غريب الحديث للخطابي

حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه
حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا صَيِّتًا وَأَنَّهُ نَادَى يَوْمَ حُنَيْنٍ فقال: "ياأصحاب السمرة".
...
حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا صَيِّتًا وَأَنَّهُ نَادَى يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ, فَرَجَعَ النَّاسُ بَعْدَ مَا وَلَّوْا حَتَّى تَنَاشَبُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكُوهُ فِي حَرَجَةِ سَلَمٍ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ وَالْعَبَّاسُ يَشْتَجِرُهَا بِلِجَامِهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الفضل بن العباس القرطمي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي أخبرنا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ.
قوله: تناشبوا: معناه تدانوا وتضامُّوا حتى نشب بعضهم ببعض يُقَالُ: نشب الشيء بالشيء إذا تعلق به ونشب الصيد في الحبالة إذا لم يقدر على الخلاص.
وفي رواية أخرى حتى تأشبوا وهذا والأول سواء يُقَالُ: تأشب النبات إذا كثر والتف ويقال: أمر أشب أي مختلط. ومنه الأوشاب وهم أخلاط الناس والحرجة الشجراء الملتفة قَالَ الشاعر:
أيا حرجات الحي يوم تحملوا ... بذي سلم لا جادكن ربيع2
__________
1 أخرجه مسلم في الجهاد والسير "3/1398" القصة بألفاظ متقاربة وكذلك الحاكم في المستدرك "3/328" وابن سعد في طبقاته "4/18" وعبد الرزاق في مصنفه "5/380" والسمرة: الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان يوم الحيبية.
2 اللسان والتاج "حرج" برواية "حين تحملوا" ولم يعز.

(2/239)


والسلم: شجر من العضاه وهو كل شجر لها شوك وَقَوْلُهُ يشتجرها بلجامها معناه يمسكها ويردها ومنه الشجار وهو الخشبة التي توضع خلف الباب سميت شجارا لأنها ترد الباب وتمسك1 والشجر أن ترفع ما يتدلى من غصن شجر وذيل ثوب أو ما أشبه ذلك.
__________
1 ط: "وتمسكه".

(2/240)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَدِ اسْتَبْطَنْتُمْ بِأَشْهَبَ بَازِلِ1.
مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ الْوَاشِحِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عكرمة.
قوله بأشهب بازل أي بأمر شديد أو بيوم صعب أو نحو ذلك من نعت المكروه قَالَ مقاس العائذي وهو جاهلي:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب2
ويقال: جَيْشٌ أشهب وكتيبة شهباء لما فيهما من بياض السلاح والشهباء أيضا من أسماء السنة.
أَخْبَرَنِي أبو عمر أنبأنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلَبٍ قَالَ: يُقَالُ: أصابتهم كحل, والضبع, والشهباء, والبيضاء, والبرشاء, والرشماء, والقشفاء, والقشراء, والرملاء, والسوداء, والحمراء, وأصابتهم أزمة
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "2/799" في حديث طويل وانظر كنز العمال "10/524 – 528".
2 اللسان والتاج "شهب" دون عزو وفي المقتصب "4/96" "استشهد به سيبويه "1/21" على أن كان تامة بمعنى وقع وأراد باليوم يوما من أيان الحرب, وصفه بالشدة فجعله كالليل تبدو فيه الكواكب.

(2/240)


وأزبة, وأزلة وعام, كل ذلك في الجدب والمحل ويقال: أيضا يومٌ أشهب إذا كان شديد البرد قَالَ ابن هرمة:
وكانت لعباس ثلاث يعدها ... إذا ما جناب الناس أصبح أشهبا
فسلسلة تنهى الظلوم وجفنة ... تراح فتكسوها السنام المرعبا
وحلة عصب ما تزال معدة ... لعار ضريك ثوبه قد تهببا1
ويقال: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم ومقطرة لجاهلهم. [92]
فالشبهة في كل ما وصفوه من هذا يراد بها المكروة ينذرهم العباس يقول لهم دهيتم بأمر صعب لا طاقة لكم به والبازل المسن الشديد من الإبل ضربه مثلا لشدة الأمر الَّذِي نزل بهم.
__________
1 الديوان "56" والأبيات في تهذيب ابن عساكر "7/231 – 132".

(2/241)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَالَ: اسقوني دهاقا1
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/512" بعبارة "اسقنا وادهق لنا" وذكره السيوطي في الدر المنثور "6/309" مثله وأخرجه الطبري في تفسيره "30/80" بلفظ "اسقني دهاقا" عن ابن عباس.

(2/244)


حدثناه ابن مالك أخبرنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حُصَيْنٍ1 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُبَّمَا سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ اسْقُونِي دِهَاقًا.
إنما ذكر هذا استشهاد لقوله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} 2 وَهِيَ الْمَمْلُوءَةُ والكأس تؤنث على نية الخمر وأنشد أَبُو عبيدة.
أتانا عامر يبغي قرانا ... فأترعنا له كأسا دهاقا3
وَقَالَ سعيد بن جبير هي المتتابعة.
__________
1 في س: "حسين" والمثبت من ح. ط.
2 سورة النبأ:"34".
3 اللسان والتاج "دهق" برواية "يرجو قرانا" بدل "يبغي قرانا" وعزي لخداش ابن زهير.

(2/245)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَرَكَكُمْ عَلَى طَرِيقٍ نَاهِجَةٍ وَإِنْ يَكُ مَا يَقُولُ ابْنُ الْخَطَّابِ حَقًّا1 فَإِنَّهُ لَنْ نَعْجَزَ أَنْ نَحْثُوَ عَنْهُ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ يَأْسُنُ كَمَا يَأْسُنُ النَّاسُ2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ.
الناهجة الواضحة البينة وقد نهج الأمر وأنهج لغتان إذا وضح وطريق نهج أي بين والطريق يذكر ويؤنث.
__________
1 ح: "وإن يك ما تقول يابن الخطاب حقا".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/434" وأخرجه بنحوه الدارمي في سننه "1/39" وابن سعد في طبقاته "2/226" عن عكرمة.

(2/241)


وَقَوْلُهُ يأسن معناه تغير الرائحة قَالَ اللَّه تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} 1 قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: أجن الماء يأجن أجونا إذا تغير غير أَنَّهُ شروب وأسن يأسن ويأسن أسنا وأسونا وهو الَّذِي لا يشربه أحد لنتنه ويقال: ماء أجن وآجن وأسن وآسن.
فأما قوله: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} 2 فمعناه التَّغَيُّر والفساد من طول مر السنين ومضي الأعوام عليه وليس من الأسن وتغير الريح في شيء هذا باب وذاك باب آخر والهاء في قوله لم يتسنه أصلية في مذهب من قرأ في الوصل لَمْ يتسنه وانظر وذلك لأن بعض العرب يقول سنه وفي الجمع سنهات وأكريت الدار مسانهة وهي في مذهب الآخرين زائدة يجعلونها من الواو فيقال: سنة وسنوات وقرؤوا في الوصل لم يتسن وانظر فإذا وقفوا قالوا: لَمْ يَتَسَنَّهْ زادوا الهاء لبيان الحركة بمنزلة الهاء في قوله {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 3 وكتابيه وحسابيه ونحو ذلك.
وكان عُمَر قد مانعهم في دفن رسول اللَّه وَقَالَ: أَنَّهُ لم يمت ولكنه صعق كما صعق موسى ثم تبين الحق فاعتذر إليهم في مقام آخر بكلام له قد ذكرناه في حديثه.
__________
1 سورة محمد: "15".
2 سورة البقرة: "259".
3 سورة الأنعام: "90".

(2/242)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ بِهِ يَسْتَسْقِي فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ وَقَفِيَّةِ آبَائِهِ فَإِنَّكَ تَقُولُ: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا

(2/242)


صَالِحاً} 1 فَحَفِظْتَهُمَا2 فَاحْفَظِ اللَّهُمَّ نَبِيَّكَ فِي عَمِّهِ فَقَدْ دَلَوْنَا بِهِ إِلَيْكَ مُسْتَشْفِعِينَ3.
هذا قد ذكره ابن قتيبة4 في كتابه وفسره فَقَالَ قوله قفية آبائه يريد تلوهم وتابعهم وهو من قفوت الرجل إذا تبعته وكنت في إثره يُقَالُ: هذا قفي الإشياخ وقفيتهم إذا كان الخلف منهم.
وَقَوْلُهُ دلونا إليك أي متتنا واستشفعنا وأصله من الدلو.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أما قفية آبائه فإنه تلوهم وتابعهم والخلف منهم فمن المستقيم المطرد في اللغة إلا أَنَّهُ من البعيد الممتنع أن يكون عُمَر جعل العبَّاس / تابع آبائه أو رآه خلفا منهم في طريق دين أو دنيا وإنما [93] يحسن أن يتأول المتأول الكلام على معانيه اللائقة به المنقادة له دون الوجوه الأبية عليه النافرة عنه ومعنى القفية المختار.
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: اقتفيت الشيء بمعنى اخترته والاسم القفوة يريد أَنَّهُ المختار من آبائه ومنه القفي وهو ما يؤثر به الرجل من طعام
وقد يحتمل أن يكون أراد أَنَّهُ تابعهم والمتقيل لأثرهم في الاستسقاء وذلك أن عبد المطلب قد استسقى لأهل الحرم حين أقحطوا فسقاهم اللَّه وقد ذكرنا هذه القصة وفسرناها فِي حَدِيثِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا أعلم لما
__________
1 سورة الكهف: "82".
2 ح: "فحفظتهما لصلاح أبيهما".
3 أخرجه البخاري في صلاة الاستسقاء "2/34" عن أنس بعبارة."اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون" وكذلك البيهقي في السنن الكيرى "3/352" وتهذيب ابن عساكر "7/241" عن ابن عمر مختصرا.
4 غريب الحديث لابن قتيبة "2/182".

(2/243)


ذهب إليه ابن قتيبة وجها غير هذا وكان الواجب عليه إن كان أراده أن يذكره ولا يغفله.
وأما قوله دلونا به إليك أي متتنا واستشفعنا فإنه محرف عَنْ وجهه وموضوع في غير موضعه إنما يُقَالُ: أدليت بالألف بمعنى متت وتوسلت.
يُقَالُ: فلان يدلي بحجة ويدلي بقرابة ونحو ذلك تمثيلا لَهُ. ومن يرسل الدلو يستقي ماء يُقَالُ: أدلى الرجل دلوه إذا ألقاها في البئر ودلاها إذا نزعها ومعنى دلونا في قول عُمَر أقبلنا به وسرنا قَالَ الفراء الدلو السير الرويد وأنشد:
لا تعجلا بالسير وادلواها1
وَقَالَ غيره الدلو السير2 الرفيق وكلاهما واحد وقال الراجز:
لا تقلواها وادلوها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا3
__________
1 اللسان والتاج "دلو" دون عزو وفي الجمهرة "3/164".
لا تقلوها وادلواها ... لبئسما بطء ولا ترعاها
وجاء فيها: ادلواها: ارفقا بها.
2 ح, ط: "السوق الرفبق".
3 اللسان "غدو" برواية "لا تغلواها".

(2/244)