غريب الحديث للخطابي

حديث عَبْد اللَّه بن عمرو بن العاص رحمه الله
حديث عَبْد اللَّه بن عمرو أَنَّهُ قَالَ: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ يُخَلَّى لَهُ سَرْبُهُ يُسَرَّحُ حَيْثُ شاء".
...
حديث عَبْد اللَّه بن عمرو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بن عَمْرو أنه قَالَ: الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ يُخَلَّى لَهُ سَرْبُهُ يُسَرَّحُ حَيْثُ شَاءَ1.
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا ابن أبي شيبه أخبرنا غُنْدَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ قِمْطَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قوله: يخلى له سربه أي طريقه ومذهبه.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَالُ: خل سرب الرجل أي طريقه2.
قَالَ يعقوب: السرب الطريق والوجه والسرب المال الراعي يُقَالُ أغير على سرب بني فلان. ويقال للمرأة [181] عند الطلاق: اذهبي فلا أنده / سربك: أي لا أرد إبلك. قال: ويقال: فلان آمن فِي سربه أي في نفسه.
[وقد اتفق أهل اللغة على كسر السين من قوله: آمن في سربه غير الأخفش فإنه قَالَ: في سربه بفتح السين] 3
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد صـ "211" عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أبيه عنه مختصرا وذكره التجلوني في كشف الخفاء "1/495" بلفظه وقال: أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا.
2 د: "أي طريقة مذهبه".
3 من د.

(2/492)


قال غيره: السرب من الإبلآ, السارب: أي الذاهب في المرعى حيث شاء كالسرح إنما هو السارح منها.
يُقَالُ: سرب الرجل في حاجته يسرب فيها سروبا: أي خرج. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} 1.
وأما قوله: الدُّنْيَا سجن المؤمن وجنة الكافر فإن هذا قد روي مرفوعا2.
وَقَالَ بعض الناس سائلا أو معترضا: كيف يكون هذا؟ وقد نرى مؤمنا في عيش رغد وكافرا في ضنك وتصريد3.
والجواب في هذا من وجهين: أحدهما أن الدُّنْيَا كالجنة للكافر في جنب ما أعد اللَّه له من العقوبة في الآخرة وأنها كالسجن للمؤمن بالإضافة إلى ما وعده اللَّه من ثواب الآخرة ونعيمها فالكافر يحب المقام فيها ويكره مفارقتها. والمؤمن يتشوف للخروج منها ويطلب الخلاص من آفاتها بمنزلة المسجون الَّذِي همه أبدا أن يفك عنه ويخلى سبيله.
والوجه الآخر: أن يكون هذا صفة المؤمن المستكمل الإيمان الَّذِي قد عزف نفسه عن ملاذ الدُّنْيَا وشهواتها فصارت عليه بمنزله السجن في الضيق والشدة.
__________
1 سورة الرعد: "10".
2 أخرجه مسلم في الزهد "4/2272" والترمذي في الزهد "4/562" وابن ماجة في الزهد أيضا "2/1378" والإمام أحمد في مسنده "2/323, 389".
3 د: "في ضنك ونصب وتصريد" وفي ط: "في ضنك ونصب" والتصريد: القلة "عن الوسيط".

(2/493)


وأما الكافر فقد أهمل نفسه وأمرجها1 في طلب اللذات وتناول الشهوات فصارت له الدُّنْيَا كالجنة في النعمة والسعة.
__________
1 القاموس "مرج" أمرجها: خلاها.

(2/494)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: اعْدُدِ اثْنَيْ عَشْرَةَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ خميرويه أخبرنا الحسين بن إدريس أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا إسماعيل بن عياش أخبرنا2 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خثيم عن أبي الطفيلعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
يريد بالنقف والنقاف: هيج الفتن التي يكثر فيها القتال وأصل النقف: هشم الرأس والهامة.
ومن هذا قولهم: نقفت الحنظل وهو أن يقرع بالعصا حتى ينهشم فيخرج هبيده3 قال امرؤ القيس:
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل4
وَأَخْبَرَنِي محمد بن نافع الخزاعي أخبرنا عمي إسحاق بن أحمد أخبرنا أبو الوليد
__________
1 أخرجه الخطيب في تاريخه "6/263" بلفظ "إذا ملك اثنا عشر" بدل "اعدد اثني عشرة" وذكره المتقي في كنز العمال "11/252" بلفظ "سيكون اثنا عشر خليفة من بني كعب بن بؤي ثم النفق والنفاق" وعزاه لنعيم وذكره أيضا في "11/172" بنحوه من حديث ابن عمر عزاه للخطيب وابن عدي وقد تقدم أنه عند الخطيب عن "ابن عمرو" وليس عن "ابن عمر" وانظر الفائق "نقف" "4/21" والنهاية "نقف" "5/109" من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
2ح: "عبد الرحمن بن عثمان بن خثيم".
3 الوسيط "هبد" الهبيد: حب الحنظل, واحدته هبيدة.
4 الديوان "9" ومجالس ثعلب "82" وجاء في الشرح: أبكي فتجري دموعي كما تدمع عين ناقف الحنظل.

(2/494)


الأزرقي بإسناد له أن مسلم بن عقبة المري: لما انصرف من المدينة يريد مكة فلما كان ببعض الطريق حضرته الوفاة فدعا الحصين بن نمير فَقَالَ: يا برذعة الحمار إذا قدمت مكة فاحذر أن تمكن قريشا من أذنك فتبول فيها لا يكون إلا الوقاف ثم النقاف ثم الانصراف1. يريد المناجزة بالسيوف.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/202" وفيه "الثقاف" بدل "النقاف".

(2/495)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ بِأَلْفِ عَامٍ وَكَانَ الْبَيْتُ زَبْدَةً بَيْضَاءَ حِينَ كَانَ الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ وَكَانَتِ الأَرْضُ تَحْتَهُ كَأَنَّهَا حَشَفَةٌ فَدُحِيَتِ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ1.
يَرْوِيهِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
الحشفة: واحدة الحشف وهي حجارة تنبت في البحر نباتا. قال ابن هرمة يصف الناقة:
كأنها قادسإ يصرفه النو ... تي تحت الأمواج عَنْ حشفه2
والقادس: السفينة. وقد روي هذا الكلام بعينه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وفيه / زيادة. [172]
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ ناالخزاعي أخبرنا الأزرقي حدثني جدي أخبرنا
__________
1 أخرجه ابن جرير في تفسيره "4/8" عن مجاهد عن عَبْد الله بن عَمْرو بلفظ: "خلق الله البيت فبل الأرض بألفي سنة وكان عرشه على الماء زبدة بيضاء فدحيت الأرص من تحنه وذكره السيوطي في الدر المنثور "2/52" بطوله إلا أنه قال كذلك "بألفي سنة".
2ليس في شعر ابن هرمة ط مجمع اللغة العربية بدمشق ولا في طبع النجف بالعراق وهو في الفائق "حشف" "1/206".

(2/495)


سَعِيد بْن سالم القَدَّاح عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَصَفَقَتِ الْمَاءَ فَأَبْرَزَتْ عَنْ حَشَفَةٍ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَأَنَّهَا قُبَّةً فَدَحَا اللَّهُ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا فَمَادَتْ فَأَوْتَدَهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ فَكَانَ أَوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ فِيهَا أَبُو قُبَيْسٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى1.
قوله: مادت: أي مالت وتكفأت. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} 2 ويقال: غصن مياد إذا كان رطبا كثير التثني والتأود.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/32" عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عطاء عن ابن عباس وفيه "خشفة" بدل "حشفة" "تصحيف".
2 سورة التوبة النحل: "15".

(2/496)


قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَبْشُرَ الشَّوَارِبَ بَشْرًا1.
يَرْوِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أخبرنا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ عِجْلانٍ عَنْ مَكْحُولٍ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
البشر: حلق البشرة يريد قص الشارب حتى يلحف وتبين البشرة.
ومنه قولهم: بشرت الأديم بشرا إذا قشرت باطنه بشفرة.
ويقال في الخير: بشرت الرجل فبشر كما يُقَالُ: خبرته فحبر أي سررته فسر ولا يُقَالُ ذلك إلا في الخير خاصة. وقد قرىء {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} 2 وبشرته مشددة في الخير والشر
قال اللَّه تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ
__________
1 الفائق "بشر" "1/110" والنهاية "بشر" "1/129".
2 سورة التوبة مريم: "7".

(2/496)


كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 1 فإذا قلت بشرته كان اللازم أبشر. كقوله: فطرته فأفطر.
__________
1 سورة التوبة: "3".

(2/497)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَبْد الله بن عَمْرو أنه أَتَى الطَّائِفَ فَإِذَا هُوَ يَرَى التُّيُوسَ تَلِبُّ أَوْ تَنِبُّ عَلَى الْغَنَمِ خَافِجَةً فَقَالَ لِمَوْلًى لِعَمْرِو بن العاص يقال له: هرمر يَا هُرْمُزُ مَا شَأْنُ مَا ها هنا ألم أكن أعلم السباع ها هنا كَثِيرًا. فَقَالَ: نَعَمْ وَلَكِنِّهَا عُقِدَتْ فَهِيَ تُخَالِطُ الْبَهَائِمَ وَلا تُهَيِّجُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: شَعْبٌ صَغِيرٌ مِنْ شَعْبٍ كَبِيرٍ1
يَرْوِيهِ ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ هُرْمُزٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
قوله: تلب من اللبلبة وهي زمزمة2التيس إذا طلب السفاد وتنب من النبيب يُقَالُ نب التيس نبيا ومثله هب هبيبا قَالَ الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم3
والخافجة: السافدة: والخفج: السفاد وقد يستعمل في مباضعة الرجل أهله وقد يحتمل أن يُقَالُ: جافخة بتقديم الجيم وأصل الجفخ الكبر.
وَقَوْلُهُ: عقدت يريد أنها قد عولجت بالأخذ كما تعالج الروم الهوام ذوات الحمة بالشيء الَّذِي يسمونه الطلسم4.
__________
1 الفائق "لب" "3/300" والنهاية "نب" "5/4" وفي "شعب" "2/477".
2 كذا في ط, وفي س, د: "رمرمة التيس" بالراء وفي القاموس "زمم": الزمزمة: الصوت البعيد له دوي.
3 كتاب سيبويه: 3/181" وعزي لحسان بن ثابت وهو في ديوانه "225".
4 الوسيط "طلسم" الطلسم والطلسم في علم السحر: خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى وهو لفظ يوناني والشائع على الألسنة طلسم كجعفر, ويسمى كل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي: طلاسم, ويقال: فك طلسمه أو طلاسمه: وضحه وفسره.

(2/497)


وَقَوْلُهُ: شعب صغير من شعب كبير. يقول: صلاح يسير من فساد كثير وإنما كره ذلك لأنه رآه نوعا من السحر والشعب في كلام العرب يتصرف على وجهين أحدهما يراد به الجمع والإصلاح. والآخر يراد به الفرق والإفساد. فمن الأول قولهم شعبت الإناء إذا لأمت صدعه وأصلحته. قال ابن الدمينة.
وإن طبيبا يشعب القلب بعدما ... تصدع من وجد بها لكذوب1
[183] / قَالَ بعض أهل اللغة: وبه سمي الرجل شعيبا قَالَ: وهو تصغير شعب بمعنى الإصلاح. قال: وإنما صغر على مذهب المدح والتعظيم.
وأما الوجه الآخر الَّذِي يراد به الفساد فكقولهم شعبت بين القوم إذا فرقت بينهم. قال الشاعر:
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلج في العصيان
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان2
ولهذا سمي الموت شعوب وذلك لأنه يفرق الشمل ويبدده.
__________
1 في شرح الحماسة للمرزوقي "3/ الحماسة "560" قصيدة لابن الدمينة على وزن والقافية وليس منها هذا البيت.
2 البيت في اللسان "شعب" والثاني في مادة "علا" وعزي لعلي بن الغدير الغنوي وهوشاعر فارس من شعراء الدولة الأموية, والبيتان في البيان والتبيين "3/80".

(2/498)