غريب الحديث للخطابي حديث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
حديث الزهري أنه قال: "مضت السنة أنه لا يجوز شهادة خصم ولا ظَنِين ولا
ذِي تَغِبَّةٍ في دينه"
...
حديث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الزهري أنه قال: "مضت السنة
أنه لا يجوز شهادة خصم ولا ظَنِين ولا ذِي تَغِبَّةٍ في دينه"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أخبرنا ابن الجنيد،
أخبرنا سويد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني عقيل، عن
ابن شهاب.
تفسير ذي التَّغِبَّةِ في الحديث: أنه شاهد الزور، ومن استحل في دينه
أن يشهد بالكذب، وأراه مأخوذًا من غَبَّ الشيء إذا تغير وفسد كاللحم
ونحوه. "258" / وإنما وزنه تَفْعِلَة من غَبَّ كالتَّغِرَّة من غَرَّ
والتَّعِلَّة من عَلَّ.
والظَّنِين: المتهم وهو فعيل بمعنى مفعول, يقال: ظننت بذلك وظننت
زيدًا: أي اتهمته فهو مظنون وظنين.
__________
1 أخرجه البيهقي في: سننه: 202/10, مختصراً بدون قوله: "ولا ذي تغبة في
دينه".
(3/150)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الزهري: "أن بَرِيدًا من بعض الملوك جاءه يسأل عن رجل معه ما مع المرأة
والرجل، كيف يورث؟ قال: من حيث يخرج الماء الدافق، فقال في ذلك قائلهم:
ومهمة أعيا القضاة عياؤها ... تَذَرُ الفقيه يشكُّ شكَّ الجاهلِ
عجَّلْت قبل حَنِيْذِها بِشِوَائِهَا ... وقطعت مَحْرِدَهَا بحكم
فاصلِ2
__________
1 أخرجه ابن عساكر في: تاريخه في الجزء الحادي عشر لوحة "151", بلفظ:
"تذر الحليم" بدل "تذر الفقيه" وبلفظ: "وأبنت مقطعها" بدل "وقطعت
محردها" وأخرجه كذلك في لوحة "152" بلفظ: "تدع الفقيه", وبلفظ: "وضربت
محردها", وعزا هذه الأبيات إلى فائد بن الأقرم البلوي.
والبيتان في اللسان والتاج: "عيا" دون عزو، والفائق: "عيا": 45/3,
والنهاية: "عيا": 3/ 335, وقال ابن الأثير: "أراد أنك عجلت الفتوى
فيها, ولم تستأن في الجواب, فشبهه برجل نزل به ضيف, فعجل قراه بما قطع
له من كبد الذبيحة ولحمها, ولم يحبسه على الحنيذ والشواء, وتعجيل القري
عندهم محمود, وصاحبه ممدوح".
(3/150)
أخبرناه محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني،
أخبرنا ابن أبي خيثمة، أخبرنا أبي, وإبراهيم بن المنذر الحزامي قالا:
أخبرنا معن بن عيسى القزاز، حدثنيه ابن أخي الزهري.
الحَنِيْذُ: ما يشوى من اللحم على الحجارة المحماة, ومنه قول الله:
{جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} 1.
وقوله قطعت مَحْرِدَهَا: أي اقتطعت من سنامها، والحِرْدُ: القطعة من
السنام.
يقال: حَردت منه حَرْدًا: أي قطعت, وهذا مثل يريد أنه لم يعي بالجواب
عن هذه المعضلة، ولم يَسْتَأنِ بالقول فيها، وشبهه برجل نزل به ضيف
فنحر له جزورًا، وعجل قراه بما افتلذ له من كبدها واقتطع من سنامها،
ولم يحبسه على الحنيذ والقديد والشواء, وهذا هو المحمود عندهم في تعجيل
القرى والمحمود عليه أهله، فإذا لم يفعل ذلك وأخر قراه قيل: فلان عاتم
القرى, يذمونه عليه.
__________
1 سورة هود: 69.ش
(3/151)
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الزهري: "أنه ذكر شأن الفيل, وأن قريشًا أَجْلَت عن الحرم, ولزمه عبد
المطلب وقال: والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره، وقال:
لاهُمَّ إن المرء يَمْـ ... نَعُ رحله فامنع حِلَالكْ
لا يَغْلِبنَّ صَلِيبُهُمْ ... ومحالهم عَدْوًا مِحَالَكْ
وأنه رأى في المنام, فقيل له: احفِر تُكْتَم بين الفَرْثِ والدَّمِ.
قال: فحفرها في القرار ثم بَحَرَهَا حتى لا تُنْزَف"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ معمر، عن الزهري.
قوله: فامنع حِلَالك: أي جيران بيتك، وسكان حَرَمِك.
يقال: قوم حِلَّة وحِلَال إذا كانوا متجاورين مقيمين، قال الشاعر:
أحيٌّ يبعثون العير تَجْرًا ... أحبُّ إليك, أم حَيٌّ حِلَالُ2
والمِحَال: الكيد، ومنه قول الله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}
3, وتُكْتَم: اسم من أسماء زمزم، ويشبه أن تكون إنما لقبت به؛ لأنها
كانت مكتومة قد اندفنت بعد أيام جرهم حتى أظهرها عبد المطلب.
وقوله: بَحَرَهَا: أي شقها ووسعها؛ وإنما سمي البحر لاستبحاره واتساعه.
ومنه قولهم: تَبَحَّرَ الرجل في العلم, إذا توسع فيه.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 313/5 -318, في حديث طويل, وفيه:
"اللهم" بدل "لاهم" , و"رحالك" بدل "محالك", و"غدوا" بدل "عدوا", واحفر
زمزم تكتم، وذكر ابن هشام في: السيرة: 50/1, هذه القصة مختصرة من طريق
ابن إسحاق، وفي: تاريخ الكامل لابن الأثير: 179/1, والبيت الأول في
اللسان والتاج: "حلل".
2 اللسان، التاج: "حلل" برواية: "أَقَوْمٌ" بدل "أحيٌّ".
3 سورة الرعد: 13.
(3/152)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الزهري أن سعد بن إبراهيم قال: "ما سَبَقْنَا ابن شهاب من العلم بشيء
إلا أنا كنا نأتي المجلس, فَيَسْتَنْتِل, ويشُدُّ ثوبه على صدره,
ويدَّعم على عَسْرَائِهِ ولا يبرح حتى يَسْأَلُ عما يريد"1.
يرويه عبد الله بن سعد الزهري، حدثنا يعقوب، عن أبيه، عن سعد.
"259" / قوله: يَسْتَنْتِل أي: يتقدم أمام القوم, يقال: نَتَل,
واسْتَنْتَلَ، بمعنى تقدم، وبه سمي الرجل ناتلًا.
__________
1 أخرجه يعقوب في: تاريخه: 638/1, بلفظ: " ... ما سبقنا ابن شهاب من
العلم إلا أنا كنا نأتي المجلس, فيستقبل, ويشد ثوبه عند صدره, ويسأل
عما يريد, وكنا تمنعنا الحداثة، وأخرجه ابن عساكر في: تاريخه, في ترجمة
الزهري, في الجزء الحادي عشر, لوحة "137", روايات كثيرة منها رواية
بلفظ الخطابي.
والفائق: "نتل": 405/3, وجاء في الشرح: "العَسْرَاء: تأنيث الأعسر,
يريد على يده العسراء, وأحسبه كان أعسر".
(3/153)
|