لسان العرب

فصل الميم
مأن: المَأْنُ والمَأْنةُ: الطِّفْطِفَةُ، والجمع مأْناتٌ ومُؤُونٌ أَيضاً، عَلَى فُعُول، مِثْلُ بَدْرَة وبُدُور عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
إِذَا مَا كنتِ مُهْدِيةً، فأَهْدِي ... من المَأْناتِ أَو قِطَع السَّنامِ
وَقِيلَ: هِيَ شَحْمة لَازِقَةٌ بالصِّفاق مِنْ بَاطِنِهِ مُطِيفتُه كلَّه، وَقِيلَ: هِيَ السُّرَّة وَمَا حَوْلَهَا، وَقِيلَ: هِيَ لَحْمَةٌ تَحْتَ السُّرَّة إِلَى الْعَانَةِ، وَقِيلَ: المأْنة مِنَ الْفَرَسِ السُّرَّة وَمَا حَوْلَهَا، وَمِنَ الْبَقَرِ الطِّفْطِفة. والمأْنَةُ: شَحْمةُ قَصِّ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: هِيَ باطنُ الكِرْكِرة، قَالَ سِيبَوَيْهِ: المأنةُ تَحْتَ الكِرْكِرة، كَذَا قَالَ تَحْتَ الكِرْكِرة وَلَمْ يَقُلْ مَا تَحْتَ، وَالْجَمْعُ مَأْناتٌ ومُؤُونٌ؛ وأَنشد:
يُشَبَّهْنَ السَّفِينَ، وهُنَّ بُخْتٌ ... عِراضاتُ الأَباهِرِ والمُؤُونِ
ومَأَنه يَمْأَنُه مَأْناً: أَصابَ مأْنَتَه، وَهُوَ مَا بَيْنَ سُرَّته وَعَانَتِهِ وشُرْسُوفه. وَقِيلَ: مَأْنة الصَّدْرِ لحمةٌ

(13/395)


سمينةٌ أَسفلَ الصَّدْرِ كأَنها لحمةٌ فَضْلٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَأْنةُ الطِّفْطِفة. وَجَاءَهُ أَمرٌ مَا مأَنَ لَهُ أَي لَمْ يَشْعُرْ بِهِ. وَمَا مأَنَ مأْنَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي مَا شعرَ بِهِ. وأَتاني أمرٌ مَا مأَنْتُ مأْنه وَمَا مأَلْتُ مأْلَه وَلَا شأَنْتُ شأْنه أَي مَا تهيَّأْتُ لَهُ؛ عَنْ يَعْقُوبَ، وَزَعَمَ أَن اللَّامَ مُبْدَلَةٌ مِنَ النُّونِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَتاني ذَلِكَ وَمَا مأنْتُ مَأْنَهُ أَي مَا علِمْتُ عِلْمَه، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا انْتَبَهْتُ لَهُ وَلَا شعرْتُ بِهِ وَلَا تهَيَّأتُ لَهُ وَلَا أَخذْتُ أُهْبته وَلَا احتَفلْتُ بِهِ؛ وَيُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: وَلَا هُؤْتُ هَوْأَهُ وَلَا رَبَأْتُ رَبْأَه. وَيُقَالُ: هُوَ يَمْأَنُه أَي يَعْلمه. الْفَرَّاءُ: أَتاني وَمَا مأَنْتُ مأْنه أَي لَمْ أَكترِثْ لَهُ، وَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ أَن تَهيَّأْتُ لَهُ وَلَا أَعدَدْتُ وَلَا عَمِلْتُ فِيهِ؛ وَقَالَ أَعرابي مِنْ سُلَيْم: أَي مَا عَلِمْتُ بِذَلِكَ. والتَّمْئِنَةُ: الإِعلام. والمَئِنَّةُ: العَلامة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَزهري الْمِيمُ فِي مئِنَّة زَائِدَةٌ لأَن وَزْنَهَا مَفْعِلة، وأَما الْمِيمُ فِي تَمْئِنة فأَصْل لأَنها مِنْ مأَنْتُ أَي تهيأْت، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّمئنة التَّهيئة. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هَذَا أَمر مَا مأَنْتُ لَهُ أَي لَمْ أَشعُرْ بِهِ. أَبو سَعِيدٍ: امْأَنْ مأْنَك أَي اعمَلْ مَا تُحْسِنُ. وَيُقَالُ: أَنا أَمأَنُه أَي أُحْسنه، وَكَذَلِكَ اشْأَنْ شأْنَك؛ وأَنشد:
إِذَا مَا عَلِمتُ الأَمر أَقرَرْتُ عِلْمَه، ... وَلَا أَدَّعي مَا لستُ أَمْأَنُه جَهْلا
كَفَى بامرئٍ يَوْمًا يَقُولُ بعِلْمِه، ... وَيَسْكُتُ عَمَّا لَيْسَ يَعْلَمُه، فَضْلا
الأَصمعي: ماأَنْتُ فِي هَذَا الأَمر عَلَى وَزْنِ ماعَنْت أَي رَوَّأْتُ. والمَؤُونة: القُوتُ. مأَنَ القومَ وَمَانَهُمْ: قَامَ عَلَيْهِمْ؛ وَقَوْلُ الهذَليَّ:
رُوَيدَ علِيّاً جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهِمْ ... إِلَيْنَا، ولكنْ وُدُّهم مُتَمائنُ
مَعْنَاهُ قَدِيمٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَنِي الأَمر وَمَا مأَنْتُ فِيهِ مأْنةً أَي مَا طَلَبْتُهُ وَلَا أَطلتُ التعبَ فِيهِ، وَالْتِقَاؤُهُمَا إِذًا فِي مَعْنَى الطُّول والبُعد، وَهَذَا مَعْنَى القِدَم، وَقَدْ رُوِيَ مُتَمايِن، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنَ المَيْن، وَهُوَ الْكَذِبُ، ويروى مُتَيامِنٌ أَي مائل إِلَى الْيَمَنِ. الْفَرَّاءُ: أَتاني وَمَا مأَنْتُ مأْنَه أَي مِنْ غَيْرِ أَن تهيَّأْتُ وَلَا أَعدَدْتُ وَلَا عَمِلْتُ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن المؤُونة فِي الأَصل مَهْمُوزَةٌ، وَقِيلَ: المَؤُونة فَعُولة مِنْ مُنْتُه أَمُونُه موْناً، وهمزةُ مَؤُونة لِانْضِمَامِ وَاوِهَا، قَالَ: وَهَذَا حَسَنٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: المائِنة اسمُ مَا يُمَوَّنُ أَي يُتكَلَّفُ من المَؤُونة. الجوهري: المَؤونة تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ، وَهِيَ فَعُولة؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مَفعُلة مِنَ الأَيْن وَهُوَ التَّعَبُ والشِّدَّة. وَيُقَالُ: هُوَ مَفعُلةٌ مِنَ الأَوْن وَهُوَ الخُرْجُ والعِدْلُ لأَنه ثِقْلٌ عَلَى الإِنسان؛ قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَوْ كَانَ مَفعُلة لَكَانَ مَئِينةً مِثْلَ معِيشة، قَالَ: وَعِنْدَ الأَخفش يَجُوزُ أَن تَكُونَ مَفعُلة. ومأَنْتُ القومَ أَمأَنُهم مأْناً إِذَا احتملت مَؤُونتَهم، وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ قَالَ مُنْتُهم أَمُونهم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنْ جَعلْتَ المَؤُونة مِنْ مانَهم يَمُونهم لَمْ تَهْمِزْ، وَإِنْ جَعَلْتَهَا مِنْ مأَنْتُ هَمَزْتَهَا؛ قَالَ: وَالَّذِي نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ مَذْهَبِ الفراء أَن مَؤُونة مِنَ الأَيْن، وَهُوَ التَّعَبُ والشِّدَّة، صَحِيحٌ إِلَّا أَنه أَسقط تَمَامَ الْكَلَامِ، وَتَمَامُهُ وَالْمَعْنَى أَنه عَظِيمُ التَّعَبِ فِي الإِنفاق عَلَى مَنْ يَعُول، وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ هُوَ مَفعُلة مِنَ الأَوْنِ، وَهُوَ الخُرْج والعِدْل، هُوَ قَوْلُ الْمَازِنِيِّ إِلَّا أَنه غيَّر بعضَ الْكَلَامِ، فأَما الَّذِي غيَّره فَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الأَوْنَ الخُرْجُ وَلَيْسَ

(13/396)


هُوَ الخُرْجَ، وإِنما قَالَ والأَوْنانِ جَانِبَا الخُرْجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لأَن أَوْنَ الْخُرْجِ جَانِبُهُ وَلَيْسَ إِياه، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيضاً فِي فصل أَون، وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: لأَنها ثِقْل على الإِنسان يعني المؤُونة، فغيَّره الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: لأَنه، فذكَّر الضَّمِيرَ وأَعاده عَلَى الخُرْج، وأَما الَّذِي أَسقطه فَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَيُقَالُ للأَتان إِذا أَقْرَبَتْ وعَظُمَ بطنُها: قَدْ أَوَّنتْ، وإِذا أَكل الإِنسانُ وامتلأَ بطنُه وَانْتَفَخَتْ خاصِرَتاه قِيلَ: أَوَّنَ تأْوِيناً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
سِرّاً وَقَدْ أَوَّنَ تأْوِينَ العُقُقْ
انْقَضَى كَلَامُ الْمَازِنِيُّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ الْخَلِيلُ لَوْ كَانَ مَفْعُلة لكان مَئينةً، قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ لَوْ كَانَ مَفْعُلة مِنَ الأَيْن دُونَ الأَوْن، لأَن قِيَاسَهَا مِنَ الأَيْنِ مَئينة ومن الأَوْن مَؤُونة، وَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ الأَخفش أَنَّ مَفْعُلة مِنَ الأَيْنِ مَؤُونة، خِلَافَ قَوْلِ الْخَلِيلِ، وأَصلها عَلَى مَذْهَبِ الأَخفش مأْيُنَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلى الهمزة فصارت مَؤويْنَة، فَانْقَلَبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلِهَا، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الأَخفش. وإِنه لَمَئِنَّة مِنْ كَذَا أَي خَلِيقٌ. ومأَنْتُ فَلَانًا تَمْئِنَة «5» . أَي أَعْلَمته؛ وأَنشد الأَصمعي للمَرَّار الفَقْعسيّ:
فتهامَسُوا شَيْئًا، فَقَالُوا عرّسُوا ... مِنْ غيرِ تَمْئِنَةٍ لِغَيْرِ مُعَرَّسِ
أَي مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلَا هُوَ فِي مَوْضِعِ التَّعْريسِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِ المَرَّار فتَناءَمُوا أَي تَكَلَّمُوا مِنَ النَّئِيم، وَهُوَ الصَّوْتُ؛ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَفَسَّرَ ابنُ حَبِيبٍ التَّمْئِنة بالطُّمَأْنينة؛ يَقُولُ: عَرّسوا بِغَيْرِ مَوْضِعِ طُمَأْنينة، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَفْعِلة مِنَ المَئِنَّة الَّتِي هِيَ الْمَوْضِعُ المَخْلَقُ لِلنُّزُولِ أَي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَعْريسٍ وَلَا عَلَامَةٍ تَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: تَمْئِنة تَهْيِئة وَلَا فِكْر وَلَا نَظَرٍ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ تَفْعِلة من المَؤُونة الَّتِي هِيَ القُوتُ، وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِالْقُوتِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنه مَفْعِلة، فَهُوَ عَلَى هَذَا ثُنَائِيُّ. والمَئنَّةُ: الْعَلَامَةُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ طولَ الصَّلَاةِ وقِصَرَ الخُطْبة مَئِنَّة مِنْ فِقه الرَّجُلِ
أَي أَن ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ فِقْه الرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وكلُّ شَيْءٍ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَئِنَّة لَهُ كالمَخْلَقة والمَجْدرة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَحَقِيقَتُهَا أَنها مَفْعِلة مِنْ مَعْنَى إِنَّ الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ والتأْكيد غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ مِنْ لَفْظِهَا، لأَن الْحُرُوفَ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، وإِنما ضُمِّنَتْ حروفَها دَلَالَةً عَلَى أَن مَعْنَاهَا فِيهَا، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنها اشتقت من لفظها بعد ما جُعِلَتِ اسْمًا لَكَانَ قَوْلًا، قَالَ: وَمِنْ أَغرب مَا قِيلَ فِيهَا أَن الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنْ ظَاءِ المَظِنَّة، وَالْمِيمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ زَائِدَةٌ. قَالَ الأَصمعي: سأَلني شُعْبَةُ عَنْ هَذَا فَقُلْتُ مَئِنَّة أَي عَلَامَةٌ لِذَلِكَ وخَلِيقٌ لِذَلِكَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ اكْتِحالًا بالنَّقِيِّ الأَبْلَجِ، ... ونَظَراً فِي الحاجِبِ المُزَجَّجِ،
مَئِنَّةٌ مِنَ الفَعالِ الأَعْوَجِ
قَالَ: وَهَذَا الْحَرْفُ هَكَذَا يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ بِتَشْدِيدِ النُّونِ، قَالَ: وَحَقُّهُ عِنْدِي أَن يُقَالَ مَئِينة مِثَالُ مَعِينة عَلَى فَعِيلة، لأَن الْمِيمَ أَصلية، إِلا أَن يَكُونَ أَصلُ هَذَا الْحَرْفِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ فيكون
__________
(5) . قوله [ومأنت فلاناً تمئنة] كذا بضبط الأَصل مأنت بالتخفيف ومثله ضبط فِي نُسْخَةٍ مِنَ الصِّحَاحِ بشكل القلم، وعليه فتمئنة مصدر جارٍ على غير فعله

(13/397)


مَئِنَّة مَفْعِلة مِنْ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ المشدَّدة، كَمَا يُقَالُ: هُوَ مَعْساةٌ مِنْ كَذَا أَي مَجْدَرة ومَظِنَّة، وَهُوَ مَبْنِيٌّ مِنْ عَسَى، وَكَانَ أَبو زَيْدٍ يَقُولُ مَئِتَّة، بِالتَّاءِ، أَي مَخْلَقة لِذَلِكَ ومَجْدَرة ومَحْراة وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْعِلة مِنْ أَتَّه يَؤُتُّه أَتّاً إِذا غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ، وَجَعَلَ أَبو عُبَيْدٍ الْمِيمَ فِيهِ أَصلية، وَهِيَ مِيمُ مَفْعِلة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَئِنَّة، عَلَى قَوْلِ الأَزهري، كَانَ يَجِبُ أَن تُذْكَرَ فِي فَصْلِ أَنن، وَكَذَا قَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ وَفَسَّرَهُ فِي الرَّجَزِ الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
إِنَّ اكْتِحَالًا بالنقيِّ الأَبلج
قَالَ: وَالنَّقِيُّ الثَّغْر، ومَئِنَّة مَخْلَقة؛ وَقَوْلُهُ مِنَ الفَعالِ الأَعوج أَي هُوَ حَرَامٌ لَا يَنْبَغِي. والمأْنُ: الْخَشَبَةُ فِي رأْسها حَدِيدَةٌ تُثَارُ بِهَا الأَرض؛ عَنْ أَبي عمرو وابن الأَعرابي.
متن: المَتْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مَا صَلُبَ ظَهْرُه، وَالْجَمْعُ مُتُون ومِتَانٌ؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزة:
أَنَّى اهتَدَيْتِ، وكُنتِ غيرَ رَجِيلةٍ، ... والقومُ قَدْ قطَعُوا مِتَانَ السَّجْسج
أَراد مِتانَ السَّجاسِج فَوَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ مَتْنَ السَّجْسَجِ فَجَمَعَ عَلَى أَنه جَعَلَ كلَّ جُزْءٍ مِنْهُ مَتْناً. ومَتْنُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا ظَهَرَ مِنْهُ. ومَتْنُ المَزادة: وجهُها البارزُ. والمَتْنُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض واستوَى، وَقِيلَ: مَا ارْتَفَعَ وصَلُبَ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. أَبو عَمْرٍو: المُتُونُ جَوَانِبُ الأَرض فِي إِشْراف. وَيُقَالُ: مَتْنُ الأَرض جَلَدُها. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: طَرَّقوا بَيْنَهُمْ تَطْريقاً ومَتَّنُوا بَيْنَهُمْ تَمْتِينًا، والتَّمْتِين: أَن يَجْعَلُوا بَيْنَ الطَّرَائِقِ مُتُناً مِنْ شَعَر، وَاحِدُهَا مِتانٌ. ومَتَّنُوا بَيْنَهُمْ: جَعَلُوا بَيْنَ الطَّرَائِقِ مُتُناً مِنْ شَعَرٍ لِئَلَّا تُخرّقه أَطرافُ الأَعمدة. والمَتْنُ والمِتانُ: مَا بَيْنَ كُلِّ عَمُودَيْنِ، وَالْجَمْعُ مُتُنٌ. والتَّمْتِينُ والتِّمْتِين والتِّمْتانُ: الخَيْط «1» الَّذِي يُضَرَّبُ بِهِ الفُسْطاطُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: التَّمْتِينُ، عَلَى وَزْنِ تَفْعِيل، خُيوط تُشدُّ بِهَا أَوْصالُ الخِيام. ابْنُ الأَعرابي: التَّمْتِينُ تَضريبُ المَظَالِّ والفَساطِيطِ بالخُيوطِ. يُقَالُ: مَتِّنْها تمتِيناً. وَيُقَالُ: مَتِّنْ خِباءَكَ تَمْتِينًا أَي أَجِدْ مَدَّ أَطْنابه، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مَعْنَى الأَول. وَقَالَ الحِرْمازي: التَّمْتِين أَن تَقُولَ لِمَنْ سَابَقَكَ تقَدَّمني إِلى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ أَلْحَقك، فَذَلِكَ التَّمتين. يُقَالُ: مَتَّنَ فلانٌ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا ثُمَّ لَحِقَه. والمَتْنُ: الظَّهْرُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ مُتونٌ، وَقِيلَ: المَتْنُ والمَتْنةُ لُغَتَانِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، لَحمتان مَعصُوبتان بَيْنَهُمَا صُلْبُ الظَّهْرِ مَعْلُوَّتان بعَقَب. الْجَوْهَرِيُّ: مَتْنا الظَّهْرِ مُكتَنَفا الصُّلْبِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ مِنْ عَصَبٍ وَلَحْمٍ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: المَتْنانِ والمَتْنَتانِ جَنَبَتا الظَّهْرِ، وجمعُهما مُتُون، فمَتْنٌ ومُتُون كظهْرٍ وظُهُور، ومَتْنَة ومُتُونٌ كمَأْنةٍ ومُؤُون؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ الْفَرَسَ فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ مَتْنة:
لَهَا مَتْنَتانِ خَظَاتا، كَمَا ... أَكَبَّ عَلَى ساعِدَيْهِ النَّمِرْ
ومَتَنه مَتْناً: ضَرب مَتْنه. التَّهْذِيبِ: مَتَنْتُ الرَّجُلَ مَتْناً إِذا ضَرَبْتَهُ، ومَتَنه مَتْناً إِذا مَدَّه، ومَتَنَ بِهِ مَتْناً إِذا مَضَى بِهِ يَوْمَهُ أَجمع، وَهُوَ يَمْتُنُ بِهِ. ومَتْنُ الرُّمح وَالسَّهْمِ: وسطُهُما، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السَّهْمِ مَا دُونَ الزَّافِرة إِلى وَسَطِهِ، وَقِيلَ: مَا دُونَ الرِّيشِ إِلى وَسَطِهِ. والمَتْنُ: الوَتر. ومَتَنه بالسَّوْط مَتْناً: ضَرَبَهُ بِهِ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ منه، وقيل: ضربه
__________
(1) . قوله [والتمتان الخيط] ضبطه المجد بكسر التاء والصاغاني بفتحها

(13/398)


بِهِ ضَرْبًا شَدِيدًا. وجِلْدٌ لَهُ مَتْنٌ أَي صَلابة وأَكْلٌ وقُوَّة. وَرَجُلٌ مَتْنٌ: قَوِيٌّ صُلْب. ووَتَرٌ مَتِين: شَدِيدٌ. وَشَيْءٌ مَتِينٌ: صُلْب. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
: مَعْنَاهُ ذُو الِاقْتِدَارِ والشِّدَّة، الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ، والمَتِينُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ ذُو الْقُوَّةِ، وَهُوَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتقَدَّس، وَمَعْنَى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
ذُو الِاقْتِدَارِ الشَّدِيدِ، والمَتِينُ فِي صِفَةِ اللَّهِ القَوِيُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ فِي أَفعاله مشقةٌ وَلَا كُلْفة وَلَا تعَبٌ، والمَتانةُ: الشِّدَّة والقُوَّة، فَهُوَ مِنْ حَيْثُ أَنه بَالِغُ الْقُدْرَةِ تامُّها قَوِيّ، وَمِنْ حَيْثُ أَنه شَدِيدُ القُوَّة متِينٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقُرِئَ المَتينِ بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْتِ للقُوَّة، لأَن تأْنيث القُوَّة كتأْنيث الْمَوْعِظَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ؛ أَي وَعْظٌ. وَالْقُوَّةُ: اقْتدارٌ. والمَتِينُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: القَوِيُّ. ومَتُنَ الشَّيْءُ، بِالضَّمِّ، مَتَانةً، فَهُوَ مَتِين أَي صُلْبٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ مَتُنَ مَتانة ومَتَّنه هُوَ. والمُماتَنة: المُباعدة فِي الْغَايَةِ. وَسَيْرٌ مُماتِنٌ: بَعِيدٌ. وَسَارَ سَيْرًا مُماتِناً أَي بَعِيدًا، وَفِي الصِّحَاحِ أَي شَدِيدًا. ومَتَن بِهِ مَتْناً: سَارَ بِهِ يَوْمَهُ أَجمع. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَتَنَ بِالنَّاسِ يَوْمَ كَذَا
أَي سَارَ بِهِمْ يَوْمَهُ أَجمع. ومَتَنَ فِي الأَرض إِذا ذَهَبَ. وتَمْتِينُ القَوْس بالعَقَب وَالسِّقَاءِ بالرُّبِّ: شَدُّه وإِصلاحُه بِذَلِكَ. ومَتَنَ أُنْثَيَي الدَّابَّةِ وَالشَّاةِ يَمْتُنُهما مَتْناً: شَقَّ الصَّفْنَ عَنْهُمَا فسلَّهما بِعُرُوقِهِمَا، وخصَّ أَبو عُبَيْدٍ بِهِ التَّيسَ. الْجَوْهَرِيُّ: ومَتَنْتُ الكَبشَ شَقَقْتَ صَفْنه وَاسْتَخْرَجْتَ بَيْضَتَهُ بِعُرُوقِهَا. أَبو زَيْدٍ: إِذا شققتَ الصَّفَنَ وَهُوَ جِلْدَةُ الخُصْيَتين فأَخرجتهما بِعُرُوقِهِمَا فَذَلِكَ المَتْنُ، وَهُوَ مَمْتُون، وَرَوَاهُ شَمِرٌ الصَّفْن، وَرَوَاهُ ابْنُ جَبَلة الصَّفَن. والمَتْنُ: أَن تُرَضَّ خُصْيتا الْكَبْشِ حَتَّى تَسْتَرْخِيَا. وماتَنَ الرجلَ: فعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ بِهِ، وَهِيَ المُطاولة والمُماطَلة. وماتَنه: ماطَله. الأُمَوِيّ: مَثَنْته بالأَمر مَثْناً، بِالثَّاءِ، أَي غَتَتُّه بِهِ غَتّاً؛ قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع مَثَنْته بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ الأُموي؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَظنه مَتَنْته مَتْناً، بِالتَّاءِ لَا بِالثَّاءِ، مأْخوذ مِنَ الشَّيْءِ المَتينِ وَهُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، وَمِنَ المُماتنة فِي السَّيْرِ. وَيُقَالُ: ماتَنَ فلانٌ فُلَانًا إِذا عَارَضَهُ فِي جَدَلٍ أَو خُصُومَةٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمُماتَنة والمِتانُ هُوَ أَن تُباقيه «2» . فِي الجَرْي وَالْعَطِيَّةِ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَبَوْا لِشَقائِهم إِلّا انْبِعاثي، ... ومِثْلي ذُو العُلالةِ والمِتانِ
ومَتَنَ بِالْمَكَانِ مُتُوناً: أَقام. ومَتَنَ المرأَةَ: نَكَحَهَا، وَاللَّهُ أَعلم.
مثن: المَثانة: مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ وَمَوْضِعُهُ مِنَ الرَّجُلِ والمرأَة مَعْرُوفَةٌ. ومَثِنَ، بِالْكَسْرِ، مَثَناً، فَهُوَ مَثِنٌ وأَمْثَنُ، والأُنثى مَثْناء: اشْتَكَى مَثانته، ومُثِنَ مَثْناً، فَهُوَ مَمْثُون ومَثِين كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنه صَلَّى فِي تُبّانٍ فَقَالَ إِني مَمْثُون
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَمْثُونُ الَّذِي يَشْتَكِي مَثانته، وهي العُضْوُ [العِضْوُ] الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ مَثِنٌ وممْثُون، فإِذا كَانَ لَا يُمْسِكُ بولَه فَهُوَ أَمْثَن. ومَثِنَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ أَمْثَن بَيِّنُ المَثَنِ إِذا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ فِي فِعْلِهِ مَثِنَ ومُثِنَ، فَمَنْ قال مَثِنَ فالاسم منه مَثِنٌ، وَمَنْ قَالَ مُثِن فَالِاسْمُ مِنْهُ مَمْثُون. ابْنُ سِيدَهْ: المَثنُ وَجَعُ المَثانة، وهو أَيضاً أَن لا يَسْتَمْسِكَ البولُ فِيهَا. أَبو زَيْدٍ: الأَمْثَنُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بولُه فِي مَثَانَتِهِ، والمرأَة مَثْناء، مَمْدُودٌ. ابْنُ الأَعرابي: يقال لمَهْبِل
__________
(2) . قوله: تباقيه؛ هكذا في الأَصل، ولم نجد فعل باقى في المعاجم التي بين أيدينا

(13/399)


المرأَة المَحْمل والمُسْتَوْدَعُ وَهُوَ الْمَثَانَةُ أَيضاً؛ وأَنشد:
وحاملةٍ مَحْمولةٍ مُسْتَكِنَّةٍ، ... لَهَا كلُّ حافٍ فِي البِلادِ وناعِلِ
يَعْنِي المَثانة الَّتِي هِيَ المُسْتودَع. قَالَ الأَزهري: هَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: والمَثانة عِنْدَ عَوَامِّ النَّاسِ مَوْضِعُ الْبَوْلِ، وَهِيَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ الْوَلَدِ مِنَ الأُنثى. والمَثِنُ: الَّذِي يَحْبِسُ بولَه. وَقَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ لِزَوْجِهَا: إِنك لمَثِنٌ خَبِيثٌ، قِيلَ لَهَا: وَمَا المَثِنُ؟ قَالَتْ: الَّذِي يُجَامِعُ عِنْدَ السَّحَر عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْبَوْلِ فِي مَثانته، قَالَ: والأَمْثَنُ مِثْلُ المَثِنِ فِي حَبْسِ الْبَوْلِ. أَبو بَكْرٍ الأَنباري: المَثْناءُ، بِالْمَدِّ، المرأَةُ إِذا اشْتَكَتْ مَثانتها. ومَثَنه يَمْثُنه، بِالضَّمِّ «1» . مَثْناً ومُثُوناً: أَصابَ مَثانته. الأَزهري: ومَثَنه بالأَمرِ مَثْناً غَتَّه بِهِ غَتّاً؛ قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع مثَنْتُه بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ الأُموي؛ قَالَ الأَزهري: أَظنه مَتَنْتُه مَتْناً، بِالتَّاءِ لَا بِالثَّاءِ، مأْخوذ مِنَ المَتِين وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ متن، وَاللَّهُ أَعلم.
مجن: مَجَنَ الشيءُ يَمْجُنُ مُجُوناً إِذا صَلُبَ وغَلُظَ، وَمِنْهُ اشتقاقُ الماجِن لِصَلَابَةِ وَجْهِهِ وَقِلَّةِ اسْتِحْيَائِهِ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ مِنْهُ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ مِنْ أَن وَزْنَهُ فِعَلٌّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ جنن، وَوَرَدَ ذِكْرُ المجَنِّ والمِجانِّ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ التُّرْسُ والتِّرَسَة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ الجُنَّةِ السُّتْرة. التَّهْذِيبِ: الماجِنُ والماجِنَةُ مَعْرُوفَانِ، والمَجانَةُ أَن لَا يُباليَ مَا صَنَع وَمَا قِيلَ لَهُ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تمثَّلَتْ بِشِعْرِ لَبِيدٍ:
يتَحَدّثونَ مَخانةً ومَلاذةً
المَخانة: مَصْدَرٌ مِنَ الخِيَانَةِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الْجِيمِ مِنَ المُجُون، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية، وَاللَّهُ أَعلم. والماجِنُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الَّذِي يَرْتَكِبُ المَقابح المُرْدية وَالْفَضَائِحَ المُخْزِية، وَلَا يَمُضُّه عَذْلُ عاذِلِه وَلَا تَقْريعُ مَنْ يُقَرِّعُه. والمَجْنُ: خَلْطُ الجِدِّ بِالْهَزْلِ. يُقَالُ: قَدْ مَجَنْتَ فاسْكُتْ، وَكَذَلِكَ المَسْنُ هُوَ المُجُون أَيضاً، وَقَدْ مَسَنَ. والمُجون: أَن لَا يُبَالِيَ الإِنسانُ بِمَا صَنَعَ. ابْنُ سِيدَهْ: الماجِنُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ لَهُ كأَنه مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَالصَّلَابَةِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحسَبُه دَخِيلًا، وَالْجَمْعُ مُجّانٌ. مَجَنَ، بِالْفَتْحِ، يَمْجُنُ مُجوناً ومَجَانة ومُجْناً؛ حَكَى الأَخيرة سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَالُوا المُجْنُ كَمَا قَالُوا الشُّغْلُ، وَهُوَ ماجِنٌ. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِخَادِمٍ لَهُ كَانَ يَعْذِلُه كَثِيرًا وَهُوَ لَا يَرِيعُ إِلى قَوْلِهِ: أَراك قَدْ مَجَنْتَ عَلَى الْكَلَامِ؛ أَراد أَنه مَرَنَ عَلَيْهِ لَا يَعْبأُ بِهِ، وَمِثْلُهُ مَرَدَ عَلَى الْكَلَامِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. اللَّيْثُ: المَجّانُ عَطِيَّةُ الشَّيْءِ بِلَا مِنَّة وَلَا ثَمَنٍ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ المَجّان، عِنْدَ الْعَرَبِ، الباطلُ. وَقَالُوا: ماءٌ مَجّانٌ. قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ تَمْرٌ مَجّانٌ وَمَاءٌ مَجّانٌ؛ يُرِيدُونَ أَنه كَثِيرٌ كافٍ، قَالَ: واستَطْعَمني أَعرابي تَمْرًا فأَطعمته كُتْلةً وَاعْتَذَرْتُ إِليه مِنْ قِلَّته، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مَجّانٌ أَي كَثِيرٌ كافٍ. وَقَوْلُهُمْ: أَخذه مَجّاناً أَي بِلَا بَدَلٍ، وَهُوَ فَعّال لأَنه يَنْصَرِفُ. ومَجَنَّةُ: عَلَى أَميال مِنْ مَكَّةَ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مِنَ مَجَنَ وأَن يَكُونَ مِنْ جَنَّ، وَهُوَ الأَسبق، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ جنن أَيضاً؛ وَفِي حَدِيثِ
بلال:
__________
(1) . قوله [ومثنه يمثنه بالضم] نقل الصاغاني عن أبي عبيد الكسر أيضاً

(13/400)


وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ؟ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامةٌ وطَفِيلُ؟
قَالَ ابْنُ الأَثير: مَجَنَّة مَوْضِعٌ بأَسفل مَكَّةَ عَلَى أَميال، وَكَانَ يُقام بِهَا لِلْعَرَبِ سُوق، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ مِيمَهَا، وَالْفَتْحُ أَكثر، وَهِيَ زَائِدَةٌ. والمُماجِنُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي يَنْزُو عَلَيْهَا غيرُ واحدٍ مِنَ الفُحولة فَلَا تَكَادُ تَلْقَح. وَطَرِيقٌ مُمَجَّنٌ أَي مَمْدُودٌ. والمِيجَنَة: المِدَقَّة، تُذْكَرُ فِي وجن، إِن شَاءَ الله عز وجل.
مجشن: ذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الرباع ما صورته: الماجُشُون [الماجِشُون] اسْمُ رَجُلٍ؛ حَكَاهُ ثعلب. وابن الماجُشُون [الماجِشُون] : الْفَقِيهُ المعروفُ مِنْهُ، والله أَعلم.
محن: المِحْنة: الخِبْرة، وَقَدِ امتَحنه. وامتَحن القولَ: نَظَرَ فِيهِ ودَبَّره. التَّهْذِيبِ:
إِن عُتْبة بْنِ عبدٍ السُّلَمي، وَكَانَ مِنْ أَصحاب سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّث أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: القَتْلى ثَلَاثَةٌ، رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذا لَقِيَ العَدُوَّ قاتَلَهم حتى يُقْتَل، فذلك الشهيد المُمْتَحَن فِي جَنَّةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ «1» . لَا يَفْضُله النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النبوَّة
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ المُمْتحَن هُوَ المُصفَّى المُهذَّب المخلَّصُ مِنْ مَحَنتُ الفضةَ إِذا صَفَّيْتَهَا وَخَلَّصْتَهَا بِالنَّارِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
، قَالَ: خَلَّصَ اللهُ قُلُوبَهَمْ
، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
صَفَّاها وهَذَّبها، وَقَالَ غَيْرُهُ: المُمْتحَنُ المُوَطَّأُ المُذَلَّلُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى
شَرَحَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، كأَنَّ مَعْنَاهُ وَسَّع اللَّهُ قلوبَهم لِلتَّقْوَى. ومَحَنْتُه وامتَحْنتُه: بِمَنْزِلَةِ خَبَرْتُه وَاخْتَبَرْتُهُ وبَلَوْتُه وابتَلَيْتُه. وأَصل المَحْنِ: الضَّرْبُ بالسَّوْط. وامتَحَنتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِذا أَذبتهما لِتَخْتَبِرَهُمَا حَتَّى خَلَّصْتَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَالِاسْمُ المِحْنة. والمَحْنُ: الْعَطِيَّةُ. وأَتيتُ فُلَانًا فَمَا مَحَنَني شَيْئًا أَي مَا أَعطاني. والمِحْنة: وَاحِدَةُ المِحَنِ الَّتِي يُمتَحَنُ بِهَا الإِنسانُ مِنْ بَلِيَّةٍ، نَسْتَجِيرُ بِكَرَمِ اللَّهِ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبي: المِحْنة بِدْعَة
، هِيَ أَن يأْخذ السلطانُ الرجلَ فيَمْتحِنه وَيَقُولَ: فَعَلْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا، فَلَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَقُولَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَو مَا لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ، يَعْنِي أَن هَذَا الْقَوْلَ بِدْعَةٌ؛ وقولُ مُليح الهُذَليِّ:
وحُبُّ لَيْلَى، وَلَا تَخْشى مَحُونتَه، ... صَدْعٌ لنَفْسِكَ مِمَّا لَيْسَ يُنْتقَدُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: مَحُونته عَارُهُ وتِباعَتُه، يَجُوزُ أَن يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ المِحْنَة لأَن العارَ مِنْ أَشدِّ المِحْن، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَفْعُلة مِنَ الحَيْنِ، وَذَلِكَ أَن الْعَارَ كَالْقَتْلِ أَو أَشد. اللَّيْثُ: المِحْنة مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي يُمتحَنُ بِهِ لِيَعْرِفَ بِكَلَامِهِ ضَمِيرَ قَلْبِهِ، تَقُولُ امتحَنْتُه، وامتَحنْتُ الْكَلِمَةَ أَي نَظَرْتُ إِلى مَا يَصِيرُ إِليه صَيُّورُها. والمَحْنُ: النِّكَاحُ الشَّدِيدُ. يُقَالُ: مَحَنها ومَخَنها ومسَحَها إِذا نَكَحَهَا. ومَحَنه عِشْرِينَ سَوْطاً: ضَرَبَهُ. وَمَحَنَ السَّوْطَ: لَيَّنَه. المُفَضَّلُ: مَحَنْتُ الثوبَ مَحْناً إِذا لَبِسْتَهُ حَتَّى تُخْلِقه. ابْنُ الأَعرابي: مَحَنْته بالشَّدِّ والعَدْو وَهُوَ التَّلْيِينُ بالطَّرْد، والمُمْتحَن والمُمَحَّص وَاحِدٌ. أَبو سَعِيدٍ: مَحَنْتُ الأَديم مَحْناً إِذا مَدَدْتَهُ حَتَّى تُوَسِّعَهُ. ابْنُ الأَعرابي: المَحْنُ اللَّيِّنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ومَحْنت الْبِئْرَ مَحْناً إِذا أَخرجت تُرابها
__________
(1) . قوله [فِي جَنَّةِ اللَّهِ تَحْتَ عرشه] الذي في نسخة التهذيب: في خيمة الله

(13/401)


وَطِينَهَا. الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ: يُقَالُ مَحَنْتُه ومخنتُه، بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ، ومحجْتُه ونقَجته ونقَخته وجَلَهْته وجَحَشته ومَشَنْته وعَرَمْتُه وحسَفته وحسَلْته وخسَلْته ولَتَحْتُه كُلُّهُ بِمَعْنَى قَشَرْتُه. وَجِلْدٌ مُمتحَنٌ: مَقْشُور، وَاللَّهُ أَعلم.
مخن: المَخْنُ والمَخِنُ والمِخَنُّ، كُلُّهُ: الطَّوِيلُ؛ قَالَ:
لَمَّا رَآهُ جَسْرَباً مِخَنَّا، ... أَقْصَر عَنْ حَسْناء وارْثَعَنَّا
وَقَدْ مَخَنَ مَخْناً ومُخُوناً. اللَّيْثُ: رَجُلٌ مَخْنٌ وامرأَة مَخْنة إِلى القِصَر مَا هُوَ، وَفِيهِ زَهْوٌ وخِفَّة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً قَالَ فِي المَخْن إِنه إِلى القِصَر مَا هُوَ غَيْرَ اللَّيْثِ، وَقَدْ رَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي فِي بَابِ الطِّوالِ مِنَ النَّاسِ: وَمِنْهُمُ المَخْن واليَمْخُور والمُتماحِلُ. وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: المَخْنُ الطُّولُ، والمَخْنُ أَيضاً البُكاء، والمَخْنُ نزْحُ الْبِئْرِ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
قَدْ أَمرَ الْقَاضِي بأَمرٍ عَدْلِ، ... أَنْ تَمْخَنُوها بِثَمَانِي أَدْلِ
والمِخَنَّةُ: الفِناء؛ قَالَ:
ووَطِئْتَ مُعتَلِياً مِخَنَّتَنا، ... والغَدْرُ مِنْكَ عَلامةُ العَبْدِ
ومَخَنَ المرأَة مَخْناً: نَكَحَهَا. والمَخْنُ: النَّزْعُ مِنَ الْبِئْرِ. ومخَنَ الشيءَ مَخْناً: كمَخَجَه؛ قَالَ:
قَدْ أَمرَ الْقَاضِي بأَمرٍ عَدْلِ، ... أَنْ تَمْخَنُوها بِثَمَانِي أَدْلِ
ومخَنَ الأَديمَ: قَشَره، وَفِي الْمُحْكَمِ: مَخَنَ الأَديمَ والسَّوْطَ دَلَكه ومَرَنَه، وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ فِيهِ لغة. وطريق مُمَخَّنٌ: وُطِيءَ حَتَّى سَهُلَ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها تَمَثَّلَتْ بِشِعْرِ لَبِيدٍ:
يتَحَدَّثونَ مَخانةً ومَلاذَة
قَالَ: المَخانَةُ مَصْدَرٌ مِنَ الخِيانة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الْجِيمِ مِنَ المُجون، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية، وقد تقدم.
مدن: مَدَنَ بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ، فِعْلٌ مُمات، وَمِنْهُ المَدِينة، وَهِيَ فَعِيلة، وَتُجْمَعُ عَلَى مَدَائن، بِالْهَمْزِ، ومُدْنٍ ومُدُن بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ؛ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنه مَفْعِلة مِنْ دِنْتُ أَي مُلِكْتُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَوْ كَانَتِ الْمِيمُ فِي مَدِينَةٍ زَائِدَةً لَمْ يَجُزْ جَمْعُهَا عَلَى مُدْنٍ. وَفُلَانٌ مَدَّنَ المَدائنَ: كَمَا يُقَالُ مَصَّرَ الأَمصارَ. قَالَ وَسُئِلَ أَبو عَلِيٍّ الفَسَوِيُّ عَنْ هَمْزَةِ مَدَائِنَ فَقَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ، مَنْ جَعَلَهُ فَعِيلة مِنْ قَوْلِكَ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَي أَقام بِهِ هَمَزَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَفْعِلة مِنْ قَوْلِكَ دِينَ أَي مُلِكَ لَمْ يَهْمِزْهُ كَمَا لَا يَهْمِزُ مَعَايِشَ. والمَدِينة: الحِصْنُ يُبْنَى فِي أُصطُمَّةِ الأَرض، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. وكلُّ أَرض يُبْنَى بِهَا حِصْنٌ فِي أُصطُمَّتِها فَهِيَ مَدِينَةٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليها مَدِينيّ، وَالْجَمْعُ مَدائنُ ومُدُنٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ هُنَا حَكَمَ أَبو الْحَسَنِ فِيمَا حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ أَن مَدِينة فَعِيلَةٌ. الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: الْمَدِينَةُ فَعِيلَةٌ، تُهْمَزُ فِي الْفَعَائِلِ لأَن الْيَاءَ زَائِدَةٌ، وَلَا تُهْمَزُ يَاءُ الْمَعَايِشِ لأَن الْيَاءَ أَصلية. وَالْمَدِينَةُ: اسْمُ مَدِينَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاصَّةً غَلَبَتْ عَلَيْهَا تَفْخِيمًا لَهَا، شرَّفها اللَّهُ وَصَانَهَا، وإِذا نَسَبْتَ إِلى الْمَدِينَةِ فَالرَّجُلُ وَالثَّوْبُ مَدَنيٌّ، وَالطَّيْرُ وَنَحْوُهُ مَدِينّي، لَا يُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: فأَما قَوْلُهُمُ مَدَائِني فإِنهم جَعَلُوا هَذَا الْبِنَاءَ اسْمًا لِلْبَلَدِ، وحمامةٌ مَدِينيَّة وَجَارِيَةٌ مَدِينيَّة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ بالأَمر الفَطِنِ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِها وابنُ مَدِينتها وَابْنُ بَلْدَتها وَابْنُ بُعْثُطها وَابْنُ سُرْسُورها؛ قَالَ الأَخطل:

(13/402)


رَبَتْ ورَبا فِي كَرْمِها ابنُ مَدِينةٍ ... يَظَلُّ عَلَى مِسْحاته يتَرَكَّلُ
ابنُ مَدِينةٍ أَي الْعَالِمُ بأَمرها. وَيُقَالُ للأَمة: مَدِينة أَي مَمْلُوكَةٌ، وَالْمِيمُ مِيمُ مَفْعُول، وَذَكَرَ الأَحولُ أَنه يُقَالُ للأَمة ابنُ مَدِينة، وأَنشد بَيْتَ الأَخطل، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الأَعرابي ابنُ مَدِينة ابنُ أَمة، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: يُقَالُ لِلْعَبْدِ مَدِينٌ وللأَمة مَدِينة، وَقَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّا لَمَدِينُونَ
؛ أَي مَمْلُوكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالَّذِي قَالَهُ أَهل التَّفْسِيرِ لمَجْزِيُّون. ومَدَنَ الرجلُ إِذا أَتى الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْمِيمَ أَصلية. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُوثَقُ بِعِلْمِهِ مَدَن بِالْمَكَانِ أَي أَقام بِهِ. قَالَ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ، وإِذا نَسَبْتَ إِلى مَدِينَةِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قُلْتَ مَدَنيٌّ، وإِلى مَدِينَةِ الْمَنْصُورِ مَدِينيّ، وإِلى مَدَائِنِ كِسْرَى مَدائِنيٌّ، لِلْفَرْقِ بَيْنَ النَّسَبِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ. ومَدْيَنُ: اسْمٌ أَعجمي، وإِن اشْتَقَقْتَهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ فَالْيَاءُ زَائِدَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَفْعَلًا وَهُوَ أَظهر. ومَدْيَنُ: اسْمُ قَرْيَةِ شُعَيْبٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَالنَّسَبُ إِليها مَدْيَنِيٌّ. والمَدَانُ: صَنَمٌ. وبَنُو المَدَانِ: بطْنٌ، عَلَى أَن الْمِيمَ فِي المَدَان قَدْ تَكُونُ زَائِدَةً. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ مَدَان، بِفَتْحِ الْمِيمِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي جُذَام، وَيُقَالُ لَهُ فَيْفاءُ مَدَانَ؛ قَالَ: وَهُوَ وادٍ فِي بِلَادِ قُضاعَة.
مذن: النِّهَايَةُ فِي حَدِيثِ
رَافِعِ بْنِ خَدِيج: كُنَّا نَكْرِي الأَرض بِمَا عَلَى الماذِيانات وَالسَّوَاقِي
، قَالَ: هِيَ جَمْعُ ماذِيانٍ، وَهُوَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ، قَالَ: وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ، وَهِيَ سَوَاديَّة، وتكرَّر فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا، وَاللَّهُ أَعلم.
مرن: مَرَنَ يَمْرُنُ مَرَانةً ومُرُونةً: وَهُوَ لِينٌ فِي صَلابة. ومَرَّنْتُه: أَلَنْتُه وصَلَّبْتُه. ومَرَنَ الشيءُ يَمْرُنُ مُرُوناً إِذا اسْتَمَرَّ، وَهُوَ لَيِّنٌ فِي صَلَابَةٍ. ومَرَنَتْ يَدُ فلانٍ عَلَى الْعَمَلِ أَي صَلُبتْ واستمَرَّتْ. والمَرَانةُ: اللِّينُ. والتَّمْرينُ: التَّلْيينُ. ومَرَنَ الشيءُ يَمْرُنُ مُرُوناً إِذا لانَ مِثْلَ جَرَنَ. ورمْحٌ مارِنٌ: صُلْبٌ لَيِّنٌ، وَكَذَلِكَ الثوبُ. والمُرّانُ، بِالضَّمِّ وَهُوَ فُعّالٌ: الرِّمَاحُ الصُّلْبة اللَّدْنةُ، واحدتُها مُرَّانة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُرّانُ نَبَاتُ الرِّمَاحِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا عَنَى بِهِ المصدرَ أَم الجوهرَ النَّابِتَ. ابْنُ الأَعرابي: سُمِّي جماعةُ القَنَا المُرّانَ لِلِينِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ قَنَاةٌ لَدْنَةٌ. وَرَجُلٌ مُمَرَّنُ الْوَجْهِ: أَسِيلُه. ومَرَنَ وجهُ الرَّجُلِ عَلَى هَذَا الأَمر. وإِنه لَمُمَرَّنُ الوجهِ أَي صُلْبُ الْوَجْهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لِزَازُ خَصْمٍ مَعِلٍ مُمَرَّنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مَعِكٍ، بِالْكَافِ. يُقَالُ: رَجُلٌ مَعِكٌ أَي مُمَاطِلٌ؛ وَبَعْدَهُ:
أَلْيَسَ مَلْوِيِّ المَلاوِي مِثْفَنِ
وَالْمَصْدَرُ المُرُونة. ومَرَدَ فلانٌ عَلَى الْكَلَامِ ومَرَنَ إِذا استمَرّ فَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ. ومَرَنَ عَلَى الشَّيْءِ يَمْرُن مُرُوناً ومَرَانة: تعوَّده واستمرَّ عَلَيْهِ. ابْنُ سِيدَهْ: مَرَنَ عَلَى كَذَا يَمْرُنُ مُرُونة ومُرُوناً دَرَبَ؛ قَالَ:
قَدْ أَكْنَبَتْ يَداك بَعدَ لِينِ، ... وَبَعْدَ دُهْنِ الْبانِ والمَضْنُونِ،
وهَمَّتا بالصَّبْرِ والمُرُونِ
ومَرَّنه عَلَيْهِ فتمَرَّن: دَرَّبه فتدَرَّب. وَلَا أَدري أَيُّ مَنْ مَرَّنَ الجِلْدَ هُوَ أَي أَيُّ الوَرى هُوَ. والمَرْنُ: الأَديمُ المُلَيَّن المَدْلوك. ومَرَنْتُ

(13/403)


الجلدَ أَمرُنه مَرْناً ومَرَّنْتُه تَمْرِينًا، وَقَدْ مَرَنَ الجِلدُ أَي لانَ. وأَمرَنْتُ الرجلَ بِالْقَوْلِ حَتَّى مَرَنَ أَي لانَ. وَقَدْ مَرَّنوه أَي لَيَّنُوه. والمَرْنُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ ثيابٌ قُوهِيَّة؛ وأَنشد لِلنَّمِرِ:
خفيفاتُ الشُّخُوصِ، وهُنَّ خُوصٌ، ... كأَنَّ جُلُودَهُنَّ ثيابُ مَرْنِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المَرْنُ الفِرَاء فِي قَوْلِ النَّمِرِ:
كأَن جُلُودَهُنَّ ثيابُ مَرْنِ
ومَرَنَ بِهِ الأَرضَ مَرْناً ومَرَّنَها: ضَرَبَهَا بِهِ. وَمَا زالَ ذَلِكَ مَرِنَك أَي دَأْبَكَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ مَا زَالَ ذَلِكَ دِينَك ودَأْبَك ومَرِنَك ودَيْدَنَك أَي عادَتَك. والقومُ عَلَى مَرِنٍ واحدٍ: عَلَى خُلُقٍ مُسْتوٍ، واسْتَوَتْ أَخلاقُهم. قَالَ ابْنُ جِنِّي: المَرِنُ مصدرٌ كالحَلِفِ والكَذِبِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ مَرَنَ عَلَى الشَّيْءِ إِذا أَلِفَه فدَرِبَ فِيهِ ولانَ لَهُ، وإِذا قَالَ لأَضْرِبَنَّ فُلَانًا ولأَقْتُلنه، قُلْتَ أَنت: أَو مَرِناً مَا أُخْرَى أَي عَسَى أَن يَكُونَ غَيْرَ مَا تَقُولُ أَو يَكُونُ أَجْرَأَ لَهُ عَلَيْكَ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَرِنُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، الحالُ والخُلُق. يُقَالُ: مَا زَالَ ذَلِكَ مَرِني أَي حَالِي. والمارِن: الأَنف، وَقِيلَ: طَرفه، وَقِيلَ: المارِنُ مَا لَانَ مِنَ الأَنف، وَقِيلَ: مَا لَانَ مِنَ الأَنف مُنْحَدِراً عَنِ الْعَظْمِ وفَضَلَ عَنِ الْقَصَبَةِ، وَمَا لَانَ مِنَ الرُّمْح؛ قَالَ عُبيد يَذْكُرُ ناقتَه:
هاتِيكَ تحْمِلُني وأَبْيضَ صارِماً، ... ومُذَرَّباً فِي مارِنٍ مَخْموس
ومَرْنا الأَنفِ: جَانِبَاهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَمْ يُدْمِ مَرْنَيْهِ خِشاشُ الزَّمِ
أَراد زَمَّ الخِشاش فَقَلَبَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ خِشَاشُ ذِي الزَّمِّ فَحَذَفَ وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: فِي المارِنِ الدِّيَةُ
؛ المارِنُ مِنَ الأَنف: مَا دُونَ القَصبة. وَالْمَارِنَانِ: المُنْخُران. ومارَنَتِ الناقةُ مُمَارَنَةً ومِراناً وَهِيَ ممارِنٌ: ظَهَرَ لَهُمْ أَنها قَدْ لَقِحَت وَلَمْ يَكُنْ بِهَا لِقاحٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُكْثرُ الفحلُ ضِرابَها ثُمَّ لَا تَلْقَح، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَلْقَح حَتَّى يُكرَّر عَلَيْهَا الْفَحْلُ. وَنَاقَةٌ مِمْرانٌ إِذا كَانَتْ لَا تَلْقَح. ومَرَنَ البعيرَ والناقةَ يمرُنهما مَرْناً: دَهَنَ أَسفل خُفِّهما بدُهْنٍ مِنْ حَفىً بِهِ. والتَّمْرين: أَن يَحْفَى الدابةُ فيَرِقَّ حافرُه فتَدْهَنَه بدُهْنٍ أَو تَطْليه بأَخْثاء الْبَقَرِ وَهِيَ حارَّة؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ باطنَ مَنسِم الْبَعِيرِ:
فرُحْنا بَرَى كلُّ أَيديهما ... سَريحاً تَخَدَّم بعدَ المُرُون
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المَرْنُ العمَل بِمَا يُمَرِّنُها، وَهُوَ أَن يَدْهَنَ خُفَّها بالوَدك. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: المَرْنُ الحَفاءُ، وَجَمْعُهُ أَمْرانٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
رَفَّعْتُ مائِرَةَ الدُّفُوفِ أَمَلَّها ... طُولُ الوَجِيفِ عَلَى وَجَى الأَمْران
وَنَاقَةٌ مُمارِنٌ: ذَلُولٌ مَرْكوبة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والمُمارِنُ مِنَ النُّوق مثلُ المُماجِنِ. يُقَالُ: مارَنَتِ الناقةُ إِذا ضُرِبَتْ فَلَمْ تَلْقَحْ. والمَرَنُ: عَصَبُ باطِن العَضُدَينِ مِنَ الْبَعِيرِ، وَجَمْعُهُ أَمرانٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ قَوْلَ الْجَعْدِيِّ:
فأَدَلَّ العَيْرُ حتى خِلْته ... قَفَصَ [قَفِصَ] الأَمْرانِ يَعْدُو فِي شَكَلْ
قال صَحْبي، إِذْ رأَوْه مُقْبِلًا: ... مَا تَراه شَأْنَه؟ قُلْتُ: أَدَلّ
قَالَ: أَدلّ مِنَ الإِدلال؛ وأَنشد غَيْرُهُ لطَلْقِ بْنِ عَدِي:

(13/404)


نَهْدُ التَّلِيل سالِمُ الأَمْرانِ
الْجَوْهَرِيُّ: أَمرانُ الذِّرَاعِ عَصَبٌ يَكُونُ فِيهَا؛ وَقَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
يَا دَارَ سَلْمى خَلاء لَا أُكَلِّفُها ... إِلا المَرانَةَ حَتَّى تَعْرِفَ الدِّينا
قَالَ الْفَارِسِيُّ: المَرانَة اسْمُ نَاقَتِهِ وَهُوَ أَجودُ مَا فسِّرَ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هِيَ هَضْبة مِنْ هضَبات بَنِي عَجْلانَ، يُرِيدُ لَا أُكَلِّفها أَن تَبْرَحَ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَتَذْهَبَ إِلى مَوْضِعٍ آخَرَ. وَقَالَ الأَصمعي: الْمَرَانَةُ اسْمُ نَاقَةٍ كَانَتْ هَادِيَةً بِالطَّرِيقِ، وَقَالَ: الدِّينُ العَهْدُ والأَمرُ الَّذِي كَانَتْ تَعْهَدُهُ. وَيُقَالُ: المَرانة السُّكوتُ الَّذِي مَرَنَتْ عَلَيْهِ الدَّارُ، وَقِيلَ: الْمَرَانَةُ مَعْرِفتُها؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَراد المُرُون والعادَة أَي بِكَثْرَةِ وُقُوفي وسَلامي عَلَيْهَا لتَعْرِفَ طَاعَتِي لها. ومَرَّانُ شَنُوأَة: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ. وَبَنُو مَرِينا: الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ امْرُؤُ الْقَيْسِ فَقَالَ:
فَلَوْ فِي يوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا، ... ولكِنْ فِي دِيارِ بَنِي مَرِينا
هُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهل الحِيرَة مِنَ العُبّاد، وَلَيْسَ مَرِينا بِكَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ. وأَبو مَرينا: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ. ومُرَيْنةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الزَّارِيُّ:
تَعاطى كَباثاً مِنْ مُرَيْنةَ أَسْوَدا
والمَرانة: مَوْضِعٌ لِبَنِي عَقِيلٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لِمَنْ طَلَلٌ تَضَمَّنهُ أُثالُ، ... فشَرْجَةُ فالمَرانةُ فالحِبالُ «2»
. وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ مَرَانة، وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ. ابْنُ الأَعرابي: يوْمُ مَرْنٍ إِذا كَانَ ذَا كِسْوَة وخِلَعٍ، وَيَوْمُ مَرْنٍ إِذا كَانَ ذَا فِرارٍ مِنَ الْعَدُوِّ. ومَرَّان، بِالْفَتْحِ: مَوْضِعٌ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، وَبِهِ قَبْرُ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إِني: إِذا الشاعِرُ المَغْرُورُ حَرَّبَني، ... جارٌ لقَبْر عَلَى مَرّانَ مَرْمُوسِ
أَي أَذُبُّ عَنْهُ الشُّعَرَاءَ: وَقَوْلُهُ حَرَّبَني أَغضبني؛ يَقُولُ: تَمِيمُ بْنُ مُرّ جَارِي الَّذِي أَعْتَزُّ بِهِ، فَتَمِيمٌ كُلُّهَا تَحْمِينِي فَلَا أُبالي بِمَنْ يُغْضِبُني مِنَ الشُّعَرَاءِ لِفَخْرِي بِتَمِيمٍ؛ وأَما قَوْلُ مَنْصُورٍ:
قَبْرٌ مَرَرْتُ بِهِ عَلَى مَرَّانِ
فإِنما يَعْنِي قَبْرَ عَمْرِو بْنِ عُبَيد، قَالَ
خَلَّادٌ الأَرْقَطُ: حَدَّثَنِي زَمِيلُ عَمْرِو بْنِ عُبيْد قَالَ سَمِعْتُهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلم أَنه لَمْ يَعْرِضْ لِي أَمرانِ قَطّ أَحدُهما لَكَ فِيهِ رِضاً والآخرُ لِي فِيهِ هَوىً إِلَّا قدَّمْتُ رِضَاكَ عَلَى هوايَ، فاغْفِرْ لِي
؛ وَمَرَّ أَبو جَعْفَرٍ المنصورُ عَلَى قَبْرِهِ بمَرّان، وَهُوَ مَوْضِعٍ عَلَى أَميالٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ:
صَلَّى الإِلهُ عليكَ مِنْ مُتَوَسِّدٍ ... قَبْراً مَرَرْتُ بِهِ عَلَى مَرَّانِ
قَبْراً تضَمَّنَ مُؤْمِناً مُتخَشِّعاً، ... عَبَدَ الإِلهَ ودانَ بالقُرْآنِ
فإِذا الرجالُ تَنازَعوا فِي شُبْهةٍ، ... فصَلَ الخِطابَ بحِكْمَةٍ وبَيانِ
فَلَوَ انَّ هَذَا الدَّهْرَ أَبْقَى مُؤْمِناً، ... أَبْقَى لَنَا عَمْراً أَبا عُثْمانِ
قَالَ: وروى:
صلَّى الإِلهُ عَلَى شَخْصٍ تضَمَّنه ... قبرٌ مَرَرْتُ بِهِ على مَرَّانِ
__________
(2) . قوله [فشرجة فالحبال] كذا بالأصل، وهو ما صوّبه المجد تبعاً للصاغاني، وقال الرواية: فالحبال بكسر المهملة وبالباء الموحدة وشرجة بالشين المعجمة والجيم. وقول الجوهري: وَالْخَيَالُ أَرْضٌ لِبَنِي تَغْلِبَ صحيح والكلام في رواية البيت

(13/405)


مرجن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ
؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ، وَاللُّؤْلُؤُ اسْمٌ جَامِعٌ للحبِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الصدَفة، والمَرْجانُ أَشدُّ بَيَاضًا، وَلِذَلِكَ خَصَّ الْيَاقُوتَ وَالْمَرْجَانَ فَشَبَّهَ الْحُورَ الْعِينَ بِهِمَا. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: اخْتَلَفُوا فِي المَرْجانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ البُسَّذُ، وَهُوَ جَوْهَرٌ أَحمر يُقَالُ إِن الْجِنَّ تُلْقيه فِي الْبَحْرِ؛ وَبَيْتُ الأَخطل حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ الأَول:
كأَنما الفُطْرُ مَرْجان تساقِطُه، ... إِذا عَلا الرَّوْحقَ والمَتْنَينِ والكَفَلا.
مرزبان: فِي الْحَدِيثِ:
أَتيت الحِيرَة فرأَيتهم يسْجُدون لمَرْزُبانٍ لَهُمْ
؛ قَالَ: هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ أَحد مَرازبة الفُرْس، وَهُوَ الْفَارِسُ الشُّجَاعُ المُقَدَّمُ عَلَى الْقَوْمِ دُونَ المَلِك، وَهُوَ مُعَرَّب.
مرفن: ذُكِرَ فِي الرُّبَاعِيِّ مِنْ حَرْفِ الرَّاءِ: المُرْفَئِنُّ الساكن بعد النِّفارِ.
مزن: المَزْنُ: الإِسراع فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ. مَزَنَ يَمْزُنُ مَزْناً ومُزُوناً وتَمَزَّنَ: مَضَى لِوَجْهِهِ وَذَهَبَ وَيُقَالُ: هَذَا يومُ مَزْنٍ إِذا كَانَ يَوْمَ فِرَارٍ مِنَ الْعَدُوِّ. التَّهْذِيبُ: قُطْرُبٌ التَّمَزُّنُ التَّظَرُّف؛ وأَنشد:
بَعْدَ ارْقِدادِ العَزَب الجَمْوحِ ... فِي الجَهْلِ والتَّمَزُّنِ الرَّبِيحِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّمَزُّنُ عِنْدِي هَاهُنَا تفَعُّل مِنْ مَزَن فِي الأَرض إِذا ذَهَبَ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ شاطِرٌ وَفُلَانٌ عَيّارٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وكُنَّ بَعْدَ الضَّرْحِ والتَّمَزُّنِ، ... يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشَاشَ السِّنْسِنِ
قَالَ: هُوَ مِنَ المُزُونِ وَهُوَ الْبُعْدُ. وتَمَزَّنَ عَلَى أَصحابه: تفَضِّلَ وأَظهر أَكثر مِمَّا عِنْدَهُ، وَقِيلَ: التَّمَزُّنُ أَن تَرَى لِنَفْسِكَ فَضْلًا عَلَى غَيْرِكَ وَلَسْتَ هُنَاكَ؛ قَالَ رَكَّاضٌ الدُّبيريّ:
يَا عُرْوَ، إِنْ تَكْذِبْ عَليَّ تَمَزُّناً ... بِمَا لَمْ يَكُنْ، فاكْذِبْ فلستُ بكاذِبِ
قَالَ الْمُبَرِّدُ: مَزَّنْتُ الرجلَ تَمْزِيناً إِذا قَرَّظْته مِنْ وَرَائِهِ عِنْدَ خَلِيفَةٍ أَو وَالٍ. ومَزَنَهُ مَزْناً: مَدَحَهُ. والمُزْنُ: السَّحَابُ عامةٌ، وَقِيلَ: السَّحَابُ ذُو الْمَاءِ، وَاحِدَتُهُ مُزْنةٌ، وَقِيلَ: المُزْنَةُ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ، وَالْجَمْعُ مُزْنٌ، والبَرَدُ حَبُّ المُزْنِ، وَتَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ المزنِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: المُزْنُ وَهُوَ الْغَيْمُ وَالسَّحَابُ، وَاحِدَتُهُ مُزْنَةٌ، ومُزَيْنة تَصْغِيرُ مُزْنةٍ، وَهِيَ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ، قَالَ: وَيَكُونُ تَصْغِيرَ مَزْنَةٍ. يُقَالُ: مَزَنَ فِي الأَرض مَزْنَةً وَاحِدَةً أَي سَارَ عُقْبَةً وَاحِدَةً، وَمَا أَحسن مُزْنَتَه، وَهُوَ الِاسْمُ مِثْلُ حُسْوةٍ وحَسْوةٍ. والمُزْنَةُ: المَطْرَةُ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حجَرٍ:
أَلم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مُزْنَةً، ... وعُفْرُ الظِّباء فِي الكِناسِ تَقَمَّعُ؟
وَابْنُ مُزْنةَ الْهِلَالُ؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِعَمْرِو بْنِ قَمِيئة:
كأَنَّ ابنَ مُزْنَتِها جَانِحًا ... فَسِيطٌ لدَى الأُفقِ مِنْ خِنْصِرِ
ومُزْنُ: اسْمُ امرأَة، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والمازِنُ: بَيْضُ النَّمْلِ؛ وأَنشد:
وتَرَى الذَّنِينَ عَلَى مَرَاسِنِهِمْ، ... يَوْمَ الهِياج، كمازِنِ الجَثْلِ
ومازِنُ ومُزَيْنةُ: حَيّان، وَقِيلَ: مازِن أَبو قَبِيلَةٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَهُوَ مازِنُ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، ومازِنُ فِي بَنِي صَعْصَعة بْنِ مُعَاوِيَةَ، ومازِنُ فِي بَنِي شَيْبَانَ.

(13/406)


وَقَوْلُهُمْ: مازِ رأْسَكَ والسيفَ، إِنَّمَا هُوَ تَرْخِيمٌ مازِنٍ اسْمُ رَجُلٍ، لأَنه لَوْ كَانَ صِفَةً لَمْ يَجُزْ تَرْخِيمُهُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَهُ بُجَيْرٌ وَقَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فَقَالُوهُ لِكُلِّ مَنْ أَرادوا قَتْلَهُ يُرِيدُونَ بِهِ مُدَّ عُنُقَكَ. ومَزُون: اسْمٌ مِنْ أَسماء عُمَان بِالْفَارِسِيَّةِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فأَصْبَحَ العبدُ المَزُونِيُّ عَثِرْ
الْجَوْهَرِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تسمِّي عُمَانَ المَزُونَ؛ قَالَ الكُميتُ:
فأَما الأَزْدُ، أَزْدُ سَعِيدٍ، ... فأَكْرَهُ أَنْ أُسَمِّيها المَزُونَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ أَبو سَعِيدٍ المُهَلَّبُ المَزُونيُّ أَي أَكره أَن أَنْسُبَه إِلَى المَزُونِ، وَهِيَ أَرض عُمَانَ، يَقُولُ: هُمْ مِنْ مُضَرَ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بالمَزونِ المَلَّاحين، وَكَانَ أَرْدَشِير بابْكان «1» . جَعَلَ الأَزْدَ مَلَّاحين بشِحْر عُمَان قَبْلَ الإِسلام بِسِتِّمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَزْدُ أَبي سَعِيدٍ هُمْ أَزد عُمَانَ، وَهُمْ رَهْطُ المُهَلَّبِ بْنَ أَبي صُفْرَةَ. والمَزُونُ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عُمَان يُسْكُنُهَا اليهودُ والمَلّاحون لَيْسَ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَكَانَتِ الفرْسُ يسمونَ عُمَانَ المَزُونَ فَقَالَ الْكُمَيْتُ: إِنَّ أَزْدَ عُمَان يَكْرَهُونَ أَن يُسَمَّوا المَزُونَ وأَنا أَكره ذَلِكَ أَيضاً؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
وأَطْفَأْتُ نِيرانَ المَزونِ وأَهْلِها، ... وَقَدْ حاوَلُوها فِتْنةً أَن تُسَعَّرا
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ الجَواليقي: المَزُونُ بِفَتْحِ الميم، لعُمان ولا نقل المُزُون، بِضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ: وَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي شِعْرِ البَعِيث بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ وُدِّ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُرَّةَ اليَشْكُرِيِّ يَهْجُو المُهَلَّبَ بْنَ أَبي صُفْرة لَمَّا قَدِمَ خُرَاسان:
تبَدَّلَتِ المَنابِرُ مِنْ قُرَيْشٍ ... مَزُونِيّاً، بفَقْحَتِه الصَّلِيبُ
فأَصْبَحَ قافِلًا كَرَمٌ ومَجْدٌ، ... وأَصْبَحَ قادِماً كَذِبٌ وحُوبُ
فَلَا تَعْجَبْ لكلِّ زمانِ سَوْءٍ ... رِجالٌ، والنوائبُ قَدْ تَنُوبُ
قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبي عُبَيْدَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنها المُزُون، بِضَمِّ الْمِيمِ، لأَنه جَعَلَ المُزُون المَلَّاحين فِي أَصل التَّسْمِيَةِ، ومُزَينة: قَبِيلَةٍ مِنْ مُضَرَ، وَهُوَ مُزَيْنة ابنُ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْياس بْنِ مُضَر، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمْ مُزَنِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ مُزَينة قَبِيلَةٌ مِنْ مُضَر، قَالَ: مُزَيْنةُ بنتُ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، وَهِيَ أُم عثمانَ وأَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ.
مسن: أَبو عَمْرٍو: المَسْنُ المُجون. يُقَالُ: مَسَنَ فُلَانٌ ومَجَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والمَسْنُ: الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ. مسَنَه بِالسَّوْطِ يَمْسُنه مَسْناً: ضَرَبَهُ. وَسِيَاطٌ مُسَّنٌ، بِالسِّينِ وَالشِّينِ، مِنْهُ، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي الشِّينِ أَيضاً؛ قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَصَوَابُهُ المُشَّنُ بِالشِّينِ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رُؤْبَةَ:
وَفِي أَخاديد السِّيَاطِ المُشَّنِ
فَرَوَاهُ بِالسِّينِ، وَالرُّوَاةُ رَوَوْهُ بِالشِّينِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: مَسَنَ الشَّيْءَ مِنَ الشيءَ اسْتَلَّهُ، وأَيضاً ضَرَبَهُ حَتَّى يَسْقُطَ. والمَيْسَنانِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ أَبو دُوادٍ:
ويَصُنَّ الوُجوهَ فِي المَيْسَنانيّ ... كَمَا صانَ قَرْنَ شَمْسٍ غَمَامُ
__________
(1) . قوله [أردشير بابكان] هكذا بالأصل والصحاح، والذي في ياقوت: أردشير بن بابك

(13/407)


ومَيْسونُ: اسْمُ إمرأَة «1» . وَهِيَ مَيْسُونُ بِنْتُ بَحْدَلٍ الْكِلَابِيَّةُ؛ وَهِيَ الْقَائِلَةُ:
لَلُبْسُ عَباءَة، وتَقَرَّ عَيْني، ... أَحبُّ إلىَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأَرْواحُ فِيهِ ... أَحبُّ إلىَّ مِنَ قَصْرٍ مُنيفِ
لَكَلْبٌ يَنْبَحُ الأَضْيافَ وَهْناً ... أَحبُّ إليَّ مِنْ قِطًّ أَلُوفِ
لأَمْرَدُ مِنْ شَبابِ بَنِي تميمٍ ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ شيْخٍ عَفيفِ «2»
. والمَيْسُونُ: فَرَسُ ظُهَيْر بْنِ رَافِعٍ شَهِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّرْج «3» .
مسكن: جَاءَ فِي الْخَبَرِ:
أَنه نَهَى عَنْ بَيْعِ المُسْكانِ
، رُوِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو أَنه قَالَ: المَساكِين العَرَابين، وَاحِدُهَا مُسْكان. والمَساكِين: الأَذلَّاء الْمَقْهُورُونَ، وَإِنْ كَانُوا أَغنياء.
مشن: المَشْنُ: ضَرْب مِنَ الضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ. يُقَالُ: مشَنَه ومَتَنه مَشَناتٍ أَي ضَرَبَاتٍ. مَشَنه بِالسَّوْطِ يَمْشُنه مَشْناً: ضَرَبَهُ كمَشَقه. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ مَشَقْتُه عِشْرِينَ سَوْطًا ومَتَخْته ومَشَنْتُه، وَقَالَ: زَلَعْتُه، بِالْعَيْنِ، وشَلَقْتُه. وَيُقَالُ: مَشَنَ مَا فِي ضرْعِ النَّاقَةِ ومَشَقه إِذَا حَلَبَ. أَبو تُرَابٍ عَنِ الْكِلَابِيِّ: امْتَشَلْتُ النَّاقَةَ وامتَشَنْتُها إِذَا حَلَبْتُهَا. ومَشَّنَتِ الناقةُ تَمْشِيناً دَرَّتْ كَارِهَةً. والمَشْنُ: الخَدْشُ. ومَشَنَني الشيءُ: سحَجَني وخَدَشني؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَفِي أَخادِيدِ السِّياط المَشْنِ
وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ؛ قَالَ وَصَوَابُهُ:
وَفِي أَخادِيدِ السِّياطِ المُشَّنِ ... شافٍ لبَغْيِ الكَلِب المُشَيْطَنِ
قَالَ: والمُشَّنُ جَمْعُ مَاشِنٍ، والمَشْنُ: القَشْرُ، يُرِيدُ: وَفِي الضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ الَّتِي تَخُدُّ الْجِلْدَ أَي تَجْعَلُ فِيهِ كالأَخاديد. والكَلِبُ المُشَيْطَنُ: المُتَشَيْطِن. ابْنُ الأَعرابي: المَشْنُ مَسْحُ الْيَدِ بِالشَّيْءِ الْخَشِنِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كأَن وَجْهَهُ مُشِنَ بقَتادةٍ أَي خُدِش بِهَا، وَذَلِكَ فِي الْكَرَاهَةِ والعُبوس وَالْغَضَبِ. ابْنُ الأَعرابي: مَرَّتْ بِي غِرارَةٌ فمَشَنَتْني، وأَصابتني مَشْنةٌ، وَهُوَ الشَّيْءُ لَهُ سِعَةٌ وَلَا غَوْرَ لَهُ، فَمِنْهُ مَا بَضَّ مِنْهُ دَمٌ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَجْرَحِ الْجِلْدَ. يُقَالُ مِنْهُ: مَشَنه بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبَهُ فَقَشَّرَ الْجِلْدَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهل هَجَرَ يَقُولُ لِآخَرَ: مَشِّنِ الليفَ أَي مَيِّشْه وانْفُشْه للتَّلْسين، وَالتَّلْسِينُ: أَن يُسَوَّى اللِّيفُ قِطْعَةً قِطْعَةً وَيُضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. ومَشَنَ المرأَة: نَكَحَهَا. وامرأَة مِشَانٌ: سليطةٌ مشاتِمَةٌ؛ قَالَ:
وهَبْتَه مِنْ سَلْفَعٍ مِشَانِ، ... كذِئبَة تَنْبَحُ بالرُّكْبانِ
أَي وهَبْتَ يَا رَبِّ هَذَا الْوَلَدَ مِنَ امرأَة غَيْرِ مَرْضِيَّةٍ. والمِشانُ مِنَ النِّسَاءِ: السَّلِيطَةُ المُشاتمة. وتَماشَنا جِلْدَ الظَّرِبان إِذَا اسْتَبّا أَقْبح مَا يَكُونُ مِنَ السِّباب، حَتَّى كأَنهما تَنَازَعَا جِلْدَ الظَّرِبان وَتَجَاذَبَاهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو تُرَابٍ: إِنَّ فُلَانًا ليَمْتَشُّ مِنْ فُلَانٍ ويَمْتَشِنُ أَي يُصِيب مِنْهُ. وَيُقَالُ: امْتشِنْ مِنْهُ مَا مَشَنَ لك أَي
__________
(1) . قوله [وميسون اسم امرأة] أصل الميسون الحسن القد والوجه، عن أبي عمرو قاله في التكملة
(2) . قوله [من شيخ عفيف] كذا بالأَصل، ويروى: علج عنيف وعجل عليف
(3) . قوله [يوم السرج] كذا بالأَصل بالجيم، والذي في نسخة من التهذيب بالحاء محركاً

(13/408)


خُذْ مَا وَجَدْتَ. وامتَشَنَ ثَوْبَهُ: انْتَزَعَهُ. وامتَشَنَ سَيْفَهُ: اخْتَرَطَهُ وامتَشَنْتُ الشَّيْءَ: اقْتَطَعْتُهُ واخْتَلسته. وامتَشَنَ الشَّيْءَ: اخْتَطَفَهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والمِشَانُ [المُشَانُ] : نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ. وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفي قَالَ: اخْتَلَفَ أَبي وأَبو يُوسُفَ عِنْدَ هَارُونَ فَقَالَ أَبو يُوسُفَ: أَطْيَبُ الرُّطَبِ المُشانُ، وَقَالَ أَبي: أَطيب الرُّطَبِ السُّكَّرُ، فَقَالَ هَارُونُ: يُحْضَرانِ، فَلَمَّا حَضَرا تَنَاوَلَ أَبو يُوسُفَ السُّكَّرَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: لَمَّا رأَيت الحقَّ لَمْ أَصبر عَنْهُ. وَمِنْ أَمثال أَهل الْعِرَاقِ: بِعلَّةِ الوَرَشانِ تأْكُلُ الرُّطَبَ المُشانَ، وَفِي الصِّحَاحِ: تأْكل رُطَبَ المُشانِ، بالإِضافة، قَالَ: وَلَا تَقُلْ تأْكل الرُّطَبَ المُشانَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُشانُ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ إِلَى السَّوَادِ دَقِيقٌ، وَهُوَ أَعجمي، سَمَّاهُ أَهل الْكُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ لأَن الفُرْسَ لَمَّا سَمِعَتْ بأُمِّ جِرْذان، وَهِيَ نَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ صَفْرَاءُ البُسْرِ وَالتَّمْرِ؛ وَيُقَالُ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا لَهَا مَرَّتَيْنِ
، فَلَمَّا جَاءَ الفُرْسُ قَالُوا: أَين مُوشانُ؟ والمُوشُ: الجُرَذُ، يُرِيدُونَ أَين أُم الجِرْذانِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن الجِرْذان تأْكل مِنْ رطبها لأَنها تَلْقُطُهُ كَثِيرًا. والمِشَانُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
مطن: مطَان: مَوْضِعٌ أَو «4» .... وأَنشد كُرَاعٌ:
كَمَا عادَ الزمانُ عَلَى مِطان
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يفسره.
مطرن: الماطِرُونُ والماطِرُونَ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَخطل:
وَلَهَا بالماطِرونِ إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعا
قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ النُّونُ فِيهِ بِزِيَادَةٍ لأَنها تعرب.
معن: مَعَنَ الفرسُ وَنَحْوُهُ يَمْعَنُ مَعْناً وأَمْعَنَ، كِلَاهُمَا: تَبَاعَدَ عَادِيًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَمْعَنْتُمْ فِي كَذَا
أَي بَالَغْتُمْ. وأَمْعَنُوا فِي بَلَدِ الْعَدُوِّ وَفِي الطَّلَبِ أَي جدُّوا وأَبعدوا. وأَمْعَنَ الرجلُ: هَرَبَ وَتَبَاعَدَ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
ومُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَه، ... لَا مُمْعِنٍ هَرَباً وَلَا مُسْتَسْلِم
والماعُونُ: الطَّاعَةُ. يُقَالُ: ضرَبَ النَّاقَةَ حَتَّى أَعطت مَاعُونَهَا وَانْقَادَتْ. والمَعْنُ: الإِقرار بِالْحَقِّ،
قَالَ أَنس لمُصْعَب بْنِ الزُّبَير: أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ عَنْ فِرَاشِهِ وَقَعَدَ عَلَى بِسَاطِهِ وتمعَّنَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الرأْس وَالْعَيْنِ
، تَمَعَّنَ أَي تَصَاغَرَ وَتَذَلَّلَ انْقِيَادًا، مِنْ قَوْلِهِمْ أَمْعَنَ بِحَقِّي إِذَا أَذعن وَاعْتَرَفَ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنْ المَعانِ الْمَكَانِ؛ يُقَالُ: مَوْضِعُ كَذَا مَعَان مِنْ فُلَانٍ أَي نَزَلَ عَنْ دَسْتِه وَتَمَكَّنَ عَلَى بِسَاطِهِ تَوَاضُعًا. وَيُرْوَى: تَمَعَّكَ عَلَيْهِ أَي تَقَلَّبَ وتَمَرَّغ. وَحَكَى الأَخفش عَنْ أَعرابي فَصِيحٍ: لَوْ قَدْ نَزَلْنَا لَصَنَعْتُ بِنَاقَتِكَ صَنِيعًا تُعْطِيكَ الماعونَ أَي تَنْقَادُ لَكَ وَتُطِيعُكَ. وأَمْعَنَ بِحَقِّي: ذَهَبَ. وأَمْعَنَ لِي بِهِ: أَقَرَّ بَعْدَ جَحْد. والمَعْن: الْجُحُودُ وَالْكُفْرُ لِلنِّعَمِ. والمَعْنُ: الذُّلُّ. والمَعْنُ: الشَّيْءُ السَّهْلُ الْهَيِّنُ. والمَعْنُ: السَّهْلُ الْيَسِيرُ؛ قَالَ النِّمِرُ بْنُ توْلَب:
وَلَا ضَيَّعْتُه فأُلامَ فِيهِ، ... فإنَّ ضَياعَ مالِكَ غَيْرُ مَعْنِ
أَي غَيْرُ يَسِيرٍ وَلَا سَهْلٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: غَيْرُ حَزْمٍ وَلَا كَيْسٍ، مِنْ قَوْلِهِ أَمْعَن لِي بِحَقِّي أَي أَقرّ بِهِ وَانْقَادَ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. وفي التنزيل العزيز:
__________
(4) . كذا بياض بالأصل.

(13/409)


وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
؛ رُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنه قَالَ: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْمَاعُونُ هُوَ الْمَاءُ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ: وأَنشدني فِيهِ:
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الماعونَ صَبّاً
قَالَ الزَّجَّاجُ مَنْ جَعَلَ الماعُونَ الزَّكَاةَ فَهُوَ فاعولٌ مِنَ المَعْنِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ فَسُمِّيَتِ الزَّكَاةُ ماعُوناً بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ لأَنه يُؤْخَذُ مِنَ الْمَالِ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ. والمَعْنُ وَالْمَاعُونُ: الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ لِتَيَسُّرِهِ وَسُهُولَتِهِ لدَيْنا بِافْتِرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَيْنَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والماعونُ الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ مِنَ السُّهُولَةِ وَالْقِلَّةِ لأَنها جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ؛ قَالَ الرَّاعِي:
قوْمٌ عَلَى التَّنْزيِلِ لَمَّا يَمْنَعُوا ... ماعونَهم، ويُبَدِّلُوا التَّنْزِيلا «1»
وَالْمَاعُونُ: أَسقاط الْبَيْتِ كالدَّلوِ والفأْس والقِدْرِ والقَصْعة، وَهُوَ مِنْهُ أَيضاً لأَنه لَا يكْرِثُ مُعْطِيَهُ وَلَا يُعَنِّي كاسبَه. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمَاعُونُ مَا يُسْتَعَارُ مِنْ قَدُومٍ وسُفْرةٍ وشَفْرةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وحُسْنُ مُواساتهم بِالْمَاعُونِ
؛ قَالَ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ كالقِدْرِ والفأْس وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بعارِيته؛ قَالَ الأَعشى:
بأَجْوَدَ مِنْهُ بماعُونِه، ... إِذَا مَا سَمَاؤهم لَمْ تَغِمْ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْمَاعُونُ أَصله مَعُونة، والأَلف عِوَضٍ مِنَ الْهَاءِ. وَالْمَاعُونُ: المَطَرُ لأَنه يأْتي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَفْواً بِغَيْرِ عِلَاجٍ كَمَا تُعالجُ الأَبآرُ وَنَحْوُهَا مِنْ فُرَض المَشارب؛ وأَنشد أَيضاً:
أَقُولُ لِصَاحِبِي ببِراقِ نَجْدٍ: ... تبَصَّرْ، هَلْ تَرَى بَرْقاً أَراهُ؟
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الماعُونَ مَجّاً، ... إِذَا نَسَمٌ مِنَ الهَيْفِ اعْتراهُ
وزَهرٌ مَمْعُونٌ: مَمْطُورٌ أُخذ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ الأَعرابي: رَوْضٌ مَمْعُونٌ يُسْقَى بِالْمَاءِ الْجَارِي، وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ العَبّادي:
وَذِي تَنَاوِيرَ ممْعُونٍ، لَهُ صَبَحٌ ... يَغْذُو أَوابِدَ قَدْ أَفْلَيْنَ أَمْهارا
وَقَوْلُ الحَذْلَمِيّ:
يُصْرَعْنَ أَو يُعْطِينَ بالماعُونِ
فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْمَاعُونُ مَا يَمْنَعْنَهُ مِنْهُ وَهُوَ يَطْلُبُهُ مِنْهُنَّ فكأَنه ضِدٌّ. وَالْمَاعُونُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْمَنْفَعَةُ وَالْعَطِيَّةُ، وَفِي الإِسلام: الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، وَكُلُّهُ مِنَ السُّهُولَةِ والتَّيَسُّر. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَعْنُ والماعُونُ كُلُّ مَا انْتَفَعْتَ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه مَا انْتُفِع بِهِ مِمَّا يأْتي عَفْواً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: ذاتِ قَرارٍ أَرضٍ مُنْبَسِطَةٍ، ومَعِينٍ
: الماءُ الظَّاهِرُ الْجَارِي، قَالَ: وَلَكَ أَن تَجْعَلَ المَعِينَ مفْعولًا مِنَ العُيُون، وَلَكَ أَن تَجْعَلَهُ فَعِيلًا مِنَ الْمَاعُونِ، يَكُونُ أَصله المَعْنَ. والماعُونُ: الفاعولُ؛ وَقَالَ عُبيدٌ:
واهيةٌ أَو مَعِينٌ مُمْعِنٌ، ... أَو هَضْبةٌ دُونَهَا لهُوبُ «2»
والمَعْنُ والمَعِينُ: الْمَاءُ السَّائِلُ، وَقِيلَ: الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ الْغَزِيرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السُّهولة. والمَعْنُ: الْمَاءُ الظَّاهِرُ، والجمع مُعُنٌ
__________
(1) . قوله [على التنزيل] كذا بالأَصل، والذي في المحكم والتهذيب: على الإِسلام، وفي التهذيب وحده ويبدلوا التنزيلا ويبدلوا تبديلا.
(2) . قوله [واهية البيت] هو هكذا بهذا الضبط في التهذيب إلا أن فيه: دونها الهبوب بدل لهوب.

(13/410)


ومُعُناتٌ، ومياهٌ مُعْنانٌ. وَمَاءٌ مَعِينٌ أَي جارٍ؛ وَيُقَالُ: هُوَ مفْعول مِنْ عِنْتُ الماءَ إِذَا اسْتَنْبَطْتَهُ. وكَلأٌ مَمْعون: جَرَى فِيهِ الماءُ. والمُعُناتُ والمُعْنانُ: المَسايل وَالْجَوَانِبُ، مِنَ السُّهولة أَيضاً. والمُعْنانُ: مَجاري الْمَاءِ فِي الْوَادِي. ومَعَنَ الْوَادِي: كَثُرَ فِيهِ الْمَاءُ فسَهُلَ مُتَناوَلُه. ومَعُنَ الماءُ ومَعَنَ يَمْعَنُ مُعوناً وأَمْعَنَ: سَهُلَ وَسَالَ، وَقِيلَ: جَرَى، وأَمْعَنَه هُوَ. ومَعِنَ الموضعُ والنبتُ: رَوِيَ مِنَ الْمَاءِ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبل:
يَمُجُّ بَرَاعِيمَ مِنْ عَضْرَسٍ، ... تَرَاوَحَه القَطْرُ حَتَّى مَعِنْ
أَبو زَيْدٍ: أَمْعَنَتِ الأَرضُ ومُعِنَتْ إِذَا رَوِيَتْ، وَقَدْ مَعَنها المطرُ إِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهَا فأَرواها. وَفِي هَذَا الأَمر مَعْنةٌ أَي إِصْلَاحٌ ومَرَمَّةٌ. ومعَنَها يَمْعَنُها مَعْناً: نَكَحَهَا. والمَعْنُ: الأَديمُ: والمَعْنُ: الْجِلْدُ الأَحمر يُجْعَلُ عَلَى الأَسْفاط؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
بلاحِبٍ كمَقَدِّ المَعْنِ وَعَّسَه ... أَيدي المَراسِلِ فِي رَوْحاته خُنُفَا
وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا مَالَ لَهُ: مَا لَهُ سَعْنةٌ وَلَا مَعْنةٌ أَي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَا لَهُ شَيْءٌ وَلَا قَوْمٌ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْقَالِي السَّعْنُ الْكَثِيرُ، والمَعْنُ الْقَلِيلُ، قَالَ: وَبِذَلِكَ فَسَّرَ مَا لَهُ سَعْنةٌ وَلَا مَعْنةٌ. قَالَ اللَّيْثُ: المَعْنُ الْمَعْرُوفُ، والسَّعْنُ الوَدَكُ. قَالَ الأَزهري: والمَعْنُ الْقَلِيلُ، والمَعْنُ الْكَثِيرُ، والمَعْنُ الْقَصِيرُ، والمَعْنُ الطَّوِيلُ. والمَعْنِيُّ: الْقَلِيلُ الْمَالِ، والمَعْنِيُّ: الْكَثِيرُ الْمَالِ. وأَمْعَنَ الرجلُ إِذَا كَثُرَ مَالُهُ، وأَمْعَنَ إِذَا قلَّ مَالُهُ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ: مَاءٌ مَعْنٌ ومَعِينٌ، وَقَدْ مَعُنَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْمِيمَ أَصل وَوَزْنُهُ فَعيل، وَعِنْدَ الْفَرَّاءِ وَزْنُهُ مفْعول فِي الأَصل كمَنِيع. وَحَكَى الهَرَوِيُّ فِي فَصْلٍ عُيِّنَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنه قَالَ: عانَ الماءُ يَعِينُ إِذَا جَرَى ظَاهِرًا؛ وأَنشد للأَخطل:
حَبَسوا المَطِيَّ عَلَى قَدِيمٍ عَهْدُه ... طامٍ يَعِينُ، وغائِرٌ مَسْدُومُ
والمَعَانُ: المَباءَةُ والمَنزل. ومَعانُ الْقَوْمِ: مَنْزِلُهُمْ. يُقَالُ: الْكُوفَةُ مَعانٌ منَّا أَي مَنْزِلٌ مِنَّا. قَالَ الأَزهري: الْمِيمُ مِنْ مَعانٍ مِيمُ مَفْعَلٍ. ومَعانٌ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ. ومَعِينٌ: اسْمُ مَدِينَةٍ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ومَعِينٌ مَوْضِعٍ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْديكرب:
دَعَانَا مِنْ بَراقِشَ أَو مَعينٍ، ... فأَسْمَعَ واتْلأَبَّ بِنَا مَلِيعُ
وَقَدْ يَكُونُ مَعِين هُنَا مَفْعُولًا مِنْ عِنْتُهُ. وَبَنُو مَعْنٍ: بَطْنٌ. ومَعْنٌ: فَرَسُ الخَمْخامِ بْنِ جَمَلَةَ. وَرَجُلٌ مَعْنٌ فِي حَاجَتِهِ، وَقَوْلُهُمْ: حَدِّثْ عَنْ مَعْنٍ وَلَا حَرَجَ؛ هُوَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ مَطَر بْنِ شَرِيكِ بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَهُوَ عَمُّ يزيدَ بْنِ مِزْيَد بْنِ زَائِدَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَكَانَ مَعْنٌ أَجود الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ مَطَرِ بْنِ شَرِيك، قَالَ: وَصَوَابُهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ مَطر بْنِ شريكٍ، وَنُسْخَةُ الصِّحَاحِ الَّتِي نقَلْتُ مِنْهَا كَانَتْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ مِنَ الصَّوَابِ، فَإِمَّا أَن تَكُونَ النُّسْخَةُ الَّتِي نقلْتُ مِنْهَا صُحِّحتْ مِنَ الأَمالي، وَإِمَّا أَن يَكُونَ الشَّيْخُ ابْنُ بَرِّيٍّ نَقَلَ مِنْ نُسْخَةٍ سَقَطَ مِنْهَا جَدّان. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ بِئْرِ مَعُونةَ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْعَيْنِ، فِي أَرض بَنِي سُليمٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وأَما بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَمَوْضِعٌ قريب من المدينة.

(13/411)


مغن: بئرُ مَغُونَة، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، وأَما بِئْرُ مَعُونة، بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ آنفاً، والله أَعلم.
مغدن: مَغْدانُ: اسْمٌ لبَغْدادَ مَدِينَةِ السَّلام، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهَا فِي حَرْفِ الدَّالِ، فِي تَرْجَمَةِ بَغْدَدَ، وَاللَّهُ أَعلم.
مكن: المَكْنُ والمَكِنُ: بيضُ الضَّبَّةِ والجَرَادة وَنَحْوِهِمَا؛ قَالَ أَبو الهِنْديّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ:
ومَكْنُ الضِّبابِ طَعامُ العُرَيب، ... وَلَا تشْتَهِيه نفُوسُ العَجَمْ
وَاحِدَتُهُ مَكْنةٌ ومَكِنة، بِكَسْرِ الْكَافِ. وَقَدْ مَكِنَتِ الضَّبَّةُ وَهِيَ مَكُونٌ وأَمْكَنتْ وَهِيَ مُمْكِنٌ إِذَا جَمَعَتِ الْبَيْضَ فِي جَوْفِهَا، والجَرادةُ مِثْلُهَا. الْكِسَائِيُّ: أَمْكَنَتِ الضَّبَّةُ جَمَعَتْ بَيْضَهَا فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ مَكُونٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقيل:
أَراد رَفِيقي أَنْ أَصيدَهُ ضَبَّةً ... مَكُوناً، وَمِنْ خَيْرِ الضِّباب مَكُونُها
وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ: لَقَدْ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُهْدَى لأَحدنا الضَّبَّةُ المَكُونُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَن يُهْدَى إِلَيْهِ دجاجةٌ سَمِينَةٌ
؛ المَكُونُ: الَّتِي جَمَعَتِ المَكْنَ، وَهُوَ بَيْضُهَا. يُقَالُ: ضَبَّةٌ مَكُونٌ وضَبٌّ مَكُونٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي رجاءٍ: أَيُّما أَحبُّ إِلَيْكَ ضَبٌّ مَكُون أَو كَذَا وَكَذَا؟
وَقِيلَ: الضبَّةُ المَكُونُ الَّتِي عَلَى بَيْضِهَا. وَيُقَالُ ضِبابٌ مِكانٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَالَ: تعَلَّمْ أَنها صَفَريَّةٌ، ... مِكانٌ بِمَا فِيهَا الدَّبَى وجَنادِبُهْ
الْجَوْهَرِيُّ: المَكِنَةُ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَاحِدَةُ المَكِنِ والمَكِناتِ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها ومَكُناتها
، بِالضَّمِّ، قِيلَ: يَعْنِي بَيْضَهَا عَلَى أَنه مُسْتَعَارٌ لَهَا مِنَ الضَّبَّةِ، لأَن المَكِنَ لَيْسَ لِلطَّيْرِ، وَقِيلَ: عَنى مَوَاضع الطَّيْرِ. وَالْمُكِنَّاتُ فِي الأَصل: بَيْضُ الضِّباب. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سأَلت عِدَّةً مِنَ الأَعراب عَنْ مَكِناتِها فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ لِلطَّيْرِ مَكِناتٍ، وإِنما هِيَ وُكُنات، وَإِنَّمَا المَكِناتُ بَيْضُ الضِّبابِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَجَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يُسْتَعَارَ مَكْنُ الضِّبابِ فَيُجْعَلُ لِلطَّيْرِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ، كَمَا قَالُوا مَشافر الحَبَشِ، وَإِنَّمَا المَشافر للإِبل؛ وَكَقَوْلِ زُهَيْرٍ يَصِفُ الأَسد:
لدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاح مُقَذَّفٍ، ... لَهُ لِبَدٌ أَظفارُه لَمْ تُقَلَّمِ
وَإِنَّمَا لَهُ المَخالِبُ؛ قَالَ: وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ
قَوْلِهِ أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها
، يُرِيدُ عَلَى أَمْكِنتها، وَمَعْنَاهُ الطَّيْرُ الَّتِي يَزْجُرُ بِهَا، يَقُولُ: لَا تَزْجُرُوا الطَّيْرَ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا، أَقِرُّوها عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا أَي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَعْدُوا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: الصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَكِناتِها أَنها جَمْعُ المَكِنَة، والمَكِنةُ التَّمَكُّنُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ لَذَوُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ أَيْ تَمكُّنٍ، فَيَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى كُلِّ مَكِنةٍ ترَوْنَها عَلَيْهَا ودَعُوا التَّطَيُّرَ مِنْهَا، وَهِيَ مِثْلُ التَّبِعةِ مِنَ التَّتبُّعِ، والطَّلِبةِ مِنَ التَّطلُّب. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ النَّاسُ عَلَى مَكِناتِهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَيَجُوزُ أَن يُرَادَ بِهِ عَلَى أَمْكِنتها أَي عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، قَالَ: لَا يَصِحُّ أَن يُقَالَ فِي المَكِنة إِنَّهُ الْمَكَانُ إِلَّا عَلَى التَّوَسُّعِ،

(13/412)


لأَن المَكِنة إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى التَّمكُّنِ مِثْلَ الطَّلِبَة بِمَعْنَى التَّطَلُّبِ والتَّبِعَةِ بِمَعْنَى التَّتبُّع. يُقَالُ: إنَّ فُلَانًا لَذُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ، فَسُمِّيَ مَوْضِعُ الطَّيْرِ مَكِنةً لتمَكُّنه فِيهِ؛ يَقُولُ: دَعُوا الطَّيْرَ عَلَى أَمْكِنتها وَلَا تَطَيَّرُوا بِهَا؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُرْوَى مُكُناتها جَمْعُ مُكُنٍ، ومُكُنٌ جَمْعُ مَكانٍ كصُعُداتٍ فِي صُعُدٍ وحُمُراتٍ فِي حُمُرٍ. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ يُونُسَ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَراد الْحَاجَةَ أَتى الطَّيْرَ سَاقِطًا أَو في وَكْرِه فنَفَّرَهُ، فَإِنْ أَخذ ذَاتَ الْيَمِينِ مضى لحاجته، وَإِنْ أَخذ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فنَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ
؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ ابْنُ عُيَيْنةَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: النَّاسُ عَلَى سَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ومَكِناتِهم، وكلُّ ذِي ريشٍ وكلُّ أَجْرَدَ يَبِيضُ، وَمَا سِوَاهُمَا يَلِدُ، وَذُو الرِّيشِ كُلُّ طَائِرٍ، والأَجْرَدُ مِثْلُ الْحَيَّاتِ والأَوْزاغ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا شَعَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ. والمَكانةُ: التُّؤَدَةُ، وَقَدْ تَمَكَّنَ. ومَرَّ عَلَى مَكِينته أَي عَلَى تُؤَدَتِه. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ امْشِ عَلَى مَكِينتِكَ ومَكانتك وهِينَتِكَ. قَالَ قُطْرُبٌ: يُقَالُ فُلَانٌ يَعْمَلُ عَلَى مَكِينتِه أَي عَلَى اتِّئاده. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ*
؛ أَي عَلَى حيالِكم وَنَاحِيَتِكُمْ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي عَلَى مَا أَنتم عَلَيْهِ مُسْتَمْكِنُونَ. الْفَرَّاءُ: لِي فِي قَلْبِهِ مَكانَةٌ ومَوْقِعة ومَحِلَّةٌ. أَبو زَيْدٍ: فُلَانٌ مَكين عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ، يَعْنِي الْمَنْزِلَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ مَا أَمكنه عِنْدَ الأَمير شَاذٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ مَكُنَ يَمْكُنُ؛ قَالَ القُلاخُ:
حَيْثُ تَثَنَّى الماءُ فِيهِ فمَكُنْ
قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَمْكَنَه عَلَى الْقِيَاسِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمَكانةُ المَنْزلة عِنْدَ الْمَلِكِ. وَالْجَمْعُ مَكاناتٌ، وَلَا يُجْمَعُ جَمْعَ التَّكْسِيرِ، وَقَدْ مَكُنَ مَكانَةً فَهُوَ مَكِينٌ، وَالْجَمْعُ مُكَناء. وتَمَكَّنَ كَمَكُنَ. والمُتَمَكِّنُ مِنَ الأَسماء: مَا قَبِلَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ لَفْظًا، كَقَوْلِكَ زيدٌ وَزَيْدًا وزيدٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُنْصَرِفِ كأَحمدَ وأَسْلَمَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ فِي الِاسْمِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَي أَنه مُعْرَبٌ كَعُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا انْصَرَفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ المُتَمَكِّنُ الأَمْكَنُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَغَيْرُ الْمُتَمَكِّنِ هُوَ الْمَبْنِيُّ ككَيْفَ وأَيْنَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الظَّرْفِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَنه يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً ظَرْفًا وَمَرَّةً اسْمًا، كَقَوْلِكَ: جَلَسْتُ خلْفَكَ، فَتَنْصِبُ، وَمَجْلِسِي خَلْفُكَ، فَتَرْفَعُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً، وَغَيْرُ المُتَمَكِّن هُوَ الَّذِي لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً إِلَّا ظَرْفًا، كَقَوْلِكَ: لَقِيتُهُ صَبَاحًا وَمَوْعِدُكَ صَبَاحًا، فَتَنْصِبُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ إِذَا أَردت صَبَاحَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يؤْخذ سَمَاعًا عَنْهُمْ، وَهِيَ صباحٌ وَذُو صباحٍ، ومَساء وَذُو مَساء، وعَشِيّة وعِشاءٌ، وضُحىً وضَحْوَة، وسَحَرٌ وبُكَرٌ وبُكْرَةٌ وعَتَمَةٌ، وذاتُ مَرَّةٍ، وذاتُ يَوْمٍ، وليلٌ ونهارٌ وبُعَيْداتُ بَيْنٍ؛ هَذَا إِذَا عَنَيْتَ بهذه الأَوقات يَوْمًا بِعَيْنِهِ، فأَما إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً أَو أَدخلت عَلَيْهَا الأَلف وَاللَّامَ تَكَلَّمْتَ بِهَا رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَخبرنا بِذَلِكَ يُونُسُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كُلُّ مَا عُرِّفَ مِنَ الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ لأَنه ضُمِّنَ مَا لَيْسَ لَهُ فِي أَصل وَضْعِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ: سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، لأَنه مَعْرِفَةٌ

(13/413)


مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ نَكَّرْتَهُ فَقُلْتَ سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، جَازَ، وَكَذَلِكَ إِنْ عرَّفْتَه مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَقُلْتَ: سِيرَ عَلَيْهِ السَّحَرُ، جَازَ. وأَما غُدْوَةٌ وبُكْرَة فَتَعْرِيفُهُمَا تَعْرِيفُ العَلميَّة، فَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا كَقَوْلِكَ: سِيرَ عَلَيْهِ غُدْوَةٌ وبُكْرَةٌ، فأَما ذُو صَباحٍ وذاتُ مرَّةٍ وقبلُ وبعدُ فَلَيْسَتْ فِي الأَصل مِنْ أَسماء الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ اسْمًا لَهُ عَلَى تَوَسُّعٍ وَتَقْدِيرِ حَذْفٍ. أَبو مَنْصُورٍ: المَكانُ والمَكانةُ وَاحِدٌ. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ: مكانٌ فِي أَصل تَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَفْعَلٌ، لأَنه مَوْضِعٌ لكَيْنونةِ الشَّيْءِ فِيهِ، غَيْرَ أَنه لَمَّا كَثُرَ أَجْرَوْهُ فِي التَّصْرِيفِ مُجْرَى فَعال، فَقَالُوا: مَكْناً لَهُ وَقَدْ تَمَكَّنَ، وَلَيْسَ هَذَا بأَعْجَب مَنْ تَمَسْكَن مِنَ المَسْكَن، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن المَكانَ مَفْعَل أَن الْعَرَبَ لَا تَقُولُ فِي مَعْنَى هُوَ منِّي مَكانَ كَذَا وَكَذَا إِلَّا مَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، بِالنَّصْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمكانُ الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة كقَذَال وأَقْذِلَةٍ، وأَماكِنُ جَمْعُ الْجَمْعِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: يَبْطُل أَن يَكُونَ مَكانٌ فَعالًا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ: كُنْ مَكانَكَ، وقُم مكانَكَ، وَاقْعُدْ مَقْعَدَك؛ فَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنه مَصْدَرٌ مِنْ كَانَ أَو مَوْضِعٌ مِنْهُ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا جُمِعَ أَمْكِنَةً فَعَامَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ مُعَامَلَةَ الأَصلية لأَن الْعَرَبَ تشَبِّه الْحَرْفَ بِالْحَرْفِ، كَمَا قَالُوا مَنارة ومنائِر فَشَبَّهُوهَا بفَعالةٍ وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ النُّورِ، وَكَانَ حُكْمُهُ مَنَاوِر، وَكَمَا قِيلَ مَسِيل وأَمْسِلة ومُسُل ومُسْلان وَإِنَّمَا مَسيلٌ مَفْعِلٌ مِنَ السَّيْلِ، فَكَانَ يَنبغي أَن لَا يُتَجاوز فِيهِ مَسَايِلُ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ فِي حُكْمِ الأَصلية، فصار معفْعِل فِي حُكْمِ فَعِيل، فكُسِّر تكسيرَه. وتَمَكَّنَ بِالْمَكَانِ وتَمَكَّنَه: عَلَى حَذْفِ الوَسِيط؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
لَمَّا تَمَكَّنَ دُنْياهُمْ أَطاعَهُمُ، ... فِي أَيّ نحْوٍ يُميلوا دِينَهُ يَمِلِ
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ «3» تَمَكُّنُ دُنْيَاهُمْ عَلَى أَن الْفِعْلَ لِلدُّنْيَا، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَنه تأْنيث غَيْرُ حَقِيقِيٍّ. وَقَالُوا: مَكانَك تُحَذِّره شَيْئًا مِنْ خَلْفه. الْجَوْهَرِيُّ: مَكَّنَه اللهُ مِنَ الشيءِ وأَمْكَنَه مِنْهُ بِمَعْنًى. وَفُلَانٌ لَا يُمْكِنُه النُّهُوضُ أَي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وتَمَكَّنَ مِنَ الشيءِ واسْتَمْكَنَ ظَفِر، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المكانَةُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ أَمْكَنني الأَمرُ، يمْكِنُني، فَهُوَ مُمْكِنٌ، وَلَا يُقَالُ أَنا أُمْكِنُه بِمَعْنَى أَستطيعه؛ وَيُقَالُ: لَا يُمْكِنُكَ الصُّعُودُ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَلَا يُقَالُ أَنت تُمْكِنُ الصُّعُودَ إِلَيْهِ. وأَبو مَكِينٍ: رجلٌ. والمَكْنانُ، بِالْفَتْحِ وَالتَّسْكِينِ: نَبْتٌ يَنْبُتُ عَلَى هَيْئَةِ وَرَقِ الهِنْدِباء بَعْضُ وَرَقِهِ فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ كَثِيفٌ وَزَهْرَتُهُ صَفْرَاءُ ومَنْبتُه القِنانُ وَلَا صَيُّورَ لَهُ، وَهُوَ أَبطأُ عُشْب الرَّبِيعِ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ لِينِهِ، وَهُوَ عُشْبٌ لَيْسَ مِنَ الْبَقْلِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَكْنانُ مِنَ الْعُشْبِ وَرَقَتُهُ صَفْرَاءُ وَهُوَ لَيِّنٌ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ خَيْرِ العُشْبِ إِذَا أَكلته الْمَاشِيَةُ غَزُرَتْ عَلَيْهِ فَكَثُرَتْ أَلبانها وخَثُرتْ، وَاحِدَتُهُ مَكْنانةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: المَكْنان مِنْ بُقُول الرَّبِيعِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وبالرَّوْضِ مَكْنانٌ كأَنَّ حَدِيقَهُ ... زَرَابيُّ وَشَّتْها أَكُفُّ الصَّوانِعِ
وأَمْكَنَ المكانُ: أَنبت المَكْنانَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْهُ:
ومَجَرّ مُنْتَحَرِ الطَّليّ تَناوَحَتْ ... فِيهِ الظِّباء ببطن وادٍ مْمْكِنِ
__________
(3) . قوله [قال وقد يكون إلخ] ضمير قال لابن سيدة لأَن هذه عبارته في المحكم.

(13/414)


قَالَ: مُمْكِن يُنْبِت المَكْنانَ، وَهُوَ نَبْتٌ مِنْ أَحرار الْبُقُولِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ثَوْرًا أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ:
حَتَّى غَدا خَرِماً طَأَّى فَرائصَه، ... يَرْعى شَقائقَ مِنْ مَرْعىً ومَكْنان «1»
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي وَجْزَةَ يَصِفُ حِمَارًا:
تَحَسَّرَ الماءُ عَنْهُ واسْتَجَنَّ بِهِ ... إلْفانِ جُنَّا مِنَ المَكْنانِ والقُطَبِ
جُمادَيَيْنِ حُسُوماً لَا يُعايِنُه ... رَعْيٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَهْلٍ وَلَا غَرَبِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
وأَنت إِنْ سَرَّحْتَها فِي مَكْنانْ ... وَجَدْتَها نِعْمَ غَبُوقُ الكَسْلانْ
منن: مَنَّهُ يَمُنُّه مَنّاً: قَطَعَهُ. والمَنِينُ: الْحَبْلُ الضَّعِيفُ. وحَبل مَنينٌ: مَقْطُوعٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: حَبْلٌ مَنينٌ إِذَا أخْلَقَ وَتَقَطَّعَ، وَالْجَمْعُ أَمِنَّةٌ ومُنُنٌ. وَكُلُّ حَبَلٍ نُزِحَ بِهِ أَو مُتِحَ مَنِينٌ، وَلَا يُقَالُ للرِّشاءِ مِنَ الْجِلْدِ مَنِينٌ. والمَنِينُ الْغُبَارُ، وَقِيلَ: الْغُبَارُ الضَّعِيفُ الْمُنْقَطِعُ، وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ الخَلَقِ. والمَنُّ: الإِعْياء والفَتْرَةُ. ومَنَنْتُ النَّاقَةَ: حَسَرْتُها. ومَنَّ النَّاقَةَ يَمُنُّها مَنّاً ومَنَّنَها ومَنَّن بِهَا: هَزَلَهَا مِنَ السَّفَرِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الإِنسان. وَفِي الْخَبَرِ: أَن أَبا كَبِيرٍ غَزَا مَعَ تأَبَّطَ شَرّاً فمَنَّنَ بِهِ ثلاثَ ليالٍ أَي أَجهده وأَتعبه. والمُنَّةُ، بِالضَّمِّ: القوَّة، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ قُوَّةَ الْقَلْبِ. يُقَالُ: هُوَ ضَعِيفُ المُنَّة، وَيُقَالُ: هُوَ طَوِيلُ الأُمَّة حَسَنُ السُّنَّة قَوِيُّ المُنّة؛ الأُمة: الْقَامَةُ، والسُّنّة: الْوَجْهُ، والمُنّة: الْقُوَّةُ. وَرَجُلٌ مَنِينٌ أَي ضَعِيفٌ، كأنَّ الدَّهْرَ مَنَّه أَي ذَهَبَ بمُنَّته أَي بِقُوَّتِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَنَّهُ السَّيْرُ أَحْمقُ
أَي أَضعفه السَّيْرُ. والمَنينُ: الْقَوِيُّ. وَالمَنِينُ: الضَّعِيفُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد:
يَا رِيَّها، إِنْ سَلِمَتْ يَميني، ... وَسَلِمَ السَّاقِي الَّذِي يَلِيني،
وَلَمْ تَخُنِّي عُقَدُ المَنِينِ
ومَنَّه السَّيْرُ يَمُنُّه مَنّاً: أَضعفه وأَعياه. ومَنَّه يَمُنُّه مَنّاً: نَقَصَهُ. أَبو عَمْرٍو: المَمْنون الضَّعِيفُ، والمَمْنون الْقَوِيُّ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المَنينُ الْحَبْلُ الْقَوِيُّ؛ وأَنشد لأَبي مُحَمَّدٍ الأَسدي:
إِذَا قَرَنْت أَرْبعاً بأَربعِ ... إِلَى اثْنَتَيْنِ فِي مَنين شَرْجَعِ
أَي أَربع آذَانٍ بأَربع وَذَماتٍ، وَالِاثْنَتَانِ عرْقُوتا الدَّلْوِ. والمَنينُ: الْحَبْلُ الْقَوِيُّ الَّذِي لَهُ مُنَّةٌ. والمَنِينُ أَيضاً: الضَّعِيفُ، وشَرْجَعٌ: طَوِيلٌ. والمَنُونُ: الْمَوْتُ لأَنه يَمُنُّ كلَّ شَيْءٍ يُضْعِفُهُ وَيُنْقِصُهُ وَيَقْطَعُهُ، وَقِيلَ: المَنُون الدَّهْرُ؛ وَجَعَلَهُ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ جَمْعًا فَقَالَ:
مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَزَّيْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْه مِنْ أَنْ يُضامَ خَفِيرُ
وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَمَنْ أَنث حَمَلَ عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَمَنْ ذَكَّرَ حَمَلَ عَلَى الْمَوْتِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبه تَتَوَجَّعُ، ... والدهرُ لَيْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ رُوِيَ ورَيْبها، حملًا على المنِيَّة،
__________
(1) . قوله [طأى فرائصه] هكذا في الأصل بهذا الضبط ولعله طيا فرائصه بمعنى مطوية.

(13/415)


قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ التأْنيث رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ لأَن الدَّاهِيَةَ تُوصَفُ بِالْعُمُومِ وَالْكَثْرَةِ وَالِانْتِشَارِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا ذَكَّرَهُ لأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِ. التَّهْذِيبُ: مَنْ ذَكَّرَ الْمَنُونَ أَراد بِهِ الدَّهْرَ؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ أَيضاً:
أَمِنَ المَنُون ورَيْبه تَتَوَجَّعُ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:
أَأَن رأَتْ رَجُلًا أَعْشى أَضرَّ بِهِ ... رَيْبُ المَنُونِ، ودهْرٌ مُتبلٌ خبِل
ابْنُ الأَعرابي: قَالَ الشَّرْقِيّ بْنُ القُطامِيِّ المَنايا الأَحداث، وَالْحِمَامُ الأَجَلُ، والحَتْفُ القَدَرُ، والمَنُون الزَّمَانُ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: والمَنُونُ يُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَى المَنايا فَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْجَمْعِ؛ وأَنشد بَيْتَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:
مَن رأَيْتَ المَنونَ عَزَّيْنَ
أَراد الْمَنَايَا فَلِذَلِكَ جَمَعَ الْفِعْلَ. والمَنُونُ: الْمَنِيَّةُ لأَنها تَقْطَعُ المَدَدَ وَتُنْقِصُ العَدَد. قَالَ الْفَرَّاءُ: والمَنُون مُؤَنَّثَةٌ، وَتَكُونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَنُون الدَّهْرُ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
؛ أَي حَوَادِثَ الدَّهْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ
قَالَ: أَي مِنَ الدَّهْرِ وَرَيْبِهِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
والدهرُ لَيْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
فأَما مَنْ قَالَ: وَرَيْبُهَا فَإِنَّهُ أَنث عَلَى مَعْنَى الدُّهُورِ، وَرَدَّهُ عَلَى عُمُومِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا؛ وَكَقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فالعَيْن بعدهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها
وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ؛ وَكَقَوْلِ الهُذَليِّ:
تَراها الضَّبْعَ أَعْظَمَهُنَّ رأْسا
قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى أَن المَنُون يرادُ بِهَا الدُّهور قَوْلُ الجَعْديّ:
وعِشْتِ تعيشين إنَّ المَنُونَ ... كانَ المَعايشُ فِيهَا خِساسا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَسَّرَ الأَصمعي المَنُون هُنَا بِالزَّمَانِ وأَراد بِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: ويدُلّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَيْتِ:
فَحِيناً أُصادِفُ غِرَّاتها، ... وَحِينًا أُصادِفُ فِيهَا شِماسا
أَي أُصادف فِي هَذِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ الأَصمعي:
غلامُ وَغىً تَقَحّمها فأَبْلى، ... فَخَانَ بلاءَه الدهرُ الخَؤُونُ
فَإِنَّ عَلَى الفَتى الإِقْدامَ فِيهَا، ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَا جَنَتِ المَنُونُ
قَالَ: والمَنُون يُرِيدُ بِهَا الدُّهُورَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ:
فخانَ بلاءَه الدَّهْرُ الخَؤُونُ
قَالَ: وَمِنْ هَذَا قَوْلُ كَعْب بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:
أَنسيتمُ عَهْدَ النَّبِيِّ إليكمُ، ... وَلَقَدْ أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا
أَن لَا تَزالوا مَا تَغَرَّدَ طائرٌ ... أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا

(13/416)


أَي إِلى آخِرِ الدَّهْرِ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَكُلُّ فَتىً، وإِنْ أَمْشى وأَثْرَى، ... سَتَخْلِجُه عَنِ الدُّنْيَا المَنُونُ
قَالَ: فَالظَّاهِرُ أَنه الْمَنِيَّةُ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبي طَالِبٍ:
أَيّ شَيْءٍ دهاكَ أَو غال مَرْعاك، ... وَهَلْ أَقْدَمَتْ عَلَيْكَ المَنُون؟
قَالَ: المَنُونُ هُنَا الْمَنِيَّةُ لَا غَيْرَ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ حَسَّان:
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ... أَنَى، وَلِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ
وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ أَحمر:
لَقُوا أُمَّ اللُّهَيْمِ فجَهَّزَتْهُمْ ... غَشُومَ الوِرْدِ نَكْنِيها المَنونا
أُم اللُّهَيمِ: اسْمٌ لِلْمَنِيَّةِ، والمنونُ هُنَا: الْمَنِيَّةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
سُلِّطَ الموتُ والمَنُونُ عَلَيْهِمْ، ... فَهُمُ فِي صَدَى المَقابِرِ هامُ
ومَنَّ عَلَيْهِ يَمُنُّ مَنّاً: أَحسن وأَنعم، وَالِاسْمُ المِنَّةُ. ومَنَّ عَلَيْهِ وامْتَنَّ وتمَنَّنَ: قَرَّعَه بِمِنَّةٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَعْطاكَ يَا زَيْدُ الَّذِي يُعْطي النِّعَمْ، ... مِنْ غيرِ مَا تمَنُّنٍ وَلَا عَدَمْ،
بَوائكاً لَمْ تَنْتَجِعْ مَعَ الغَنَم
وَفِي الْمَثَلِ: كَمَنِّ الغيثِ عَلَى العَرْفَجةِ، وَذَلِكَ أَنها سَرِيعَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْغَيْثِ، فإِذا أَصابها يَابِسَةً اخضرَّت؛ يَقُولُ: أَتَمُنُّ عليَّ كمَنِّ الغيثِ عَلَى العرفجةِ؟ وَقَالُوا: مَنَّ خَيْرَهُ يمُنُّهُ مَنّاً فعَدَّوْه؛ قَالَ:
كأَني، إِذْ مَنَنْتُ عَلَيْكَ خَيري، ... مَنَنْتُ عَلَى مُقَطَّعَةِ النِّياطِ
ومَنَّ يَمُنُّ مَنّاً: اعْتَقَدَ عَلَيْهِ مَنّاً وحسَبَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَقِيلَ: معناهُ أَي لَا يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «1» بِهِ فَاخِرًا أَو مُعَظِّماً كَمَا يَفْعَلُ بخلاءُ المُنْعِمِين، وَقِيلَ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبْلٌ مَنِين إِذا انْقَطَعَ وخَلَقَ، وَقِيلَ: أَي لَا يُمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنُّ الْقَطْعُ، وَيُقَالُ النَّقْصُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
غُبْساً كَوَاسبَ لَا يُمَنُّ طَعامُها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الشِّعْرُ فِي نُسْخَةِ ابْنِ الْقَطَّاعِ مِنَ الصِّحَاحِ:
حَتَّى إِذا يَئِسَ الرُّماةُ، وأَرْسَلوا ... غُبْساً كَواسِبَ لَا يُمَنُّ طعامُها
قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ، وإِنما هُوَ فِي نُسْخَةِ الْجَوْهَرِيِّ عَجُزُ الْبَيْتِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَمَّلَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ بِصَدْرِ بَيْتٍ لَيْسَ هَذَا عجُزَه، وإِنما عجُزُهُ:
حَتَّى إِذا يَئسَ الرُّماةُ، وأَرسلوا ... غُضُفاً دَوَاجِنَ قَافِلًا أَعْصامُها
قَالَ: وأَما صَدْرُ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَهُوَ قَوْلُهُ:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تنازَعَ شِلْوَه ... غُبْسٌ كوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طعامُها
قَالَ: وَهَكَذَا هُوَ فِي شِعْرِ لَبِيدٍ، وإِنما غلط الجوهري
__________
(1) . قوله [أَيْ لَا يَمُنُّ اللَّهُ عليهم إلخ] المناسب فيه وفيما بعده عليك بكاف الخطاب، وكأنه انتقال نظر من تفسير آية: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً، إلى تفسير آية: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ*، هذه العبارة من التهذيب أو المحكم فإن هذه المادة ساقطة من نسختيهما اللتين بأيدينا للمراجعة.

(13/417)


فِي نَصْبِ قَوْلِهِ غُبْساً، وَاللَّهُ أَعلم. والمِنِّينَى: مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ المَنِّ عَلَى الرَّجُلِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: المِنِّينى مِنَ المَنِّ والامْتنانِ. وَرَجُلٌ مَنُونَةٌ ومَنُونٌ: كَثِيرُ الِامْتِنَانِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا*
؛ يَحْتَمِلُ المَنُّ تأْويلين: أَحدهما إِحسانُ المُحْسِن غيرَ مُعْتَدٍّ بالإِحسان، يُقَالُ لَحِقَتْ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ مِنَّةٌ إِذا لَحِقَتْه نعمةٌ بِاسْتِنْقَاذٍ مِنْ قَتْلٍ أَو مَا أَشبهه، وَالثَّانِي مَنَّ فلانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذا عَظَّمَ الإِحسان وفخَرَ بِهِ وأَبدأَ فِيهِ وأَعاد حَتَّى يُفْسده ويُبَغِّضه، فالأَول حَسَنٌ، وَالثَّانِي قَبِيحٌ. وَفِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: الحَنّانُ المَنّانُ أَي الَّذِي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام؛ وأَنشد:
إِن الَّذِينَ يَسُوغُ فِي أَحْلاقِهِمْ ... زادٌ يُمَنُّ عليهمُ لَلِئامُ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي شَرْحِ المَنَّانِ، قَالَ: مَعْنَاهُ المُعْطِي ابْتِدَاءً، وَلِلَّهِ المِنَّة عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا مِنَّة لأَحد مِنْهُمْ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْمُنْعِمُ المُعْطي مِنَ المَنِّ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الإِحسان إِلى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ. والمَنّانُ: مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ كالسَّفَّاكِ والوَهّابِ، والمِنِّينى مِنْهُ كالخِصِّيصَى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للقُطاميّ:
وَمَا دَهْري بمِنِّينَى، ولكنْ ... جَزَتْكم، يَا بَني جُشَمَ، الجَوَازي
ومَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً أَي امْتَنَّ عَلَيْهِ. يُقَالُ: المِنَّةُ تَهْدِمُ الصَّنيعة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَحدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا مِنِ ابْنِ أَبي قُحافَةَ
أَي مَا أَحدٌ أَجْوَدَ بِمَالِهِ وَذَاتِ يَدِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى
؛ المَنُّ هَاهُنَا: أَن تَمُنَّ بِمَا أَعطيت وَتَعْتَدَّ بِهِ كأَنك إِنما تَقْصِدُ بِهِ الِاعْتِدَادَ، والأَذى: أَن تُوَبِّخَ المعطَى، فأَعلم اللَّهُ أَن المَنَّ والأَذى يُبْطِلان الصَّدَقَةَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
؛ أَي لَا تُعْطِ شَيْئًا مقدَّراً لتأْخذ بَدَلَهُ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثَلَاثَةٌ يشْنَؤُهُمُ اللَّهُ، مِنْهُمُ الْبَخِيلُ المَنّانُ.
وَقَدْ يَقَعُ المَنَّانُ عَلَى الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّه واعتَدّ بِهِ عَلَى مَنْ أَعطاه، وَهُوَ مَذْمُومٌ، لأَن المِنَّة تُفْسِد الصنيعةَ. والمَنُون مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُزَوَّجُ لِمَالِهَا فَهِيَ أَبداً تَمُنُّ عَلَى زَوْجِهَا. والمَنَّانةُ: كالمَنُونِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: لَا تتزَوَّجَنَّ حَنَّانةً وَلَا مَنَّانةً. الْجَوْهَرِيُّ: المَنُّ كالطَّرَنْجَبينِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.
ابْنُ سِيدَهْ: المَنُّ طَلٌّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ الْعَسَلِ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسرائيل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
؛ قَالَ اللَّيْثُ: المَنُّ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل مِنَ السَّمَاءِ إِذْ هُمْ فِي التِّيه، وَكَانَ كَالْعَسَلِ الحامِسِ حَلَاوَةً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جُمْلَةُ المَنِّ فِي اللُّغَةِ مَا يَمُنُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَا تَعَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ، قَالَ: وأَهل التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ إِن المَنَّ شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ حُلْوٌ يُشرب، وَيُقَالُ: إِنه التَّرَنْجَبينُ، وَقِيلَ فِي
قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكَمْأَةُ مِنَ المَنِ
: إِنما شَبَّهَهَا بالمَنِّ الَّذِي كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل، لأَنه كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ عَفْوًا بِلَا عِلَاجٍ، إِنما يُصْبِحُونَ وَهُوَ بأَفْنِيَتهم فَيَتَنَاوَلُونَهُ، وَكَذَلِكَ الكَمْأَة لَا مؤُونة فِيهَا ببَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ، وَقِيلَ: أَي هِيَ مِمَّا منَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فالمَنُّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، والمَنُّ الِاعْتِدَادُ، والمَنُّ الْعَطَاءُ، والمَنُّ الْقَطْعُ، والمِنَّةُ الْعَطِيَّةُ، والمِنَّةُ الاعتدادُ، والمَنُّ لُغَةٌ فِي المَنَا الَّذِي

(13/418)


يُوزَنُ بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنُّ المَنَا، وَهُوَ رِطْلَانِ، وَالْجَمْعُ أَمْنانٌ، وَجَمْعُ المَنا أَمْناءٌ. ابْنُ سِيدَه: المَنُّ كَيْلٌ أَو مِيزَانٌ، وَالْجَمْعُ أَمْنانٌ. والمُمَنُّ: الَّذِي لَمْ يَدَّعِه أَبٌ والمِنَنَةُ: الْقُنْفُذُ. التَّهْذِيبُ: والمِنَنةُ العَنْكبوت، وَيُقَالُ لَهُ مَنُونةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمَنُّ أَيضاً الفَتْرَةُ؛ قَالَ:
قَدْ يَنْشَطُ الفِتْيانُ بَعْدَ المَنِ
التَّهْذِيبُ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ: مَنْ تَكُونُ اسْمًا، وَتَكُونُ جَحْداً، وَتَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ شرْطاً، وَتَكُونُ مَعْرِفَةً، وَتَكُونُ نَكِرَةً، وَتَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَتَكُونُ خُصُوصًا، وَتَكُونُ للإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ والجِنِّ، وَتَكُونُ لِلْبَهَائِمِ إِذا خَلَطْتَهَا بِغَيْرِهَا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِيمَنْ جَعَلَهَا اسْمًا هَذَا الْبَيْتَ:
فَضَلُوا الأَنامَ، ومَنْ بَرا عُبْدانَهُمْ، ... وبَنَوْا بمَكَّةَ زَمْزَماً وحَطِيما
قَالَ: مَوْضِعُ مَنْ خَفَضَ، لأَنه قَسَمٌ كأَنه قَالَ: فَضَلَ بَنُو هَاشِمٍ سَائِرَ النَّاسِ وَاللَّهُ الَّذِي بَرَأَ عُبْدانَهُم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْكِسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِ مَنْ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتَابِ؛ أَما الِاسْمُ الْمَعْرِفَةُ فَكَقَوْلِكَ: والسماء ومَنْ بَنَاهَا؛ مَعْنَاهُ وَالَّذِي بَنَاهَا، والجَحْدُ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ
؛ الْمَعْنَى لَا يَقْنَطُ. وَالِاسْتِفْهَامُ كَثِيرٌ وَهُوَ كَقَوْلِكَ: مَنْ تَعْني بِمَا تَقُولُ؟ وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
، فَهَذَا شَرْطٌ وَهُوَ عَامٌّ. ومَنْ لِلْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ
؛ وَكَقَوْلِهِ: وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ
. وأَما فِي الْوَاحِدِ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ*
، فوَحَّدَ؛ وَالِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ:
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لَا تَخُونني، ... نَكُنْ مثلَ مَنْ يَا ذِئبُ يَصْطحبانِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: ثنَّى يَصْطَحِبان وَهُوَ فِعْلٌ لمَنْ لأَنه نَوَاهُ ونَفْسَه. وقال فِي جَمْعِ النِّسَاءِ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
. الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ اسْمٌ لِمَنْ يَصْلُحُ أَن يخاطَبَ، وَهُوَ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَهُوَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ؛ قَالَ الأَعشى
لسْنا كمَنْ حَلَّتْ إِيادٍ دارَها ... تَكْريتَ تَنْظُرُ حَبَّها أَن يُحْصَدا
فأَنث فِعْلَ مَنْ لأَنه حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ، قَالَ: وَالْبَيْتُ رَدِيءٌ لأَنه أَبدل مِنْ قَبْلِ أَن يَتِمَّ الِاسْمُ، قَالَ: وَلَهَا أَربعة مَوَاضِعَ: الِاسْتِفْهَامُ نَحْوُ مَنْ عِنْدَكَ؟ وَالْخَبَرُ نَحْوُ رأَيت مَنْ عِنْدَكَ، وَالْجَزَاءُ نَحْوُ مَنْ يكرمْني أُكْرِمْهُ، وَتَكُونُ نَكِرَةً نَحْوَ مَرَرْتُ بمَنْ محسنٍ أَي بإِنسان مُحْسِنٍ؛ قَالَ بَشِيرُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:
وكفَى بِنَا فَضْلًا، عَلَى مَنْ غَيرِنا، ... حُبُّ النَّبِيِّ محمدٍ إِيّانا
خَفَضَ غَيْرَ عَلَى الإِتباع لمَنْ، وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَن تُجْعَلَ مَنْ صِلَةً بإِضمار هُوَ، وَتُحْكَى بِهَا الأَعلام والكُنَى وَالنَّكِرَاتُ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ إِذا قَالَ رأَيت زَيْدًا قُلْتُ مَنْ زَيْدًا، وإِذا قَالَ رأَيت رَجُلًا قُلْتَ مَنَا لأَنه نَكِرَةٌ، وإِن قَالَ جَاءَنِي رَجُلٌ قُلْتُ مَنُو، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قُلْتَ مَنِي، وإِن قَالَ جَاءَنِي رَجُلَانِ قُلْتُ مَنَانْ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ قُلْتُ مَنَينْ، بِتَسْكِينِ النُّونِ فِيهِمَا؛ وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْعِ إِن قَالَ جَاءَنِي رِجَالٌ قُلْتَ مَنُونْ، ومَنِينْ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَلَا يُحْكَى بِهَا غَيْرُ ذَلِكَ، لَوْ قَالَ رأَيت الرَّجُلَ قُلْتُ مَنِ الرجلُ، بِالرَّفْعِ، لأَنه لَيْسَ بِعَلَمٍ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بالأَمير قُلْتُ

(13/419)


مَنِ الأَمِيرُ، وإِن قال رأَيت ابْنَ أَخيك قُلْتُ مَنِ ابنُ أَخيك، بِالرَّفْعِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِن أَدخلت حَرْفَ الْعَطْفِ عَلَى مَنْ رَفَعْتَ لَا غَيْرَ قُلْتُ فمَنْ زيدٌ ومَنْ زيدٌ، وإِن وَصَلْتَ حُذِفَتِ الزِّيَادَاتُ قُلْتَ مَنْ يَا هَذَا، قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الزِّيَادَةُ فِي الشِّعْرِ فِي حَالِ الْوَصْلِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَتَوْا نَارِي فقلتُ: مَنُونَ أَنْتُمْ؟ ... فَقَالُوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
وَتَقُولُ فِي المرأَة: مَنَهْ ومَنْتانْ ومَنَاتْ، كُلُّهُ بِالتَّسْكِينِ، وإِن وصلت قلت مَنَةً يا هَذَا ومناتٍ يَا هَؤُلَاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وإِن وَصَلْتَ قُلْتَ مَنةً يَا هَذَا، بِالتَّنْوِينِ، ومَناتٍ؛ قَالَ: صَوَابُهُ وإِن وَصَلْتَ قُلْتَ مَنْ يَا هَذَا فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وإِن قَالَ: رأَيت رَجُلًا وَحِمَارًا، قُلْتُ مَنْ وأَيَّا، حَذَفْتَ الزِّيَادَةَ مِنَ الأَول لأَنك وَصَلْتَهُ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِحِمَارٍ وَرَجُلٍ قُلْتُ أَيٍّ ومَنِي، فَقِسْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَغَيْرُ أَهل الْحِجَازِ لَا يَرَوْنَ الْحِكَايَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَرْفَعُونَ الْمَعْرِفَةَ بَعْدَ مَنْ، اسْمًا كَانَ أَو كُنْيَةً أَو غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ عَلَى لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ؛ قَالَ: وإِذا جَعَلْتَ مَنْ اسْمًا مُتَمَكِّنًا شَدَدْتَهُ لأَنه عَلَى حَرْفَيْنِ كَقَوْلِ خِطامٍ المُجاشِعيّ:
فرَحلُوها رِحْلَةً فِيهَا رَعَنْ، ... حَتَّى أَنَخْناها إِلى مَنٍّ ومَنْ
أَي أَبْرَكْناها إِلى رَجُلٍ وأَيّ رَجُلٍ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ شأْنه، وإِذا سَمَّيْتَ بمَنْ لَمْ تُشَدِّدْ فَقُلْتَ هَذَا مَنٌ وَمَرَرْتُ بمَنٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِذا سأَلت الرَّجُلَ عَنْ نَسَبِهِ قُلْتَ المَنِّيُّ، وإِن سأَلته عَنْ بَلَدِهِ قُلْتَ الهَنِّيُّ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح:
يَا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا كَمَا يُقَالُ أَعيا هذا الأَمر فلاناً وَفُلَانًا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْظِيمِ أَي أَعيت كلَّ مَنْ جَلَّ قَدْرُه فَحَذَفَ، يَعْنِي أَن ذَلِكَ مِمَّا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ لِعِظَمِهِ كَمَا حَذَفُوهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعْدَ اللَّتَيّا وَالَّتِي، اسْتِعْظَامًا لشأْن الْمَخْلُوقِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا
أَي لَيْسَ عَلَى سِيرَتِنَا وَمَذْهَبِنَا وَالتَّمَسُّكِ بسُنَّتنا، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ أَنا منْك وإِليك، يُرِيدُ الْمُتَابَعَةَ وَالْمُوَافَقَةَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وخَرَقَ وصَلَقَ
، وَقَدْ تَكَرَّرَ أَمثاله فِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَذَهَبُ بَعْضُهُمْ إِلى أَنه أَراد بِهِ النَّفْيَ عَنْ دِينِ الإِسلام، وَلَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَنْ اسْمٌ بِمَعْنَى الَّذِي، وَتَكُونُ لِلشَّرْطِ وَهُوَ اسْمٌ مُغْنٍ عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ الْمُتَنَاهِي فِي البِعادِ والطُّولِ، وَذَلِكَ أَنك إِذا قُلْتَ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ كَفَاكَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلَوْلَا هُوَ لَاحْتَجْتَ أَن تَقُولَ إِن يَقُمْ زَيْدٌ أَو عَمْرٌو أَو جَعْفَرٌ أَو قَاسِمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقِفُ حَسِيرًا مَبْهُورًا ولَمّا تَجِدْ إِلى غَرَضِكَ سَبِيلًا، فإِذا قُلْتَ مَنْ عِنْدَكَ أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ النَّاسِ، وَتَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْمَحْضِ، وَتُثَنَّى وَتُجْمَعُ فِي الْحِكَايَةِ كَقَوْلِكَ: مَنَانْ ومَنُونْ ومَنْتانْ ومَناتْ، فإِذا وَصَلْتَ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ؛ وأَما قَوْلُ شَمِرِ بن الحرث الضَّبِّيِّ:
أَتَوْا نَارِي فقلتُ: مَنُونَ؟ قَالُوا: ... سَرَاةُ الجِنِّ قُلْتُ: عِمُوا ظَلاما
قَالَ: فَمَنْ رَوَاهُ هَكَذَا فإِنه أَجرى الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ، فإِن قُلْتَ فإِنه فِي الْوَقْفِ إِنما يَكُونُ مَنُونْ سَاكِنَ النُّونِ، وأَنت فِي الْبَيْتِ قَدْ حَرَّكْتَهُ، فَهُوَ إِذاً لَيْسَ عَلَى نِيَّةِ الْوَصْلِ وَلَا عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ؟ فَالْجَوَابُ أَنه

(13/420)


لَمَّا أَجراه فِي الْوَصْلِ عَلَى حَدِّهِ فِي الْوَقْفِ فأَثبت الْوَاوَ وَالنُّونَ الْتَقَيَا سَاكِنَيْنِ، فَاضْطَرَّ حِينَئِذٍ إِلى أَن حَرَّكَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لإِقامة الْوَزْنِ، فَهَذِهِ الْحَرَكَةُ إِذاً إِنما هِيَ حَرَكَةٌ مُسْتَحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي الْوَقْفِ، وإِنما اضْطُرَّ إِليها لِلْوَصْلِ؛ قَالَ: فأَما مَنْ رَوَاهُ مَنُونَ أَنتم فأَمره مُشْكَلٌ، وَذَلِكَ أَنه شبَّه مَنْ بأَيٍّ فَقَالَ مَنُونَ أَنتم عَلَى قَوْلِهِ أَيُّونَ أَنتم، وَكَمَا جُعِلَ أَحدهما عَنِ الْآخَرِ هُنَا كَذَلِكَ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي أَن جُرِّدَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا، أَلا تَرَى أَن حِكَايَةَ يُونُسَ عَنْهُمْ ضَرَبَ مَنٌ مَناً كَقَوْلِكَ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا؟ فَنَظِيرُ هَذَا فِي التَّجْرِيدِ لَهُ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ ما أَنشدناه من قول الْآخَرِ:
وأَسْماءُ، مَا أَسْماءُ لَيْلةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فَجَعَلَ أَيّاً اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا التَّعْرِيفُ والتأْنيث منَعَها الصَّرْفَ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ كَانَ تَقْدِيرُهُ مَنُون كَالْقَوْلِ الأَول، ثُمَّ قَالَ أَنتم أَي أَنتم الْمَقْصُودُونَ بِهَذَا الِاسْتِثْبَاتِ، كَقَوْلِ عَدِيٍّ:
أَرَوَاحٌ مَوَدّعٌ أَم بُكورُ ... أَنتَ، فانْظُرْ لأَيِّ حالٍ تصيرُ
إِذا أَردت أَنتَ الهالكُ، وَكَذَلِكَ أَراد لأَي ذيْنِك. وَقَوْلُهُمْ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ رأَيت زَيْدًا المَنِّيُّ يَا هَذَا، فالمَنِّيُّ صِفَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ، وإِنما مَعْنَاهُ الإِضافة إِلى مَنْ، لَا يُخَصُّ بِذَلِكَ قبيلةٌ مَعْرُوفَةٌ كَمَا أَن مَن لَا يَخُصُّ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ تَقُولُ المَنِّيّانِ والمَنِّيُّون والمَنِّيَّة والمَنِّيَّتان والمَنِّيَّات، فإِذا وَصَلْتَ أَفردت عَلَى مَا بَيَّنَهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَتَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب نَحْوَ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ هُوَ وَمَا هُوَ؛ وأَما قَوْلُهُ:
جادَتْ بكَفَّيْ كَانَ مِنْ أَرْمى البَشَرْ
فَقَدْ رُوِيَ مَنْ أَرمى البَشر، بِفَتْحِ مِيمِ مَنْ، أَي بكفَّيْ مَنْ هُوَ أَرْمى البشرِ، وَكَانَ عَلَى هَذَا زَائِدَةً، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لفُرُوده وَشُذُوذِهِ عَمَّا عَلَيْهِ عَقْدُ هَذَا الْمَوْضِعِ، أَلا تَرَاكَ لَا تَقُولُ مَرَرْتُ بوَجْهُه حسنٌ وَلَا نَظَرْتُ إِلى غلامُهُ سعيدٌ؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، وَرِوَايَتُنَا كَانَ مِنْ أَرْمى الْبَشَرْ أَي بكفَّيْ رجلٍ كَانَ. الْفَرَّاءُ: تَكُونُ مِنْ ابتداءَ غَايَةٍ، وَتَكُونُ بَعْضًا، وَتَكُونُ صِلةً؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ
؛ أَي مَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ؛ وَلِدَايَةِ الأَحنف فِيهِ:
وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ برجْلِهِ، ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ
قَالَ: مِنْ صِلةٌ هَاهُنَا، قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ مِنْ على جمع المَحالّ إِلا عَلَى اللَّامِ وَالْبَاءِ، وَتُدْخِلُ مِنْ عَلَى عَنْ وَلَا تُدْخِلُ عَنْ عَلَيْهَا، لأَن عَنِ اسْمٌ وَمِنْ مِنَ الْحُرُوفِ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:
مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نَظْرةٌ قَبَلُ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالْعَرَبُ تضَعُ مِن مَوْضِعَ مُذْ، يُقَالُ: مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي مُذْ سنةٍ؛ قَالَ زُهَيْرٍ:
لِمَنِ الدِّيارُ، بقُنَّةِ الحِجْرِ، ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ؟
أَي مُذْ حِجَجٍ. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي منذُ سَنَةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
؛ قَالَ: وَتَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ
؛ أَي عَلَى الْقَوْمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ نَصَرْتُهُ مِنْ فُلَانٍ أَي مَنَعْتُهُ مِنْهُ

(13/421)


لأَن النَّاصِرَ لَكَ مَانِعٌ عَدُوَّكَ، فَلَمَّا كَانَ نَصَرْتُهُ بِمَعْنَى مَنَعْتُهُ جَازَ أَن يَتَعَدَّى بِمِنْ، وَمِثْلُهُ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، فَعَدَّى الْفِعْلَ بعَنْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى يَخْرُجون عَنْ أَمره، لأَن الْمُخَالَفَةَ خُرُوجٌ عَنِ الطَّاعَةِ، وتكن مِنْ بِمَعْنَى الْبَدَلِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً
؛ مَعْنَاهُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُم، وَتَكُونُ بِمَعْنَى اللَّامِ الزَّائِدَةِ كَقَوْلِهِ:
أَمِنْ آلِ لَيْلَى عَرَفْتَ الدِّيارا
أَراد أَلآلِ ليْلى عَرَفْتَ الدِّيَارَا. ومِنْ، بِالْكَسْرِ: حَرْفٌ خَافِضٌ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الأَماكن، وَذَلِكَ قَوْلُكَ مِنْ مَكَانِ كَذَا وَكَذَا إِلى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجْتُ مِنْ بَغْداد إِلى الْكُوفَةِ، وَتَقُولُ إِذا كَتَبْتَ: مِنْ فلانٍ إِلى فُلَانٍ، فَهَذِهِ الأَسماء الَّتِي هِيَ سِوَى الأَماكن بِمَنْزِلَتِهَا؛ وَتَكُونُ أَيضاً لِلتَّبْعِيضِ، تَقُولُ: هَذَا مِنَ الثَّوْبِ، وَهَذَا الدِّرْهم مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا مِنْهُمْ كأَنك قُلْتَ بَعْضُهُ أَو بَعْضُهُمْ؛ وَتَكُونُ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَن يَقْبَلَ الرجلُ المَهْرَ كُلَّهُ وإِنما قَالَ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مِنْ هُنَا لِلْجِنْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ
، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِاجْتِنَابِ بَعْضِ الأَوثان، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ وَثَنٌ، وكُلُوا الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ مَهْرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
. قَالَ: وَقَدْ تَدْخُلُ فِي موضعٍ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا وَلَكِنَّهَا تَوْكِيدٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إِلا أَنها تَجُرُّ لأَنها حَرْفُ إِضافة، وَذَلِكَ قَوْلُكَ: مَا أَتاني مِنْ رجلٍ، وَمَا رأَيت مِنْ أَحد، لَوْ أَخرجت مِنْ كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا، وَلَكِنَّهُ أُكِّدَ بمِنْ لأَن هَذَا مَوْضِعُ تَبْعِيضٍ، فأَراد أَنه لَمْ يأْته بَعْضُ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ: ويْحَهُ مِنْ رَجُلٍ إِنما أَراد أَن يَجْعَلَ التَّعَجُّبَ مِنْ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ: لِي مِلْؤُهُ مِنْ عَسَل، وَهُوَ أَفضل مِنْ زَيْدٍ، إِنما أَراد أَن يُفَضِّلَهُ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَعُمَّ، وَكَذَلِكَ إِذا قُلْتَ أَخْزَى اللهُ الكاذِبَ مِنِّي ومِنْكَ إِلا أَن هَذَا وقولَكَ أَفضل مِنْكَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مِنْ فِيهِمَا، لأَنها تُوصِلُ الأَمر إِلى مَا بَعْدَهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَدْخُلُ منْ تَوْكِيدًا لَغْواً، قَالَ: قَالَ الأَخفش وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
؛ وَقَالَ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
، إِنما أَدْخلَ مِنْ تَوْكِيدًا كَمَا تَقُولُ رأَيت زَيْدًا نَفْسَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ
، قَالَ: مِنْ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَتْ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ لأَنه لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا بِخِلَافِ وَيْحَهُ مِنْ رجلٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَكُونُ مِنْ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِكَ لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ رجلٍ، فَتَكُونُ مِنْ مُفَسِّرَةً لِلِاسْمِ المَكْنِيِّ فِي قَوْلِكَ دَرُّك وتَرْجَمةً عَنْهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ
؛ فالأُولى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّالِثَةُ لِلْبَيَانِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وأَما قَوْلُكَ رأَيته مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فإِنك جعلتَه غَايَةَ رؤْيتك كَمَا جَعَلْتَهُ غَايَةً حَيْثُ أَردت الِابْتِدَاءَ والمُنْتَهى. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: فإِذا لَقِيَتِ النونُ أَلف الْوَصْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْفِضُ النُّونَ فَيَقُولُ مِنِ الْقَوْمِ ومِنِ ابْنِكَ. وَحُكِيَ عَنْ طَيِءٍ وكَلْبٍ: اطْلُبُوا مِنِ الرَّحْمَنِ، وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ النُّونَ عِنْدَ اللَّامِ وأَلف الْوَصْلِ فَيَقُولُ مِنَ الْقَوْمِ ومِنَ ابْنِكَ، قَالَ: وأُراهم إِنما ذَهَبُوا فِي فَتْحِهَا إِلى الأَصل لأَن أَصلها إِنما هُوَ مِنَا، فَلَمَّا جُعِلَتْ أَداةً حُذِفَتِ الأَلف وَبَقِيَتِ النُّونُ مَفْتُوحَةً، قَالَ: وَهِيَ فِي قُضَاعَةَ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ قُضاعَةَ:

(13/422)


بَذَلْنا مارِنَ الخَطِّيِّ فيهِمْ، ... وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسَامِ
مِنَا أَن ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ حَتَّى ... أَغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظلامِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ الْكِسَائِيُّ أَراد مِنْ، وأَصلُها عِنْدَهُمْ مِنَا، وَاحْتَاجَ إِليها فأَظهرها عَلَى الصِّحَّةِ هُنَا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَن يَكُونَ منَا فِعْلًا مِنْ مَنَى يَمْني إِذا قَدَّرَ كَقَوْلِهِ:
حَتَّى تُلاقي الَّذِي يَمْني لَكَ الْمَانِي
أَي يُقَدِّرُ لَكَ المُقَدِّرُ، فكأَنه تَقْدِيرُ ذَلِكَ الوقتِ وَمُوَازَنَتُهُ أَي مِنْ أَول النَّهَارِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالُوا مِنَ اللَّهِ ومِنَ الرَّسُولِ ومِنَ المؤْمنين فَفَتَحُوا، وشبَّهوها بأَيْنَ وكَيْفَ، يَعْنِي أَنه قَدْ كَانَ حُكْمُهَا أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لَكِنْ فَتَحُوا لِمَا ذُكِرَ، قَالَ: وَزَعَمُوا أَن نَاسًا يَقُولُونَ مِنِ اللهِ فَيَكْسِرُونَهُ ويُجْرُونه عَلَى الْقِيَاسِ، يَعْنِي أَن الأَصل فِي كُلِّ ذَلِكَ أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْعَرَبُ فِي مِنْ إِذا كَانَ بَعْدَهَا أَلف وَصْلٍ غَيْرُ الأَلف وَاللَّامِ، فَكَسَرَهُ قَوْمٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهِيَ أَكثر فِي كَلَامِهِمْ وَهِيَ الْجَيِّدَةُ، وَلَمْ يَكْسِروا فِي أَلف اللَّامِ لأَنها مَعَ أَلف اللَّامِ أَكثر، إِذ الأَلف وَاللَّامُ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ تَدَخُلُ فِي كُلِّ اسْمٍ نَكِرَةٍ، فَفَتَحُوا اسْتِخْفَافًا فَصَارَ مِنِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاذِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ مِنِ ابْنِكَ ومِنِ امْرِئٍ، قَالَ: وَقَدْ فَتَحَ قَوْمٌ فُصَحَاءُ فَقَالُوا مِنَ ابْنكَ فأَجْرَوْها مُجْرى قَوْلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ أَبو إِسحاق: وَيَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ مِنْ مِنْ وعَنْ عِنْدِ الأَلف وَاللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَحَذْفُهَا مِنْ مِنْ أَكثر مِنْ حَذْفِهَا مِنْ عَنْ لأَن دُخُولَ مِن فِي الْكَلَامِ أَكثر مِنْ دُخُولِ عَنْ؛ وأَنشد:
أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مأْلُكَةً ... غَيْر الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِ الكَذِبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَبو دَخْتَنُوس لَقِيطُ بنُ زُرَارَة ودَخْتَنُوسُ بِنْتُهُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ مِنَ الْآنَ ومِ الْآنَ، يَحْذِفُونَ؛ وأَنشد:
أَلا أَبْلغْ بَني عَوْفٍ رَسولًا، ... فَمَا مِ الآنَ فِي الطَّيْرِ اعتذارُ
يَقُولُ لَا أَعتذر بالتَّطَيُّرِ، أَنا أُفارقكم عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَوْلُهُمْ فِي القَسَم: مِنْ رَبِّي مَا فَعَلْتُ، فمنْ حَرْفُ جَرٍّ وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْبَاءِ هاهنا، لأَن حُرُوفَ الْجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إِذا لم يلتبس المعنى.
منجنون: المَنْجَنُونُ: الدُّولَابُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: المَنْجَنُونُ أَداة السَّانِيَةِ الَّتِي تَدُورُ، جَعَلَهَا مُؤَنَّثَةً؛ أَنشد أَبو عَلِيٍّ:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وَقَدْ بانُوني، ... غَرْبانِ فِي مَنْحاةِ مَنْجَنُونِ
وَذَكَرَهُ الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: المَنْجَنونُ بِمَنْزِلَةِ عَرْطَلِيل، يَذْهَبُ إِلى أَنه خُمَاسِيٌّ وأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَنْعَلُولٌ، وأَن النُّونُ لَا تُزَادُ ثَانِيَةً إِلا بثَبَتٍ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: المَنْجَنُون الَّتِي تَدُورُ مُؤَنَّثَةٌ، وَقِيلَ: المَنْجَنُونُ البَكَرَةُ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هِيَ المَحالة يُسْنَى عَلَيْهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى فَعْلَلُول، وَالْمِيمُ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ لِمَا ذُكِرَ فِي مَنْجَنيق لأَنه يُجْمَعُ عَلَى مَناجين؛ وأَنشد الأَصمعي لعُمَارَة بْنِ طَارِقٍ:
اعْجَلْ بغَرْبٍ مِثْلَ غَرْبِ طارِقِ، ... ومَنْجنُونٍ كالأَتانِ الفارِقِ،
مِنْ أَثْل ذاتِ العَرْضِ والمَضَايقِ
وَيُرْوَى: ومَنْجَنِين، وَهُمَا بِمَعْنًى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ

(13/423)


للمُتَلَمِّس فِي تأْنيث المَنْجَنُون:
هَلُمَّ إِليه قَدْ أُبيثَتْ زُرُوعُهُ، ... وعادَتْ عَلَيْهِ المَنْجَنُونُ تَكَدَّسُ
وَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغ:
وإِذا المَنْجَنونُ بِاللَّيْلِ حَنَّتْ، ... حَنَّ قَلْبُ المُتَيَّمِ المَحْزونِ
قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ وَالْمِيمُ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ لِمَا قُلْنَاهُ فِي مَنْجنيق لأَنه يُجْمَعُ عَلَى مَناجين يَحْتَاجُ إِلى بَيَانٍ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جَمْعِ مَضْروب مَضارِيبُ؟ فَلَيْسَ ثَباتُ الْمِيمِ فِي مَضَارِيبِ مِمَّا يُكَوِّنُها أَصلًا فِي مَضْروبٍ، قَالَ: وإِنما اعْتَبَرَ النَّحْوِيُّونَ صِحَّةَ كَوْنِ الْمِيمِ فِيهَا أَصلًا بِقَوْلِهِمْ مَناجين، لأَن مَناجين يَشْهَدُ بِصِحَّةِ كَوْنِ النُّونِ أَصلًا، بِخِلَافِ النُّونِ فِي قَوْلِهِمْ مَنْجَنِيق فإِنها زَائِدَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مَجانيق، وَإِذَا ثَبَتَ أَن النُّونَ فِي مَنْجَنُون أَصل ثَبَتَ أَن الِاسْمَ رُبَاعِيٌّ، وإِذا ثَبَتَ أَنه رُبَاعِيٌّ ثَبَتَ أَن الْمِيمَ أَصل، وَاسْتَحَالَ أَن تدخلَ عَلَيْهِ زَائِدَةً مَنْ أَوَّله، لأَن الأَسماء الرباعيةَ لَا تَدْخُلُهَا الزِّيَادَةُ مِنْ أَوَّلها، إِلا أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْجَارِيَةِ عَلَى أَفعالها نَحْوَ مُدَحْرِج ومُقَرْطِس، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي جَنَنَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَقُّهُ أَن يُذْكَرَ فِي مَنْجَنَ لأَنه رُبَاعِيٌّ، مِيمُهُ أَصلية وَنُونُهُ الَّتِي تَلِي الْمِيمَ، قَالَ: وَوَزْنُهُ فَعْللول مِثْلُ عَضْرَفُوطٍ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ؛ الأَزهري: وأَما قَوْلُ عَمْرِو بْنِ أَحمر:
ثَمِلٌ رَمَتْه المَنْجَنونُ بِسَهْمِهَا، ... ورَمى بسَهمِ جَريمةٍ لَمْ يَصْطَدِ
فإِن أَبا الْفَضْلِ حدَّث أَنه سَمِعَ أَبا سَعِيدٍ يَقُولُ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ أَبو الْفَضْلِ: هُوَ الدُّولاب الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ المَنْجَنِين أَيضاً، وَهِيَ أُنثى، وأَنشد بَيْتَ عُمارة بْنِ طارقٍ، وقد تقدَّم.
مهن: المَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كُلُّهُ: الحِذْق بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ وَنَحْوِهِ، وأَنكر الأَصمعي الْكَسْرَ. وَقَدْ مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عَمِلَ فِي صَنْعَتِهِ. مَهَنَهُم يَمْهَنُهم ويَمْهُنُهم مَهْناً ومَهْنَةً ومِهْنَةً أَي خَدَمَهُمْ. والماهِنُ: الْعَبْدُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْخَادِمُ، والأُنثى ماهِنَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا عَلَى أَحدِكم لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثوبَيْ مَهْنَته
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي بِذْلَته وخِدْمته، وَالرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُكْسَرُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ عِنْدَ الأَثبات خَطَأٌ. قَالَ الأَصمعي: المَهْنة، بِفَتْحِ الْمِيمِ، هِيَ الخِدْمة، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مِهْنة بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَكَانَ القياسُ لَوْ قِيلَ مِثْلَ جِلْسة وخِدْمة، إِلا أَنه جَاءَ عَلَى فَعْلةٍ واحدةٍ. وأَمْهَنْتُه: أَضعفته. ومَهَنَ الإِبلَ يَمْهَنُها مَهْناً ومَهْنةً: حَلَبَهَا عِنْدَ الصَّدَر؛ وأَنشد شَمِرٌ:
فقُلْتُ لماهِنَيَّ: أَلا احْلُباها، ... فَقَامَا يَحلُبانِ ويَمْرِيانِ
وأَمة حَسَنَةُ المِهْنةِ والمَهْنَةِ أَي الْحَلْبِ. وَيُقَالُ: خَرْقاءُ لَا تُحْسِنُ المِهْنَةَ أَي لَا تُحْسِنُ الْخِدْمَةَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: المَهْنَةُ الْخِدْمَةُ. ومَهَنَهُم أَي خَدَمَهُمْ، وأَنكر أَبو زَيْدٍ المِهْنةَ، بِالْكَسْرِ، وفتَح الْمِيمَ. وامْتَهَنْتُ الشَّيْءَ: ابْتَذَلْتُهُ. وَيُقَالُ: هو في مِهْنةِ أَهله، وَهِيَ الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ. قَالَ أَبو عَدْنَانَ: سَمِعْتُ أَبا زَيْدٍ يَقُولُ: هُوَ فِي مَهِنَةِ أَهله، فَتَحَ الْمِيمَ وكسَرَ الْهَاءَ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: المَهْنة بِتَسْكِينِ الْهَاءِ؛ وَقَالَ الأَعشى يَصِفُ فَرَسًا:
فَلأْياً بلأْيٍ حَمَلْنَا الغُلامَ ... كَرْهاً، فأَرْسَلَه فامْتَهَنْ
أَي أَخرج مَا عِنْدَهُ مِنَ العَدْوِ وَابْتَذَلَهُ. وَفِي حَدِيثِ

(13/424)


سَلْمَانَ: أَكره أَن أَجْمعَ عَلَى ماهِنِي مَهْنَتَينِ
؛ الماهِنُ: الْخَادِمُ أَي أَجْمَعَ عَلَى خادِمِي عَمَلَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كالخَبْزِ والطَّحْن مَثَلًا. وَيُقَالُ: امْتَهَنُوني أَي ابْتَذَلُونِي فِي الْخِدْمَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: كَانَ الناسُ مُهّانَ أَنفُسِهم
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
كَانَ النَّاسُ مَهَنَّةَ أَنفسهم
؛ هُمَا جَمْعُ ماهِنٍ ككاتِبٍ وكُتَّابٍ وكَتَبةٍ.
وَقَالَ أَبو مُوسَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: هُوَ مِهَانٌ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفِ
، كَصَائِمٍ وصِيامٍ، ثُمَّ قَالَ:
وَيَجُوزُ مُهَّانَ أَنفسهم
قِيَاسًا. ومَهَنَ الرجلُ مِهْنَتَه ومَهْنَتَه: فَرَغَ مِنْ ضَيْعَتِه. وَكُلُّ عَمَلٍ فِي الضَّيْعَةِ مِهْنةٌ: وامتَهَنه: اسْتَعْمَلَهُ للمِهْنَةِ. وامْتَهَنَ هُوَ: قَبِلَ ذَلِكَ. وامْتهَنَ نفسَه: ابْتَذَلَهَا؛ وأَنشد:
وصاحِبُ الدُّنْيا عُبَيْدٌ مُمْتَهَنْ
أَي مستخدَمٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ المُسَيَّبِ: السَّهْلُ يُوطَأُ ويُمْتَهَنُ
أَي يُدَاسُ وَيُبْتَذَلُ، مِنَ المِهْنةِ الخِدْمة. قَالَ أَبو زَيْدٍ العِتْريفيُّ: إِذا عَجَزَ الرَّجُلُ قُلْنَا هُوَ يَطْلَغُ المِهْنةَ، قَالَ: والطَّلَغانُ أَن يَعْيَا الرَّجُلُ ثُمَّ يعملَ عَلَى الإِعياء، قَالَ: وهو التَّلَغُّبُ. وَقَامَتِ المرأَة بِمَهْنةِ بَيْتِهَا أَي بإِصلاحه، وَكَذَلِكَ الرجل. وما مَهْنَتُك هاهنا ومِهْنَتُكَ ومَهَنَتُكَ ومَهِنَتُكَ أَي عَمَلُكَ. وَالْمَهِينُ مِنَ الرِّجَالِ: الضَّعِيفُ وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا المَهينِ
؛ يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، فَالضَّمُّ مِنَ الإِهانة أَي لَا يُهينُ أَحداً مِنَ النَّاسِ فَتَكُونُ الْمِيمُ زَائِدَةً، وَالْفَتْحُ مِنَ المَهانة الحَقَارة والصُّغْر فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ
؛ قَالَ الفراء: المَهِينُ هاهنا الْفَاجِرُ؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: هُوَ فَعيل مِنَ المَهانةِ وَهِيَ القِلَّة، قَالَ: وَمَعْنَاهُ هاهنا الْقِلَّةُ فِي الرأْي وَالتَّمْيِيزِ. وَرَجُلٌ مَهِينٌ مِنْ قَوْمٍ مُهَناء أَي ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ*
؛ أَي مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ ضَعِيفٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ
؛ وَالْجَمْعُ مُهَناء، وَقَدْ مَهُنَ مَهانةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَهِينُ فِعْلُه مَهُنَ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَالْمَصْدَرُ المَهانةُ. وَفَحْلٌ مَهِينٌ: لَا يُلْقَحُ مِنْ مَائِهِ، يَكُونُ فِي الإِبل وَالْغَنَمِ، والفعل كالفعل.
مون: مانَهُ يَمُونه مَوْناً إِذا احتمل مؤونته وَقَامَ بِكِفَايَتِهِ، فَهُوَ رَجُلٌ مَمُونٌ؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. ومانَ الرجلُ أَهله يَمُونُهُمْ مَوْناً ومَؤُونةً: كَفَاهُمْ وأَنفق عَلَيْهِمْ وَعَالَهُمْ. ومِينَ فلانٌ يُمانُ، فَهُوَ مَمُونٌ، وَالِاسْمُ المائِنةُ والمَوُونة بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى الأَصل، ومن قال مَؤُونٌ قال مَؤُونةٌ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّمَوُّنُ كَثْرَةُ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، والتَّوَمُّنُ كَثْرَةُ الأَولاد. والمانُ: الكَكُّ وَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يُحْرَثُ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه فَارِسِيًّا، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُهُ فَارِسِيٌّ أَيضاً؛ كُلُّهُ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: وأَلِفه وَاوٌ لأَنها عَيْنٌ. ابْنُ الأَعرابي: مانَ إِذا شَقَّ الأَرض لِلزَّرْعِ. وماوانُ وَذُو ماوانَ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ قِيلَ مَاوَانُ مِنَ الْمَاءَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ماوانُ اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَشْرَبنَ مِنْ ماوانَ مَاءً مُرَّا
قَالَ: وَوَزْنُهُ فَاعَالُ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُهْمَزَ، لأَنه كَانَ يَلْزَمُهُ أَن يَكُونَ وَزْنُهُ مَفْعالًا إِن جَعَلْتَ الْمِيمَ زَائِدَةً، أَو فَعْوالًا إِن جَعَلْتَ الْوَاوَ زَائِدَةً، قَالَ: وَكِلَاهُمَا لَيْسَ مِنْ أَوزان كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ المانُ السِّكَّة الَّتِي يُحْرَثُ بها غير مهموزة.
مين: المَيْنُ: الْكَذِبُ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فقَدَّدَتِ الأَدِيمَ لراهِشَيْهِ، ... وأَلْفَى قولَها كَذِبًا ومَيْنا

(13/425)


قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ قَوْلِهِ كَذِبًا وَمَيْنًا قَوْلُ الأَفْوه الأَوْدِيّ:
وَفِينَا للقِرَى نارٌ يُرَى عندها ... للضَّيْفِ رُحْبُ وسَعَه
والرُّحْبُ والسَّعة وَاحِدٌ؛ وَكَقَوْلِ لَبِيدٍ:
فأَصْبِح طاوِياً حَرِصاً خَمِيصاً، ... كنَصْلِ السيفِ حُودِثَ بالصِّقالِ
وَقَالَ المُمزَّقُ العبدِيّ:
وهُنَّ عَلَى الرَّجائز واكِناتٌ، ... طَويلاتُ الذَّوائبِ والقُرونِ
وَالذَّوَائِبُ وَالْقُرُونُ وَاحِدٌ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ: عَبَسَ وَبَسَرَ، وَفِيهِ: لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً، وَفِيهِ: فِجاجاً سُبُلًا، وفيه: غَرابِيبُ سُودٌ، وَقَوْلُهُ: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً؛ وجمعُ المَيْنِ مُيُونٌ. ومانَ يَمينُ مَيْناً: كَذِبَ، فَهُوَ مَائِنٌ أَي كَاذِبٌ. وَرَجُلٌ مَيُونٌ ومَيّانٌ: كذَّاب. ووُدُّ فلانٍ مُتَمايِنٌ، وفلانٌ مُتماينُ الوُدِّ إِذا كَانَ غَيْرَ صَادِقِ الخُلَّةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
رُوَيْدَ عَلِيّاً جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهِمْ ... إِلينا، ولكنْ وُدُّهم مُتَمايِنُ
وَيُرْوَى مُتيامِن أَي مَائِلٌ إِلى اليَمن. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فِي ذَمِّ الدُّنْيَا: فَهِيَ الجامِحَةُ الحَرُونُ والمائنةُ الخَؤُون.
وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
خرَجْتُ مُرابِطاً لَيْلَةً مَحْرَسي إِلى المِيناء
؛ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَأُ فِيهِ السفنُ أَي تُجْمع وتُرْبَطُ؛ قِيلَ: هُوَ مِفْعال مِنَ الوَنْيِ الفُتُورِ لأَن الريحَ يَقِلُّ فِيهِ هُبوبها، وَقَدْ يُقْصَرُ فَيَكُونُ عَلَى مِفْعَل، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
ميسن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: المَيْسُوسَنُ شَرَابٌ، وَهُوَ معرَّب. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: رأَى فِي بَيْتِهِ المَيْسُوسَنَ فَقَالَ أَخْرِجُوه فإِنه رِجْسٌ
؛ هُوَ شَرَابٌ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي شُعُورِهِنَّ، وَهُوَ معرَّب، وَذَكَرَهُ الأَزهري فِي أَسن مِنْ ثُلَاثِي الْمُعْتَلِّ، وَعَادَ أَخرجه في الرباعي.
ميكايين: مِيكايين وَمِيكَايِيلُ: مِنْ أَسماء الملائكة.