غريب الحديث للخطابي

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ إِمَامٌ تَخَافُ عَتْرَسَتُهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ رَبِّ السموات ... ".
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سليمان في حديث عبد الله أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ إِمَامٌ تَخَافُ عَتْرَسَتُهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ كُنْ لِي جَارًا مِنْ فُلانٍ1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سويد عن عبد الله.
العترسة القسر والغلبة وبه سمي الأسد عنتريسا كما لقسره يسمى قسورة وكما لحدارته يسمى حيدرة والحادر الغليظ.
والعنتريس من نعت الإبل وهو الشديد ويقال: الجريء.
وقد روينا عن عبد الله بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي سَفَرٍ فَسُرِقَتْ عَيْبَةٌ لِي وَمَعَنَا رَجُلٌ يُتَّهَمُ فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ أَرَدْتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ آتِي بِهِ مَصْفُودًا قَالَ: تَأْتِينِي بِهِ مَصْفُودًا تَعْتَرِسُهُ فَغَضِبَ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ2.
والمصفود المقيد والصفد ساكنة الفاء القيد. والصفد مفتوحها العطاء يُقَالُ: صفدته من القيد وأصفدته من العطاء قال الشاعر:
__________
1 كنز العمال "2/661" بلفظ "تغطرسه" بدل "عترسته" وفي الجامع الكبير "2/534" بلفظ "بطشه".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/217" إلا أن فيه "عبد الله بن أبي عامر" بدل "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ".

(2/246)


وأصفدني على الزمانة قائدا1
وَقَالَ النابغة:
هذا الثناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد2
__________
1 اللسان والتاج "صفد" وصدره "تضيفه يوما فقرب مقعدي" وهو للأعشى في العطية يمدح رجلا, والبيت في الديوان "65" – ط: النموزجية.
2 الديوان "24" وشعراء النصرانية "4/66*".

(2/247)


وَقَالَ أبو سليمان في حديث عبد الله أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْتَ لِي عَدُوٌّ فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا بِالإِسْلامِ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الحسن بن سهل المجوز أخبرنا شعيث بن محرز أخبرنا شُعْبَةُ قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ أَخْبَرَنِي قَالَ قَالَ أَبُو وَائَلٍ سمعت عبد الله يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ شُعْبَةُ وَهَذَا حَدِيثٌ شَدِيدٌ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وجه هذا والله أعلم أَنَّهُ أراد كفران النعمة لأن اللَّه جل وعز قد من على المسلمين بما جمعهم عليه من ألفة الإسلام فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 2 إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخوانا فمن جهل هذه النعمة ولم يعظم موقع المنة فيها فقد قابلها بالكفران ولو أراد الكفر المطلق الَّذِي هو الخروج من الملة لأشبه
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معحمه لوحة "142" – أ.
2 سورة الأحزاب: "9".

(2/248)


أن يقول كفرا وكفر بالله وإنما قَالَ: فقد كفر بالإسلام إشارة إلى هذا المعني والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون المعنى في تكفيره إياه أن كان أراد بالكفر خروجه من الملة أَنَّهُ مكذب بالقرآن فقد أخبر اللَّه في كتابة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1 وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2 فمن جعل بعضهم أعداء بعض فقد كذب بالقرآن والمكذب به كافر.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "قِتَالُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ" 3 فَمَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لَهُ وَالتَّغْلِيظُ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَالْكُفْرِ فَلا تُقَاتِلُهُ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: الْفَقْرُ الْمَوْتُ أَيْ كالموت ونظير هذا قوله: "كُفْرٌ بِاللَّهِ انْتِفَاءٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ وَادِّعَاءُ نَسَبٍ لا يُعْرَفُ" 4. أَيْ كَالْكُفْرِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ مَنِ ادَّعَى نَسَبًا لا يُعْرَفُ كَانَ كَافِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْكَلامِ كَثِيرٌ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" 5 فَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ لا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا بِهِ أَنْ تُقَاتِلُوا وَيَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ بهذا الكلام أهل الردة.
__________
1 سورة الحجرات: "10".
2 سورة التوبة: "71".
3 أخرجه البخاري في مواضع منها الفتن "9/63ط ومسلم في الإيمان "1/81" والترمذي في البر والصلة "4/353" وابن ماجة في المقدمة "1/27" وغيرهم.
4 أخرجه الدارمي في الفرائض "2/344" عن أبي بكر الصديق وابن مسعود وأحمد في مسنده "2/215" وعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده.
5 أخرجه اليخاري في موايضع منها الفتن "9/63" ومسلم في الإيمان "1/82" والترمذي في الفتن "4/486" وأبو داود في السنة "4/221" وغيرهم.

(2/249)


أَخْبَرَنِي إبراهيم بن فراس سمعت موسى بن هارون يقول هؤلاء أهل الردة قتلهم أَبُو بَكْر وقد قيل معنى قوله كفارا متكفرين بالسلاح أي لابسين له.
قَالَ بعض أهل اللغة إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا قيل قد كفر فهو كافر وقال: كل ما غطى شيئا فقد كفره قَالَ الشاعر:
قد درست غير رماد مكفور ... مكتئب اللون مروح ممطور1
يريد أن الريح سفت عليه التراب فوارته به قَالَ: ومن هذا اشتقاق الكافر وذلك أنه غطى نعمة اللَّه ولم يظهرها.
وَقَالَ بعضهم: الكافر بمعنى المكفور فاعل بمعنى مفعول وذلك أَنَّهُ مغمور على قلبه مغطى عليه.
وَقَوْلُهُ فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا بِالإِسْلامِ أَرَادَ بِهِ الْقَائِلَ دُونَ الْمَقُولِ لَهُ وَمِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي كَلامِهَا وَتَرْكُ التَّصْرِيحِ بِالسُّوءِ وَهُوَ كَقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِرَجُلٍ قَدْ عَلِمَتَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: إِنَّ أَحَدَنَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ يَعْنِيهِ بِذَلِكَ وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ وَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2.
__________
1 اللسان والتاج "كفر" وقبله "هل يعرف الدار بأعلى ذي القور".
2 سورة سبأ: "24".

(2/250)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "مَحَاشُّ النِّسَاءِ عَلَيْكُمْ حرام1"
__________
1 أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار "3/46" عن أبي بشر الرقي عن أبي ... =

(2/250)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٌ عَنْ أبي القعقاع عن عبد الله.
يريد الأدبار والمحشة الدبر وهي المحسة أيضا ومن أسمائها التينة والرماعة والعفاقة ومنه قولهم للرجل كذبت عفاقته.
__________
= معاوية, والبيهقي في سننه "7/199" وأخرجه الطيراني مرفوعا عن جابر برواية "نهى عن محاش النساء" كما في مجمع الزوائد "4/299".

(2/251)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ ذَكَرَ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ الرُّومَ وَفَتْحَ قُسْطَنْطِينِيَّةِ فَقَالَ: يَسْتَمِدُّ الْمُسْلِمُونَ1 بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَلْتَقُونَ تُشْرَطُ2 شُرْطَةٌ لِلْمَوْتِ لا يَرْجِعُونَ إِلا غَالِبِينَ3.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الشرطة أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة قَالَ الهذلي:
ألا لله درك من ... فتى قوم إذا رهبوا
فكان أخي لشرطتهم ... إذا يدعى لها يثب4
__________
1 ح: "المؤمنون".
2 ح: "تشريط شرطة الموت".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/385 – 387" بلفظ "فيقتلون" بدل "فيلتقون" وأخرجه مسلم في الفتن "4/2223" باختلاف بعض الألفاظ وكذلك الإمام أحمد في مسنده "1/435" والحاكم في المستدرك "4/477" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/534" والحديث في الفائق "شرط" "2/238" وجاء في الشرح يقال: أشرط نفسه لكذا إذا أعلمها له وأعدها فحذف المفعول.
4 شرح أشعار الهذليين "1/426" والشعر لأبي العيال الهذلي والبيت الثاني برواية:
فلم يوجد لشرطتهم ... فتى فيهم وقد ندبوا

(2/251)


[96] / وإنما سموا شرطة لتقدمهم أمام الجيش1 ولذلك سمي قرنا الحمل الشرطين وهو أول نجم من الربيع.
قَالَ بعض أهل اللغة ومن هذا سمي نخبة أصحاب السلطان الشرط وذلك لأنه قد رتبهم ببابه وقدمهم على غيرهم من جنده وأنكر ما ذهب إليه أَبُو عبيد من أنهم سموا شرطا لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامة عرفوا بها وأنكر قوله في أشراط الساعة أنها علاماتها وأن يكون الاشتراط الَّذِي يشترطه الناس بعضهم على بعض من هذا قال: وذلك لأن الشرط يجمع على الشروط لا على الأشراط قَالَ: وإنما الأشراط جمع الشرط مفتوحة الراء قَالَ: والشرط الدون من كل شيء وأنشد للكميت:
وجدت الناس غير بني نزار ... ولم أذممهم شرطا ودونا2
قَالَ: فأشراط الساعة ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة قَالَ: فأما قول الشاعر:
فأشرط فيها نفسه وهو معصم ... وألقى بأسباب له وتوكلا3
وتأويل أبي عبيد أَنَّهُ أعلم نفسه فغلط قَالَ: ومعناه أَنَّهُ استخف بنفسه واستهان بها فجعلها شرطا كشرط المال.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ: هم الشرط والنسبة إليهم شرطي والشرطة والنسبة إليهم شرطي ويقال:
__________
= وجاء بعده:
فكنت فتاهم فيها ... إذا تدعى لها تثب
1 الفائق "شرط" سموا بذلك لأنهم يشرطون أنفسهم للهلكة.
2 شعر كمنت "2/629".
3 اللسان والتاج "شرط" وعزي لأوس بن حجر وهو في ديوانه "87".

(2/252)


مطر أشراطي إذا نسب إلى نوء الشرطين ورجل شريطي إذا كان يعمل الشرط وهي جمع شريطة وهي العيبة.

(2/253)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ زِيَادًا الْيَرْبُوعِيَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكَبِهِ وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: اعْلُ عَنَّجِ1.
هَكَذَا حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ علي بن عبد العزيز أخبرنا حَجَّاجٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أخبرنا سيار بن سلامة أَبُو الْمِنْهَالِ عَنْ رَفِيعِ أَبِي الْعَالِيَةِ.
قوله عنج إنما هو عني أبدل الياء جيما وهو لغة لبعضهم وأنشدوا في ذلك:
يا رب إن كنت قبلت حجتج ... فلا يزال راكب يأتيك بج2
فأما الذين من لغتهم أن يجعلوا الياء الثقيلة جيما أعجمية فهم قوم من ربيعة وأنشدوا لهم:
المطعمون اللحم بالعشج ... وبالغداة فلق البرنج3
فأما من يجعل كاف المخاطبة جيما فهم قبائل من اليمن ولقد رأيت رجلا منهم يسأل بعض الفقهاء عَنْ مسألة فَقَالَ له: أصلحج الله ماتقول في كذا يريد أصلحك اللَّه وعلى هذا رووا حديث عائشة: "إيذني له فإنه عمج".
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/57" بلفظ "اعل عني".
2 نوادر أبي زيد "164" برواية "فلا يزال شاحج".
3 اللسان والتاج "برن" برواية "المطمعان" وجاء قبل البيتين "خالي عويف وأبو علج" أراد أبو علي وبالعشي والبرني.

(2/253)


حَدَّثَنِيهُ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ أهل مدينة السلام أخبرنا محمد بن عمر البجيري أخبرنا عبيد بن محمد الكشوري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَرَأْنَا على مطهر أخبرنا هِشَامٌ الْقُرَدُوسِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة عن أبيه عن الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي قُعَيْسٍ أَرْضَعَتْنِي وَإِنَّ أَخًا لأَبِي قُعَيْسٍ يَأْتِينِي فَيَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فقال النبي: "ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمَّجِ" يُرِيدُ عَمَّكِ1 وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قبل بعض النقلة وكان لا يَتَكَلَّمُ إِلا بِاللُّغَةِ الْعَالِيَةِ.
[97] فأما الذين من لغتهم أن يجعلوا / كاف خطاب المؤنث شينا فهم بكر وتُسَمَّى هذه كشكشة وبها قرأ من قرأ منهم: "إن اللَّه اصطفاش وطهرش"2.
وَأَخْبَرَنِي محمد بن الرهني أخبرنا ابن دريد أخبرنا أبو حاتم أخبرنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: أَيُّ النَّاسِ أَفْصَحُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ السِّمَاطِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ارْتَفَعُوا عَنْ فُرَاتِيَّةِ الْعِرَاقِ وَتَيَاسَرُوا عَنْ كَشْكَشَةِ بَكْرٍ وَتَيَامَنُوا عَنْ عَنْعَنَةِ تَمِيمٍ لَيْسَ فِيهِمْ غمغمة قضاعة ولا طمطانية حِمْيَرَ قَالَ: فَمَنْ هُمْ قَالَ قَوْمُكَ قُرَيْشٌ3.
وَقَوْلُهُ: أعل عني معناه تنح عني قَالَ الكسائي يُقَالُ: أعل عَنِ الوسادة وعال عنها أي تنح عنها.
__________
1 لم أقف عليه بلفظ "عمج" وأخرجه مالك في الموطأ "2/601" والبخاري في النكاح "7/49" ومسلم في الرضاع "2/1070" والدارمي في النكاح "2/156" وغيرهم بلفظ "عمك".
2 سورة آل عمران "42".
3 العقد الفريد "3/320".

(2/254)


وقَالَ غيره يُقَالُ: علوت عَنِ1 الوسادة إذا ارتفعت عنها وأعليت عنها إذا نزلت قَالَ: وإذا وقع ثوب الرجل تحت رجل آخر قَالَ له: أعل عَنْ ثوبي أي خل عنه.
وَقَالَ بعضهم: قول الناس تعال بمعنى أقبل إنما هو تفاعل من العلو أي ارتفع قَالَ الفراء ثم كثر استعماله حتى جعلوه بمنزلة أقبل.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ومن هذا قول أبي سفيان بن حرب لعمر يوم أحد أنعمت فعال عنها.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا جَرَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مَا جَرَى مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَثْلِ أَقْبَلَ أَبُو سفيان وهو يقال: اعْلُ هُبَلَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانُ: أَنْعَمَتْ فَعَالِ عَنْهَا2.
ومعنى هذا الكلام أن الرجل من قريش كان إذا أراد أن يبتدىء أمرا عمد إلى سهمين من سهامه فكتب على أحدهما نعم وعلى الآخر لا ثم يتقدم إلى هذا الصنم فيجيل سهامه فإن خرج سهم الإنعام أقدم على أمره وتم لوجهه وإن خرج السهم الزاجر تركه وأعرض عنه وهو معنى ما ذكره اللَّه في كتابه من استقسامهم بالأزلام وهي القداح التي كانوا يحيلونها ويسمونها أيضا الأقلام لأنهم كانوا يكتبون عليها بأقلامهم نعم ولا ومن هذا قوله تعالى:
__________
1 ط: "علوت على الوسادة إذا ارتفعت عليها.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/366" بلفظ "أنعمت عينا" بدل "أنعمت فعال عنها" في حديث طويل وقد أخرجه الواقدي في مغازيه "1/297" بهذا اللفظ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "4/38" بلفظ "أنعمت" فقط وانظر الفائق "هبل" "4/88, 89".

(2/255)


{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 1 يريد والله أعلم سهامهم حين أقرعوا أيهم يكفلها أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثعلب عَنِ ابن نَجْدَة عَنْ أَبِي زيد:
إن امرأ أمن الحوادث سالما ... ورجا الخلود كضارب بقداح
يريد أَنَّهُ في جهله كمن يستفتي الصنم ويستقسم بالأزلام وكان أَبُو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد امتنعت عليه رجال قومه لما أصابهم من البلية يوم بدر فواضعهم على أن يستفتي هذا الصنم فخرج له سهم الإنعام فاستجر بذلك قريشا وقادهم إلى أحد فذلك قوله أنعمت فعال عنها أي تجاف عنها ولا تذكرها بسوء فقد صدقت في فتواها.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِكَسْرِ هُبَلَ فَكُسِّرَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ قَدْ كُسِّرَ هُبَلُ أَمَا إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ مِنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فِي غُرُورٍ حِينَ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ دع هذا [98] عنك يابن الْعَوَّامِ / فَقَدْ أَرَى لَوْ كَانَ مَعَ إِلَهِ مُحَمَّدٍ غَيْرُهُ لَكَانَ غير ما كان2.
__________
1 سورة آل عمران: "44".
2 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/832" بلفظ.

(2/256)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَتَعَاجَمُ أَنَّ مَلِكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ1
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلِيلٍ أخبرنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شُرَيْكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافَعٍ عن عبد الله
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال في "12/599" وعزاه لابن عساكر.

(2/256)


قَوْلُهُ: نَتَعَاجَمُ أَيْ نُكَنِّي وَنُوَرِّي وكل من كنى عَنْ شيء وأخفى بيانه فلم يفصح به فقد أعجمه قَالَ ذو الرمة:
أُحِبُّ المَكانَ القَفْرَ من أجْل أَنَّني ... بِهِ أتَغنَّى باسمها غَيْرَ معجم1
وإنما قيل للبهيمة عجماء لأنه لا بيان لصوتها ويقال: رجل أعجم إذا كان في لسانه عجمة قَالَ كثير:
وما زال كتمانيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم
وأخبرنا ابن مالك أخبرنا الدغولي عن المازني أخبرنا الأصمعي قَالَ: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء وبين مُحَمَّد بن مسعر الفدكي فَقَالَ أَبُو عمرو ما تقول قَالَ: أقول إن اللَّه وعد وعدا وأوعد إيعادا فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده فَقَالَ أَبُو عمرو: إنك رجل أعجم لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب إن العرب تعد الرجوع عَنِ الوعد لؤما وعَنِ الإيعاد كرما وأنشد:
فإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي2
ويقال: رجل أعجم إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل أعجمي وعجمي إذا كان أصله من العجم وإن كان فصيح اللسان.
قَالَ الفراء: ويقال: رجل أعرابي إذا نسب إلى أَنَّهُ من أعراب البادية وعربي إذا نسبته إلى آبائه من العرب فإذا كان يتكلم بالعربية وهو من العجم قلت عرباني.
__________
1 الديوان "628" وتقدم في الجزء الأول لوحة "246".
2 اللسان والتاج "وعد" وروي الشطر الثاني فيهما "لأخلف إيعادي وأنجز موعدي".
وعزي لعامر بن الطفيل وهو في ديوانه يرواية اللسان.

(2/257)


وحدثني عبد العزيز بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ لا نَشُكُّ أَنَّ السَّكِينَةَ تَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ عمر رضي الله عنه1.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "12/601" وعزاه للطبراني في الأوسط.

(2/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَ لَهَا الْخَلِيلُ تَلْبِسُ الْقَالِبَيْنِ تَطَاوَلُ بِهِمَا لِخَلِيلِهَا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ"1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابن مسعود قال فقلت لعبد الرزاق مَا الْقَالِبَيْنِ قَالَ: رَقِيصَيْنِ مِنْ خَشَبٍ. الرَّقِيصُ النَّعْلُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَبَنُو أَسَدٍ يُسَمُّونَ النَّعْلَ الْغَرِيفَةَ وَإِنَّمَا أُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ عُقُوبَةً لَهُنَّ لِئَلا يَشْهَدْنَ الْجَمَاعَةَ مع الرجال.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/149" بلفظ: "فقلنا لأبي بكر" بدل "فقلت لعبد الرزاق" وأشار الحافظ في الفتح "1/341" في كتاب الحيض إلى هذا الحديث فقال: أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح.

(2/258)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّكُمْ مَعَاشِرَ هَمْدَانَ مِنْ أَحْجَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ يَمُوتُ أَحَدُكُمْ وَلا يَتْرُكُ عَصَبَةً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيُوصِ بِمَالِهِ كُلِّهِ"1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سفيان أخبرنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شرحبيل عن عبد الله.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "1/60" وأخرجه بنحوه الطبراني كما في مجمع الزوائد "4/212".

(2/258)


قوله أحجى معناه أولى وأجدر قَالَ الأعشي:
أم الصبر أحجى فإن امرأ ... سينفعه علمه إن علم1
ويقال أحج بذاك وأعس به وأحر به وأقمن به وأجدر به وأخلق به كله بمعنى التعجب ويقال: [99] هو حجي أن يفعل وعسي ومنهم من يحذف الياء فيقول حج وعس ومنهم من يقول حجي وحرى.
قَالَ ابن كيسان: أصله من الحجى وهو العقل يراد أن العقل يوجب فعله. قال: وأما عسي فهو من قولك عسى أن يقوم زيد أي مظنون به لذلك وذكر في سائرهن اشتقاقا لا يعتمد أكثره.
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأي أن بطلان الوصية بأكثر من الثلث إنما هو لحق الوارث فإذا لم تكن ورثة كان لصاحب المال أن يضعه حيث شاء وفيه أَنَّهُ لم يأمر برد ماله إلى القبيلة إذا لم يكن له قعود2 في النسب.
__________
1 الديوان "196".
2 القاموس "قعد" قعيد النسب وقعدد وقعدد ... قريب الآباء من الجد الأكبر والقعدد: البعيد الآباء منه "ضد".

(2/259)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: سَرْجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَحْلٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ1.
قَالَ أَبُو عبيد: كأنه كره المحمل.
قَالَ ابن قتيبة: المحامل إنما أحدثت في زمن الحجاج فكيف يكره ابن مسعود ما لم يره ولم يحدث في زمانه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد كانت المحامل قبل زمان الحجاج وإنما كان من الحجاج فيها أَنَّهُ أمر بإحكام صنعتها والزيادة في قدرها والتوسيع لها لينام المسافر فيها فعلى هذا المعنى نسبت إليه والأمر في ذلك بين عند أصحاب المعرفة بالأخبار وأهل العناية فيها وفي ذلك يقول بعضهم:
ومحملا أترص حجاجيا
أي أحكم وسوي وكانوا قبل يسمون المحامل الملابن قَالَ الراجز:
لا يحمل الملبن إلا الجرشع2
__________
1 أخرجه أبو عبيد في عريبه "4/113" ولم أقف عليه في غريب الحديث لابن قتيبة.
2 الجمهرة "1/328" وبعده "المكرب الأوظفة الموقع" وعزي لمسعود بن وكيع.

(2/261)


يريد الضخم من الإبل ولم يزل من عادة العرب أن يتخذوا لأسفارهم المراكب والمشاجر والهوادج ويركب فيها الشيوخ والنساء والضعفة فأما الملابن فإنما كان يتخذها أهل الترفه والنعمة ومن مال إلى الدعة فيهم وكل هذه المراكب على اختلافها في القدر والسعة محامل وإن كانت قد تختلف في الأسماء لما لها من اختلاف الصنعة والتركيب والهيئة وإذا كانت هذه الأمور موجودة في الزمان الأول وكان معلوما أنهم إنما كانوا يتخذونها طلبا لراحة الدعة وهربا من تعب المشقة وكان الأمر في الرحل بخلافها لقلة ارتفاق المسافر به وعدم الدِّعة في ركوبه وكانت الإشارة من عبد الله للحاج1 إليه إنَّمَا هو لأن يقل حظه من الدعة2 والراحة وليمسه طرف من المشقة فيكون أفضل لحجه وأكثر لأجره فقد عقل أن الَّذِي أحدثه الناس بعد من المحامل والكنائس والعماريات داخل تحت هذا المعنى الَّذِي أشار عبد الله إليه ولاحق بحكمه فعلى هذا المعنى تأول أَبُو عبيد الحديث وأضاف إلى عبد الله كراهية المحمل وإن كان هذا النوع من المحامل غير موجود في زمانه.
وَنَظِيرُ هَذَا فِي الحَدِيثُ أن رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه قَدْ نَهَى عَنْ إِسْبَالِ الإِزَارِ لأنه من المخيلة قال: "لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلاءَ", وَقَالَ: "فَضْلُ الإِزَارِ فِي النَّارِ" 3 وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي عَهْدِه إِنَّمَا يَلْبِسُونَ الأَرديَةَ وَالأُزِرِ فلما لبس الناس المقطعات وصار عامة لباسهم القمص واتخذوا الدراريع4 وأذالوها واستعملوا محدث اللباس كان حكمها حكم الإزار في كراهة السدل والتذييل فكان للمستدل أن يستبدل فيها بخبر الإزار وأن
__________
1 س, ط: "للحجاج".
2 من ط.
3 أخرجه البخاري في اللباس "7:182 – 183" عن ابن عمر وأبي هريرة ومسلم في اللباس "3/1651 – 1653" وأبو داود في اللباس "4/56" وغيرهم.
4 ح: "الدرائع" وفي القاموس "درع" الدراعة: ثوب من صوف.

(2/262)


يمد بحكمه عليها وإن يضيف النهي عنها والكراهية لها إلى رسول الله إذ كانت كلها داخلة في معنى ما نهى عنه من ذلك.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ما قاله رسول الله فِي الإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ1.
وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحَاجُّ, فَقَالَ: "الأَشْعَثُ التَّفِلُ" 2 يُرِيدُ أَنَّ مِنْ صِفَةِ الْحَاجِّ أَنْ يَهْجُرَ الطِّيبَ وَالدُّهْنَ حَتَّى يَشْعَثَ بَدَنُهُ وَتَتَغَيَّرَ رَائِحَتُهُ ولو استدل مستدل بها على أَنَّهُ كره للحاج استعمال / الغالية [101] وتغليف رأسه بها لكان مصيبا في الاستدلال واضعا في موضعه وإن كانت الغالية إنما أحدثت بعد عصره بزمان طويل وإنما يذكر أنها صنعت لبعض ملوك بني مروان هشام أو غيره وأنهم لما رفعوا الحساب فيها وقد أكثروا النفقة عليها قَالَ هذه غالية فلقبت بها.
وَقِيلَ لِرَسُولِ الله وَقَدْ وَكَفَ مَسْجِدُهُ أَلا نَرْفَعُ لَكَ هَذَا الْمَسْجِدَ وَنُصْلِحُهُ فَقَالَ: "لا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى" 3.
فلو اقتضي مقتض من هذا نهيه عَنْ تنجيد المساجد وتزويقها واتخاذها بمشاوب الذهب كان مصيبا في ذلك وإن لم يكن شيء منها معهودا في ذلك الزمان وإنما أحدث تزويق المساجد فيما يذكر الوليد بن عَبْد الملك وأنكر فعله فيها أكثر العلماء ومثل هذا كثير والأمر فيه بين واضح إن شاء اللَّه.
__________
1 أخرجه أبو داود في اللباس "4/60" والبخاري بنحوه في اللباس أيضا "7/183" وأحمد في مسنده "2/110 – 137".
2 أخرجه الترمذي في التفسير "5/115" وابن ماجة في المناسك "2/966".
3 ذكره السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير "4/311" بلفظ "عرش كعرش موسى" وبلفظ "عريش كعريش موسى" وعزاه للبيهقي عن سالم بن عطية مرسلا وانطر صحيح الجامع الصغير "4/30".
وهو في الفائق "وشع" "4/62" برواية "خشبات وثمامات وعريش كعريش موسى" وفي النهاية "وشع" "5/188" والقاموس "عرش": العرش: البيت الذي يستظل به.

(2/263)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ ابْنَ مُعَيْزٍ1 السَّعْدِيَّ قَالَ خَرَجْتُ سَحَرًا أَسَقِّدُ بِفَرَسٍ لِي فَمَرَرْتُ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فسمتهم يَذْكُرُونَ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ نبي فأتيت عبد الله بْنَ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِمِ الشُّرْطَ فَجَاؤُوا بِهِمْ فَاسْتَتَابَهُمْ قَالَ فَتَابُوا فَخَلَّى عَنْهُمْ وَقَدِمَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ2.
حَدَّثَنِيهُ الأَزْهَرِيُّ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السلمي3 أخبرنا أبو الصلت أخبرنا أبو بكر بن عياش أنبأنا عَاصِمُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْزٍ السَّعْدِيِّ.
قوله أسقد فرسا أي أضمره والسقدد الفرس المضمر يُقَالُ سقده وسلقده أي ضمره.
__________
1 في جميع النسخ ابن معير "تصحيف" والمثبت من طبقات ابن سعد "6/196" وفي المستبه "2/598" "وتصغير معز: عبد الله بن معيز السعدي عن ابن مسعود وعنه أبو وائل.
2 أخرجه ابن سعد في طبقاته "6/196" مختصرا بلفظ "خرجت أسفد فرسا لي بالسحر قال: فَمَرَرْتُ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ.
3 س: "محمد بن عبد الرحمن الشامي" والمثبت من ح, ط.

(2/264)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ بِابْنِ أَخِيهِ وهو سكران فأمر عبد الله بِسَوْطٍ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ قَالَ لِلْجَلادِ اضْرِبْ وَارْجِعْ يَدَيْكَ ثُمَّ قَالَ بِئْسَ لَعَمْرِو اللَّهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ هَذَا مَا أَدَّبْتَ فَأَحْسَنْتَ الأَدْبَ وَلا سَتَرْتَ الْخَرْبَةَ فَقَالَ يا أبا عبد الرحمن أَنَّهُ لابْنُ أَخِي وَإِنِّي لأَجِدُ لَهُ مِنَ الَّلاعَةِ مَا أَجِدُ لولدي ولكن لم آله1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/380 – 372" في حديث طويل بلفظ "اللوعة" بدل "اللاعة" والبيهقي في سننه "8/326, 331" والحميدي في مسنده "1/48" مع اخبلاف في بعض الألفاظ وهو في مجمع الزوائد "6/275 – 276" والجامع الكبير "2/538".

(2/264)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عبد الله التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ أَبُو مَاجِدٍ ارْجِعْ يَدَيْكَ يُرِيدُ لا تَتَمَتَّى.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يريد أَنَّهُ لا يرفع يديه ولا يمدهما إذا أرادت1 الضرب والتمتي. هو التَّمَطِّي يُقَالُ مط ومت ومد بمعنى واحد ومنه قولهم مت فلان إلى فلان بحرمه أي مد إليه بها وتقرب بسببها.
قَالَ الفراء: إنما قيل تمطى الرجل لأنه يمد مطاه أي ظهره يُقَالُ منه مطوت أمطوا وَقَالَ أَبُو عبيدة تمطى أصله تمطط فاستثقلوا الجمع بين الطاءات فقالوا: تمطى كقوله:
تقضي البازي إذا البازي كسر2
وثمرة السوط عذبته وهي طرفه المرسل قَالَ الشاعر:
وإذا الركاب تكلفتها عطفت ... ثمر السياط قطوفها ووساعها3
ومن هذه ثمرة اللسان وهي عذبته وَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ آخِذًا بِثَمَرَةِ لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَكَ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَأَمْسِكْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ4.
/ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ خَيْرَانَ الأبلي أخبرنا إبراهيم بن فهد أخبرنا معاذ بن [102]
__________
1 ط: "أراد".
2 اللسان والتاج "قضى كسر" وعزى للعجاج وهو في ديوانه "28" وقبله: "إذا الكرام ابتدروا الباع بدر".
3 الأساس "ثمر" دون عزو.
4 أخرجه بن المبارك في الزهد "125 – 126" وأحمد في كتاب الزهد كذلك: 189" وأبو تعيم في حلية الأولياء "1/328".

(2/265)


أسد أخبرنا ابن المبارك أخبرنا سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
والخربة العورة وأصلها العيب والفساد يُقَالُ ما في فلان خربة أي عيب والخارب اللص1 ويقال أصل الخرابة في سرقة الإبل خاصة قَالَ الشاعر:
والخارب اللص يحب الخاربا ... وتلك قربى مثل أن تناسبا
وتشبه الضرائب الضرائبا2
واللاعة ما يجده الإنسان من الحرقة لحميمه مثل اللوعة يُقَالُ لاعني الشيء يلوعني وفيه لغة أخرى لاع يلاع وقد لعت من الشيء فأنا لائع ولاع مقلوب كما قالوا: جرف هائر وهار قَالَ الشاعر:
ولا فرح بخير إن أتاه ... ولا جزع من الحدثان لاع3
وَقَالَ الأعشى يصف أتانا:
ملمع لاعة الفؤاد إلى جحش ... فلاه عنها فبئس الفالي4
أي لائعة الفؤاد محترقة على ولدها
__________
1 س, ط: "اللص الفاسد".
2 الكامل للمبرد "3/43" برواية "أن تشبه الضرائب الضرائبا".
3 اللسان والتاج "لوع" وعزى لمرداس بن حصين.
4 الديوان "165".

(2/266)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ: الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ وَشَرُّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ وَمَنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزُهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إِلا دُبْرًا وَلا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا مُهَاجِرًا1.
أخبرناه ابن الأعرابي أنبأنا بن عفان العامري2 ناعبد الله بن نمير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس أخبرنا إياس3 عن عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ.
إنما جعل الشباب شعبة من الجنون لأن الجنون آفة تنال العقل فتزيله وكذلك الشباب قد يسرع إلى غلبة العقل بماله من قوة الميل إلى الشهوات وشدة النزاع إليها وهذا كقولهم4: الغضب جنون ساعة وإنما سمي المجنون مجنونا لأنه قد أطبق على عقله وأصله من الجن وهو الستر ولذلك سمي الترس مجنا والقبر جننا قَالَ المقنع الكندي.
والصاحب السوء كالداء العياء إذا ... ما ارفض في الجسم يجري هاهنا وهنا
فذاك إن عاش كن منه بمعزلة ... أو مات يوما فلا تشهد له جننا5
وَقَوْلُهُ شر الروايا روايا الكذب فإنها جمع روية وهو ما يروي فيه الإنسان ويقدمه من الفكر أمام العمل إذا أرده يقال روأت في الأمر
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/138" في خطبة طويلة وفيها: "ومن يتول الدنيا" بدل "ومن ينو الدنيا" وكذلك فيها: "ولا يذكر الله إلا هجرا" بدل "مهاجرا" وذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/554".
2 ح: "الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ العامري".
3 ح, ط: "أناس".
4 ح: "كقول بعضهم".
5 الشغر والشعراء لابن قتيبة "ترجمة المقنع الكندي" "2/740" يرواية:
وصاحب السوء كالداء العياء إذا ... ما ارفض من الجلد يحري ها هنا وهنا
إن يحيى ذلك فكن منه بمعزلة ... أو مات ذاك فلا تشهد له جننا
يريد: لا تشهد جنازته ودفنه.

(2/267)


وتركوا الهمز في الروية يريد أن من شر الأمور وأضرها أن تكذب روية الإنسان وتفسد نيته لأنها الأصل الَّذِي يصدر عنه فعله والمقدمة التي يبني عليها أمره.
وَقَالَ بعضهم: الروايا جمع راوية يريد الكذب في الحديث والتزيد فيه. وقولهُ من ينو الدُّنْيَا تعجزه أي من يسع لها يخب يُقَالُ نويت الشيء إذا جددت في طلبه ولي عند فلان نية ونواة أي طلبة وحاجة قال كثير:
وإن الَّذِي ينوي من المال أهلها ... أوارك لما تأتلف وعوادي1
يريد الَّذِي يطلب أهلها من المهر
[103] يقول: / من جد في طلب الدُّنْيَا ليبلغ الغاية منها أعجزته فلا تجدوا في طلبها ولا تحرصوا عليها.
وَقَوْلُهُ ومن النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إلا دبرا يروى على وجهين بفتح الدال وضمها ودبر الشيء ودبره آخره يريد أَنَّهُ لا يأتي الصلاة في أول وقتها لكن يغفلها حتى إذا أدبرت صلاها في آخر وقتها وبهذا وصف اللَّه المنافقين فَقَالَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} 2 قَالَ أَبُو زيد فلان لا يصلى الصلاة إلا دبريا أي في آخر وقتها قَالَ والمحدثون يقولون دبريا
وروى ابن الأنباري دبريا ودبريا ودبريا والمعنى أن يأتيها في آخر وقتها
__________
1 إصلاح المنطق "310 – 375" وملحقات الديوان "444" واللسان والتاج "أرك, عدا".
2 سورة النساء: "142".

(2/268)


فأما قولهم شر الرأي الدبري فإنه بفتح الدال والباء.
وَقَوْلُهُ ومن الناس من لا يذكر اللَّه إلا مهاجرا فمعناه هجران القلب. يريد أَنَّهُ لا يطمئن قلبه إلى الذكر ولا ينشرح صدره به وهذا أيضا مما نعت به المنافقين فَقَالَ {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} 1 {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} 2 يريد ذكر القلب والله أعلم.
__________
1 سورة الفتح: "11".
2 سورة النساء: "142".

(2/269)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ دَافَّ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَالُ داففت الرجل أدافه إذا أجهزت عليه أي قتلته ومثله ذففت عليه وهي أشهر اللغتين وإنما صادفه ابن مسعود صريعا فأجهز عليه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى الشيباني أخبرنا الصائغ أخبرنا الحزامي أخبرنا وكيع أخبرنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ أَقْعَصَ ابْنَا عَفْرَاءَ أَبَا جَهْلٍ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ2.
والإقعاص إعجال القتل قَالَ النابغة:
لما رأي واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود3
يريد أنهما كانا أثخناه4
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/91" بلفظ "وذافه بن مسعود".
2 كنز العمال "10/418".
3 الديوان "12" وشعراء النصرانية "4/662".
4 ط, ح: "قد أدفناه".

(2/269)


وروي الواقدي عَنِ ابن أبي الزناد قَالَ قَالَ معاذ بن عمرو بن الجموح نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة فصمدت له حتى إذا أمكنتني منه غرة حملت عليه فضربته ضربة طرحت رجله من الساق فشبهتها النواة تنزو من تحت المراضخ1 وهي جمع المرضخة وهي حجر يرضخ به النوى وهى المرضاخ أيضا.
وفي قصة أبي جهل يوم بدر أَنَّهُ لما رأي الدبرة قَالَ أن اللَّه قد أراد لقريش التؤلة.
قَالَ أَبُو عُمَر التؤلة مضمومة التاء مهموزة الداهية المنكرة فأما التولة فضرب من السحر وقد فسره أَبُو عبيد فِي حَدِيثِ ابن مسعود رضي الله عنه2.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "1/87".
2 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/50" بلفظ "إن التمائم زالرقى والتولة من الشرك" وأحمد في مسنده "1/381" وأبو داود قي الطب "4/9" وغيرهم, والحديث في الفائق "تول" "1/157" وفي القاموس "دبر" الدبرة: العاقبة والهزيمة في القتال.

(2/270)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله إِنَّ ظِئْرًا لَهُ قَالَتْ إِنَّ ابْنَتَكَ سَقَطَتْ لَهَاتُهَا أَفَأَقْطَعُهَا قَالَ لا تَقْطَعِيهَا فَإِنَّهَا إِنْ يَكُنْ لَهَا بَقِيَّةٌ مِنْ عُمْرٍ فَسَوْفَ تَبْلُغُهَا وَإِلا فَمَا رَابَكِ إِلَى قطعها1
حدثنيه ابن مالك أنبأنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ سَهْلِ أَبِي أَسَدٍ عن عبد الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ.
قوله ما رابك هكذا يرويه أصحاب الحديث وإنما وجه الكلام ما إربك أي ما حاجتك إلى قطعها [104] والإرب الحاجة وفي بعض /
__________
1النهاية "ريب" "2/287".

(2/270)


الأمثال: "مأرب لا حفاوة"1 يضرب للرجل يتملقك وهو لا يحبك يراد إنما تملقك لحاجَةٍ لا لحب.
__________
1 جمهرة الأمثال 2/230, المستقصى 2/309, اللسان والتاج "أرب".

(2/271)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ لأَبِي الْعُبَيْدَيْنِ إِذَا ضَنُّوا عَلَيْكَ بِالْمُطَلْفَحَةِ فَكُلْ رَغِيفَكَ وَرِدِ النَّهْرَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ دِينَكَ1.
حدثنيه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانَ عن عبد الله بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: قَالَ عبد الله: هَكَذَا قَالَ: المطلفحة الطاء قبل اللام والفاء وأراها المفلطحة وهي الرقاقة التي قد فلطحت أي دحيت وبسطت يُقَالُ فلطحت الرقاقة إذا بسطتها وقد يحتمل أن يكون هذا من المقلوب فيقال فلطحت وطلفحت بمعنى واحد كقولهم جذب وجبذ ونحوها.
__________
1 أخرحه ابن سعد في طبقاته "6/193" بلفظ "بالمفلطحة".

(2/271)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أسلم1
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري أخبرنا أبو نعيم أخبرنا زُهَيْرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْقَاسِمِ عن عبد الله لم يرد عبد الله بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ أَوَّلُ النَّاسِ إسلاما إذا كَانَ مَسْبُوقًا فَجَمَاعَةٌ2مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ تَقَدَّمَ إِسْلامُهُمْ لَهُ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَهَذَا عَلَى مَجَازِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} 3يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُؤْمِنِي أَهْلِ
__________
1 النهاية "سلم" "2/395".
2 ط: "بجماعة".
3 سورة لأعراف: "143".

(2/271)


زَمَانِهِ وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الإِسْلامِ وَيُرْوَى عنه أنه قال أنبأنا سَادِسُ سِتَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وقد اختلفت الروايات في أول من أسلم من الصحابة فروى راوون أن أبا بكر أولهم إسلاما وآخرون أن عليا أول من أسلم وروى بعضهم أن أول من أسلم خديجة بنت خويلد.
وقد جمع بعض العلماء بين هذه الروايات وتحرى التوفيق بينهما فَقَالَ أول من أسلم من الرجال البالغين وذوي الأسنان أَبُو بَكْر وأول من أسلم من الأحداث علي ومن النساء خديجة.
ويروى أن عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين هذا قول الأكثر من الرواة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الغفار بن داود أخبرنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ1 وَغَيْرُهُ أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً2.
وروى بعضهم أنه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا أولى بالفضيلة لأنه إذا كان أكبر كان أعقل لما يأتيه من ذلك وأوكد لما يعتقده منه والله أعلم.
__________
1 تاريخ ابن معين "3/49" "أبو الأسد" تحريف وفي التقريب "2/185" محمد بن عبد الرخمن بن نوفل الأسدي المدني يتيم عروة ثقة مات سنة بضع وثلاثين.
2 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/49".

(2/272)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى سَوَاءِ جَهَنَّمَ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ الْمُرْهِفِ مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ قَالَ: فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ التَّئِقِ الْجَوَّادِ1.
حَدَّثْتُ به عن علي بن عبد العزيز أخبرنا حجاج بن منهال أخبرنا حماد بن زيد أخبرنا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بن حبيش عن عبد الله.
قوله سواء جهنم أي متن جهنم وسواء كل شيء وسطه.
أخبرني الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى أخبرنا الأصمعي قَالَ: قَالَ عيسى بن عُمَر: لقد كتبت حتى انقطع سوائي.
وَقَوْلُهُ مدحضة أي مزلة يُقَالُ: دحض الرجل إذا زل قدمه وقد أدحضت حجة فلان إذا أزللتها وأبطلتها ويقال: هذا مزلة ومزلة لغتان.
والفرس التئق هو النشيط الشديد الجري يقال: فرس تئق وتائق قَالَ امرؤ القيس:
فإما تريني اليوم في رأس شاهق ... فقد أغتدي أقود أجرد تائقا2
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "10/359" برواية "السيف الرهف" و "كحري الفرس" وعزاه للطبراني.
2 الديوان "195".

(2/247)


ويقال: إن الفرس التئق إنما هو الممتلىء نشاطا ومرحا وأصل التأق الامتلاء يُقَالُ: أتأقت الإناء إذا ملأته وهو متأق قَالَ الأعشى:
وظلت شعيب عذبة الماء عندنا ... وأسحم مملوء من الراح متأق1
ويروى متأق.
وفي بعض الأمثال أنت تئق وأنا مئق فمتي نتفق2 أي أنك ذو كبر وأنا ذو أنفة فكيف الائتلاف مع هذا. والمأقة الأنفة وعم بعض أهل اللغة أن المائق مأخوذ من هذا قَالَ: وتفسيره السيىء الخلق.
__________
1 الديوان "118" برواية "غربة الماء" بدل "عذبة الماء".
2 جمهرة الأمثال "1/106" محمع الأمثال "1/47" المستقصى "1/379" اللسان "تأق, مأق".

(2/248)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الله أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ طُولَ الصَّلاةِ وَقِصَرَ الْخُطْبَةِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرجل1".
قال أبو عبيدة: مئنة معناه مظنة ومعلم واحتج بقول المرار:
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/61" والبيهقي في سننه الكبرى "3/208" وابن أبي شيبة في مصنفه "2/114" وذكره الهيثمي في مجمعه "2/190" عن ابن مسعود مرفوعا بنخوه مع زيادة وقال: رواه البزار وروى الطبراني بعضه موقوفا في الكبير.

(2/259)


فتهامسوا سرا فقالوا: عرسوا ... من غير تمئنة لغير معرس1
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا غلط فاحش والعجب من ابن قتيبة يترك مثل هذا من غلط أبي عبيد لا يعرض له ثم يعنق في خلافه والاعتراض عليه فيما لا طائل له ونسأل اللَّه التوفيق. وموضع الغلط فيه أَنَّهُ جعل عروض تمئنة عروض معلم ومظنة وجعل مبني مئنة من المأن على أن تكون الميم فيها أصلية وليس هو كذلك وإنما هو تمئنة تفعله من المأن على وزن الشأن. وهو من الثلاثي المعتل الحشو ومعناه التهيئة تقول العرب: ما مأنت مأنه ولا شأنت شأنه أي ما علمت علمه ولا تهيأت له. ومئنة مفعلة من الأن على وزن العن من باب المضعف فأين يلتقيان.
فأما اشتقاقها فإنه لم يبلغني فيه عَنْ أحد من علماء اللغة شيء أعتمده إلا أن بعض أهل النظر زعم أنها مبنية من أنية الشيء بمعنى الإثبات له وتحريره2 أن يُقَالُ: أَنَّهُ كذا.
أَخْبَرَنِي من يوثق بعلمه من أهل اللغة أَنَّهُ وجد هذا الحرف لأبي الْحَسَن اللحياني في باب الحروف التي تعاقب فيه الظاء والهمزة قَالَ يُقَالُ: بيت حسن الأهرة والظهرة وهي متاع البيت وقد أفر وظفر إذا وثب ويقال: هو مئنة أن يفعل ذاك ومظنة أن يفعل ذاك كقولك مخلقة ومجدرة فكأن الهمزة عنده مبدلة من الظاء.
ونظير هذا لأبي عبيد حرف آخر ذكره فِي حَدِيثِ عمران بن حصين وهو قوله: "إن في المعاريض مندوحة عَنِ الكذب"3.
__________
1 اللسان "أنن, مأن, همس" وفي كتاب شعراء أمويين "459" وانظر اللسان مادة "مأن".
2 س: "وتحزيره".
3 أخرجه أبو عبيد في غريبه "4/287".

(2/260)


قَالَ أَبُو عبيد مندوحة السعة قَالَ: ومن هذا انداح بطنه واندحى وليس الأمر على ما توهمه مندوحة من الثلاثي الصحيح من قولك ندحت الشيء إذا وسعته. يُقَالُ: واد نادح أي واسع وأرض مندوحة أي واسعة ويقال للرجل إنك لفي ندحة ومندوحة من هذا الأمر أي في سعة وقولهم انداح بطنه واندحى من المعتل يُقَالُ: دحوت الشيء إذا بسطته ووسعته كالرقاقة تدحوها ومنه أدحي النعام وهو موضع بيضها وذلك أنها تدحوه وتوسعه يُقَالُ: / دحوت الشيء فاندحى. [100]

(2/261)