غريب الحديث للخطابي حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
رحمه الله
حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِصَعْصَةَ بْنِ صُوحَانَ: "أَنْتَ
رَجُلٌ تَكَلَّمَ بِلِسَانِكَ فَمَا مَرَّ عَلَيْكَ جَدَّلْتُهُ ... ".
...
حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لصعصعة
بْنِ صُوحَانَ أَنْتَ رَجُلٌ تَكَلَّمَ بِلِسَانِكَ فَمَا مَرَّ
عَلَيْكَ جَدَّلْتُهُ وَلَمْ تَنْظُرْ فِي أَرْزِ الْكَلامِ ولا
استقامته فقال له: صعصعصة وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْرُكَ الْكَلامَ حَتَّى
يَخْتَمِرَ فِي صَدْرِي فَمَا أُرْهِفُ به ولا أُلْهِبُ فِيهِ حَتَّى
أُقَوِّمَ أَوْدَهُ وَأَنْظُرَ فِي اعْوِجَاجِهِ فَآخُذُ صَفْوَهُ
وَأَدَعُ كَدْرَهُ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ الطيب المروزي أخبرنا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ حدثني الهيثم بن مروان أخبرنا محمد بن عائذ
أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَهْلٍ الْخُزَاعِيُّ.
قوله: جدلته أي رميت به يقال طعنه فجدله أي رمى به إلى الجدالة وهي
الأرض ومثله طعنه فقطره إذا رمى به على أحد قطريه وأرز الكلام حصره
وجمعه. وأصل الأرز الاجتماع والانقباض. ومنه الحديث: "إن الإسلام ليأرز
إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" 2.
وَقَوْلُهُ: فما أرهف به يريد إني لا أركب البديهة ولا أقطع القول بها
قبل أن أتأمله وأروي فيه ومنه إرهاف السنان وسيف مرهف ورهيف أي ماض.
__________
1 الفائق "جدل" "1/197" والنهاية "جدل" "1/248".
2 أخرجه البخاري في فضائل المدينة "3/27" ومسلم في الإيمان "1/131"
وابن ماجة في المناسك "2/1038" وغيرهم.
(2/521)
وَقَوْلُهُ: لا ألهب فيه أي لا أمضيه بسرعة
والأصل فيه الجري الشديد الَّذِي يثير اللهب وهو الغبار الساطع كالدخان
المرتفع على النار قَالَ النابغة يصف فرسا:
يقطعهن بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب1
__________
1 في التهذيب "1/193" واللسان والتاج "قطع" وعزي للنابغة الجعدي يصف
فرسا وهو في شعر النابغة الجعدي "17".
(2/522)
[190] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي
حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ عَلَيْهِ
وَقَدْ أَسَنَّ وَطَالَ عُمْرَهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ
أَنْتَ وَكَيْفَ حَالُكَ فَقَالَ مَا تَسْأَلُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَمَّنْ ذَبَلَتْ بَشْرَتُهُ وَقُطِعَتْ ثَمْرَتُهُ
فَكَثُرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ أَنْ يَقِلَّ وَصَعُبَ مِنْهُ مَا يَحبُ
أَنْ يُذَلَّ وَسُحِلَتْ مَرِيرَتُهُ بِالنَّقْضِ وَأَجِمَّ النِّسَاءَ
وَكُنَّ الشِّفَاءَ وَقَلَّ انْحِيَاشُهُ وَكَثُرَ ارْتِعَاشُهُ
فَنَوْمُهُ سُبَاتٌ وَلَيْلُهُ هُبَاتٌ وَسَمْعُهُ خُفَاتٌ وَفَهْمُهُ
تَارَاتٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَابْنُ الزَّيْبَقِيِّ وَدَخَلَ
حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الآخر.
قال ابن الأعرابي: أخبرنا ابن أبي الدنيا حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبَّادِ بْنِ مُوسَى أخبرنا محمد بن عبد الله الْخُزَاعِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ الزِّيبَقِيِّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ
هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ.
قوله: ذبلت بشرته أي قل ماؤها وذهبت نضارتها.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "3/16" إلى هذا الحديث وقال: ذكره قصته
الزبير بن بكار في الموافقات وقال: وكذا أورده الخطابي في غريب الحديث
من وجه آخر, عن هشام بن الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قريش
وانظر الفائق "ثمر" "1/174" والنهاية وفي "سجل" "2/348".
(2/522)
والبشرة: ما يباشره البصر من ظاهر بدن
الإنسان والأدمة: باطن البدن1 وفي ذبول البشرة وجه آخر وهو أن يكون
كناية عَنِ الفرج يريد أَنَّهُ قد ضعف واسترخي.
قَالَ سفيان بن عيينة في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ
وَلا جُلُودُكُمْ} 2 سورة فصلت: "22" أراد بالجلود الفروج.
وَقَوْلُهُ: قطعت ثمرته يريد ذهاب الزرع وانقطاع النسل وهو ثمرة
الإنسان وهو يؤيد التأويل الآخر في ذبول البشرة.
وَقَوْلُهُ: كثر منه ما يحب أن يقل يريد آفات الكبر كالسهو والغلط
ونحوهما وكالبوال والذنين3 وما أشبههما من العلل.
وأما صعوبة ما يحب أن يذل فإنه يريد بذلك ما يعرض للمشايخ من جسو
المفاصل فيقل معه اللين واللدونة التي بها يكون مطاوعة القبض والبسط من
الأعضاء.
وَقَوْلُهُ: سحلت مريرته بالنقض فإن المريرة الحبل المفتول والسحل أن
يفتل الغزل طاقة واحدة يُقَالُ: خيط سحيل فإذا فتل طاقتين فهو مبرم
قَالَ زهير:
يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم4
__________
1 د: "جلد باطن البدن".
2 سورة فصلت: 22.
3 القاموس "بول" البوال كغراب: داء يكثر منه البول وفي مادة "ذنن"
الدنين كأمير وغراب: رقيق المخاط أو ما سال من الأنف رقيقا أو عام
فيهما.
4 شرح الديوان "14".
(2/523)
وَقَالَ ابن هرمة:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تكن ... له صاحبا حتى ترى الأمر مبرما1
وإنما جعل الحبل وانتقاضُهُ مَثَلًا لانحلال بدنه وانتقاض قواه.
وَقَوْلُهُ: أجم النساء أي ملهن وعافهن كما يعاف الطعام.
ويقال: أجمت اللحم إذا أكثرت منه حتى تعافه.
وَقَوْلُهُ: قل انحياشه أي حركته وتصرفه في الأمور إلا أن الحركة
الضرورية بالارتعاش قد كثرت منه وغلبت عليه.
والسبات: نوم المريض والشيخ المسن وهو الغشية الخفيفة.
يُقَالُ: سبت الرجل فهو مسبوت ويقال: أَنَّهُ مأخوذ من السبت وهو القطع
وذلك لأنه سريع الانقطاع.
ويقال: إنما سمي آخر أيام الجمعة سبتًا لانقطاع الأيام عنده وذلك أن
أولها يوم الأحد والسبت أيضا السير السريع قَالَ الشاعر:
ومطوية الأقراب أما نهارها ... فسبت وأما ليلها فذميل2
[191] / والخفات ضعف الحس يريد أَنَّهُ لا يدرك الصوت إلا كهيئة السرار
والخفوت خفض الصوت ومنه المخافتة في الكلام قَالَ الله تَعَالَى: {وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} 3. وإنما قيل للميت خافت
لانقطاع
__________
1 شعر إبراهيم بن هرمة "193" برواية:
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما
2 اللسان والتاج "سبت" وعزي لحميد ين ثور وهو في الديوان "116" برواية
الخطابي وفي الجمهرة "1/195" برواية "بمقورة الألياط أما نهارها".
3 سورة الاسراء: "110".
(2/524)
صوته. والخفات من خفت بمنزلة الصمات من صمت
والسكات من سكت.
وَقَوْلُهُ: وليله هبات فإن الهبات من الهبت وهو اللين والاسترخاء
ويقال: في فلان هبتة أي ضعف عقل وقد هبت السحاب بالمطر إذا أرخت
عزاليها1 قَالَ الشاعر:
سقيا مجلجلة ينهل وابلها ... من باكر مستهل الودق مهبوت2
كأنه يريد أن نومه بالليل إنما هو بقدر أن تسترخي أعضاؤه من غير أن
يستغرق نوما ولو قيل وليله هبات من هب النائم من نومه كان جيدا إلا أن
الرواية متبعة. [ويروى مهتوت بتاءين أي مصبوب] 3.
وشبيه بهذا حديث أبي العريان4 أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ
أخبرنا عبد الكريم بن الهيثم أخبرنا إبراهيم بن بشار أخبرنا سفيان بن
عيينه عن عبد الملك بن عمير قَالَ دخلوا على أبي العريان يعودونه
فقالوا: كيف تجدك قَالَ أجدني يبيض مني ما كنت أحب أن يسود واسود مني
ما كنت أحب أن يبيض ولان مني ما كنت أحب أن يشتد واشتد مني ما كنت أحب
أن يلين. ألا أخبرك بآيات الكبر:
تقارب الخطو وسوء في البصر ... وقلة الطعم إذا الزاد حضر
__________
1 القاموس "عزل" العزالي جمع عزلاء وهي مصب الناء من الراوية ونحوها.
2 اللسان التاج "هتت" برواية:
سقيا مجلله ينهل ريقها ... من باكر مرثعن الودق مهتوت
وعزي لذي الرمة وهو في ملحق ديوانه "663".
3 من د.
4 في شرح الحماسة للمرزوقي "2/942" "حكى عة العريان بن الهيثم لما سأله
عبد الملك عن حالة" وكذا في عيون الأخبار "2/321" وفي البيان والتبيين
"1/399" و"2/69" أنه الهيثم بن الأسود بن العريان.
(2/525)
وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وكثرة
النسيان فيما يدكر
وتركك الحسناء في قبل الطهر ... والناس يبلون كما يبلى الشجر
ألا أخبركم بجيد العنب؟ هو ما روى عموده واخضر عوده وتفرق عنقوده.
ألا أخبركم بجيد الرطب؟ هو ما كثر لحاؤه ورق سحاؤه وصغر نواه1.
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "201" أ.
(2/526)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ إِلَى قُبْرُسَ حَمِلَ
مَعَهُ ابْنَةَ قَرَظَةَ فَلَمَّا دُفِعَتِ الْمَرَاكِبُ مَعَجَ
الْبَحْرُ مَعْجَةً تَفَرَّقَ لَهَا السُّفُنُ1.
يرويه الواقدي: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ أنس عن
عبد الرحمن بن عبد الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله: معج أي ماج واضطرب ومنه معجان المهر وهو أن يتقلب في جريه يمنه
ويسرة قَالَ الشاعر:
يصل الشد بشد فإذا ... ونت الخيل من الشد معج
وأخبرني ابن الزيبقي أخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا أبو حاتم أخبرنا
الأصمعي أخبرنا جعفر بن سليمان الدارسي عَنْ نصر بن مدرك قَالَ: قالت
امرأة: لا يعجبني الشاب يمعج معجان البكرة ويعدو طلق المهر في الميدان
ولكن شيخ يضع قب استه بالأرض ثم إنما هو سحبا وجرا.
__________
1لم أجد روايته في مغازيه وقد ذكره ابن الأعثم في الفتوح "2/118" هذه
القصة بألفاظ متقاربة.
2 د: "إسماعيل بن عبيد الله".
(2/526)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ جَعَلَ بَنَاتُهُ يُقَلِّبْنَهُ
وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّكُنَّ لَتُقَلِّبْنَ حُوَّلِيًّا قُلَّبِيًّا
إِنْ نَجَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ غَدًا1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الحسين أخبرنا محمود بن الصباح المازني أخبرنا
عبد الله بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامِ
بْنِ قَحْذَمٍ.
وفي رواية: أخرى إنكن لتقلبن حولا قلبا إن وقي كبة النار2.
يُقَالُ: / رجل حول قلب وحولي قلبي فالقلب الَّذِي يقلب الأمور ظهرا
لبطن والحول: ذو [192] التصرف والاحتيال قَالَ الشاعر:
الحول القلب الأريب وهل ... تدفع صرف المنية الحيل
وانقلاب الواو عَنِ الياء في كلامهم مشهور كقوله: الغاية القصوى وأصله
الياء ويقال: فلان أحول من فلان من الحيلة قَالَ الشاعر:
وتزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا
ومما قيل بالياء والأصل فيه الواو قولهم العليا والدنيا من العلو
والدنو ومثل هذا كثير.
وحكى أَبُو عُمَر عن أبي العبَّاس عن ابن الأعرابي أن رجلين تقدما إلى
معاوية فادعى أحدهما على صاحبه مالا وكان المدعى قبله حولا قلبا مخلطا
مزيلا فأنشأ معاوية يقول:
أَنَّى أُتِيحَ لَهُ حَرْبَاءُ تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا
ساقا3
__________
1 الفائق "حول" "1/337" والنهاية "1/467".
2 أخرجه الطبري في تاريخه "5/326" بلفظ "تقلبان حولا قلبا, جمع المال
من شب إلى دب إن لم يدخل النار".
3 اللسان التاج "نضب" دون عزو والتنضب: شجر له شوك قصار تقطع منه العصى
الجياد واحدته تنضبة.
(2/527)
ثم دعا بمال فأعطى المدعي وفرق بينهما.
قَالَ أَبُو عُمَر: فالمزيل الجدل في الخصومات الَّذِي يزول من حجة إلى
حجة والمخلط الَّذِي يخلط شيئا بشيء فيلبسه على السامعين وكبة النار
معظمها.
(2/528)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْخَطِلِ1 كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ بِمَهِيعَةَ بِطُنُبِهِ تَيْسٌ
مَرْبُوطٌ وَبِغِنَائِهِ أَعْنُزٌ دَرُّهُنَّ غُبْرٌ يَحْلُبْنَ فِي
مِثْلِ قُوَّارَةِ حَافِرِ الْعِيرِ تَهْفُو مِنْهُ الرِّيحُ بِجَانِبٍ
كَأَنَّهُ جَنَاحُ نِسْرٍ2.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ بحر الرهني3 أخبرنا ابن دريد أخبرنا أَبُو
حَاتِمٍ عَنِ الْعُتَبِيِّ.
قَوْلُهُ: درهن غبر أي ألبانها قليلة وغبر اللبن بقيته وهو ما غبر عنه
وجمعه أغبار قَالَ الحارِثُ بْن حِلّزة:
لا تكْسَع السول بأَغْبارها ... إنّك لا تَدْري من الناتج4
ويقال: تغبرت الناقة إذا احتلبت غبرها وَقَوْلُهُ: تحلبن في مثل قوارة
__________
1 د: "لسلمة بن أبي الخطل".
2 الفائق "هيع" "4/338" و"قور" "4/120" وجاؤ في الفائق: مهيعة: هي
الجحفة ميقات أهل الشام مفعلة من التهيع وهو الانبساط وفيه: طريق مهيع:
واسع.
3 س, ط: "محمد بن يحيى" والمثبت من ح, د, وفي الوافي بالوفيات "2/243 –
244" محمد بن بحر أبو الحسن الرهني بالراء والنون نسبة إلى رهنة: قرية
من قرى كرمان وهو شيباني معروف بالفضل والفقه.
4 اللسان التاج "غبر" والديوان "20" وسبق في الجزء الأول لوحة "242".
(2/528)
حافر العير يريد ما تقور من باطن حافره
يصفه باللؤم إذ كان المحلب الَّذِي يحلب فيه ضيقا كذلك والعرب تمدح
بعظم الجفان وسعة الآنية فيقال فلان عظيم الجفنة إذا كان مطعما كما
يُقَالُ عظيم الرماد إذا كان يكثر الوقود للأضياف حتى يكثر الرماد
بفنائه وكان لعبد الله بن جدعان جفنة يأكل منها الراكب وَقَالَ الشاعر
يرثي رجلا:
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره1
وَقَوْلُهُ: تهفو منه الريح بجانب كأنه جناح نسر قَالَ الرهني أراد
جانب البيت وأنه في الصغر على قدر جناح النسر يريد بذلك تصغير أمره
وتحقيره.
__________
1 اللسان التاج "أزا" برواية "يا جفنة كإزاء الحوض قد كفؤوا" من غير
عزو.
(2/529)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ مَنَعَتْنِي الْقُدْرَةُ
مِنْ ذَوِي الْحِنَاتِ.
أخبرناه الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا بن يحيى المنقري
أخبرنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: رَأَى
مُعَاوِيَةُ يَزِيدَ يَضْرِبُ غُلامًا لَهُ فَقَالَ: يَا يَزِيدُ
سَوْءَةً لَكَ تَضْرِبُ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ / يَمْتَنِعَ
وَاللَّهِ لَقَدْ مَنَعَتْنِي الْقُدْرَةُ مِنْ ذَوِي الْحِنَاتِ1.
[193]
الحنات جمع حنة وهي لغة رديئة واللغة العالية إحنة.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: في صدره عليك إحنه مكسورة الألف أي حقد ولا
تقل حنة قال الشاعر:
__________
1 النهاية "1/453".
(2/529)
إذا كان في نفس ابن عمك إحنة ... فلا
تستثرها سوف يبدو دفينها1
ويجمع على الإحن قَالَ الشاعر:
وبين قومي ورجالها إحن ... إذا التقوا تجاملوا على الضغن
تجامل النبت على وعس الدمن2
ويقال فلان مواجن لي قَالَ كثير:
وما زلت في ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي إحنة وأواجن3
__________
1 اللسان التاج "أحن" وعزي للأقيل بن القيني وجاء قبله:
متى ما يسؤ ظن امرىء بصديقه ... يصدق بلاغات يجئه يقينها
2 س: "على ضغن" والمثبت من د.
3 الديوان برواية:
وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن
(2/530)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِدَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ: بِمَ ضَبَطْتَ
مَا أَرَى؟ قَالَ: بِمُفَاوَضَةِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَمَا
مُفَاوَضَةُ الْعُلَمَاءِ؟ قَالَ: كُنْتُ إِذَا لَقِيتُ عَالِمًا
أَخَذْتُ مَا عِنْدَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مَا عِنْدِي1.
حَدَّثَنِيهُ ابْنُ الزيبقي أخبرنا أبي عن أبيه أخبرنا الأَصْمَعِيُّ
عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ عَنْ قَتَادَةَ.
أَخْبَرَنِي بعض أصحابنا عَنْ أَبِي عُمَر قَالَ: أصل المفاوضة:
المساواة قال:
__________
1ذكر الحافظ في الإٍصابة "1/475" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ
قال: "بعث معاوية إلى دغفل.... يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: حفظته
بلسان سؤول وقلب عقول وإنما غائلة العلم النسيان" وبنحوه في تهذيب
تاريخ ابن عساكر "5/246" وكذلك في جامع بيان العلم وفضله "1/89".
(2/530)
ومنها شركة المفاوضة وذلك لأن كل واحد من
الشريكين يساوي صاحبه فيما يستفيده ولا ينفرد بشيء منه دون صاحبه قَالَ
ومنه قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا1
أي لا تصلح أمورهم وهم أكفاء متساوون في الدرجة ليس لهم رئيس يقودهم
فيصدروا عن أمره وينتهوا إلى رأيه.
[وَقَالَ اللحياني: يُقَالُ: أمرهم فوضى بينهم وفضى بينهم: أي سواء
بينهم وأنشد:
طعامهم فوضى فضي في رحالهم ... ولا يحسبون السر إلا تناديا
ويروى الشر] 2.
__________
1 اللسان التاج "فوض" برواية "لا يصلح القوم" وعزي للأفوه الأودي.
2 من د والبيت في اللسان والتاج "فوض" برواية:
طعامهم فوضى فضا في رحالهم ... ولا يحسبون السوء إلا تناديا
(2/531)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَطَاءَ قَالَ: رَأَيْتُهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ كَانَتْ إِيَّاهَا1.
حَدَّثَنِيهُ عَبْدُ العزيز بن محمد [المسكي] 2 أنبأنا ابن الجنيد
أخبرنا سُوَيْدٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
عَطَاءَ.
قوله: كانت إياها يريد أَنَّهُ كان ذا رفع رأسه من السجدة نهض حتى
ينتصب قائما للركعة من غير أن يقعد قعدة بينهما.
__________
1 الفائق "إيا" "1/68" والنهاية "1/88".
2 ساقط من د.
(2/531)
وَقَدْ رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ
كَانَ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا قَعْدَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَسْتَوِي
قائما1.
__________
1 أخرجه الترمذي حديث أبي حميد في الصلاة "2/105 – 107" وابن ماجة في
إقامة الصلاة "1/337" والدارمي في الصلاة "1/313" والإمام أحمد في
مسنده "5/424" كلهم بطوله إلا أنهم لم يذكروا "يقعد بينهما قعد خفيفة".
(2/532)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ خَرَجَ بِالْمَدِينَةِ وَبِيَدِهِ فَلِيلَةٌ
وَطَرِيدَةٌ, ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ:
يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ1.
قَالَ: والفليلة: الكبة من الشعر والطريدة: الخرقة الطويلة من الحرير.
قَالَ ساعدة بن جؤية يذكر ميتا:
وغودر ثاويا وتأوبته ... مذرعة أميم لها فليل2
__________
1 الفائق "فلل" "3/142" والنهاية "فلل" "3/473".
2 شرح أشعار الهذليين "3/1146".
(2/532)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّ أَبَا مَرْيَمَ الأَزْدِيَّ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أنعمنا بك يافلان؟ قَالَ: وَهِيَ كَلِمَةٌ
تَقُولُهَا الْعَرَبُ فَقُلْتُ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي
أخبرنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ
الْقَاسِمَ بن مخيمرة أخبرهأن أَبَا مَرْيَمَ الأَزْدِيَّ أَخْبَرَهُ
بِذَلِكَ
قوله: ما أنعمنا بك. كلمة يقولها الرجل لصاحبه إذا جاءه وألم به،
__________
1 أخرجه أبو داود في الإمارة والفيء "3/135" وذكره ابن كثير في البداية
والنهاية "8/125
(2/532)
ولا يُقَالُ ذلك إلا لمن يعتد بلقائه ويسر
برؤيته كأنه يقول: ما جاءنا بك وما الَّذِي دعاك إلى أن أتيتنا
فأنعمتنا: أي سررتنا بلقائك والنعمة: المسرة مضمومة النون يُقَالُ نعم
ونعمة عين قَالَ الشاعر:
تراب لأهلي لا ولا نعمة لهم ... لشد إذا ما قد تعبدني أهلي
ومن هذا قولهم: نعم اللَّه بك عينا وأنعم اللَّه بك عينا: أي أقر بك
عين من تحبه وكان بعض السلف يكره أن يُقَالُ: نعم اللَّه بك عينا.
[وَقَالَ: إن اللَّه لا ينعم بشيء قَالَ وإنما يُقَالُ أنعم اللَّه بك
عينا] 1.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معناه ما الَّذِي أعملك نحونا وجشمك المصير
إلينا من قولهم تنعم الرجل إذا مشى حافيا.
قَالَ بعض أهل اللغة: معناه أن يمشي على نعامة رجله.
قَالَ غيره: إنما قلبت هذه الكلمة على طريق التفاؤل وذلك أن الرجلة بؤس
وعناء فصرفوها من طريق الفأل إلى النعمة والرخاء فقالوا: تنعم الرجل
إذا مشى حافيا ويقال في مثل هذا ما عزنا بك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَاهُ ابن هاشم أخبرنا الدبري عن
عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ: أَنَّ
أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ عَادَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَدَخَلَ
عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا عَزَّنَا بِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَقَالَ:
سَمِعْتُ بِوَجَعِ ابْنِ أَخِي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعُودَهُ2.
يُقَالُ: عززت الرجل إذا جئته زائرا وفلان عزيز في بني فلان إذا كان
نزيلا فيهم.
__________
1 سقط من ح.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/594" بلفظ "ما غدا بك أيها الشيخ" بدل
"مَا عَزَّنَا بِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ".
(2/533)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
معاوية أنه بلغه أن عبد الله بْنَ جَعْفَرٍ حَفَّفَ وَجُهِدَ مِنْ
بَذْلِهِ وَإِعْطَائِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْقَصْدِ
وَيَنْهَاهُ عَنِ السَّرْفِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَيْتَيْنِ مِنَ
الشِّعْرِ:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ
الْقُنُوعِ
يَسُدُّ بِهِ نَوَائِبَ تعتريه ... من الأيتام كالنهل الشروع1
__________
1 البيت الأول في اللسان والتاج "قنع" والبيت الثاني في مادة "شرع"
وعزيا للشماخ وهما في ديوانه "221 – 222" وهما في الفائق "حفف" "1/297"
والنهاية "حفف" "1/408"
(2/534)
يرويه الحسن بن عبد العزيز الجروي أخبرنا
أَبُو مُسْهِرٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ
يُونُسَ بْنَ حَلْبَسَ يذكره.
قوله: حفف: أي قل ماله.
قَالَ ابن السكيت: الحفف: قلة المأكول وكثرة الأكلة, والضفف: كثرة
العيال والقنوع: مسألة / الحاجة يُقَالُ: قنع يقنع قنوعا إذا سأل.
[195]
وَقَالَ أعرابي لقوم سألهم: الحمد لله الَّذِي أقنعني إليكم, يريد
أحوجني.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا
المنقري عَنِ الأصمعي قَالَ: رأيت أعرابيا يقول في دعائه: اللهم إني
أعوذ بك من القنوع والخنوع والخضوع وما يغض طرف المرء ويغري به لئام
الناس.
وأراد بالنهل الشروع الإبل الشارعة نحو الماء وضرب الإبل مثلا لنوائب
الدهر1 في تتابعها والشعر للشماخ.
__________
1 ط: "لنوائب الأيام".
(2/535)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ صَاحِبِ الرُّومِ
وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ بِلادَ الشَّامِ أَيَّامَ فِتْنَةِ
صِفِّينٍ كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ تَمَّمْتَ عَلَى
مَا بَلَغَنِي من عزمك لأصالحأ صَاحِبِي وَلأَكُونَنَّ مُقَدِّمَتَهُ
إِلَيْكَ فَلأَجْعَلَنَّ القسطنطينية الْبَخْرَاءَ حُمَمَةً سَوْدَاءَ
وَلأَنْتَزِعَنَّكَ مِنَ الْمُلْكِ انْتِزَاعَ الإِصْطِفْلِينَةِ
وَلأَرُدَنَّكَ إِرِّيسًا مِنَ الأَرَارِسَةِ تَرْعَى الدَّوَابِلَ1.
قَالَ أَبُو عُمَر: الإصطفلين: الجزر, لغة شامية والواحدة: إصطفلينة,
والإريس: الأكار بلسان الروم والدوابل: الخنازير وَقَالَ غيره: الدوبل:
ولد الحمار.
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 8/119 بألفاظ متقاربة.
(2/535)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ ابْنُ زِيَادٍ؟ فَقَالُوا: ظَرِيفٌ
عَلَى أَنَّهُ يَلْحَنُ, فَقَالَ: أَوَلَيْسَ ذَاكَ أَظْرَفُ لَهُ1.
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ أراد القوم اللحن
الَّذِي هو الخطأ وذهب معاوية إلى اللحن الَّذِي هو الفطنة قَالَ
والأول بسكون الحاء والثاني بفتحها قَالَ وأما قول الآخر:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا2
فإنه أراد اللحن الَّذِي هو الخطأ كأنه استملحه في المرأة واستثقل منها
الإعراب.
قَالَ: وكان بعضهم يذهب في قول معاوية في عبيد اللَّه بن زياد هذا
المذهب ولا أراه كذلك.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والأصل الَّذِي تجري عليه عادة البيان أن
يكون الجواب وفقا للسؤال ومحمولا على حكمة وما دام التوفيق ممكنا
فالتفريق لا وجه له ومن البعيد الممتنع أن يكون معاوية وقومه وهم عرب
صرحاء إذا تخاطبوا لم يتفاهموا وأن يذهب بعضهم عَنْ مراد بعض هذا
الذهاب وأن يتباينوا هذا التباين واللغة واحدة والعيون متواجهة
والأسباب إلى المقاصد مشيرة وعليها دليلة مثل هذا الوصف ينبو عنهم ولا
يليق بهم.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة ف غريبه "2/417" وذكره القالي في الأمال "1/5".
2 غريب الحديث لابن قتيبة "2/419" برواية:
منطق عاقل وتلحن احيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا
والبيت لمالك بن أسماء بن خارجة الفزاري وهو في البيان والتبيين
"1/147" واللسان والتاج وأساس البلاغة "لحن" وأمالي القالي "1/50".
(2/536)
وفي تأويل هذا الكلام وجوه أحدها أن يكون
القوم إنما أرادوا اللحن الَّذِي هو الخطأ وأن يكون معاوية قد استحسن
منه السهولة في كلامه وابتذال السليقية في خطابة ورأي أن تركه تفخيم
الكلام وإشباعه بالإعراب نوع من الظرف وباب من الأخذ بخفة المؤونة في
إفهام من يخاطبه ممن لا يتسع لمعرفة الإعراب / ولا يكمل لضبطه عنه لا
سيما وهو أمير أو رئيس ينفذ وتلزم طاعته. [196]
وقد نحا هذا النحو جماعة من كملة الرؤساء وأجله الولاة والأمراء.
وَقَالَ بعضهم لأصحابه: لا تستعملوا الإعراب في كلامكم إذا خاطبتم ولا
تخلوا منه كتبكم إذا كاتبتم وعابوا الحجاج حين يقول لطباخه1 اتخذ لنا
غبربية وأكثر فيجنها فخرج يسأل عنها فلم يكن بحضرته أحد يفهم ما أراد
حتى عادوا إليه فسألوه فَقَالَ إنما قلت له اتخذ لنا سماقية وأكثر فيها
السذاب.
ودخل الجند على بعض الولاة ببغداد أيام فتنة المستعين فقالوا: قد اقتحم
الأتراك من بعض أبواب المدينة فَقَالَ لهم استلئموا سدفة فخرجوا يسألون
عَنْ هذا الكلام ولا يفهمونه حتى جاؤوا إلى باب ثعلب فَقَالَ يقول لكم
بكروا غدا في السلاح فهذا وجه.
والثاني: أن يكون القوم إنما أرادوا به لحن الفطنة كما أرادها معاوية
إلا أنهم لم يجعلوا قولهم على أَنَّهُ يلحن استثناء من قولهم ظريف إنما
أرادوا بذلك المبالغة في مدحه واشتراطا2 للزيادة في ظرفه كقول النابغة
الجعدي:
__________
1 ط: "يقول لصاحبه" "تحريف".
2 ح: "واشتراكا" والمثبت من بقية النسخ.
(2/537)
فتي كان فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه
ما يسوء الأعاديا
فتي كملت خيراته غير أَنَّهُ ... جواد فما يبقي من المال باقيا1
وكقول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب2
وكقول الآخر:
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وأنا لا نخط على النمل3
أي لسنا بمجوس وذلك أنهم كانوا يقولون أن الرجل إذا خرجت به النملة فخط
عليه ابنه من أخته أو ابنته برأ الرجل هذا تفسير الأصمعي وغيره من أهل
اللغة إلا ابن الأعرابي وحده فإنه يرويه يحط بالحاء غير معجمة يقول إنا
لا نأتي بيوت النمل في الجدب فنحفر على ما قد جمع لنأكله.
ووجه ثالث: وهو أن يكون إنما أرادوا باللحن اللكنة التي كان ابن زياد
يرتضخها4 ذكروا أَنَّهُ كان يرتضخ لكنه فارسية.
وَقَالَ لرجل اتهمه برأي الخوارج: أَهَرُورِيٌّ أنت؟ يريد أحروري.
وقَالَ في كلام له: من كاتلنا كاتلناه يريد قاتلنا وإنما أتته هذه
اللكنة من قبل أمه شيرويه وكانت ابنة بعض ملوك فارس يزدجرد أو غيره فقد
__________
1 شعر النابغة الجعدي "173 – 174" برواية: "فتى فيه. فتى كملت اخلاقه".
2 الديوان "60" شعراء النصرانية "2/647".
3 البيت في اللسان والتاج "نمل" برواية: "ولا عيب فينا غير نسل لمعشر"
ولم يعز.
4 القاموس "رضخ" هو يرتضخ لكنه عجمية إذا نشأ مع العجم ثم صار إلى
العرب فهو ينزع العجم قي ألفاظخ ولو اجتهد.
(2/538)
يكون معاوية لما رأى القوم يعيبونه بها صرف
الأمر فيها عَنْ وجه العيب إلى ناحية المدح فَقَالَ أو ليس ذاك أظرف
له1 يريد أو ليس ذلك أنجب له إذا نزع بالشبه إلى الخال وكانت ملوك فارس
تذكر بالسياسة وتوصف بمحاسن الشيم والعرب تعظم أمر الخؤولة وتكاد تغلبه
في الشبه على بعض العمومة أنشدني أَبُو عُمَر لبعضهم:
/ عليك الخال إن الخال يسري ... إلى ابن الأخت بالشبه المتين [197]
وَقَالَ آخر:
فإن ابن أخت القوم مكفى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد2
وحدثني علكان المروزي أخبرنا علي بن بشير أخبرنا حسين بن عمرو العنقري
حَدَّثَنِي أَبُو بلال الأشعري قَالَ قَالَ تبيع صاحب كعب الأحبار من
أعرقت فيه الفارسيات لم يخطه دين أو حلم ومن أعرقت فيه الروميات لم
يخطه شدة أو نقابة ومن أعرقت فيه البربريات لم يخطه حدة أو تكلف ومن
أعرقت فيه الحبشيات لم يخطه سكر أو تأنيث.
ولم يقصد بهذا معاوية مدحه على اللحن ولا كان يرى اللحن ظرفا وإنما
أشار بذلك أَنَّهُ قد نزع إلى أخواله وكانوا ملوكا أهل أدب وظرف. فأما
قول الآخر:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا3
وتأويل ابن قتيبة له على أن اللحن يستملح من المرأة ويستثقل منها
__________
1 ط: "ذلك أظرف به".
2 د, ط: "يكفى إناؤه" وهو للنمير بن تولب شعره "300".
3 تقدم تخريجه في اللوحة "195" من هذا الجزء.
(2/539)
الإعراب فقد قيل هذا وكان أَبُو العباس
ثعلب يقول في ذلك بخلاف هذا القول.
قَالَ أَبُو العباس: اللحن هجين حيث كان مستقبح من صاحبه رجلا كان أو
امرأة وإنما أثني عليها بشدة الخفر والحياء الَّذِي يقطعها عَنْ إصابة
الإعراب في منطقها فتلحن في كلامها.
وكان ابن الأعرابي يتأوله على خلاف هذا وذاك وَقَالَ: إنما هو من لحن
الفطنة يريد أنها تفطن لبعض الحديث لعفافها واللحن ساكنة الحاء عنده
الفطنة كاللحن الَّذِي هو الخطأ سواء. وعامة أهل اللغة في هذا على
خلافه إنما قالوا: في الفطنة اللحن مفتوحة الحاء وفي الخطأ اللحن
بسكونها.
قَالَ ابن الأعرابي: واللحن أيضا اللغة قَالَ وقد روي أن القرآن نزل
بلحن قريش أي بلغتهم قَالَ ومنه قول عُمَر: تعلموا الفرائض والسنة
واللحن:1 أي اللغة.
قَالَ: واللحن فحوى الكلام ومعناه ومنه قول اللَّه:
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} 2.
قَالَ غيره: واللحن الصوت أيضا قَالَ الفرزدق:
وداع بلحن الكلب يدعو ودونه ... من الليل سجفا ظلمة وستورها3
__________
1 أخرجه الدارمي في الفرائض "2/341" والبيهقي في سننه "6/209" وسعيد بن
منصور في سننه "1/1".
2 سورة محمد: "30".
3 لم أقف عليه في ديوانه ط دار صادر وفي الديوان عدة قصائد على الوزن
والقافية ليس من بينها هذا البيت.
(2/540)
وَقَالَ آخر يصف طائرين:
باتا على غصن بان في ذرى فنن ... يرددان لحونا ذات ألوان1
فأما قولهم: فلان ظريف فإن الظرف أدب اللسان خاصة.
ومن هذا قول بعض السلف: إذا كان اللص ظريفا لم يقطع يريد أَنَّهُ قد
يتخلص للحجة فيدفع بها عَنْ نفسه فيقول إذا وجدت معه السرقة قد
التقطتها أوكانت عندي وديعة فخنتها أو ما أشبه هذا من الكلام.
وحدثنا ابن الأعرابي أخبرنا عبد الصمد بن عبد الله بن أبي يزيد الدمشقي
أخبرنا أيوب بن إسحاق أخبرنا منصور بن سلمة الخزاعي أخبرنا شبيب بن
شيبة سمعت ابن سيرين يقول الكلام أكثر من أن يكذب ظريف.
يريد أن الظريف لا تضيق عنه معاني الكلام فهو قد يكني ويعرض ولا يكذب
وهذا كما قيل: إن في المعاريض مندوحة عَنِ الكذب2.
/ وقال ابن الأعرابي: العرب تقول: الظرف في اللسان والملاحة في الفم.
[198]
وأخبرني ابن شابورة أخبرنا على بن عَبْد العزيز قَالَ: قَالَ الأصمعي:
العرب تقول الملاحة في الفم والحلاوة في العينين والجمال في الأنف.
__________
1 اللسان التاج "لحن" دون عزو وجاء قبله:
وهاتفين بشجو بعد ما سجعت
ورق الحمام بترجيع وإرنان
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص "305" وابن السني في "عمل اليوم
والليلة" صـ "128 – 129" وذكره العجلوني في كشف الخفاء "1/270" وغيرهم.
(2/541)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ صِفِّينٍ: آهًا أَبَا حَفْصٍ:
قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ ... لَوْ كُنْتَ
شَاهِدَهَا لَمْ تُكْثِرِ الْخُطَبِ1
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الحسين أخبرنا محمود بن الصباح المازني أخبرنا
محمد بن جبلة أخبرنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ
يَذْكُرُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
قَالَ المازني: الهنبثة: إثارة الفتنة وقال غيره: الهنبثة والهنبذة
إحدى الهنابذ والهنابث وهي الأمور الشداد وأنشد:
إنا وجدنا زفر بن الحارث ... في هذه الهنات والهنابث
خبيثة من أخبث الخبائث
__________
1 الفائق "أوه" "1/66" والنهاية "أوه" "1/87" والبيت في الجمهرة "هبث"
"1/205" زعموا أنه لصفية بنت عبد المطلب ويزعمون أنه لفاطمة رضي الله
عنها تمثلت به حين قبض الرسول. وفي البيان والتبيين "3/363" عزي لصفية
وجاء بعده:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختل قومك فاشهدهم فقد سغبوا
(2/533)
|