غريب الحديث للخطابي حديث المغيرة بن
شعبة
حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: "أَحْصَنْتُ ثَمَانِينَ امْرَأَةً
فَأَنَا أَعْلَمُكُمْ بِالنِّسَاءِ ... ".
...
حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ:
أَحْصَنْتُ ثَمَانِينَ امْرَأَةً فَأَنَا أَعْلَمُكُمْ بِالنِّسَاءِ
فَوَجَدْتُ صَاحِبَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ امْرَأَةً إِنْ زَارَتْ
زَارَ, وَإِنْ حَاضَتْ حَاضَ, وَإِنِ اعْتُلَّتِ اعْتُلَ, فَلا
يَقْتَصِرَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا
طَالَتْ صُحْبَتُهَا مَعَهُ كَانَ مَثَلُهَا وَمَثَلُهُ مَثَلُ أَبِي
جَفْنَةَ وَامْرَأَتِهُ أُمِّ عَقَّارٍ فَإِنِّهُ نَافَرَهَا يَوْمًا,
فَقَالَ وَهُوَ مُغَاضِبٌ لَهَا: إِذَا كُنْتَ نَاكِحًا فَإِيَّاكَ
وَكُلَّ مُجْفِرَةٍ مُبْخِرَةٍ مُنْتَفِخَةِ الْوَرِيدِ كَلامُهَا
وَعِيدٌ وَبَصَرُهَا حَدِيدٌ سَفْعَاءُ فَوْهَاءُ مَلِيلَةُ
الإِرْغَاءِ1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: بَلِيلَةُ الإِرْعَادِ دَائِمَةُ الرَّغَاءِ2
فَقْمَاءُ سَلْفَعُ لا تَرْوَى وَلا تَشْبَعُ دَائِمَةُ الْقُطُوبِ
عَارِيَةُ الظُّنْبُوبِ طَوِيلَةُ الْعُرْقُوبِ حَدِيدَةُ الرُّكْبَةِ
سَرِيعَةُ الْوَثْبَةِ شَرُّهَا يَفِيضُ وَخَيْرُهَا يَغِيضُ لا ذَاتِ
رَحِمٍ قَرِيبَةٍ وَلا غَرِيبَةٍ نَجِيبَةٍ إِمْسَاكُهَا مُصِيبَةٌ
وَطَلاقُهَا حَرِيبَةٌ فُضُلُ مِئْنَاثٍ كَأَنَّهَا نُفَاثٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كَأَنَّهَا نِقَابٌ حَمْلُهَا رِبَابٌ
وَشَرُّهَا ذُبَابٌ وَاغِرَةُ الضَّمِيرِ عَالِيَةُ الْهَرِيرِ شثنة
الكف غليظة الخف لا تعذرمن عِلَّةٍ وَلا تَأْوِي مِنْ قِلَّةٍ تأكل لما
وتوسع ذما وتؤدي الأخيار وتفشي الأسرار
__________
1 ذكر الأصفهاني في محاضرات الأدباء "3/201" جزأ من هذا الرواية
والذهبي في سير أعلام النبلاء "3/21 – 22" مختصرا وانظر الفائق "زور"
"2/133" والنهاية "جفر" "1/278" و"نفخ" "5/173".
2 د: "دائمة الدعاء".
(2/545)
وَهِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَأَجَابَتْهُ فَقَالَتْ: بِئْسَ لَعَمْرُو اللَّهِ زَوْجُ الْمَرْأَةِ
الْمُسْلِمَةِ خُصَمَةٌ حُطَمَةٌ أَحْمَرُ الْمَأْكَمَةِ مَحْزُونُ
الْهَزَمَةِ لَهُ جِلْدَةُ عَنْزٍ هَرِمَةٍ وَسُرَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ
وَشَعَرُهُ صَهْبَاءُ وَأُذُنٌ هَدْبَاءُ وَرَقَبَةٌ هَلْبَاءُ لَئِيمُ
الأَخْلاقِ ظَاهِرُ النِّفَاقِ صَاحِبُ حِقْدٍ وَهَمٍّ وَحُزْنٍ
عِشْرَتُهُ1 غَبْنٌ زعيم الأنفاس رهين الكاس.
وفيرواية أُخْرَى: سَقِيمُ النِّفَاسِ رَهِينُ الْكَاسِ2 بَعِيدٌ مِنْ
كُلِّ خَيْرٍ فِي النَّاسِ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا وَيَنْفِقُهُ
إِسْرَافًا وَجْهُهُ عَبُوسٌ وَخَيْرُهُ مَحْبُوسٌ وَشَرُّهُ يَنُوسٌ
أَشْأَمُ مِنَ الْبَسُوسِ3.
فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا تَرَكْتُهُ لطوله.
حدثناه ابن الزيبقي أخبرنا أَبِي وَمُوسَى بْنُ زَكِرَّيَاءَ
التُسْتَرِيُّ قالا أخبرنا محمد بن شعيب الساجي أخبرنا الفيض بن الفضل
أخبرنا مَنْصُورِ4 بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمٍ.
قوله: إن زارت زار يريد إن زارت المرأة أهلها فغابت عنه زار أي غاب حظه
مِنْهَا كقول الشاعر:
كأن الليل موصول بليل ... إذا زارت سكينة والرباب5
يريد بذلك زيارتهما أهلهما ويذكر غيبتهما عنه لأنهم إنما يستطيلون
الليل عند فراق الأحبة وبعدهم لا مع وصالهم وقربهم
__________
1 ط: "غربته غبن".
2 سقط من ح.
3 الفائق "زور" "2/133" والنهاية "بسبس" "1/127".
4 ح: "منصور بن الأسود".
5 الفائق "زور" "2/134".
(2/546)
والمجفرة: المتغيرة ريح الجسد. يُقَالُ:
رجل مجفر وامرأة مجفرة.
والمبخرة: ذات البخر وهو تغير ريح الفم خاصة.
وَقَوْلُهُ: منتفخة الوريد يصفها بسوء الخلق وكثرة الغضب ودوام الضجر
والوريد العرق الَّذِي ينتفخ من الغضبان وهما وريدان يكتنفان الحلق.
/ ومنه قول اللَّه تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ} 1 [200]
والسفعاء: التي اسود خدها من قحل السن أو سوء المطعم أو نحو ذلك,
والسفعة: سواد ليس بالشديد.
وَقَوْلُهُ: مليلة الإرغاء: يصفها بكثرة القول ورفع الصوت به حتى تمل
السامعين وتؤذيهم. والمليلة: يعنى المملولة واستعار الرغاء ها هنا وهو
صوت الإبل شَبَّه صوتها به وأكثر ما يُقَالُ الإرغاء في اللبن وفي
البول ونحوهما من الرغوة وهي ما تعلو فوقهما شبه الزبد ولعله إنما أراد
إزباد شدقيها عند إكثارها الكلام.
وأما قوله: في الرواية الأخرى: بليلة الإرعاد فمعناه أنها لا تزال توعد
وتهدد. يُقَالُ: أرعد الرجل وأبرق إذا هول بالوعيد وأكثر ما يُقَالُ
رعد بغير ألف وأنشد الغنوي عَنْ أَبِي العباس في اللغة الأولي:
أرعد وأبرق يا يزيد ... فما وعيدك لي بضائر2
__________
1 سورة قّ: "16".
2 اللسان التاج "رعد, وبرق" وعزي للكميت وكان الأصمعي ينكر أبرق وأرعد
ولم يأخذ بشعر الكميت لأنه كما يقول: جرمقاني: أي أعجمي وهو في شعر
الكميت "1/225" برواية: أبرق وأرعد".
(2/547)
والبليلة: من بلل اللسان. يُقَالُ: فلان
بليل الريق بذكر فلان إذا كان لا يزال يجري لسانه بذكره.
والفقماء: المائلة الفم1 وهو الحنك وفيه لغتان: فقم وفقم. ويقال: رجل
أفقم وامرأة فقماء.
قَالَ الأصمعي: والأضز مثل الأفقم.
وَأَخْبَرَنِي أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا زكريا
بن يحيى المنقري أخبرنا الأصمعي والعتبي قالا قَالَ أعرابي:
إذا أتيت الباب فالبس خزا ... إني أرى الأحساب صارت بزا
تدني الثياب الأبكم الأضزا
والسلفع: الجريئة على الرجال الوقحة وهو في نعت الرجال الشجاع.
يُقَالُ: رجل سلفع وامرأة سلفع بغير هاء.
والظنبوب: عظم الساق يريد أَنَّهُ قد عري مكانه من اللحم لهزالها.
وشرها يفيض: أي يكثر وَمِنْهُ فيض الماء. وخيرها يغيض: أي يقل من غاض
الماء إذا نضب2ويقال هذا غيض من فيض أي قليل من كثير قَالَ الشاعر:
لقد رابني أن الكرام رأيتهم ... يغيضون غيضا واللئام تفيض
وَقَوْلُهُ: ولا غريبة نجيبة فإنهم يزعمون أن أولاد الغرائب أنجب من
أولاد القرائب قال الشاعر:
__________
1 ط: "المائلة الفقم وهو الحنك".
2 هامش س: "إذا تنضب".
(2/548)
تنجبتها للنسل وهي غريبة ... فجاءت به
كالبدر خرقا معمما1
وَقَالَ آخر:
إن بلالا لم تشنه أمه ... لم يتناسب خاله وعمه
وَقَوْلُهُ: طلاقها حريبة من الحرب اسم مشتق منه كالشتيمة من الشتم.
يريد: أن له منها أولادا فإن طلقها حربوا وفجعوا بها وأصل الحرب ذهاب
المال.
وَقَوْلُهُ: فضل: فإن ذلك يكون بمعنيين: أحدهما أن تترك المرأة ثياب
الزينة وتلبس ثياب مهنتها.
يُقَالُ: تفضلت المرأة إذا توشحت بثوب الخدمة وهي فضل والفضل أيضا مشية
فيها اختيال وذلك أن يمشي الرجل وقد أفضل من إزاره وتمشي المرأة وقد
أفضلت من ذيلها وإنما يفعل ذلك من الخيلاء ولذلك قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَضْلُ الإِزَارِ في النار" 2.
والمثنات التي تلدالإناث كالمذكار تلد الذكور.
وأما قوله: كأنها نفاث فإني لا أعلم النفاث في شيء غير النفث ولا موضع
له ها هنا.
وَقَوْلُهُ: نقاب: في الرواية الأخرى فإنه أيضا / لا يتوجه عندي إلا
إلى وجه غير طائل وقد جاء [201] النقاب في النعوت بمعنى المدح ولا وجه
له ها هنا وقد سمعت كلمة يُقَالُ: فرخان في نقاب: أي في بطن واحد فكأنه
__________
1 الفائق "زور" "2/134" دون عزو.
2 النهاية "فضل" "3/455" والحديث بلفظ "ما أسفل من الكعبين من الإزار
ففي النار" فقد أخرجه البخاري في اللباس "7/183" من حديث أبي هريرة
وابن ماجة في اللباس "2/1183" عن أبي سعيد بنحوه وغيرها.
(2/549)
على هذا إنما يعيبها بكثرة الولادة وقد
وصفها قبل بأنها ولود مئناث ثم ذكرها بهذا المعنى فيما بعد وهو قوله:
حملها رباب وأصب الرباب إنما هو في الغنم. يُقَالُ للشاة هي في ربابها
وهو ما بين أن تضع إلى شهرين ويقال إلى عشرين يوما فقط.
يُقَالُ: شاة ربي وجمعها رباب مضمومة الراء يريد أنها تتابع بين
الولادة والحمل إذا وضعت ولدا حملت في نفاسها بآخر وإنما يحمد في
النساء أن لا تحمل المرأة بعد وضع حملها حتى يتم رضاع ولدها.
وَقَالَ لي بعضهم: إنما هو كأنها بغاث واحتج بقول الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة نزور1
وَقَوْلُهُ: شرها ذباب فإن الذباب الشر الدائم. قال الشاعر:
وليس بطَارق الجِيران مِنّي ... ذُبابٌ لا ينام ولا ينيم
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي
قَالَ الذباب الشؤم. وقولهُ: واغرة الضمير من الوغر. وهو غل الصدر
ونغله ومثله الوحر.
والشثنة: الغليظة الكف غير الناعمة الأطراف وأراد بالخف القدم.
وَقَوْلُهُ: لا تأوي من قلة أي لا ترحم زوجها ولا ترق له عند الإعدام
فتخفف عنه لكن تكلفه فوق طاقته.
يُقَالُ: أويت للرجل آوي له أية أي رفقت له واللم في الأكل الإكثار منه
وأصل اللم الجمع.
__________
1 اللسان التاج "بغت" وعزي لعباس بن مرداس. س
(2/550)
والخصمة: الشديد الخصومة والهاء تقع في نعت
المذكر بمعنى المبالغة والتأكيد. والحطمة أصله من الحطم وهو الكسر.
قَالَ أَبُو عبيدة: يُقَالُ للرجل الكثير الأكل: أَنَّهُ لحطمة والحطمة
اسم جهنم لأنها تحطم ما قذف فيها.
وقولها: أحمر المأكمة: فإن المأكمتين لحمتان بين العجز والمتنين وفيها
لغتان مأكمة ومأكمة قَالَ العجاج:
ومأكمات يرتجحن ورما1
ولم ترد حمرة ذلك الموضع بعينه وإنما أرادت حمرة ما دونها من سفلته وهي
مما يسب به فكنت بها عنه
وفيه وجه آخر: وهو أن تكون أرادت حمرة البدن كله وهي لا توجد غالبا في
الصرحاء من العرب وإنما تشيع الحمرة وتغلب في الهجناء وفيمن أعرقت فيه
الإماء منهم
وقولها: محزون الهزمة: فإنها تريد هزمة الصدر وهي الوقبة التي بين
الصدر والعنق تريد أن ذلك الموضع منه حزن خشن2 وهذا كقول المرأة لامرىء
القيس إنك ثقيل الصدر خفيف العجز ويجوز أن يكون أرادت به خشونة الملمس
من بدنه أجمع من الهزم وهو غمزك الشيء تهزمه بيدك هزما.
__________
1 التهذيب "4/143" والديوان "261" برواية: "يرتججن" وقبله:
"وفخذا لفاء تمت عطما"
2 د: "حزن شديد".
(2/551)
وفي رواية أخرى: محزون اللهزمة: تريد أن
لهازمه قد تدلت من الحزن والكآبة وسقطت.
والأذن / الهدباء: الساقطة التي قد تغضفت واسترخت.
يُقَالُ: شَجَرة هدباء إذا تدلت أغصانها من حواليها.
والرقبة الهلباء: هي التي قد عمها الشعر والأهلب: الكثير الشعر
الغليظه, والهلب: ما غلظ من الشعر كأذناب الخيل ونحوها.
والشيقة: مثله وقد شيق1 الشعر وقولها زعيم الأنفاس فإن الزعيم بمعنى
الضمين والكفيل يريد أَنَّهُ صاحب كآبة وكمد قد أضمرها قلبه وتضمنها
جوانحه فهو لا يزال يتنفس الصعداء أو يبرد غليل قلبه بكثرة الأنفاس
وذلك لغلبة الحسد عليه ولزوم الأحزان قلبه.
وفيه وجه آخر: وهو أن تكون أرادت أنفاس الشرب يدل على ذلك قولها رهين
الكاس.
وقولها له: شَرُّهُ ينوس: أي يَدُب ويسعى وأصل النوس التحرك والاضطراب.
وقولها: "أشأم من البسوس"2 تريد الناقة التي بها هاج الحرب بين بكر
وتغلب رماها كليب بن وائل فقتلها فقتل في سببها فصارت مثلا في الشؤم.
ويقال: ناقة بسوس وهي التي لا تدر حتى يُقَالُ لها بس بس.
__________
1 ح: "تشيق" وفي اللسان "شيق" الشيق: شعر الفرس وشعر ذنب الدابة ولم
تأت المعاجم بالفعل: شيق أو تشيق.
2 اللسان "بسس" الدرة الفاخرة "1/236" الضبي "56" الفاخر "93" جمهرة
الأمثال "1/556" مجمع الأمثال "1/374" المستصفى "1/176" أمثال أبي عبيد
"375".
(2/552)
|