غريب الحديث للخطابي حَدِيثِ الأحنف بن قيس
حديث الأحنف: أنه بلغه أن رجلًا يغتابه, فقال: "عُثَيثة تقرم جلدًا
أملسا"
...
حديث الأحنف بن قيس
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أنه بلغه أن رجلًا
يغتابه, فقال: عُثَيثة تقرم جلدًا أملسا1".
حدثنيه محمد بن عَبْد الواحد النحوي، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عن محمد بن سلام الجمحي.
قوله: عُثَيثة، تصغير عُثَّة، وهي دويبة تشبه القراد تلحس الصوف
والثياب,
قال الشاعر:
وعُثٍّ قد وَكَلت إليه أهلي ... فضاع الأهل, واجتيح الحريمُ
وقوله: تقرم أي تقرض, وأصل القرم تناول الجدي الرضيع الحشيش بمقاديم
فمه، "225" / مثل ضربه، يريد أن قول هذا المغتاب وقدحه فيه لا يضره،
كما أن العثة لا تقدر على الجلد الأملس, وأنشدني أَبُو رجاء الغنوي في
مثل هذا, قال: أنشدونا عن أبي عبيدة:
فإن تشتمونا على لؤمكم ... فقد يلحس العُثُّ مُلْسَ الأَدَمْ2
__________
1 مثل في: جمهرة الأمثال: 54/2, مجمع الأمثال: 29/2, المستقصى: 158/2،
اللسان: "عثث", الفائق: "عثث": 394/2، النهاية: "عثث": 181/3, برواية:
"تقرض" بدل "تقرم".
2 الفائق: "عثث": 394/2.
(3/35)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الأحنف أنه كان يقول: "لا أُقَاوِلُ من لا كفاء له"1.
حدثنيه محمد بن إبراهيم بن أبي الدق، نا شكر، نا ثمامة بن عتبة بن
عياض، ثنا عبد السلام بن عبد الرحمن, من ولد وابصة بن معبد، عن عبد
الرحمن بن وابصة، عن الأحنف,
قوله: من لا كفاء له، أي: من لا عديل له، يريد السلطان.
يقال: فلان كُفْء فلانٍ وكِفْؤُه وكِفَاؤُه, أي عديله ونظيره, قال
الشاعر:
فأنكحها لا في كِفَاء ولا غنًى ... زيادٌ, أَضَلَّ الله سعي زياد2
وقال النابغة:
لا تقذِفَنِّي بركن لا كِفَاء له ... وإن تأثفكَ الأقوام بالرفدِ3
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الأحنف: "أن الهياطلَة لما نزلت
به بَعِلَ بالأمر"4. حدثنيه أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ، نا أَبِي،
أخبرنا عمر بن شبة، حدثني المدائني بذلك.
قوله: بَعِل، قال يعقوب: بَعِل الرجل، إذا برم بأمره, فلم يدر كيف
يصنع, وأنشد:
__________
1 الفائق: "كفأ": 271/3, والنهاية: "كفأ": 182/4.
2 الأساس: "كفأ", والفائق: 271/3, دون عزوٍ.
3 الديوان: 21, وشعراء النصرانية: 667/4 برواية: "الأعداء" بدل
"الأقوام".
4 الفائق: "هطل": 107/4, والنهاية: "هطل": 266/5, والهياطلة: قوم من
الهند.
(3/36)
بَعِلت ابن غزوان بَعِلت بصاحبٍ ... به
قبلك الإخوان لم تَكُ تَبْعَلُ1
وأخبرني أبو عُمر، أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: بَعِل وبَقِر وبَحِر
بمعنى واحد.
__________
1 اللسان والتاج: "بعل", دون عزو.
(3/37)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الأحنف: "أنه كان في بعض الحروب, فحمل على العدو, ثم انصرف وهو يقول:
إن على كل رئيس حقَّا ... أن يخضب الصَّعدة أو تندقَّا1.
فقيل له: أين الحلم يا أبا بحر؟ فقال: عند الحُبَا"2.
ذكره أَبو عُمَر، عن أبي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شبة.
الصَّعدة: القناة المستوية، قال الشاعر:
يهزهز صَعدة جرداء فيها ... نقيع السم أو قُرنٌ محيقُ3
الحُبَا: جمع حبوة، يريد الاحتباء, وهو أن يجمع ظهره ورجليه بثوب.
ويقال: العمائم تيجان العرب، والحُبَا حيطانها, يقال: حِبْوة،
__________
1 اللسان، التاج: "صعد", والفائق: "صعد": 301/2, دون عزو، وطبقات ابن
سعد: 95/7, بلفظ: "أن تخضب القناة".
2 أخرجه ابن سعد في: طبقاته: 95/7, بدون قوله: "أين الحلم يا أبا بحر؟
فقال: عند الحبا", وأخرجه ابن قتيبة في: عيون الأخبار: 174/1, بلفظه ما
عدا الجملة الأخيرة عن محمد بن سيرين, وقد أخرج ابن قتيبة الجملة
الأخيرة في مكان آخر في: عيون الأخبار: 285/1, بلفظ: "فقال له رجل: يا
أبا بحر أين الحلم؟ قال: عند الحُبَا".
3 الأصمعيات: 54 برواية: "سنان الموت" بدل "نقيع السم", واللسان
والتاج: "محق", والمقاييس: "محق": 301/5, والجمهرة: 182/2, برواية:
"يقلب صعدة", والبيت للمفضل النكري يصف رمحًا عليه سنان من حديد أو
قرن.
(3/37)
بكسر الحاء، وحُبْوة بضمها، والكسر أعلى،
قال جرير:
قُتِلَ الزبير وأنت عاقد حِبْوَةٍ ... تَبًّا لحبوتك التي لم تُحْلَلِ1
يريد أن الحلم إنما يحسن في السلم إذا قعد القوم في الأفنية, واحتبوا
بالأردية, فأما الحرب فإن الحلم فيها عجز.
ويروى عن الأحنف أنه قال: "لا تزال العرب عربًا ما لبست العمائم،
وتقلدت السيوف، ولم تعدد الحلم ذلًّا، ولا التواهب فيما بينها ضَعَة"2.
قَالَ أبو العباس محمد بن يزيد: قوله: ما لبست العمائم، يقول: ما حافظت
على زيها.
وقوله: وتقلدت السيوف، يريد الامتناع من الضيم, وقوله: ولم تعدد الحلم
ذلًّا، هو أن تعرف موضع الحلم, وهو ألا تكون تخاف أحداً، ولا تخاف
عاقبة تكرهها.
وقوله: ولا التواهب ضعة، فهو أن يهب الرجل من حقه ما لا يُستَكْرَهُ
عليه.
__________
1 الديوان: 358, برواية: " قبحاً لحبوتك".
2 النهاية: "وهب": 231/5.
(3/38)
*وَقَالَ "226" / أَبُو سُلَيْمَانَ فِي
حَدِيثِ الأحنف: "أنه قال: خرجنا حجاجًا، فمررنا بالمدينة أيام قُتِلَ
عثمان1، وذكر قصة, فقال: فقلت لصاحبي: قد أفِدَ الحَجُّ، وإني لا أرى
الناس إلا قد نَشِبوا في قتل عثمان، ولا أراهم إلا قاتليه"2.
__________
1 د، ح: "أيام قَتْلِ عثمان".
2 الفائق: "أفد", 49/1, والنهاية: "أفد": 55/1.
(3/38)
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا
الزَّعْفَرَانِيُّ، نا عفان، نا أبو عوانة، نا حصين، عن عمرو بن جاوان
عن الأحنف.
قوله: أَفِدَ الحج، أي دنا وقته وقرب, قال النابغة:
أَفِدَ الترَحُّلُ غير أن ركابنا ... لما تزل برحالها, وكأنْ قَدِ1
وقوله: نَشِبُوا في قتل عثمان, يريد أنهم قد وقعوا فيه وقوعًا لا منزع
لهم عنه.
يقال: نَشِبَ الرجل منشب سوء، إذا ارتبك في أمر لا مخلص له منه.
ومن هذا قولهم: نَشِبَ الصيد في الحبالة.
فأما الحديث الآخر: "أن الناس لما نَشَّمُوا في أمر عثمان", فهو غير
هذا2.
وفد فسّره أبو عُبَيْد في كتابه، وحكى عن الأصمعي أنه قال: نَشَّمَ
القوم في الأمر تنشيماً، إذا تبدَّوا في الشرٍ وأخذوا فيه.
__________
1 الديوان: 93, وشعراء النصرانية: 641/2, والفائق: "أفد": 49/1,
برواية: "برحالنا" بدل" برحالها".
2 أخرجه أبو عبيد في: غريبه: 424/3.
(3/39)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الأحنف: "أنَّه كان أَمْلَط"1.
الأَمْلَط: الذي لا شعر على بدنه إلا على الرأس وموضع اللحية فقط.
__________
1 الفائق: "ملط": 387/3, والنهاية: "ملط": 357/4.
(3/39)
|