لسان العرب الجزء الرابع عشر
وي
باب الواو والياء من المعتل
واي: الأَزهري: يُقَالُ لِلْيَاءِ وَالْوَاوِ والأَلفِ الأَحرفُ
الجُوفُ، وَكَانَ الْخَلِيلُ يسمِّيها الحُروف الضَّعيفةَ الهوائيَّةَ،
وسُمِّيتْ جُوفاً لأَنه لَا أَحْيازَ لَهَا فتُنْسَب إِلى أَحْيازها
كَسَائِرِ الحُروف الَّتِي لَهَا أَحْياز، إِنَّمَا تخرُج مِنْ هَوَاءِ
الجَوف، فسمِّيت مرَّةً جُوفاً وَمَرَّةً هوائيَّة، وسمِّيت ضَعِيفَةً
لِانْتِقَالِهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ عِنْدَ التصرُّف بِاعْتِلَالٍ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جميعُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الأَلف
إِمَّا أَن تَكُونَ مُنْقَلِبَةً مِنْ وَاوٍ مَثْلَ دَعَا، أَو مِنْ
يَاءٍ مِثْلَ رَمَى، وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ الْهَمْزَةِ فَهِيَ
مُبْدَلَةٌ مِنَ الْيَاءِ أَو مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ القَضاء أَصله
قَضايٌ، لأَنه مَنْ قَضَيْت، وَنَحْوَ العَزاء أَصله عَزاوٌ، لأَنه
مِنْ عَزَوْت. قَالَ: وَنَحْنُ نُشِيرُ فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ إِلى
أُصولهما؛ هَذَا تَرْتِيبُ الْجَوْهَرِيِّ فِي صِحَاحِهِ. وأَما ابْنُ
سِيدَهْ وغيرهُ فإِنهم جَعَلُوا المُعْتلَّ عَنِ الْوَاوِ بَابًا،
والمعتلَّ عَنِ الْيَاءِ بَابًا، فَاحْتَاجُوا فِيمَا هُوَ معتلٌّ عَنِ
الْوَاوِ وَالْيَاءِ إِلى أَن ذَكَرُوهُ فِي البابَين، فأَطالوا
وكَرَّروا ويقسَّم الشرحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وأَما الْجَوْهَرِيُّ
فإِنه جَعَلَهُ بَابًا وَاحِدًا؛ وَلَقَدْ سَمِعت بعضَ مَنْ يَتنَقَّص
الجوهريَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: إِنه لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ
بَابًا وَاحِدًا إِلّا لِجَهْلِهِ بِانْقِلَابِ الأَلف عَنِ الْوَاوِ
أَو عَنِ الْيَاءِ، ولقِلَّة عِلْمه بِالتَّصْرِيفِ، ولستُ أَرى
الأَمرَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَتَّبناه نَحْنُ فِي كِتَابِنَا كَمَا
رَتَّبه الْجَوْهَرِيُّ، لأَنه أَجمع لِلْخَاطِرِ وأَوضح لِلنَّاظِرِ،
وَجَعَلْنَاهُ بَابًا وَاحِدًا، وبيَّنَّا فِي كُلِّ تَرْجَمَةٍ عَنِ
الأَلف وَمَا انقلبتْ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وأَما الأَلف
اللَّينة الَّتِي لَيْسَتْ مُتَحَرِّكَةً فَقَدْ أَفرد لَهَا
الْجَوْهَرِيُّ بَابًا بَعْدَ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ
مَبْنِيٌّ عَلَى أَلِفات غَيْرِ مُنْقَلِبات عَنْ شَيْءٍ، فَلِهَذَا
أَفردناه، وَنَحْنُ أَيضاً نذكره بعد ذلك.
فصل الألف
أبي: الإِباءُ، بِالْكَسْرِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ أَبَى فُلَانٌ يَأْبَى،
بِالْفَتْحِ فِيهِمَا مَعَ خُلُوِّهِ مِنْ حُروف الحَلْق، وَهُوَ
شَاذٌّ، أَي امْتَنَعَ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِبِشْرِ بْنِ أَبي
خَازِمٍ:
يَراه الناسُ أَخضَر مِنْ بَعيدٍ، ... وتَمْنعُه المَرارةُ والإِبَاءُ
(14/3)
فَهُوَ آبٍ وأَبيٌّ وأَبَيانٌ،
بِالتَّحْرِيكِ؛ قَالَ أَبو المجشِّر، جَاهِلِيٌّ:
وقَبْلك مَا هابَ الرِّجالُ ظُلامَتِي، ... وفَقَّأْتُ عَيْنَ
الأَشْوَسِ الأَبَيَانِ
أَبَى الشيءَ يَأْبَاه إِباءً وإِباءَةً: كَرِهَه. قَالَ يَعْقُوبُ:
أَبَى يَأْبَى نَادِرٌ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: شبَّهوا الأَلف
بِالْهَمْزَةِ فِي قَرَأَ يَقْرَأُ. وَقَالَ مرَّة: أَبَى يَأْبَى
ضارَعُوا بِهِ حَسِب يَحْسِبُ، فَتَحُوا كَمَا كَسَرُوا، قَالَ:
وَقَالُوا يِئْبَى، وَهُوَ شَاذٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنه
فَعَلَ يَفْعَلُ، وَمَا كَانَ عَلَى فَعَلَ لَمْ يكسَر أَوله فِي
الْمُضَارِعِ، فَكَسَرُوا هَذَا لأَن مُضَارِعَهُ مُشاكِل لِمُضَارِعِ
فَعِلَ، فَكَمَا كُسِرَ أَوّل مُضَارِعِ فَعِلَ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ
إِلَّا فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ كَذَلِكَ كَسَرُوا يَفْعَلُ هُنَا،
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الشُّذُوذِ أَنهم تَجَوَّزُوا الْكَسْرَ
فِي الْيَاءِ مِنْ يِئْبَى، وَلَا يُكْسَر البتَّة إِلا فِي نَحْوِ
يَيْجَلُ، واسْتَجازوا هَذَا الشذوذَ فِي يَاءِ يِئْبَى لأَن
الشُّذُوذَ قَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي:
وَقَدْ قَالُوا أَبَى يَأْبِي؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ:
يَا إِبِلي مَا ذامُهُ فَتَأْبِيَهْ، ... ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ
حَوْلِيَهْ
جَاءَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ كأَتَى يَأْتِي. قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: وَقَدْ كُسِر أَول الْمُضَارِعِ فَقِيلَ تِيبَى؛ وأَنشد:
ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ، ... هَذَا بأَفْواهِك حَتَّى
تِيبِيَهْ
قَالَ الفراء: لم يجئْ عَنِ الْعَرَبِ حَرْف عَلَى فَعَلَ يَفْعَلُ،
مَفْتُوحُ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَالْغَابِرِ، إِلَّا وَثَانِيهِ
أَو ثَالِثُهُ أَحد حُرُوفِ الحَلْق غَيْرَ أَبَى يَأْبَى، فإِنه جَاءَ
نَادِرًا، قَالَ: وَزَادَ أَبو عَمْرٍو رَكَنَ يَرْكَنُ، وَخَالَفَهُ
الْفَرَّاءُ فَقَالَ: إِنما يُقَالُ رَكَنَ يَرْكُنُ ورَكِنَ يَرْكَنُ.
وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ فَعَلَ
يَفْعَلُ مِمَّا لَيْسَ عَيْنُهُ ولامُه مِنْ حُروف الحَلْق إِلا أَبَى
يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجا يَشْجى، وَزَادَ
الْمُبَرِّدُ: جَبَى يَجْبَى، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الأَحرف
أَكثر الْعَرَبِ فِيهَا، إِذا تَنَغَّم، عَلَى قَلا يَقْلِي، وغَشِيَ
يَغْشَى، وشَجَاه يَشْجُوه، وشَجِيَ يَشْجَى، وجَبَا يَجْبِي. وَرَجُلٌ
أَبِيٌّ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ إِذا كَانَ مُمْتَنِعًا. وَرَجُلٌ
أَبَيَانٌ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ. وَيُقَالُ: تَأَبَّى عَلَيْهِ
تَأَبِّياً إِذا امْتَنَعَ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ أَبَّاء إِذا أَبى أَن
يُضامَ. وَيُقَالُ: أَخذه أُباءٌ إِذا كَانَ يَأْبى الطَّعَامَ فَلَا
يَشْتهيه. وَفِي الْحَدِيثِ كلُّكم فِي الْجَنَّةِ إِلا مَنْ أَبَى
وشَرَدَ أَي إِلَّا مَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ الَّتِي يَسْتَوْجِبُ
بِهَا الْجَنَّةَ، لأَن مَنْ تَرَكَ التسبُّب إِلى شَيْءٍ لَا يُوجَدُ
بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَبَاهُ. والإِبَاءُ: أَشدُّ الِامْتِنَاعِ. وَفِي
حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: يَنْزِلُ الْمَهْدِيُّ فَيَبْقَى فِي الأَرض أَربعين،
فَقِيلَ: أَربعين سَنَةً؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: شَهْرًا؟
فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: يَوْمًا؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ
أَي أَبَيْتَ أَن تَعْرِفَهُ فإِنه غَيْب لَمْ يَردِ الخَبرُ ببَيانه،
وإِن رُوِيَ أَبَيْتُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ أَبَيْتُ أَن أَقول فِي
الخبَر مَا لَمْ أَسمعه، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ
العَدْوى والطِّيَرَةِ؛ وأَبَى فُلَانٌ الماءَ وآبَيْتُه الماءَ. قَالَ
ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ الْفَارِسِيُّ أَبَى زَيْدٌ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ
وآبَيْتُه إِبَاءَةً؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
قَدْ أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فهْي صادِيةٌ، ... مَهْما تُصِبْ أُفُقاً
مِنْ بارقٍ تَشِمِ
والآبِيةُ: الَّتِي تَعافُ الْمَاءَ، وَهِيَ أَيضاً الَّتِي لَا
تُرِيدُ العَشاء. وَفِي المَثَل: العاشِيةُ تُهَيِّجُ الآبِيَة أَي
إِذا رأَت الآبيةُ الإِبِلَ العَواشي تَبِعَتْها فَرعَتْ مَعَهَا.
(14/4)
وماءٌ مَأْبَاةٌ: تَأْباهُ الإِبلُ.
وأَخذهُ أُباءٌ مِنَ الطَّعام أَي كَراهِية لَهُ، جَاءُوا بِهِ عَلَى
فُعال لأَنه كالدَّاء، والأَدْواء ممَّا يغلِب عَلَيْهَا فُعال، قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ أَخذه أُبَاءٌ، عَلَى فُعال، إِذا جَعَلَ
يأْبى الطعامَ. ورجلٌ آبٍ مِنْ قومٍ آبِينَ وأُباةٍ وأُبِيٍّ وأُبَّاء،
وَرَجُلٌ أَبِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَبِيِّينَ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَعِ
العَدْوانيُّ:
إِني أَبِيٌّ، أَبِيٌّ ذُو مُحافَظةٍ، ... وابنُ أَبِيٍّ، أَبِيٍّ مِنْ
أَبِيِّينِ
شبَّه نُونَ الْجَمْعِ بِنُونِ الأَصل فَجَرَّها. والأَبِيَّة مِنَ
الإِبل: الَّتِي ضُرِبت فَلَمْ تَلْقَح كأَنها أَبَتِ اللَّقاح.
وأَبَيْتَ اللَّعْنَ: مِنْ تحيَّات المُلوك فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
كَانَتِ الْعَرَبُ يُحَيِّي أَحدُهم المَلِك يَقُولُ أَبَيْتَ
اللَّعْنَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَن: قَالَ لَهُ عبدُ المطَّلب لَمَّا دَخل عَلَيْهِ
أَبَيْتَ اللَّعْن
؛ هَذِهِ مِنْ تَحايا الْمُلُوكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالدُّعَاءِ
لَهُمِ، مَعْنَاهُ أَبَيْتَ أَن تأْتي مِنَ الأُمور مَا تُلْعَنُ
عَلَيْهِ وتُذَمُّ بِسَبَبِهِ. وأَبِيتُ مِنَ الطَّعَامِ واللَّبَنِ
إِبىً: انْتَهيت عَنْهُ مِنْ غَيْرِ شِبَع. وَرَجُلٌ أَبَيانٌ: يأْبى
الطعامَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يأْبى الدَّنِيَّة، وَالْجَمْعُ
إِبْيان؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: آبَى الماءُ «2» . أَي
امتَنَع فَلَا تَسْتَطِيعُ أَن تنزِل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير، وإِن نَزل
فِي الرَّكِيَّة ماتِحٌ فأَسِنَ فَقَدْ غَرَّر بِنَفْسِهِ أَي خاطَرَ
بِهَا. وأُوبِيَ الفَصِيلُ يُوبَى إِيباءً، وَهُوَ فَصِيلٌ مُوبىً إِذا
سَنِقَ لِامْتِلَائِهِ. وأُوبِيَ الفَصِيلُ عَنْ لَبَنِ أُمه أَي
اتَّخَم عَنْهُ لَا يَرْضَعها. وأَبِيَ الفَصِيل أَبىً وأُبِيَ: سَنِقَ
مِنَ اللَّبَن وأَخذه أُباءٌ. أَبو عَمْرٍو: الأَبِيُّ الفاس مِنَ
الإِبل «3» ، والأَبِيُّ المُمْتَنِعةُ مِنَ العَلَف لسَنَقها،
والمُمْتَنِعة مِنَ الفَحل لقلَّة هَدَمِها. والأُباءُ: داءٌ يأْخذ
العَنْزَ والضَّأْنَ فِي رُءُوسِهَا مِنْ أَن تشُمَّ أَبوال الماعِزَةِ
الجَبَليَّة، وَهِيَ الأَرْوَى، أَو تَشْرَبَها أَو تَطأَها فَترِمَ
رُءوسها ويأْخُذَها مِنْ ذَلِكَ صُداع وَلَا يَكاد يَبْرأُ. قَالَ أَبو
حَنِيفَةَ: الأُباءُ عَرَضٌ يَعْرِض للعُشْب مِنْ أَبوال الأَرْوَى،
فإِذا رَعَته المَعَز خاصَّة قَتَلَها، وَكَذَلِكَ إِن بالتْ فِي
الْمَاءِ فشرِبتْ مِنْهُ المَعز هلَكت. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ
أَبِيَ التَّيْسُ وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص، وتَيْس آبَى بَيّن
الأَبَى إِذا شَمَّ بَوْلَ الأَرْوَى فَمَرِضَ مِنْهُ. وَعَنْزُ
أَبْواءٌ فِي تُيوس أُبْوٍ وأَعْنُزٍ أُبْوٍ: وَذَلِكَ أَن يَشُمَّ
التَّيْس مِنَ المِعْزى الأَهليَّة بَوْلَ الأُرْوِيَّة فِي مَواطنها
فيأْخذه مِنْ ذَلِكَ دَاءٌ فِي رأْسه ونُفَّاخ فَيَرِم رَأْسه ويقتُله
الدَّاء، فَلَا يَكَادُ يُقْدَر عَلَى أَكل لَحْمِهِ مِنْ مَرارته،
وربَّما إِيبَتِ الضأْنُ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنه قَلَّما يَكُونُ
ذَلِكَ فِي الضأْن؛ وَقَالَ ابْنُ أَحْمر لراعي غنم له أَصابها
الأُبَاء:
فقلتُ لِكَنَّازٍ: تَدَكَّلْ فإِنه ... أُبىً، لَا أَظنُّ الضأْنَ
مِنْهُ نَواجِيا
فَما لَكِ مِنْ أَرْوَى تَعادَيْتِ بِالعَمَى، ... ولاقَيْتِ كَلَّاباً
مُطِلًّا ورامِيا
لَا أَظنُّ الضأْن مِنْهُ نَواجِيا أَي مِنْ شدَّته، وَذَلِكَ أَن
الضَّأْن لَا يضرُّها الأُبَاء أَن يَقْتُلَها. تَيْسٌ أَبٍ وآبَى
وعَنْزٌ أَبِيَةٌ وأَبْوَاء، وَقَدْ أَبِيَ أَبىً. أَبو زِيَادٍ
الْكِلَابِيُّ والأَحمر: قَدْ أَخذ الْغَنَمَ الأُبَى، مَقْصُورٌ،
وَهُوَ أَن تشرَب أَبوال الأَرْوَى فَيُصِيبُهَا مِنْهُ دَاءٌ؛ قَالَ
أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ تشرَب أَبوال الأَرْوَى خَطَأٌ، إِنما هُوَ
تَشُمّ كَمَا قُلْنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ. أَبو
الْهَيْثَمِ: إِذا شَمَّت
__________
(2) . قوله [آبَى الماء إلى قوله خاطر بها] كذا في الأَصل وشرح القاموس
(3) . قوله [الأَبي الفاس من الإِبل] هكذا في الأَصل بهذه الصورة
(14/5)
الماعِزة السُّهْلِيَّة بَوْلَ الماعِزة
الجَبَلِيَّة، وَهِيَ الأُرْوِيَّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تَكَادُ
تَبْرأُ، فَيُقَالُ: قَدْ أَبِيَتْ تَأْبَى أَبىً. وفصيلٌ مُوبىً:
وَهُوَ الَّذِي يَسْنَق حَتَّى لَا يَرْضَع، والدَّقَى البَشَمُ مِنْ
كَثْرَةِ الرَّضْع «1» ... أُخِذَ البعيرُ أَخَذاً وَهُوَ كَهَيْئَةِ
الجُنون، وَكَذَلِكَ الشاةُ تَأْخَذُ أَخَذاً. والأَبَى: مِنْ قَوْلِكَ
أَخذه أُبىً إِذا أَبِيَ أَن يأْكل الطَّعَامَ، كَذَلِكَ لَا يَشتهي
العَلَف وَلَا يَتَناولُه. والأَبَاءَةُ: البَرديَّة، وَقِيلَ:
الأَجَمَة، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الحَلْفاء خاصَّة. قَالَ ابْنُ جِنِّي:
كَانَ أَبو بَكْرٍ يشتقُّ الأَباءَةَ مِنْ أَبَيْت، وَذَلِكَ أَن
الأَجمة تَمْتَنع وتَأْبَى عَلَى سالِكها، فأَصْلُها عِنْدَهُ
أَبَايَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا مَا عُمِل فِي عَبايَة وصلايَةٍ
وعَظايةٍ حَتَّى صِرْن عَباءةً وصَلاءةً، فِي قَوْلِ مَنْ هَمَزَ،
وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجهنَّ عَلَى أُصولهنَّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ
الْقَوِيُّ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَكَمَا قِيلَ لَهَا أَجَمَة مِنْ
قَوْلِهِمْ أَجِم الطعامَ كَرِهَه. والأَبَاءُ، بِالْفَتْحِ
وَالْمَدِّ: القَصَب، وَيُقَالُ: هُوَ أَجَمةُ الحَلْفاءِ والقَصَب
خاصَّة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاريّ يَوْمَ حَفْرِ
الخَنْدَق:
مَنْ سَرَّه ضَرْبٌ يُرَعْبِلُ بعضُه بَعْضًا، ... كَمَعْمَعَةِ
الأَباءِ المُحْرَقِ،
فَلْيأْتِ مأْسَدةً تُسَنُّ سُيوفُها، ... بَيْنَ المَذادِ، وَبَيْنَ
جَزْعِ الخَنْدَقِ «2»
. وَاحِدَتُهُ أَبَاءَةٌ. والأَبَاءَةُ: القِطْعة مِنَ القَصب.
وقَلِيبٌ لَا يُؤْبَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي لَا يُنْزَح، وَلَا
يُقَالُ يُوبَى. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ فلانٌ بَحْر لَا يُؤْبَى،
وَكَذَلِكَ كَلأٌ لَا يُؤْبَى أَي لَا ينْقَطِع مِنْ كَثْرَتِهِ؛
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ماءٌ مُؤْبٍ قَلِيلٌ، وَحُكِيَ: عِنْدَنَا
مَاءٌ مَا يُؤْبَى أَي مَا يَقِلُّ. وَقَالَ مرَّة: مَاءٌ مُؤْبٍ،
وَلَمْ يفسِّره؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلَا أَدْرِي أَعَنَى بِهِ
الْقَلِيلَ أَم هُوَ مُفْعَلٌ مِنْ قَوْلِكَ أَبَيْتُ الْمَاءَ.
التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ لِلْمَاءِ إِذا انْقَطَعَ مَاءٌ
مُؤْبىً، وَيُقَالُ: عِنْدَهُ دَراهِمُ لَا تُؤْبَى أَي لَا تَنْقَطع.
أَبو عَمْرٍو: آبَى أَي نَقَص؛ رَوَاهُ عَنِ المفضَّل؛ وأَنشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلِي، ولكِنْ وزَعْتُها، ... تُسَرّ بِهَا يَوْمًا
فآبَى قَتالُها
قَالَ: نَقَص، وَرَوَاهُ أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي: فأَبَّى قَتالُها.
والأَبُ: أَصله أَبَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ آباءٌ مِثْلَ
قَفاً وأَقفاء، ورَحىً وأَرْحاء، فَالذَّاهِبُ مِنْهُ واوٌ لأَنك
تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَبَوَانِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ
أَبَانِ عَلَى النَّقْص، وَفِي الإِضافة أَبَيْكَ، وإِذا جُمِعَتْ
بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قُلْتَ أَبُونَ، وَكَذَلِكَ أَخُونَ وحَمُون
وهَنُونَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا تَعَرَّفْنَ أَصْواتَنا، ... بَكَيْن وفَدَّيْنَنا بالأَبِينا
قَالَ: وَعَلَى هَذَا قرأَ بَعْضُهُمْ: إلَه أَبِيكَ إِبراهيمَ
وإِسماعيلَ وإِسحَاق؛ يريدُ جَمْعَ أَبٍ أَي أَبِينَكَ، فَحَذَفَ
النُّونَ للإِضافة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبانِ
فِي تَثْنِيَةِ أَبٍ قَوْلُ تُكْتَمَ بِنْتِ الغَوْثِ:
باعَدَني عَنْ شَتْمِكُمْ أَبانِ، ... عَنْ كُلِّ مَا عَيْبٍ
مُهَذَّبانِ
وَقَالَ آخر:
__________
(1) . هكذا بياض في الأَصل بمقدار كلمة
(2) . قوله [تسن] كذا في الأَصل، والذي في معجم ياقوت: تسل
(14/6)
فلَمْ أَذْمُمْكَ فَا حَمِرٍ لأَني ...
رَأَيتُ أَبَيْكَ لمْ يَزِنا زِبالا
وَقَالَتِ الشَّنْباءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عُمارةَ:
نِيطَ بِحِقْوَيْ ماجِدِ الأَبَيْنِ، ... مِنْ مَعْشَرٍ صِيغُوا مِنَ
اللُّجَيْنِ
وَقَالَ الفَرَزْدق:
يَا خَلِيلَيَّ اسْقِياني ... أَرْبَعاً بَعْدَ اثْنَتَيْنِ
مِنْ شَرابٍ، كَدَم الجَوفِ ... يُحِرُّ الكُلْيَتَيْنِ
واصْرِفا الكأْسَ عن الجاهِلِ، ... يَحْيى بنِ حُضَيْنِ
لَا يَذُوق اليَوْمَ كأْساً، ... أَو يُفَدَّى بالأَبَيْنِ
قَالَ: وَشَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبُونَ فِي الْجَمْعِ قَوْلُ ناهِضٍ
الْكِلَابِيِّ:
أَغَرّ يُفَرِّج الظَّلْماء عَنْهُ، ... يُفَدَّى بالأَعُمِّ
وبالأَبِينَا
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
كَرِيم طابتِ الأَعْراقُ مِنْهُ، ... يُفَدَّى بالأَعُمِّ وبالأَبِينَا
وَقَالَ غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفيّ:
يَدَعْنَ نِساءكم فِي الدارِ نُوحاً ... يُنَدِّمْنَ البُعولَةَ
والأَبِينا
وَقَالَ آخَرُ:
أَبُونَ ثلاثةٌ هَلَكُوا جَمِيعاً، ... فَلَا تَسْأَمْ دُمُوعُكَ أَن
تُراقا
والأَبَوَانِ: الأَبُ والأُمُّ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَبُ الْوَالِدُ،
وَالْجَمْعُ أَبُونَ وآباءٌ وأُبُوٌّ وأُبُوَّةٌ؛ عَنِ
اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد للقَنانيِّ يَمْدَحُ الْكِسَائِيَّ:
أَبى الذَّمُّ أَخْلاقَ الكِسائيِّ، وانْتَمى ... لَهُ الذِّرْوة
العُلْيا الأُبُوُّ السَّوابِقُ
والأَبَا: لُغَةٌ فِي الأَبِ، وُفِّرَتْ حُروفُه وَلَمْ تحذَف لامُه
كَمَا حُذِفَتْ فِي الأَب. يُقَالُ: هَذَا أَباً ورأَيت أَباً
وَمَرَرْتُ بِأَباً، كَمَا تَقُولُ: هَذَا قَفاً ورأَيت قَفاً
وَمَرَرْتُ بقَفاً، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمد
بْنِ يَحْيَى قَالَ: يُقَالُ هَذَا أَبوك وَهَذَا أَباك وَهَذَا
أَبُكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سِوَى أَبِكَ الأَدْنى، وأَنَّ محمَّداً ... عَلا كلَّ عالٍ، يَا ابنَ
عَمِّ محمَّدِ
فَمَنْ قَالَ هَذَا أَبُوك أَو أَباكَ فتثنيتُه أَبَوان، ومَنْ قَالَ
هَذَا أَبُكَ فَتَثْنِيَتُهُ أَبانِ عَلَى اللَّفْظِ، وأَبَوان عَلَى
الأَصل. وَيُقَالُ: هُما أَبَوَاه لأَبيه وأُمِّه، وَجَائِزٌ فِي
الشِّعْرِ: هُما أَباهُ، وَكَذَلِكَ رأَيت أَبَيْهِ، وَاللُّغَةُ
الْعَالِيَةُ رأَيت أَبَوَيه. قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُجْمَعَ الأَبُ
بالنُّونِ فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ أَبُونَكُمْ أَي آبَاؤُكُمِ، وَهُمُ
الأَبُونَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْكَلَامُ الجيِّد فِي جَمْعِ
الأَبِ هَؤُلَاءِ الآباءُ، بِالْمَدِّ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَقُولُ:
أُبُوَّتُنا أَكرم الْآبَاءِ، يَجْمَعُونَ الأَب عَلَى فُعولةٍ كَمَا
يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُمُومَتُنا وخُئولَتُنا؛ قَالَ الشَّاعِرُ
فِيمَنْ جَمَعَ الأَبَ أَبِين:
أَقْبَلَ يَهْوي مِنْ دُوَيْن الطِّرْبالْ، ... وهْوَ يُفَدَّى
بالأَبِينَ والخالْ
وَفِي حَدِيثِ
الأَعرابي الَّذِي جَاءَ يَسأَل عَنْ شَرَائِعِ الإِسْلام: فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَفْلَح وأَبيه إِن
صدَق
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ
(14/7)
جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسُن الْعَرَبِ
تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطابها وتُريد بِهَا التأْكيد، وَقَدْ
نَهَى النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن يحلِف الرجلُ
بأَبيهِ فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ هَذَا القولُ قَبْلَ النَّهْيِ،
وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ جَرى مِنْهُ عَلَى عَادَةِ الْكَلَامِ
الْجَارِي عَلَى الأَلْسُن، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ القَسَم كَالْيَمِينِ
المعفوِّ عَنْهَا مِنْ قَبيل اللَّغْوِ، أَو أَراد بِهِ توكيدَ
الْكَلَامِ لَا الْيَمِينَ، فإِن هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَجري فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ عَلَى ضَرْبَيْن: التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بالقَسَم
المنهِيِّ عَنْهُ، وَالتَّوْكِيدِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُ أَبِي الواشِينَ، لَا عَمْرُ غيرهِمْ، ... لَقَدْ كَلَّفَتْني
خُطَّةً لَا أُريدُها
فَهَذَا تَوْكيد لَا قَسَم لأَنه لَا يَقْصِد أَن يَحْلِف بأَبي
الْوَاشِينَ، وَهُوَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو
عَلِيٍّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ:
تَقُولُ ابْنَتي لمَّا رَأَتْني شَاحِبًا: ... كأَنَّك فِينا يَا
أَباتَ غَرِيبُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَهَذَا تأْنيثُ الآبَاء، وسَمَّى اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ العَمَّ أَباً فِي قَوْلِهِ: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ
آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. وأَبَوْتَ وأَبَيْتَ:
صِرْتَ أَباً. وأَبَوْتُه إِبَاوَةً: صِرْتُ لَهُ أَباً؛ قَالَ
بَخْدَج:
اطْلُب أَبا نَخْلَة مَنْ يأْبُوكا، ... فَقَدْ سَأَلنا عَنْكَ مَنْ
يَعْزُوكا
إِلَى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا
التَّهْذِيبُ: ابْنُ السِّكِّيتِ أَبَوْتُ الرجُلَ أَأْبُوه إِذا كنتَ
لَهُ أَباً. وَيُقَالُ: مَا لَهُ أَبٌ يَأْبُوه أَي يَغْذوه
ويُرَبِّيه، والنِّسْبةُ إِليه أَبَوِيّ. أَبو عُبَيْدٍ: تَأَبَّيْت
أَباً أَي تَخذْتُ أَباً وتَأَمَّيْت أُمَّة وتَعَمَّمْت عَمّاً. ابْنُ
الأَعرابي: فُلَانٌ يَأْبُوك أَي يَكُونُ لَكَ أَباً؛ وأَنشد لِشَرِيكِ
بْنِ حَيَّان العَنْبَري يَهْجو أَبا نُخَيلة:
يَا أَيُّهَذا المدَّعي شَرِيكًا، ... بَيِّنْ لَنا وحَلِّ عَنْ
أَبِيكا
إِذا انْتَفى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا، ... وَقَدْ سَأَلْنا عَنْكَ مَنْ
يَعْزُوكا
إِلى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا، ... فاطْلُب أَبا نَخْلة مَنْ
يَأْبُوكا،
وادَّعِ فِي فَصِيلَةٍ تُؤْوِيكا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُحْمَل بَيْتُ
الشَّرِيفِ الرَّضِيِّ:
تُزْهى عَلى مَلِك النِّساءِ، ... فلَيْتَ شِعْري مَنْ أَباها؟
أَي مَن كَانَ أَباها. قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ أَبَوَيْها فَبناه
عَلَى لُغَة مَنْ يَقُولُ أَبانِ وأَبُونَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلان
يَأْبُو هَذَا اليَتِيمَ إِباوةً أَي يَغْذُوه كَمَا يَغْذُو الوالدُ
ولَده. وبَيْني وَبَيْنَ فُلَانٍ أُبُوَّة، والأُبُوَّة أَيضاً:
الآباءُ مثل العُمومةِ والخُئولةِ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَرْوِي قِيلَ
أَبي ذُؤَيْبٍ:
لَوْ كانَ مِدْحَةُ حَيٍّ أَنْشَرَتْ أَحَداً، ... أَحْيا أُبُوَّتَكَ
الشُّمَّ الأَماديحُ
وَغَيْرُهُ يَرْويه:
أَحْيا أَبَاكُنَّ يَا لَيْلَى الأَماديحُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
وأَنْبُشُ مِن تحتِ القُبُورِ أُبُوَّةً ... كِراماً، هُمُ شَدُّوا
عَليَّ التَّمائما
قَالَ وَقَالَ الكُمَيت:
(14/8)
نُعَلِّمُهُمْ بِهَا مَا عَلَّمَتْنا ...
أُبُوَّتُنا جَواري، أَوْ صُفُونا «1»
. وتَأَبَّاه: اتَّخَذه أَباً، وَالِاسْمُ الأُبُوَّة؛ وأَنشد ابْنُ
بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
أَيُوعِدُني الحجَّاج، والحَزْنُ بينَنا، ... وقَبْلَك لَمْ يَسْطِعْ
لِيَ القَتْلَ مُصْعَبُ
تَهَدَّدْ رُوَيْداً، لَا أَرى لَكَ طاعَةً، ... وَلَا أَنت ممَّا
سَاءَ وَجْهَك مُعْتَبُ
فإِنَّكُمُ والمُلْك، يا أَهْلَ أَيْلَةٍ، ... لَكالمُتأَبِّي، وهْو
لَيْسَ لَهُ أَبُ
وَمَا كنتَ أَباً وَلَقَدْ أَبَوْتَ أُبُوَّةً، وَقِيلَ: مَا كنتَ
أَباً وَلَقَدْ أَبَيْتَ، وَمَا كنتِ أُمّاً وَلَقَدْ أَمِمْتِ
أُمُومةً، وَمَا كنتَ أَخاً وَلَقَدْ أَخَيْتَ وَلَقَدْ أَخَوْتَ،
وَمَا كنتِ أُمَّةً وَلَقَدْ أَمَوْتِ. وَيُقَالُ: اسْتَئِبَّ أَبّاً
واسْتأْبِبْ أَبّاً وتَأَبَّ أَبّاً واسْتَئِمَّ أُمّاً واسْتأْمِمْ
أُمّاً وتأَمَّمْ أُمّاً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإِنما شدِّد الأَبُ
والفعلُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصل غيرُ مشدَّد، لأَن الأَبَ أَصله
أَبَوٌ، فَزَادُوا بَدَلَ الْوَاوِ بَاءً كَمَا قَالُوا قِنٌّ
لِلْعَبْدِ، وأَصله قِنْيٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ قَالَ لليَدِ يَدّ،
فشدَّد الدَّالَ لأَن أَصله يَدْيٌ. وَفِي حَدِيثِ
أُم عَطِيَّةَ: كَانَتْ إِذا ذكَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ بِأَبَاهُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصله بِأَبِي هُوَ. يُقَالُ: بَأْبَأْتُ
الصَّبيَّ إِذا قلتَ لَهُ بأَبِي أَنت وأُمِّي، فَلَمَّا سُكِّنَتِ
الْيَاءُ قُلِبَتْ أَلفاً كَمَا قِيلَ فِي يَا وَيْلتي يَا وَيْلَتَا،
وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَيْنَ
الْبَاءَيْنِ، وَبِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً مَفْتُوحَةً، وبإِبدال
الْيَاءِ الأَخيرة أَلفاً، وَهِيَ هَذِهِ وَالْبَاءُ الأُولى فِي بأَبي
أَنت وأُمِّي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، قِيلَ: هُوَ اسْمٌ فَيَكُونُ
مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا تَقْدِيرُهُ أَنت مَفْدِيٌّ بأَبي وأُمِّي،
وَقِيلَ: هُوَ فِعْلٌ وَمَا بَعْدَهُ مَنْصُوبٌ أَي فَدَيْتُك بأَبي
وأُمِّي، وَحُذِفَ هَذَا المقدَّر تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ
الِاسْتِعْمَالِ وعِلْم المُخاطب بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ
يَا أَبَةِ افعلْ، يَجْعَلُونَ علامةَ التأْنيث عِوَضاً مِنْ يَاءِ
الإِضافة، كَقَوْلِهِمْ فِي الأُمِّ يَا أُمَّةِ، وتقِف عَلَيْهَا
بِالْهَاءِ إِلا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فإِنك تَقِفُ عَلَيْهَا
بِالتَّاءِ «2» . اتِّباعاً لِلْكِتَابِ، وَقَدْ يَقِفُ بعضُ الْعَرَبِ
عَلَى هَاءِ التأْنيث بِالتَّاءِ فَيَقُولُونَ: يَا طَلْحَتْ، وإِنما
لَمْ تسْقُط التَّاءُ فِي الوصْل مِنَ الأَب، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ يَا
أَبَةِ افْعَل، وسَقَطتْ مِنَ الأُمِّ إِذا قلتَ يَا أُمَّ أَقْبِلي،
لأَن الأَبَ لمَّا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَانَ كأَنه قَدْ أُخِلَّ
بِهِ، فَصَارَتِ الهاءُ لَازِمَةً وَصَارَتِ الياءُ كأَنها بَعْدَهَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أُمّ مُنادَى مُرَخَّم، حُذِفَتْ مِنْهُ
التَّاءُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُضَافٌ رُخِّم فِي
النِّداء غَيْرَ أُمّ، كَمَا أَنه لَمْ يُرَخَّم نَكِرَةً غَيْرَ صاحِب
فِي قَوْلِهِمْ يَا صاحِ، وَقَالُوا فِي النِّدَاءِ يَا أَبةِ،
ولَزِموا الحَذْف والعِوَض، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الخليلَ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قَوْلِهِمْ يا أَبَةَ ويا أَبَةِ لَا تفعَل
وَيَا أَبَتاه وَيَا أُمَّتاه، فَزَعَمَ أَن هَذِهِ الْهَاءَ مثلُ
الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ، قَالَ: ويدلُّك عَلَى أَن الْهَاءَ
بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ أَنك تَقُولُ فِي الوَقْف يَا
أَبَهْ، كَمَا تَقُولُ يَا خالَهْ، وَتَقُولُ يَا أَبتاهْ كَمَا
تَقُولُ يَا خالَتاهْ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُلْزِمُونَ هَذِهِ الْهَاءَ
فِي النِّداء إِذا أَضَفْت إِلى نفسِك خاصَّة، كأَنهم جَعَلُوهَا
عوَضاً مِنْ حَذْفِ الْيَاءِ، قَالَ: وأَرادوا أَن لَا يُخِلُّوا
بِالِاسْمِ حِينَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَذْفُ النِّداء، وأَنهم لَا يَكادون
يَقُولُونَ يَا أَباهُ، وَصَارَ هَذَا مُحْتَملًا عندهم
__________
(1) . قوله [جواري أو صفونا] هكذا في الأَصل هنا بالجيم، وفي مادة صفن
بالحاء
(2) . قوله [تقف عليها بالتاء] عبارة الخطيب: وأما الوقف فوقف ابن كثير
وابن عامر بالهاء والباقون بالتاء
(14/9)
لِمَا دخَل النِّداءَ مِنَ الْحَذْفِ
والتغييرِ، فأَرادوا أَن يُعَوِّضوا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ كَمَا
يَقُولُونَ أَيْنُق، لمَّا حَذَفُوا الْعَيْنَ جَعَلُوا الْيَاءَ
عِوَضاً، فَلَمَّا أَلحقوا الْهَاءَ صيَّروها بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ
الَّتِي تلزَم الِاسْمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاخْتُصَّ النِّدَاءُ
بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا اختصَّ بيا أَيُّها
الرَّجُلُ. وَذَهَبَ أَبو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ فِي قِرَاءَةِ مَنْ
قرأَ يَا أَبَةَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، إِلى أَنه أَراد يَا أَبَتَاه
فَحَذَفَ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
تقولُ ابْنَتي لمَّا رأَتْ وَشْكَ رِحْلَتي: ... كأَنك فِينا، يَا
أَباتَ، غَريبُ
أَراد: يَا أَبَتَاه، فقدَّم الأَلف وأَخَّر التَّاءَ، وَهُوَ تأْنيث
الأَبا، ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ؛ وَقَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ أَنه ردَّ لامَ الْكَلِمَةِ إِليها لِضَرُورَةِ
الشِّعْرِ كَمَا ردَّ الْآخَرُ لامَ دَمٍ فِي قَوْلِهِ:
فإِذا هِيَ بِعِظامٍ ودَمَا
وَكَمَا ردَّ الْآخَرُ إِلى يَدٍ لامَها فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:
إِلَّا ذِراعَ البَكْرِ أَو كفَّ اليَدَا
وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فقامَ أَبُو ضَيْفٍ كَرِيمٌ، كأَنه، ... وَقَدْ جَدَّ مِنْ حُسْنِ
الفُكاهة، مازِحُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: إِنما قَالَ أَبو ضَيْف لأَنه يَقْرِي الضِّيفان؛
وَقَالَ العُجَير السَّلُولي:
تَرَكْنا أَبا الأَضْياف فِي لَيْلَةِ الصَّبا ... بمَرْوٍ، ومَرْدَى
كُلُّ خَصْمٍ يُجادِلُهْ
وَقَدْ يَقْلِبُونَ الْيَاءَ أَلِفاً؛ قَالَتْ دُرْنَى بِنْتُ سَيَّار
بْنِ ضَبْرة تَرْثي أَخَوَيْها، وَيُقَالُ هُوَ لعَمْرة
الخُثَيْمِيَّة:
هُما أَخَوا فِي الحَرْب مَنْ لَا أَخا لَهُ، ... إِذا خافَ يَوْمًا
نَبْوَةً فدَعاهُما
وَقَدْ زَعَمُوا أَنِّي جَزِعْت عَلَيْهِمَا؛ ... وَهَلْ جَزَعٌ إِن
قلتُ وا بِأَبا هُما؟
تريد: وا بأَبي هُما. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى وابِيَبا هُما،
عَلَى إِبدال الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا،
وَمَوْضِعُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ رَفْعٌ عَلَى خبر هُما؛ قَالَ
ويدلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ
قَالَ أَبو عَلِيٍّ: الْيَاءُ فِي بِيَب مُبْدَلة مِنْ هَمزة بَدَلًا
لَازِمًا، قَالَ: وَحَكَى أَبو زَيْدٍ بَيَّبْتُ الرجلَ إِذا قُلْتَ
لَهُ بِأَبي، فَهَذَا مِنَ البِيَبِ، قَالَ: وأَنشده ابْنُ السِّكِّيتِ
يَا بِيَبا؛ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِيُوَافِقَ لفظُه لفظَ البِيَبِ
لأَنه مُشْتَقٌّ مِنْهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو الْعَلَاءِ فِيمَا
حَكَاهُ عَنْهُ التِّبْرِيزي: وَيَا فَوْقَ البِئَبْ، بِالْهَمْزِ،
قَالَ: وَهُوَ مركَّب مِنْ قَوْلِهِمْ بأَبي، فأَبقى الْهَمْزَةَ
لِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ
البِيَب أَن يَقُولَ يَا بِيَبا، بِالْيَاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَهَذَا
الْبَيْتُ أَنشده الْجَاحِظُ مَعَ أَبيات فِي كِتَابِ الْبَيَانِ
والتَّبْيين لِآدَمَ مَوْلَى بَلْعَنْبَر يَقُولُهُ لابنٍ لَهُ؛
وَهِيَ:
يَا بِأَبي أَنتَ، وَيَا فَوق البِيَبْ، ... يَا بأَبي خُصْياك مِنْ
خُصىً وزُبّ
أَنت المُحَبُّ، وَكَذَا فِعْل المُحِبّ، ... جَنَّبَكَ اللهُ
مَعارِيضَ الوَصَبْ
حَتَّى تُفِيدَ وتُداوِي ذَا الجَرَبْ، ... وَذَا الجُنونِ مِنْ سُعالٍ
وكَلَبْ
بالجَدْب حَتَّى يَسْتَقِيمَ فِي الحَدَبْ، ... وتَحْمِلَ الشاعِرَ فِي
الْيَوْمِ العَصِبْ
عَلَى نَهابيرَ كَثيراتِ التَّعَبْ، ... وإِن أَراد جَدِلًا صَعْبٌ
أَرِبْ
الأَرِبُ: العاقِلُ.
(14/10)
خُصومةً تَنْقُبُ أَوساطَ الرُّكَبْ
لأَنهم كَانُوا إِذا تخاصَموا جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ.
أَطْلَعْتَه مِنْ رَتَبٍ إِلى رَتَبْ، ... حَتَّى تَرَى الأَبصار
أَمثال الشُّهُبْ
يَرمي بِهَا أَشْوَسُ مِلحاحٌ كَلِبْ، ... مُجَرَّب الشَّكَّاتِ
مَيْمُونٌ مِذَبّ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ:
يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ
قَالَ: جَعَلُوا الْكَلِمَتَيْنِ كَالْوَاحِدَةِ لِكَثْرَتِهَا فِي
الْكَلَامِ، وَقَالَ: يا أَبةِ ويا أَبةَ لُغَتَانِ، فَمن نصَب أَراد
النُّدْبة فَحَذَفَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا
يُدْرى لَهُ مَن أَبٌ وَمَا أَبٌ أَي لَا يُدْرى مَن أَبوه وَمَا
أَبوه. وَقَالُوا: لابَ لَكَ يُرِيدُونَ لَا أَبَ لَكَ، فَحَذَفُوا
الْهَمْزَةَ البتَّة، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: وَيْلُمِّه، يُرِيدُونَ
وَيْلَ أُمِّه. وَقَالُوا: لَا أَبا لَك؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: فِيهِ
تَقْدِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ
أَن ثَبَاتَ الأَلف فِي أَبا مِنْ لَا أَبا لَك دَلِيلُ الإِضافة،
فَهَذَا وَجْهٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَن ثَبَاتَ اللَّامِ وعمَل لَا فِي
هَذَا الِاسْمِ يُوجِبُ التَّنْكِيرَ والفَصْلَ، فثَبات الأَلف دليلُ
الإِضافة وَالتَّعْرِيفِ، ووجودُ اللامِ دليلُ الفَصْل وَالتَّنْكِيرِ،
وَهَذَانِ كَمَا تَراهما مُتَدافِعان، والفرْق بَيْنَهُمَا أَن
قَوْلِهِمْ لَا أَبا لَك كَلَامٌ جَرى مَجْرى الْمَثَلِ، وَذَلِكَ أَنك
إِذا قُلْتَ هَذَا فإِنك لَا تَنْفي فِي الْحَقِيقَةِ أَباهُ، وإِنما
تُخْرِجُه مُخْرَج الدُّعاء عَلَيْهِ أَي أَنت عِنْدِي مِمَّنْ يستحقُّ
أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِفَقْدِ أَبيه؛ وأَنشد تَوْكِيدًا لَمَّا أَراد
مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ:
وَيَتْرُكُ أُخرى فَرْدَةً لَا أَخا لَها
وَلَمْ يَقُلْ لَا أُخْتَ لَهَا، وَلَكِنْ لمَّا جَرَى هَذَا
الْكَلَامُ عَلَى أَفواهِهم لَا أَبا لَك وَلَا أَخا لَك قِيلَ مَعَ
الْمُؤَنَّثِ عَلَى حَدِّ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُذَكَّرِ،
فَجَرَى هَذَا نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِكُلِّ أَحد مِنْ ذَكَرٍ
وأُنثى أَو اثْنَيْنِ أَو جَمَاعَةٍ: الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبن،
عَلَى التأْنيث لأَنه كَذَا جَرَى أَوَّلَه، وإِذا كَانَ الأَمر
كَذَلِكَ عُلِمَ أَن قَوْلَهُمْ لَا أَبا لَك إِنما فِيهِ تَفادي
ظاهِره مِنِ اجْتِمَاعِ صُورَتي الفَصْلِ والوَصْلِ وَالتَّعْرِيفِ
وَالتَّنْكِيرِ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَيُؤَكَّدُ عِنْدَكَ خُرُوجُ
هَذَا الْكَلَامِ مَخْرَجِ الْمَثَلِ كثرتُه فِي الشِّعْرِ وأَنه
يُقَالُ لِمَنْ لَهُ أَب وَلِمَنْ لَا أَبَ لَهُ، لأَنه إِذا كَانَ لَا
أَبَ لَهُ لَمْ يجُزْ أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا
مَحالة، أَلا تَرَى أَنك لَا تَقُولُ لِلْفَقِيرِ أَفْقَرَه اللَّهُ؟
فَكَمَا لَا تَقُولُ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ أَفقدك اللَّهُ أَباك
كَذَلِكَ تَعْلَمُ أَن قَوْلَهُمْ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ لَا أَبا لَك
لَا حَقِيقَةَ لِمَعْنَاهُ مُطابِقة لِلَفْظِهِ، وإِنما هِيَ خَارِجَةٌ
مَخْرَج الْمَثَلِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَبو عَلِيٍّ؛ قَالَ
عَنْتَرَةُ:
فاقْنَيْ حَياءَك، لَا أَبَا لَك واعْلَمي ... أَني امْرُؤٌ سأَمُوتُ،
إِنْ لَمْ أُقْتَلِ
وَقَالَ المتَلَمِّس:
أَلْقِ الصَّحيفةَ، لَا أَبَا لَك، إِنه ... يُخْشى عَلَيْكَ مِنَ
الحِباءِ النِّقْرِسُ
ويدلُّك عَلَى أَن هَذَا لَيْسَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ جَرِيرٍ:
يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ، لَا أَبَا لَكُمُ ... لَا يَلْقَيَنَّكُمُ
فِي سَوْءَةٍ عُمَرُ
فَهَذَا أَقْوَى دليلٍ عَلَى أَن هَذَا الْقَوْلَ مَثَلٌ لَا حَقِيقَةَ
لَهُ، أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ للتَّيْم كلِّها أَبٌ
وَاحِدٌ، وَلَكِنَّكُمْ كُلَّكُمْ أَهل للدُّعاء عَلَيْهِ والإِغلاظ
لَهُ؟ وَيُقَالُ: لَا أَبَ لَكَ وَلَا أَبَا لَك، وَهُوَ مَدْح،
وَرُبَّمَا قَالُوا لَا أَباكَ لأَن اللَّامَ كالمُقْحَمة؛ قَالَ أَبو
حيَّة النُّمَيْري:
(14/11)
أَبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَني ...
مُلاقٍ، لَا أَبَاكِ تُخَوِّفِيني؟
دَعي مَاذَا علِمْتِ سَأَتَّقِيهِ، ... ولكنْ بالمغيَّب نَبِّئِيني
أَراد: تُخَوِّفِينني، فَحَذَفَ النُّونَ الأَخيرة؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي
الْكَامِلِ:
وَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وَمَاتَ مُزَرِّدٌ، ... وأَيُّ كَريمٍ، لَا
أَبَاكِ يُخَلَّدُ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ لَا أَبا لَكِ قَوْلُ الأَجْدَع:
فإِن أَثْقَفْ عُمَيراً لَا أُقِلْهُ، ... وإِن أَثْقَفْ أَباه فَلَا
أَبَا لَهْ
قَالَ: وَقَالَ الأَبْرَشُ بَحْزَج «3» . بْنُ حسَّان يَهجُو أَبا
نُخَيلة:
إِنْ أَبا نَخْلَة عَبْدٌ مَا لَهُ ... جُولٌ، إِذا مَا التَمَسوا
أَجْوالَهُ،
يَدْعو إِلى أُمٍّ وَلَا أَبَا لَهُ
وَقَالَ الأَعْور بْنُ بَراء:
فمَن مُبْلِغٌ عنِّي كُرَيْزاً وناشِئاً، ... بِذاتِ الغَضى، أَن لَا
أَبَا لَكُما بِيا؟
وَقَالَ زُفَر بْنُ الْحَرْثِ يَعْتذِر مِنْ هَزيمة انْهَزَمها:
أَرِيني سِلاحي، لَا أَبَا لَكِ إِنَّني ... أَرى الحَرْب لَا تَزْدادُ
إِلا تَمادِيا
أَيَذْهَبُ يومٌ واحدٌ، إِنْ أَسَأْتُه، ... بِصالِح أَيّامي، وحُسْن
بَلائِيا
وَلَمْ تُرَ مِنِّي زَلَّة، قبلَ هَذِهِ، ... فِراري وتَرْكي صاحِبَيَّ
وَرَائِيَا
وَقَدْ يَنْبُت المَرْعى عَلَى دِمَنِ الثَّرى، ... وتَبْقى حَزازاتُ
النُّفُوسِ كَمَا هِيا
وَقَالَ جَرِيرٌ لجدِّه الخَطَفَى:
فَأَنْت أَبِي مَا لَمْ تَكُنْ ليَ حاجةٌ، ... فإِن عَرَضَتْ فإِنَّني
لَا أَبا لِيا
وَكَانَ الخَطَفَى شَاعِرًا مُجيداً؛ وَمِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِي
الصَّمْت قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لإِزْراء العَيِيِّ بنفْسِه، ... وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ
بالقَوْلِ أَعْلَما
وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْعَييِّ، وإِنما ... صَحِيفةُ لُبِّ
المَرْءِ أَن يَتَكَلَّما
وَقَدْ تكرَّر فِي الْحَدِيثِ
لَا أَبا لَك
، وَهُوَ أَكثر مَا يُذْكَرُ فِي المَدْح أَي لَا كافيَ لَكَ غَيْرُ
نفسِك، وَقَدْ يُذْكَر فِي مَعْرض الذَّمِّ كَمَا يُقَالُ لَا أُمَّ
لكَ؛ قَالَ: وَقَدْ يُذْكَرُ فِي مَعْرض التعجُّب ودَفْعاً للعَيْن
كَقَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرُّك، وَقَدْ يُذْكَرُ بِمَعْنَى جِدَّ فِي
أَمْرِك وشَمِّر لأَنَّ مَن لَهُ أَبٌ اتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ
شأْنِه، وَقَدْ تُحْذَف اللَّامُ فَيُقَالُ لَا أَباكَ بِمَعْنَاهُ؛
وَسَمِعَ سليمانُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلًا مِنَ الأَعراب فِي
سَنَة مُجْدِبة يَقُولُ:
رَبّ العِبادِ، مَا لَنا وَمَا لَكْ؟ ... قَدْ كُنْتَ تَسْقِينا فَمَا
بدَا لَكْ؟
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ، لَا أَبَا لَكْ
فَحَمَلَهُ سُلَيْمَانُ أَحْسَن مَحْمَل وَقَالَ: أَشهد أَن لَا أَبَا
لَهُ وَلَا صاحِبةَ وَلَا وَلَد. وَفِي الْحَدِيثِ:
لِلَّهِ أَبُوكَ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: إِذا أُضِيفَ الشَّيْءُ إِلى عَظِيمٍ شريفٍ
اكْتَسى عِظَماً وشَرَفاً كَمَا قِيلَ بَيْتُ اللهِ وناقةُ اللهِ،
فإِذا وُجدَ مِنَ الوَلَد مَا يَحْسُن مَوْقِعُه
__________
(3) . قوله [بحزج] كذا في الأَصل هنا وتقدم فيه قريباً: قَالَ بَخْدَجُ
اطْلُبْ أَبَا نخلة إلخ. وفي القاموس: بخدج اسم، زاد في اللسان: شاعر
(14/12)
ويُحْمَد قِيلَ لِلَّهِ أَبُوكَ، فِي
مَعْرض المَدْح والتَّعجب أَي أَبوك لِلَّهِ خَالِصًا حَيْثُ أَنْجَب
بِكَ وأَتى بمِثْلِك. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا قَالَ الرجلُ
لِلرَّجُلِ لَا أُمَّ لَهُ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أُمٌّ حرَّة،
وَهُوَ شَتْم، وَذَلِكَ أَنَّ بَني الإِماء لَيْسُوا بمرْضِيِّين وَلَا
لاحِقِينَ بِبَنِي الأَحرار والأَشراف، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ
لَا أُمَّ لَك يَقُولُ أَنت لَقِيطٌ لَا تُعْرَف لَكَ أُمّ، قَالَ:
وَلَا يَقُولُ الرجُل لصاحِبه لَا أُمّ لَكَ إِلَّا فِي غَضَبِهِ
عَلَيْهِ وَتَقْصِيرِهِ بِهِ شاتِماً، وأَما إِذا قَالَ لَا أَبا لَك
فَلَمْ يَترك لَهُ مِنَ الشَّتِيمة شَيْئًا، وإِذا أَراد كَرَامَةً
قَالَ: لَا أَبا لِشانِيكَ، وَلَا أَبَ لِشانِيكَ، وَقَالَ
الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لَا أَبَ لكَ وَلَا أَبَكَ، بِغَيْرِ لَامٍ،
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ: أَنه سأَل الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِ
الْعَرَبِ لَا أَبا لَكَ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا كافيَ لَكَ. وَقَالَ
غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ أَنك تَجُرُّنِي أَمرك حَمْدٌ «1» . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: قَوْلِهِمْ لَا أَبَا لَك كَلِمَةٌ تَفْصِلُ بِها
الْعَرَبُ كلامَها. وأَبو المرأَة: زوجُها؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَمِنَ
المُكَنَّى بالأَب قَوْلُهُمْ: أَبو الحَرِث كُنْيَةُ الأَسَدِ، أَبو
جَعْدَة كُنْية الذِّئْبِ، أَبو حُصَيْنٍ كُنْيةُ الثَّعْلَب، أَبو
ضَوْطَرى الأَحْمَقُ، أَبو حاجِب النَّارُ لَا يُنْتَفَع بِهَا، أَبو
جُخادِب الجَراد، وأَبو بَراقِش لِطَائِرٍ مُبَرْقَش، وأَبو قَلَمُونَ
لثَوْب يَتَلَوَّن أَلْواناً، وأَبو قُبَيْسٍ جبَل بِمَكَّةَ، وأَبو
دارِسٍ كُنْية الفَرْج مِنَ الدَّرْس وَهُوَ الحَيْض، وأَبو عَمْرَة
كُنْية الجُوع؛ وَقَالَ:
حَلَّ أَبو عَمْرَة وَسْطَ حُجْرَتي
وأَبو مالِكٍ: كُنْية الهَرَم؛ قَالَ:
أَبا مالِك، إِنَّ الغَواني هَجَرْنني ... أَبا مالِكٍ، إِني أَظنُّك
دائِبا
وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقَة: هَنِيئاً لَكَ أَبا البَطحاء
إِنَّما سمَّوْه أَبا الْبَطْحَاءِ لأَنهم شَرفُوا بِهِ وعَظُمُوا
بِدُعَائِهِ وَهِدَايَتِهِ كَمَا يُقَالُ للمِطْعام أَبو الأَضْياف.
وَفِي حَدِيثِ
وَائِلِ بْنِ حُجْر: مِنْ مُحَمَّدٍ رسولِ اللَّهِ إِلى المُهاجِر بن
أَبو أُمَيَّة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَقُّه أَن يَقُولَ ابنِ أَبي أُمَيَّة،
وَلَكِنَّهُ لاشْتهارِه بالكُنْية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ مَعْرُوفٌ
غَيْرُهُ، لَمْ يجرَّ كَمَا قِيلَ عَلِيُّ بْنُ أَبو طَالِبٍ. وَفِي
حَدِيثِ
عَائِشَةَ: قَالَتْ عَنْ حَفْصَةَ وَكَانَتْ بنتَ أَبيها
أَي أَنها شَبِيهَةٌ بِهِ فِي قُوَّة النَّفْسِ وحِدَّة الخلُق
والمُبادَرة إِلى الأَشياء. والأَبْواء، بِالْمَدِّ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ
ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الأَبْواء، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَسُكُونِ الْبَاءِ والمدِّ، جَبَل بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ،
وَعِنْدَهُ بَلَدٌ ينسَب إِليه. وكَفْرآبِيا: مَوْضِعٌ. وَفِي
الْحَدِيثِ: ذِكْر أَبَّى، هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ
الْبَاءِ: بِئْرٌ مِنْ آبَارِ بَنِي قُرَيظة وأَموالهِم يُقَالُ لَهَا
بِئْرُ أَبَّى، نَزَلها سيدُنا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَتى بَنِي قُريظة.
أتى: الإِتْيان: المَجيء. أَتَيْته أَتْياً وأُتِيّاً وإِتِيّاً
وإِتْيَاناً وإِتْيَانَةً ومَأْتَاةً: جِئْته؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فاحْتَلْ لنفسِك قَبْلَ أَتْيِ العَسْكَرِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
خَيْرُ النِّساء المُواتِيةُ لِزَوْجها
؛ المُواتاةُ: حُسْنُ المُطاوعةِ والمُوافقةِ، وأَصلُها الهمزُ فخفِّف
وكثُر حَتَّى صَارَ يُقَالُ بِالْوَاوِ الخالِصة؛ قَالَ: وَلَيْسَ
بِالْوَجْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ أَتاني فُلَانٌ أَتْياً
وأَتْيَةً وَاحِدَةً وإِتْياناً، قَالَ: وَلَا تَقُلْ إِتْيَانَة
وَاحِدَةً إِلَّا فِي اضْطِرَارِ شِعْرٍ قَبِيحٍ، لأَن المَصادر كلَّها
إِذا جُعِلَتْ وَاحِدَةً رُدَّتْ إِلى بِنَاءِ فَعْلة، وذلك
__________
(1) . قوله [وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّكَ تجرني أمرك حمد] هكذا
في الأَصل
(14/13)
إِذا كَانَ الفِعْل مِنْهَا عَلَى فَعَلَ
أَو فَعِلَ، فإِذا أُدْخِلَتْ فِي الفِعْل زياداتٌ فَوْقَ ذَلِكَ
أُدْخِلَت فِيهَا زِيَادَتُهَا فِي الواحِدة كَقَوْلِكَ إِقْبالةً
وَاحِدَةً، وَمِثْلُ تَفَعَّلَ تَفْعِلةً وَاحِدَةً وأَشباه ذَلِكَ،
وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يحسُن أَن تَقُولَ فَعْلة وَاحِدَةٌ
وإِلَّا فَلَا؛ وَقَالَ:
إِني، وأَتْيَ ابنِ غَلَّاقٍ لِيَقْرِيَني، ... كغابِطِ الكَلْبِ
يَبْغي الطِّرقَ فِي الذنَبِ
وَقَالَ ابْنُ خالَوَيه: يُقَالُ مَا أَتَيْتَنا حَتَّى
اسْتَأْتَيْناك. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى
؛ قَالُوا: مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ
الساحِرُ يجِب أَن يُقْتل، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَهل الفِقْه فِي
السَّحَرة؛ وَقَوْلِهِ:
تِ لي آلَ زيد فابدُهم لِي جَمَاعَةً، ... وسَلْ آلَ زيدٍ أَيُّ شَيْءٍ
يَضِيرُها
قَالَ ابْنُ جِنِّي: حُكِيَ أَن بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ فِي الأَمر
مِنْ أَتى: تِ زَيْدًا، فَيُحْذَفُ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا كَمَا
حُذِفَتْ مِنْ خُذْ وكُلْ ومُرْ. وقُرئ: يومَ تَأْتِ، بِحَذْفِ
الْيَاءِ كَمَا قَالُوا لَا أَدْرِ، وَهِيَ لُغَةُ هُذيل؛ وأَما قَوْلُ
قَيْس بْنِ زُهَير العَبْسيّ:
أَلمْ يَأْتِيكَ، والأَنْباءُ تَنْمِي، ... بِمَا لاقَتْ لَبُون بَنِي
زِياد؟
فإِنما أَثبت الْيَاءَ وَلَمْ يَحْذِفْهَا لِلْجَزْمِ ضَرُورَةً،
وردَّه إِلى أَصله. قَالَ الْمَازِنِيُّ: وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ أَن
تَقُولَ زَيْدٌ يرْمِيُك، بِرَفْعِ الْيَاءِ، ويَغْزُوُك، بِرَفْعِ
الْوَاوِ، وَهَذَا قاضيٌ، بِالتَّنْوِينِ، فتُجْري الحرْفَ المُعْتَلَّ
مُجرى الْحَرْفِ الصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الوُجوه فِي الأَسماء
والأَفعال جَمِيعًا لأَنه الأَصل. والمِيتاءُ والمِيداءُ، مَمْدودانِ:
آخِرُ الْغَايَةِ حَيْثُ يَنْتَهِي إِليه جَرْيُ الْخَيْلِ.
والمِيتَاءُ: الطَّرِيقُ العامِرُ، ومجتَمَع الطَّرِيقِ أَيضاً مِيتَاء
وَمِيدَاءُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُميد الأَرْقَط:
إِذا انْضَزَّ مِيتَاءُ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمَا، ... مَضَتْ قُدُماً
بَرِحَ الْحِزَامُ زَهُوقُ «1»
. وَفِي حَدِيثِ اللُّقطة:
مَا وجَدْتَ فِي طريقٍ ميتاءٍ فعَرِّفْه سَنَةً
، أَي طريقٍ مَسْلوكٍ، وَهُوَ مفْعال مِنَ الإِتْيَان، وَالْمِيمُ
زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ: بَنَى القومُ بُيوتَهم عَلَى ميتاءٍ وَاحِدٍ
ومِيداءٍ واحدٍ. وَدَارِي بمِيتاء دارِ فلانٍ ومِيداءْ دارِ فُلان أَي
تِلْقاءَ دارِه. وَطَرِيقٌ مِئْتاءٌ: عامِرٌ؛ هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ
بِهَمْزِ الْيَاءِ مِنْ مِئْتاءٍ، قَالَ: وَهُوَ مِفْعال مِنْ أَتيت
أَي يأْتيه الناسُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلَا أَنه وَعدٌ حقٌّ وقولٌ صِدْقٌ وطريقٌ مِيتاءٌ لَحَزِنّا
عَلَيْكَ أَكثر مَا حَزِنّا
؛ أَراد أَنه طريقٌ مَسْلُوكٌ يَسْلُكه كلُّ أَحدٍ، وَهُوَ مِفْعال
مِنَ الإِتْيَان، فإِن قُلْتَ طَرِيقٌ مَأْتِيٌّ فَهُوَ مفْعول مِنْ
أَتَيْته. قَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ
مَأْتِيًّا
؛ كأَنه قَالَ آتِياً، كَمَا قَالَ: حِجاباً مَسْتُوراً أَي سَاتِرًا
لأَن مَا أَتيته فَقَدْ أَتاك؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ
مَفْعُولًا لأَنَّ مَا أَتاك مِنْ أَمر اللَّهِ فَقَدْ أَتَيْته أَنتَ،
قَالَ: وإِنما شُدِّد لأَن وَاوَ مَفعولٍ انقلَبت يَاءً لِكَسْرَةِ مَا
قَبْلَهَا فأُدغمت فِي الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامُ الْفِعْلِ. قَالَ
ابْنُ سِيدَهْ: وَهَكَذَا رُوِيَ طريقٌ مِيتاءٌ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، إِلا
أَن الْمُرَادَ الْهَمْزُ، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ
بِغَيْرِ هَمْزٍ، فِيعالًا لأَن فِيعالًا مِنْ أَبْنِية المَصادر،
ومِيتاء لَيْسَ مَصْدَرًا إِنما هُوَ صفةٌ فَالصَّحِيحُ فِيهِ إِذن مَا
رَوَاهُ ثَعْلَبٌ وَفَسَّرَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ كَانَ
لَنَا أَن نَقُولَ إِن أَبا عبيد
__________
(1) . قوله [إذا انضز إلخ] هكذا في الأَصل هنا، وتقدم في مادتي ميت
وميد ببعض تغيير
(14/14)
أَراد الْهَمْزَ فَتَرَكَهُ إِلا أَنه
عَقَد الْبَابَ بفِعْلاء فَفَضَحَ ذَاتَهُ وأَبان هَناتَه. وفي التنزيل
العزيز: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَاهُ يُرْجِعُكم إِلى نَفْسه، وأَتَى
الأَمرَ مِنْ مَأْتَاهُ ومَأْتَاتِه أَي مِنْ جهتِه وَوَجْهه الَّذِي
يُؤْتَى مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: مَا أَحسَنَ مَعْناةَ هَذَا
الْكَلَامِ، تُريد مَعْنَاهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وحاجةٍ كنتُ على صُماتِها [صِماتِها] ... أَتَيْتُها وحْدِيَ مِنْ
مَأْتَاتها
وآتَى إِليه الشيءَ: ساقَه. والأَتِيُّ: النَّهَرُ يَسوقه الرَّجُلُ
إِلى أَرْضه، وَقِيلَ: هُوَ المَفْتَح، وكلُّ مَسيل سَهَّلْته لماءٍ
أَتِيٌّ، وَهُوَ الأُتِيُّ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: الأُتِيُّ
جمعٌ. وأَتَّى لأَرْضِه أَتِيّاً: ساقَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لأَبي
مُحَمَّدٍ الفَقْعسيّ:
تَقْذِفهُ فِي مِثْلِ غِيطان التِّيهْ، ... فِي كلِّ تِيهٍ جَدْول
تُؤَتِّيهْ
شبَّه أَجْوافها فِي سَعَتها بالتِّيهِ، وَهُوَ الواسِعُ مِنَ الأَرض.
الأَصمعي: كلُّ جَدْوَلِ ماءٍ أَتِيّ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
ليُمْخَضَنْ جَوْفُكِ بالدُّليِّ، ... حَتَّى تَعُودي أَقْطَعَ
الأَتِيِ
قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي «2» . أَن يَقُولَ قَطْعاً قَطعاء الأَتيِّ
لأَنه يُخاطب الرَّكِيَّة أَو الْبِئْرَ، وَلَكِنَّهُ أَراد حَتَّى
تَعُودي مَاءً أَقْطَع الأَتيّ، وَكَانَ يَسْتَقِي ويَرْتجِز بِهَذَا
الرِّجْزِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ. وأَتَّى لِلْمَاءِ: وَجَّه لَهُ
مَجْرىً. وَيُقَالُ: أَتِّ لِهَذَا الْمَاءِ فتُهَيِّئَ لَهُ
طَرِيقَهُ. وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيان فِي صِفة دِيار ثَمُود قَالَ: وأَتَّوْا جَداوِلَها
أَي سَهَّلوا طُرُق المِياه إِليها. يُقَالُ: أَتَّيْت الْمَاءَ إِذا
أَصْلَحْت مَجْراه حَتَّى يَجْرِي إِلى مَقارِّه. وَفِي حَدِيثِ
بَعْضِهِمْ:
أَنه رأَى رَجُلًا يُؤَتِّي الماءَ فِي الأَرض
أَي يُطَرِّق، كأَنه جَعَلَهُ يأْتي إِليها أَي يَجيءُ. والأَتِيُّ
والإِتاءُ: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ «3» . مِنْ خَشَبٍ أَو ورَقٍ،
والجمعُ آتَاءٌ وأُتيٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الإِتْيان. وسَيْل
أَتِيٌّ وأَتَاوِيٌّ: لَا يُدْرى مِنْ أَيْن أَتى؛ وَقَالَ
اللِّحْيَانِيُّ: أَي أَتى ولُبِّس مَطَرُه عَلَيْنَا؛ قَالَ
الْعَجَّاجُ:
كأَنه، والهَوْل عَسْكَرِيّ، ... سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّه أَتِيّ
وَمِنْهُ قولُ المرأَة الَّتِي هَجَت الأَنْصارَ، وحَبَّذا هَذَا
الهِجاءُ:
أَطَعْتُمْ أَتَاوِيَّ مِنْ غَيْرِكُمْ، ... فَلَا مِنْ مُرادٍ وَلَا
مَذْحِجِ
أَرادت بالأَتَاوِيِّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقَتَلَها بعضُ الصَّحَابَةِ فأُهْدِرَ دَمُها، وَقِيلَ: بَلِ السَّيل
مُشَبَّه بِالرَّجُلِ لأَنه غريبٌ مِثْلُهُ؛ قَالَ:
لَا يُعْدَلُنَّ أَتَاوِيُّون تَضْرِبُهم ... نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب
المُحِلَّاتِ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيُرْوَى لَا يَعْدِلَنَّ أَتَاوِيُّون،
فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ، وأَراد: لَا يَعْدِلَنَّ أَتاويُّون شأْنُهم
كَذَا أَنْفُسَهم.
ورُوي أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأَل
عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ الأَنْصاري عَنْ ثَابِتِ بْنِ الدحْداح
وتُوُفِّيَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ نَسَباً فيكم؟ فقال:
__________
(2) . قوله [وكان ينبغي إلخ] هذه عبارة التهذيب وليست فيه لفظة قطعاً
(3) . قوله [والأَتِيّ والإِتَاء مَا يَقَعُ في النهر] هكذا ضبط في
الأَصل، وعبارة القاموس وشرحه: والأَتَى كرضا، وضبطه بعض كعدي،
والأَتَاء كسماء، وضبطه بعض ككساء: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ مِنْ
خَشَبٍ أَوْ وَرَقٍ
(14/15)
لَا، إِنما هُوَ أَتِيٌّ فِينَا، قَالَ:
فقَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بِمِيرَاثِهِ لِابْنِ أُختِه
؛ قَالَ الأَصمعي: إِنما هُوَ أَتِيٌّ فِينَا؛ الأَتِيُّ الرَّجُلُ
يَكُونُ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلسَّيْلِ
الَّذِي يأْتي مِنْ بلَد قَدْ مُطر فِيهِ إِلى بَلَدٍ لَمْ يُمْطر
فِيهِ أَتِيٌّ. وَيُقَالُ: أَتَّيْت لِلسَّيْلِ فأَنا أُؤَتِّيه إِذا
سهَّلْت سَبِيلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلى مَوْضِعٍ ليخرُج إِليه، وأَصل
هَذَا مِنَ الغُرْبة، أَي هُوَ غَريبٌ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ أَتِيٌّ
وأَتاوِيٌّ أَي غريبٌ. يُقَالُ: جَاءَنَا أَتَاوِيٌّ إِذا كَانَ
غَرِيبًا فِي غَيْرِ بِلَادِهِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُثْمَانَ حِينَ أَرسل سَلِيطَ بْنَ سَلِيطٍ وعبدَ الرحمن ابن عتَّاب
إِلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلام فَقَالَ: ائْتِيَاه فتَنَكَّرا لَهُ
وَقُولَا إِنَّا رجُلان أَتَاوِيَّان وَقَدْ صَنَع اللَّهُ مَا تَرَى
فَمَا تأْمُر؟ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَسْتُما بأَتاوِيَّيْن
وَلَكِنَّكُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَرسلكما أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الأَتَاوِيُّ، بِالْفَتْحِ، الْغَرِيبُ الَّذِي
هُوَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ أَي غَرِيبًا، ونِسْوة أَتَاوِيَّات «1» ؛
وأَنشد هُوَ وأَبو الجرَّاح لِحُمَيْدٍ الأَرْقَط:
يُصْبِحْنَ بالقَفْرِ أَتَاوِيَّاتِ ... مُعْتَرِضات غَيْرِ
عُرْضِيَّاتِ
أَي غَرِيبَةٍ مِنْ صَواحبها لِتَقَدُّمِهِنَّ وسَبْقِهِنَّ،
ومُعْتَرِضات أَي نشِيطة لَمْ يُكْسِلْهُنَّ السَّفَرُ، غَيْرِ
عُرْضِيَّات أَي مِنْ غَيْرِ صُعُوبة بَلْ ذَلِكَ النَّشاط مِنْ
شِيَمِهِنَّ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الْحَدِيثُ يُرْوَى بِالضَّمِّ،
قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ. وَيُقَالُ: جَاءَنَا سَيْلٌ
أَتِيٌّ وأَتَاوِيٌّ إِذا جَاءَكَ وَلَمْ يُصِبْكَ مَطَره. وَقَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ
؛ أَي قرُب ودَنا إِتْيانُه. وَمِنْ أَمثالهم: مَأْتِيٌّ أَنت أَيها
السَّوادُ أَو السُّوَيْدُ، أَي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ هَذَا الأَمر.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا دَنا مِنْهُ عدوُّه: أُتِيتَ أَيُّها
الرجلُ. وأَتِيَّةُ الجُرْحِ وآتِيَتُه: مادَّتُه وَمَا يأْتي مِنْهُ؛
عَنْ أَبي عَلِيٍّ، لأَنها تأْتِيه مِنْ مَصَبِّها. وأَتَى عَلَيْهِ
الدَّهْرُ: أَهلَكَه، عَلَى الْمَثَلِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتَى عَلَى
فُلَانٍ أَتْوٌ أَي مَوْتٍ أَو بَلاء أَصابه؛ يُقَالُ: إِن أَتى عليَّ
أَتْوٌ فَغُلَامِي حُرٌّ أَي إِن مُتُّ. والأَتْوُ: المَرَض الشَّدِيدُ
أَو كسرُ يَدٍ أَو رِجْلٍ أَو موتٌ. وَيُقَالُ: أُتيَ عَلَى يَدِ
فُلَانٍ إِذا هَلَكَ لَهُ مالٌ؛ وَقَالَ الحُطَيئة:
أَخُو المَرْء يُؤْتَى دُونَهُ ثُمَّ يُتَّقَى ... بِزُبِّ اللِّحَى
جُرْدِ الخُصى كالجَمامِحِ
قَوْلُهُ أَخو الْمَرْءِ أَي أَخُو الْمَقْتُولِ الَّذِي يَرْضى مِنْ
دِيَةِ أَخيه بِتُيوس، يَعْنِي لَا خَيْرَ فِيمَا يُؤتى دُونَهُ أَي
يُقْتَلُ ثُمَّ يُتَّقَى بتُيوس زُبِّ اللّحَى أَي طَوِيلَةِ اللِّحَى.
وَيُقَالُ: يُؤْتَى دُونَهُ أَي يُذهب بِهِ ويُغلَب عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:
أَتَى دُونَ حُلْوِ العَيْش حَتَّى أَمرَّه ... نُكُوبٌ، عَلَى آثارِهن
نُكُوبُ
أَي ذهَب بحُلْو العَيْشِ. وَيُقَالُ: أُتِيَ فُلَانٌ إِذا أَطلَّ
عَلَيْهِ العدوُّ. وَقَدْ أُتِيتَ يَا فُلَانُ إِذا أُنْذِر عَدُوًّا
أَشرفَ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَتَى اللَّهُ
بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
؛ أَي هَدَم بُنْيانَهم وقلَع بُنْيانهم مِنْ قَواعِدِه وأَساسه فهدَمه
عَلَيْهِمْ حَتَّى أَهلكهم. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ فِي العَدَوِيِّ: إِني قُلْتُ أُتِيتَ
أَي دُهِيتَ وتغَيَّر عَلَيْكَ حِسُّك فتَوَهَّمْت مَا لَيْسَ
بِصَحِيحٍ صَحِيحًا. وأَتَى الأَمْرَ والذَّنْبَ: فعَلَه. واسْتأْتَتِ
النَّاقَةُ اسْتِئتاءً، مَهْمُوزٌ، أَي ضَبِعَتْ وأَرادت الفَحْل.
وَيُقَالُ: فَرَسٌ أَتيٌّ ومُسْتَأْتٍ
__________
(1) . قوله [أَيْ غَرِيبًا وَنِسْوَةٌ أَتَاوِيَّات] هكذا في الأَصل،
ولعله ورجال أَتَاوِيُّون أَي غرباء ونسوة إلخ. وعبارة الصحاح:
والأَتَاوِيّ الغريب، ونسوة إلخ
(14/16)
ومُؤَتَّى ومُسْتَأْتِي، بِغَيْرِ هَاءٍ،
إِذا أَوْدَقَت. والإِيتاءُ: الإِعْطاء. آتَى يُؤَاتِي إِيتَاءً وآتاهُ
إِيتاءً أَي أَعطاه. وَيُقَالُ: لِفُلَانٍ أَتْوٌ أَي عَطاء. وآتَاه
الشَّيْءَ أَي أَعطاه إِيَّاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
؛ أَراد وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئًا، قَالَ: وَلَيْسَ قولُ
مَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَاهُ أُوتِيَتْ كُلَّ شَيْءٍ يَحْسُن، لأَن
بِلْقِيس لَمْ تُؤتَ كُلَّ شَيْءٍ، أَلا ترَى إِلى قَوْلِ سُلَيْمَانَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ
بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها؟
فَلَوْ كَانَتْ بِلْقِيسُ أُوتِيَتْ كلَّ شَيْءٍ لأُوتِيَتْ جُنُودًا
تُقاتلُ بِهَا جُنُودَ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَو
الإِسلامَ لأَنها إِنما أَسْلمت بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ سُلَيْمَانَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ. وآتَاه: جَازَاهُ. وَرَجُلٌ مِيتاءٌ: مُجازٍ
مِعْطاء. وَقَدْ
قُرِئَ: وإِن كَانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِهَا
وآتَيْنا بِهَا
؛ فأَتَيْنا جِئنا، وآتَيْنا أَعْطَينا، وَقِيلَ: جازَيْنا، فإِن كَانَ
آتَيْنا أَعْطَيْنا فَهُوَ أَفْعَلْنا، وإِن كَانَ جازَيْنا فَهُوَ
فاعَلْنا. الْجَوْهَرِيُّ: آتاهُ أَتَى بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: آتِنا غَداءَنا
أَي ائْتِنا بِهِ. وَتَقُولُ: هاتِ، مَعْنَاهُ آتِ عَلَى فاعِل،
فَدَخَلَتِ الْهَاءُ عَلَى الأَلف. وَمَا أَحسنَ أَتْيَ يَدَي
النَّاقَةِ أَي رَجْع يدَيْها فِي سَيْرِها. وَمَا أَحسن أَتْوَ يَدَيِ
النَّاقَةِ أَيضاً، وَقَدْ أَتَتْ أَتْواً. وآتَاهُ عَلَى الأَمْرِ:
طاوَعَه. والمُؤَاتَاةُ: حُسْنُ المُطاوَعةِ. وآتَيْتُه عَلَى ذَلِكَ
الأَمْر مُؤَاتَاةً إِذا وافَقْته وطاوَعْته. والعامَّة تَقُولُ:
وَاتَيْتُه، قَالَ: وَلَا تَقُلْ وَاتَيْته إِلا فِي لُغَةٍ لأَهل
اليَمن، وَمِثْلُهُ آسَيْت وآكَلْت وآمَرْت، وإِنما جَعَلُوهَا وَاوًا
عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ فِي يُواكِل ويُوامِر وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وتَأَتَّى لَهُ الشيءُ: تَهَيَّأَ. وَقَالَ الأَصمعي: تَأَتَّى فُلَانٌ
لِحَاجَتِهِ إِذا تَرَفَّق لَهَا وأَتاها مِنْ وَجْهها، وتَأَتَّى
للقِيام. والتَّأَتِّي: التَّهَيُّؤُ لِلْقِيَامِ؛ قَالَ الأَعْشى:
إِذا هِي تَأَتَّى قَرِيبُ القِيام، ... تَهادَى كَمَا قَدْ رأَيْتَ
البَهِيرا «1»
. وَيُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يَتَأَتَّى أَي يتعرَّض لمَعْروفِك.
وأَتَّيْتُ الماءَ تَأْتِيَةً وتَأَتِّياً أَي سَهَّلت سَبيله ليخرُج
إِلى مَوْضِعٍ. وأَتَّاه اللَّهُ: هَيَّأَه. وَيُقَالُ: تَأَتَّى
لفُلان أَمرُه، وَقَدْ أَتَّاه اللَّهُ تَأْتِيَةً. وَرَجُلٌ أَتِيٌّ:
نافِذٌ يتأَتَّى للأُمور.
وَيُقَالُ: أَتَوْتُه أَتْواً، لُغَةٌ فِي أَتَيْتُه؛ قَالَ خَالِدُ
بْنُ زُهَيْرٍ:
يَا قَوْمِ، مَا لِي وأَبا ذُؤيْبِ، ... كُنْتُ إِذا أَتَوْتُه مِنْ
غَيْبِ
يَشُمُّ عِطْفِي ويَبُزُّ ثَوْبي، ... كأَنني أَرَبْته بِرَيْبِ
وأَتَوْتُه أَتْوَةً وَاحِدَةً. والأَتْوُ: الاسْتِقامة فِي السير
والسرْعةُ. وما زال كلامُه عَلَى أَتْوٍ واحدٍ أَي طريقةٍ وَاحِدَةٍ؛
حَكَى ابْنُ الأَعرابي: خطَب الأَميرُ فَمَا زَالَ عَلَى أَتْوٍ واحدٍ.
وَفِي حَدِيثِ
الزُّبير: كُنَّا نَرْمِي الأَتْوَ والأَتْوَيْن
أَي الدفْعةَ والدفْعتين، مِنَ الأَتْوِ العَدْوِ، يُرِيدُ رَمْيَ
السِّهام عَنِ القِسِيِّ بَعْدَ صَلَاةِ المَغْرب. وأَتَوْتُه آتُوه
أَتْواً وإِتَاوَةً: رَشَوْتُه؛ كَذَلِكَ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ،
جَعَلَ الإِتَاوَة مَصْدَرًا. والإِتَاوةُ: الرِّشْوةُ والخَراجُ؛
قَالَ حُنَيّ بْنُ جَابِرٍ التَّغْلبيّ:
ففِي كلِّ أَسْواقِ العِراقِ إِتَاوَةٌ، ... وَفِي كلِّ مَا باعَ
امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما أَبو عُبَيْدٍ فأَنشد هَذَا الْبَيْتَ
عَلَى الإَتاوَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْدَرُ، قَالَ: ويقوِّيه قَوْلُهُ
مَكْسُ دِرْهَم، لأَنه عَطْفُ عرَض عَلَى عرَض. وكلُّ مَا
__________
(1) . قوله [إذا هي تَأَتَّى إلخ] تقدم في مادة بهر بلفظ:
إِذَا مَا تَأَتَّى تُرِيدُ القيام
(14/17)
أُخِذ بكُرْهٍ أَو قُسِمَ عَلَى موضعٍ مِنَ
الجِبايةِ وغيرِها إِتَاوَةٌ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الرِّشْوةَ
عَلَى الْمَاءِ، وَجَمْعُهَا أُتىً نَادِرٌ مِثْلَ عُرْوَةٍ وعُرىً؛
قَالَ الطِّرِمَّاح:
لَنَا العَضُدُ الشُّدَّى عَلَى الناسِ، والأُتَى ... عَلَى كلِّ حافٍ
فِي مَعَدٍّ وناعِلِ
وَقَدْ كُسِّر عَلَى أَتَاوَى؛ وَقَوْلُ الجَعْدِيّ:
فَلا تَنْتَهِي أَضْغانُ قَوْمِيَ بَيْنَهُمْ ... وَسَوأَتُهم، حَتَّى
يَصِيروا مَوالِيا
مَوالِيَ حِلْفٍ، لَا مَوالِي قَرابةٍ، ... ولكنْ قَطِيناً يَسأَلون
الأَتَاوِيَا
أَي هُمْ خدَم يسأَلون الخَراج، وَهُوَ الإِتَاوَةُ؛ قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ: وإِنما كَانَ قِياسُه أَن يَقُولَ أَتاوى كَقَوْلِنَا فِي
عِلاوةٍ وهِراوَةٍ عَلاوى وهَراوى، غَيْرَ أَن هَذَا الشَّاعِرَ سلَك
طَرِيقًا أُخرى غَيْرَ هَذِهِ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا كسَّر إِتاوةً
حَدَّثَ فِي مِثَالِ التَّكْسِيرِ همزةٌ بَعْدَ أَلِفه بَدَلًا مِنْ
أَلف فِعالةٍ كَهَمْزَةِ رَسائل وكَنائن، فَصَارَ التَّقْدِيرُ بِهِ
إِلَى إِتاءٍ، ثُمَّ تُبْدَلُ مِنْ كَسْرَةِ الْهَمْزَةِ فَتْحَةً
لأَنها عارِضة فِي الْجَمْعِ وَاللَّامُ مُعْتلَّة كَبَابِ مَطايا
وعَطايا فَيَصِيرُ إِلى أَتاأَى، ثُمَّ تُبْدِل مِنَ الْهَمْزَةِ
وَاوًا لظُهورها لَامًا فِي الْوَاحِدِ فَتَقُولُ أَتَاوى كعَلاوى،
وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ فِي تَكْسِيرِ إِتاوَةٍ أَتَاوَى، غَيْرَ
أَن هَذَا الشَّاعِرَ لَوْ فعلَ ذَلِكَ لأَفسد قافِيَتَه، لكنَّه
احْتَاجَ إِلى إِقرار الْهَمْزَةِ بِحَالِهَا لتصِحَّ بعدَها الياءُ
الَّتِي هِيَ رَوِيُّ القافيةِ كَمَا مَعها مِنَ القَوافي الَّتِي هِيَ
الرَّوابيا والأَدانِيا وَنَحْوَ ذَلِكَ، ليَزول لفظُ الْهَمْزَةِ،
إِذا كَانَتِ العادةُ فِي هَذِهِ الْهَمْزَةِ أَن تُعَلَّ وتُغَيَّر
إِذا كَانَتِ اللَّامُ معتلَّة، فرأَى إِبْدال هَمْزَةِ إِتاءٍ وَاوًا
ليَزُول لفظُ الهمزةِ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
أَن تُعَلَّ وَلَا تصحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، فَصَارَ الأَتاوِيا؛ وقولُ
الطِّرِمَّاح:
وأَهْل الأُتَى اللَّاتي عَلَى عَهْدِ تُبَّعٍ، ... عَلَى كلِّ ذِي
مالٍ غَرِيبٌ وعاهِن
فُسِّر فَقِيلَ: الأُتَى جَمْعُ إِتَاوَةٍ، قَالَ: وأُراه عَلَى حَذْفِ
الزَّائِدِ فَيَكُونُ مِنْ باب رِشْوَة ورُشيً. والإِتَاءُ: الغَلَّةُ
وحَمْلُ النخلِ، تَقُولُ مِنْهُ: أَتَتِ الشَّجَرَةُ وَالنَّخْلَةُ
تَأْتُو أَتْواً وإِتاءً، بِالْكَسْرِ؛ عَنْ كُراع: طَلَعَ ثَمَرَهَا،
وَقِيلَ: بَدا صَلاحُها، وَقِيلَ: كَثُرَ حَمْلُها، وَالِاسْمُ
الإِتَاوَةُ. والإِتَاءُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ إِكالِ الشَّجَرِ؛ قَالَ
عبدُ اللَّهِ بْنُ رَواحة الأَنصاري:
هُنالِك لَا أُبالي نَخْلَ بَعْلٍ ... وَلَا سَقْيٍ، وإِن عَظُمَ
الإِتَاءُ
عَنى بهنالِك موضعَ الْجِهَادِ أَي أَستشهد فأُرْزَق عِنْدَ اللَّهِ
فَلَا أُبالي نَخْلًا وَلَا زَرْعًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ
قَوْلُ الْآخَرِ:
وبَعْضُ القَوْلِ لَيْسَ لَهُ عِناجٌ، ... كمخْضِ الْمَاءِ لَيْسَ لَهُ
إِتاءُ
المُرادُ بالإِتاء هُنَا: الزُّبْد. وإِتاءُ النَّخْلَةِ: رَيْعُها
وزَكاؤها وَكَثْرَةُ ثَمَرِها، وَكَذَلِكَ إِتَاءُ الزَّرْعِ رَيْعه،
وَقَدْ أَتَت النخلةُ وآتَتْ إِيتَاءً وإِتَاءً. وَقَالَ الأَصمعي:
الإِتَاءُ مَا خَرَجَ مِنَ الأَرض مِنَ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي
حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
كَمْ إِتَاءُ أَرضِك
أَي رَيْعُها وحاصلُها، كأَنه مِنَ الإِتَاوَةِ، وَهُوَ الخَراجُ.
وَيُقَالُ لِلسِّقَاءِ إِذا مُخِض وَجَاءَ بالزُّبْد: قَدْ جَاءَ
أَتْوُه. والإِتاءُ: النَّماءُ. وأَتَتِ الماشيةُ إِتَاءً: نَمَتْ،
وَاللَّهُ أَعلم.
أثا: أَثَوْتُ الرجلَ وأَثَيْتُه وأَثَوْتُ بِهِ وأَثَيْتُ بِهِ
وَعَلَيْهِ أَثْواً وأَثْياً وإِثاوَةً: وشَيْتُ بِهِ وسَعَيْتُ
(14/18)
عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: وَشَيْتُ
بِهِ عِنْدَ مَنْ كَانَ، مِنْ غَيْرِ أَن يُخَصَّ بِهِ السلطانُ،
وَالْمَصْدَرُ الأَثْوُ والأَثْيُ والإِثَاوَةُ والإِثَايَة، وَمِنُهُ
سُمِيِّتِ الأُثَايَةُ «1» . الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ بِطَرِيقِ
الجُحْفةِ إِلى مَكَّةَ، وَهِيَ فُعالةٌ مِنْهُ، وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ
هَمْزَتَهَا. أَبو زَيْدٍ: أَثَيْتُ بِهِ آثِي إِثَاوَةً إِذا أَخبرْتَ
بعُيُوبه الناسَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الْحَرْثِ الأَزْديّ وَغَرِيمِهِ: لآتِيَنَّ عَلِيّاً فلآثِيَنَّ
بِكَ
أَي لأَشِيَنَّ بِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
انْطَلَقْتُ إِلى عُمَرَ آثِي عَلَى أَبي مُوسَى الأَشعري.
الْجَوْهَرِيُّ: أَثَا بِه يَأْثُو ويَأْثِي أَيضاً أَي وَشى بِهِ؛
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: ذُو نَيْرَبٍ آثِ؛ هَكَذَا أَورده
الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُهُ:
وَلَا أَكون لَكُمْ ذَا نَيْرَبٍ آثِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وإِنّ امْرَأً يَأْثُو بِسادة قَوْمهِ ... حَريٌّ، لعَمْري، أَن
يُذَمَّ ويُشْتَما
قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:
ولَسْتُ، إِذا وَلَّى الصَّديقُ بِوُدِّهِ، ... بمُنْطَلِق آثُو
عَلَيْهِ وأَكْذِبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمُؤْتَثِي الَّذِي يُكْثِر الأَكلَ فيعطَش
ولا يَرْوى.
أحا: «2» . أَحُو أَحُو: كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْكَبْشِ إِذا أُمِر
بالسفاد.
أحيا: ابْنُ الأَثير: أَحْيا، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ
وَيَاءٌ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، مَاءٌ بِالْحِجَازِ كَانَتْ بِهِ
غَزْوة عُبيدة بن الحرث بنِ عَبْدِ المُطَّلب، ويأْتي ذكره في حيا.
أخا: الأَخُ مِنَ النسَب: مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يَكُونُ الصديقَ
والصاحِبَ، والأَخا، مَقْصُورٌ، والأَخْوُ لُغَتَانِ فيهِ حَكَاهُمَا
ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد لخُليجٍ الأَعْيَويّ:
قَدْ قلتُ يَوْمًا، والرِّكابُ كأَنها ... قَوارِبُ طَيْرٍ حَانَ
مِنْهَا وُرُودُها
لأَخْوَيْنِ كَانَا خيرَ أَخْوَيْن شِيمةً، ... وأَسرَعه فِي حَاجَةٍ
لِي أُريدُها
حمَل أَسْرَعه عَلَى مَعْنَى خَيْرَ أَخْوَين وأَسرَعه كَقَوْلِهِ:
شَرّ يَوْمَيْها وأَغْواهُ لَهَا
وَهَذَا نادرٌ. وأَما كُرَاعٌ فَقَالَ: أَخْو، بِسُكُونِ الْخَاءِ،
وَتَثْنِيَتِهِ أَخَوَان، بِفَتْحِ الْخَاءِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَخَوَان. قَالَ: ويَجيء فِي الشِّعْرِ
أَخْوَان، وأَنشد بَيْتَ خُلَيْج أَيضاً:
لأَخْوَيْن كَانَا خيرَ أَخْوَين
. التَّهْذِيبُ: الأَخُ الْوَاحِدُ، وَالِاثْنَانِ أَخَوَان،
وَالْجَمْعُ إِخْوَان وإِخْوَة. الْجَوْهَرِيُّ: الأَخُ أَصله أَخَوٌ،
بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه جُمِع عَلَى آخَاءٍ مِثْلُ آبَاءٍ، وَالذَّاهِبُ
مِنْهُ واوٌ لأَنك تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَخَوَان، وَبَعْضُ
الْعَرَبِ يَقُولُ أَخَانِ، عَلَى النقْص، وَيُجْمَعُ أَيضاً عَلَى
إِخْوَان مِثْلُ خَرَب وخِرْبان، وَعَلَى إِخْوَةٍ وأُخْوَةٍ؛ عَنِ
الْفَرَّاءِ. وَقَدْ يُتَّسَع فِيهِ فيُراد بِهِ الِاثْنَانِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
؛ وَهَذَا كَقَوْلِكَ إِنَّا فَعَلْنَا وَنَحْنُ فَعَلْنَا وأَنتُما
اثْنَانِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى سِيبَوَيْهِ لَا أَخا،
فاعْلَمْ، لكَ، فَقَوْلُهُ فاعْلم اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُضَافِ
وَالْمُضَافِ إِليه، كذا
__________
(1) . قوله [ومنه سميت الأُثَايَة] عبارة القاموس: وأثَايَة، بالضم
ويثلث، موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي أو بئر دون العرج عليها
مَسْجِدٌ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(2) . قوله [أحَا إلخ] هكذا في الأَصل بالحاء، وعبارة القاموس وشرحه:
أجي أجي كذا في النسخ بالجيم وهو غلط، والصواب بالحاء وقد أهمله
الجوهري، وهو دعاء للنعجة، يائي، والذي في اللسان: أَحُو أَحُو
كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْكَبْشِ إِذَا أُمِرَ بِالسِّفَادِ وهو عن [ابن
الدقيش] فعلى هذا هو واوي
(14/19)
الظَّاهِرُ، وأَجاز أَبو عَلِيٍّ أَن
يَكُونَ لَكَ خَبَرًا وَيَكُونَ أَخا مَقْصُورًا تَامًّا غَيْرَ
مُضَافٍ كَقَوْلِكَ لَا عَصا لَكَ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ
أَخُونَ وآخَاءٌ وإِخْوَانٌ وأُخْوَان وإِخْوَة وأُخْوَة، بِالضَّمِّ؛
هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، فأَما سِيبَوَيْهِ فالْأُخْوَة،
بِالضَّمِّ، عِنْدَهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ وَلَيْسَ بِجَمْع، لأَن فَعْلًا
لَيْسَ مِمَّا يكسَّر عَلَى فُعْلة، وَيَدُلُّ عَلَى أَن أَخاً فَعَلَ
مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ جَمْعُهُمْ إِيَّاها عَلَى أَفْعال نَحْوُ
آخَاء؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ:
وَجَدْتُم بَنيكُم دُونَنا، إِذْ نُسِبْتُمُ، ... وأَيٌّ بَني الآخَاء
تَنْبُو مَناسِبُهْ؟
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أُخُوَّة، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه
أُخُوّ على مثال فُعُول، ثُمَّ لَحِقَتِ الْهَاءُ لتأْنيث الْجَمْعِ
كالبُعُولةِ والفُحُولةِ. وَلَا يُقَالُ أَخُو وأَبو إِلّا مُضافاً،
تَقُولُ: هَذَا أَخُوك وأَبُوك وَمَرَرْتُ بأَخِيك وأَبيك ورأَيت
أَخَاكَ وأَباكَ، وَكَذَلِكَ حَموك وهَنُوك وفُوك وَذُو مَالٍ،
فَهَذِهِ السِّتَّةُ الأَسماء لَا تَكُونُ موحَّدة إِلَّا مُضَافَةً،
وإِعرابُها فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ والأَلِف لأَن الْوَاوَ فِيهَا
وإِن كَانَتْ مِنْ نفْس الْكَلِمَةِ فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الرَّفْعِ،
وَفِي الْيَاءِ دَلِيلٌ عَلَى الْخَفْضِ، وَفِي الأَلف دَلِيلٌ عَلَى
النصْب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا تَكُونُ موحَّدة
إِلّا مُضَافَةً وإِعرابُها فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ والأَلِف، قَالَ:
وَيَجُوزُ أَن لَا تُضَافَ وتُعْرب بالحرَكات نَحْوُ هَذَا أَبٌ وأَخٌ
وحَمٌ وفَمٌ مَا خَلَا قَوْلَهُمْ ذُو مالٍ فإِنه لَا يَكُونُ إِلَّا
مُضَافًا، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ
، فإِنَّ الجمع هاهنا مَوْضُوعٌ موضِع الِاثْنَيْنِ لأَن الِاثْنَيْنِ
يُوجِبان لَهَا السدُس. والنسبةُ إِلى الأَخِ أَخَوِيّ، وَكَذَلِكَ
إِلى الأُخْت لأَنك تَقُولُ أَخَوَات، وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ
أُخْتِيّ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ
؛ يَعْنِي بإِخْوَانهم الشَّيَاطِينَ لأَن الْكُفَّارَ إِخوانُ
الشَّيَاطِينِ. وَقَوْلُهُ: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ*
أَي قَدْ دَرَأَ عَنْهُمْ إِيمانُهم وتوبتُهم إِثْمَ كُفْرهم ونَكْثِهم
العُهودَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً*
؛ وَنَحْوَهُ قَالَ الزَّجَّاجُ، قِيلَ فِي الأَنبياء أَخوهم وإِن
كَانُوا كَفَرة، لأَنه إِنما يَعْنِي أَنه قَدْ أَتاهم بشَر مِثْلُهُمْ
مِنْ وَلَد أَبيهم آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَحَجُّ،
وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ أَخاهم لأَنه مِنْ قَوْمِهِمْ فَيَكُونَ أَفْهَم
لَهُمْ بأَنْ يأْخذوه عَنْ رجُل مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ أَخُو
كُرْبةٍ وأَخُو لَزْبةٍ وَمَا أَشبه ذَلِكَ أَي صَاحِبُهَا.
وَقَوْلُهُمْ: إِخْوان العَزاء وإِخْوَان العَمل وَمَا أَشبه ذَلِكَ
إِنما يُرِيدُونَ أَصحابه ومُلازِمِيه، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنوا
بِهِ أَنهم إِخْوانه أَي إِخْوَتُه الَّذِينَ وُلِدُوا مَعَهُ، وإِن
لَمْ يُولَد العَزاء وَلَا العمَل وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَغْراض،
غَيْرُ أَنَّا لَمْ نَسْمَعْهُمْ يَقُولُونَ إِخْوة العَزاء وَلَا
إِخْوة العمَل وَلَا غَيْرَهُمَا، إِنما هُوَ إِخْوَان، وَلَوْ
قَالُوهُ لجَاز، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى المثَل؛ قَالَ لَبِيدٌ:
إِنَّما يَنْجَحُ إِخْوَان العَمَلْ
يَعْنِي مَنْ دَأَبَ وتحرَّك وَلَمْ يُقِمْ؛ قَالَ الرَّاعِي:
عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَان العَزاء هَيُوجُ
أَي الَّذِينَ يَصْبِرُون فَلَا يَجْزَعون وَلَا يَخْشعون وَالَّذِينَ
هُمْ أَشِقَّاء العمَل والعَزاء. وَقَالُوا: الرُّمْح أَخوك وَرُبَّمَا
خانَك. وأَكثرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الإِخْوَانُ فِي الأَصْدِقاء
والإِخْوَةُ فِي الوِلادة، وَقَدْ جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، قَالَ
عَقِيلُ بْنُ عُلَّفَة المُرِّيّ:
وَكَانَ بَنُو فَزارةَ شَرَّ قَوْمٍ، ... وكُنْتُ لَهُمْ كَشَرِّ بَني
الأَخِينا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ:
(14/20)
وكانَ بَنُو فَزارة شرَّ عَمّ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ العبَّاس بْنِ مِرْداس السُّلَمِيِّ:
فقُلْنا: أَسْلموا، إِنَّا أَخُوكُمْ، ... فَقَدْ سَلِمَتْ مِنَ
الإِحَنِ الصُّدورُ
التَّهْذِيبُ: هُمُ الإِخْوَةُ إِذا كَانُوا لأَبٍ، وَهُمُ الإِخْوَان
إِذا لَمْ يَكُونُوا لأَب. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قَالَ أَهلُ البَصْرة
أَجمعون الإِخْوَة فِي النسَب، والإِخْوَان فِي الصَّدَاقَةِ. تَقُولُ:
قَالَ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِي وأَصْدِقَائِي، فإِذا كَانَ أَخاه فِي
النسَب قَالُوا إِخْوَتِي، قَالَ: وَهَذَا غلَط، يُقَالُ للأَصْدِقاء
وَغَيْرِ الأَصْدِقاء إِخْوَة وإِخْوَان. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
، وَلَمْ يعنِ النَّسَبَ، وَقَالَ: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ
، وَهَذَا فِي النسَب، وَقَالَ: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوالِيكُمْ
. والأُخْتُ: أُنثى الأَخِ، صِيغةٌ عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ الْمُذَكَّرِ،
وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَزْنُهَا فَعَلَة فَنَقَلُوهَا إِلى
فُعْل وأَلحَقَتْها التاءُ المُبْدَلة مِنْ لامِها بِوَزْنِ فُعْل،
فَقَالُوا أُخْت، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا بِعَلَامَةِ تأْنيث كَمَا
ظنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ بِهَذَا الشأْن، وَذَلِكَ لِسُكُونِ مَا
قَبْلَهَا؛ هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ
نصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ فَقَالَ: لَوْ سمَّيت
بِهَا رَجُلًا لصَرَفْتها مَعْرِفة، وَلَوْ كَانَتْ للتأْنيث لَمَا
انْصَرَفَ الِاسْمُ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ تسمَّح فِي بَعْضِ
أَلفاظه فِي الْكِتَابِ فَقَالَ هِيَ عَلَامَةُ تأْنيث، وإِنما ذَلِكَ
تجوُّز مِنْهُ فِي اللَّفْظِ لأَنه أَرْسَلَه غُفْلًا، وَقَدْ قيَّده
فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، والأَخْذُ بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّلِ
أَقْوى مِنَ الأَخْذ بِقَوْلِهِ الغُفْل المُرْسَل، وَوَجْهُ تجوُّزه
أَنه لمَّا كَانَتِ التَّاءُ لَا تبدَل مِنَ الْوَاوِ فِيهَا إِلا مَعَ
الْمُؤَنَّثِ صَارَتْ كأَنها عَلَامَةُ تأْنيث، وأَعني بِالصِّيغَةِ
فِيهَا بِنَاءَهَا عَلَى فُعْل وأَصلها فَعَل، وإِبدال الْوَاوِ فِيهَا
لَازِمٌ لأَنَّ هَذَا عَمَلٌ اخْتَصَّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ
أَخَوَات. اللَّيْثُ: تَاءُ الأُخْت أَصلُها هَاءُ التأْنيث. قَالَ
الْخَلِيلُ: تأْنيث الأَخِ أُخْت، وَتَاؤُهَا هَاءٌ، وأُخْتَان
وأَخَوَات، قَالَ: والأَخُ كَانَ تأْسِيس أَصل بِنَائِهِ عَلَى فَعَل
بِثَلَاثِ متحرِّكات، وَكَذَلِكَ الأَب، فَاسْتَثْقَلُوا ذَلِكَ
وأَلْقَوُا الْوَاوَ، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَشياء: حَرْف وصَرْف وصَوْت،
فربَّما أَلْقَوُا الْوَاوَ وَالْيَاءَ بِصَرْفِهَا فأَبْقَوْا مِنْهَا
الصوْت فاعتَمد الصوْت عَلَى حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ، فإِن كَانَتِ
الْحَرَكَةُ فَتْحَةً صَارَ الصَّوْتُ مِنْهَا أَلفاً لَيِّنة، وإِن
كَانَتْ ضمَّة صَارَ مَعَهَا وَاوًا ليِّنَة، وإِن كَانَتْ كَسْرَةً
صَارَ مَعَهَا يَاءً لَيِّنة، فاعتَمد صوْتُ واوِ الأَخِ عَلَى
فَتْحَةِ الْخَاءِ فَصَارَ مَعَهَا أَلِفاً لَيِّنة أَخَا وَكَذَلِكَ
أَبا، فأَما الأَلف الليِّنة فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ كَقَوْلِكَ أَخا
وَكَذَلِكَ أَبا كأَلف رَبا وغَزا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَبا،
ثُمَّ أَلْقَوا الأَلف اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ
وَبَقِيَتِ الْخَاءُ عَلَى حَرَكَتِهَا فجَرَتْ عَلَى وُجوه النَّحْوِ
لقِصَر الِاسْمِ، فإِذا لَمْ يُضِيفُوه قَوَّوْهُ بِالتَّنْوِينِ،
وإِذا أَضافوا لَمْ يَحْسُن التَّنْوِينُ فِي الإِضافة فَقَوَّوْهُ
بالمدِّ فَقَالُوا أَخو وأَخي وأَخا، تَقُولُ أَخُوك أَخُو صِدْقٍ
وأَخُوك أَخٌ صالحٌ، فإِذا ثَنَّوْا قَالُوا أَخَوَان وأَبَوان لأَن
الِاسْمَ متحرِّك الحَشْو، فَلَمْ تَصِرْ حركتُه خَلَفاً مِنَ الْوَاوِ
الساقِط كَمَا صَارَتْ حركةُ الدالِ مِنَ اليَدِ وَحَرَكَةُ الْمِيمِ
مِنَ الدَّمِ فَقَالُوا دَمان ويَدان؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ
دَمَيان كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنا، ... جَرى الدَّمَيان بالخَبَر
اليَقِينِ
وإِنما قَالَ الدَّمَيان عَلَى الدَّمَا كَقَوْلِكَ دَمِيَ وَجْهُ
فُلَانٍ أَشَدَّ الدَّما فحرَّك الحَشْو، وَكَذَلِكَ قَالُوا أَخَوَان.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الأُخْت كَانَ حدُّها أَخَةً، فَصَارَ الإِعراب
عَلَى الْهَاءِ وَالْخَاءِ فِي مَوْضِعِ رفْع،
(14/21)
وَلَكِنَّهَا انْفَتَحَتْ بِحال هَاءِ
التأْنيث فاعتَمدتْ عَلَيْهِ لأَنها لَا تَعْتَمِدُ إِلا عَلَى حَرْف
متحرِّك بِالْفَتْحَةِ وأُسكنت الْخَاءُ فحوِّل صَرْفُها عَلَى الأَلف،
وصارتِ الْهَاءُ تَاءً كأَنها مِنْ أَصل الْكَلِمَةِ ووقعَ الإِعرابُ
عَلَى التَّاءِ وأُلزمت الضمةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْخَاءِ الأَلفَ،
وَكَذَلِكَ نحوُ ذَلِكَ، فافْهَمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الأَخُ كَانَ
فِي الأَصل أَخْوٌ، فَحُذِفَتِ الواوُ لأَنَّها وقعَتْ طَرَفاً وحرِّكت
الخاءُ، وَكَذَلِكَ الأَبُ كَانَ فِي الأَصل أَبْوٌ، وأمَّا الأُخْتُ
فَهِيَ فِي الأَصل أَخْوة، فحذِفت الْوَاوُ كَمَا حُذِفَتْ مِنَ
الأَخِ، وجُعِلتِ الهاءُ تَاءً فنُقلَتْ ضمَّة الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ
إِلى الأَلف فَقِيلَ أُخْت، والواوُ أُختُ الضمَّة. وَقَالَ بعضُ
النحويِّين: سُمِّي الأَخُ أَخاً لأَنَّ قَصْده قَصْد أَخيه، وأَصله
مِنْ وَخَى أَي قَصَد فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً. قَالَ
الْمُبَرِّدُ: الأَبُ والأَخُ ذَهَبَ مِنْهُمَا الواوُ، تَقُولُ فِي
التَّثْنِيَةِ أَبَوانِ وأَخَوَانِ، وَلَمْ يسَكِّنوا أَوائلهما لئلَّا
تدخُل أَلفُ الوَصْل وَهِيَ هَمْزَةٌ عَلَى الْهَمْزَةِ الَّتِي فِي
أَوائلهما كَمَا فَعَلُوا فِي الابْنِ والاسْمِ اللَّذَيْنِ بُنِيا
عَلَى سُكُونِ أَوائلهما فَدَخَلَتْهما أَلفُ الوَصْل. الْجَوْهَرِيُّ:
وأُخْت بَيِّنة الأُخُوَّة، وإِنما قَالُوا أُخْت، بِالضَّمِّ،
لِيَدُلَّ عَلَى أَن الذاهِبَ مِنْهُ واوٌ، وصحَّ ذَلِكَ فِيهَا دُونَ
الأَخِ لأَجل التَّاءِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الوَصْل والوَقف كالاسْم
الثُّلَاثِيِّ. وَقَالُوا: رَماه اللَّهُ بلَيْلةٍ لَا أُخْتَ لَهَا،
وَهِيَ لَيْلَةُ يَموت. وآخَى الرجلَ مُؤَاخَاةً وإِخَاءً ووِخَاءً.
والعامَّة تَقُولُ وَاخَاهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى أَبو
عُبَيْدٍ فِي الغَرِيب المصنَّف وَرَوَاهُ عَنِ الزَّيْدِيِّين آخَيْتَ
ووَاخَيْتَ وآسَيْتَ ووَاسَيْتَ وآكَلْتَ ووَاكَلْتَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ
مِنْ جِهة القِياس هُوَ حَمْل الْمَاضِي عَلَى المُسْتقبل إِذ كَانُوا
يَقُولُونَ يُوَاخِي، بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ وَاوًا عَلَى التَّخْفِيفِ،
وَقِيلَ: إِنَّ وَاخَاهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرَى الوِخَاءَ عَلَيْهَا وَالِاسْمُ
الأُخُوَّة، تَقُولُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ أُخُوَّة وإِخاءٌ، وَتَقُولُ:
آخَيْتُه عَلَى مِثَالِ فاعَلْته، قَالَ: ولغة طيِء وَاخَيْته.
وَتَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخَائِي بِوَزْنِ أَفْعالي أَي مِنْ
إِخواني. وَمَا كنتَ أَخاً وَلَقَدْ تَأَخَّيْت وآخَيْت وأَخَوْت
تَأْخُو أُخُوَّة وتَآخَيا، عَلَى تفاعَلا، وتأَخَّيْت أَخاً أَي
اتَّخَذْت أَخاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آخَى بَيْنَ
المُهاجرين والأَنصار
أَي أَلَّف بَيْنَهُمْ بأُخُوَّةِ الإِسلامِ والإِيمانِ. اللَّيْثُ:
الإِخاءُ المُؤَاخاةُ والتأَخِّي، والأُخُوَّة قَرابة الأَخِ،
والتَّأَخِّي اتّخاذُ الإِخْوان. وَفِي صِفَةِ أَبي بَكْرٍ:
لَوْ كنتُ مُتَّخِذاً خَلِيلًا لاتَّخَذت أَبا بَكْرٍ خَلِيلًا،
وَلَكِنْ خُوَّة الإِسلام
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جاءَ فِي رِوَايَةٍ، وهِي لُغَةٌ فِي
الأُخُوَّة. وأَخَوْت عَشَرَةً أَي كُنْتُ لَهُمْ أَخاً. وتَأَخَّى
الرجلَ: اتَّخذه أَخاً أَو دَعَاهُ أَخاً. وَلَا أَخا لَك بِفُلَانٍ
أَي لَيْسَ لَكَ بأَخٍ؛ قَالَ النَّابغة:
وأَبْلِغْ بَنِي ذُبيان أَنْ لَا أَخا لَهُمْ ... بعبْسٍ، إِذا حَلُّوا
الدِّماخَ فأَظْلَما
وَقَوْلُهُ:
أَلا بَكَّرَ النَّاعِي بأَوْسِ بْنِ خالدٍ، ... أَخِي الشَّتْوَةِ
الغَرَّاء والزَّمَن المَحْلِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
أَلا هَلَك ابنُ قُرَّان الحَمِيدُ، ... أَبو عَمْرٍو أَخُو الجُلَّى
يَزِيدُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَا بالأَخ هُنَا الَّذِي
يَكْفِيهما ويُعِينُ عَلَيْهِمَا فيَعودُ إِلى مَعْنَى الصُّحْبة،
وَقَدْ يَكُونُ أَنهما يَفْعَلان فِيهِمَا الفِعْل الحسَن
(14/22)
فَيُكْسِبانه الثَّنَاءَ والحَمْد فكأَنه
لِذَلِكَ أَخٌ لَهُمَا؛ وَقَوْلُهُ:
والخَمْرُ ليستْ مِنْ أَخيك ولكنْ ... قَدْ تَغُرُّ بآمِنِ الحِلْمِ
فَسَّره ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَاهُ أنَّها ليستْ بمحابيَتِك
فتكفَّ عَنْكَ بَأْسَها، ولكنَّها تَنْمِي فِي رأْسِك، قَالَ:
وَعِنْدِي أَن أَخيك هاهنا جَمْعُ أَخ لأَنَّ التَّبعِيض يَقْتَضِي
ذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَخُ هاهنا وَاحِدًا
يُعْنى بِهِ الجمعُ كَمَا يَقَعُ الصديقُ عَلَى الْوَاحِدِ
وَالْجَمْعِ. قَالَ تَعَالَى: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً
يُبَصَّرُونَهُمْ؛ وَقَالَ:
دَعْها فَمَا النَّحْوِيّ مِنْ صَدِيقِها
وَيُقَالُ: تركتهُ بأَخِي الخيَر أَيْ تركتهُ بِشَرّ. وَحَكَى
اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي الدِّينار وأَبي زِياد: القومُ بأَخِي
الشَّرِّ أَيْ بِشَرّ. وتأَخَّيْتُ الشيءَ: مِثْلُ تحَرَّيْتُه.
الأَصمعي فِي قَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُه إِلَّا أَخا السِّرار أَيْ
مِثْلَ السِّرار. وَيُقَالُ: لَقِيَ فُلَانٌ أَخا الْمَوْتِ أَي مِثْلَ
الْمَوْتِ؛ وأَنشد:
لقَدْ عَلِقَتْ كَفِّي عَسِيباً بِكَزَّةٍ ... صَلا آرِزٍ لاقَى أَخَا
الموتِ جاذِبُهْ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عَشِيَّة جاوَزْنا حَماةَ، وسَيْرُنا ... أَخُو الجَهْدِ لَا يُلْوِي
عَلَى مَن تَعذَّرا
أَيْ سَيرنُا جاهِدٌ. والأَرْزُ: الضِّيقُ والاكْتِناز. يُقَالُ:
دخَلْت الْمَسْجِدَ فَكَانَ مأْرَزاً أَي غَاصًّا بأَهْلِه؛ هَذَا
كُلُّهُ مِنْ ذَوَاتِ الأَلف، وَمِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ الأَخِيَة
والأَخِيَّةُ، والآخِيَّة، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ، وَاحِدَةُ
الأَوَاخِي: عُودٌ يُعَرَّض فِي الْحَائِطِ ويُدْفَن طَرَفاه فِيهِ
وَيَصِيرُ وسَطه كالعُروة تُشدُّ إِلَيْهِ الدابَّة؛ وَقَالَ ابْنُ
السِّكِّيتِ: هُوَ أَنْ يُدْفَن طَرَفا قِطْعَة مِنَ الحَبْل فِي
الأَرض وَفِيهِ عُصَيَّة أَوْ حُجَيْر وَيَظْهَرُ مِنْهُ مِثْلُ
عُرْوَةٍ تُشدُّ إِلَيْهِ الدَّابَّةُ، وَقِيلَ: هُوَ حَبْل يُدْفن فِي
الأَرض ويَبْرُزُ طَرَفه فيشَدُّ بِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ
بعضَ الْعَرَبِ يَقُولُ للحبْل الَّذِي يُدْفَن فِي الأَرض مَثْنِيّاً
ويَبْرُز طَرفاه الْآخَرَانِ شِبْهَ حَلْقَةٍ وَتُشَدُّ بِهِ
الدَّابَّةُ آخِيَةٌ. وَقَالَ أَعرابي لِآخَرَ: أَخِّ لِي آخِيَّة
أَربُط إِلَيْهَا مُهْرِي؛ وَإِنَّمَا تُؤَخَّى الآخِيَّةُ فِي سُهولةِ
الأَرَضِين لأَنها أَرْفق بالخَيل مِنَ الأَوتاد النَّاشِزَةِ عَنِ
الأَرض، وَهِيَ أَثبت فِي الأَرض السَّهْلة مِنَ الوَتِد. وَيُقَالُ
للأَخِيَّة: الإِدْرَوْنُ، وَالْجَمْعُ الأَدارِين. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِي: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ والإِيمان كمثَل
الفَرس في آخِيَّتِه يحول ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّته، وَإِنَّ
الْمُؤْمِنَ يَسْهو ثُمَّ يرجع إلى الإِيمان
؛ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه يبعُد عَنْ رَبِّه بالذُّنوب، وأَصلُ
إِيمَانِهِ ثَابِتٌ، وَالْجَمْعُ أَخَايَا وأَوَاخِيُّ مُشَدَّدًا؛
والأَخَايَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ خَطِيّة وخَطايا وعِلَّتُها
كعلَّتِها. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الأَخِيَّة العُرْوة تُشَدُّ بِهَا
الدَّابَّةُ مَثْنِيَّةً فِي الأَرض. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَجْعَلوا ظهورَكم كأَخَايَا الدوابِ
، يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، أَيْ لَا تُقَوِّسُوها فِي الصَّلَاةِ
حَتَّى تَصِيرَ كَهَذِهِ العُرى. ولفُلان عِنْدَ الأَمير آخِيَّةٌ
ثَابِتَةٌ، وَالْفِعْلُ أَخَّيْت آخِيَّة تَأْخِيَةً. قَالَ:
وتأَخَّيْتُ أَنَا اشتقاقُه مِنْ آخِيَّة العُود، وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ
الْفِعْلِ فاعُولة، قَالَ: وَيُقَالُ آخِيَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ،
وَيُقَالُ: آخَى فُلَانٌ فِي فُلان آخِيَة فكَفَرَها إِذَا اصْطَنَعه
وأَسدى إِلَيْهِ؛ وَقَالَ الكُمَيْت:
سَتَلْقَوْن مَا آخِيّكُمْ فِي عَدُوِّكُم ... عَلَيْكُمْ، إِذَا مَا
الحَرْبُ ثارَ عَكُوبُها
مَا: صِلَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى أَيْ كأَنه
(14/23)
قَالَ سَتَلْقَوْن أيُّ شَيْءٍ آخِيُّكم
فِي عَدوِّكم. وَقَدْ أَخَّيْتُ للدابَّة تَأْخِيَة وتَأَخَّيْتُ
الآخِيَّةَ. والأَخِيَّة لَا غَيْرُ: الطُّنُب. والأَخِيَّة أَيضاً:
الحُرْمة والذِّمَّة، تَقُولُ: لِفُلَانٍ أَوَاخِيُّ وأَسْبابٌ تُرْعى.
وَفِي حَدِيثِ
عُمر: أَنه قَالَ لِلْعَبَّاسِ أَنت أَخِيَّةُ آباءِ رَسُولِ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ أَراد بالأَخِيَّةِ البَقِيَّةَ؛ يُقَالُ: لَهُ عِنْدِي أَخِيَّة
أَيْ ماتَّةٌ قَوِيَّةٌ ووَسِيلةٌ قَريبة، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَنت
الَّذِي يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْل رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويُتَمَسَّك بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمر: يَتَأَخَّى مُناخَ رَسُولِ اللَّهِ
أَيْ يَتَحَرَّى ويَقْصِد، وَيُقَالُ فِيهِ بِالْوَاوِ أَيْضًا، وَهُوَ
الأَكثر. وَفِي حَدِيثِ السُّجُودِ:
الرَّجُلُ يُؤَخِّي والمرأَة تَحْتَفِزُ
؛ أَخَّى الرجلُ إِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمه اليُسرى ونَصَبَ اليُمْنى؛
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْغَرِيبِ فِي
حَرْفِ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ إِنَّمَا
هُوَ الرَّجُلُ يُخَوِّي والمرأَة تَحْتَفِزُ. والتَّخْوِيَةُ: أَن
يُجافي بطنَه عن الأَرض ويَرْفَعَها.
أدا: أَدا اللَّبَنُ أُدُوّاً وأَدَى أُدِيّاً: خَثُرَ لِيَرُوبَ؛ عَنْ
كُرَاعٍ، يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. ابْنُ بُزُرْج: أَدا اللَّبَنُ
أُدُوّاً، مُثقَّل، يَأْدُو، وَهُوَ اللَّبَنُ بَيْنَ اللَّبَنَيْنِ
لَيْسَ بالحامِض وَلَا بالحُلْو. وَقَدْ أَدَتِ الثمرةُ تَأْدُو
أُدُوّاً، وهو اليُنُوعُ والنُّضْجُ. وأَدَوْتُ اللَّبَن أَدْواً:
مَخَضْتُه. وأَدى السِّقاءُ يَأْدِي أُدِيّاً: أَمْكن ليُمْخَضَ.
وأَدَوْتُ فِي مَشْيِي آدُو أَدْواً، وَهُوَ مَشْيٌ بَيْنَ
المَشْيَيْنِ لَيْسَ بالسَّريع وَلَا البَطِيء. وأَدَوْت أَدْواً إِذَا
خَتَلْت. وأَدا السَّبُعُ للغزال يَأْدُوا أَدْواً: خَتَلَه ليَأْكُله،
وأَدَوْتُ لَهُ وأَدَوْتهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ:
حَنَتْني حانِياتُ الدَّهْر، حَتَّى ... كَأَنِّي خاتلٌ يَأْدُو
لِصَيدِ
أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: أَدَوْتُ له آدُوا لَهُ أَدْواً إِذَا
خَتَلْته؛ وأَنشد:
أَدَوْتُ لَهُ لآخُذَهُ؛ ... فَهَيْهاتَ الفَتى حَذِرا
نَصَبَ حَذِراً بفِعْلٍ مُضْمَر أَيْ لَا يَزَالُ حَذِراً؛ قَالَ:
وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ لأَن الْكَلَامَ تَمَّ بِقَوْلِهِ
هَيْهَاتَ كأَنه قَالَ بَعُدَ عَنِّي وَهُوَ حَذِر، وَهُوَ مِثْلُ
دَأَى يَدْأَي سَوَاءٌ بِمَعْنَاهُ. وَيُقَالُ: الذِّئْبُ يَأْدُو
للغَزال أَيْ يَخْتِلُه ليأْكُلَه؛ قَالَ: وَالذِّئْبُ يَأْدُو للغَزال
يأْكُلُهْ الْجَوْهَرِيُّ: أَدَوْتُ لَهُ وأَدَيْتُ أَيْ خَتَلْتُه؛
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
تَئِطُّ ويَأْدُوها الإِفالُ، مُرِبَّةً ... بأَوطانها مِنْ مُطْرَفاتِ
الحَمائل
قَالَ: يَأْدُوها يَخْتِلُها عَنْ ضُرُوعِها، ومُرِبَّة أَي قُلُوبُهَا
مُرِبَّة بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَنْزِعُ إِلَيْهَا، ومُطْرَفات:
أُطْرِفوها غَنيمةً مِنْ غَيْرِهِمْ، والحمَائل: المحتَمَلة إِلَيْهِمُ
المأْخوذة مِنْ غَيْرِهِمْ، والإِدَاوَةُ: المَطْهَرة. ابْنُ سِيدَهْ
وَغَيْرُهُ: الإِدَاوَةُ لِلْمَاءِ وَجَمْعُهَا أَدَاوَى مِثْلُ
المَطايا؛ وأَنشد:
يَحْمِلْنَ قُدَّامَ الجَآجِئ ... فِي أَدَاوَى كالمَطاهِر
يَصِف القَطا واسْتِقاءَها لفِراخِها فِي حَواصلها؛ وَأَنْشَدَ
الْجَوْهَرِيُّ:
إِذَا الأَدَاوَى ماؤُها تَصَبْصَبا
وَكَانَ قِيَاسُهُ أَدَائِيَ مِثْلُ رِسالة ورَسائِل، فتَجَنَّبُوه
(14/24)
وَفَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا بالمَطايا
وَالْخَطَايَا فَجَعَلُوا فَعائل فَعالى، وأَبدلوا هُنَا الْوَاوَ
لِيَدُلَّ عَلَى أَنه قَدْ كَانَتْ فِي الْوَاحِدَةِ وَاوٌ ظَاهِرَةٌ
فَقَالُوا أَدَاوَى، فَهَذِهِ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الأَلف
الزَّائِدَةِ فِي إداوَة، والأَلف الَّتِي فِي آخِرِ الأَدَاوَى بَدَلٌ
مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي إداوَة، وأَلزموا الْوَاوَ هاهنا كَمَا
أَلزموا الْيَاءَ فِي مَطايا، وَقِيلَ: إِنَّمَا تَكُونُ إِدَاوَةً
إِذَا كَانَتْ مِنْ جِلْدَيْنِ قُوبِلَ أَحدهما بِالْآخَرِ. وَفِي
حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: فأَخَذْتُ الإِدَاوَة وخَرَجْتُ مَعَهُ
؛ الإِدَاوَةُ، بِالْكَسْرِ: إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُتَّخَذُ
لِلْمَاءِ كالسَّطِيحة ونحوها. وإدَاوَة الشيء وأَدَاوَته: آلَتُه.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ:
أَخَذَ هَداته أَيْ أَداته، عَلَى الْبَدَلِ. وأَخَذَ لِلدَّهْرِ
أَدَاتَه: مِنَ العُدَّة. وَقَدْ تَآدَى القومُ تَآدِياً إِذَا أَخذوا
العدَّة الَّتِي تُقَوِّيهم عَلَى الدَّهْرِ وَغَيْرِهِ. اللَّيْثُ:
أَلِفُ الأَدَاةِ وَاوٌ لأَن جَمْعَهَا أَدَوَاتٌ. وَلِكُلِّ ذِي
حِرْفة أَدَاةٌ: وَهِيَ آلَتُه الَّتِي تُقيم حِرْفَتَهُ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
لَا تَشْرَبوا إِلَّا من ذي إِدَاء
، الإِدَاةُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: الوِكاءُ وَهُوَ شِدادُ السِّقاء.
وأَدَاةُ الحَرْبِ: سِلاحُها. ابْنُ السِّكِّيتِ: آدَيْتُ للسَّفَر
فأَنا مُؤْدٍ لَهُ إِذَا كُنْتَ متهيِّئاً لَهُ. وَنَحْنُ عَلَى أَدِيّ
للصَّلاة أَي تَهَيُّؤٍ. وآدَى الرجلُ أَيْضًا أَيْ قَويَ فَهُوَ
مُؤْدٍ، بِالْهَمْزِ، أَيْ شاكِ السِّلاح؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مُؤْدين يَحْمِينَ السَّبيل السَّابلا
وَرَجُلٌ مُؤدٍ: ذُو أَداةٍ، ومُؤدٍ: شاكٍ فِي السِّلَاحِ، وَقِيلَ:
كاملُ أَداةِ السِّلَاحِ. وآدَى الرَّجُلُ، فَهُوَ مُؤْدٍ إِذَا كَانَ
شاكَ السِّلَاحِ، وَهُوَ مِنَ الأَداة. وتَآدَى أَي أَخذ لِلدَّهْرِ
أَداةً؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُر:
مَا بَعْدَ زَيدٍ فِي فَتاةٍ فُرِّقُوا ... قَتْلًا وسَبْياً بَعْدَ
حُسْنِ تَآدِي
وتَخَيَّروا الأَرضَ الفَضاء لِعِزِّهم، ... ويَزيدُ رافِدُهم عَلَى
الرُّفَّادِ
قَوْلُهُ: بَعْدَ حُسْنِ تَآدِي أَيْ بَعْدَ قُوَّة. وتَآدَيْتُ
للأَمر: أَخذت لَهُ أَداتَه. ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ هَلْ تَآدَيْتُم
لِذَلِكَ الأَمر أَيْ هَلْ تأَهَّبْتم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ
مأْخوذ مِنَ الأَداة، وأَما مُودٍ بِلَا هَمْزٍ فَهُوَ مِنْ أَوْدى أَي
هَلَك؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنِّي سَأُوديك بسَيْرٍ وَكْنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ تَآدى تَفاعَل من الآدِ، وَهِيَ
القُوَّة، وأَراد الأَسود بْنَ يَعْفُر بِزَيْدٍ زَيْدَ بْنَ مَالِكِ
بْنِ حَنْظَلة، وَكَانَ الْمُنْذِرُ خَطَبَ إِلَيْهِمُ امرأَة فأَبوا
أَن يُزَوِّجُوهُ إِيَّاهَا فَغَزَاهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ. وَيُقَالُ:
أَخَذْت لِذَلِكَ الأَمر أَديَّه أَيْ أُهْبَتَه. الْجَوْهَرِيُّ:
الأَدَاةُ الْآلَةُ، وَالْجَمْعُ الأَدَوَات. وآدَاهُ عَلَى كَذَا
يُؤْدِيهِ إيداءً: قَوَّاه عَلَيْهِ وأَعانَه. ومَنْ يُؤْدِيني عَلَى
فُلَانٍ أَيْ مَنْ يُعِينني عَلَيْهِ؛ شَاهِدُهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاح
بْنِ حَكِيمٍ:
فيُؤْدِيهِم عَليَّ فَتاءُ سِنِّي، ... حَنانَكَ رَبَّنا، يَا ذَا
الحَنان
وَفِي الْحَدِيثِ:
يَخْرجُ مِنْ قِبَل المَشْرق جَيْش آدَى شَيءٍ وأَعَدُّهُ، أَمِيرُهُم
رَجُلٌ طُوالٌ
، أَي أَقْوَى شَيْءٍ. يُقَالُ: آدِنِي عَلَيْهِ، بِالْمَدِّ، أَيْ
قَوِّني. وَرَجُلٌ مُؤْدٍ: تامُّ السِّلَاحِ كاملُ أَداةِ الْحَرْبِ؛
وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَرأَيْتَ رَجُلًا خرَج مُؤْدِياً نَشِيطاً؟
وَفِي حَدِيثِ
الأَسود بْنِ يَزِيدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وإنَّا لَجَمِيعٌ
حَذِرُونَ، قَالَ: مُقْوُون مُؤْدُون
أَي كَامِلُو أَداة الحَرْب. وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ آدَيْتُه
عَلَى أَفْعَلْته أَيْ أَعَنْته. وآدَانِي السلطانُ عَلَيْهِ:
أَعْداني. واسْتأْدَيْته عَلَيْهِ: اسْتَعْدَيته. وآدَيْته
(14/25)
عَلَيْهِ: أَعَنْتُه، كُلُّهُ مِنْهُ.
الأَزهري: أَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ اسْتأْدَيت السلطانَ عَلَى
فُلَانٍ أَيِ اسْتَعْدَيَتْ فآدَانِي عَلَيْهِ أَيْ أَعْداني
وأَعانَني. وَفِي حَدِيثِ هِجْرة الحَبَشة قَالَ:
وَاللَّهِ لأَسْتَأْدِيَنَّه عَلَيْكُمْ
أَي لأَسْتعدِيَنَّه، فأَبدل الْهَمْزَةَ مِنَ الْعَيْنِ لأَنهما مِنْ
مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ لأَشْكُوَنَّ إِلَيْهِ فِعْلَكُم بِي
لِيُعْدِيَني عَلَيْكُمْ ويُنْصِفَني مِنْكُمْ. وَفِي تَرْجَمَةِ
عَدَا: تَقُولُ اسْتَأْداه، بِالْهَمْزِ، فَآدَاهُ أَيْ فأَعانه
وقَوَّاه. وآدَيْتُ لِلسَّفَرِ فأَنا مُؤْدٍ لَهُ إِذَا كُنْتَ
مُتَهَيِّئًا لَهُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: اسْتعدَدْت لَهُ وأَخذت
أَداتَه. والأَدِيُّ: السَّفَر مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ:
وحَرْفٍ لَا تَزالُ عَلَى أَدِيّ ... مُسَلَّمَةِ العُرُوق مِنَ
الخُمال
وأُدَيَّة «3» . أَبو مِرْداس الحَرُورِيُّ: إِمَّا أَن يَكُونَ
تَصْغِيرَ أَدْوَة وَهِيَ الخَدْعَة، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي،
وَإِمَّا أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ أَداة. وَيُقَالُ: تَآدَى القومُ
تَآدِياً وتَعادَوْا تَعادِياً أَي تَتابَعُوا مَوْتًا. وغَنَمٌ
أَدِيَّةٌ عَلَى فَعِيلة أَي قَلِيلَةٌ. الأَصمعي: الأَدِيَّة
تَقْدِيرُ عَدِيَّة مِنَ الإِبل الْقَلِيلَةِ العَدَد. أَبو عَمْرٍو:
الاداءُ «4» . الخَوُّ مِنَ الرَّمْلِ، وَهُوَ الْوَاسِعُ مِنَ
الرَّمْلِ، وَجَمْعُهُ أَيْدِيَةٌ. والإِدَةُ: زَماعُ الأَمر
واجْتماعُه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَبَاتُوا جَمِيعًا سالمِينَ، وأَمْرُهُم ... عَلَى إدَةٍ، حَتَّى
إِذَا الناسُ أَصْبَحوا
وأَدَّى الشيءَ: أَوْصَلهُ، وَالِاسْمُ الأَداءُ. وَهُوَ آدَى للأَمانة
مِنْهُ، بِمَدِّ الأَلف، والعامةُ قَدْ لَهِجوا بِالْخَطَأِ فَقَالُوا
فُلَانٌ أَدَّى للأَمانة، وَهُوَ لَحْنٌ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ أَبو
مَنْصُورٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَجاز آدَى لأَن
أَفْعَل فِي بَابِ التَّعَجُّبِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الثُّلَاثِيِّ،
وَلَا يُقَالُ أَدَى بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى أَدَّى بِالتَّشْدِيدِ،
وَوَجْهُ الْكَلَامِ أَن يُقَالَ: فُلَانٌ أَحْسَنُ أَدَاءً. وأَدَّى
دَيْنَه تَأْدِيَةً أَي قَضاه، وَالِاسْمُ الأَدَاء. وَيُقَالُ:
تَأَدَّيْتُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ حقِّه إِذَا أَدَّيْتَه وقَضَيْته.
وَيُقَالُ: لَا يَتَأَدَّى عَبْدٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ حقوقه كما
يَجِبُ. وتقول لِلرَّجُلِ: مَا أَدري كَيْفَ أَتَأَدَّى إِلَيْكَ مِنْ
حَقّ مَا أَوليتني. وَيُقَالُ: أَدَّى فُلَانٌ مَا عَلَيْهِ أَدَاءً
وتَأْدِيةً. وتَأَدَّى إِلَيْهِ الخَبرُ أَي انْتَهى. وَيُقَالُ:
اسْتَأْدَاه مَالًا إِذَا صادَرَه واسْتَخْرَجَ مِنْهُ. وأَما قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ
رَسُولٌ أَمِينٌ
؛ فَهُوَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى لِذَوِي فِرْعَوْنَ، مَعْنَاهُ سَلِّموا
إليَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي
إِسْرائِيلَ أَي أَطْلِقْهم مِنْ عَذَابِكَ، وَقِيلَ: نَصَبَ عِبادَ
اللَّهِ لأَنه مُنَادًى مُضَافٌ، وَمَعْنَاهُ أَدُّوا إليَّ مَا أَمركم
اللَّهُ بِهِ يَا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ؛ قَالَ أَبو
مَنْصُورٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَن يَكُونَ أَدُّوا إِلَيَ
بِمَعْنَى اسْتَمِعُوا إليَّ، كأَنه يَقُولُ أَدُّوا إليَّ سَمْعَكُمْ
أُبَلِّغكم رِسَالَةَ رَبِّكُمْ؛ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا
الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ أَبي المُثَلَّم الهُذَلي:
سَبَعْتَ رِجالًا فأَهْلَكْتَهُم، ... فأَدِّ إِلَى بَعضِهم واقْرِضِ
أَراد بِقَوْلِهِ أَدِّ إِلَى بَعْضِهِمْ أَي اسْتَمِعْ إِلَى بَعْضٍ
مَنْ سَبَعْت لِتَسَمَّعَ مِنْهُ كأَنه قَالَ أدِّ سَمْعَك إِلَيْهِ.
وَهُوَ بإدَائِه أَي بِإِزَائِهِ، طَائِيَّةٌ. وإناءٌ أَدِيٌّ:
صَغِيرٌ، وسِقاءٌ أَدِيٌّ: بَينَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، ومالٌ
أَدِيٌّ وَمَتَاعٌ أَدِيٌّ، كِلَاهُمَا: قَلِيلٌ. ورجلٌ أَدِيٌّ:
خَفِيفٌ مشمِّر. وقَطَع اللَّهُ أَدَيْه أَي يَدَيه. وَثَوْبٌ أَدِيٌّ
ويَدِيٌ
__________
(3) . أُدَيَّة هي أم مرداس وقيل جدته
(4) . قوله [أبو عمرو الاداء] كذا في الأَصل من غير ضبط لأَوله. وقوله
[وجمعه أيدية] هكذا في الأَصل أيضاً ولعله محرف عن آدية، بالمد، مثل
آنية
(14/26)
إِذَا كَانَ وَاسِعًا. وأَدَى الشيءُ:
كَثُر. وآدَاهُ مالُه: كَثُرَ عَلَيْهِ فَغلَبَه؛ قَالَ:
إِذَا آدَاكَ مالُكَ فامْتَهِنْه ... لِجادِيه، وإنْ قَرِعَ المُراحُ
وآدَى القومُ وتَآدَوْا: كَثُروا بالموضع وأَخصبوا.
أذي: الأَذَى: كُلُّ مَا تأَذَّيْتَ بِهِ. آذَاه يُؤذِيه أَذىً
وأَذَاةً وأَذِيَّةً وتَأَذَّيْت بِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
صَوَابُهُ آذَانِي إيذَاءً، فأَما أَذىً فَمَصْدَرُ أَذِيَ أَذىً،
وَكَذَلِكَ أَذَاة وأَذِيَّة. يُقَالُ: أَذِيْت بِالشَّيْءِ آذَى أَذىً
وأَذَاةً وأَذِيَّةً فأَنا أَذٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لقَدْ أَذُوا بِكَ وَدُّوا لَوْ تُفارِقُهُم، ... أَذَى الهَراسةِ
بَيْنَ النَّعلِ والقَدَم
وَقَالَ آخَرُ:
وَإِذَا أَذِيتُ ببَلْدَةٍ فارَقْتُها، ... وَلَا أُقيم بغَيرِ دَارِ
مُقام
ابْنُ سِيدَهْ: أَذِيَ بِهِ أَذىً وتَأَذَّى؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
تَأَذِّيَ العَوْدِ اشْتكى أَنْ يُرْكَبا
وَالِاسْمُ الأَذِيَّةُ والأَذَاة؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
وَلَا تَشْتُم المَوْلى وتَبْلُغْ أَذَاتَهُ، ... فإنَّك إِنْ تَفْعَلْ
تُسَفَّهْ وتَجْهَل
وَفِي حَدِيثِ العَقيقة:
أَمِيطوا عَنْهُ الأَذَى
، يُرِيدُ الشَّعْرَ وَالنَّجَاسَةَ وَمَا يَخْرُجُ عَلَى رأْس
الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ يُحْلَق عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
أَدْناها إماطةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
، وَهُوَ مَا يؤْذِي فِيهَا كَالشَّوْكِ وَالْحَجَرِ وَالنَّجَاسَةِ
وَنَحْوِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ
، وَهُوَ وَعِيدٌ لِمَنْ يُؤْذِي النَّاسَ فِي الدُّنْيَا بِعُقُوبَةِ
النَّارِ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: أَراد كُلَّ مُؤْذٍ مِنَ السِّبَاعِ
وَالْهَوَامِّ يُجْعَل فِي النَّارِ عُقُوبَةً لأَهلها. التَّهْذِيبُ:
وَرَجُلٌ أَذِيٌّ إِذَا كَانَ شَدِيدَ التأَذِّي، فِعْلٌ لَهُ لازمٌ،
وبَعيرٌ أَذِيٌّ. وَفِي الصِّحَاحِ: بَعيرٌ أَذٍ عَلَى فَعِلٍ،
وَنَاقَةٌ أَذِيَةٌ: لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ مِنْ غَيْرِ وَجَعٍ
وَلَكِنْ خِلْقَةً كأَنها تَشْكُو أَذىً. والأَذِيُّ مِنَ النَّاسِ
وَغَيْرِهِمْ: كالأَذِي؛ قَالَ:
يُصاحِبُ الشَّيطانَ مَنْ يُصاحِبُه، ... فَهْوَ أَذِيٌّ حَمَّةٌ
مَصاوِبُه «1»
. وَقَدْ يَكُونُ الأَذِيٌّ الْمُؤْذِي. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَدَعْ أَذاهُمْ
؛ تأْويلُه أَذى الْمُنَافِقِينَ لَا تُجازِهِمْ عَلَيْهِ إِلَى أَن
تُؤْمَرَ فِيهِمْ بأَمر. وَقَدْ آذَيْتُه إِيذَاءً وأَذِيَّةً، وَقَدْ
تَأَذَّيْتُ بِهِ تَأَذِّياً، وأَذِيتُ آذَى أَذىً، وآذَى الرجلُ:
فَعَل الأَذى؛ وَمِنْهُ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلَّذِي تَخَطَّى رِقاب
النَّاسِ يَوْم الجُمُعَة: رأَيْتُك آذَيْتَ وآتَيْتَ.
والآذِيُّ: المَوْجُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ مَطَرًا:
ثَجَّ، حَتَّى ضَاقَ عَنْ آذِيِّه ... عَرْضُ خِيمٍ فحِفاف فَيُسُر
ابْنُ شُمَيْلٍ: آذِيُّ الْمَاءِ الأَطباق الَّتِي تَرَاهَا
تَرْفَعُهَا مِنْ مَتْنهِ الريحُ دونَ المَوْج. والآذِيُّ: المَوْجُ؛
قَالَ المُغِيرة بْنُ حَبْناء:
إِذَا رَمى آذِيُّهُ بالطِّمِّ، ... تَرى الرِّجالَ حَوْلَه كالصُّمِّ،
مِنْ مُطْرِقٍ ومُنْصِتٍ مُرِمِ
الْجَوْهَرِيُّ: الآذِيُّ مَوْجُ الْبَحْرِ، وَالْجَمْعُ الأَوَاذِيُّ؛
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للعَجّاج:
طَحْطَحَهُ آذِيُّ بَحْرٍ مُتْأَقِ
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وإذ
__________
(1) . قوله [حمة] كذا في الأَصل بالحاء المهملة مرموزاً لها بعلامة
الإِهمال
(14/27)
أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَني آدَمَ مِنْ
ظُهورهم ذُرِّيَّاتِهم، قَالَ: كأَنَّهم الذَّرُّ فِي آذِيِّ الْمَاءِ.
الآذِيُّ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ: المَوْجُ الشَّدِيدُ. وَفِي
خُطْبَة عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ
مَوْجِها.
وَإِذَا وإذْ: ظَرْفان مِنَ الزَّمَانِ، فَإِذَا لِمَا يأْتي، وإذْ
لِمَا مَضَى وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ من إذا.
أري: الأَصمعي: أَرَتِ القِدْرُ تَأْرِي أَرْياً إِذَا احْتَرَقَتْ
ولَصِقَ بِهَا الشَّيْءُ، وأَرَتِ القِدْرُ تَأْرِي أَرْياً، وَهُوَ
مَا يَلْصَق بِهَا مِنَ الطَّعَامِ. وَقَدْ أَرَتِ القِدْرُ أَرْياً:
لَزِقَ بأَسفلها شَيْءٌ مِنَ الِاحْتِرَاقِ مِثْلُ شاطَتْ؛ وَفِي
الْمُحْكَمِ: لَزِقَ بأَسفلها شِبْهُ الجُلْبَة السَّوْدَاءِ، وَذَلِكَ
إِذَا لَمْ يُسَطْ مَا فِيهَا أَوْ لَمْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ.
والأَرْيُ: مَا لَزِقَ بأَسفلها وبقِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ؛ المصدرُ
وَالِاسْمُ فِيهِ سواءٌ. وأَرْيُ القِدْرِ: مَا الْتَزَقَ
بِجَوَانِبِهَا مِنَ الحَرَق. ابْنُ الأَعرابي: قُرارَة القِدر
وكُدادتُها وأَرْيُها. والأَرْيُ: العَسَلُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
بأَشْهَبَ مِنْ أَبكارِ مُزْن سَحابةٍ، ... وأَرْيِ دَبُورٍ شارَهُ
النَّحْلَ عاسلُ
وعَمَلُ النَّحْلِ أَرْيٌ أَيضاً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي
ذُؤَيْبٍ:
جَوارِسُها تَأْري الشُّعُوفَ
تَأْري: تُعَسِّل، قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ
وَرَوَى غَيْرُهُ تَأْوي. وَقَدْ أَرَتِ النَّحْلُ تَأْرِي أَرْياً
وتَأَرَّتْ وأْتَرَتْ: عَمِلَت العَسَل؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ فِي
صِفَةِ دَبْر الْعَسَلِ:
إِذَا مَا تَأَرَّتْ بالخَليِّ، بَنَتْ بِهِ ... شَريجَيْنِ مِمّا
تَأْتَرِي وتُتِيعُ «1»
. شَرِيجَيْن: ضَرْبَيْنِ يَعْنِي مِنَ الشَّهْدِ وَالْعَسَلِ.
وتَأْتَرِي: تُعَسِّلُ، وتُتِيعُ أَي تَقِيءُ العسلَ. والْتِزاقُ
الأَرْي بالعَسَّالة ائْتِراؤه، وَقِيلَ: الأَرْيُ مَا تَجْمَعُهُ مِنَ
الْعَسَلِ فِي أَجوافِها ثُمَّ تَلْفِظه، وَقِيلَ: الأَرْيُ عَمَلُ
النَّحْلِ، وَهُوَ أَيضاً مَا التَزَقَ مِنَ الْعَسَلِ فِي جَوَانِبِ
العَسَّالة، وَقِيلَ: عَسَلُها حِينَ تَرْمي بِهِ مِنْ أَفواهها؛
وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
إِذَا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
إِنَّمَا هُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي مَا جَمَعَتْ فِي
أَجوافها مِنَ الْغَيْظِ كَمَا تَفْعَلُ النَّحْلُ إِذَا جمَعَتْ فِي
أَفواهها العَسَل ثُمَّ مَجَّتْه. وَيُقَالُ للَّبَنِ إِذَا لَصِق
وَضَرهُ بالإِناء: قَدْ أَرِيَ، وَهُوَ الأَرْيُ مِثْلُ الرَّمْي.
والتَّأَرِّي: جَمْع الرَّجُلِ لِبَنِيه الطَّعامَ. وأَرَتِ الريحُ
الماءَ: صَبَّته شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وأَرْيُ السماءِ مَا أَرَتْه
الرِّيحُ تَأْرِيه أَرْياً فصَبَّته شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَقِيلَ:
أَرْيُ الرِّيحِ عَمَلُها وسَوْقُها السحابَ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
يَشِمْنَ بُرُوقَها، ويَرُشُّ أَرْيَ الْجَنُوب، ... عَلَى حَواجِبها،
العَماءُ
قَالَ اللَّيْثُ: أَرادَ مَا وَقَعَ مِنَ النَّدى والطَّلِّ عَلَى
الشَّجَرِ والعُشْب فَلَمْ يَزَلْ يَلْزَقُ بعضهُ بِبَعْضٍ ويَكْثُرُ،
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَرْيُ الجَنوبِ مَا اسْتَدَرَّتْه الجَنوبُ
مِنَ الغَمام إِذَا مَطَرَت. وأَرْيُ السَّحَابِ: دِرَّتُه، قَالَ أَبو
حَنِيفَةَ: أَصل الأَرْيِ العَمَل. وأَرْيُ النَّدى: مَا وَقَعَ مِنْهُ
عَلَى الشَّجَرِ والعُشْب فالتزَق وكَثُر. والأَرْيُ: لُطاخةُ مَا
تأْكله. وتَأَرَّى عَنْهُ: تَخَلَّف. وتَأَرَّى بِالْمَكَانِ وأْتَرَى:
احْتَبَس. وأَرَتِ الدابَّةُ مَرْبَطَها
__________
(1) . قوله [إذا ما تأرت] كذا في الأَصل بالراء، وفي التكملة بالواو
(14/28)
ومَعْلَفَها أَرْياً: لَزِمَتْه.
والأَرِيُّ والآرِي: الأَخِيَّةُ. وأَرَّيْتُ لَهَا: عَمِلْتُ لَهَا
آرِيّاً. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ للمَعْلَف آرِيٌّ
قَالَ: هَذَا مِمَّا يَضَعُهُ النَّاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ،
وَإِنَّمَا الآرِيُّ مَحْبِس الدَّابَّةِ، وَهِيَ الأَواري والأَواخِي،
وَاحِدَتُهَا آخِيَّةٌ، وآرِيٌّ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْفِعْلِ فاعُولٌ.
وتَأَرَّى بِالْمَكَانِ إِذَا تَحَبَّس؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَعشى باهِلة:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبُه، ... وَلَا يَعَضُّ عَلَى
شُرْسُوفهِ الصَّفَر «2»
. وَقَالَ آخَرُ:
لَا يَتَأَرَّوْنَ فِي المَضِيق، وإنْ ... نادَى مُنادٍ كَيْ
يَنْزِلوا، نَزَلوا
يَقُولُ: لَا يَجْمَعون الطَّعَامَ فِي الضِّيقة؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
واعْتَادَ أَرباضاً لَهَا آرِيُّ ... مِنْ مَعْدِن الصِّيرانِ
عُدْمُليُ
قَالَ: اعْتادَها أَتاها ورَجَع إِلَيْهَا، والأَرْباضُ: جَمْعُ رَبَضٍ
وَهُوَ المأْوى، وَقَوْلُهُ لَهَا آرِيٌّ أَي لَهَا آخِيَّةٌ مِنْ
مَكانِس الْبَقَرِ لَا تَزُولُ، وَلَهَا أَصل ثَابِتٌ فِي سُكُونِ
الْوَحْشِ بِهَا، يَعْنِي الكِناس. قَالَ: وَقَدْ تُسَمَّى الآخِيَّة
أَيضاً آرِيّاً، وَهُوَ حَبَلٌ تُشَدُّ بِهِ الدَّابَّةُ فِي
مَحْبِسها؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ للمُثَقِّب الْعَبْدِيِّ يَصِفُ
فَرَسًا:
داوَيْتُه بالمحْض، حتَّى شَتا ... يَجْتَذِبُ الآرِيَّ بالمِرْوَد
أَيْ مَعَ المِرْوَدِ، وأَرادَ بآرِيِّه الرَّكاسَةَ المدفونةَ تَحْتَ
الأَرض المُثْبتةَ فِيهَا تُشَدُّ الدابةُ مِنْ عُرْوَتها الْبَارِزَةِ
فَلَا تَقْلَعُها لِثَبَاتِهَا فِي الأَرض؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ فاعُولٌ، وَالْجَمْعُ الأَوَارِي، يُخَفَّفُ
وَيُشَدَّدُ. تَقُولُ مِنْهُ: أَرَّيْتُ لِلدَّابَّةِ تَأْرِيَةً،
وَالدَّابَّةُ تَأْرِي إِلَى الدابَّة إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهَا
وأَلِفَتْ مَعَهَا مَعْلَفاً وَاحِدًا، وآرَيْتُها أَنا؛ وَقَوْلُ
لَبِيَدٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
تَسْلُبُ الكانِسَ لَمْ يُوأَرْ بِهَا ... شُعْبَة السَّاقِ، إِذَا
الظِّلُّ عَقَل
قَالَ اللَّيْثُ: لَمْ يُوأَرْ بِهَا أَي لَمْ يُذْعَرْ، وَيُرْوَى
لَمْ يُورأْ بِهَا أَي لَمْ يُشْعَرْ بِهَا، قَالَ: وَهُوَ مَقْلُوبٌ
مِنْ أَرَيْتُه أَي أَعلمته، قَالَ: وَوَزْنُهُ الْآنَ لَمْ يُلْفَعْ،
وَيُرْوَى لَمْ يُورَا، عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ، وَيُرْوَى لَمْ
يُؤْرَ بِهَا، بِوَزْنِ لَمْ يُعْرَ، مِنَ الأَرْي أَيْ لَمْ يَلْصَق
بِصَدْرِهِ الفَزَعُ، وَمِنْهُ قِيلَ: إِنَّ فِي صَدْرِكَ عَليَّ
لأَرْياً أَي لَطْخاً مِنْ حِقْد، وَقَدْ أَرَى عليَّ صَدْرُه. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى السِّيرَافِيُّ لَمْ يُؤْرَ مِنْ أُوَار
الشَّمْسِ، وأَصله لَمْ يُوأَرْ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يُذْعَرْ أَي لَمْ
يُصِبْه حَرُّ الذُّعْر. وَقَالُوا: أَرِيَ الصَّدْرُ أَرْياً، وَهُوَ
مَا يَثْبُتُ فِي الصَّدْرِ مِنَ الضِّغْن. وأَرِيَ صدرُه،
بِالْكَسْرِ، أَي وَغِر. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرَى صَدْرُه عليَّ
أَرْياً وأَرِيَ اغْتَاظَ؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
لهَا بَدَنٌ عاسٍ ونارٌ كَرِيمَةٌ ... بمُعْتَلَجِ الآرِيِّ، بَيْنَ
الصَّرائم
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الآرِيُّ مَا كَانَ بَيْنَ السَّهْل والحَزْن،
وَقِيلَ: مُعْتَلَج الآَرِيّ اسمُ أَرض. وتَأَرَّى: تَحَزّن «3» .
وأَرَّى الشيءَ: أَثبته ومَكَّنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ أَرِّ مَا بَيْنَهم
أَي ثَبِّت الوُدَّ ومَكِّنْه، يَدْعُو لِلرَّجُلِ وامرأَته. وَرَوَى
أَبو عُبَيْدَةَ: أَن رجلًا شكا
__________
(2) . قوله [لا يَتَأَرَّى البيت] قال الصاغاني: هكذا وقع في أكثر كتب
اللغة وأخذ بعضهم عن بعض، والرواية:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القدر يرقبه ... وَلَا يَزَالُ أَمَامَ
الْقَوْمِ يقتفر
لَا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أين ولا نصب ... وَلَا يَعَضُّ عَلَى
شُرْسُوفِهِ الصفر
(3) . قوله [وتَأَرَّى تحزن] هكذا في الأَصل ولم نجده في كتب اللغة
التي بأَيدينا
(14/29)
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امرأَته فَقَالَ اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَثبت بَيْنَهُمَا؛ وأَنشد لأَعشى
بَاهِلَةَ:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبُه
الْبَيْتَ. يَقُولُ: لَا يَتَلَبَّث وَلَا يَتَحَبَّس. وَرَوَى
بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا بِهَذَا
الدُّعَاءِ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
، وَرَوَى
ابْنُ الأَثير أَنه دَعَا لامرأَة كَانَتْ تَفْرَك زَوْجها فَقَالَ:
اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهُمَا
، أَي أَلِّف وأَثبت الوُدَّ بَيْنَهُمَا، مِنْ قَوْلِهِمْ الدَّابَّةُ
تَأْرِي لِلدَّابَّةِ إِذَا انضمَّت إِلَيْهَا وأَلِفَت مَعَهَا
مَعْلَفاً وَاحِدًا، وآرَيْتُها أَنا، وَرَوَاهُ
ابْنُ الأَنباري: اللَّهُمَّ أَرِّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحبَه
أَي احْبِسْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى لَا
يَنْصَرِفَ قَلْبُهُ إِلَى غَيْرِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ تَأَرَّيْت
بِالْمَكَانِ إِذَا احْتَبَسْت فِيهِ، وَبِهِ سمِّيت الآخِيَّة آرِيّاً
لأَنها تَمْنَعُ الدَّوَابَّ عَنِ الِانْفِلَاتِ، وَسُمِّيَ المَعْلَف
آرِيّاً مَجَازًا، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَن
يُقَالَ اللَّهُمَّ أَرِّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ،
فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِحَذْفِ عَلَى فَيَكُونُ كَقَوْلِهِمْ
تَعَلَّقْتُ بِفُلَانٍ وتَعَلَّقتُ فُلَانًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي بَكْرٍ: أَنه دَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفًا لِيَقْتُلَ بِهِ رَجُلًا
فاسْتَثْبَتَه فَقَالَ: أَرِّ
أَي مَكِّن وثَبِّتْ يَدِي مِنَ السَّيْفِ، وَرُوِيَ: أَرِ
مُخَفَّفَةً، مِنَ الرؤْية كأَنه يَقُولُ أَرِني بِمَعْنَى أَعْطِني.
الْجَوْهَرِيُّ: تَأَرَّيْت بِالْمَكَانِ أَقمت بِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ
أَعشى بَاهِلَةَ أَيضاً:
لَا يَتأَرَّى لِمَا فِي القِدْر يَرْقُبُه
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَي لَا يَتَحَبَّس عَلَى إِدْرَاكِ القِدْر
ليأْكل. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يَتَأَرَّى يَتَحَرَّى؛ وأَنشد ابْنُ
بَرِّيٍّ للحُطيئة:
وَلَا تَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبه، ... وَلَا يَقُومُ
بأَعْلى الْفَجْرِ يَنْتَطِق
قَالَ: وأَرَّيْت أَيضاً وَإِلَى مَتى أَنت مُؤَرّ بِهِ. وأَرَّيْتُه:
اسْتَرْشَدَني فغَشَشْته. وأَرَّى النارَ: عَظَّمَها ورَفَعَها.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرَّاها جَعَل لَهَا إرَةً، قَالَ: وَهَذَا
لَا يَصِحُّ إِلَّا أَن يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ وَأَرْتُ، إمَّا
مستعمَلة، وَإِمَّا متوهَّمة. أَبو زَيْدٍ: أَرَّيْتُ النارَ
تَأْرِيَةً ونَمَّيتها تَنْمِيَةً وذكَّيْتها تَذْكِيَةً إِذَا
رَفَعْتها. يُقَالُ: أَرِّ نارَك. والإِرَةُ: مَوْضِعُ النَّارِ،
وأَصله إرْيٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، وَالْجَمْعُ إرُونَ
مِثْلُ عِزُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ لِكَعْبٍ أَو
لِزُهَيْرٍ:
يُثِرْنَ التُّرابَ عَلَى وَجْهِه، ... كلَوْنِ الدَّواجِن فَوْقَ
الإِرِينا
قَالَ: وَقَدْ تُجْمَعُ الإِرَةُ إِرَات، قَالَ: والإِرَةُ عِنْدَ
الْجَوْهَرِيِّ محذوفةُ اللَّامِ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى إرِين
وكَوْنِ الْفِعْلِ مَحْذُوفَ اللَّامِ. يُقَالُ: أَرِّ لِنارِك أَي
اجْعَل لَهَا إرَةً، قَالَ: وَقَدْ تأْتي الإِرَةُ مِثْلَ عِدَة
مَحْذُوفَةِ الْوَاوِ، تَقُولُ: وَأَرْتُ إرَةً. وَآذَانِي أَرْيُ
القِدْرِ والنَّارِ أَي حَرُّهُما؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذَا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
أَي حَرَّ العَداوَة. والإِرَةُ أَيضاً: شَحْم السَّنامِ؛ قَالَ
الرَّاجِزُ:
وَعْدٌ كَشَحْمِ الإِرَةِ المُسَرْهَد
الْجَوْهَرِيُّ: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً أَي ذَكّيتها؛ قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَرَّثْتها، وَاسْمُ
مَا تُلْقِيهِ عَلَيْهَا الأُرْثَة. وأَرِّ نارَك وأَرِّ لِنَارِكَ أَي
اجْعَل لَهَا إرَةً، وَهِيَ حُفْرة تَكُونُ فِي وَسَطِ النَّارِ
يَكُونُ فِيهَا مُعْظَمُ الجَمْر. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه
قَالَ: أَرِّ نارَك افْتَحْ وَسَطَهَا لِيَتَّسِعَ الْمَوْضِعُ
لِلْجَمْرِ، وَاسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي تُلْقِيهِ عَلَيْهَا مِنْ بَعَر
أَو حَطَب
(14/30)
الذُّكْية. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَحسب
أَبا زَيْدٍ جَعَل أَرَّيْت النَّارَ مِنْ وَرَّيْتَها، فَقَلَبَ
الْوَاوَ هَمْزَةً، كَمَا قَالُوا أكَّدْت الْيَمِينَ ووَكَّدْتها
وأَرَّثْت النَّارَ ووَرَّثْتها. وَقَالُوا مِنَ الإِرَة وَهِيَ
الْحُفْرَةُ الَّتِي تُوقَدُ فِيهَا النَّارُ: إرَةٌ بَيّنة الإِرْوَة،
وَقَدْ أَرَوْتها آرُوها، ومِنْ آرِيِّ الدَّابَّةِ أَرَّيْت
تَأْرِيَةً. قَالَ: والآرِيُّ مَا حُفِر لَهُ وأُدْخِل فِي الأَرض،
وَهِيَ الآرِيَّة والرَّكاسَة. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَمعَكم شيءٌ مِنَ الإِرَة
أَي القدِيد؛ وَقِيلَ: هُوَ أَن يُغْلَى اللحمُ بِالْخَلِّ وَيُحْمَلَ
فِي الأَسفار. وَفِي حَدِيثِ
بريدةَ: أَنه أَهْدى لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إرَةً
أَي لَحْمًا مَطْبُوخًا فِي كَرِشٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذُبِحَت لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شاةٌ
ثُمَّ صُنِعَتْ فِي الإِرَة
؛ الإِرَةُ: حُفْرَةٌ تُوقَدُ فِيهَا النَّارُ، وَقِيلَ: هِيَ
الْحُفْرَةُ الَّتِي حَوْلَهَا الأَثافيُّ. يُقَالُ: وَأَرْتُ إرَةً،
وَقِيلَ: الإِرَةُ النارُ نَفْسُها، وأَصل الإِرَة إرْيٌ، بِوَزْنِ
عِلْم، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: ذَبَحْنَا شَاةً وَصَنَعْنَاهَا فِي الإِرَة
حَتَّى إِذَا نَضِجت جَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَتنا.
وأَرَّيْت عَنِ الشَّيْءِ: مِثْلُ وَرَّيْت عَنْهُ. وَبِئْرُ ذِي
أَرْوانَ: اسْمُ بِئْرٍ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعي: لو كان رأْيُ الناس مثْلَ رَأْيك مَا
أُدِّيَ الأَرْيَانُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الخَراجُ والإِتاوة، وَهُوَ اسْمٌ وَاحِدٌ
كَالشَّيْطَانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الأَشبه بِكَلَامِ الْعَرَبِ
أَن يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ
بِوَاحِدَةٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَنِ الْحَقِّ، يُقَالُ فِيهِ
أُرْبان وعُرْبان، قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ الْيَاءُ مُعْجَمَةً
بِاثْنَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ التَّأْرِيَة لأَنه شَيْءٌ قُرِّرَ عَلَى
الناس وأُلْزِموه.
أزا: الأَزْوُ: الضِّيق؛ عَنْ كُرَاعٍ. وأَزَيْتُ إِلَيْهِ أَزْياً
وأُزِيّاً: انْضَمَمْتُ. وآزَانِي هُوَ: ضَمَّني؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَغْرِفُ مِنْ ذِي غَيِّثٍ وتُوزي
وأَزَى يَأْزِي أَزْياً وأُزِيّاً: انْقَبَضَ وَاجْتَمَعَ. ورَجُل
مُتَآزِي الخَلْق ومُتَآزِف الخَلْق إِذَا تَدانى بعضهُ إِلَى بَعْضٍ.
وأَزى الظِّلُّ أُزِيّاً: قَلَص وتَقَبَّض وَدَنَا بَعْضُهُ إِلَى
بَعْضٍ، فَهُوَ آزٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رِبْعي الأَسدي:
وغَلَّسَتْ والظِّلُّ آزٍ مَا زَحَلْ، ... وحاضِرُ الْمَاءِ هَجُودٌ
ومُصَلّ
وأَنشد لِكُثَيِّرٍ الْمُحَارِبِيِّ:
وَنَابِحَةٍ كَلَّفْتُها العِيسَ، بَعْدَ ما ... أَزى الظِّلُّ
والحِرباءُ مُوفٍ عَلَى جِذْل «1»
. ابنُ بُزُرْج: أَزَى الظِّلُّ يَأْزُو ويَأْزِي ويَأْزَى؛ وأَنشد:
الظِّلُّ آزٍ والسُّقاةُ تَنْتَحي
وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:
إِذَا زَاءٍ مَحْلُوقاً أَكَبَّ برأْسه، ... وأَبْصَرْته يَأْزِي إليَّ
ويَزْحَل
أَي يَنْقَبِضُ لَكَ ويَنْضَمُّ. اللَّيْثُ: أَزَى الشيءُ بعضهُ إِلَى
بَعْضٍ يَأْزِي، نَحْوُ اكْتِنَازِ اللَّحْمِ وَمَا انضَمَّ مِنْ
نَحْوِهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَضّ السِّفار فَهُوَ آزٍ زِيَمهُ
وَهُوَ يومٌ أَزٍ إِذَا كَانَ يَغُمُّ الأَنفاسَ ويُضَيِّقها لشدَّة
الحر؛ قال الباهلي:
__________
(1) . قوله [ونابحة] هكذا في الأَصل من غير نقط، وفي شرح القاموس:
نائحة، بالنون والهمز والمهملة، ولعلها نابخة بالنون والباء والمعجمة
وهي الأَرض البعيدة. وقوله بعد [إذا زاء محلوقاً إلى قوله الليث] هو
كذلك في الأَصل وشرح القاموس
(14/31)
ظَلَّ لَهَا يَوْمٌ مِنَ الشِّعْرى أَزِي،
... نَعُوذُ مِنْهُ بِزرانِيقِ الرَّكي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ يَوْمٌ آزٍ وأَزٍ مِثْلُ آسِنٍ وأَسِنٍ
أَي ضَيِّق قَلِيلُ الْخَيْرِ؛ قَالَ عِمَارَةُ:
هَذَا الزَّمانُ مُوَلٍّ خَيْرُه آزِي
وأَزَى مالُه: نَقَصَ. وأَزَى لَهُ أَزْياً: أَتاه لِيَخْتِلَه.
اللَّيْثُ: أَزَيْتُ لِفُلَانٍ آزِي لَهُ أَزْياً إِذَا أَتَيته مِنْ
وَجْهِ مَأْمَنِه لِتَخْتِله. وَيُقَالُ: هُوَ بإِزَاء فُلَانٍ أَي
بِحِذائه مَمْدُودَانِ. وَقَدْ آزَيْتُه إِذَا حاذَيْتَه، وَلَا تَقُلْ
وازَيْتُه. وقعَدَ إِزَاءَه أَي قُبالَتَه. وآزَاه: قابَلَه. وَفِي
الْحَدِيثِ:
اخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلنا ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقةً نَجا
مِنْهَا ثَلاثٌ وَهَلَكَ سائرُها.
وفِرْقةٌ آزَتِ الملُوكَ فقاتَلَتْهم عَلَى دِين اللَّهِ أَي
قاوَمَتْهم، مِنْ آزَيْتُه إِذَا حاذَيْتَه. يُقَالُ: فُلَانٌ إزَاءٌ
لِفُلَانٍ إِذَا كَانَ مُقاوماً لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فرَفَع يَدَيْهِ حَتَّى آزَتَا شَحْمة أُذُنيه
أَي حاذَتا. والإِزَاءُ: المُحاذاةُ والمُقابَلة؛ قَالَ: وَيُقَالُ
فِيهِ وَازَتا. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
فَوَازَيْنا العَدوَّ
أَي قَابَلْنَاهُمْ، وأَنكر الْجَوْهَرِيُّ أَن يُقَالَ وَازَيْنا.
وتَآزَى القَوْمُ: دَنا بعضُهم إِلَى بَعْضٍ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ:
هُوَ فِي الْجُلُوسِ خَاصَّةً؛ وأَنشد:
لَمَّا تَآزَيْنا إِلَى دِفْءِ الكُنُفْ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
وإنْ أَزَى مالُه لَمْ يَأْزِ نائِلُه، ... وإنْ أَصابَ غِنًى لَمْ
يُلْفَ غَضْبانا «1»
. وَالثَّوْبُ يَأْزِي إِذَا غُسِل، والشَّمْسُ أُزِيّاً: دَنَتْ
للمَغيب. والإِزَاء: سَبَبُ الْعَيْشِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا سُبِّبَ مِنْ
رَغَدِه وفَضْلِه. وإنَّه لإِزَاءُ مالٍ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ رِعْيَته
ويَقُومُ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ولَكِني جُعِلْت إِزَاءَ مالٍ، ... فأَمْنَع بَعْدَ ذَلِكَ أَو أُنِيل
قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ فِعالٌ مِنْ أَزَى الشيءُ يأْزِي إِذَا
تَقَبَّض وَاجْتَمَعَ، فَكَذَلِكَ هَذَا الرَّاعِي يَشُحُّ عَلَيْهَا
وَيَمْنَعُ مِنْ تَسَرُّبِها، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ؛
قَالَ حُمَيْدٌ يَصِفُ امرأَة تَقُومُ بِمَعَاشِهَا:
إِزَاءُ مَعاشٍ لَا يَزالُ نِطاقُها ... شَديداً، وَفِيهَا سَوْرةٌ
وَهِيَ قاعِدُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الْمُحْكَمِ:
إِزَاءُ مَعاشٍ مَا تَحُلُّ إزارَها ... مِنَ الكَيْس، فِيهَا سَوْرَةٌ
وهْي قَاعِدُ
وَفُلَانٌ إزَاءُ فُلَانٍ إِذَا كَانَ قِرْناً لَهُ يُقاوِمه. وإِزَاءُ
الحَرْب: مُقِيمُها؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ قَوْمًا:
تَجِدْهُمْ عَلَى مَا خَيَّلَتْ هُمْ إِزَاءَها، ... وَإِنْ أَفْسَدَ
المالَ الجماعاتُ والأَزْلُ
أَي تَجِدُهُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِهَا. وكلُّ مَنْ جُعِل قَيِّماً
بأَمر فَهُوَ إِزَاؤه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الخَطِيم:
ثَأَرْتُ عَدِيّاً والخَطِيمَ، فَلَمْ أُضِعْ ... وَصِيَّةَ أَقوامٍ
جُعِلْتُ إِزَاءَها
أَي جُعِلْتُ القَيِّم بِهَا. وإنِّه لَإِزَاءُ خَيْرٍ وَشَرٍّ أَي
صَاحِبُهُ. وَهُمْ إِزَاءٌ لِقَوْمِهِمْ أَي يُصْلِحُون أَمرهم؛ قَالَ
الْكُمَيْتُ:
لقدْ عَلِمَ الشَّعْبُ أَنَّا لَهُمْ ... إِزَاءٌ، وأَنَّا لهُم
مَعْقِلُ
__________
(1) . قوله [وإن أَزَى ماله إلخ] كذا وقع هذا البيت هنا في الأَصل،
ومحله كما صنع شارح القاموس بعد قوله فيما تقدم: وأَزَى ماله نقص،
فلعله هنا مؤخر من تقديم
(14/32)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سُلَيْمٍ. وَبَنُو فُلَانٍ إِزَاءُ بَنِي فُلَانٍ أَي
أَقْرانُهم. وآزَى عَلَى صَنِيعه إِيزَاءً: أَفْضَلَ وأَضْعَفَ
عَلَيْهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَغْرِفُ مِنْ ذِي غَيِّثٍ وتُوزِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رُوِيَ وتُوزي، بِالتَّخْفِيفِ، عَلَى
أَن هَذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ غَيْرُ مُرْدَفٍ أَي تُفْضِل عَلَيْهِ.
والإِزَاءُ: مَصَبُّ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ؛ وأَنشد الأَصمعي:
مَا بَيْنَ صُنْبُور إِلَى إِزَاء
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ مَا بَيْنَ الْحَوْضِ إِلَى مَهْوى الرَّكِيَّة
مِنَ الطَّيّ، وَقِيلَ: هُوَ حَجَرٌ أَوْ جُلَّةٌ أَو جِلْدٌ يُوضَعُ
عَلَيْهِ. وأَزَّيْته تَأَزِّياً «2» . وتَأْزِيَةً، الأَخيرة
نَادِرَةٌ، وآزَيْتُه: جَعَلْتُ لَهُ إِزَاءً. قَالَ أَبو زَيْدٍ:
آزَيْتُ الحوضَ إِيزَاءً عَلَى أَفْعَلْت، وأَزَّيْتُ الْحَوْضَ
تَأْزِيَةً وتَوزِيئاً: جَعَلْتُ لَهُ إِزَاءً، وَهُوَ أَن يُوضَعَ
عَلَى فَمِهِ حَجَر أَوْ جُلَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ أَبو
زَيْدٍ: هُوَ صَخْرَةٌ أَو مَا جَعَلْت وِقايةً عَلَى مَصَبِّ الْمَاءِ
حِينَ يُفَرَّغ الْمَاءُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَرَماها فِي مَرابِضِها ... بإزاءِ الحَوْضِ أَوْ عُقُرِه «3»
. وآزَاهُ: صَبَّ الماءَ مِنْ إِزَائِهِ. وآزَى فِيهِ: صَبَّ عَلَى
إِزَائِهِ. وآزَاه أَيضاً: أَصلح إِزَاءَهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛
وأَنشد:
يُعْجِزُ عَنْ إَيزَائِه ومَدْرِه
مَدْرُه إِصْلَاحُهُ بالمَدَر. وَنَاقَةٌ آزِيَةٌ وأَزِيَةٌ، عَلَى
فَعِلة، كِلَاهُمَا عَلَى النَّسب: تَشْرَبُ مِنَ الإِزاء. ابْنُ
الأَعرابي: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي لَا تَرِدُ النَّضِيحَ حَتَّى
يَخْلُوَ لَهَا الأَزْيَةُ، والآزِيةُ عَلَى فَاعِلَةٍ، والأَزْيَة
عَلَى فَعْلة «4» ، والقَذُور. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا لَمْ
تَشْرَبْ إِلَّا مِنَ الإِزاء: أَزِيَة، وَإِذَا لَمْ تَشْرَبْ إِلَّا
مِنَ العُقْر: عَقِرَة. وَيُقَالُ للقَيِّم بالأَمر: هُوَ إِزَاؤه؛
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
يَا جَفْنَةً كإِزَاء الحَوْضِ قد كَفَؤُوا، ... ومَنْطِقاً مِثْلَ
وَشْي اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وَقَالَ خُفاف بْنُ نُدْبة:
كأنَّ مَحَافِينَ السِّباعِ حَفَّاضُهُ، ... لِتَعْريسِها جَنْبَ
الإِزَاء المُمَزَّق
«5» . مُعَرَّسُ رَكْبٍ قافِلين بصَرَّةٍ ... صِرادٍ، إِذَا مَا نارُهم
لَمْ تُخَرَّق
وَفِي
قِصَّةِ مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
أَنه وَقَفَ بإِزَاءِ الحوْض
، وَهُوَ مَصَبُّ الدَّلْو، وعُقْرُه مُؤَخَّرُه؛ وأَما قَوْلُ
الشَّاعِرِ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ:
إِزَاؤه كالظَّرِبانِ المُوفي
فَإِنَّمَا عَنى بِهِ القيِّم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ حَدَّثَنِي أَبو العَمَيْثَل الأَعرابي وَقَدْ رَوَى عَنْهُ
الأَصمعي قَالَ: سأَلني الأَصمعي عَنْ قَوْلِ الرَّاجِزِ فِي وَصْفِ
مَاءٍ:
إِزَاؤه كالظَّرِبانِ المُوفي
فَقَالَ: كَيْفَ يُشَبِّه مَصَبَّ الْمَاءِ بالظَّرِبان؟ فَقُلْتُ
لَهُ: مَا عِنْدَكَ فِيهِ؟ فَقَالَ لِي: إِنَّمَا أَراد المُسْتَقِيَ،
مِنْ قَوْلِكَ فُلَانٌ إِزَاءُ مَالٍ إِذَا قَامَ بِهِ وولِيَه،
وشبَّهه
__________
(2) . قوله [وأَزَّيْته تَأَزِّياً إلخ] هكذا في الأَصل. وعبارة
القاموس وشرحه: تأزى الحوضَ جعل له إزاء كأَزَّاه تَأْزِيَة: عن
الجوهري، وهو نادر
(3) . قوله [مرابضها] كذا في الأَصل، والذي في ديوان إمرئ القيس وتقدم
في ترجمة عقر: فرائصها
(4) . قوله [والأَزْيَة على فعلة] كذا في الأَصل مضبوطاً والذي نقله
صاحب التكملة عن ابن الأَعرابي آزِيَة وأَزية بالمد والقصر فقط
(5) . قوله
كَأَنَّ مَحَافِينَ السِّبَاعِ حَفَّاضُهُ
كذا في الأَصل محافين بالنون، وفي شرح القاموس: محافير بالراء، ولفظ
حفاضه غير مضبوط في الأَصل، وهكذا هو في شرح القاموس ولعله حفافه أو
نحو ذلك
(14/33)
بالظَّرِبانِ لدَفَر رَائِحَتِهِ وعَرَقِه؛
وبالظَّرِبانِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي النَّتْن. وأَزَوْتُ الرجلَ
وآزَيْته فَهُوَ مَأْزُوٌّ ومُؤزىً أَي جَهَدته فَهُوَ مَجْهُود؛ قَالَ
الطِّرِمَّاح:
وقَدْ باتَ يَأْزُوه نَدىً وصَقِيعُ
أَي يَجْهَده ويُشْئِزه. أَبو عَمْرٍو: تَأَزَّى القِدْحُ إِذَا أَصاب
الرَّمِيَّة فاهْتَزَّ فِيهَا. وتَأَزَّى فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ إِذَا
هَابَهُ. وَرَوَى ابْنُ السِّكِّيتِ قَالَ: قَالَ أَبو حَازِمٍ
العُكْلي جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حَلْقَةِ يُونُسَ فأَنشدَنا هَذِهِ
الْقَصِيدَةَ فاستحسنها أَصحابه؛ وهي:
أُزِّيَ مُسْتَهْنئٌ فِي الْبَدِيءِ، ... فَيَرْمَأُ فِيهِ وَلَا
يَبْذَؤُه
وعِنْدي زُؤازِيَةٌ وَأْبةٌ، ... تُزَأْزِئُ بالدَّات مَا تَهْجَؤُه
«1»
. قَالَ: أُزِّيَ جُعلَ فِي مَكَانٍ صَلَح. والمُسْتَهْنئُ.
المُسْتعطي؛ أَراد أَن الَّذِي جَاءَ يَطْلُبُ خَيري أَجْعلهُ فِي
البَديء أَي فِي أَوَّل مَنْ يَجِيءُ، فيَرْمَأُ: يُقِيمُ فِيهِ، وَلَا
يَبْذَؤُه أَي لَا يَكْرَهه، وزُؤَازِيَةٌ: قِدْرٌ ضَخْمة وَكَذَلِكَ
الوَأْبَةُ، تُزَأْزِئُ أَي تَضُمُّ، والدات: اللَّحْمُ والوَدَك، مَا
تَهْجَؤُه أَي ما تأْكله.
أسا: الأَسا، مَفْتُوحٌ مَقْصُورٌ: المُداواة والعِلاج، وَهُوَ
الحُزْنُ أَيضاً. وأَسا الجُرْحَ أَسْواً وأَساً: دَاوَاهُ. والأَسُوُّ
والإِسَاءُ، جَمِيعًا: الدَّوَاءُ، وَالْجَمْعُ آسِيَة؛ قَالَ
الْحُطَيْئَةُ فِي الإِساء بِمَعْنَى الدَّوَاءِ:
هُمُ الآسُونَ أُمَّ الرَّأْس لَمَّا ... تَواكَلَها الأَطِبَّةُ
والإِساءُ
والإِسَاءُ، مَمْدُودٌ مَكْسُورٌ: الدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ
شِئْتَ كَانَ جَمْعًا لِلْآسِي، وَهُوَ المُعالِجُ كَمَا تَقُولُ رَاعٍ
ورِعاءٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الإِسَاء
فِي بَيْتِ الْحُطَيْئَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا الدَّوَاءَ لَا غَيْرُ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: جَاءَ فُلَانٌ يَلْتَمِس لجراحِه أَسُوّاً، يَعْنِي
دَوَاءً يأْسُو بِهِ جُرْحَه. والأَسْوُ: الْمَصْدَرُ. والأَسُوُّ،
عَلَى فَعُول: دَوَاءٌ تَأْسُو بِهِ الجُرْح. وَقَدْ أَسَوْتُ الجُرح
آسُوه أَسْواً أَي دَاوَيْتُهُ، فَهُوَ مَأْسُوٌّ وأَسِيٌّ أَيضاً،
عَلَى فَعِيل. وَيُقَالُ: هَذَا الأَمرُ لَا يُؤْسى كَلْمُه. وأَهل
الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَ الخاتِنَة آسِيةً كِنَايَةً. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلة: اسْتَرْجَع وَقَالَ رَبِّ أُسني لِمَا أَمضَيْت وأَعِنِّي
عَلَى مَا أَبْقَيْت
؛ أُسْني، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، أَي عَوِّضْني.
والأَوْس: العَوْضُ، وَيُرْوَى: آسِني؛ فَمَعْنَاهُ عَزِّني
وصَبِّرْني؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى:
عِنْدَه البِرُّ والتُّقى وأَسا الشَّقِّ ... وحَمْلٌ لمُضْلِع
الأَثْقال
أَرَادَ: وَعِنْدَهُ أَسْوُ الشَّقِّ، فَجَعَلَ الْوَاوَ أَلفاً
مَقْصُورَةً، قَالَ: وَمِثْلُ الأَسْوِ والأَسا اللَّغْوُ واللَّغا،
وَهُوَ الشَّيْءُ الخَسيس وَالْآسِي: الطَّبِيب، وَالْجَمْعُ أُسَاةٌ
وإِسَاء. قَالَ كُرَاعٌ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعتَقِب عَلَيْهِ
فُعلة وفِعالٌ إِلَّا هَذَا، وَقَوْلُهُمْ رُعاةٌ ورِعاءٌ فِي جَمْعِ
رَاعٍ. والأَسِيُّ: المَأْسُوُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وصَبَّ عَلَيْهَا الطِّيبَ حَتَّى كأَنَّها ... أَسِيٌّ عَلَى أُمِّ
الدِّماغ حَجِيجُ
وحَجِيجٌ: مِنْ قَوْلِهِمْ حَجَّه الطبيبُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ. وحَجِيجٌ
إِذَا سَبر شَجَّتَه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قول الآخر: «2»
.
__________
(1) . قوله [بالدات] كذا بالأصل بالتاء المثناة بدون همز، ولعلها
بالدأث بالمثلثة مهموزاً
(2) . قوله [ومثله قول الآخر إلخ] أورد في المغني هذا البيت بلفظ
أَسِيّ إِنَّنِي مِنْ ذَاكَ إنه
وقال الدسوقي: أسيت حزنت، وأَسِيّ حزين، وإنه بمعنى نعم، والهاء للسكت
أو إِن الناسخة والخبر محذوف
(14/34)
وقائلةٍ: أَسِيتَ فقُلْتُ: جَيْرٍ ...
أَسِيٌّ، إنَّني مِنْ ذاكَ إِنِّي
وأَسا بَيْنَهُمْ أَسْواً: أَصْلَح. وَيُقَالُ: أَسَوْتُ الجُرْحَ
فأَنا آسُوه أَسْواً إِذَا دَاوَيْتَهُ وأَصلحته. وَقَالَ المُؤَرِّج:
كان جَزْءُ بن الحرث مِنْ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ
المُؤَسِّي لأَنه كَانَ يُؤَسِّي بَيْنَ النَّاسِ أَي يُصْلِح
بَيْنَهُمْ ويَعْدِل. وأَسِيتُ عَلَيْهِ أَسىً: حَزِنْت. وأَسِيَ عَلَى
مُصِيبَتِهِ، بِالْكَسْرِ، يَأْسَى أَسًى، مَقْصُورٌ، إِذَا حَزِن.
وَرَجُلٌ آسٍ وأَسْيَانُ: حَزِينٌ. وَرَجُلٌ أَسْوَان: حَزِينٌ،
وأَتْبَعوه فَقَالُوا: أَسْوَان أَتْوان؛ وأَنشد الأَصمعي لِرَجُلٍ
مِنَ الهُذَلِيِّين:
مَاذَا هُنالِكَ مِنْ أَسْوَانَ مُكْتَئِبٍ، ... وساهِفٍ ثَمِل فِي
صَعْدةٍ حِطَمِ
وَقَالَ آخَرُ:
أَسْوَانُ أَنْتَ لأَنَّ الحَيَّ مَوْعِدُهم ... أُسْوَانُ، كلُّ
عَذابٍ دُونَ عَيْذاب
وَفِي حَدِيثِ
أُبيّ بْنِ كَعْبٍ: وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِم آسَى وَلَكِنْ آسَى عَلَى
مَنْ أَضَلُّوا
؛ الأَسى، مَفْتُوحًا مَقْصُورًا: الحُزْن، وَهُوَ آسٍ، وامرأَة
آسِيَةٌ وأَسْيَا، وَالْجَمْعُ أَسْيَانُون وأَسْيَانَات «1» .
وأَسْيَيَات وأَسَايَا. وأَسِيتُ لِفُلَانٍ أَي حَزِنْت لَهُ. وسَآنِي
الشيءُ: حَزَنَني؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي الْمَقْلُوبِ وأَنشد بيت
الحرث بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:
مرَّ الحُمُولُ فَمَا سَأَوْنَك نَقْرةً، ... وَلَقَدْ أَراكَ تُساءُ
بالأَظْعان
والأُسْوَةُ والإِسْوَةُ: القُدْوة. وَيُقَالُ: ائْتَسِ بِهِ أَيِ
اقتدِ بِهِ وكُنْ مِثْلَهُ. اللَّيْثُ: فُلَانٌ يَأْتَسِي بِفُلَانٍ
أَي يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ ويَقْتَدِي بِهِ وَكَانَ فِي
مِثْلِ حَالِهِ. وَالْقَوْمُ أُسْوَةٌ فِي هَذَا الأَمر أَي حالُهم
فِيهِ وَاحِدَةٌ. والتَّأَسِّي فِي الأُمور: الأُسْوة، وَكَذَلِكَ
المُؤَاساة. والتَّأْسِيَة: التَّعْزِيَةُ. أسَّيْته تَأْسِيةً أَي
عَزَّيته. وأَسَّاه فَتَأَسَّى: عَزَّاه فتَعزَّى. وتَأَسَّى بِهِ أَي
تعزَّى بِهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: تَأَسَّى بِهِ اتَّبَعَ فِعْلَهُ
وَاقْتَدَى بِهِ. ويقال: أَسَوْتُ فلاناً بفلان إِذَا جَعَلْته
أُسْوته؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَبي مُوسَى: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي
وَجْهك ومَجْلِسك وعَدْلِك
أَي سَوِّ بَينَهم واجْعل كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إسْوة خَصْمه.
وتَآسَوْا أَي آسَى بعضُهم بَعْضًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ ... تَآسَوْا، فسَنُّوا
للكِرامِ التَّآسِيا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ تَمَثَّل بِهِ مُصْعَب يَوْمَ
قُتِل. وتَآسَوْا فِيهِ: مِنَ المُؤَاساة كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ،
لَا مِنَ التَّأَسِّي كَمَا ذَكَرَ الْمُبَرِّدُ، فَقَالَ: تَآسَوْا
بِمَعْنَى تَأَسَّوْا، وتَأَسَّوْا بِمَعْنَى تَعَزَّوا. وَلِي فِي
فُلَانٍ أُسْوَة وإسْوَة أَي قُدْوَة. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ
الأُسْوَة والإِسْوَة والمُوَاسَاة فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا القُدْوة. والمُوَاسَاة: الْمُشَارَكَةُ
والمُساهَمة فِي الْمَعَاشِ وَالرِّزْقِ؛ وأَصلها الْهَمْزَةُ
فَقُلِبَتْ وَاوًا تَخْفِيفًا. وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبِيةَ:
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَاسَوْنا للصُّلْح
؛ جَاءَ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَعَلَى الأَصل جَاءَ الْحَدِيثُ
الْآخَرُ:
مَا أَحَدٌ عِنْدِي أَعْظَمُ يَداً مِنْ أَبي بَكْرٍ آسَانِي
بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: آسِ بَيْنَهم فِي اللَّحْظَة والنَّظْرة.
وآسَيْت فُلَانًا بِمُصِيبَتِهِ إِذَا عَزَّيته، وَذَلِكَ إِذَا ضَربْت
له الأُسَا، وَهُوَ أَن تَقُولَ لَهُ مَا لَك تَحْزَن. وَفُلَانٌ
__________
(1) . قوله [وأَسْيَانَات] كذا في الأَصل وهو جمع أَسْيَانَة ولم يذكره
وقد ذكره في القاموس
(14/35)
إسْوَتُك أَي أَصابه مَا أَصابك فصَبَر
فَتأَسَّ بِهِ، وواحد الأُسَا والإِسَا أُسْوَة وإِسْوَة. وَهُوَ
إِسْوَتُك أَي أَنت مِثْلُهُ وَهُوَ مِثْلُكَ. وأْتَسَى بِهِ: جَعَله
أُسْوة. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَأْتَسِ بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بأُسْوَة.
وأَسْوَيْته: جَعَلْتُ لَهُ أُسْوة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، فَإِنْ
كَانَ أَسْوَيْت مِنَ الأُسْوة كَمَا زَعَمَ فَوَزْنُهُ فَعْلَيْتُ
كَدَرْبَيْتُ وجَعْبَيْتُ. وآسَاهُ بمالِه: أنالَه مِنْهُ وجَعَله
فِيهِ أُسْوة، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا مِنْ كَفافٍ،
فَإِنْ كَانَ مِنْ فَضْلةٍ فَلَيْسَ بمؤَاساة. قَالَ أَبو بَكْرٍ: فِي
قَوْلِهِمْ مَا يُؤَاسِي فُلَانٌ فُلَانًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقوال؛
قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ مَا يُشارِك فُلَانٌ
فُلَانًا، والمُؤَاسَاة الْمُشَارَكَةُ؛ وأَنشد:
فإنْ يَكُ عَبْدُ اللَّهِ آسَى ابْنَ أُمِّه، ... وآبَ بأَسْلابِ
الكَمِيِّ المُغاوِر
وَقَالَ المُؤَرِّج: مَا يُؤَاسِيه مَا يُصِيبه بِخَيْرٍ مِنْ قَوْلِ
الْعَرَبِ آسِ فلانا بخير أَي أَصِبْه، وَقِيلَ: مَا يُؤَاسِيه مِنْ
مَوَدَّته وَلَا قَرَابَتِهِ شَيْئًا مأْخوذ مِنَ الأَوْسِ وهو
العَوْض، قَالَ: وَكَانَ فِي الأَصل مَا يُؤَاوِسُه، فقدَّموا السِّينَ
وَهِيَ لَامُ الْفِعْلِ، وأَخروا الْوَاوَ وَهِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ،
فَصَارَ يؤَاسِوهُ، فَصَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَحَرُّكِهَا
وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، قَالَ:
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ غَيْرَ مَقْلُوبٍ فَيَكُونَ يُفاعِل مِنْ
أَسَوْت الجُرْح. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي طَالِبٍ أَنه قَالَ
فِي المُؤَاسَاة وَاشْتِقَاقِهَا إِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحدهما
أَنها مِنْ آسَى يُؤَاسِي مِنَ الأُسْوَة وَهِيَ القُدْوة، وَقِيلَ
إِنَّهَا مِنْ أَسَاه يَأْسُوه إِذَا عَالَجَهُ وَدَاوَاهُ، وَقِيلَ
إنها من آسَ يَؤُوس إِذَا عَاضَ، فأَخَّر الْهَمْزَةَ ولَيَّنهاو لكلّ
مَقَالٌ. وَيُقَالُ: هُوَ يُؤَاسِي فِي مَالِهِ أَي يساوِي. وَيُقَالُ:
رَحِم اللهُ رَجُلًا أَعْطى مِنْ فَضْلٍ وآسَى مِنْ كَفافٍ، مِنْ
هَذَا. الْجَوْهَرِيُّ: آسَيْتُه بِمَالِي مُؤَاسَاةً أَي جَعَلْتُهُ
أُسْوتي فِيهِ، ووَاسَيْتُه لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. والأُسْوَة والإِسْوَة،
بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: لُغَتَانِ، وَهُوَ مَا يَأْتَسِي بِهِ
الحَزينُ أَي يَتَعَزَّى بِهِ، وجمعها أُساً وإساً؛ وأَنشد ابْنُ
بَرِّيٍّ لحُرَيْث بْنِ زَيْدِ الْخَيْلِ:
ولَوْلا الأُسى [الإِسى] مَا عِشتُ فِي النَّاسِ سَاعَةً، ... ولكِنْ
إِذَا مَا شئْتُ جاوَبَني مِثْلي
ثُمَّ سُمِّي الصَّبْرُ أُساً. وَأْتَسَى بِهِ أَي اقْتَدَى بِهِ.
وَيُقَالُ: لَا تَأْتَسِ بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بأُسْوَة أَي لَا تَقْتَدِ
بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بِقُدْوَةٍ. والآَسِيَة: الْبِنَاءُ المُحْكَم.
والآسِيَة: الدِّعامة وَالسَّارِيَةُ، وَالْجَمْعُ الأَوَاسِي؛ قَالَ
النَّابِغَةُ:
فإنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتَ، غيرَ مُذَمَّمٍ، ... أَواسِيَ مُلْكٍ
أَثْبَتَتها الأَوائلُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تُشَدَّدُ أَوَاسِيّ للأَساطين فَيَكُونُ
جَمْعًا لآسِيّ، وَوَزْنُهُ فاعُولٌ مِثْلُ آرِيّ وأوارِيّ؛ قَالَ
الشَّاعِرُ:
فَشَيَّدَ آسِيّاً فَيَا حُسْنَ مَا عَمَر
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ آسِيٌّ فاعِيلًا لأَنه لَمْ يأْت
مِنْهُ غَيْرُ آمِين. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: يُوشِك أَن تَرْمِيَ الأَرضُ بأَفلاذ كبدها أَمثال
الأَوَاسِي
؛ هي السَّواري والأَساطينُ، وَقِيلَ: هِيَ الأَصل، وَاحِدَتُهَا
آسِيَة لأَنها تُصْلِحُ السَّقْفَ وتُقيمه، مِنْ أَسَوْت بَيْنَ
الْقَوْمِ إِذَا أَصلحت. وَفِي حَدِيثِ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ:
أَنه أوْثَق نَفسه إِلَى آسِيَةٍ مِنْ أَوَاسِي المَسْجِد.
وأَسَيْتُ لَهُ مِنَ اللَّحْمِ خَاصَّةً أَسْياً: أَبقيت لَهُ.
والآسِيَةُ، بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ: مَا أُسِّسَ مِنْ بُنْيَانٍ فأُحْكِم،
أَصله مِنْ ساريةٍ وَغَيْرِهَا. والآسِيَّة: بَقِيَّةُ الدَّارِ
وخُرْثيُّ الْمَتَاعِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الآسِيُّ خُرْثِيُّ
الدَّارِ وآثارُها مِنْ نَحْوِ قِطْعة القَصْعة والرَّماد والبَعَر؛
(14/36)
قَالِ الرَّاجِزُ:
هَلْ تَعْرِف الأَطْلالَ بالحويِّ ... «1» . لم يَبْقَ مِنْ آسِيِّها
العامِيِ
غَيرُ رَمادِ الدَّارِ والأُثْفِيِ
وَقَالُوا: كُلُوا فَلَمْ نُؤَسِّ لَكُم، مُشَدَّدٌ، أَي لَمْ
نَتَعَمَّدكم بِهَذَا الطَّعَامِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: فَلَمْ يُؤَسَّ
أَي لَمْ تُتَعمَّدوا بِهِ. وآسِيَةُ: امرأَة فِرْعَوْنَ. والآسِي:
مَاءٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَلَمْ يُتْرَكْ نِساءُ بَنِي زُهَيْرٍ، ... عَلَى الآسِي، يُحَلِّقْنَ
القُرُونا؟
أشي: أَشى الكلامَ أَشْياً: اخْتَلَقَه. وأَشِيَ إِلَيْهِ أَشْياً:
اضْطُرَّ. والأَشَاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: صِغار النَّخْل،
وَقِيلَ: النَّخْلُ عامَّةً، وَاحِدَتُهُ أَشَاءَةٌ، وَالْهَمْزَةُ
فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ لأَن تَصْغِيرَهَا أُشَيٌّ، وَذَهَبُ
بَعْضُهُمْ إِلَى أَنه مِنْ بَابِ أَجَأَ، وَهُوَ مَذْهَبُ
سِيبَوَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه انْطَلَقَ إِلَى البَراز فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ ائتِ
هاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ فقُلْ لَهُمَا حَتَّى تَجْتَمِعَا
فَاجْتَمَعَتَا فقَضى حاجتَه
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَوَادِي الأَشاءَيْنِ «2» : مَوْضِعٌ؛ وأَنشد
ابْنُ الأَعرابي:
لِتَجْرِ المَنِيَّةُ بَعْدَ امْرِئٍ، ... بِوَادِي أَشَاءَيْنِ،
أَذْلالَها
وَوَادِي أُشَيّ وأَشِيّ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ زيادُ بنُ حَمْد، وَيُقَالُ
زِيَادُ بْنُ مُنْقِدٍ:
يَا حَبَّذا، حِينَ تُمْسي الرِّيحُ بارِدَةً، ... وَادِي أُشَيٍّ
وفِتِيانٌ بِهِ هُضُمُ
وَيُقَالُ لَهَا أَيضاً: الأَشاءَة؛ قَالَ أَيضاً فِيهَا:
يَا لَيْتَ شِعْريَ عنْ جَنْبَيْ مُكَشَّحَةٍ، ... وحَيْثُ يُبْنى مِن
الحِنَّاءَةِ الأُطُمُ
عَنِ الأَشَاءَة هَلْ زالَتْ مَخارِمُها؟ ... وهَلْ تَغَيَّرَ مِنْ
آرامِها إرَمُ؟
وجَنَّةٍ مَا يَذُمُّ الدَّهْرَ حاضِرُها، ... جَبَّارُها بالنَّدى
والحَمْلِ مُحْتَزِمُ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذِهِ الأَبيات مستشهداً بها عَلَى أَن
تَصْغِيرَ أَشاء أُشَيٌّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ الْهَمْزَةُ
أَصلية لَقَالَ أُشَيْءٌ، وَهُوَ وَادٍ بِالْيَمَامَةِ فِيهِ نَخِيلٌ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَامُ أَشَاءَة عِنْدَ سِيبَوَيْهِ هَمْزَةٌ،
قَالَ: أَما أُشَيّ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنه تَصْغِيرُ أَشاء لأَنه اسْمُ مَوْضِعٍ. وَقَدِ ائْتَشَى العَظْمُ
إِذَا بَرَأَ مِنْ كَسْرٍ كَانَ بِهِ؛ هَكَذَا أَقرأَه أَبو سَعِيدٍ
فِي المصنَّف؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي،
وَرَوَى أَبو عمرو والفراء: انْتَشَى العَظْمُ، بِالنُّونِ. وَإِشَاءٌ:
جَبَلٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
وساقَ النِّعاجَ الخُنْسَ بَيْني وبَيْنَها، ... برَعْنِ إِشَاءٍ، كلُّ
ذِي جُدَدٍ قَهْد
أصا: الأَصاةُ: الرَّزانة كالحَصاة. وَقَالُوا: مَا لَهُ حَصاةٌ وَلَا
أَصاةٌ أَي رأْيٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. ابْنُ الأَعرابي: أَصى الرجلُ
إِذَا عَقَلَ بَعْدَ رُعُونة. وَيُقَالُ: إنَّه لَذُو حَصاةِ وأَصَاةٍ
أَي ذُو عَقْلٍ ورأْي؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وإنَّ لِسانَ المَرْءِ، مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... أَصَاةٌ، عَلَى
عَوْرَاتِهِ، لَدَلِيلُ
والآصِيَةُ: طَعَامٌ مِثْلُ الحَسا يُصْنَعُ بِالتَّمْرِ؛ قَالَ:
يَا رَبَّنا لَا تُبْقِيَنَّ عاصِيَه، ... فِي كلِّ يَوْمٍ هِيَ لِي
مُنَاصِيَه
تُسامِرُ اللَّيلَ وتُضْحي شاصِيَه،
__________
(1) . قوله [بالحوي] هكذا في الأَصل من غير ضبط ولا نقط لما قبل الواو،
وفي معجم ياقوت مواضع بالمعجمة والمهملة والجيم (2) . قوله [ووادي
الأَشَاءَيْنِ] هكذا ضبط في الأَصل بلفظ التثنية، وتقدم في ترجمة أشر
أشائن وهو الذي في القاموس في ترجمة أشا، والذي سبق في ترجمة زهف
أَشَائِينَ بزنة الجمع
(14/37)
مِثْلُ الهَجِينِ الأَحْمرِ الجُراصِيه،
... والإِثْر والصَّرْب مَعًا كالآصِيَه
عاصِيَةُ: اسْمُ امرأَته، ومُناصِيَة أَي تَجُرُّ نَاصِيَتِي عِنْدَ
الْقِتَالِ. والشَّاصِيَةُ: الَّتِي تَرْفَع رِجْلَيْهَا،
والجُراصِيَة: العَظيمُ مِنَ الرِّجَالِ، شَبَّهَهَا بالجُراصِيَة
لعِظَم خَلْقها، وَقَوْلُهُ: والإِثْرُ والصَّرْب؛ الإِثْرُ: خُلاصة
السَّمْن، والصَّرْب: اللَّبَنُ الْحَامِضُ، يُرِيدُ أَنهما
مَوْجُودَانِ عِنْدَهَا كالآصِيَة الَّتِي لَا تَخْلو مِنْهَا، وأَراد
أَنها مُنَعَّمَة. التَّهْذِيبُ: ابْنُ آصَى طَائِرٌ شِبْهُ الباشَق
إِلَّا أَنه أَطول جَنَاحًا وَهُوَ الحِدَأُ، وَيُسَمِّيهِ أَهل
الْعِرَاقِ ابْنَ آصَى، وَقَضَى ابنُ سِيدَهْ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ
أَنها مِنْ مُعْتَلِّ الْيَاءِ، قَالَ: لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثرُ
مِنْهَا وَاوًا.
أضا: الأَضَاةُ: الغَدير. ابْنُ سِيدَهْ: الأَضَاةُ الْمَاءُ
المُسْتَنْقِعُ مِنْ سَيْلٍ أَو غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ أَضَوَاتٌ،
وأَضاً، مَقْصُورٌ، مِثْلُ قَناةٍ وقَناً، وإِضاءٌ، بِالْكَسْرِ
وَالْمَدِّ، وإضُونَ كَمَا يُقَالُ سَنَةٌ وسِنُونَ؛ فأَضاةٌ وأَضاً
كحصاةٍ وحَصىً، وأَضَاةٌ وإضَاءٌ كرَحَبَةٍ ورِحاب ورَقَبَةٍ ورِقاب؛
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي جَمْعِهِ عَلَى إضِينَ للطِّرِمَّاح:
محافِرُها كأَسْرِيَةِ الإِضِينا
وَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن أَضاً جَمْعُ أَضَاةٍ، وإِضَاء جَمْعُ
أَضاً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ لأَنه إِنَّمَا
يُقْضى عَلَى الشَّيْءِ أَنه جَمْع جمعٍ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مِنْ
ذَلِكَ بدٌّ، فأَما إِذَا وَجَدْنَا مِنْهُ بُدًّا فَلَا، وَنَحْنُ
نَجِدُ الْآنَ مَنْدوحةً مِنْ جَمْعِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ نَظِيرَ
أَضَاة وإِضَاء مَا قَدَّمناه مِنْ رَقَبة ورِقاب ورَحَبَة ورِحاب
فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إِلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، وَهَذَا غَيْرُ مصنُوع
فِيهِ لأَبي عُبَيْدٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِسِيبَوَيْهِ والأَخفش؛
وَقَوْلُ النَّابِغَةِ فِي صِفَةِ الدُّرُوعِ:
عُلِينَ بكِدْيَوْن وأُبْطِنَّ كُرَّةً، ... فَهُنَّ إضَاءٌ صافِياتُ
الغَلائل
أَراد: مِثْلَ إضَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَزْواجُهُ
أُمَّهاتُهُمْ؛ أَراد مِثْلَ أُمهاتهم؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن
يُرِيدَ فهُنَّ وِضَاء أَي حِسانٌ نِقاءٌ، ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَةَ
مِنَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا إِسَادٌ فِي وِسَادٍ وَإِشَاحٌ فِي وِشاح
وَإِعَاءٌ فِي وِعاء. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: هَذَا الَّذِي حَكَيْتُهُ
مِنْ حَمْل أَضَاة عَلَى الْوَاوِ بِدَلِيلِ أَضَوات حكايَةُ جَمِيعِ
أَهل اللُّغَةِ، وَقَدْ حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى الْيَاءِ، قَالَ:
وَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي البَتَّة لِقَوْلِهِمْ أَضَوات وَعَدَمِ مَا
يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنه مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وَالَّذِي أُوَجِّه
كَلَامَهُ عَلَيْهِ أَن تَكُونَ أَضَاة فَلْعة مِنْ قَوْلِهِمْ آضَ
يَئِيضُ، عَلَى الْقَلْبِ، لأَن بَعْضَ الغَدير يَرْجِعُ إِلَى بَعْضٍ
وَلَا سِيَّمَا إِذَا صَفَّقَته الرِّيحُ، وَهَذَا كَمَا سُمِّيَ
رَجْعاً لتراجُعه عِنْدَ اصْطِفَاقِ الرِّيَاحِ؛ وَقَوْلُ أَبي
النَّجْمِ:
وَرَدْتُه ببازِلٍ نَهَّاضِ، ... وِرْدَ القَطا مَطائطَ الإِياضِ
إِنَّمَا قَلَبَ أَضاة قَبْلَ الْجَمْعِ، ثُمَّ جَمَعَه عَلَى فِعال،
وَقَالُوا: أَراد الإِضاء وَهُوَ الغُدْران فقَلَب. التَّهْذِيبُ:
الأَضاة غَدير صَغِيرٌ، وَهُوَ مَسِيلُ الْمَاءِ «3» . إِلَى الغَدير
المتصلُ بالغَدير، وَثَلَاثُ أَضَواتٍ. وَيُقَالُ: أَضَيَات مِثْلُ
حَصَيات. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَامُ أَضَاة وَاوٌ، وَحَكَى ابْنُ
جِنِّي فِي جَمْعِهَا أَضَوَات، وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم، عِنْدَ أَضَاة بَنِي غِفارٍ
؛ الأَضَاة، بِوَزْنِ الحَصاة: الغَدير، وَجَمْعُهَا أَضاً وإِضَاء
كأَكَم وإكام.
أغي: جَاءَ مِنْهُ أَغْيٌ فِي قَوْلِ حَيَّان بْنِ جُلْبة
الْمُحَارِبِيِّ:
فسارُوا بغَيْثٍ فِيهِ أَغْيٌ فَغُرَّبٌ، ... فَذُو بَقَرٍ فشَابَةٌ
فالذَّرائِحُ
__________
(3) . قوله [وهو مسيل الماء إلخ] عبارة التهذيب: وهو مسيل الماء المتصل
بالغدير
(14/38)
قَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرة:
أَغْيٌ ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَجَمَعُهُ
أَغْيَاء، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَذَلِكَ غَلَطٌ إِلَّا أَن يَكُونَ
مَقْلُوبَ الْفَاءِ إِلَى موضع اللام.
أفا: النَّضْرُ: الأَفَى القِطَعُ مِنَ الغَيْم وَهِيَ الفِرَق
يَجِئْنَ قِطَعاً كَمَا هِيَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْوَاحِدَةُ
أَفَاةٌ، وَيُقَالُ هَفاة أَيضاً. أَبو زَيْدٍ: الهَفاة وَجَمْعُهَا
الهَفا نحوٌ مِنَ الرِّهْمة، المَطَرِ الضَّعِيفِ. الْعَنْبَرِيُّ:
أَفاً وأَفَاةٌ، النَّضْرُ: هِيَ الهَفاة والأَفَاة.
أقا: الإِقاةُ: شَجَرَةٌ؛ قَالَ؛ وَعَسَى «1» . أَنْ يَكُونَ لَهُ
وَجْهٌ آخَرُ مِنَ التَّصْرِيفِ لَا نَعْلَمُهُ. الأَزهري: الإِقَاء
شَجَرَةٌ؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَلَا أَعرفه. ابْنُ الأَعرابي: قَأَى:
إِذَا أَقرَّ لِخَصْمِهِ بِحَقّ وذَلَّ، وأَقَى إِذَا كَرِه الطعامَ
وَالشَّرَابَ لِعِلَّة، وَاللَّهُ أَعلم.
أكا: ابْنُ الأَعرابي: أَكَى إِذَا اسْتَوثَق مِنْ غَرِيمه
بِالشُّهُودِ. النِّهَايَةُ: وَفِي الْحَدِيثِ
لَا تَشرَبوا إلَّا مِنْ ذي إِكَاء
؛ الإِكاءُ والوِكاءُ: شِدادُ السِّقاء.
ألا: أَلا يَأْلُو أَلْواً وأُلُوّاً وأُلِيّاً وإِلِيّاً وأَلَّى
يُؤَلِّي تَأْلِيَةً وأْتَلَى: قَصَّر وأَبطأَ؛ قَالَ:
وإنَّ كَنائِني لَنِساءُ صِدْقٍ، ... فَما أَلَّى بَنِيَّ ولا أَساؤوا
وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
وأَشْمَطَ عُرْيانٍ يُشَدُّ كِتافُه، ... يُلامُ عَلَى جَهْدِ القِتالِ
وَمَا ائْتَلَى
أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ هُو مُؤَلٍّ أَيْ مُقَصِّر؛ قَالَ:
مُؤَلّ فِي زِيارَتها مُلِيم
وَيُقَالُ لِلْكَلْبِ إِذَا قَصَّر عَنْ صَيْدِهِ: أَلَّى، وكذلك
البازِي؛ وقال الرَّاجِزُ:
جَاءَتْ بِهِ مُرَمَّداً مَا مُلَّا، ... مَا نِيَّ آلٍ خَمَّ حِينَ
أَلَّا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ثَعْلَبٌ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ
الزَّجَّاجِيُّ فِي أَماليه سأَلني بَعْضُ أَصحابنا عَنْ هَذَا
الْبَيْتِ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقول، فصِرْت إِلَى ابْنِ الأَعرابي
ففَسَّره لِي فَقَالَ: هَذَا يَصِفُ قُرْصاً خَبَزته امرأَته فَلَمْ
تُنْضِجه، فَقَالَ جَاءَتْ بِهِ مُرَمَّداً أَي مُلَوَّثاً
بِالرَّمَادِ، مَا مُلَّ أَي لَمْ يُمَلَّ فِي الجَمْر وَالرَّمَادِ
الْحَارِّ، وَقَوْلُهُ: مَا نِيَّ، قَالَ: مَا زَائِدَةٌ كأَنه قَالَ
نِيَّ الآلِ، والآلُ: وَجْهُه، يَعْنِي وَجْهَ القُرْصِ، وَقَوْلُهُ:
خَمَّ أَي تَغَيَّر، حِينَ أَلَّى أَي أَبطأَ فِي النُّضْج؛ وَقَوْلُ
طُفَيل:
فَنَحْنُ مَنَعْنا يَوْمَ حَرْسٍ نِساءَكم، ... غَدَاةَ دَعانا عامِرٌ
غَيْرَ مُعْتَلِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا أَراد غَيْرَ مُؤْتَلي، فأَبدل
الْعَيْنَ مِنَ الْهَمْزَةِ؛ وَقَوْلُ أَبي سَهْو الهُذلي:
القَوْمُ أَعْلَمُ لَو ثَقِفْنا مالِكاً ... لاصْطافَ نِسْوَتُه، وهنَّ
أَوَالِي
أَراد: لأَقَمْنَ صَيْفَهُنَّ مُقَصِّرات لَا يَجْهَدْنَ كلَّ الجَهْدِ
فِي الْحُزْنِ عَلَيْهِ لِيَأْسِهِنَّ عَنْهُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ
عَنِ الْكِسَائِيِّ: أقْبَل يَضْرِبُهُ لَا يَأْلُ، مَضْمُومَةَ
اللَّامِ دُونَ وَاوٍ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ
قَوْلِهِمْ: لَا أَدْرِ، وَالِاسْمُ الأَلِيَّة؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ:
إلَّا حَظِيَّه فَلَا أَلِيَّه؛ أَي إِنْ لَمْ أَحْظَ فَلَا أَزالُ
أَطلب ذَلِكَ وأَتَعَمَّلُ لَهُ وأُجْهِد نَفْسي فِيهِ، وأَصله فِي
المرأَة تَصْلَف عِنْدَ زَوْجِهَا، تَقُولُ: إِنْ أَخْطَأَتْك الحُظْوة
فِيمَا تَطْلُبُ فَلَا تَأْلُ أَن تَتَودَّدَ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّكَ
تُدْرِكُ بَعْضَ مَا تُرِيدُ. وَمَا أَلَوْتُ ذَلِكَ أَي مَا استطعته.
__________
(1) . قوله [شجرة قال وعسى إلخ] هكذا في الأَصل
(14/39)
وَمَا أَلَوْتُ أَن أَفعله أَلْواً وو
أُلُوّاً أَي مَا تركْت. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَتاني فُلَانٌ فِي
حَاجَةٍ فَمَا أَلَوْتُ رَدَّه أَي مَا اسْتَطَعْتُ، وأَتاني فِي
حَاجَةٍ فأَلَوْت فِيهَا أَي اجْتَهَدْتُ. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قَالَ
الأَصمعي يُقَالُ مَا أَلَوْت جَهْداً أَي لَمْ أَدَع جَهْداً، قَالَ:
وَالْعَامَّةُ تَقُولُ مَا آلُوكَ جَهْداً، وهو خطأ. ويقال أَيضاً: مَا
أَلَوْته أَي لَمْ أَسْتَطِعْه وَلَمْ أُطِقْه. ابْنُ الأَعرابي فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا
؛ أَي لَا يُقَصِّرون فِي فَسَادِكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ وَالٍ إلَّا وَلَهُ بِطانَتانِ: بِطانةٌ تأْمره
بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهاه عَنِ المُنْكَر، وبِطانةٌ لَا تَأْلُوه
خَبالًا
، أَي لَا تُقَصِّر فِي إِفْسَادِ حَالِهِ. وَفِي حَدِيثِ زَوَاجِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لفاطمة، عليها
السَّلَامُ: مَا يُبْكِيكِ فَمَا أَلَوْتُكِ ونَفْسِي وَقَدْ أَصَبْتُ
لكِ خَيرَ أَهْلي
أَي مَا قَصَّرْت فِي أَمرك وأَمري حَيْثُ اخترتُ لكِ عَلِيّاً
زَوْجًا. وَفُلَانٌ لَا يَأْلُو خَيْرًا أَي لَا يَدَعُه وَلَا يَزَالُ
يَفْعَلُهُ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: أُغَيْلِمَةٌ حَيَارَى تَفاقَدُوا مَا يَأْلَ لَهُمْ «1» .
أَن يَفْقَهوا.
يُقَالُ: يَالَ لَهُ أَن يَفْعَلَ كَذَا يَوْلًا وأَيالَ لَهُ
إِيَالَةً أَي آنَ لَهُ وانْبَغَى. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: نَوْلُك أَن
تَفْعَلَ كَذَا ونَوالُكَ أَن تَفْعَله أَي انْبَغَى لَكَ. أَبو
الْهَيْثَمِ: الأَلْوُ مِنَ الأَضداد، يُقَالُ أَلا يَأْلُو إِذَا
فَتَرَ وضَعُف، وَكَذَلِكَ أَلَّى وأْتَلَى. قَالَ: وأَلا وأَلَّى
وتَأَلَّى إِذَا اجْتَهَدَ؛ وأَنشد:
ونحْنُ جِياعٌ أَيَّ أَلْوٍ تَأَلَّتِ
مَعْنَاهُ أَيَّ جَهْدٍ جَهَدَتْ. أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عَمْرٍو:
أَلَّيْتُ أَي أَبْطأْت؛ قَالَ: وسأَلني الْقَاسِمُ بْنُ مَعْن عَنْ
بَيْتِ الرَّبِيعِ بْنِ ضَبُع الفَزارِي:
وَمَا أَلَّى بَنِيّ وما أَساؤوا
فقلت: أَبطؤوا، فَقَالَ: مَا تَدَعُ شَيْئًا، وَهُوَ فَعَّلْت مَنْ
أَلَوْت أَي أَبْطأْت؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مِنَ الأُلُوِّ
وَهُوَ التَّقْصِيرُ؛ وأَنشد ابْنُ جِنِّي فِي أَلَوْت بِمَعْنَى
اسْتَطَعْتُ لأَبي العِيال الهُذَلي:
جَهْراء لَا تَأْلُو، إِذَا هِيَ أَظْهَرَتْ ... بَصَراً، وَلَا مِنْ
عَيْلةٍ تُغْنِيني
أَي لَا تُطِيق. يُقَالُ: هُوَ يَأْلُو هَذَا الأَمر أَي يُطِيقه
ويَقْوَى عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنِّي لَا آلُوكَ نُصْحاً أَي لَا
أَفْتُر وَلَا أُقَصِّر. الجوهري: فُلَانٌ لَا يَأْلُوك نصْحاً فَهُوَ
آلٍ، والمرأَة آلِيَةٌ، وَجَمْعُهَا أَوَالٍ. والأُلْوَة والأَلْوَة
والإِلْوَة والأَلِيَّة عَلَى فعِيلة والأَلِيَّا، كلُّه: الْيَمِينُ،
وَالْجَمْعُ أَلايَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَلِيلُ الأَلايَا حافظٌ لِيَمينِه، ... وإنْ سَبَقَتْ مِنْهُ
الأَلِيَّةُ بَرَّتِ
وَرَوَاهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ: قَلِيلُ الإِلاء، يُرِيدُ الإِيلاءَ
فَحَذَفَ الْيَاءَ، وَالْفِعْلُ آلَى يُؤْلي إِيلَاءً: حَلَفَ،
وتأَلَّى يَتأَلَّى تأَلِّياً وأْتَلَى يَأْتَلِي ائْتِلاءً. وَفِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
«2» ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا يَأْتَلِ هُوَ مِنْ أَلَوْتُ أَي
قَصَّرْت؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الائْتِلاءُ الحَلِفُ،
وقرأَ بَعْضُ أَهل الْمَدِينَةِ: وَلَا يَتَأَلَ
، وَهِيَ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ مِنْ تَأَلَّيْت، وَذَلِكَ أَن أَبا
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَلَف أَن لَا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَح
بْنِ أُثَاثَةَ وَقَرَابَتِهِ الَّذِينَ ذَكَرُوا عَائِشَةَ، رِضْوَانُ
اللَّهِ عَلَيْهَا، فأَنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ،
وَعَادَ أَبو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى الإِنفاق
عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَأَلَّيْتُ وأْتَلَيْت وآلَيْتُ عَلَى الشَّيْءِ
وآلَيْتُه، عَلَى حَذْفِ الْحَرْفِ: أَقْسَمْت. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ يَتَأَلَّ على الله
__________
(1) . قوله [ما يأل لهم إلى قوله وأيال له إيالة] كذا في الأَصل وفي
ترجمة يأل من النهاية
(2) . الآية
(14/40)
يُكْذِبْه
؛ أَي مَن حَكَم عليه وخَلَف كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَيُدْخِلَنَّ
اللَّهُ فُلَانًا النارَ، ويُنْجِحَنَّ اللهُ سَعْيَ فُلَانٍ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
وَيْلٌ للمُتَأَلِّينَ مِنْ أُمَّتي
؛ يَعْنِي الَّذِينَ يَحْكُمون عَلَى اللَّهِ وَيَقُولُونَ فُلَانٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفُلَانٌ فِي النَّارِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
مَنِ المُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ
أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا
أَي حَلَفَ لَا يدْخُل عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا عَدَّاهُ بِمِن حَمْلًا
عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الدُّخُولِ، وَهُوَ
يَتَعَدَّى بِمِنْ، وللإِيلاء فِي الْفِقْهِ أَحكام تَخُصُّهُ لَا
يُسَمَّى إِيلَاءً دُونَهَا. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: لَيْسَ فِي الإِصلاح إيلاءٌ
أَي أَن الإِيلاء إِنَّمَا يَكُونُ فِي الضِّرار وَالْغَضَبِ لَا فِي
النَّفْعِ وَالرِّضَا. وَفِي حَدِيثِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ:
لَا دَرَيْتَ وَلَا ائْتَلَيْتَ
، وَالْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ:
لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ
، وَالصَّوَابُ الأَول. ابن سيدة: وقالوا لَا دَرَيْتَ وَلَا
ائْتَلَيتَ، عَلَى افْتعَلْتَ، مِنْ قَوْلِكَ مَا أَلَوْتُ هَذَا أَي
مَا اسْتَطَعْتُهُ أَي وَلَا اسْتَطَعْتَ. وَيُقَالُ: أَلَوْته
وأْتَلَيْتُه وأَلَّيْتُه بِمَعْنَى اسْتَطَعْتُهُ؛ وَمِنْهُ
الْحَدِيثِ:
مَنْ صامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَلَّى
أَي وَلَا اسْتَطَاعَ الصِّيَامَ، وَهُوَ فَعَّلَ مِنْهُ كأَنه دَعا
عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ إِخْبَارًا أَي لَمْ يَصُمْ وَلَمْ
يُقَصِّر، مِنْ أَلَوْت إِذَا قَصَّرت. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: رَوَاهُ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ وَلَا آلَ بِوَزْنِ عالَ، وَفُسِّرَ
بِمَعْنَى وَلَا رجَع، قَالَ: والصوابُ أَلَّى مُشَدَّدًا
وَمُخَفَّفًا. يُقَالُ: أَلا الرجلُ وأَلَّى إِذَا قَصَّر وَتَرَكَ
الجُهْد. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأَلْوُ الِاسْتِطَاعَةُ
وَالتَّقْصِيرُ والجُهْدُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ تعالى:
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
؛ أَي لَا يُقَصِّر فِي إِئْتَاءِ أُولي الْقُرْبَى، وَقِيلَ: وَلَا
يَحْلِفُ لأَن الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَلِفِ أَبي بَكْرٍ أَن لا
يُنْفِقَ على مِسْطَح، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ لَا دَرَيْت وَلَا
ائْتَلَيْت: كأَنه قَالَ لَا دَرَيْت وَلَا اسْتَطَعْتَ أَن تَدْري؛
وأَنشد:
فَمَنْ يَبتَغي مَسْعاةَ قَوْمِي فَلْيَرُمْ ... صُعوداً إِلَى
الجَوْزاء، هَلْ هُوَ مُؤْتَلي
قَالَ الفراء: ائْتَلَيْت افْتَعَلْتُ مِنْ أَلَوْت أَيْ قَصَّرت.
وَيَقُولُ: لَا دَرَيْت وَلَا قَصَّرت فِي الطَّلَبِ لِيَكُونَ أَشقى
لَكَ؛ وأَنشد «1» :
وَمَا المرْءُ، مَا دَامَتْ حُشاشَةُ نَفْسِهِ، ... بمُدْرِك أَطرافِ
الخُطُوب وَلَا آلِي
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَلَا أَلَيْت، إِتْبَاعٌ لَدَرَيْت،
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَلَا أَتْلَيْت أَي لَا أَتْلَتْ إبلُك. ابْنُ
الأَعرابي: الأَلْوُ التَّقْصِيرُ، والأَلْوُ الْمَنْعُ، والأَلْوُ
الِاجْتِهَادُ، والأَلْوُ الِاسْتِطَاعَةُ، والأَلْو العَطِيَّة؛
وأَنشد:
أَخالِدُ، لَا آلُوكَ إلَّا مُهَنَّداً، ... وجِلْدَ أَبي عِجْلٍ
وَثيقَ القَبائل
أَي لَا أُعطيك إِلَّا سَيْفًا وتُرْساً مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ، وَقِيلَ
لأَعرابي وَمَعَهُ بَعِيرٌ: أَنِخْه، فَقَالَ: لَا آلُوه. وأَلاه
يَأْلُوه أَلْواً: اسْتَطَاعَهُ؛ قَالَ العَرْجي:
خُطُوطاً إِلَى اللَّذَّات أَجْرَرْتُ مِقْوَدي، ... كإجْرارِك
الحَبْلَ الجَوادَ المُحَلِّلا
إِذَا قادَهُ السُّوَّاسُ لَا يَمْلِكُونه، ... وكانَ الَّذِي
يَأْلُونَ قَوْلًا لَهُ: هَلا
أَي يَسْتَطِيعُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الأَفعال أَلَوْتُ أَلْواً.
والأَلُوَّةُ: الغَلْوَة والسَّبْقة. والأَلُوَّة والأُلُوَّة،
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَالتَّشْدِيدِ، لُغَتَانِ: العُودُ
الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، فَارِسِيٌّ معرَّبٌ، وَالْجَمْعُ أَلاوِيَة،
__________
(1) . إمرؤ القيس
(14/41)
دَخَلَتِ الْهَاءُ للإِشعار بِالْعُجْمَةِ؛
أُنشد اللِّحْيَانِيُّ:
بِساقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِين تَحُشُّها [تَحِشُّها] ... بأَعْوادِ
رَنْدٍ أَو أَلاوِيَةً شُقْرا «1»
. ذُو قِضين: مَوْضِعٌ. وَسَاقَاهَا جَبَلاها. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فِي صِفَةِ أَهل
الْجَنَّةِ: ومَجامِرُهم الأَلُوَّة غَيْرَ مُطَرَّاة
؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ العُود الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، قَالَ وأُراها
كَلِمَةً فَارِسِيَّةً عُرِّبت. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَسْتَجمر بالأَلُوَّة غيرَ مُطَرَّاة.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الأَلُوَّة الْعُودُ، وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ
وَلَا فَارِسِيَّةٍ، قَالَ: وأُراها هِنْدِيَّةً. وَحُكِيَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ قَالَ: يُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ
العُود أَلُوَّة وأُلُوَّةٌ ولِيَّة ولُوَّة، وَيُجْمَعُ أَلُوَّةٌ
أَلاوِيَةً؛ قَالَ حَسَّانُ:
أَلا دَفَنْتُم رسولَ اللهِ فِي سَفَطٍ، ... مِنَ الأَلُوَّة
والكافُورِ، مَنْضُودِ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فجاءتْ بِكافورٍ وعُود أَلُوَّةٍ ... شَآمِيَة، تُذْكى عَلَيْهَا
المَجامِرُ
ومَرَّ أَعرابي بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهُوَ يُدْفَن فَقَالَ:
أَلا جَعَلْتُم رسولَ اللهِ فِي سَفَطٍ، ... مِنَ الأَلُوَّةِ، أَحْوى
مُلْبَساً ذَهَبا
وَشَاهِدُ لِيَّة فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
لَا يَصْطَلي لَيْلَةَ رِيح صَرْصَرٍ ... إلَّا بِعُود لِيَّةٍ، أَو
مِجْمَر
وَلَا آتِيكَ أَلْوَة أَبي هُبَيْرة؛ أَبو هُبَيْرَة هَذَا: هُوَ
سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَناة بْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَا آتِيكَ
أَلْوَةَ بنَ هُبيرة؛ نَصبَ أَلْوَة نَصْبَ الظُّرُوفِ، وَهَذَا مِنِ
اتِّسَاعِهِمْ لأَنهم أَقاموا اسْمَ الرَّجُلِ مُقام الدَّهر.
والأَلْيَة، بِالْفَتْحِ: العَجِيزة لِلنَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، أَلْيَة
الشَّاةِ وأَلْيَة الإِنسان وَهِيَ أَلْيَة النَّعْجَةِ، مَفْتُوحَةُ
الأَلف، وَفِي حَدِيثٍ:
كَانُوا يَجْتَبُّون أَلَيَاتِ الغَنَم أَحياءً
؛ جَمْعُ أَلْية وَهِيَ طَرَف الشَّاةِ، والجَبُّ الْقَطْعُ، وَقِيلَ:
هُوَ مَا رَكِبَ العَجُزَ مِنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ، وَالْجَمْعُ
أَلَيات وأَلايا؛ الأَخيرة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَحَكَى
اللِّحْيَانِيُّ: إنَّه لذُو أَلَياتٍ، كأَنه جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ
أَلْيةً ثُمَّ جَمَعَ عَلَى هَذَا، وَلَا تَقُلْ لِيَّة وَلَا إلْية
فَإِنَّهُمَا خطأٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تقومُ الساعةُ حَتَّى تَضْطرِبَ أَلَيَاتُ نِساء دَوْسٍ عَلَى ذِي
الخَلَصة
؛ ذُو الخَلَصَة: بيتٌ كَانَ فِيهِ صَنَمٌ لدَوْسٍ يُسَمَّى الخَلَصة،
أَراد: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرْجِعَ دَوْسٌ عَنِ الإِسلام
فَتَطُوفَ نِسَاؤُهُمْ بِذِي الخَلَصة وتَضْطَرِبَ أَعجازُهُنَّ فِي
طَوَافِهِنَّ كَمَا كُنَّ يَفْعَلْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وكَبْشٌ
أَلَيان، بِالتَّحْرِيكِ، وأَلْيَان وأَلىً وآلٍ وكباشٌ ونِعاجٌ أُلْيٌ
مِثْلُ عُمْي، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وكِباش أَلْيَانَات، وَقَالُوا فِي
جَمْعِ آلٍ أُلْيٌ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ جُمِع عَلَى أَصله الْغَالِبِ
عَلَيْهِ لأَن هَذَا الضَّرْبَ يأْتي عَلَى أَفْعَل كأَعْجَز وأَسْته
فَجَمَعُوا فَاعِلًا عَلَى فُعْلٍ لِيُعْلَمَ أَن الْمُرَادَ بِهِ
أَفْعَل، وَإِمَّا أَن يَكُونَ جُمِع نَفْسُ آلٍ لَا يُذْهَب بِهِ
إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى آلَى، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ كبازِلٍ وبُزْلٍ
وعائذٍ وعُوذٍ. وَنَعْجَةٌ أَلْيَانَةٌ وأَلْيا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ
والمرأَة مِنْ رِجالٍ أُلْيٍ وَنِسَاءٍ أُلْيٍ وأَلْيَانَات وأَلاءٍ؛
قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: رَجُلٌ آلٍ وامرأَة عَجزاء وَلَا يُقَالُ
أَلْياءُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وبعضهم يقوله؛
__________
(1) . قوله [أو أَلاوِيَة شقرا] كذا في الأَصل مضبوطاً بالنصب ورسم ألف
بعد شقر وضم شينها، وكذا في ترجمة قضى من التهذيب وفي شرح القاموس
(14/42)
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ غَلِطَ أَبو
عُبَيْدٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي يَقُولُ المرأَة
أَلْيَاء هُوَ الْيَزِيدِيُّ؛ حَكَاهُ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي
نُعُوتِ خَلْق الإِنسان. الْجَوْهَرِيُّ: وَرَجُلٌ آلَى أَي عَظِيمُ
الأَلْيَة. وَقَدْ أَلِيَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَأْلَى أَلىً. قَالَ
أَبو زَيْدٍ: هُمَا أَلْيَانِ للأَلْيَتَيْن فإِذا أَفردت الْوَاحِدَةَ
قُلْتَ أَلْيَة؛ وأَنشد:
كأَنَّما عَطِيَّةُ بنُ كَعْبِ ... ظَعِينةٌ واقِفَةٌ فِي رَكْبِ،
تَرْتَجُّ أَلْيَاهُ ارْتِجاجَ الوَطْبِ
وَكَذَلِكَ هُمَا خُصْيانِ، الْوَاحِدَةُ خُصْيَة. وَبَائِعُهُ
أَلَّاء، عَلَى فَعَّال. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ
أَلْيَتان؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
مَتَى مَا تَلْقَني فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوانِفُ أَلْيَتَيْك
وتُسْتَطارا
واللِّيَّة، بِغَيْرِ هَمْزٍ، لَهَا مَعنيان؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي:
اللِّيَّة قَرَابَةُ الرَّجُلِ وَخَاصَّتُهُ؛ وأَنشد:
فَمَنْ يَعْصِبْ بِلِيَّتهِ اغْتِراراً، ... فإِنَّك قَدْ مَلأْتَ
يَداً وشامَا
يَعْصِبْ: يَلْوِي مِنْ عَصَبَ الشَّيْءَ، وأَراد بِالْيَدِ اليَمَن؛
يقول: مَنْ أَعْطى أَهل قَرَابَتِهِ أَحياناً خُصُوصًا فإِنك تُعْطِي
أَهل اليَمَن وَالشَّامِ. واللِّيَّة أَيضاً: الْعُودُ الَّذِي
يُسْتَجْمَر بِهِ وَهِيَ الأَلُوَّة. وَيُقَالُ: لأَى إِذا أَبطأَ،
وأَلَا إِذا تَكَبَّر؛ قَالَ الأَزهري: أَلَا إِذا تَكبَّر حَرْفٌ
غَرِيبٌ لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ ابن الأَعرابي، وقال أَيضاً: الأَلِيُّ
الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الأَيْمان. وأَلْيَة الْحَافِرِ: مُؤخَّره.
وأَلْيَة القَدَم: مَا وقَع عَلَيْهِ الوَطءُ مِنَ البَخَصَة الَّتِي
تَحْتَ الخِنْصَر. وأَلْيَةُ الإِبهام: ضَرَّتُها وَهِيَ اللَّحْمة
الَّتِي فِي أَصلها، والضرَّة الَّتِي تُقَابِلُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَتَفَلَ فِي عَيْنِ عليٍّ ومسَحَها بأَلْيَة إِبْهامه
؛ أَلْيَة الإِبهام: أَصلُها، وأَصلُ الخِنْصَر الضَّرَّة. وَفِي
حَدِيثِ
البَراء: السُّجود عَلَى أَلْيَتَي الكَفِ
؛ أَراد أَلْية الإِبهام وضَرَّة الخِنْصر، فَغَلَّب كالعُمَرَيْن
والقَمَرَيْن. وأَلْيَةُ الساقِ: حَماتُها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا
قَوْلُ الْفَارِسِيِّ. اللَّيْثُ: أَلْيَة الخِنْصَر اللَّحْمة الَّتِي
تَحْتَهَا، وَهِيَ أَلْية الْيَدِ، وأَلْيَة الكَفِّ هِيَ اللَّحْمة
الَّتِي فِي أَصل الإِبهام، وَفِيهَا الضَّرَّة وهي اللَّحْمة التي في
الخِنْصَر إِلى الكُرْسُوع، وَالْجَمْعُ الضَّرائر. والأَلْيَة:
الشَّحْمَةُ. وَرَجُلٌ أَلَّاءٌ: يَبِيعُ الأَلْيَة، يَعْنِي الشَّحْم.
والأَلْيَة: المَجاعة؛ عَنْ كُرَاعٍ. التَّهْذِيبُ: فِي البَقَرة
الْوَحْشِيَّةِ لآةٌ وأَلاةٌ بِوَزْنِ لَعاة وعَلاة. ابْنُ الأَعرابي:
الإِلْيَة، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، القِبَلُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
لَا يُقام الرجلُ مِنْ مَجْلِسه حَتَّى يَقُومَ مِنْ إِلْيَة نَفْسِهِ
أَي مِنْ قِبَل نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَن يُزْعَج أَو يُقام،
وَهَمْزَتُهَا مَكْسُورَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ
قَامَ فُلَانٌ مِنْ ذِي إِلْيَةٍ أَي مِنْ تِلْقاء نَفْسِهِ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَقُومُ لَهُ الرجلُ مِنْ لِيَةِ
نَفْسِهِ
، بِلَا أَلف؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه اسْمٌ مِنْ وَلِيَ يَلي
مِثْلَ الشِّية مِنْ وَشَى يَشِي، وَمَنْ قَالَ إِلْيَة فأَصلها
وِلْية، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً؛ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ:
كَانَ يَقُومُ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ إِلْيَتِه فَمَا يَجْلِس فِي
مَجْلِسِهِ.
وَالْآلَاءُ: النِّعَمُ وَاحِدُهَا أَلىً، بِالْفَتْحِ، وإِلْيٌ
وإِلىً؛ وقال الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ تُكْسَرُ وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ
مِثَالَ مِعىً وأَمْعاء؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
أَبْيض لَا يَرْهَبُ الهُزالَ، وَلَا ... يَقْطَع رِحْماً، وَلَا
يَخُونُ إِلا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلا هُنَا وَاحِدَ آلَاءِ
(14/43)
اللهِ، ويخُون: يَكْفُر، مُخفَّفاً مِنَ
الإِلِّ «2» . الَّذِي هُوَ العَهْد. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَفَكَّروا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَلَا تَتَفَّكروا فِي اللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لقابِسِ
آلَاءِ اللَّهِ
؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
هُمُ الملوكُ وأَبْناءُ المُلُوكِ، لَهُمْ ... فَضْلٌ عَلَى النَّاسِ
فِي الْآلَاءِ والنِّعَم
قَالَ ابْنُ الأَنباري: إِلا كان في الأَصل وِلَا، وأَلا كَانَ فِي
الأَصل وَلَا. والأَلاء، بِالْفَتْحِ: شَجَر حَسَنُ المَنْظَر مُرُّ
الطَّعْم؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فإِنَّكُمُ ومَدْحَكُمُ بُجَيراً ... أَبا لَجَأٍ كَمَا امْتُدِح
الأَلاءُ
وأرْضٌ مَأْلَأَةٌ كَثِيرَةُ الأَلاء. والأَلاء: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ
الرَّمْلِ دَائِمُ الْخُضْرَةِ أَبداً يُؤْكَلُ مَا دَامَ رَطْباً
فإِذا عَسا امْتَنَع ودُبغ بِهِ، وَاحِدَتُهُ أَلاءة؛ حَكَى ذَلِكَ
أَبو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَيُجْمَعُ أَيضاً أَلاءَات، وَرُبَّمَا قُصِر
الأَلَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَخْضَرُّ مَا اخضَرَّ الأَلا والآسُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنما قَصَرَ ضَرُورَةً. وَقَدْ
تَكُونُ الأَلاءَات جَمْعًا، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي الْهَمْزِ. وسِقاءٌ مَأْلِيٌّ ومَأْلُوٌّ: دُبِغ بالأَلاء؛ عَنْهُ
أَيضاً. وإِلْيَاءُ: مدينة بين الْمَقْدِسِ. وإِلِيَّا: اسْمُ رَجُلٍ.
والمِئلاة، بِالْهَمْزِ، عَلَى وَزْنِ المِعْلاة «3» : خِرْقَة
تُمْسِكها المرأَة عِنْدَ النَّوح، وَالْجَمْعُ المَآلِي. وَفِي
حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِني وَاللَّهِ مَا تَأَبَّطَتْني الإِماء
وَلَا حَمَلَتني البَغايا فِي غُبَّرات المَآلِي
؛ المَآلِي: جَمْعُ مِئْلاة بِوَزْنِ سِعْلاة، وَهِيَ هَاهُنَا
خِرْقَةُ الْحَائِضِ أَيضاً «4» . يُقَالُ: آلَتِ المرأَةُ إِيلاءً
إِذا اتَّخَذَتْ مِئْلاةً، وَمِيمُهَا زَائِدَةٌ، نَفَى عَنْ نَفْسِهِ
الجَمْع بَيْنَ سُبَّتَيْن: أَن يَكُونَ لِزَنْيةٍ، وأَن يَكُونَ
مَحْمُولًا فِي بَقِية حَيْضَةٍ؛ وقال لَبِيدٌ يَصِفُ سَحَابًا:
كأَنَّ مُصَفَّحاتٍ فِي ذُراه، ... وأَنْواحاً عَلَيْهِنَّ المَآلِي
المُصَفَّحاتُ: السيوفُ، وتَصْفِيحُها: تَعْريضُها، وَمَنْ رَوَاهُ
مُصَفِّحات، بِكَسْرِ الْفَاءِ، فَهِيَ النِّساء؛ شَبَّه لَمْعَ
البَرْق بتَصْفِيح النِّسَاءِ إِذا صَفَّقْنَ بأَيديهن.
أما: الأَمَةُ: المَمْلوكةُ خِلاف الحُرَّة. وَفِي التَّهْذِيبِ:
الأَمَة المرأَة ذَاتُ العُبُودة، وَقَدْ أَقَرَّت بالأُمُوَّة.
تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: رَماه اللَّهُ مِنْ
كُلِّ أَمَةٍ بحَجَر؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وأُراهُ «5» . مِنْ كُلِّ أَمْتٍ بحَجر، وَجَمْعُ الأَمَة أَمَوَاتٌ
وإِمَاءٌ وآمٍ وإِمْوَانٌ وأُمْوَانٌ؛ كِلَاهُمَا عَلَى طَرْحِ
الزَّائِدِ، وَنَظِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَخٌ وإِخْوانٌ: قَالَ
الشَّاعِرُ:
أَنا ابنُ أَسْماءَ أَعْمامي لَهَا وأَبي، ... إِذا تَرامى بَنُو
الإِمْوَانِ بِالْعَارِ
وَقَالَ القَتَّالُ الكِلابي:
أَما الإِمَاءُ فَلَا يَدْعُونَني وَلَداً، ... إِذا تَرامى بَنُو
الإِمْوَانِ بِالْعَارِ
وَيُرْوَى: بَنُو الأُمْوَانِ؛ رَوَاهُ اللِّحْيَانِيُّ؛ وقال
__________
(2) . قوله [مخففاً من الإل] هكذا في الأصل، ولعله سقط من الناسخ صدر
العبارة وهو: ويجوز أن يكون إلخ أو نحو ذلك
(3) . قوله [المعلاة] كذا في الأصل ونسختين من الصحاح بكسر الميم بعدها
مهملة والذي في مادة علا: المعلاة بفتح الميم، فلعلها محرفة عن المقلاة
بالقاف
(4) . قوله [وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقَةُ الْحَائِضِ أيضاً] عبارة
النهاية: وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقَةُ الْحَائِضِ وهي خرقة النائحة أيضاً
(5) . قَوْلُهُ [قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَأُرَاهُ إلخ] يناسبه ما في مجمع
الأمثال: رَمَاهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ أكمة بحجر
(14/44)
الشَّاعِرُ فِي آمٍ:
مَحَلَّةُ سَوْءٍ أَهْلَكَ الدَّهْرُ أَهْلَها، ... فَلَمْ يَبْقَ
فِيهَا غَيْرُ آمٍ خَوالِفِ
وقال السُّلَيْك:
يَا صاحِبَيَّ، أَلا لَا حَيَّ بِالْوَادِي ... إِلا عبيدٌ وآمٍ بَيْنَ
أَذْواد
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْديكرب:
وكُنْتُمْ أَعْبُداً أَوْلادَ غَيْلٍ، ... بَني آمٍ مَرَنَّ عَلَى
السِّفاد
وقال آخَرُ:
تَرَكْتُ الطيرَ حاجِلَةً عَلَيْهِ، ... كَمَا تَرْدي إِلى العُرُشاتِ
آمِ «1»
. وأَنشد الأَزهري لِلْكُمَيْتِ:
تَمْشِي بها رُبْدُ النَّعام ... تَماشِيَ الآمِ الزَّوافِر
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْآمِ جَمْعُ الأَمَة كالنَّخْلة والنَّخْل
والبَقْلَة والبَقْل، قال: وأَصل الأَمَة أَمْوَة، حَذَفُوا لَامَهَا
لَمَّا كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ، فَلَمَّا جَمَعُوهَا عَلَى
مِثَالِ نَخْلَة ونَخْل لَزِمَهم أَن يَقُولُوا أَمَة وأَمٌ،
فَكَرِهُوا
أَن يَجْعَلُوهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، وَكَرِهُوا أَن يَرُدُّوا الْوَاوَ
الْمَحْذُوفَةَ لَمَّا كَانَتْ آخِرَ الِاسْمِ، يَسْتَثْقِلُونَ
السُّكُوتَ عَلَى الْوَاوِ فَقَدَّمُوا الْوَاوَ فَجَعَلُوهَا أَلفاً
فِيمَا بين الأَلف والميم. وقال اللَّيْثُ: تَقُولُ ثَلَاثُ آمٍ،
وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْعُل، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يَزد
اللَّيْثُ عَلَى هَذَا، قَالَ: وأُراه ذَهَبَ إِلى أَنه كَانَ فِي
الأَصل ثَلَاثٌ أَمْوُيٍ، قَالَ: وَالَّذِي حَكَاهُ لِيَ
الْمُنْذِرِيُّ أَصح وأَقيس، لأَني لَمْ أَرَ فِي بَابِ الْقَلْبِ
حَرْفَيْنِ حُوِّلا، وأُراه جُمِعَ عَلَى أَفْعُل، عَلَى أَن الأَلف
الأُولى مِنْ آمٍ أَلف أَفْعُل، والأَلف الثَّانِيَةُ فَاءُ أَفعل،
وَحَذَفُوا الْوَاوَ مِنْ آمُوٍ، فَانْكَسَرَتِ الْمِيمُ كَمَا يُقَالُ
فِي جَمْعِ جِرْوٍ ثَلَاثَةُ أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصل ثَلَاثَةُ
أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْوَاوُ جُرَّت الرَّاءُ، قَالَ:
وَالَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ قَوْلٌ حَسَنٌ، قَالَ: وقال
الْمُبَرِّدُ أَصل أَمَة فَعَلة، مُتَحَرِّكَةَ الْعَيْنِ، قَالَ:
وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الأَسماء عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ سَقَطَ
مِنْهُ حَرْفٌ، يُسْتَدَل عَلَيْهِ بِجَمْعِهِ أَو بِتَثْنِيَتِهِ أَو
بِفِعْلٍ إِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْهُ لأَن أَقلَّ الأُصول ثَلَاثَةُ
أَحرف، فأَمَةٌ الذَّاهِبُ مِنْهُ وَاوٌ لِقَوْلِهِمْ أُمْوَانٌ.
قَالَ: وأَمَةٌ فَعَلة مُتَحَرِّكَةٌ يُقَالُ فِي جَمْعِهَا آمٍ،
وَوَزْنُ هَذَا أَفْعُل كَمَا يُقَالُ أَكَمَة وآكُم، وَلَا يَكُونُ
فَعْلة عَلَى أَفْعُل، ثُمَّ قَالُوا إِمْوَانٌ كَمَا قَالُوا إِخْوان.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَمَلَ سِيبَوَيْهِ أَمَة عَلَى أَنها فَعَلة
لِقَوْلِهِمْ فِي تَكْسِيرِهَا آمٍ كَقَوْلِهِمْ أَكَمة وآكُم قَالَ
ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدِي أَن حَرَكَةَ الْعَيْنِ قَدْ
عاقَبَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَاءَ التأْنيث، وَذَلِكَ فِي
الأَدواء نَحْوَ رَمِثَ رَمَثاً وحَبِطَ حَبَطاً، فإِذا أَلحقوا
التَّاءَ أَسكنوا الْعَيْنَ فَقَالُوا حَقِلَ حَقْلَةً ومَغِلَ
مَغْلَةً، فَقَدْ تَرَى إِلى مُعاقبة حَرَكَةِ الْعَيْنِ تاءَ
التأْنيث، وَمِنْ ثَمَّ قَوْلُهُمْ جَفْنَة وجَفَنات وقَصْعَة
وقَصَعَات، لَمَّا حَذَفُوا التَّاءَ حَرَّكوا الْعَيْنَ، فَلَمَّا
تَعَاقَبَتِ التاءُ وَحَرَكَةُ الْعَيْنِ جَرَتا فِي ذَلِكَ مَجْرى
الضِّدين الْمُتَعَاقِبَيْنِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي فَعَلة تَرافَعا
أَحكامَهما، فأَسقطت التاءُ حُكْمَ الْحَرَكَةِ وأَسقطت الحركةُ حكمَ
التَّاءِ، وَآلَ الأَمر بِالْمِثَالِ إِلى أَن صارَ كأَنه فَعْلٌ،
وفَعْلٌ بابٌ تَكْسِيرِهِ أَفْعُل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصل أَمَة
أَمَوَة، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه يُجْمع عَلَى آمٍ، وَهُوَ أَفْعُل
مِثْلُ أَيْنُق. قَالَ:
__________
(1) . قوله [العرشات] هكذا في الأصل وشرح القاموس بالمعجمة بعد الراء،
ولعله بالمهملة جمع عرس طعام الوليمة كما في القاموس. وتردي: تحجل، من
ردت الجارية رفعت إحدى رجليها ومشت على الأُخرى تلعب
(14/45)
وَلَا يُجْمَعُ فَعْلة بِالتَّسْكِينِ
عَلَى ذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ يُقَالُ جاءَتْني
أَمَةُ اللَّهِ، فإِذا ثنَّيت قُلْتَ جاءَتني أَمَتَا اللَّهِ، وَفِي
الْجَمْعِ عَلَى التَّكْسِيرِ جاءَني إِماءُ اللَّهِ وأُمْوَانُ
اللَّهِ وأَمَوَاتُ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَمَاتُ اللَّهِ عَلَى
النَّقْصِ. وَيُقَالُ: هُنَّ آمٌ لِزَيْدٍ، ورأَيت آمِياً لِزَيْدٍ،
ومرَرْت بآمٍ لِزَيْدٍ، فإِذا كَثُرت فَهِيَ الإِمَاء والإِمْوَان
والأُمْوَان. وَيُقَالُ: اسْتَأْمِ أَمَةً غَيْرَ أَمَتِك، بِتَسْكِينِ
الْهَمْزَةِ، أَي اتَّخِذ، وتَأَمَّيْتُ أَمةً. ابْنُ سِيدَهْ:
وتَأَمَّى أَمَةً اتَّخَذها، وأَمَّاها جعلَها أَمَة. وأَمَتِ المرأَةُ
وأَمِيَتْ وأَمُوَتْ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أُمُوَّة:
صَارَتْ أَمَةً. وقال مُرَّة: مَا كَانَتْ أَمَةً وَلَقَدْ أَمُوَت
أُمُوَّة. وَمَا كُنْتِ أَمَةً وَلَقَدْ تَأَمَّيْتِ وأَمِيتِ
أُمُوَّة. الْجَوْهَرِيُّ: وتَأَمَّيتُ أَمَةً أَي اتَّخَذت أَمَة؛
قَالَ رُؤْبَةُ:
يَرْضَوْن بالتَّعْبِيدِ والتَّآمِي
وَلَقَدْ أَمَوْتِ أُمُوَّة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَقُولُ هُوَ
يَأْتَمِي بِزَيْدٍ أَي يَأْتَمُّ بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نَزُورُ امْرأً، أَمّا الإِلَه فَيَتَّقي، ... وأَمّا بفِعْل
الصَّالحِينَ فَيَأْتَمِي
وَالنِّسْبَةُ إِليها أَمَوِيٌّ، بِالْفَتْحِ، وَتَصْغِيرُهَا
أُمَيَّة. وبَنو أُمَيَّة: بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالنِّسْبَةُ إِليهم
أُمَوِيٌّ، بِالضَّمِّ، وَرُبَّمَا فَتَحوا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وَالنَّسَبُ إِليه أُمَوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَلَى غَيْرِ
الْقِيَاسِ أَمَوِيٌّ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أُمَيِّيٌّ عَلَى الأَصل،
أَجروه مُجْرى نُمَيْريّ وعُقَيْلّي، وَلَيْسَ أُمَيِّيٌّ بأَكثر فِي
كَلَامِهِمْ، إِنما يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أُمَيِّيٌّ،
يَجْمَعُ بَيْنَ أَربع ياءَات، قَالَ: وَهُوَ فِي الأَصل اسْمُ رَجُلٍ،
وَهُمَا أُمَيَّتانِ: الأَكبر والأَصغر، ابْنَا عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ منافٍ، أَولاد عَلَّةٍ؛ فمِنْ أُمَيَّة الكُبْرى أَبو سُفْيَانَ
بْنُ حَرْبٍ والعَنابِسُ والأَعْياصُ، وأُمَيَّة الصُّغْرى هُمْ
ثَلَاثَةُ إِخوة لأُم اسْمُهَا عَبْلَة، يُقَالُ هُمُ العَبَلات،
بِالتَّحْرِيكِ. وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ للأَحْوَص «1»
. وأَفرد عَجُزَهُ:
أَيْما إِلى جنة أَيما إِلى نار
قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ إِيما،
بِالْكَسْرِ، لأَن الأَصل إِما، فأَما أَيْما فالأَصل فِيهِ أَمّا،
وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ أَمّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، بِخِلَافِ
إِمّا الَّتِي فِي الْعَطْفِ فإِنها مَكْسُورَةٌ لَا غَيْرُ. وَبَنُو
أَمَة: بَطْنٌ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: وأَمَا،
بِالْفَتْحِ، كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الِاسْتِفْتَاحُ بِمَنْزِلَةِ أَلا،
وَمَعْنَاهُمَا حَقًّا، وَلِذَلِكَ أَجاز سِيبَوَيْهِ أَمَا إِنَّه
مُنْطَلِقٌ وأَمَا أَنَّهُ، فَالْكَسْرُ عَلَى أَلا إِنَّه،
وَالْفَتْحُ حَقًّا أَنَّه. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: هَمَا وَاللَّهِ
لَقَدْ كَانَ كَذَا أَي أَما وَاللَّهِ، فَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ
الْهَمْزَةِ. وأَمَّا أَمَا الَّتِي لِلِاسْتِفْهَامِ فَمُرَكَّبَةٌ
مِنْ مَا النَّافِيَةِ وأَلف الِاسْتِفْهَامِ. الأَزهري: قَالَ
اللَّيْثُ أَمَا اسْتِفْهَامُ جَحُودٍ كَقَوْلِكَ أَمَا تَسْتَحِي مِنَ
اللَّهِ، قَالَ: وَتَكُونُ أَمَا تأْكيداً لِلْكَلَامِ وَالْيَمِينِ
كَقَوْلِكَ أَمَا إِنَّه لرجلٌ كَرِيمٌ، وَفِي الْيَمِينِ كَقَوْلِكَ:
أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ سَهِرْتُ لَكَ لَيْلَةً لأَدَعَنَّكَ نَادِمًا،
أَمَا لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لأُزعجنك مِنْهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ
فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ، قَالَ: الْعَرَبُ
تَجْعَلُ مَا صِلَةً فِيمَا يُنْوَى بِهِ الْجَزَاءُ كأَنه مِنْ
خَطِيئَاتِهِمْ مَا أُغْرِقُوا، قَالَ: وَكَذَلِكَ رأَيتها فِي
مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وتأْخيرها دَلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَزَاءِ،
وَمِثْلُهَا فِي مصحفه:
__________
(1) . قوله [وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ للأحوص] الذي
في التكملة: أن البيت ليس للأحوص بل لسعد بن قرط بن سيار الجذامي يهجو
أمه
(14/46)
أَيَّ الأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْتُ
؛ أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ حَيْثُما تَكُنْ أَكن ومهْما تَقُلْ أَقُلْ؟
قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي بَابِ أَمَّا وإِمَّا:
إِذَا كُنْتَ آمِرًا أَو نَاهِيًا أَو مُخْبِرًا فَهُوَ أَمّا
مَفْتُوحَةً، وإِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا أَو شَاكًّا أَو مُخَيِّراً أَو
مُخْتَارًا فَهِيَ إِمَّا، بِكَسْرِ الأَلف؛ قَالَ: وَتَقُولُ مِنْ
ذَلِكَ فِي الأَول أَمَّا اللهَ فاعْبُدْه وأَمَّا الْخَمْرُ فَلَا
تشرَبْها وأَمَّا زَيْدٌ فَقَدْ خَرَجَ، قَالَ: وَتَقُولُ فِي
النَّوْعِ الثَّانِي إِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا إِمَّا تَشْتُمَنَّ فإِنه
يَحْلُم عَنْكَ، وَتَقُولُ فِي الشَّكِّ: لَا أَدري مَنْ قَامَ إِمَّا
زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو، وَتَقُولُ فِي التَّخْيِيرِ: تَعَلَّمْ إِمَّا
الْفِقْهَ وإِمَّا النَّحْوَ، وَتَقُولُ فِي المختار: لي دار بالكوفة
فأَنا خَارِجٌ إِليها، فإِمَّا أَن أَسكنها، وإِمَّا أَنْ أَبيعها؛
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ إِمَّا بِمَعْنَى
أَمّا الشُّرْطِيَّةِ؛ قَالَ: وأَنشدني الْكِسَائِيُّ لِصَاحِبِ هَذِهِ
اللُّغَةِ إِلَّا أَنه أَبْدَلَ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً:
يَا لَيْتَما أُمَّنا شَالَتْ نَعامتُها، ... إِيما إلى جنة إِيما إِلى
نَارِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ إِيما وأَيْما يُرِيدُونَ أَمّا،
فَيُبْدِلُونَ مِنْ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً. وقال الْمُبَرِّدُ: إِذا
أَتيت بإِمّا وأَمَّا فَافْتَحْهَا مَعَ الأَسماء وَاكْسِرْهَا مَعَ
الأَفعال؛ وأَنشد:
إِمَّا أَقَمْتَ وأَمّا أَنت ذَا سَفَرٍ، ... فاللهُ يَحْفَظُ مَا
تأْتي وَمَا تَذَرُ
كُسِرَتْ إِمّا أَقمتَ مَعَ الْفِعْلِ، وَفُتِحَتْ وأَمّا أَنت لأَنها
وَلِيَت الاسم؛ وقال:
أَبا خُراشة أَمَّا أَنتَ ذَا نَفَرٍ
الْمَعْنَى: إِذا كُنْتَ ذَا نَفَر؛ قَالَ: قَالَهُ ابْنُ كَيْسان.
قَالَ: وقال الزَّجَّاجُ إِمّا الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ شُبِّهَتْ بأَن
الَّتِي ضُمَّتْ إِليها مَا مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِمَّا
أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
؛ كُتِبَتْ بالأَلف لِمَا وَصَفْنَا، وَكَذَلِكَ أَلا كُتِبَتْ بالأَلف
لأَنها لَوْ كَانَتْ بِالْيَاءِ لأَشبهت إِلى، قَالَ: قَالَ
الْبَصْرِيُّونَ أَمَّا هِيَ أَن الْمَفْتُوحَةُ ضُمَّتْ إِليها مَا
عِوَضًا مِنَ الْفِعْلِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِذ، الْمَعْنَى إِذ
كُنْتَ قَائِمًا فإِني قَائِمٌ مَعَكَ؛ وَيُنْشِدُونَ:
أَبا خُرَاشَةَ أَمَّا كُنْتَ ذَا نَفَرٍ
قَالُوا: فإِن وَلِيَ هَذِهِ الْفِعْلُ كُسِرَتْ فَقِيلَ إِمَّا
انطلقتَ انطلقتُ مَعَكَ؛ وأَنشد:
إِمَّا أَقمت وأَمَّا أَنت مُرْتَحِلًا
فَكَسَرَ الأُولى وَفَتَحَ الثَّانِيَةَ، فإِن وَلِيَ هَذِهِ
الْمَكْسُورَةَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَحدثت فِيهِ النُّونَ فَقُلْتَ
إِمَّا تذهبنَّ فإِني مَعَكَ، فإِن حَذَفْتَ النُّونَ جَزَمْتَ
فَقُلْتَ إِمَّا يأْكلْك الذئب فلا أَبكيك. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً
وَإِمَّا كَفُوراً
، قَالَ: إِمَّا هَاهُنَا جَزَاءٌ أَي إِن شُكْرٌ وإِن كُفْرٌ. قَالَ:
وَتَكُونُ عَلَى إِما الَّتِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِمَّا
يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ
، فكأَنه قَالَ خَلَقْنَاهُ شَقِيًّا أَو سَعِيدًا. الْجَوْهَرِيُّ:
وإِمَّا، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ عَطْفٍ بِمَنْزِلَةِ أَو
فِي جَمِيعِ أَحوالها إِلا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنك تَبْتَدِئُ
بأَو مُتَيَقِّنًا ثُمَّ يُدْرِكُكَ الشَّكُّ، وإِمَّا تَبْتَدِئُ
بِهَا شَاكًّا وَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرِيرِهَا. تَقُولُ: جَاءَنِي
إِمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو؛ وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِمَّا تَرَيْ رأْسي تَغَيَّر لونُه ... شَمَطاً فأَصْبَح كالثَّغام
المُمْحِل «2»
. يُرِيدُ: إِنْ تَرَيْ رأْسي، وَمَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ
إِمّا الَّتِي تَقْتَضِي التَّكْرِيرَ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ في المجازاة
__________
(2) . قوله [الممحل] كذا في الأصل، والذي في الصحاح: كالثغام المخلس،
ولم يعز البيت لأحد
(14/47)
تَقُولُ: إِمَّا تأْتني أُكرمْك. قَالَ
عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً
. وَقَوْلُهُمْ: أَمَّا، بِالْفَتْحِ، فَهُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ
وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ تَقُولُ: أَمَّا عَبْدُ
اللَّهِ فَقَائِمٌ، قَالَ: وإِنما احْتِيجَ إِلى الْفَاءِ فِي
جَوَابِهِ لأَن فِيهِ تَأْوِيلَ الْجَزَاءِ كأَنك قُلْتَ مَهْمَا
يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ. قَالَ: وأَمَا،
مُخَفَّفٌ، تَحْقِيقٌ لِلْكَلَامِ الَّذِي يَتْلُوهُ، تَقُولُ: أَمَا
إِنَّ زَيْدًا عَاقِلٌ، يَعْنِي أَنه عَاقِلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا
عَلَى الْمَجَازِ. وَتَقُولُ: أَمَا والله قد ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا.
الْجَوْهَرِيُّ: أَمَتِ السِّنَّوْرُ تَأْمُو أُمَاءً أَي صَاحَتْ،
وَكَذَلِكَ مَاءَتْ تَمُوءُ مُواء.
أني: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أَنْياً وإِنىً وأَنىً «1» ، وَهُوَ
أَنِيٌّ. حَانَ وأَدْرك، وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ النَّبَاتَ.
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ أَلمْ يَأْنِ وأَ لَم يَئِنْ لك وأَ لم يَنَلْ
لكَ وأَ لم يُنِلْ لَكَ، وأَجْوَدُهُنَّ مَا نَزَلْ بِهِ الْقُرْآنُ
الْعَزِيزُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
؛ هُوَ مِنْ أَنَى يَأْنِي وآنَ لَكَ يَئين. وَيُقَالُ: أَنَى لَكَ أَن
تَفْعَلَ كَذَا ونالَ لَكَ وأَنالَ لَكَ وَآنَ لَكَ، كُلٌّ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَعْنَاهَا كُلِّهَا حانَ لَكَ يَحين.
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
هَلْ أَنَى الرحيلُ
أَي حانَ وقتُه، وَفِي رِوَايَةٍ:
هَلْ آنَ الرحيلُ
أَي قَرُبَ. ابْنُ الأَنباري: الأَنَى مِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ
مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَقَدْ أَنَى يَأْنِي؛
وَقَالَ:
.......... بيَوْمٍ ... أَنَى ولِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ
أَي أَدرك وَبَلَغَ. وإِنَى الشَّيْءِ: بلوغُه وإِدراكه. وَقَدْ أَنَى
الشيءُ يَأْنِي إِنىً، وَقَدْ آنَ أَوانُك وأَيْنُك وإِينُكَ.
وَيُقَالُ مِنَ الأَين: آنَ يَئِين أَيْناً. والإِناءُ، مَمْدُودٌ:
وَاحِدُ الآنِيَة مَعْرُوفٌ مِثْلُ رِدَاءٍ وأَردية، وَجَمْعُهُ
آنِيَةٌ، وَجَمْعُ الآنِيَة الأَوَانِي، عَلَى فَوَاعِلَ جَمْعِ
فَاعِلَةٍ، مِثْلَ سِقاء وأَسْقِية وأَساقٍ. والإِناءُ: الَّذِي
يَرْتَفِقُ بِهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ لأَنه قَدْ بَلَغَ أَن
يُعْتَمل بِمَا يعانَى بِهِ مِنْ طَبْخٍ أَو خَرْز أَو نِجَارَةٍ،
وَالْجَمْعُ آنِيَةٌ وأَوانٍ؛ الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ مِثْلُ أَسقية
وأَساق، والأَلف فِي آنِيَة مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَيْسَتْ
بِمُخَفَّفَةٍ عَنْهَا لِانْقِلَابِهَا فِي التَّكْسِيرِ وَاوًا،
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَحُكِمَ عَلَيْهِ دُونَ الْبَدَلِ لأَن الْقَلْبَ
قِيَاسِيٌّ وَالْبَدَلَ مَوْقُوفٌ. وأَنَى الماءُ: سَخُنَ وَبَلَغَ فِي
الْحَرَارَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَطُوفُونَ بَيْنَها
وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
؛ قِيلَ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى فِي الْحَرَارَةِ. وَيُقَالُ:
أَنَى الحميمُ أَي انْتَهَى حَرُّهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
حَمِيمٍ آنٍ
. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
؛ أَي مُتَنَاهِيَةٍ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ
الْجَوَاهِرِ. وبَلَغ الشيءُ إِناه وأَناه أَي غَايَتَهُ. وَفِي
التَّنْزِيلِ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
؛ أَي غَيْرَ مُنْتَظَرِينَ نُضْجَه وإِدراكَه وَبُلُوغَهُ. تَقُولُ:
أَنَى يَأْنِي إِذا نَضِجَ. وَفِي حَدِيثِ الْحِجَابِ:
غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
؛ الإِنَى، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ: النُّضْج.
والأَناةُ والأَنَى: الحِلم وَالْوَقَارُ. وأَنِيَ وتَأَنَّى
واسْتَأْنَى: تَثبَّت. وَرَجُلٌ آنٍ عَلَى فَاعِلٍ أَي كَثِيرُ الأَناة
وَالْحِلْمِ. وأَنَى أُنِيّاً فَهُوَ أَنِيٌّ: تأَخر وأَبطأَ. وآنَى:
كأَنَى. وَفِي الْحَدِيثِ
فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: قَالَ لِرَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ رأَيتك آنَيْتَ وآذَيْتَ
؛ قَالَ الأَصمعي: آنَيْتَ أَي أَخرت الْمَجِيءَ وأَبطأْت، وآذَيْتَ
أَي آذَيت النَّاسَ بِتَخَطِّيكَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُتَمَكِّثِ فِي
الأُمور مُتَأَنٍّ. ابْنُ الأَعرابي: تَأَنَّى إِذا رَفَق. وآنَيْت
وأَنَّيْت
__________
(1) . قوله [وأَنىً] هذه الثالثة بالفتح والقصر في الأصل، والذي في
القاموس ضبطه بالمد واعترضه شارحه وصوب القصر
(14/48)
بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ
حُنَيْنٍ:
اخْتَارُوا إِحدى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وإِمّا السَّبْيَ
وَقَدْ كُنْتُ استَأْنَيْتُ بِكُمْ
أَي انْتَظَرْتُ وتربَّصت؛ يُقَالُ: آنَيْت وأَنَّيْت وتأَنَّيْت
واسْتَأْنَيْتُ. اللَّيْثُ: يُقَالُ اسْتَأْنَيتُ بِفُلَانٍ أَي لَمْ
أُعْجِله. وَيُقَالُ: اسْتَأْنِ فِي أَمرك أَي لَا تَعْجَل؛ وأَنشد:
اسْتَأْنِ تَظْفَرْ فِي أُمورِك كُلِّهَا، ... وإِذا عَزَمْتَ عَلَى
الهَوى فتوَكَّلِ
والأَنَاة: التُّؤَدة. وَيُقَالُ: لَا تُؤْنِ فُرْصَتَك أَي لَا
تُؤَخِّرْهَا إِذا أَمْكَنَتْك. وَكُلُّ شَيْءٍ أَخَّرته فَقَدْ
آنَيْتَه. الْجَوْهَرِيُّ: آنَاه يُؤنِيه إِينَاء أَي أَخَّره وحَبَسه
وأَبطأَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
ومَرْضوفةٍ لَمْ تُؤْنِ فِي الطَّبْخِ طاهِياً ... عَجِلْتُ إِلى
مُحْوَرِّها، حِينَ غَرْغَرا
وتَأَنَّى فِي الأَمر أَي تَرَفَّق وتَنَظَّرَ. واسْتَأْنَى بِهِ أَي
انْتَظَرَ بِهِ؛ يُقَالُ: اسْتُؤْنِيَ بِهِ حَوْلًا. وَيُقَالُ:
تَأَنَّيْتُكَ حَتَّى لَا أَناة بِي، وَالِاسْمُ الأَنَاة مِثْلَ
قَنَاةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ:
الرِّفْقُ يُمْنٌ والأَنَاةُ سَعادةٌ
وآنَيْتُ الشيءَ: أَخَّرته، وَالِاسْمُ مِنْهُ الأَنَاء عَلَى فَعَال،
بِالْفَتْحِ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْلٍ، ... أَو الشِّعْرى، فَطَالَ بِيَ
الأَنَاء
التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ تَأَنَّيْتُ الرَّجُلَ
أَي انْتَظَرْتُهُ وتأَخرت فِي أَمره وَلَمْ أَعْجَل. وَيُقَالُ: إِنَّ
خَبَر فُلَانٍ لَبَطيءٌ أَنِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ثُمَّ احْتَمَلْنَ أَنِيّاً بَعْدَ تَضْحِيَةٍ، ... مِثْل المَخارِيف
مِنْ جَيْلانَ أَو هَجَر «1»
. اللَّيْثُ: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أُنِيّاً إِذا تأَخر عَنْ وَقْتِهِ؛
وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
والزادُ لَا آنٍ وَلَا قَفارُ
أَي لَا بَطِيءٌ وَلَا جَشِبٌ غَيْرُ مأْدوم؛ وَمِنْ هَذَا يُقَالُ:
تَأَنَّى فُلَانٌ يَتَأَنَّى، وَهُوَ مُتَأَنٍّ إِذا تَمَكَّث
وَتَثَبَّتَ وَانْتَظَرَ. والأَنَى: مِنَ الأَناة والتُّؤَدة؛ قَالَ
الْعَجَّاجُ فَجَعَلَهُ الأَناء:
طَالَ الأَناءُ وَزايَل الحَقّ الأَشر
وَهِيَ الأَناة. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الإِنَى مِنَ السَّاعَاتِ
وَمِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ
وَيُفْتَحُ فَيُمَدُّ؛ وأَنشد بَيْتَ الحطيئة:
وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْل
وَرَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ: وأَنَّيْت، بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وَيُقَالُ:
أَنَّيْتُ الطعامَ فِي النَّارِ إِذا أَطلت مُكْثَهُ، وأَنَّيْت فِي
الشَّيْءِ إِذا قَصَّرت فِيهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنِيَ عَنِ
الْقَوْمِ وأَنَى الطعامُ عَنَّا إِنىً شَدِيدًا والصَّلاةُ أُنِيّاً،
كُلُّ ذَلِكَ: أَبطأَ. وأَنَى يَأْنِي ويَأْنى أَنْياً فَهُوَ أَنِيٌّ
إِذا رَفَقَ. والأَنْيُ والإِنْيُ: الوَهْنُ أَو السَّاعَةُ مِنَ
اللَّيْلِ، وَقِيلَ: السَّاعَةُ مِنْهُ أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ. وَحَكَى
الْفَارِسِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ: إِنْوٌ، فِي هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ:
وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوِي، وَقِيلَ: الإِنَى النَّهَارُ كُلُّهُ،
وَالْجَمْعُ آنَاءٌ وأُنِيّ؛ قَالَ:
يَا لَيْتَ لِي مِثْلَ شَرِيبي مِنْ نُمِيْ، ... وهْوَ شَرِيبُ
الصِّدْقِ ضَحَّاكُ الأُنِيْ
يَقُولُ: فِي أَيّ سَاعَةٍ جِئْتُهُ وَجَدْتُهُ يَضْحَكُ. والإِنْيُ:
وَاحِدُ آنَاء اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ
الْعَزِيزِ: وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ
؛ قَالَ أَهل اللُّغَةِ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: آنَاءُ اللَّيْلِ
سَاعَاتُهُ، وَاحِدُهَا إِنْيٌ وإِنىً، فَمَنْ قَالَ إِنْيٌ
__________
(1) . قوله [قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ ثُمَّ احتملن ... ] أورده ياقوت في
جيلان بالجيم، ونسبه لتميم بن أبي، وقال أنيّ تصغير إنى واحد آناء
الليل
(14/49)
فَهُوَ مِثْلُ نِحْيٍ وأَنحاء، وَمَنْ
قَالَ إِنىً فَهُوَ مِثْلُ مِعىً وأَمْعاء؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ
المتنخِّل:
السَّالِكُ الثَّغْرِ مَخْشِيّاً مَوارِدُه، ... بكُلِّ إِنْيٍ قَضاه
الليلُ يَنْتَعِلُ
قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ ابْنُ الأَنباري؛ وأَنشده
الْجَوْهَرِيُّ:
حُلْو وَمُرٌّ، كعَطْفِ القِدْحِ مِرَّتُه، ... فِي كُلِّ إِنْيٍ قَضاه
الليلُ يَنْتَعِلُ
وَنَسَبَهُ أَيضاً لِلْمُتَنَخِّلِ، فإِما أَن يَكُونَ هُوَ الْبَيْتَ
بِعَيْنِهِ أَو آخَرَ مِنْ قَصِيدَةٍ أُخرى. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري:
وَاحِدُ آناء الليل عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: إِنْي بِسُكُونِ النُّونِ،
وإِنىً بِكَسْرِ الأَلف، وأَنىً بِفَتْحِ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ:
فَوَرَدَتْ قبلَ إِنَى صِحابها
يُرْوَى: إِنَى وأَنَى، وَقَالَهُ الأَصمعي. وَقَالَ الأَخفش: وَاحِدُ
الْآنَاءِ إِنْوٌ؛ يُقَالُ: مَضَى إِنْيانِ مِنَ اللَّيْلِ وإِنْوانِ؛
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي الإِنَى:
أَتَمَّتْ حملَها فِي نِصْفِ شَهْرٍ، ... وحَمْلُ الحاملاتِ إِنىً
طويلُ
ومَضَى إِنْوٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ، لُغَةٌ فِي إنْي. قَالَ أَبو
عَلِيٍّ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ جَبَوْت الْخَرَاجَ جِباوة، أُبدلت
الْوَاوُ مِنَ الْيَاءِ. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ: أَتيته آيِنَةً بَعْدَ
آيِنَةٍ أَي تَارَةً بَعْدَ تَارَةٍ؛ كَذَا حَكَاهُ، قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ: وأُراه بَنَى مِنَ الإِنَى فَاعِلَةً وَرَوَى:
وآيِنَةً يَخْرُجْنَ مَنْ غَامَرٍ ضَحْل
وَالْمَعْرُوفُ آوِنَة. وَقَالَ عُرْوَةُ فِي وَصِيَّةٍ لِبَنِيهِ: يَا
بَنيّ إِذا رأَيتم خَلَّةً رَائِعَةً مِنْ رَجُلٍ فَلَا تَقْطَعُوا
إِنَاتَكم «1» . وإِن كَانَ النَّاسُ رَجُلَ سَوءٍ؛ أَي رَجَاءَكُمْ؛
وَقَوْلُ السِّلْمِيَّةِ أَنشده يَعْقُوبُ:
عَن الأَمر الَّذِي يُؤْنِيكَ عَنْهُ، ... وعَن أَهْلِ النَّصِيحة
وَالْوِدَادِ
قَالَ: أَرادت يُنْئِيك مِنَ النَّأْي، وَهُوَ الْبُعْدُ، فَقُدِّمَتِ
الْهَمْزَةُ قَبْلَ النُّونِ. الأَصمعي: الأَناةُ مِنَ النِّسَاءِ
الَّتِي فِيهَا فُتُورٌ عَنِ الْقِيَامِ وتأَنٍّ؛ قَالَ أَبو حيَّة
النُّمَيْرِيُّ:
رَمَتْه أَناةٌ، مِنْ رَبيعةِ عامرٍ، ... نَؤُومُ الضُّحَى فِي
مَأْتَمٍ أَيِّ مَأْتَم
والوَهْنانةُ نَحْوُهَا. اللَّيْثُ: يُقَالُ للمرأَة الْمُبَارَكَةِ
الْحَلِيمَةِ المُواتِية أَناة، وَالْجَمْعُ أَنْوَاتٌ. قَالَ: وَقَالَ
أَهل الْكُوفَةِ إِنما هِيَ الوَناة، مِنَ الضَّعْفِ، فَهَمَزُوا
الْوَاوَ؛ وَقَالَ أَبو الدُّقَيْش: هِيَ الْمُبَارَكَةُ، وَقِيلَ:
امرأَة أَناة أَي رَزِينة لَا تَصْخَبُ وَلَا تُفْحِش؛ قَالَ
الشَّاعِرُ:
أَناةٌ كأَنَّ المِسْكَ تَحْتَ ثيابِها، ... ورِيحَ خُزامَى الطَّلِّ
فِي دَمِثِ الرَّمْل
قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَصله وَناةٌ مِثْلَ أَحَد وَوَحَد، مِنَ الوَنَى.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَر
رَجُلًا أَن يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ جُلَيْبِيبٍ، فَقَالَ حَتَّى
أُشاورَ أُمَّها، فَلَمَّا ذَكَرَهُ لَهَا قَالَتْ: حَلْقَى،
أَلِجُلَيْبيبٍ؟ إِنِيْه، لَا لَعَمْرُ اللهِ
ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَقَالَ: قَدِ
اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
فَرُوِيَتْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ
وَبَعْدَهَا هَاءٌ، وَمَعْنَاهَا أَنها لَفْظَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا
الْعَرَبُ فِي الإِنكار، يَقُولُ الْقَائِلُ: جَاءَ زَيْدٌ، فَتَقُولُ
أَنت: أَزَيْدُنِيه وأَ زَيْدٌ إِنِيه، كأَنك اسْتَبْعَدْتَ مَجِيئَهُ.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنه قِيلَ لأَعرابي سَكَنَ البَلَدَ: أَتخرج
إِذا أَخصبت الْبَادِيَةُ؟ فَقَالَ: أَنا إِنيه؟ يعني
__________
(1) . قوله [إِنَاتكم] كذا ضبط بالكسر في الأصل، وبه صرح شارح القاموس
(14/50)
أَتقولون لِي هَذَا الْقَوْلَ وأَنا
مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْفِعْلِ؟ كأَنه أَنكر اسْتِفْهَامَهُمْ إِياه،
وَرُوِيَتْ أَيضاً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وبعدها باء سَاكِنَةٌ، ثُمَّ
نُونٌ مَفْتُوحَةٌ، وَتَقْدِيرُهَا أَلِجُلَيْبيبٍ ابْنَتي؟ فأَسقطت
الْيَاءَ وَوَقَفَتْ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى، وَهُوَ
فِي مُسْنَدِ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ بِخَطِّ أَبي الْحَسَنِ بْنِ
الفُراتِ، وَخَطُّهُ حُجَّةٌ: وَهُوَ هَكَذَا مُعْجَمٌ مُقَيَّد فِي
مَوَاضِعَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن لَا يَكُونَ قَدْ حَذَفَ الْيَاءَ
وإِنما هِيَ ابْنَةٌ نَكِرَةً أَي أَتُزَوِّجُ جُلَيْبِيباً ببنتٍ،
يَعْنِي أَنه لَا يَصْلُحُ أَن يُزَوَّجَ بِبِنْتٍ، إِنما يُزَوَّجُ
مثلُه بأَمة اسْتِنْقَاصًا لَهُ؛ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَتْ مِثْلُ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ أَلف وَلَامٍ لِلتَّعْرِيفِ أَي
أَلجليبيبٍ الابْنةُ، وَرُوِيَتْ أَلجليبيبٍ الأَمَةُ؟ تُرِيدُ
الْجَارِيَةَ كِنَايَةً عَنْ بِنْتِهَا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ
أُمَيَّةُ أَو آمِنَةُ عَلَى أَنه اسم البنت.
أها: أَها: حِكَايَةُ صوتِ الضَّحِك؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَهَا أَهَا عِنْدَ زادِ القَوْمِ ضِحْكَتُهم، ... وأَنتُمُ كُشُفٌ،
عِنْدَ الوغَى، خُورُ
أوا: أَوَيْتُ مَنْزلي وإِلى مَنْزِلِي أُوِيّاً وإِوِيّاً وأَوَّيْتُ
وتأَوَّيْتُ وأْتَوَيْتُ، كُلُّهُ: عُدْتُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
بصَبُوحِ صافِيةٍ وجَدْتُ كرِينَةً ... بِمُوَتَّرٍ تَأْتَى لَهُ
إِبْهامُها
إِنما أَراد تَأْتَوِي لَهُ أَي تَفْتَعِلُ مِنْ أَوَيْتُ إِليه أَي
عُدْتُ، إِلا أَنه قَلَبَ الْوَاوَ أَلفاً وَحُذِفَتِ الْيَاءُ الَّتِي
هِيَ لَامُ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُ أَبي كَبِيرٍ:
وعُراضةُ السِّيَتَيْنِ تُوبِعَ بَرْيُها، ... تَأْوِي طَوائفُها
لعَجسٍ عَبْهَرِ
استعارَ الأُوِيّ للقِسِيّ، وإِنما ذَلِكَ لِلْحَيَوَانِ. وأَوَيْتُ
الرَّجُلَ إِليَّ وآوَيْتُه، فأَما أَبو عُبَيْدٍ فَقَالَ أَوَيْته
وآوَيْتُه، وأَوَيْتُ إِلى فُلَانٍ، مقصورٌ لَا غَيْرُ. الأَزهري:
تَقُولُ الْعَرَبُ أَوَى فلانٌ إِلى مَنْزِلِهِ يَأْوِي أُوِيّاً،
عَلَى فُعول، وإِواءً؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ سَآوِي إِلى
جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
. وآوَيْتُه أَنا إِيوَاءً، هَذَا الْكَلَامُ الْجَيِّدُ. قَالَ:
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَوَيْتُ فُلَانًا إِذا أَنزلته بِكَ.
وأَويْتُ الإِبل: بِمَعْنَى آوَيْتُها. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ
أَوَيْتُه، بِالْقَصْرِ، عَلَى فَعَلْته، وآوَيْتُه، بِالْمَدِّ، عَلَى
أَفْعَلْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وأَنكر أَبو الْهَيْثَمِ أَن تَقُولَ
أَوَيْتُ، بِقَصْرِ الأَلف، بِمَعْنَى آوَيْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ
أَوَيْتُ فُلَانًا بِمَعْنَى أَوَيْتُ إِليه. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ:
وَلَمْ يَعْرِفْ أَبو الْهَيْثَمِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هَذِهِ
اللُّغَةَ، قَالَ: وَهِيَ صَحِيحَةٌ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً
فَصِيحًا مِنْ بَنِي نُمَير كَانَ استُرْعِيَ إِبلًا جُرْباً، فَلَمَّا
أَراحَها مَلَثَ الظَّلامِ نَحَّاها عَنْ مَأْوَى الإِبلِ الصِّحاحِ
ونادَى عريفَ الْحَيِّ فَقَالَ: أَلا أَيْنَ آوِي هَذِهِ الإِبلَ
المُوَقَّسَة؟ وَلَمْ يَقُلْ أُووِي. وَفِي حَدِيثِ البَيْعة
أَنه قَالَ للأَنصار: أُبايعكم عَلَى أَن تُؤْوُوني وَتَنْصُرُونِي
أَي تَضُمُّونِي إِليكم وتَحُوطوني بَيْنَكُمْ. يُقَالُ: أَوَى وآوَى
بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُورُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ؛
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: لَا قَطْع فِي ثَمَرٍ حَتَّى يَأْوِيَهُ الجَرِينُ
أَى يَضُمه البَيْدَرُ وَيَجْمَعَهُ. وَرَوَى الرواةُ عَنِ النَّبِيِّ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ:
لَا يَأْوِي الضالةَ إِلا ضالٌ
؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رَوَاهُ فُصَحَاءُ الْمُحَدِّثِينَ
بِالْيَاءِ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ كَمَا
رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ أَصحابه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا
كُلُّهُ مِنْ أَوَى يَأْوي. يُقَالُ: أَوَيْتُ إِلى الْمَنْزِلِ
وأَوَيْتُ غَيْرِي وآوَيْتُه، وأَنكر بَعْضُهُمُ الْمَقْصُورَ
الْمُتَعَدِّيَ، وَقَالَ الأَزهري: هِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ؛ وَمِنَ
الْمَقْصُورِ اللَّازِمِ الحديثُ الآخر:
أَما أَحدُهم فأَوَى إِلى اللَّهِ
أَي رَجَعَ إِليه، وَمِنَ الْمَمْدُودِ حديثُ الدعاء:
الحمد لله الَّذِي كَفَانَا وآوَانا
؛
(14/51)
أَي ردَّنا إِلى مأْوىً لَنَا وَلَمْ
يَجْعَلْنَا مُنْتَشِرِينَ كالبهائم، والمَأْوَى: المنزلُ: وقال
الأَزهري: سَمِعْتُ الفصيحَ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يَقُولُ لمأْوَى
الإِبلِ مَأْوَاة، بِالْهَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: مَأْوِي الإِبل،
بِكَسْرِ الْوَاوِ، لُغَةٌ فِي مَأْوَى الإِبل خَاصَّةً، وَهُوَ
شَاذٌّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مأْقي الْعَيْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
ذُكِرَ لِي أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُسَمِّي مأْوَى الإِبل مَأْوِي،
بِكَسْرِ الْوَاوِ، قَالَ: وَهُوَ نَادِرٌ، لَمْ يَجِئْ فِي ذَوَاتِ
الْيَاءِ وَالْوَاوِ مَفْعِلٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، إِلا حَرْفَيْنِ:
مَأْقي الْعَيْنِ، ومَأْوِي الإِبل، وَهُمَا نَادِرَانِ، وَاللُّغَةُ
الْعَالِيَةُ فِيهِمَا مَأْوَى ومُوق وماقٌ، ويُجْمَع الْآوِي مِثْلَ
الْعَاوِي أُوِيّاً بِوَزْنِ عُوِيّاً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
فَخَفَّ والجَنادِلُ الثُّوِيُّ، ... كَمَا يُداني الحِدَأُ الأُوِيُ
شَبَّهَ الأَثافي واجتماعَها بحدإِ انْضَمَّتْ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنها جَنَّةٌ تَصِيرُ إِليها أَرواح
الشُّهَدَاءِ. وأَوَّيْتُ الرجلَ كآوَيْته؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
قَدْ حالَ دونَ دَريسَيْهِ مُؤَوِّيةٌ ... مِسْعٌ، لَهَا بِعضاهِ
الأَرضِ تَهْزيزُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ، وَالصَّحِيحُ
مؤوِّبةٌ، وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ مُؤَوِّبَةٌ أَيضاً ثُمَّ قَالَ:
إِنها رِوَايَةٌ أُخرى. والمَأْوَى والمَأْوَاة: المكانُ، وَهُوَ
المَأْوِي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المَأْوَى كُلُّ مَكَانٍ يأْوي إِليه
شَيْءٌ لَيْلًا أَو نَهَارًا. وجَنَّةُ الْمَأْوى
: قِيلَ جَنَّةُ المَبيت. وتَأَوَّت الطَّيْرُ تَأَوِّياً: تَجَمَّعَتْ
بعضُها إِلى بَعْضٍ، فَهِيَ مُتَأَوِّيَة ومُتَأَوِّياتٌ. قَالَ أَبو
مَنْصُورٍ: وَيَجُوزُ تَآوَتْ بِوَزْنِ تَعاوَتْ عَلَى تَفاعَلَتْ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وهُنَّ أُوِيٌّ جَمْعُ آوٍ مِثْلُ باكٍ
وبُكِيٍّ، واستعمله الحرثُ بْنُ حِلِّزة فِي غَيْرِ الطَّيْرِ فَقَالَ:
فتَأَوَّتْ لَهُ قَراضِبةٌ مِنْ ... كلِّ حَيٍّ، كأَنَّهم أَلْقاءُ
وَطَيْرٌ أُوِيٌّ: مُتَأَوِّياتٌ كأَنه عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ. قَالَ
أَبو مَنْصُورٍ: وقرأْت فِي نَوَادِرِ الأَعراب تَأَوَّى الجُرْحُ
وأَوَى وتَآوَى وآوَى إِذا تَقَارَبَ لِلْبُرْءِ. التَّهْذِيبُ:
وَرَوَى ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْعَرَبِ أَوَّيتُ بِالْخَيْلِ
تَأْوِيَةً إِذا دَعَوْتَهَا آوُوه لتَريعَ إِلى صَوْتِك؛ وَمِنْهُ
قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فِي حاضِر لَجِبٍ قاسٍ صَواهِلُهُ، ... يُقَالُ لِلْخَيْلِ فِي
أَسْلافِه: آوُو
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ دُعَاءِ الْعَرَبِ
خَيْلَهَا، قَالَ: وَكُنْتُ فِي الْبَادِيَةِ مَعَ غُلَامٍ عَرَبِيٍّ
يَوْمًا مِنَ الأَيام فِي خَيْلٍ نُنَدِّيها عَلَى الْمَاءِ، وَهِيَ
مُهَجِّرة تَرُودُ فِي جَناب الحِلَّة، فَهَبَّتْ رِيحٌ ذَاتُ إِعْصار
وجَفَلَتِ الخيلُ وركبت رؤوسَها، فَنَادَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُضَرّس
الْغُلَامَ الَّذِي كَانَ مَعِي وَقَالَ لَهُ: أَلا وأَهِبْ بِهَا
ثُمَّ أَوِّ بِهَا تَرِعْ إِلى صَوْتِكَ، فَرَفَعَ الْغُلَامُ صَوْتَهُ
وَقَالَ: هابْ هابْ، ثُمَّ قَالَ: آوْ فراعَتِ الخيلُ إِلى صَوْتِهِ؛
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ الرِّقاع يَصِفُ الْخَيْلَ:
هُنَّ عُجْمٌ، وَقَدْ عَلِمْنَ من القَوْلِ: ... هَبي واقْدُمي وآوُو
وَقُومِي
وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ: هَبي وَهَابِي واقْدُمي واقْدمي، كُلُّهَا
لُغَاتٌ، وَرُبَّمَا قِيلَ لَهَا مِنْ بَعِيدٍ: آيْ، بِمُدَّةٍ
طَوِيلَةٍ. يُقَالُ: أَوَّيْتُ بِهَا فتأَوَّتْ تَأَوِّياً إِذا
انْضَمَّ بعضُها إِلى بَعْضٍ كَمَا يَتَأَوَّى الناسُ؛ وأَنشد بَيْتَ
ابْنِ حلِّزة:
(14/52)
فتَأَوَّتْ له قَرَاضِبَةٌ مِنْ ... كُلِّ
حيٍّ، كأَنهم أَلقاءُ
وإِذا أَمرتَ مِنْ أَوَى يَأْوِي قَلْتَ: ائْوِ إِلى فُلَانٍ أَي
انضمَّ إِليه، وأَوِّ لِفُلَانٍ أَي ارْحمه، والافتعالُ مِنْهُمَا
ائْتَوَى يَأْتَوِي. وأَوَى إِليه أَوْيَةً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً
ومَأْوَاةً: رَقَّ ورَثى لَهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
بانَ الخَلِيطُ وَلَمْ يَأْوُوا لمنْ تَرَكُوا «2»
. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُخَوِّي
فِي سُجُودِهِ حَتَّى كُنَّا نَأْوِي لَهُ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى قوله
كنا نَأْوِي لَهُ
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ كُنَّا نَرْثي لَهُ ونُشْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ
شدَّة إِقلاله بَطْنَه عَنِ الأَرض ومَدِّه ضَبُعَيْه عَنْ جَنْبَيه.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
كَانَ يُصَلِّي حَتَّى كنتُ آوِي لَهُ
أَي أَرِقُّ لَهُ وأَرثي. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: لَا تَأْوِي مِنْ قلَّة
أَي لَا تَرْحَمُ زَوْجَهَا وَلَا تَرِقُّ لَهُ عِنْدَ الإِعدام؛
وَقَوْلُهُ:
أَراني، وَلَا كُفْرانَ لِلَّهِ، أَيَّةً ... لنَفْسِي، لَقَدْ
طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ
فإِنه أَراد أَوَيْتُ لِنَفْسِي أَيَّةً أَي رَحِمْتُهَا ورَقَقْتُ
لَهَا؛ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وقولُه: وَلَا كُفْرَانَ لِلَّهِ، وَقَالَ
غَيْرُهُ: لَا كُفْرَانَ لِلَّهِ، قَالَ أَي غَيْرِ مُقْلَق مِنَ
الفَزَع، أَراد لَا أَكفر لِلَّهِ أَيَّةً لِنَفْسِي، نَصَبَهُ لأَنه
مَفْعُولٌ لَهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَوَيْت لِفُلَانٍ أَوْيَةً
وأَيَّةً، تُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا
وَتُدْغَمُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ
الْيَاءِ وَسَبْقِهَا بِالسُّكُونِ. واسْتَأْوَيْتُه أَي اسْتَرحمته
استِيواءً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى أَمْرِ مَنْ لَمْ يُشْوِني ضُرُّ أَمْرِه، ... وَلَوْ أَنِّيَ
اسْتَأْوَيْتُه مَا أَوَى لِيَا
وأَما حَدِيثُ
وَهْبٍ: إِن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِني أَوَيْتُ عَلَى نَفْسِي
أَن أَذْكُرَ مَنْ ذَكَرَنِي
، قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْقُتَيْبِيُّ هَذَا غَلَطٌ إِلا أَن
يَكُونَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَالصَّحِيحُ وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ
الوَأْي الوَعْدِ، يَقُولُ: جَعَلْتُهُ وَعْداً عَلَى نَفْسِي.
وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثُ الرُّؤْيَا:
فاسْتَأَى لَهَا
؛ قَالَ: بِوَزْنِ اسْتَقى، ورُوي: فاسْتاء لَهَا، بِوَزْنِ اسْتاق،
قَالَ: وَكِلَاهُمَا مِنَ المَساءَة أَي ساءَتْه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي
تَرْجَمَةِ سوأَ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتالَها بِوَزْنٍ
اخْتارَها فَجَعَلَ اللَّامَ مِنَ الأَصل، أَخذه مِنَ التأْويل أَي
طَلَبَ تأْويلَها، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الأَول. أَبو عَمْرٍو: الأُوَّة
الدَّاهِيَةُ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ. قَالَ:
وَيُقَالُ مَا هِيَ إِلا أُوَّةٌ مِنَ الأُوَوِ يَا فَتَى أَي داهيةٌ
مِنَ الدَّوَاهِي؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَغرب مَا جَاءَ عَنْهُمْ
حَتَّى جَعَلُوا الْوَاوَ كَالْحَرْفِ الصَّحِيحِ فِي مَوْضِعِ
الإِعراب فَقَالُوا الأُوَوُ، بِالْوَاوِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ:
وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ الأُوَى مِثَالُ قُوّة وقُوىً، وَلَكِنْ
حُكِيَ هَذَا الْحَرْفُ مَحْفُوظًا عَنِ الْعَرَبِ. قَالَ
الْمَازِنِيُّ: آوَّةٌ مِنَ الْفِعْلِ فاعلةٌ، قَالَ: وأَصله آوِوَةٌ
فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْوَاوِ وشُدّت، وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: هُوَ
مِنَ الْفِعْلِ فَعْلةٌ بِمَعْنَى أَوَّة، زِيدَتْ هَذِهِ الأَلف كَمَا
قَالُوا ضَربَ حاقَّ رأْسه، فَزَادُوا هَذِهِ الأَلف؛ وَلَيْسَ آوَّه
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
تأَوَّه آهةَ الرجلِ الحَزينِ
لأَن الْهَاءَ فِي آوَّه زَائِدَةٌ وَفِي تأَوَّه أَصلية، أَلا تَرَى
أَنهم يَقُولُونَ آوَّتًا، فَيَقْلِبُونَ الْهَاءَ تَاءً؟ قَالَ أَبو
حَاتِمٍ: وَقَوْمٌ مِنَ الأَعراب يَقُولُونَ آوُوه، بِوَزْنِ عاوُوه،
وَهُوَ مِنَ الْفِعْلِ فاعُولٌ، وَالْهَاءُ فِيهِ أَصلية. ابْنُ
سِيدَهْ: أَوَّ لَهُ كَقَوْلِكَ أَوْلى لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَوِّ
مِنْ كَذَا، عَلَى مَعْنَى التَّحَزُّنِ، عَلَى مِثَالِ قَوِّ، وَهُوَ
مِنْ مُضَاعَفِ الْوَاوِ؛ قَالَ:
__________
(2) . عجزالبيت:
وَزَوَّدُوكَ اشْتِيَاقًا أَيَّةً سَلَكُوا
(14/53)
فأَوِّ لِذِكراها، إِذا مَا ذَكَرْتُها،
... وَمِنْ بُعْدِ أَرضٍ دُونَنا وَسَمَاءِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنشدنيه ابْنُ الْجَرَّاحِ:
فأَوْه مِن الذِّكْرَى إِذا مَا ذكرتُها
قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ مَنْ قَالَ أَوْهِ، مَقْصُورًا، أَن
يَقُولَ فِي يَتَفَعَّل يَتأَوَّى وَلَا يَقُولُهَا بِالْهَاءِ.
وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: قَوْلُ الْعَامَّةِ آوَّهْ، مَمْدُودٌ، خطأٌ
إِنما هُوَ أَوَّهْ مِنْ كَذَا وأَوْهِ مِنْهُ، بِقَصْرِ الأَلف.
الأَزهري: إِذا قَالَ الرَّجُلُ أَوَّهْ مِنْ كَذَا رَدّ عَلَيْهِ
الآخرُ عَلَيْكَ أَوْهَتُك، وَقِيلَ: أَوَّه فِعْلَةٌ، هَاؤُهَا
للتأْنيث لأَنهم يَقُولُونَ سَمِعْتُ أَوَّتَك فَيَجْعَلُونَهَا تَاءً؛
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ أَوَّهْ بِمَنْزِلَةِ فَعْلَةٍ أَوَّةً
لَكَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَوْهِ عَلَى زَيْدٍ، كَسَرُوا
الْهَاءَ وَبَيَّنُوهَا. وَقَالُوا: أَوَّتا عَلَيْكَ، بِالتَّاءِ،
وَهُوَ التهلف عَلَى الشَّيْءِ، عَزِيزًا كَانَ أَو هَيِّنًا. قَالَ
النَّحْوِيُّونَ: إِذا جَعَلْتَ أَوّاً اسْمًا ثقلتَ وَاوَهَا فَقُلْتَ
أَوٌّ حَسَنَةٌ، وَتَقُولُ دَعِ الأَوَّ جَانِبًا، تَقُولُ ذَلِكَ
لِمَنْ يَسْتَعْمِلُ فِي كَلَامِهِ افْعَلْ كَذَا أَو كَذَا،
وَكَذَلِكَ تُثَقِّلُ لَوّاً إِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا؛ وَقَالَ أَبو
زُبَيْدٍ:
إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوّاً عَناءُ
وَقَوْلُ الْعَرَبِ: أَوِّ مِنْ كَذَا، بِوَاوٍ ثَقِيلَةٍ، هُوَ
بِمَعْنَى تَشَكِّي مشقَّةٍ أَو همٍّ أَو حُزْنٍ. وأَوْ: حَرْفُ
عَطْفٍ. وأَو: تَكُونُ لِلشَّكِّ وَالتَّخْيِيرِ، وَتَكُونُ
اخْتِيَارًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَو حَرْفٌ إِذا دَخَلَ الْخَبَرَ
دلَّ عَلَى الشَّكِّ والإِبهام، وإِذا دَخَلَ الأَمر وَالنَّهْيَ دَلَّ
عَلَى التَّخْيِيرِ والإِباحة، فأَما الشَّكُّ فَقَوْلُكَ: رأَيت
زَيْدًا أَو عَمْرًا، والإِبهام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛ وَالتَّخْيِيرُ
كَقَوْلِكَ: كُلِ السَّمَكَ أَو اشْرَبِ اللَّبَنَ أَي لَا تَجْمَعْ
بَيْنَهُمَا، والإِباحة كَقَوْلِكَ: جَالِسِ الْحَسَنَ أَو ابْنَ
سِيرِينَ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى إِلى أَن، تَقُولُ: لأَضربنه أَو
يتوبَ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى بَلْ فِي تَوَسُّعِ الْكَلَامِ؛ قَالَ ذُو
الرُّمَّةِ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشمسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ... وصُورَتِها،
أَو أَنتِ فِي العَينِ أَمْلَحُ
يُرِيدُ: بَلْ أَنت. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ
أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ بَلْ
يَزِيدُونَ، قَالَ: كَذَلِكَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ صِحَّتِهِ
فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلى مِائَةِ أَلف عِنْدَ
النَّاسِ أَو يَزِيدُونَ عِنْدَ النَّاسِ، وَقِيلَ: أَو يَزِيدُونَ
عِنْدَكُمْ فَيَجْعَلُ مَعْنَاهَا لِلْمُخَاطَبِينَ أَي هُمْ أَصحاب
شارَةٍ وزِيٍّ وَجَمَالٍ رَائِعٍ، فإِذا رَآهُمُ النَّاسُ قَالُوا
هَؤُلَاءِ مِائَتَا أَلف. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ: إِلى
مِائَةِ أَلْفٍ فَهُمْ فَرْضُه الَّذِي عَلَيْهِ أَن يؤَدّيه؛
وَقَوْلُهُ أَوْ يَزِيدُونَ، يَقُولُ: فإِن زَادُوا بالأَولاد قَبْلَ
أَن يُسْلموا فادْعُ الأَولاد أَيضاً فَيَكُونُ دُعَاؤُكَ للأَولاد
نَافِلَةً لَكَ لَا يَكُونُ فَرْضًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَو فِي
قَوْلِهِ أَوْ يَزِيدُونَ للإِبهام، عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وهَلْ أَنا إِلَّا مِنْ ربيعةَ أَو مُضَرْ
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وأَرسلناه إِلى جَمْعٍ لَوْ رأَيتموهم لَقُلْتُمْ
هُمْ مِائَةُ أَلف أَو يَزِيدُونَ، فَهَذَا الشَّكُّ إِنما دَخَلَ
الْكَلَامَ عَلَى حِكَايَةِ قَوْلِ الْمَخْلُوقِينَ لأَن الْخَالِقَ
جَلَّ جَلَالُهُ لَا يَعْتَرِضُهُ الشَّكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ خَبَرِهِ،
وَهَذَا أَلطف مِمَّا يُقَدَّرُ فِيهِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي
قَوْلِهِ أَوْ يَزِيدُونَ: إِنما هِيَ وَيَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ قَالَ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا
يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا؛ قَالَ:
تَقْدِيرُهُ وأَن نَفْعَلَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما قَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الطَّهَارَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ
عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ
(14/54)
النِّساءَ* «1» أَما الأَول فِي قَوْلِهِ:
أَوْ عَلى سَفَرٍ*، فَهُوَ تَخْيِيرٌ، وأَما قَوْلُهُ: أَوْ جاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ*، فَهُوَ بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي
تُسَمَّى حَالًا؛ الْمَعْنَى: وَجَاءَ أَحد مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
أَي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَخْيِيرًا،
وأَما قَوْلُهُ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ*، فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى
مَا قَبْلَهَا بِمَعْنَاهَا؛ وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا
تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً؛ فإِن الزَّجَّاجَ قَالَ: أَو
هاهنا أَوكد مِنَ الْوَاوِ، لأَن الْوَاوَ إِذا قلتَ لَا تُطِعْ
زَيْدًا وَعَمْرًا فأَطاع أَحدهما كَانَ غَيْرَ عَاصٍ، لأَنه أَمره أَن
لَا يُطِيعَ الِاثْنَيْنِ، فإِذا قَالَ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً
أَوْ كَفُوراً، فأَوْ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَهل أَن يُعْصَى. وَتَكُونُ بِمَعْنَى حَتَّى، تَقُولُ: لأَضربنك أَو
تقومَ، وَبِمَعْنَى إِلَّا أَنْ، تَقُولُ: لأَضربنَّك أَو تَسْبقَني
أَي إِلا أَن تَسْبِقَنِي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَو إِذا كَانَتْ
بِمَعْنَى حَتَّى فَهُوَ كَمَا تَقُولُ لَا أَزالُ مُلَازِمُكَ أَو
تُعْطِينِي «2» . وإِلا أَن تُعْطِينِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
أَوْ يُعَذِّبَهُمْ؛ مَعْنَاهُ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وإِلا أَن
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
يُحاوِلُ مُلْكاً أَو يَموتَ فيُعْذَرا
مَعْنَاهُ: إِلا أَن يَمُوتَ. قَالَ: وأَما الشَّكُّ فَهُوَ كَقَوْلِكَ
خَرَجَ زَيْدٌ أَو عَمْرٌو، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ قَالَ
الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ: وَتَكُونُ شَرْطًا؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ فِيمَنْ
جَعَلَهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ:
وقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بأَنِّيَ فاجِرٌ؛ ... لِنَفْسِي تُقاها أَو
عَليها فُجُورُها
مَعْنَاهُ: وَعَلَيْهَا فُجُورُهَا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
إِنَّ بِهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزامَا، ... خُوَيْرِبانِ يَنقُفَان
الْهامَا «3»
. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: أَو مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ وَلَهَا
ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: تَكُونُ لأَحد أَمرين عِنْدَ شَكِّ الْمُتَكَلِّمِ
أَو قَصْدِهِ أَحدهما، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ أَتيت زَيْدًا أَو عَمْرًا،
وَجَاءَنِي رَجُلٌ أَو امرأَة، فَهَذَا شَكٌّ، وأَما إِذا قَصَدَ
أَحدهما فَكَقَوْلِكَ كُلِ السمَكَ أَو اشربِ اللبنَ أَي لَا
تَجْمَعْهُمَا وَلَكِنِ اخْتَر أَيَّهما شِئْتَ، وأَعطني دِينَارًا أَو
اكْسُني ثَوْبًا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الإِباحة كَقَوْلِكَ: ائْتِ
الْمَسْجِدَ أَو السُّوقَ أَي قَدْ أَذنت لَكَ فِي هَذَا الضَّرْبِ
مِنَ الناس «4» ، فإِن نَهَيْتَهُ عَنْ هَذَا قُلْتَ: لَا تُجَالِسْ
زَيْدًا أَو عَمْرًا أَي لَا تُجَالِسْ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ،
وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ
كَفُوراً؛ أَي لَا تُطِعْ أَحداً مِنْهُمَا، فَافْهَمْهُ. وَقَالَ
الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلَمْ يَرَوْا*، أَوَلَمْ
تَأْتِهِمْ؛ إِنها وَاوٌ مُفْرَدَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلف
الِاسْتِفْهَامِ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى الْفَاءِ وَثُمَّ وَلَا. وَقَالَ
أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنه لِفُلَانٍ أَو مَا تنحد فرطه ولآتِينك أَو
مَا تنحد فرطه «5» . أَي لَآتِيَنَّكَ حَقًّا، وَهُوَ تَوْكِيدٌ. وابنُ
آوَى: معرفةٌ، دُوَيبَّةٌ، وَلَا يُفْصَلُ آوَى مِنِ ابْنِ.
الْجَوْهَرِيُّ: ابْنُ آوَى يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ شَغَالْ،
وَالْجَمْعُ بناتُ آوَى، وآوَى لَا يَنْصَرِفُ لأَنه أَفعل وَهُوَ
مَعْرِفَةٌ. التَّهْذِيبُ: الْوَاوَا صِيَاحُ العِلَّوْض، وَهُوَ ابْنُ
آوَى، إِذا جَاعَ. قَالَ اللَّيْثُ: ابْنُ آوَى لَا يُصْرَفُ عَلَى
حَالٍ وَيُحْمَلُ عَلَى أَفْعَلَ مِثْلَ أَفْعَى وَنَحْوَهَا،
وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ بَنَاتُ آوَى، كَمَا يُقَالُ بناتُ
__________
(1) . الآية
(2) . لعل هنا سقطاً من الناسخ، وأصله: معناه حتى تعطيني وإلا إلخ
(3) . قوله [خويربان] هكذا بالأصل هنا مرفوعاً بالألف كالتكملة وأنشده
في غير موضع كالصحاح خويربين بالياء وهو المشهور
(4) . قوله [ائْتِ الْمَسْجِدَ أَوِ السُّوقَ أَيْ قَدْ أَذَنْتُ لَكَ
فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الناس] هكذا في الأصل
(5) . قوله [أَوْ مَا تنحد فرطه إلخ] كذا بالأصل بدون نقط
(14/55)
نَعْش وبناتُ أَوْبَرَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ
بناتُ لَبُون فِي جَمْعِ ابْنِ لِبَوْنٍ ذَكَرٍ. وَقَالَ أَبو
الْهَيْثَمِ: إِنما قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَنَاتٌ لتأْنيث الْجَمَاعَةِ
كَمَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِنه مِنْ بَنَاتِ أَعْوَجَ، وَالْجَمَلُ
إِنه مِنْ بَنَاتِ داعِرٍ، وَلِذَلِكَ قَالُوا رأَيت جِمَالًا
يَتَهادَرْنَ وَبَنَاتِ لِبَوْنٍ يَتَوَقَّصْنَ وبناتِ آوَى يَعْوينَ
كَمَا يُقَالُ لِلنِّسَاءِ، وإِن كَانَتْ هَذِهِ الأَشياء ذكوراً.
أيا: أَيّ: حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ عَمَّا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ،
وَقَوْلُهُ:
وأَسماء، مَا أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ
وأَيْنَما
فإِنه جَعَلَ أَيّ اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ
التَّعْرِيفُ والتأْنيث مَنَعَهُ الصَّرْفَ، وأَما أَينما فَهُوَ
مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما ... عَليَّ مِنَ الغَيْثِ
اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إِنما أَراد أَيُّهما، فَاضْطَرَّ فَحَذَفَ كَمَا حَذَفَ الْآخَرُ فِي
قَوْلِهِ:
بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ ... ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد: ابْنُ الْحَوَارِيِّ، فَحَذَفَ الأَخيرة مِنْ يَاءَيِ
النَّسَبِ اضْطِرَارًا. وَقَالُوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيُّ
مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا
الفعلُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الْخَلِيلَ عَنْ أَيِّي وأَيُّك
كَانَ شَرًّا فأَخزاه اللَّهُ فَقَالَ: هَذَا كَقَوْلِكَ أَخزى اللَّهُ
الكاذبَ مِنِّي وَمِنْكَ، إِنما يُرِيدُ منَّا فإِنما أَراد أَيُّنا
كَانَ شَرّاً، إِلا أَنهما لَمْ يَشْتَرِكَا فِي أَيٍّ، وَلَكِنَّهُمَا
أَخْلَصاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ التَّهْذِيبُ: قَالَ
سِيبَوَيْهِ سأَلت الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِ:
فأَيِّي مَا وأَيُّكَ كَانَ شَرّاً، ... فسِيقَ إِلى المقامَةِ لَا
يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الرَّجُلِ الكاذبُ مِنِّي وَمِنْكَ
فِعْلُ اللَّهِ بِهِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما يُرِيدُ أَنك شرٌّ
وَلَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِلَفْظٍ هُوَ أَحسن مِنَ التَّصْرِيحِ
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛ وأَنشد المُفَضَّلُ:
لَقَدْ عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ ... بَني عامِرٍ، أَوْفى
وَفاءً وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: عَلِمُوا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قَالَ:
وَقَوْلُهُ فأَيي مَا وأَيك، أَيّ مَوْضِعُ رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك
نُسِّقَ عَلَيْهِ، وَشَرًّا خَبَرُهَا، قَالَ: وَقَوْلُهُ:
فَسِيقَ إِلى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا
أَي عَمِيَ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ أَنه قَالَ لِفُلَانٍ: أَشهد أَن النَّبِيَّ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِني أَو إِياك فرعونُ هَذِهِ
الأُمة
؛ يُرِيدُ أَنك فرعونُ هَذِهِ الأُمة، وَلَكِنَّهُ أَلقاه إِليه
تَعْرِيضًا لَا تَصَرِيحًا، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَحدُنا كاذبٌ وأَنت
تَعْلَمُ أَنك صَادِقٌ وَلَكِنَّكَ تُعَرِّضُ بِهِ. أَبو زَيْدٍ:
صَحِبه اللَّهُ أَيَّا مَا تَوَجَّهَ؛ يُرِيدُ أَينما تَوَجَّهَ.
التَّهْذِيبُ: رُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَالْمُبَرِّدِ قَالَا:
لأَيّ ثَلَاثَةُ أُصول: تَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ تَعَجُّبًا،
وَتَكُونُ شَرْطًا؛ وأَنشد:
أَيّاً فَعَلْتَ، فإِنني لَكَ كاشِحٌ، ... وَعَلَى انْتِقاصِك فِي
الحَياةِ وأَزْدَدِ
قَالَا جزَمَ قَوْلَهُ: وأَزْدَد عَلَى النَّسَقِ عَلَى مَوْضِعِ
الْفَاءِ الَّتِي فِي فإِنني، كأَنه قَالَ: أَيّاً تفعلْ أُبْغِضْكَ
وأَزْدَدْ؛ قَالَا: وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ:
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ إِن تُؤَخِّرْنِي
أَصَّدَّق وأَكن، قَالَا: وإِذا كَانَتْ أَيٌّ اسْتِفْهَامًا لَمْ
يَعْمَلْ فِيهَا
(14/56)
الْفِعْلُ الَّذِي قَبْلَهَا، وإِنما
يَرْفَعُهَا أَو يَنْصِبُهَا مَا بَعْدَهَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً
؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: فأَيٌّ رُفِعَ، وأَحصى رُفِعَ بِخَبَرِ
الِابْتِدَاءِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَيٌّ رافعهُ أَحصى، وَقَالَا:
عَمِلَ الْفِعْلُ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ كأَنه قَالَ
لِنَعْلَمَ أَيّاً مِنْ أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هَذَيْنِ، قَالَا:
وأَما الْمَنْصُوبَةُ بِمَا بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ: وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
؛ نَصَبَ أَيّاً بِيَنْقَلِبُونَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ إِذا
أَوْقَعْتَ الْفِعْلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ مَعْنَى
الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ إِن أَردته جَائِزٌ، يَقُولُونَ لأَضْربنَّ
أَيُّهم يَقُولُ ذَلِكَ، لأَن الضَّرْبَ عَلَى اسْمٍ يأْتي بَعْدَ
ذَلِكَ اسْتِفْهَامٌ، وَذَلِكَ أَن الضرب لا يقع اننين «1» . قَالَ:
وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ
شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا
؛ مَنْ نَصَبَ أَيّاً أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ وَلَيْسَ
بِاسْتِفْهَامٍ كأَنه قَالَ لَنَسْتَخْرِجَنَّ الْعَاتِي الَّذِي هُوَ
أَشدّ، ثُمَّ فَسَّرَ الْفَرَّاءُ وَجْهَ الرَّفْعِ وَعَلَيْهِ
الْقُرَّاءُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ثَعْلَبٍ
وَالْمُبَرِّدِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وأَيّ إِذا كَانَتْ جَزَاءً
فَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي قَالَ وإِذا كَانَ أَيّ تَعَجُّبًا لَمْ
يُجَازَ بِهَا لأَن التَّعَجُّبَ لَا يُجَازَى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ
أَيُّ رَجُلٍ زيدٌ وأَيُّ جاريةٍ زينبُ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ
أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا أَيّاً ثَنَّوْها وَجَمَعُوهَا
وأَنثوها فَقَالُوا أَيّة وأَيَّتَان وأَيّاتٌ، وإِذا أَضافوها إِلى
ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فَقَالُوا أَيّ الرَّجُلَيْنِ وأَيّ
المرأَتين وأَيّ الرِّجَالِ وأَيّ النِّسَاءِ، وإِذا أَضافوا إِلَى
المَكْنِيّ الْمُؤَنَّثِ ذكَّروا وأَنَّثوا فَقَالُوا أَيُّهما
وأَيَّتهما للمرأَتين، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَيًّا مَا
تَدْعُوا
؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي لُغَةِ مَنْ أَنَّث:
وزَوَّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكوا
أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سَلَكُوا، فأَنثها حِينَ لَمْ يُضِفْهَا،
قَالَ: وَلَوْ قُلْتَ أَيّاً سَلَكُوا بِمَعْنَى أَيَّ وَجْه سَلَكُوا
كَانَ جَائِزًا. وَيَقُولُ لَكَ قَائِلٌ: رأَيتُ ظَبْياً، فَتُجِيبُهُ:
أَيّاً، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَيْنِ، فَتَقُولُ: أَيَّين، وَيَقُولُ:
رأَيت ظِباءً، فَتَقُولُ: أَيَّات، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَةً،
فَتَقُولُ: أَيَّةً. قَالَ: وإِذا سأَلت الرَّجُلَ عَنْ قَبِيلَتِهِ
قُلْتَ المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عَنْ كَوْرَتِهِ قُلْتَ الأَيِّيُّ،
وَتَقُولُ مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بِيَاءَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ.
وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ فِي لُغَيَّة لَهُمْ: أَيُّهم مَا
أَدرك يَرْكَبُ عَلَى أَيّهم يُرِيدُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: أَيَّانَ
هِيَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى، قَالَ: ويُخْتَلَف فِي نُونِهَا فَيُقَالُ
أَصلية، وَيُقَالُ زَائِدَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصل أَيَّانَ
أَيَّ أَوانٍ، فَخَفَّفُوا الْيَاءَ مِنْ أَيّ وَتَرَكُوا هَمْزَةَ
أَوان، فَالْتَقَتْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا وَاوٌ، فأُدغمت الْوَاوُ
فِي الْيَاءِ؛ حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمْ
فِي النِّدَاءِ أَيُّها الرَّجُلُ وأَيَّتُها المرأَة وأَيُّها
النَّاسُ فإِن الزَّجَّاجَ قَالَ: أَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ
عَلَى الضَّمِّ مِنْ أَيها الرَّجُلُ لأَنه مُنَادَى مُفْرَدٌ،
وَالرَّجُلُ صِفَةٌ لأَيّ لَازِمَةٌ، تَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ
أَقبل، وَلَا يَجُوزُ يَا الرَّجُلُ، لأَن يَا تَنْبِيهٌ بِمَنْزِلَةِ
التَّعْرِيفِ فِي الرَّجُلِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ يَا وَبَيْنَ الأَلف
وَاللَّامِ فَتَصِلُ إِلى الأَلف وَاللَّامِ بأَيّ، وَهَا لَازِمَةٌ
لأَيّ لِلتَّنْبِيهِ، وَهِيَ عِوَضٌ مِنَ الإِضافة فِي أَيّ، لأَن أَصل
أَيّ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلى الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ،
والمُنادى فِي الْحَقِيقَةِ الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة إِليه، وَقَالَ
الْكُوفِيُّونَ: إِذا قُلْتَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ، فَيَا نِدَاءٌ،
وأَيّ اسْمُ مُنَادَى، وَهَا تَنْبِيهٌ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ، قَالُوا
ووُصِلَتْ أَيّ بِالتَّنْبِيهِ فَصَارَا اسْمًا تَامًّا لأَن أَيًّا
وَمَا وَمَنْ وَالَّذِي أَسماء نَاقِصَةٌ لَا تَتِمُّ إِلا
بِالصِّلَاتِ، وَيُقَالُ الرَّجُلُ تَفْسِيرٌ لِمَنْ نُودِيَ. وَقَالَ
أَبو عَمْرٍو: سأَلت الْمُبَرِّدَ عن أَيْ مفتوحة
__________
(1) . قوله [لأَن الضرب إلخ] كذا بالأصل
(14/57)
سَاكِنَةً مَا يَكُونُ بَعْدَهَا فَقَالَ:
يَكُونُ الَّذِي بَعْدَهَا بَدَلًا، وَيَكُونُ مستأْنفاً وَيَكُونُ
مَنْصُوبًا؛ قَالَ: وسأَلت أَحمد بْنَ يَحْيَى فَقَالَ: يَكُونُ مَا
بَعْدَهَا مُتَرْجِماً، وَيَكُونُ نَصْبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقُولُ:
جَاءَنِي أَخوك أَي زَيْدٌ ورأَيت أَخاك أَي زَيْدًا وَمَرَرْتُ بأَخيك
أَي زَيْدٍ. وَيُقَالُ: جَاءَنِي أَخوك فَيَجُوزُ فِيهِ أَيْ زيدٌ
وأَيْ زيداً، ومررت بأَخيك فَيَجُوزُ فِيهِ أَي زيدٍ أَي زيداً أَي
زيدٌ. وَيُقَالُ: رأَيت أَخاك أَي زَيْدًا، وَيَجُوزُ أَي زيدٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِيْ يمينٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ إِي
وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ
؛ وَالْمَعْنَى إِي وَاللَّهِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قُلْ إِي وَرَبِّي
إِنَّهُ لَحَقٌ
، الْمَعْنَى نَعَمْ وَرَبِّي، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ
الصَّحِيحُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ
إِي واللهِ
وَهِيَ بِمَعْنَى نَعَمْ، إِلا أَنها تَخْتَصُّ بِالْمَجِيءِ مَعَ
الْقَسَمِ إِيجاباً لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الِاسْتِعْلَامِ. قَالَ
سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا كَأَيِّنْ رَجُلًا قَدْ رأَيت، زَعَمَ ذَلِكَ
يُونُسُ، وكأَيِّنْ قَدْ أَتاني رَجُلًا، إِلا أَن أَكثر الْعَرَبِ
إِنما يَتَكَلَّمُونَ مَعَ مِنْ، قَالَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
، قَالَ: وَمَعْنَى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حُذِفَتْ مِنْ فَهُوَ
عَرَبِيٌّ؛ وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِن جَرَّها أَحدٌ مِنَ الْعَرَبِ
فَعَسَى أَن يَجُرَّهَا بإِضمار مِنْ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي كَمْ،
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيلُ كَأَيِّنْ عَمِلَتْ فِيمَا بَعْدَهَا
كَعَمَلِ أَفضلهم فِي رَجُلٍ فَصَارَ أَيّ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ،
كَمَا كَانَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفضلهم بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ،
قَالَ: وإِنما تَجِيءُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ فَتَصِيرُ هِيَ وَمَا
بَعْدَهَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وكَائِنْ بِزِنَةٍ كاعِنْ
مُغَيَّرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ كأَيِّنْ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِن سأَل
سَائِلٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي كائِنْ هَذِهِ وَكَيْفَ حَالُهَا
وَهَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ أَو بَسِيطَةٌ؟ فَالْجَوَابُ إِنها
مُرَكَّبَةٌ، قَالَ: وَالَّذِي عَلَّقْتُه عَنْ أَبي عَلِيٍّ أَن
أَصلها كأَيِّنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
؛ ثُمَّ إِن الْعَرَبَ تَصَرَّفَتْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِكَثْرَةِ
اسْتِعْمَالِهَا إِياها، فَقَدَّمَتِ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ وأَخرت
الْهَمْزَةَ كَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي عِدّة مَوَاضِعَ نَحْوَ قِسِيّ
وأَشْياء فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وشاكٍ ولاثٍ وَنَحْوُهُمَا فِي قَوْلِ
الْجَمَاعَةِ، وجاءٍ وَبَابِهِ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ أَيضاً وَغَيْرِ
ذَلِكَ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ فِيمَا بَعْدُ كَيِّئٌ، ثُمَّ إِنهم
حذفوا الياء التانية تَخْفِيفًا كَمَا حَذَفُوهَا فِي نَحْوِ مَيِّت
وهَيِّن ولَيِّن فَقَالُوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فَصَارَ التَّقْدِيرُ
كَيْئٌ، ثُمَّ إِنهم قَلَبُوا الْيَاءَ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا
قَبْلَهَا كَمَا قَلَبُوا فِي طَائِيٍّ وحارِيٍّ وآيةٍ فِي قَوْلِ
الْخَلِيلِ أَيضاً، فَصَارَتْ كَائِنْ. وَفِيَ كَأَيِّنْ لُغَاتٌ:
يُقَالُ كأَيِّنْ وكَائِنْ وكَأْيٌ، بِوَزْنِ رَميٍ، وكإٍ بِوَزْنِ
عَمٍ؛ حَكَى ذَلِكَ أَحمد بْنُ يَحْيَى، فَمَنْ قَالَ كأَيِّنْ فَهِيَ
أَيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْكَافُ، وَمَنْ قَالَ كَائِنْ فَقَدْ
بيَّنَّا أَمره، وَمَنْ قَالَ كَأْيٌ بِوَزْنِ رَمْي فأَشبه مَا فِيهِ
أَنه لَمَّا أَصاره التَّغْيِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِلى كَيْءٍ
قَدَّمَ الْهَمْزَةَ وأَخر الْيَاءَ وَلَمْ يَقْلِبِ الياءَ أَلفاً،
وحَسَّنَ ذَلِكَ ضَعْف هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَا اعْتَوَرَها مِنَ
الْحَذْفِ وَالتَّغْيِيرِ، وَمَنْ قَالَ كَإٍ بِوَزْنِ عَمٍ فَإِنَّهُ
حَذَفَ الْيَاءَ مِنْ كَيْءٍ تَخْفِيفًا أَيضاً، فإِن قُلْتَ: إِن هذا
إِجحاب بِالْكَلِمَةِ لأَنه حَذْفٌ بَعْدَ حَذْفٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ
بأَكثر مِنْ مَصِيرِهِمْ بأَيْمُن اللَّهِ إِلى مُنُ اللهِ ومِ
اللَّهِ، فإِذا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْحَذْفِ حَسُنَ فِيهِ مَا لَا
يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالْحَذْفِ. وَقَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
؛ فَالْكَافُ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي كَذَا وَكَذَا، وإِذا
كَانَتْ زَائِدَةً فَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بفعل ولا بمعنى فِعْلٍ.
وَتَكُونُ أَيٌّ جَزَاءً، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي، والأُنثى مِنْ
كُلِّ ذَلِكَ أَيَّة، وَرُبَّمَا قِيلَ أَيُّهن منطلقةٌ، يُرِيدُ
أَيَّتهن؛ وأَيّ: اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فَيَكُونُ
حِينَئِذٍ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَحَالًا لِلْمَعْرِفَةِ نَحْوَ مَا
أَنشده
(14/58)
سِيبَوَيْهِ لِلرَّاعِي:
فأَوْمَأْتُ إِيمَاءً خَفيّاً لحَبْتَرٍ، ... وَلِلَّهِ عَيْنا
حَبْتَرٍ أَيَّما فَتى
أَي أَيَّما فَتىً هُوَ، يَتَعَجَّبُ مِنِ اكْتِفَائِهِ وَشِدَّةِ
غَنائه. وأَيّ: اسْمٌ صِيغَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلى نِدَاءِ مَا
دَخَلَتْهُ الأَلف وَاللَّامُ كَقَوْلِكَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ وَيَا
أَيُّها الرَّجُلَانِ وَيَا أَيُّها الرِّجَالُ، وَيَا أَيَّتها
المرأَة وَيَا أَيَّتها المرأَتان وَيَا أَيَّتها النِّسْوَةُ وَيَا
أَيُّها المرأَة وَيَا أَيُّها المرأَتان وَيَا أَيُّها النِّسْوَةُ.
وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ
؛ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى قَوْلِكَ يَا أَيها المرأَة وَيَا أَيها
النِّسْوَةُ، وأَما ثَعْلَبٌ فَقَالَ: إِنما خَاطَبَ النَّمْلَ بِيَا
أَيها لأَنه جَعَلَهُمْ كَالنَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
كَمَا تَقُولُ لِلنَّاسِ يَا أَيها النَّاسُ، وَلَمْ يَقُلِ ادْخُلِي
لأَنها كَالنَّاسِ فِي الْمُخَاطَبَةِ، وأَما قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا*
، فَيَا أَيُّ نِدَاءٌ مُفْرَدٌ مُبْهَمٌ وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ
رَفْعٍ صِفَةً لأَيها، هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وأَما
مَذْهَبُ الأَخفش فَالَّذِينَ صِلَةٌ لأَيّ، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ
رَفْعٌ بإِضمار الذِّكْرِ الْعَائِدِ عَلَى أَيّ، كأَنه عَلَى مَذْهَبِ
الأَخفش بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ يَا مَنِ الذين أَي يَا مَنْ هُمُ
الَّذِينَ وَهَا لَازِمَةٌ لأَيّ عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنْهَا
للإِضافة وَزِيَادَةً فِي التَّنْبِيهِ، وأَجاز الْمَازِنِيُّ نَصْبَ
صِفَةِ أَيّ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها الرجلَ أَقبل، وَهَذَا غَيْرُ
مَعْرُوفٍ، وأَيّ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا هَا،
وَيُحْذَفُ مَعَهَا الذِّكْرُ الْعَائِدُ عَلَيْهَا، تَقُولُ: اضْرِبْ
أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تُرِيدُ اضْرِبْ أَيَّهم هُوَ أَفضلُ.
الْجَوْهَرِيُّ: أَيٌّ اسْمٌ مُعْرَبٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا ويُجازَى
بِهَا فِيمَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، تَقُولُ أَيُّهم أَخوك،
وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ للإِضافة، وَقَدْ
تُتْرَكُ الإِضافة وَفِيهِ مَعْنَاهَا، وَقَدْ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
الَّذِي فَتَحْتَاجُ إِلى صِلَةٍ، تَقُولُ أَيُّهم فِي الدَّارِ أَخوك؛
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا أَتيتَ بَنِي مالكٍ، ... فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهم أَفضلُ
قَالَ: وَيُقَالُ لَا يَعْرِفُ أَيّاً مِنْ أَيٍّ إِذا كَانَ أَحمق؛
وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا قيلَ أَيُّهمُ لأَيٍّ، ... تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ
فَتَقْدِيرُهُ: إِذا قِيلَ أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فَحَذَفَ
الْفِعْلَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يَكُونُ نَعْتًا، تَقُولُ:
مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، وَمَرَرْتُ بامرأَة
أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتِما امرأَتين، وَهَذِهِ امرأَةٌ
أَيَّةُ امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وَمَا زَائِدَةٌ. وَتَقُولُ:
هَذَا زَيْدٌ أَيَّما رَجُلٍ، فَتَنْصِبُ أَيّاً عَلَى الْحَالِ،
وَهَذِهِ أَمةُ اللَّهِ أَيَّتَما جاريةٍ. وَتَقُولُ: أَيُّ امرأَة
جَاءَتْكَ وَجَاءَكَ، وأَيَّةُ امرأَةٍ جَاءَتْكَ، وَمَرَرْتُ
بِجَارِيَةٍ أَيِّ جاريةٍ، وَجِئْتُكَ بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ
وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كُلٌّ جَائِزٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
. وأَيٌّ: قَدْ يُتَعَجَّبُ بِهَا؛ قَالَ جَمِيلٌ:
بُثَيْنَ، الْزَمِي لَا، إِنَّ لَا، إِنْ لَزِمْتِهِ ... عَلَى
كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ يَعْمَلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ وَلَا يَعْمَلُ
فِيهِ مَا قَبْلُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لِنَعْلَمَ أَيُّ
الْحِزْبَيْنِ أَحْصى
؛ فَرُفِعَ، وَفِيهِ أَيضاً: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
؛ فَنَصَبَهُ بِمَا بَعْدَهُ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَصِيحُ بِنَا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا، ... وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ
للصِّياحِ
فإِنما نَصَبَهُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ، يُرِيدُ إِلَى أَيِّ الأَرض.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ لأَضْرِبَنّ أَيُّهم فِي الدَّارِ، وَلَا
يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ أَيُّهم فِي الدَّارِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ
الْوَاقِعِ والمُنْتَظَرِ، قَالَ: وإِذا نادَيت اسْمًا فِيهِ الأَلف
(14/59)
وَاللَّامُ أَدخلت بَيْنَهُ وَبَيْنَ
حَرْفِ النِّدَاءِ أَيُّها، فَتَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ وَيَا
أَيتها المرأَة، فأَيّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مُفْرَدٌ مَعْرِفَةٌ
بِالنِّدَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ،
وَهِيَ عِوَضٌ مِمَّا كَانَتْ أَيّ تُضَافُ إِليه، وَتَرْفَعُ
الرَّجُلَ لأَنه صِفَةُ أَيّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ
الْجَوْهَرِيِّ وإِذا نَادَيْتَ اسْمًا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ أَدخلت
بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيها، قَالَ: أَيُّ وُصْلة إِلى
نِدَاءِ مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها
الرَّجُلُ، كَمَا كَانَتْ إِيَّا وُصْلَة الْمُضْمَرِ فِي إِيَّاهُ
وَإِيَّاكَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ إيَّا اسْمًا ظَاهِرًا مُضَافًا،
عَلَى نَحْوِ مَا سُمِعَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: إِذا بَلَغَ
الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ
قَوْلُ أَبي عُيَيْنَة:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ، ... لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ
وَقَالَ أَيضاً:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ، ... سَيَحْمِلُه شِعْرِي عَلَى
الأَشْقَرِ الأَغَرّ
وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثَّلَاثَةُ
؛ يُرِيدُ تَخَلُّفَهم عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وتأَخُّر تَوْبَتِهِمْ.
قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الِاخْتِصَاصِ وَتَخْتَصُّ
بالمُخْبر عَنْ نَفْسِهِ والمُخاطَب، تَقُولُ أَما أَنا فأَفعل كَذَا
أَيُّها الرجلُ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَمَعْنَى قَوْلِ كَعْبٍ أَيَّتُها
الثَّلَاثَةُ أَي الْمَخْصُوصِينَ بِالتَّخَلُّفِ. وَقَدْ يُحْكَى
بأَيٍّ النكراتُ مَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَيُسْتَفْهَمُ
بِهَا، وإِذا اسْتَفْهَمْتَ بِهَا عَنْ نَكِرَةٍ أَعربتها بإِعراب
الِاسْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِثبات عَنْهُ، فإِذا قِيلَ لَكَ: مرَّ بِي
رَجُلٌ، قلتَ أَيٌّ يا فتى؟ تُعْرِبُهَا فِي الْوَصْلِ وَتُشِيرُ إِلى
الإِعراب فِي الْوَقْفِ، فإِن قَالَ: رأَيت رَجُلًا، قُلْتَ: أَيّاً
يَا فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ إِذا وَصَلْتَ وَتَقِفُ عَلَى الأَلف
فَتَقُولُ أَيَّا، وإِذا قَالَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ، قلتَ: أَيٍّ يَا
فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ، تَحْكِي كَلَامَهُ فِي الرَّفْعِ
وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فِي الْوَصْلِ فَقَطْ، فأَما فِي الْوَقْفِ فإِنه
يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرَ،
وإِنما يَتْبَعُهُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ إِذا ثَنَاهُ وَجَمَعَهُ،
وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ والتأْنيث كَمَا قِيلَ فِي
مَنْ، إِذا قَالَ: جَاءَنِي رِجَالٌ، قلتَ: أَيُّونْ، سَاكِنَةُ
النُّونِ، وأَيِّينْ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وأَيَّهْ
لِلْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَيُّونَ بِفَتْحِ
النُّونِ، وأَيِّينَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيضاً، وَلَا يَجُوزُ سُكُونُ
النُّونِ إِلا فِي الْوَقْفِ خَاصَّةً، وإِنما يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَنْ
خَاصَّةً، تَقُولُ مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لَا غَيْرَ. قَالَ:
فإِن وَصَلْتَ قلتَ أَيَّة يَا هَذَا وأَيَّات يَا هَذَا، نوَّنتَ،
فإِن كَانَ الاستثباتُ عَنْ مَعْرِفَةٍ رفعتَ أَيّاً لَا غَيْرَ عَلَى
كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُحْكَى فِي الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ فِي أَيٍّ مَعَ
الْمَعْرِفَةِ إِلا الرَّفْعُ، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى أَيّ الْكَافُ
فَتُنْقَلُ إِلى تَكْثِيرِ الْعَدَدِ بِمَعْنَى كَمْ فِي الْخَبَرِ
وَيُكْتَبُ تَنْوِينُهُ نُونًا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: كَائِنْ مِثْلَ
كاعِنْ، وكَأَيِّنْ مِثْلَ كعَيِّنْ، تَقُولُ: كَأَيِّنْ رَجُلًا
لَقَيْتُ، تَنْصِبُ مَا بَعْدَ كأَيِّنْ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَتَقُولُ
أَيضاً: كَأَيِّنْ مِنْ رَجُلٍ لَقَيْتُ، وإِدخال مِنْ بَعْدَ كأَيِّنْ
أَكثر مِنَ النَّصْبِ بِهَا وأَجود، وبكأَيِّنْ تَبِيعُ هَذَا
الثَّوْبَ؟ أَي بِكُمْ تَبِيعُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وكَائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ، ... بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ
لَهُ بِبلادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا شَاهِدًا عَلَى
كَائِنْ بِمَعْنَى كَمْ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي قَالَ لَا
تُسْتَعْمَلُ الوَرَى إِلا فِي النَّفْيِ، قَالَ: وإِنما حَسُنَ لِذِي
الرُّمَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَ مَنْفِيًّا فِي
الْمَعْنَى لأَن ضَمِيرَهُ مَنْفِيٌّ، فكأَنه قَالَ: لَيْسَتْ لَهُ
بِلَادُ الْوَرَى بِبِلَادٍ.
(14/60)
وأَيَا: مِنْ حُرُوفِ النِّدَاءِ يُنادَى
بِهَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، تَقُولُ أَيَا زيدُ أَقْبِل. وأَيْ،
مِثَالُ كَيْ: حرفٌ يُنادَى بِهَا الْقَرِيبُ دُونَ الْبَعِيدِ،
تَقُولُ أَيْ زيدُ أَقبل، وَهِيَ أَيضاً كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ
التَّفْسِيرَ، تَقُولُ أَيْ كَذَا بِمَعْنَى يُرِيدُ كَذَا، كَمَا أَن
إِي بِالْكَسْرِ كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ الْقَسَمَ، مَعْنَاهَا بَلَى،
تَقُولُ إِي وَرَبِّي وإِي وَاللَّهِ. غَيْرُهُ أَيَا حَرْفُ نِدَاءٍ،
وَتُبْدَلُ الْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: هَيَا؛ قَالَ:
فانْصَرَفَتْ، وَهِيَ حَصانٌ مُغْضَبَهْ، ... ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا
أَبَهْ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُرِيدُ أَيَا أَبَهْ، ثُمَّ أَبدل
الْهَمْزَةَ هَاءً، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ لأَن أَيَا فِي النِّدَاءِ
أَكثر مِنْ هَيَا، قَالَ: وَمِنْ خَفِيفِهِ أَيْ مَعْنَاهُ العبارةُ،
وَيَكُونُ حَرْفَ نِدَاءٍ. وإِيْ: بِمَعْنَى نَعَمْ وَتُوصَلُ
بِالْيَمِينِ، فَيُقَالُ إِي وَاللَّهِ، وَتُبْدَلُ مِنْهَا هَاءٌ
فَيُقَالُ هِي. والآيَةُ: العَلامَةُ، وَزْنُهَا فَعَلَةٌ فِي قَوْلِ
الْخَلِيلِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلى أَن أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ
فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا
قَلْبٌ شَاذٌّ كَمَا قَلَبُوهَا فِي حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذَلِكَ
قَلِيلٌ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ، وَالْجُمَعُ آيَاتٌ وآيٌ، وآياءٌ
جمعُ الْجَمْعِ نادرٌ؛ قَالَ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْر، مِنْ آيَائِه، ... غيرَ أَثافِيهِ
وأَرْمِدائِه
وأَصل آيَة أَوَيَةٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَمَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاوٌ،
وَالنِّسْبَةُ إِليه أَوَوِيّ، وَقِيلَ: أَصلها فَاعِلَةٌ فَذَهَبَتْ
مِنْهَا اللَّامُ أَو الْعَيْنُ تَخْفِيفًا، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً
لَكَانَتْ آيِيَةً. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي
الْآفاقِ
؛ قَالَ الزَّجَاجُ: مَعْنَاهُ نُرِيهِمُ الآيَات الَّتِي تَدُلُّ
عَلَى التَّوْحِيدِ فِي الْآفَاقِ أَي آثارَ مَنْ مَضَى قَبْلَهُمْ
مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَفِي
أَنفسهم مِنْ أَنهم كَانُوا نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثُمَّ مُضَغاً ثُمَّ
عِظَامًا كُسِيَتْ لَحْمًا، ثُمَّ نُقِلُوا إِلى التَّمْيِيزِ
وَالْعَقْلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَن الَّذِي فَعَلَهُ
وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، تَبَارَكَ وَتَقَدَّسَ. وتَأَيَّا
الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه. وآيَة الرَّجُلِ: شَخْصُه.
ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ تآيَيْتُه، عَلَى تَفاعَلْتُه،
وتَأَيَّيْتُه إِذا تَعَمَّدَتْ آيَته أَي شَخْصَهُ وَقَصَدْتَهُ؛
قَالَ الشَّاعِرُ:
الحُصْنُ أَدْنَى، لَوْ تَأَيَّيْتِهِ، ... مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ
عَلَى الراكبِ
يُرْوَى بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا
الْبَيْتُ لامرأَة تُخَاطِبُ ابْنَتَهَا وَقَدْ قَالَتْ لَهَا:
يَا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ ... يَسيرُ فِي مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ
مَا زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ فِي وَجْهِه ... عَمْداً، وأَحْمِي
حَوزةَ الغائِبِ
فَقَالَتْ لَهَا أُمها:
الحُصْنُ أَدنى، لَوْ تَأَيَّيْته، ... مِنْ حَثْيِك التُّرْبَ عَلَى
الراكبِ
قَالَ: وَشَاهِدُ تَآيَيْتُه قَوْلُ لَقيط بْنِ مَعْمَر الإِياديّ:
أَبْناء قَوْمٍ تَآيَوْكُمْ عَلَى حَنَقٍ، ... لَا يَشْعُرونَ أَضرَّ
اللهُ أَم نَفَعَا
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَآيَا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ، ... حُفْرَةَ المَحْزِمِ مِنْهُ،
فَسَعَلْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
يُخْرجون الرَّسُولَ وإِيَّاكم
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسمع فِي تَفْسِيرِ إِيَّا
وَاشْتِقَاقِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَالَّذِي أَظنه، وَلَا أَحقُّه، أَنه
مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِ تَآيَيْته عَلَى تَفَاعَلْتُهُ أَي تَعَمَّدْتُ
آيَتَهُ وَشَخْصَهُ، وكأَنَّ إِيَّا اسْمٌ
(14/61)
مِنْهُ عَلَى فِعْلى، مِثْلَ الذِّكْرى
مِنْ ذَكَرْتُ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِيَّاك أَردتُ أَي
قَصَدْتُ قَصْدَكَ وَشَخْصَكَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَن الأَمر مبهم
يكنى به عن الْمَنْصُوبِ. وأَيَّا آيَةً: وَضَعَ عَلَامَةً. وَخَرَجَ
الْقَوْمُ بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وَرَاءَهُمْ شَيْئًا؛ قَالَ
بُرْج بْنُ مُسْهِر الطَّائِيُّ:
خَرَجْنا مِنَ النَّقْبَين، لَا حَيَّ مِثْلُنا، ... بآيَتنا نُزْجِي
اللِّقاحَ المَطافِلا
والآيَةُ: مِنَ التَّنْزِيلِ وَمِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ؛
قَالَ أَبو بَكْرٍ: سُمِّيَتِ الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ آيَةً لأَنها
عَلَامَةٌ لِانْقِطَاعِ كَلَامٍ مِنْ كَلَامٍ. وَيُقَالُ: سُمِّيَتِ
الآيَة آيَةً لأَنها جَمَاعَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ. وَآيَاتُ
اللَّهِ: عَجَائِبُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ
كأَنها الْعَلَامَةُ الَّتِي يُفْضَى مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا كأَعلام
الطَّرِيقِ الْمَنْصُوبَةِ لِلْهِدَايَةِ كَمَا قَالَ:
إِذا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَم
والآيَة: الْعَلَامَةُ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَحَلَّتْهما آيَةٌ وَحرَّمَتْهُما آيَة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الآيَة المُحِلَّةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ؛ والآيَة الْمُحَرِّمَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ؛
والآيَة: العِبْرَة، وَجَمْعُهَا آيٌ. الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِ
الْمَصَادِرِ: الآيَة مِنَ الآيَات والعبَر، سُمِّيَتْ آيَةٌ كَمَا
قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ
؛ أَي أُمور وعِبَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وإِنما تَرَكَتِ الْعَرَبُ
هَمْزَتَهَا كَمَا يَهْمِزُونَ كُلَّ مَا جَاءَتْ بَعْدَ أَلف
سَاكِنَةٍ لأَنها كَانَتْ فِيمَا يُرَى فِي الأَصل أَيَّة، فَثَقُلَ
عَلَيْهِمُ التَّشْدِيدُ فأَبدلوه أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَ
التَّشْدِيدِ، كَمَا قَالُوا أَيْما لِمَعْنَى أَمَّا، قَالَ: وَكَانَ
الْكِسَائِيُّ يَقُولُ إِنه فَاعِلَةٌ مَنْقُوصَةٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا صَغَّرَهَا إِيَيَّة، بِكَسْرِ الأَلف؛
قَالَ: وسأَلته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صغَّروا عَاتِكَةَ وَفَاطِمَةَ
عُتَيْكة وفُطَيْمة، فَالْآيَةُ مِثْلُهُمَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
لَيْسَ كَذَلِكَ لأَن الْعَرَبَ لَا تُصَغِّرُ فَاعِلَةَ عَلَى
فُعَيْلة إِلا أَن يَكُونَ اسْمًا فِي مَذْهَبِ فُلانَة فَيَقُولُونَ
هَذِهِ فُطَيْمة قَدْ جَاءَتْ إِذا كَانَ اسْمًا، فإِذا قُلْتَ هَذِهِ
فُطَيْمة ابْنِها يَعْنِي فاطِمتَه مِنَ الرِّضَاعِ لَمْ يَجُزْ،
وَكَذَلِكَ صُلَيْح تَصْغِيرًا لِرَجُلٍ اسْمُهُ صَالِحٌ، وَلَوْ قَالَ
رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَيْفَ بِنْتُك قَالَ صُوَيْلِح وَلَمْ يجِز صُلَيْح
لأَنه لَيْسَ بِاسْمٍ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ آيَة فَاعِلَةٌ
صُيِّرَتْ يَاؤُهَا الأُولى أَلفاً كَمَا فُعِلَ بِحَاجَةٍ وقامَة،
والأَصل حَائِجَةٌ وَقَائِمَةٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَذَلِكَ خطأٌ لأَن
هَذَا يَكُونُ فِي أَولاد الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا
لَقِيلَ فِي نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
، وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْن لأَن الْمَعْنَى فِيهِمَا مَعْنَى آيَةٍ
وَاحِدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لأَن قصتهما واحدة، وقال أَبو
مَنْصُورٍ: لأَن الآيَة فِيهِمَا مَعًا آيةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ
الْوِلَادَةُ دُونَ الْفَحْلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَوْ قِيلَ
آيَتَيْنِ لَجَازَ لأَنه قَدْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا
لَمْ يَكُنْ فِي ذَكَرٍ وَلَا أُنثى مِنْ أَنها ولَدَتْ مِنْ غَيْرِ
فَحْلٍ، ولأَن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوحُ اللَّهِ أَلقاه فِي
مَرْيَمَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي وَلدٍ قَطُّ، وَقَالُوا: افْعَلْهُ
بآيَة كَذَا كَمَا تَقُولُ بِعَلَامَةِ كَذَا وأَمارته؛ وَهِيَ مِنَ
الأَسماء الْمُضَافَةِ إِلى الأَفعال كَقَوْلِهِ:
بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثاً، ... كأَنَّ، عَلَى سَنابِكِها،
مُداما
وَعَيْنُ الآيَة يَاءٌ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدهرُ مِنْ آيَائِه
فَظُهُورُ الْعَيْنِ فِي آيَائِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَيْنِ
يَاءً، وَذَلِكَ أَن وَزْنَ آيَاء أَفعال، وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ
وَاوًا لَقَالَ آوَائِهِ،
(14/62)
إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ ظُهُورِ الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ مَوْضِعُ الْعَيْنِ مِنَ
الآيَة وَاوٌ لأَن مَا كَانَ مَوْضعَ الْعَيْنِ مِنْهُ واوٌ وَاللَّامُ
يَاءٌ أَكثر مِمَّا مَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْهُ ياءَان،
مِثْلَ شَوَيْتُ أَكثر مِنْ حَيِيت، قَالَ: وَتَكُونُ النِّسْبَةُ
إِلَيْهِ أوَوِيٌّ؛ قال الفراء: هي من الْفِعْلِ فَاعِلَةٌ، وَإِنَّمَا
ذَهَبَتْ مِنْهُ اللَّامُ، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً لَجَاءَتْ آييَة،
وَلَكِنَّهَا خُففت، وَجَمْعُ الآيَة آيٌ وآيَايٌ وآيَاتٌ؛ وأَنشد أَبو
زَيْدٍ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ آيَايه
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يذكر سِيبَوَيْهِ أَن عَيْنَ آيَةٍ وَاوٌ
كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصلها أَيّة، فأُبدلت
الْيَاءُ السَّاكِنَةُ أَلفا؛ وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَن وَزْنَهَا
فَعَلة، وأَجاز فِي النَّسَبِ إِلَى آيَةٍ آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ،
قَالَ: فأَما أَوَوِيٌّ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحد عَلِمْتُهُ غَيْرُ
الْجَوْهَرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضا عِنْدَ قَوْلِ
الْجَوْهَرِيِّ فِي جَمْعِ الْآيَةِ آيَاي، قَالَ: صَوَابُهُ آيَاء،
بِالْهَمْزِ، لأَن الْيَاءَ إِذَا وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلف
زَائِدَةٍ قُلِبَتْ هَمْزَةً، وَهُوَ جَمْعُ آيٍ لَا آيةٍ. وتَأَيَّا
أَي توقَّف وتَمَكَّث، تَقْدِيرُهُ تَعَيَّا. وَيُقَالُ: قَدْ
تَأَيَّيْت عَلَى تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست. وَيُقَالُ:
لَيْسَ مَنْزِلُكُمْ بِدَارٍ تَئِيَّةٍ أَي بِمَنْزِلَةِ تَلَبُّثٍ
وتَحَبُّس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ، ... وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ
وَقَالَ الحُويْدِرة:
ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه، ... قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ
نَابِي المَضْجَع
والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة. يُقَالُ: تَأَيَّا الرجلُ
يَتَأَيَّا تَأَيِّياً إِذَا تأَنى فِي الأَمر؛ قَالَ لَبِيدُ:
وتأيَّيْتُ عَلَيْهِ ثَانِيًا، ... يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذِي خُصَل
أَي انْصَرَفَتْ عَلَى تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ:
مَعْنَى قَوْلِهِ وتَأَيَّيْت عَلَيْهِ أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا
عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى فَرَسِهِ. وتَأَيَّا عَلَيْهِ: انْصَرَفَ فِي
تُؤَدَةٍ. وَمَوْضِعٌ مَأْيِيُّ الكلإِ أَي وَخِيمه. وإِيَا الشَّمْسِ
وأَيَاؤها: نُورُهَا وَضَوْءُهَا وَحُسْنُهَا، وَكَذَلِكَ إيَاتها
وأَيَاتُها، وَجَمْعُهَا آيَاء وإِيَاء كأكَمة وَإِكَامٌ؛ وأَنشد
الْكِسَائِيُّ لِشَاعِرٍ:
سَقَتْه إيَاةُ الشَّمْسِ، إلَّا لثاتِهِ ... أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ
عَلَيْهِ بإثْمِد «2»
. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ الأَيَاء، مَفْتُوحُ الأَول بِالْمَدِّ،
والإِيَا، مَكْسُورُ الأَول بِالْقَصْرِ، وإيَاةٌ، كُلُّهُ واحدٌ:
شُعَاعُ الشَّمْسِ وَضَوْءُهَا؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهَا فِعْلًا،
وَسَنَذْكُرُهُ فِي الأَلف اللَّيِّنَةِ أَيضاً. وإِيَا النَّبَاتِ
وأَيَاؤه: حُسْنُهُ وزَهْره، عَلَى التَّشْبِيهِ. وأَيَايَا وأَيَايَهْ
ويَايَهْ، الأَخيرة عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ: زَجْرٌ للإِبل، وَقَدْ
أَيَّا بِهَا. اللَّيْثُ: يُقَالُ أَيَّيْتُ بالإِبل أُأَيِّي بِهَا
تَأْيِيةً إِذَا زَجَرْتُهَا تَقُولُ لَهَا أَيَا أَيَا؛ قَالَ ذُو
الرُّمَّةِ:
إِذَا قَالَ حادِينا، ... أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ بمثْلِ الذُّرى
مُطْلَنْفِئات العَرائِك |