غريب الحديث للخطابي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ
اللَّهُ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: "انْتَهَى عَجَبِي
عِنْدَ ثَلاثٍ: ... ".
...
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ
قَالَ: انْتَهَى عَجَبِي عِنْدَ ثَلاثٍ: الْمَرْءُ يَفِرُّ مِنَ
الْمَوْتِ وَهُوَ لاقِيهِ, وَالْمَرْءُ يَرَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ
الْقَذَاةَ فَيَعِيبَهَا وَيَكُونُ فِي عَيْنِهِ الْجَذْعُ لا
يَعِيبُهُ, وَالْمَرْءُ يَكُونُ فِي دَابَّتِهِ الضَّغَنُ
فَيُقَوِّمُهَا جُهْدَهُ وَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ الضَّغَنُ فَلا
يُقَوِّمُ نَفْسَهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي
مَسَرَّةَ أخبرنا المقري أخبرنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ
يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
الضغن في الدابة أن تكون عسرة الانقياد ومن هذا قيل قناة ضغنة إذا لم
تكن صعدة منقادة ويقال فرس ضاغن وضغن إذا لم يعط ما عنده من الجري حتى
يضرب وأري الضغن الَّذِي هو فساد الدخلة مأخوذ من هذا.
قَالَ اللَّه تعالى: {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} 2 يريد والله أعلم
أسراركم الفاسدة وَقَالَ أَبُو زبيد الطائي يرثي عليا:
طب بصير بأضغان الرجال ولم ... يعدل بحبر رسول اللَّه أحبار3
والضغن أيضا: نزاع الدابة إلى مكان قد كانت ألفته
قَالَ بِشْرُ بْن أَبِي خازِم:
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد صـ "508" بلفظ "القدر" بدل "الموت"
وبلفظ "الصعر" بدل "الضغن".
2 سورة محمد: "37".
3 الديوان "64" وبصير بأضغان الرجال: أسرارها ومخباتها.
(2/482)
فإني والشكاة لآل لأم ... كذات الضغن تمشي
في الرفاق1
الرفاق: حبل يشد به مرفق البعير ليقصر من خطوه إذا كان فيه نزاع يخاف
أن يند فيذهب إلى جهته والمعني أني وحبسي نفسي عَنْ آل لأم وهم
يستبطئونني ولا أتسرع إليهم مثل هذه التي تمشي في رفاقها لا تسرع في
مشيها.
__________
1 الديوان "163" برواية "فإني والشكاة من آل لأم" والصحاح "رفق"
واللسان والتاج "رفق, ضغن".
(2/483)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو فِي قِصَّةِ إِسْلامِهِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ
مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى جَمَلٍ لِي فَبَيَّنَّا أَنَا
أَسِيرُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا بِبَيَاضٍ أَنْحَاشُ مِنْهُ مَرَّةً
وَيَنْحَاشُ مِنِّي أُخْرَى فَإِذَا أَنَا بأَبِي هُرَيْرَةَ
الدُّوسِيُّ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْمَدِينَةَ
فَاصْطَحَبْنَا حَتَّى / قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ عَمْرٌو:
فَأَرِبْتُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ تَضْرُرْنِي [178] إِرْبَةٌ
أَرْبِتُهَا قَطْ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ. قُلْتُ: أُقَدِّمُ أَبَا
هُرَيْرَةَ فَيَدْخُلُ فَيَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ مَشْغُولا فَجِئْنَا
وَالصَّلاةُ قَائِمَةٌ فَدَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالنَّاسُ
يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي الصَّلاةِ فَتَشَايَرَهُ النَّاسُ وَشُهِرَ
وَتَأَخَّرْتُ أَنَا حَتَّى صَلَّى1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ
عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قوله: أنحاش منه هو أن يوجس منه خوفا فيتوقاه ويحذره قبل أن يتبينه
ويعرفه والانحياش: الاكتراث للشيء. يُقَالُ: فلان لا ينحاش من شيء إذا
لم يكترث. قال ذو الرمة يصف بيض النعام2:
__________
1الفائق "حوش" "1/336" والنهاية "أرب" "1/36" و"حوش" وأخرجه الواقدي في
مغازيه "2/741 – 745" قصة إسلام عمرو الغاص بألفاظ أخرى.
2 ط: "يصف النعام".
(2/483)
وبيضاء لا تنحاش منا وأمها ... إذا ما
رأتنا زيل منا زويلها1
وَقَوْلُهُ: إربة أربتها: أي حيلة احتلتها. وأصل الإرب الدهاء والنكر.
يُقَالُ: فلان ذو إرب أي ذو دهاء والإرب أيضا العقل وهو الإربة.
ومن هذا قوله: {غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} 2 أي غير
ذوي العقل يريد الذين لم تستحكم عقولهم وقد يفسر أيضا غير ذي الحاجة.
والإرب أيضا: العضو والأرب مفتوحة الألف والراء الحاجة والوطر.
فأما قول عُمَر بن الخطاب للحارث بن أوس أربت من يديك فقد ذكره أبو
عُبيد في كتابه3 وفسره فَقَالَ معناه سقطت آرابك من اليدين خاصة وكذلك
قاله ابن قتيبة4.
وفيه قولان آخران: قَالَ أَبُو حاتم: معناه شلت يداه. وقال عبد الرحمن
بن أخي الأصمعي: معناه أن يسأل الناس بهما كأنه يذهب إلى معنى الاحتيال
والتكسب بهما فيكون مرجعه على هذا التأويل إلى الإرب الَّذِي هو الدهاء
على ما ذكرته لك أولا.
وَقَوْلُهُ: فتشايره الناس أي اشتهروه بأبصارهم وأصله من الشارة وهي
الهيئة واللباس الحسن.
__________
1 اللسان والتاج "زيل" والديوان "554".
2 سورة النور: "31".
3 أخرجه أبو عبيد في غريبه "3/348 – 349".
4 غريب الحديث لابن قتيبة "1/457".
(2/484)
يُقَالُ: رأيت على فلان شارة حسنة ورجل صير
شير أي ذو صورة وشارة حسنة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والثبت أن عمرا قد تقدم إسلامه إسلام أَبِي
هُرَيْرَةَ أسلم أَبُو هريرة1 سنه سبع قدم المدينة ورسول اللَّه بخيبر
وأسلم عمرو وخالد بن الوليد سنة ست2.
__________
1 من د, ط.
2 أخرجه الحاكم قصة إسلامه وإسلام خالد بن الوليد في المستدرك "3/454".
(2/485)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنَّهُ رُئِيَ عَلَى بَغْلَةٍ قَدْ شَمِطَ وَجْهُهَا هَرَمًا
فَقِيلَ لَهُ: تَرْكَبُ هَذِهِ وَأَنْتَ عَلَى أَكْرَمِ نَاخِرَةٍ
بِمِصْرَ؟ فَقَالَ: لا مَلَلَ عِنْدِي لِدَابَّتِي مَا حَمَلَتْ
رِجْلِي1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بن عبد الأكبر2 أخبرنا الرياشي بإسناد
له. قال: والناخزة يريد جماعة من الخيل يُقَالُ لواحدها ناخر. قَالَ
غيره: الناخر الحمار. قال الفراء: وهو الشاخر أيضا وأنشد:
فلا يزال شاخر يأتيك بج3
ويقال: إنما سمي شاخرا وناخرا لشخيره ونخيره إلا أن الشخير من الحلق
والنخير من الأنف.
__________
1 الفائق "نخر" "3/415" برواية "لا بلل عتدي لدابتي" والنهاية "نخر"
"5/32" وفي الأساس "ملل" بي ملل وملال وملالة تبرم.
2ط: "محمد بن يزيد ين عيد الأكرم المبرد".
3 مجالس ثعلب "1/117" برواية: "فلا يزال شاحج يأتيك بج" وكذلك في
النوادر "164" وقبله "يا رب إن كنت قبلت حجتج" أراد: بي وحجتي".
(2/485)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ صِفِّينٍ: أَيْ
عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ أَيْنَ [179] تَرَى عَلِيًّا؟ فَقَالَ: أَرَاهُ
فِي تِلْكَ الْكَتِيبَةِ الْقَتْمَاءِ فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ
عُمَرَ1 وَابْنِ / مَالِكٍ. فَقَالَ لَهُ: أَيْ أَبَهْ فَمَا
يَمْنَعُكَ إِذْ غَبَطْتَهُمْ أَنْ تَرْجِعَ؟ فَقَالَ: يَا بُنِيَ
أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً دَمَّيْتُهَا2.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الزيبقى أخبرنا إسماعيل بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن
بشار أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
القتماء: الغبراء والقتام: الغبار وهو القتم أيضا. قال طرفة:
يتركون القاع تحتهم ... كمراغ ساطع قتمه3
وَقَوْلُهُ: "إذا حككت قرحة دميتها"4 مثل يقول إذا أممت غاية تقصيتها.
وابن مالك هو سعد بن أبي وقاص كان وعبد اللَّه بن عُمَر ومحمد بن مسلمة
الأنصاري في عدة من الصحابة تخلفوا عَنِ الفريقين وقعدوا عَنْ تلك
الفتنة حتى انجلت.
__________
1 د: "لله در ابن عس".
2 الفائق "قتم" "3/157" والنهاية "قتم" "4/15".
3 الديوان "79" وجاء في شرحه: "إذا مر هذا الجيش بالقاع قلع مدره فصيره
ترابا له قتم والساطع/ المرتفع من السماء والمراغ: موضع تمعك واضطراب
الحمار.
4 اللسان "حكك" جمهرة الأمثال "1/144" مجمع الأمثال "1/28" المستصفى
"1/124".
(2/486)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: إِنَّكَ فِي هَذِهِ الْبَلاغَةِ
وَالنَّصَاعَةِ وَالرَّأْيِ الْفَاضِلِ كُنْتَ تَأْتِي حَجَرًا
فَتَعْبُدَهُ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُجَالِسُ
أَقْوَامًا تَزِنُ حُلُومُهُمُ الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَّ وَلَكِنْ مَا
قَوْلُكَ في عقول كادها خالقها1.
__________
1النهاية "كيد" "4/217".
(2/486)
حدثنيه أبو عمر أنبأنا أَبُو الْعَبَّاسِ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عن سَلَمَةَ عن الفَرَّاء عن الْكِسَائِيِّ.
قوله: كادها خالقها قَالَ أَبُو العباس: يريد منعها خالقها.
قَالَ غيره: ومن هذا قولهم: كدت الرجل إذا أردته بسوء.
قَالَ أَبُو عُمَر: والكيد في أشياء منها التدبير, والكيد: الحرب.
ومنه الحديث: أَنَّهُ خرج في غزوة بني سليم فسار حتى بلغ موضع كذا ثم
رجع ولم يلق كيدا:1 أي حربا.
قَالَ: والكيد: القيء ومنه حديث الْحَسَن إذا بلغ الصائم الكيد أفطر2.
قَالَ: والكيد: الحيض ومنه حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ نظر إلى جوار
قد كدن في الطريق3: أي حضن.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "2/35 – 36" وابن كثير في السير النبوية
"2/539".
2 لم أجده بهذا اللفظ وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/38" بلفظ
"إذا اذرع الصائم القيء فلا يفطر وإذا بقيأ أفطر وفي المصباح: ذرعه
القيء: غلبه وسبقه. وبمعناه عبد الرزاق في مصنفه "4/215" وانظر الفائق
"3/292".
3 في الفائق "كيد" "3/201" وزاد "فأمر أن ينحين".
(2/487)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنَّ قُبَيْصَةَ بْنَ جَابِرٍ الأَسَدِيَّ قَالَ: مَا
رَأَيْتُ أَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ عَمْرٍو1.
يَرْوِيهِ الْبُخَارِيُّ عن محمد بن عباد وعن ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ عن قبيصة.
__________
1أخرجه البخاري في التاريخ "4/1/175" بلفظ "ما رأيت أنصع ظرفا أو أبين
ظرفا منه".
(2/487)
قوله: أقطع طرفا يريد أذرب لسانا وأنفذ
قولا منه.
قَالَ ابن الأعرابي: ومن هذا قولهم: لا يدري أي طرفيه أطول وطرفاه ذكره
ولسانه والطرف في أشياء منها اللسان ومنها البنان.
ويقال: للأصابع الأطراف والطرف الطائفة من الشيء ويقال: أَنَّهُ لكريم
الطرفين: أي الوالدين وقد يشبه اللسان الذرب بالسيف القاطع كقوله:
وفي فمي صارم كالسيف مأثور1
وَقَالَ آخر:
لساني وسيفي صارمان كلاهما ... وللسيف أشوي وقعة من لسانيا2
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ قَالَ: لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكْفُفْ عَلَيْكَ
لِسَانَكَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّا لَمُؤَاخَذُونَ
بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النِّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا
حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" 3.
__________
1 في نكت الهميان للصفدي "71" وصدره "قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل" وجاء
قبله:
إن يأحذ الله من عيني نورها ... ففي لساني وسمعي منهما نور
والبيتان لابن عباس بإنشاد الجاحظ.
2 شرح الحماسة للمرزوقي "1/266" برواية:
وليس لسيقي في العظام بقية ... وللسيف أسوى وقعة من لسانيا
وعزي لجرير وهو في ديوانه "501" بنفس الرواية.
3 أخرجه الترمذي في الإيمان "5/12" وابن ماجة في الفتن "2/1315"
والإمام أحمد في مسنده "5/231, 237".
(2/488)
حدثناه الصفار أخبرنا الرمادي أخبرنا عبد
الرزاق أخبرنا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ عْنِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ.
والحصائد جمع حصيدة وهي ما حصد / من الزرع شبه غرب اللسان وما يقتطع1
به من القول [180] بحد المنجل وما يحصد به من الزرع.
__________
1 د: "وما يقطع به".
(2/489)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو فِي قِصَّةِ خُرُوجِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَأَنَّهُ جَلَسَ
عَلَى مِنْجَافِ السَّفِينَةِ فَدَفَعَهُ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ
فِي الْبَحْرِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَبُو
سُلَيْمَانَ: لم أسمع في منجاف السفينة شيئا أعتمده وأراه الفرضة التي
يكون منها مدخل الركاب ومنه النجاف وهو أسكفة الباب ويجوز أن يكون أراد
بالنجاف المكان الَّذِي يسمي السكان وهو في مؤخر السفينة سماه منجافا
لارتفاعه وعلوه.
والنجفة: شبه التل يرتفع عَنْ وجه الأرض لا يعلوه الماء.
ومن هذا قولهم: نجفت بالرجل إذا رفعت منه وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ:
أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ
بَصَرُهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا أَكْرَمَتْهُ وَنَجَفَتْ بِهِ
فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهَا: أَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ
تَتَابَعُوا2 فِي الإِفْكِ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالَدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ
وِقَاءُ
__________
1 أخرجه الحاكم قصة خروج عمرو بن العاص وعمار بن الوليد إلى النجاشي في
المستدرك "2/309" بدون ذكر السفينة وكذلك ذكرها الهيثمي في مجمعه
"6/31" وعزاها للطبراني وذكر ابن كثير في السيرة النبوية "2/13, 26"
إلقاء عمارة في البحر بسياق آخر وفي نسختي د, ط: "عمارة بن الورد" وفي
هامش د: "قال بعض أصحاب الحديث: "عمارة بن الوليد".
2 د: "تتابعوا".
(2/489)
لَعَلَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ بِهَذَا
الْقَوْلِ كُلَّ ذَنْبٍ1.
ذَكَرَهُ لَنَا أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلَبٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ
شَبَّةَ.
__________
1 لم أجده بهذا السياق وقد أخرجه البخاري في المغازي "5/150" ومسلم فس
التوبة "4/2137" وأحمد في مسنده "6/198" كلهم بلفظ: "كانت عائشة تكره
أن يسب عندها حسان وتقول: فإنه قال: فإن أبي ووالدي وعرضي" في حديث
طويل.
والبيت في الديوان "76".
(2/490)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَمَا
وَاللَّهِ لَقَدْ تَلافَيْتُ أَمْرَكَ وَهُوَ أَشَدُّ انْفِضَاجًا مِنْ
حُقِّ الْكَهُولِ فَمَا زِلْتُ أَرُمُّهُ. بِوَذَائِلِهِ وَأَصِلُهُ
بِوَصَائِلِهِ حَتَّى تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمُدِرِّ1.
رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ مِنْ حُقِّ
الْكَهْدَلِ.
قَالَ: لم أسمع في هذا الحرف شيئا ممن يوثق بعلمه وبلغني أَنَّهُ بيت
العنكبوت.
قَالَ أَبُو عمر: هذا تصحيف وإنما هو حق الكهول. رواه لنا أَبُو العباس
ثَعْلَبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو الشيباني قَالَ: حق الكهول بيت
العنكبوت. قال: ويقال له: الكعدبة والجعدبة.
قَالَ ابن قتيبة: والمدر الجارية التي ينزل لها الدر وأراد بالفلكة
حلمة ثديها.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/376" وهو في الفائق "عصب" "2/440".
الانفضاج: الاسترخاء. والوذائل: سبائك الفضة, جمع وذيلة, والوصائل:
ثياب حمر مخطط يجاء بها من اليمن الواحدة وصيلة, يريد أنه زينة وحسنة
وقال الزمخشري: وعندي أنه أراد بالوذائل جمع وذيلة وهي المرأة بلغة
هذيل مثل بها آراءه التي كانت لمعاوية أشباه المرائي, يرى فيها وجوه
صلاح أمره واستقامة ملكه.
(2/490)
وَأَخْبَرَنِي الأزهري قَالَ المدر في كلام
العرب الغزال. ويقال: للمغزل الدرارة.
يُقَالُ: أدر فلان مغزله إذا أداره بشدة الفتل قَالَ: وهذا أشبه بمعنى
الحديث مما ذهب إليه ابن قتيبة لأن الفلكة إذا انتهت إلى مستغلظ عود
المغزل ثبتت ثباتا لا يزعزعه شيء.
(2/491)
|