْحر يُقال عَويْتُ الناقةَ إذا عُجْتَها قَالَ القُطاميّ:
فرَحَلتُ يَعْملَةَ النَّجاءِ شِمِلَّةً ... تُرْضي الزَّمِيلَ إذا الزِّمامُ عواها4
ويقال عَويْتُ الحبْلَ: إذا ثَنيْتَهُ ويُقال: إنّما سُمِّيت العوّاء لانعطافها وهي خمسة كواكب كأنها أَلِفٌ معطوفة الذنب.
__________
1 س, ط: رأسها.
2 ذكر صاحب كنز العمال حديث أنيف هذا بلفظ آخر في 6/140 والإصابة 1/78.
3 م: "بهيسة" كجميلة والمثبت من باقي النسخ وفي الإصابة 1/78 نهيشة بالنون.
4 الديوان /118.

(1/364)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَرْوِيهِ جَابِرُ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ: أَنَّهُ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَرَمَيْنَاهُ بِجَلامِيدِ الْحَرَّةِ حَتَّى سَكَتَ2
حَدَّثَنِيهِ حلف بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّامُ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل
__________
1 أخرجه مسلم 3/1318 وأحمد في مسنده 2/453 بلفظ: "هرب". والترمذي 3/37 بلفظ: "فر".
2 أخرجه مسلم 2/1321

(1/364)


الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ.
قوله: أَذْلقَتْه: أي عضّتْه وأوجَعَتْه.
وقوله: جَمزَ: أي أَسْرَعَ يُهَرْوِلُ. وقال بعضُ السّلف: لرَجُل اتَّقِ الله قبل أن يُجْمَزَ بك يُريدُ المشْيَ السريع في جنازته. قال الكسائي: الناقة تعدو الجَمزَي والوَلَقَى وهو العَدْوُ الّذي كأنّه يَنْزُو قَالَ غيره: ناقَةٌ جَمزَى وبَشَكَى وَوَثَبَى أي سريعَةٌ. قَالَ الشاعر:
وخَيلٍ تلافَيْتُ رَيْعانَها ... بِعِجْلِزَةٍ جَمزَى المُدَّخَرْ
وقال رؤبة:
فإن تَريْنِي اليَوْمَ أُمَّ حَمْزِ ... قَارَبْتُ بعْدَ عَنَقِي وجَمْزِي1
وقوله: حتّى سَكَت: يريد سُكوتَ2 الموْت. يُقال: أَسْكتَ اللهُ نَأْمتَه إذا دعا عَلَيْهِ بالموت.
قَالَ المُتَلِّمس يَذكُر مقْتل عَديّ بْن زَيْد3:
ولقَدْ شفَى نَفسِي وَأَبرأَ دَاءها ... أَخْذُ الرِّجَال بحلْقِه حتّى سَكَتْ
وقال الأصمعي سَكَت الرَّجلُ إذا لم يتكلّم وأَسْكَتَ إذا أطرقَ وأنْشد:
أبُوكَ الَّذِي أجْدَى عَليَّ بِنَصْرِه ... فأسكتَ عنّي بعْدَه كُلّ قائل4
__________
1 الديوان /64.
2 ت, م: "سكون الموت".
3 ت: "علي بن زيد"ز ولم أقف على البيت في ديوانه.
4 الجمهرة لابن دريد 3/437.

(1/365)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا كَانَ فِي يَدَيْهِ مَالُ يَتَامَى فَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا فَلَّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا انْطَلَقَ إِلَى النبي فَقَصَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: "أَهْرِقْهَا" وَكَانَ الْمَالُ نَهْزَ عَشْرَةَ آلافٍ"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا سُوَيْدٌ عَنِ عبد الله عن جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله: نَهْزَ عَشْرَة آلاف: أي قريبًا من عَشْرة آلاف من قولهم: يُناهِزُ الشَّرفَ أي يُطالعِه وناهَزَ الغُلامُ الحُلُمَ إذا قارَبَه قَالَ الشاعر:
تُرضِعُ شِبْلَيْن في مَغارِهما ... قد نَاهَزَا للفِطام أَوْ فُطِمَا2
وفي الحديث من الفِقْه أَنَّهُ لم يأمُرْه بالاستِينَاء بها حتى تتخلل وفيه أن الوصي لاغرامة عَلَيْهِ فيما لم تَجْنِ يَدُه3.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 2/119, 118, 3/260 بدون "وَكَانَ الْمَالُ نَهْزَ عَشْرَةَ آلافٍ" وعبد الرزاق مرسلا 6/76.
2 اللسان والتاج "نهز" دون عزو.
3 ت: "تجزيده".

(1/366)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ فَخُفِقَ بِالنِّعَالَ وَبُهِزَ بِالأَيْدِي"1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قوله: بُهِزَ أي وجىء بها. والبَهْزُ الدَّفْعُ العَنِيف قَالَ رُؤبةُ:
صَكِّي حِجَاجِي رأسِه وبَهْزِي2
__________
1 أخرجه أجمد في مسنده 2/24 بلفظ: "فنهز بالأيدي" وكذلك أخرجه في 3/46 مختصرا.
2 الديوان /64.

(1/366)


وفيه من الفِقْه أنّ حَدَّ السَّكران1 أخفُّ الحُدودِ وأنّهُ لا يُضرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا كما يُضْرَبُ في سائر الحُدود.
وفي حديث آخر: أَنَّهُ أُتي بِشارِب فَقَالَ: "بكتوه" فبكتوه.
والتبكيت هاهنا2 التقريع باللّسان وهو أن يُقال: لَهُ3 أَمَا اتّقيْتَ الله أما خَشِيتَ اللهَ أما استَحيَيتَ من النّاس ونحو هذا من الكلام.
__________
1 ت, م: "حد السكر".
2 أخرجه أبو داود في الحدود 4/163.
3 من ت, م.

(1/367)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ أَنَّهُ قَالَ: "أَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تُفْتَنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلا مَشْعُوفٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَعْدَانُ نا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ.
قوله: "بي تُفْتَنُون": أي تُمْتَحنُون يُريُد سْؤالَ المَلَك إيَّاه. وقوله: "مَنْ رَبُّك ومن نَبيُّك".
وأخبرني أبو عُمَر عَنْ ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ: يُقال فتَنْتُ الفِضَّةَ إذا أدْخَلْتَها النار لتعرف بها جودتَها هذا أَصْل الفِتْنة.
وقوله: غيْر مَشْعُوف: أي غير فَزِع ولا مَذعُورٍ
والشَعَفُ الفَزَع وقد يُسْتعَارُ فيُوضَعُ مَوْضع الحُبِّ يُقالُ شُعِفَ فلانٌ بفُلانةَ إذا أحبَّها
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 6/140 بلفظه في حديث طويل وابن ماجة 2/1426 مختصرا.

(1/367)


فوَجَدَ بها كما يَجِدُ الفَزِعُ في قَلْبه. قَالَ أبو زَيْد: الشَعَفُ: أن يذهب الحُبُّ بالقَلْب.
قَالَ امرؤُ القيْس:
لتَقتُلَنِي وقد شَعَفْتُ فُؤادَها ... كما شعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَجُلَ الطَالي1
قَالَ فشَعَفُ المرأة من الحُبّ وشَعفُ المَهْنُوءَةِ من الذُّعْر شبَّه لَوْعةَ الحُبّ وجَواهُ بذلك.
__________
1 الديوان /23 برواية:
أتقتلني وقد شغفت فؤادها ... كما المهنوءة والرجل الطالي

(1/368)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا إِسْعَادَ وَلا عَقْرَ فِي الإِسْلامِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: لا إِسْعَادَ: مِنْ إِسْعَادِ النِّسَاءِ فِي الْمَنَاحَاتِ وَهُوَ أَنْ تَقُومَ الْمَرْأَةُ فِي الْمَأْتَمِ فَتَقُومُ مَعَهَا أُخْرَى فَيُقَالُ قَدْ أَسْعَدَتْهَا وَهِيَ مُسْعِدَةٌ.
وَيُرْوَى فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ أَسْعَدَتْنِي أَفَأُسْعِدُهَا فَقَالَ: "لا" وَنَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
فالإِسْعَادُ خَاصٌّ في هذا المعنى كقول الشاعر:
ألا يَا عين ويحك أسعديني
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/560, 6/184 مختصرا وأحمد في مسنده 3/197.

(1/368)


وكقول الأحُوَص:
بكيتُ الهَوى جَهْدِي فمنْ شَاءَ لامَنِي ... ومَنْ شاءَ آسى في البكاءِ وأَسْعَدا1
فأمّا المساعدة فهي عامّة في كل مَعُونةٍ. ويقال: إنّها مأخوذة من وَضْع الرَّجُل يدَه عَلَى ساعِد صاحِبِه إذا تماشَيا في حاجة.
وقوله: لا عقر فهو ما كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الجاهِلَّية من عَقْر الإبل عَلَى قبُور المَوْتى كانوا إذا مات الرَّجُل الشَّريفُ الجوادُ عَقرُوا عنْد قَبْره وكانوا يقولون إنَّ صاحبَ القَبْر كَانَ يَعْقِرُهَا للأَضْياف يَقرِيهم أيّام حياتِه فيُكَافأُ عَلَيْهِ بمثل صَنِيعه ويُقال إنّما كانوا يعقِرونها لتَطعَمَها السِّباعُ والطيرُ عند قبْره فيُدْعَى مُطْعِمًا حَيًّا ومَيّتًا ويقال بل كَانَ من مَذْهَبهم أَنَّ صَدَى الميّت يُصِيبُ من ذَلِكَ الطّعام وذلك من تُرَّهاتِ الجاهليّة وقد تَتَابَع الشُّعراءُ في هذا فَقَالَ بعضُهم ومرَّ عَلَى قَبْر النجاشي فعَقَر ناقَتَه:
نحَرْتُ عَلَى قَبْر النَجاشيّ نَاقَتِي ... بأبْيَض عَضْبٍ أَخلصَتْه صَيَاقِلُهْ
عَلَى قَبر مَنْ لو أنّني مِتُّ قَبْلَه ... لَهانَتْ عَلَيْهِ عندَ قَبِري روَاحِلُهْ
وقال حسّان بْن ثابت ومرّ بقبْر ربيعةَ بْنِ مُكَدَّم:
لا يَبْعدنَّ رِبيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الغَوادي قبرَهُ بذَنُوبِ
نفرت قَلُوصي من حِجَارةِ حرة ... بُنِيَتْ عَلَى طَلق اليَديْن وَهُوب
لَوْلا السِّفَارُ وبُعْدُ خَرْقِ مَهْمَهٍ ... لتَركتُها تحْبُو عَلَى العُرقُوبِ2
وقال زِياد الأعجم يَرثِي المُغيرةَ بْن المهلَّب أنشدنيه أبو عُمَر:
إنّ السمَاحَةَ والمُروءةَ ضُمِّنا ... قبرًا بِمرْوَ عَلَى الطريق الوَاضح
__________
1 الديوان /98 برواية: بكيت الصبا.
2 الديوان /364.

(1/369)


فإِذَا مَررْتَ بِقَبْره فَاعقِرْ بهِ ... كُوم الهِجَان وكلَّ طِرْفٍ سَابح1
ومثله كثيرٌ.
وكان من مذاهبهم أن يَعْمِدوا إلى راحلة الميِّت فيَعقلُوهَا عَلَى قبره لا يَسقُونَها حتّى تَهْلِك عطشًا وكانوا يُسَمُّونها البلية قال الشاعر:
كالبلايا رؤوسها في الوَلايا ... مَانِحات السَّمُومِ حُرَّ الخُدُود2
والولايا البَراذِعُ واحدتها وَلِيَّةٌ كانوا يُعلِّقونها في أعناقها وكان من تأويلهم في ذَلِكَ أنَّ صاحبَها يُحْشر في القيامة عليها وأَنَّ مَنْ لَم يُفْعل بِهِ ذَلِكَ بعد موته حُشِر مَاشِيًا وكان هذا صنِيع مَنْ يؤمن بالبَعْث منهم ورووا في هذا لِخْزَيْمَة3 بْن أُشَيْم الفَقْعَسيّ أَنَّهُ أوصى ابنه سعدا عند موته فَقَالَ:
يا سَعْدُ إمّا أَهْلِكَنَّ فإنَّنِي ... أُوصيكَ إنّ أخا الوَصَاةِ الأقْرَبُ
لا أعرفنّ أباكَ يُحْشَرُ بَعدَكُم ... نَقِبًا يَخِرُّ عَلَى اليَديْن ويُنكَبُ
واحْمِلْ أَباكَ عَلَى بعير صَالح ... وتَقِ الخِيانةَ إنّ ذَلِكَ أَصْوَبُ
فلقَلَّ لي مِمَّا جمعت مطية ... في الحشر أركبهاإذا قِيل ارْكَبُوا
فأما الحديثُ في معاقرة الأعراب4 فهي أن يتبارى الرجلان
__________
1 ت: "فاعقر له" بدل "فاعقر به".
2 اللسان والتاج "بلا" وعزي لأبي زبيد. وهو في شعر أبي زبيد /56 وجاء بروايات مختلفة.
3 س: "لجذيمة بن أشعف الفقعسي".
4 أخرجه أبو داود في الأضاحي 3/101 بلفظ: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن معاقرة الأعراب".

(1/370)


فيَعْقِر كلُّ واحدٍ مِنْهُما يُجاوِدُ بِهِ صاحبَه فأكثرهُما عَقْرًا أجودُهما نُهِي عَنْ أكْلِه لأنّه مِمّا أُهِلَّ بِهِ لغير الله.

(1/371)


وَقَالَ أَبُو سليمان في حديث النبي أَنَّهُ لاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ وَامْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ: "انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَحْتَمَ فَلا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا" 1. قَالَ: فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ بِهِ فَكَانَ يُنْسَبُ بَعْدُ إِلَى أُمِّهِ.
مِنْ حَدِيثِ الْفِرْيَابِيِّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ.
الأسْحَمُ الأسْوَدُ والسُّحْمَةُ السَّوادُ والأَحْتَم الخالص السواد وأراه شُبِّه بلون الغُراب لأَنَّ الغُراب يُسمَّى حاتِمًا قَالَ الشاعر:
ولقَد غَدوْتُ وَكنْتُ لا ... أَغْدُو عَلَى واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذاك لا شرٌّ ولا خَيْرٌ عَلَى أحَدٍ بِدائم2
ويقال: إنّه سُمّي حاتما: لأنّه في مذْهَبِهم يَحْتِم بالفِراق كما سَمَّوه غُرابَ البيْن.
__________
1 أخرجه البخاري 6/125 في تفسير سورة النور بلفظ: "أسحم أدعج العينين ... فا أحسب عويمرا إلا قد صدق" وابن ماجه في مسنده 5/334 والبيهقي في سننه 7/339, 400.
2 زيادة من ت ليست في س, م, ط والبيتان الأولان في اللسان والتاج "وقى" معزوان لمرقش وفي هاشم م: الواقي: الطائر يشبه الغراب.

(1/371)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1 أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ وَتَكْلِيلِهَا2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ عَنِ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بن سعد.
أما التقصيص فإنه التجصيص. ومنه الحديثُ في الحائض. إنّها لا تغتَسِلُ حتّى ترى القَصَّة البَيْضاء3
يُريد النَّقاء. وأما التَّكلِيل فمعناه بناء الكِلَل عليها وهي القِبابُ والصّوامعُ التي تُبْنَى عَلَى القبُور.
وقال الدَّبَرِيّ: قَالَ بعضهم: التكليل أن يطلى عليه شيء يُشبه القَصّةَ. قَالَ غيره: إنما هُوَ التَّكلْيِس والكِلْسُ الصّاروجُ. قَالَ عِديُّ بنُ زيد:
شَادَهُ مَرْمرًا وَجَلّلَهُ كِلْسًا ... فلِلطَّيْر في ذُراه وُكُورُ4
وكان الأصْمعيّ يُنشدُه: وخَلّلَهُ بالخاء مُعجمة أي صيرَّ الكِلْس في خلل الحجارة وكان يتعجب مِمَّن رواهُ بالجيم ويقول متى رأوا حصنا مصهرجا.
__________
1 سقط من نسخة ت حديثان وأسنادهما وشرحهما ويقعان في نحو ثلاث صفحات من حجم الفلوسكاب.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصتفه 3/507 ومسلم في 2/667 بدون لفظ: تكليلها وغيرهما.
3 الموطأ للإمام مالك /60 وأخرجه البخاري تعليقا 1/83 والبيهقي في السنن الكبرى 1/336 وكلهم بلفظ: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء".
4 اللسان والتاج "كلس".

(1/372)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَصَابَ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا هَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ الأَرَاكِ ضَوَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَهُ غَنَائِمَهُمْ حَتَّى عَدَلُوا نَاقَتَهُ إِلَى سَمُرَاتٍ فَمَرَشْنَ ظَهْرَهُ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو عَرُوبَةَ نا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
قوله: ضَوَى إِلَيْهِ المُسْلمون: أي مالوا إِلَيْهِ يُقالُ: ضوَيْتُ إلى فُلانٍ أَضْوِي إِلَيْهِ ضُوِيًّا إذا أوَيْتَ إِلَيْهِ.
وقوله: مَرشْنِ ظهْرَه فإنّ المَرشَ الخَدْشُ الخَفِيف كالتَّناوُلِ بالأَظافِير ونحوِها ويُقال: فُلانٌ يَمْتَرِشُ الطَّعام إذا كَانَ يتناوله من أَطْراف الصَحْفَة وكذلك يمتَرِشُ المالَ إذا كَانَ يكسِبُه ويجمَعُهُ من كل وجْهٍ ومثله يقْتَرِشُ المالَ ويُقال إنّما سُمِّيَتْ قُريشٌ قريْشًا للتجارة وجَمْع المال قَالَ الشّاعُر:
إِخْوَةٌ قرَّشُوا الذُّنُوبَ علينا ... في حَديثٍ من عَهْدهم وقَدِيم
والتَّقْرِيشُ أيضًا: التَّفتيشُ. وقال معروف بْن خَرَبُوذ إنما سُمِّيت قُريْشًا لأنّهم كانوا يُفتِّشون الحاجَّ عَنْ خَلَّتِهم فيَسدُّونها يُطعمون جائعَهم ويَكْسُون عَارِيَهم ويَحْمِلُون المُنْقطَعَ بِهِ. قَالَ الحارثُ بْن حِلِّزة:
أيُّها الشَامِتُ المُقَرِّشُ عنَّا ... عِنْدَ عَمرو وهل لِذاك بَقاءُ2
ويُقال: بل سُمِّيت قُريشًا لأنها تقرَّشَتْ: أي اجتمعَتْ بعد التفرق وكانوا
__________
1 أشار ابن كثير في السير ة النبوية إلى هذه الرواية 3/672 وانظر النهاية 3/319 برواية: "إلى شجرات" بدل "إلى سمرات".
2 اللسان والتاج "قرش". والديوان /11.

(1/373)


مُتبدِّدين في الأرض حتّى جمعهم قُصَيُّ بْن كلاب في الحرَم فسُمِيّ بذلك مُجمِّعا قَالَ الشاعر:
أبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجمِّعا ... بِهِ جَمعَ الله القبائلَ منْ فِهْر1
وهذا راجع إلى المعنى الأول.
__________
1 اللسان والتاج "جمع" دون عزو. والعقد الفريد 3/313 وعزي لحذاقة بن غانم القرشي والاشتقاق /155.

(1/374)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ فَتُجَلِّي وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الإِخْوَانِ 1 لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ 2 ".
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: "تَخْطِم أنفَ الكافر": يريد أَنَّها تَسِم أنفَه بسِمَة يُعرف بها والخِطام: سِمَة في عُرضِ الوَجْه إلى الخَدِّ
قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيل يقال: جَملٌ مَخْطومُ خِطام ومَخْطومُ خِطامَيْن عَلَى الإضافة. قَالَ: ورُبَّما وُسِم بخِطام وربّما وُسِم بِخطَامَينْ3
وقوله: أهل الإخوان يُرِيد الخِوانَ الَّذِي يُنصبُ لِلطَّعام ويؤكل عليه قال الشاعر:
__________
1 في مسند أحمد 2/295: "أهل الإخوان" وفي ابن ماجه 2/1351: "أهل الحواء". وفي القاموس "خون": الخوان كغراب وكتاب: مايؤكل عليه الطعام كالإخوان.
2 أخرجه ابن ماجه في الفتن 2/1351 بلفظ: "فتجلو وجه المؤمن" وأحمد في مسنده 2/295, 491. وفي الفائق 1/382: "فتحلي وجه المؤمن".
3 ساقط من ط, ح.

(1/374)


ومَنْحَرِ مِئناتٍ تَجُرُّ حَوَارَها ... ومَوضِعِ إِخْوَانٍ إلى جَنْبِ إخْوانِ1
يُريدُ جفنة إلى جنب جفنة.
__________
1 اللسان والتاج "خون" والفائق "خطم" 1/382.

(1/375)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ لاعَنَ امْرَأَتَهُ فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ فَهُوَ لِهِلالٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الأُريْصِح تصغير الأَرسَح وهو الخفِيفُ الأَلْيتين أُبْدلَتْ سِينُه صادًا أو يكون تصْغَير الأَرصَع أُبْدِلَت عَيْنُه حَاءً قَالَ الأصْمَعيُّ: الأرصَعُ والأَرسَحُ قَالَ: والأَزلّ مِثلُه. وأنشد:
في القَلْب مِنه لِكُلّهِنّ موَّدةٌ ... إِلا لكُلّ دَمِيمَةٍ زَلاءِ
والأُثَيْبِجُ2: مُفَسَّرٌ في كتاب أبي عبيد
__________
1 أخرجه أبو داود في الطلاق "باب اللعان" 2/277 في حديث طويل.
2 في النهاية "ثبج" 1/206: الأثيبج تصغير الأثبج وهو الناتيء الثبج: أي ما بين الكتفين والكاهل. ورجل أثبج أيضا: عظيم الجوف ولم أقف عليه في كِتاب أَبِي عُبَيْدٍ.

(1/375)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَقَالَ: "حَلالٌ" فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْن". وَفِي غَيْرِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: "أَوْ فِي أَيِّ الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دبرها فلا" 1
__________
1 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده. كما في بدائع المنن 2/360.

(1/375)


حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنِي محمد بن النصر نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو1 بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ.
كُلُّ ثَقْب مستدير خُربَةٌ والجميعُ خُرَب قَالَ ذُو الرُّمَّة:
كأنّه حَبَشِيٌّ يبتغي أَثَرًا ... أوْ من مَعاشرَ في آذانها الخرب2
والخرزة مِثْلُ الخُرْبة وهو من خَرْزِ الأديم3. فالخرزة بفتح الخاء: الطعنة بالإشْفَى والخُرْزَةُ الثُقْبَةُ والعَربُ تَقُولُ: سَيْريْن في خُرزةٍ تُرِيدُ حاجَتيْن في حاجةٍ. والخُصْفَةٌ مِثْلُ الخُرْزَة وهو من قولك خصَفْتُ النّعْلَ ومنه المِخْصَفُ وهو الحديدة التي يُثقَبُ بها النِّعالُ قَالَ الهُذَليُّ يَصِفُ العُقابَ:
حتى انتَهَيْتُ إلى فراش عَزِيزَةٍ ... سوداءَ رَوْثَةٌ أَنْفِها كالمخصف4
__________
1 ت, عن عمر بن أحيحة "تحريف" وفي التقريب 2/65: عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغرا ابن الجلاح "بضم الجيم وتخفيف اللام" الأنصاري المدني المقبول ووهم من زعم أن له صحبة فكأن الصحابي جد جده وافق هو اسمه واسم أبيه.
2 اللسان والتاج "خرب" والديوان /29.
3 م: "الأدم".
4 البيت لأبي كبير الهذلي وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1089.

(1/376)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: "آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَدْعَجُ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثدي المرأة تدردر" 1.
__________
1 أخرجه البخاري 8/47, 9/22 ومسلم 2/744 وأحمد في مسنده 3/65 وكلها بألفاظ متقاربة دون لفظ أدعج.

(1/376)


حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ1 نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ نا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ نا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
الدُعْجَةُ عند العامَّة سَوادُ الحَدَقة فَقط وهي عند العرب السَّوادُ العامُ يُقال: رجلٌ أدعَجُ إذا كَانَ أسْوَد الجِلد وَلَيْلٌ أدْعَجُ أي أَسْوَدُ مُظْلم. قَالَ الشاعر:
حتَّى تَرى أعناقَ صُبْحٍ أَبْلَجَا ... تَسُورُ في أَعجازِ لَيلٍ أَدْعَجا2
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ3 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغِرَ سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعَجَ جَعْدًا فَهُوَ لِلَّذِي يُتَّهَمُ".4 فجاءت بِهِ أُدَيْعِج فالأُدَيْعجُ: تصْغيرُ الأَدْعَجِ وهو الأَسْوَدُ. والأُمَيْغِرُ: تصْغِيرُ الأَمْغَر وهو الأحمر.
والسبط: التامُّ الخَلْق. والجَعْدُ القصيرُ وإنّما تأوّلْنا الخبرَ في قصّة الخوارج عَلَى سواد5 الجِلْد لأنّه قدْ رُوي في خَبرٍ آخر: "آيتُهُم رَجُلٌ أَسْوَدُ" 6. وفي خبر آخر: "رَجُل أَسمرُ". ويُقال في معناه: رجل دغمان
__________
1 ت: أحمر بن إبراهيم بن فراس.
2 اقتصر اللسان والتاج "دعج" على البيت الثاني وعزي للعجاج يصف انفلاق الصبح وهما في الديوان /368, 369.
3 ت: وعبد الله بن عبد الله "تحريف" والمثبت من س, م, ط, ح.
4 أخرجه الإمام الشافعي في مسنده بلفظ: "إن جاءت به أشقر سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ به أديعج فهو للذي يتهمه" كما في بدائع المنن 2/391, 392.
5 ت: كل سواد جلد.
6 أخرجه البخاري في المناقب 4/243 وأحمد في مسنده 3/56.

(1/377)


ودُحْسُمانُ. وَيُقَالُ دُحْمُسَانُ وليل دَحْمسٌ ودُحُمسٌ. قَالَ أبو نُخَيلَةَ الراجزُ:
وَادَّرعي جِلْبَابَ لَيْلٍ دِحْمَس1
وَمِنْهُ حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُوسَ نا الْمَكِّيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ نا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أُنْفِرَ بِنَا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ إِصْبَعِي حَتَّى جَمَعُوا عَلَيْهَا ظُهُورَهُمْ2 ومثْل هذا حدِيثُه الآخر:
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَهُ حَتَّى إِذَا خَرَجَا أَضَاءَتْ لَهُمَا عَصَا أَحَدُهُمَا فَمَشَيَا فِي ضَوْئِهَا فلما تفرق بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصَاهُ فَمَشَى فِي ضَوْئِهَا3
يُقَالُ ليْلَةُ حِنْدِسٌ: أي شديدة الظلمة قال الشاعر:
ليلة من اللَّيالي حِنْدِس ... لَوْنُ حَواشِيها كَلَوْنِ السُّنْدُسِ
ويُقالُ: لَيْلةٌ غَيْهَبٌ وغَيْهَمٌ: أي مُظْلِمه وليلةٌ دَيْجورٌ وديجوج مثله
__________
1 اللسان والتاج "دحمس" من غير عزو وبعده: "أسود داجن مثل لون السندس".
2 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/1/46 بلفظ: "كنا مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فتفرقنا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دُحْمُسَةٍ فَأَضَاءَتْ أصابعي..".
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/190, 272 وأخرجه في 3/183 بلفظ: "شديد الظلمة". أخرجه الحاكم في المستدرك 3/288.

(1/378)


ويُقَالُ: ليلةٌ طَخْياءُ بيَّنةُ الطَّخاء إذا كَانَ فيها سحابٌ ولا قَمَر فتشتدُّ ظُلمتُها وقال:
وَليْلةٍ طَخْياءَ تَرْمَعِلُّ ... فيها عَلى السَّاري نَدًى مُخْضَلُّ
كأَنّما طَعْمُ سُراها الخلُّ1
وقوله: "مِثل ثَدْي المرأة تَدَرْدَرُ" أي تَضْطَرب وتتحرَّك. ومنه دردور الماء.
__________
1 اقتصر اللسان "خضل" على البيت الأول برواية: "وليلة ذات ندى مخضل".

(1/379)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَصْحَابَهُ أَسَرُوا رَجُلا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ وَمَعَهُ نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي وَثَاقٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلامَ تَأْخُذُنِي وَتَأْخُذُ سَابِقَةَ الْحَاجِّ قَالَ: "نَأْخُذُكَ بَجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ" وَكَانَ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فلما مضى النبي عليه السلام نَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ" قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ" فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي إِنِّي ظَمْآنُ فَاسْقِنِي قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ: "هَذِهِ حَاجَتُكَ" أَوْ قَالَ: "هَذِهِ حَاجَتُهُ" قَالَ: فَفُدِيَ الرَّجُلُ بَعْدُ بِالرَّجُلَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالا نا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي2 الْمُهَلَّبِ عن عمران بن حصين.
__________
1 أخرجه مسلم مطولا في كتاب النذر 3/1262 وأبو داود في الأيمان والنذور 2/239 والإمام أحمد أحمد في مسنده 4/430, 433 وغيرهم.
2 ت: ابن المهلب "تحريف".

(1/379)


قوله: نأخذك أُخِذْت1 بجرِيرة حُلفائك فيه قولان:
أحدهما ما ذَهَب إِلَيْهِ الشافعي وذكره في بعض كتبه فَقَالَ وذلك لأَنَّ المأخوذ مُشرِكٌ مُباحُ الدم والمال ولما كَانَ حَبْسَه حلالا بغَيْر جِنايَةٍ جاز أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذَلِكَ بنفسه.
والقولُ الآخر ما ذهب إِلَيْهِ بعضُ أهل العلم حَدَّثَني الحسن بْن يَحْيى عن ابنِ المُنذِر قَالَ: قَالَ بعض أهل العلم قولُه: "أُخِذْتَ بجريرة حُلفائك دَلالةٌ" 2 أنّه كَانَ بيْنه وبيْنَهُم مُوادَعةٌ أو صُلحٌ فَنَقَضَتْ ثَقِيفٌ المُوادعةَ والصُّلْحَ وترك بنو عُقَيل الإنْكارَ عليهم ومنْعَهم من صَنِيعهم ذَلِكَ فصاروا كأنَّهم نَقَضُوا العهْد.
قَالَ أبو سليمان: وفيه وجْهٌ ثالث: وهو أن يكون معناه أُخِذْتَ لِتُدْفَع بك جَرِيرةُ حُلفائِك من ثقيف وأَضمرَه في الكلام كقوله:
مَن شاءَ دَلَّى النَفْسَ في هُوَّةٍ ... ضَنكٍ وَلَكنْ مَن لهُ بالمَضِيق3
يُريدُ مَنْ لَهُ بالخروج من المَضِيق ويدُلّ عَلَى صحّة هذا التّأويل قولُه:
ففُدِي بعدُ بالرَّجْلَيْن. والمعنى أُخِذْتَ ليُسْتنقَذ بك مَنْ أَسرَتْه ثقيف.
وقَولُه: "لو قُلتَها وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاح" معناه لو أسْلَمْتَ قَبْل الإِسَار أفْلحْتَ الفَلاح التامَّ بأن تكون مُسْلِمًا حُرًّا وذلك أَنَّه إذا أُسِرَ كافرًا كَانَ عبْدًا وإن أسْلم فأما فِداؤُه إِيّاه بالرّجْلَينْ ورده إلى دار الكُفْر بعْدَ إظهاره كلمة الإسْلام فإن هذا المعنى خاصٌّ للنبي صَلَّى الله عليه وسلم,
__________
1 هامش م: نأخذك.
2 م: دلالته.
3 اللسان والتاج "ضيق" من غير عزو برواية: "من شا يذلي النفس في هوة".

(1/380)


وذلك أَنَّهُ قد علم أَنَّهُ غيرُ صادق في قوله: وأَنّه إنّما أظهر كلمة الإسلام رَغْبةً أو رهبة ألا تراه حين استطْعَمه واستسْقاه هذه حاجَتْك فأمّا اليوم فقد انْقَطَع الوحْيُ ولا سبيلَ إلى علم ما في الضمائر فَمنْ أظهر الإسْلام قُبِل منه ووُكِلَتْ سريرَتُهُ إلى ربّه.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ أَسَرَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَصْرًا فَأَعْتَقَهُ فَأَسْلَمَ1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ففيه دليل عَلَى أن للإمام أن يُمنَّ عَلَى الأَسِير من غير فِداءٍ ولا مَال.
وقولهُ: قَصرًا معْنَاهُ حَبْسًا عَلَيْهِ وإجْبارًا يُقال: قَصَرتُ نَفْسِي عَلَى الشيء إذا حَبسْتَها عَلَيْهِ2.ومِنْ هذا قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} 3. أي مَحْبُوساتٌ عَلَى أَزْواجِهنّ مُخدَّرات.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُبَيْدٍ4 الأَشْهَلِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَحَوَامِلُ أَوْلادِكُمْ فَهَلْ نُشَارِكُكُمْ فِي الأَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه 2/252 بلفظ: "وإن أسلم قصرا فلا" وقد أخرجه البخاري في 5/215 ومسلم 3/1386 وأبو داود في مسنده 2/246/452 في قصة إسلام ثمامة بألفاظ متقاربة ولم يذكروا: "فأبى أن يسلم قصرا".
2 ت: "قصرت نفسي عن الشئ إذا حبستها عنه".
3 سورة الرحمن: 72.
4 لاتوجد في الصحابيات واحدة بهذا الاسم ولعله تحريف والصواب: "أسماء بنت يزيد الأشهلية".

(1/381)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجِكُنَّ وَطَلَبْتُنَّ مَرْضَاتَهُمْ" 1. ويُقال: امرأةٌ قَصُوَرة2 وقَصِيرة أي مُخدّرَةٌ أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
وأَنْتِ التي حبَّبْتِ كُلَّ قَصيرة ... إلَيَّ وَلم تعْلَم بذاكَ القَصائرُ
عنَيْتُ قَصِيرَاتِ الحِجَال ولم أُرِد ... قِصارَ الخُطَا شَرُّ النِساء البَهاتِرُ3
البَهاترُ: القِصارُ يُقالُ للقَصِير بُهْتُرٌ وَبُحْتُرٌ.
وقال آخرُ:
أُحِبُّ منَ النِّسْوان كُلَّ قَصيرةٍ ... لها نسَبٌ في الصَّالحين قَصِيرُ4
أراد بالقصيرة المُخدَّرة وقِصرُ نسَبِها أن تُعرَف بأوّل آبائها كقوله: رُؤبة أتَيْتُ النَّسابَةَ البَكْريَّ فَقَالَ من أَنْتَ قلت ابنُ العجّاج قال قصرت وعرفت5 فَقَالَ رؤبة:
قَدْ نوَّه العجَّاجُ باسمي فادْعُنِي ... باسْمٍ إذا الأنسابُ طالتْ يَكْفِني6
وقد يحْتملُ أن يكون أَرادَ قَسْر الغَلَبة والقَهْر أَبْدَل السِّينَ صَادًا. وأخبرني أبو محمد الكُرانيّ نا عَبْد الله بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يحيى
__________
1 ذكر هذا الحديث ابن الأثير في أسد الغابة 7/19 في ترجمة أسماء بنت يزيد الأشهلية.
2 كذا في س, ت. وفي م: "مقصورة" وفي القاموس قصر: قصير من قصراء وقصار. وقصيرة من قصلر وقصارة أو القصارة: القصير "نادر".
3 اللسان والتاج "بهتر" وعزي لكثير وهما في الديوان /369.
4 اللسان والتاج "قصر" دون عزو.
5 م: "قصرت وعرفت". وفي ط: قصرت وعرقت.
6 الديوان /16 وروي البيت الأول: "قد رفع العجاج ذكرا فادعني".

(1/382)


المِنْقَرِيَ نا الأصمعيّ قَالَ: اختلف رجلٌ من مُضَرَ ورجلٌ من ربيعةَ فَقَالَ المضَرِيّ السَّقْر وقال الرَّبعيُّ الصَّقْرُ فأقبلَ رجلٌ من قُضاعةَ فأخبراهُ فَقَالَ لا أقُولُ كما قُلتُما إنّما هُوَ الزَّقْرُ وقد قرىء الصِراطُ والسِّراطُ ورُوِي عَنْ بعضهم الزِّراطُ وهذه الحروف متقاربة في مخارجها من اللِّسان فلذلك جَرَى1 فيها الإبدال.
__________
1 ت: جاز.

(1/383)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ فَاطِمَةَ خَرَجَتْ فِي تَعْزِيَةِ بَعْضِ جِيرَانِهَا عَلَى مَيِّتٍ لَهُمْ فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: "لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُرَى". قالت: معاذا اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ نا الْمُفَضَّلُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هكذا قَالَ الكُرَى وقال: سألتُ ربيعةَ عَن الكُرى فَقَالَ: القبور.
وأخبرناه ابن داسة عَنْ أَبِي داود بإسْنَادِه إلا أَنَّهُ قَالَ الكُدَى بالدال.
أمّا الكُرَى وقوْل ربيعة: إنّها القبُور2 فإنّما هُوَ من قولك كرَوْتُ الأرضَ إذا حَفْرتَها وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَنَّ الأَنْصَارَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ فِي نهر
__________
1 أخرجه أبو داود في الجنائز 3/192 وأحمد في مسنده 2/169 وكلاهما بلفظ: "الجدى" بدل "الكرى". والنسائي في الجنائز 4/27.
2 ط: "إنها من القبور".

(1/383)


يَكْرُونَهُ لَهُمْ سَيْحًا.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا الْمُبَارَكُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الأَنْصَارَ أَتَوْهُ فِي نَهْرٍ يَكْرُونَهُ لَهُمْ سَيْحًا فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالأَنْصَارِ مَرْحَبًا بِالأَنْصَارِ" 1.
يُقال: كروت نهرا إذا استحدثت حفره وكريته وكروت البئر إذا طويتها فالكُرَى جَمْعُ كُرْيَةٍ وهو ما يُكْرَى من الأرض كالحُفْرة لِمَا يُحْفَرُ ومثلها الأُكره يقالُ: أكَرْتُ بمعنى حَفْرتُ وبه سُمِّي الأَكّار
قَالَ الشاعر:
... وَيَتَأَكّرْنَ الأُكَرْ2
وفي بعض الحديث: نُهِي عَن المُؤاكَرة3. وهي المُخَابَرة.
وأمّا الكُدَى فهو جمع كُدْيَةٍ وهي القِطْعَةُ الصُلْبَةُ من الأرض تُحفَرُ فيها القبُور
ويقالُ ما هُوَ إلا ضَبُّ كُديَةٍ وذلك أَنَّهُ لا يتخذ جحره إلا في المواضع الصلبة لئلا ينهار عَلَيْهِ وقال بعضُ الأعراب:
سَقَى اللهُ أرضًا يعلم الضَّبُّ أنّها ... عَذِيَّةُ تُرْبِ الطِّين طَيّبَةُ البقل
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/139.
2 اللسان "أكر" والجمهرة 2/414 وعزي للعجاج والبيت:
"من سهله ويتأكرن الأكر
وهو قي الديوان /21.
3 في النهاية "أكر" 1/57 وفيها: يعني المزارعة على نصيب معلوم مما يزرع في الأرض وهي المخابرة. يقال: أكرت الأرض: أي حفرتها والأكرة الحفرة وبه سمي الأكار. وأخرجه النسائي 7/37 بلفظ: "نهى عن المخابرة ونهى عن كراء الأرض". وانظر كذلك 7/49 وغيره.

(1/384)


بَنَى بَيْتَهُ في رأس نَشْزٍ وكدية ... وكل امرىء في حرفة العَيْش ذُو عَقْل
وكُدِيّ وكَدَاءُ: جبلان بمكة قَالَ الشاعر:
أنت ابن معتلج البطا ... ح كديها وكدائها1
__________
1 من ت, م والبيت في اللسان "كدا" وعزي لابن قيس الرقيات وجاء في هامش اللسان: في التكملة قال عبيد الله بن قيس يمدح عبد اللملك بن مروان:
فاسمع أمير المؤمنين لمدحتي وثنائها
وهما في الديوان /117 وتهذيب اللغة 10/325.

(1/385)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرِنْ وَاعْجَلْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ أَوْ ظُفْرٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُسَدِّدٌ نا أَبُو الأَحْوَصِ نا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
هَكَذَا قَالَ ابْنُ دَاسَةَ أَرِنْ مَكْسُورَةُ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ عَرِنْ.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَرْنِ سَاكِنَةُ الرَّاءِ على وزن عرن.
هكذا حدثني خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ.
وهذا حَرفٌ طالما اسْتَثْبَتُّ فيه الرُّواةَ وسألْتُ عَنْهُ أهلَ العلم باللُّغَة فلم
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها الذبائح 7/120 ومسلم في الأضاحي 3/1558 وأبو داود 3/102 وغيرهم.

(1/385)


أجد عند واحدٍ منهُم شيئًا يُقطَعُ بصحّته وقد طلَبْتُ لَهُ مخرجا فرأيته يتجه لوجوه:
أحدها أن يكون مأخوذًا من قولهم: أَرانَ القَومُ فهُم مُرِينُون إذا هَلَكت مَواشيهم فيكون مَعْناهُ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا وأَزْهقْ أَنفُسَها بكُلِّ ما أَنْهرَ الدَّمَ غير السِّنِّ والظُّفْر هذا إذا رَوَيْتَه أَرِنْ بكسر الرَّاء عَلَى ما رَواه أبو داود.
والوجْهُ الثاني أن يُقال: ائْرَنْ مَهمُوز عَلَى وزن اعْرَنْ من أرِنَ يأرَنُ أَرَنًا إذا نَشِطَ وَخفَّ يَقُولُ: خفَّ واعْجَلْ لِئلّا تَقْتُلَها خَنْقًا وذلك أن غيْرَ الحديد لا يَمُور في الذَّكاةِ مَوْرَه والأَرَنُ الخِفَّةُ والنَّشَاطُ ويُقَالُ: في مثَل: سَمِنَ فأَرِنَ1 أي بَطِر.
قَالَ الفَرَّاءُ: العَرَصُ والهَبَصُ والأَرَنُ والتَّرمُّعُ2 والتَّقلُّزُ كُلّهُ النَّشاط وقد هَبِصَ وعَرِصَ وأَرِن وَرَجُلٌ أَرونٌ: أي نَشِيطٌ خَفِيفٌ ومُهْرٌ أَرونٌ قَالَ حُمَيْدُ بْن ثَورٍ:
يظَلُّ خباؤنا وكأنَّ حَبْلًا ... بِهِ مُتعَلِّقٌ مُهْرًا أَرُونَا3
والوجْهُ الثالثُ: أن يكون ارْنُ4. بمعنى أدِمِ الحزَّ ولا تِفْتُرْ من قولك رَنَوْتُ النّظرَ إلى الشيء إذا أَدَمْتَه. وكَأسٌ رَنْوَنَاةٌ: دائِبةٌ لا تفتر
__________
1 مجمع الأمثال 1/388 والمستقصي 2/122 ويوى: سمنوا فأرنوا".
2 كذا في م وفي بقية النسخ: "الترصع". وفي القاموس: "رصع": الترصيع النشاط وفي "رمع": رمع فلانا رمعا ورمعانا: سار سريعا.
3 ط: "تظل جيادنا.." ولم أقف على البيت في ديوانه.
4 كذا في ت, وفي س, ط: "ارْنُ بمعنى أدِمِ الحزَّ".

(1/386)


ولا تنقْطَع أو يكون أراد أَدِم النظرَ إليْه وراعِهِ بِبَصرك لا يزِلّ عَن المَذْبح.
قَالَ: وأقرب من هذا كُلّه أن يكون أَرِزَّ بالزّاي: أي شُدَّ يَدَكَ عَلَى المحزِّ واعْتمِدْ بها عَلَيْهِ.
من قولك: أَرزَّ الرَّجُلُ إصْبَعه إذا أثاخَها في الشَّيء وأرزَّت الجَرادةُ إرْزَازًا إذا أَدْخلَتْ ذَنَبَها في الأرض لكي تَبيضَ. وارتز السَّهْمُ في الجِدار إذا ثبت. هذا إن ساعدته الرِّواية واللهُ أعْلَمُ بالصواب.

(1/387)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلا عَلَى الصَّدَقَةِ فجاءه1 بفصيل مخلول أو محلول سيىء الحال مهزول فقال هذا مِنْ صَدَقَةِ بَنِي فُلانٍ فَقَالَ: "لا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِي إِبِلِهِ" فَبَلَغَ الرَّجُلَ دُعَاءُ النَّبِيِّ فَجَاءَ بِنَاقَةٍ كَوْمَاءَ يَتُلُّهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَلَّهَا إِلَيْهِ فَدَعَا لَهُ فِيهِ وَفِي إِبِلِهِ بِالْبَرَكَةِ.2
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ عَنْ علي بن عَبْد العزيز عن أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.
قوله: فصيل مخلول هو المَضُرور المَنْهُوك يقالُ: رَجُلٌ خَلٌّ إذا كَانَ باديَ الضُّرِّ والهُزال قَالَ الشَّنفرى:
فاسْقِيَاني يا سَوادَ بْن عَمرٍو ... إن جسمِي بَعْدَ خالي لخل3
__________
1 م: "فجاء".
2 أخرجه النسائي في الزكاة بلفظ "ناقة حسناء" بدل "كوماء" وبدون قوبه: "يتلها" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/157 بنحوه.
3 ت, م واللسان "خلل": فاسقنيها.

(1/387)


وثَوْبٌ خَلٌّ وهو الَّذِي أَخَذ منه البِلَى. ومنه سُمِّي الفَقِيرُ خَلِيلًا. قَالَ زُهَيْرٌ:
وإِنْ أتاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مسِألةٍ ... يقُول لا غائِبٌ مالي ولا حَرِمُ1
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون المَخْلول هُوَ الَّذِي فُطِمَ حديثًا وذلك أنّهْم إذا أرادُوا فِطامَه عَمَدوا إلى خِلالٍ فشَدُّوه فوق أَنفِه وتركوه ناتئًا منه حتّى إذا أراد الرّضاع نَخَس الخِلالُ ضَرْعَ النَّاقة فَزَبَنَتْهُ فيُهْزَل عند ذَلِكَ الفَصِيل وأما المَحْلُولُ فهو الَّذِي حُلَّ عَنْ أوْصَالِه اللَّحْمُ فعَري منه.
وقوله: فتّلها إِلَيْهِ معناه أناخها إِلَيْهِ من قولك: تلَلْتُ الرَّجُلَ إذا صرَعْتَه. قَالَ الله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} 2.
وكلُّ شيءٍ ألقيتَه عَلَى الأرضِ مِمَّا لَهُ جثّةٌ فقد تَللْتَه ومنه سُمِّي التَّلُّ من التُّراب قَالَ حُمَيْد بنُ ثور يَصفُ الظَلِيمَ:
كأَنَّه بالبِيد لَمَّا أنْ دَمجْ ... مُروَّقٌ في الرِّيح مَتْلُولُ الشَّرَجْ 3
يريد حِبالَة4 رِواقٍ مُلْقَى الشَّرَج.
ومن هنا حديثه الآخر أنّه قَالَ: "أُتِيتُ بمفاتيحِ الأرضِ فَتُلَّتْ في يَدي" 5. أي أُلْقِيَت إليَّ وتُرِكَت في يَدِي.
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ حَدَّثَنِيهِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدّ نا حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ نا أَبُو مُصْعَبٍ نا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ
__________
1 اللسان والتاج "حرم" والديوان /53.
2 سورة الصافات: 103.
3 في الديوان /63 قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذان البيتان.
4 ت, ح: "يريد خباء له رواق" والمثبت من س, م, ط.
5 أخرجه الإمام أحمد في مسنده بهذا اللفظ 2/502 وفي البخاري 9/43 ومسلم 1/371 وغيرهما بلفظ: "فوضعت في يدي".

(1/388)


بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ فَقَالَ للْغُلامُ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ" فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي يَدِهِ1.
والكوماءُ المرتَفِعَةُ السَّنام يقال: كوَّمتُ الشيءَ إذا جعَلْتَ بَعْضَه فوْقَ بَعْضٍ وكوَّمْتُ التُرابَ إذا جمعته.
__________
1 أخرجه البخاري في المظالم 3/170 وفي الهبة 3/211 وأخرجه مسلم في الأشربة 3/1604 والإمام أحمد في مسنده 5/333.

(1/389)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مُلَمْلَمَةٍ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا1.
يَرْوِيهِ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ.
المُلمْلَمة وهي المُستَدِيرة سِمَنًا أُخِذَتْ من اللَّمِّ وهو الجَمْعُ. قَالَ الله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً} 2 أي: أَكْلًا كثيرًا مُجْتَمِعًا
وإنّما ردّها لأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهى المُصدِّقَ عَنْ أخذِ خيارِ المالِ ونَهى صاحبَ المال أن يُعْطِيَ من رُذَالَتِه ولكن وسَطًا بينهما3 لا يَضُرُّ بأهْل الصدقة ولا يُجْحِفُ بأَرْبَاب المال.
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الزكاة 1/576 والنسائي 5/30 بلفظ "بناقة كوماء" وكذلك أحمد في مسنده 4/315.
2 سورة الفجر: 19.
3 ت: بينها.

(1/389)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَعْرَ1 بْنَ دَيْسَمَ وَيُقَالُ سَعْنُ قَالَ: كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَ رَجُلانِ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالا: إِنَّا رَسُولا رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ لِتُؤَدِّيَ صَدَقَةَ غَنَمِكَ فَقُلْتُ: مَا عَلَيَّ فِيهَا فَقَالا شَاةٌ فَأَعْمِدُ إِلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةٍ مَحْضًا وَشَحْمًا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا فَقَالا: هَذِهِ شَاةٌ شَافِعٌ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ثَفْنَةَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ سَعْرِ بْنِ دَيْسَمٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ وَأَخْطَأَ فِيهِ وَكِيعٌ هَكَذَا قَالَ بِشْر بْن السَّريّ ورَوْح بْن عُبَادَة قَالَ وأَخْطَأَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ مَحْضًا وَإِنَّمَا هُوَ مَخَاضًا وَشَحْمًا.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّقْرِ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مُرَارَةَ الْجُهَنِيِّ عَنِ ابْنِ سَعْنٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَ رَجُلٌ يَعْنِي مصدق النبي قَالَ فَجِئْتُهُ بِشَاةٍ مَاخِضٍ خَيْرُ مَا وَجَدْتُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: لَيْسَ حَقُّنَا فِي هَذِهِ فَقُلْتُ: فَفِيمَ حَقُّكَ قَالَ: فِي الثنية والجذعة اللَّجْبَةِ3.
المْحضُ اللبَن قَالَ الحطيئةُ:
قَرَوْا جَارَك العَيْمانَ لما جفَوْتَه ... وَقَلَّصَ من بَرْدِ الشِّتاء مشَافرُه
__________
1 ح: "سعد بن دسيم". وفي القريب 1/291: سعر بفتح أوله وآخره راء ابن سوادة أو ابن ديسم الكناني الديلي مخضرم وقيل: له صحبة.
2 أخرجه أبو داود في الزكاة 2/103 والبيهقي في السنن الكبرى 4/96 وغيرهما.
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/2/199 بنحوه.

(1/390)


سَنَامًا ومَحْضًا أَنْبَتا اللَّحْم فاكتسَتْ ... عظام امرىء ما كَانَ يشبع طائرُه1
وأمّا قوله: مَخاضًا فإنّه مَصْدَر مَخَضَت الشاةُ مَخاضًا ومِخاضًا إذا دنا نتاجُها يريد أَنَّها قد امتلأتْ حَمْلًا وسِمَنًا.
وروايةُ إبراهيم بْن المنذر تَشْهَدُ لقول يَحْيَى بْن مَعِين والمخاضُ في غير هذا الإِبِلُ الحَواملُ واحدتُها خَلِفةٌ عَلَى غير قياسٍ كما قَالُوا للواحدة من النِّساءِ امرأةٌ. واللَّجْبَةُ التي لا لبن لها. قَالَ الأصمعيُّ: هي التي أَتَى عليها بعْد نِتاجها أَربعة أشْهُرٍ فخفَّ2 لَبَنُها. والشَّافِعُ تفسيره في الحديث هي التي في بَطْنها وَلَدٌ يريد أنّها بِوَلَدِها قَدْ صارتْ شَفْعًا.
__________
1 الديوان /184.
2 ت, م: "فجف" والمثبت من س, ط.

(1/391)