لسان العرب فصل الباء الموحدة
بأي: البَأْواءُ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ: وَهِيَ العَظَمة، والبَأْوُ
مِثْلُهُ، وبَأَى عَلَيْهِمْ يَبْأَى بَأْواً، مِثَالَ بَعى يَبْعى
بَعْواً: فَخَرَ. والبَأْوُ: الكِبْرُ وَالْفَخْرُ. بَأَيْتُ عليهم
أَبْأَى: فَخَرْتَ عَلَيْهِمْ، لُغَةٌ فِي بَأَوْتُ على
__________
(2) . البيت للبيد
(14/63)
الْقَوْمِ أَبْأَى بَأْواً؛ حَكَاهُ
اللِّحْيَانِيُّ فِي بَابِ مَحَيْتُ ومَحَوْتُ وأَخواتها؛ قَالَ
حَاتِمٌ:
وَمَا زادَنا بَأْواً عَلَى ذِي قَرابةٍ ... غِنانا، وَلَا أَزْرى
بأَحْسابنا الفَقْرُ
وبأَى نَفْسَه: رَفَعَهَا وفَخَر بِهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: فبَأَوْتُ بِنَفْسِي وَلَمْ أَرْضَ بِالْهَوَانِ.
وَفِيهِ بَأْوٌ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَلَا يُقَالُ بَأْوَاء، قَالَ:
وَقَدْ رَوَى الْفُقَهَاءُ فِي طَلْحَةَ بَأْوَاءُ. وَقَالَ الأَخفش:
البَأْوُ فِي الْقَوَافِي كُلُّ قَافِيَةٍ تَامَّةُ الْبِنَاءِ
سَلِيمَةٌ مِنَ الْفَسَادِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ
الْمَجْزُوءِ لَمْ يُسَمُّوهُ بَأْواً وَإِنْ كَانَتْ قَافِيَتُهُ قَدْ
تمَّت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كُلُّ هَذَا قَوْلُ الأَخفش، قَالَ:
سَمِعْنَاهُ مِنَ الْعَرَبِ وَلَيْسَ مِمَّا سَمَّاهُ الْخَلِيلُ،
قَالَ: وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الأَسماء عَنِ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ
جِنِّي: لَمَّا كَانَ أَصل البَأْوِ الْفَخْرَ نَحْوَ قَوْلِهِ:
فإنْ تَبْأَى ببَيْتِكَ مَنْ مَعَدّ، ... يَقُلْ تَصْديقَكَ العُلَماءُ
جَيْرِ
لَمْ يُوقَعْ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ مَجْزُوءًا لأَن جَزْأَه
عِلَّةٌ وَعَيْبٌ لَحِقَهُ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْفَخْرِ وَالتَّطَاوُلِ؛
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ تبأَى مَفَاعِيلُنْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَأَوْتُ
أَبؤُو مِثْلَ أَبْعو، قَالَ: وَلَيْسَتْ بِجَيِّدَةٍ. وَالنَّاقَةُ
تَبْأَى: تَجْهَدُ فِي عَدْوِهَا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَقولُ والعِيس تَبَا بِوَهْد
فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَراد تَبْأَى أَي تَجْهَدُ فِي عَدْوها، وَقِيلَ:
تَتسامى وتَتَعالى، فأَلقى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ
الَّذِي قَبْلَهَا. وبَأَيْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ وأَصلحته؛ قَالَ:
فَهِيَ تُبَئِّي زادَهم وتَبْكُلُ
وأَبْأَيْتُ الأَديم وأَبْأَيْتُ فِيهِ: جَعَلْتُ فِيهِ الدِّبَاغَ؛
عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. ابْنُ الأَعرابي: تَأَبَّى أَي شَقَّ شَيْئًا.
وَيُقَالُ: بَأَى بِهِ بِوَزْنِ بَعى بِهِ إِذَا شَقَّ بِهِ. وَحَكَى
الْفَرَّاءُ: بَاءَ بِوَزْنِ بَاعَ إِذَا تَكَبَّرَ، كأَنه مَقْلُوبٌ
مَنْ بأَى كَمَا قَالُوا راءَ ورأَى.
بتا: بَتَا بِالْمَكَانِ بَتْواً: أَقام، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ.
وبَتَا بَتْواً أَفصحُ.
بثا: الْفَرَّاءُ: بَثَا إِذَا عَرِقَ، الْبَاءُ قَبْلَ الثَّاءِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ورأَيت فِي دِيَارِ بَنِي سَعْدٍ بالستارَيْنِ
عينَ مَاءٍ تَسْقي نَخْلًا رَيْناً «3» . يُقَالُ لَهُ بَثَاءٌ،
فَتَوَهَّمْتُ أَنه سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لأَنه قَلِيلُ رَشْحٍ،
فكأَنه عَرَقٌ يَسِيلُ. وبَثَا بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ يَبْثُو
سَيَّعَهُ «4» ، وأَرض بَثَاءٌ: سَهْلَةٌ؛ قَالَ:
بأَرضٍ بَثَاءٍ نصيفِيَّةٍ، ... تَمَنَّى بِهَا الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
وَالْبَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ:
لِمَيْثٍ بَثَاءٍ تَبَطَّنْتُه، ... دَمِيثٍ بِهِ الرِّمْثُ
والحَيْهَلُ
والحَيْهَلُ: جَمْعُ حَيْهَلةٍ، وَهُوَ نَبْتٌ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ
أَورده ابْنُ بَرِّيٍّ فِي أَماليه وَنَسَبَهُ لحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ
وأَنشده:
بمَيْثٍ بَثاء نَصِيفِيَّةٍ، ... دَمِيثٍ بِهَا الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
فَإِمَّا أَن يَكُونَ هُوَ أَو غَيْرُهُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَرى
بَثَاءً الماءَ الَّذِي فِي دِيَارِ بَنِي سَعْدٍ أُخذ مِنْ هَذَا،
وَهُوَ عَيْنٌ جَارِيَةٌ تَسْقِي نَخْلًا رَيْنًا فِي بَلَدِ سَهْل
طَيِّبٍ عَذاةٍ. وبَثَاءٌ: مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا
عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِوُجُودِ بَ ثَ وَ، وَعَدَمِ بَ ثَ يَ.
والبَثَاءُ: أَرض سَهْلَةٌ؛ وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ أَرض بِعَيْنِهَا
مِنْ بِلَادِ
__________
(3) . قوله [نخلًا ريناً] كذا بالأصل براء فتحتية، والذي في ياقوت:
رينة، بزيادة هاء تأنيث
(4) . قوله [سيعه] هكذا في الأصل بهذا الرسم ولعلها محرفة عن سعى به
(14/64)
بَنِي سُلَيم؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ
عِيرًا تحملتْ:
رَفَعتُ لَهَا طَرفي، وَقَدْ حَالَ دُونها ... رجالٌ وخَيلٌ بالبَثَاء
تُغِيرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد الْمُفَضَّلُ:
بنَفْسي ماءُ عَبْشَمْسِ بنِ سَعْدٍ، ... غَداةَ بَثَاءَ، إذْ عَرَفُوا
اليَقِينا
والبَثَاءُ: الْكَثِيرُ الشَّحم. والبَثِيُّ: الكثيرُ المدحِ للناسِ
«1» ؛ قَالَ شَمِرٌ وَقَوْلُ أَبي عَمْرٍو:
لَمّا رأَيتُ البَطَلَ المُعاوِرا، ... قُرَّةَ، يَمشِي بِالْبَثَاءِ
حاسِرا
قَالَ: البَثَاءُ الْمَكَانُ السَّهْلُ. والبِثى، بِكَسْرِ الْبَاءِ:
الرَّمَادُ، وَاحِدَتُهَا بِثَةٌ مثلُ عِزَةٍ وعِزىً؛ قَالَ
الطِّرِمَّاحُ:
خَلا أَنَّ كُلْفاً بِتَخْريجها ... سَفاسِقَ، حَولَ بِثىً، جانِحَه
أَراد بالكُلف الأَثافي الْمُسْوَدَّةَ، وَتَخْرِيجُهَا: اخْتِلَافُ
أَلوانها، وَقَوْلُهُ حَوْلَ بِثىً، أَراد حَوْلَ رَمَادٍ.
الْفَرَّاءُ: هُوَ الرّمْدِدُ، والبِثَى يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والصِّنى
والصِّناءُ والضِّبحُ والأُسُّ بقيتُه وأَثره.
بجا: بجَاء: قَبِيلَةٌ، والبَجَاوِيَّاتُ مِنَ النُّوقِ مَنْسُوبَةٌ
إِلَيْهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الرَّبَعِيُّ البَجَاوِيَّات
مَنْسُوبَةٌ إِلَى بَجاوَةَ «2» ، قَبِيلَةٌ، يُطارِدونَ عَلَيْهَا
كَمَا يُطارَدُ عَلَى الْخَيْلِ، قَالَ: وَذَكَرَ القَزَّازُ بُجاوَةَ
وبِجاوَةَ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَلَمْ يُذَكِرِ الْفَتْحُ؛ وَفِي
شِعْرِ الطِّرِمَّاحِ بُجَاوِيَّةٌ، بِضَمِّ الْبَاءِ، مَنْسُوبٌ إِلَى
بُجَاوَةَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ النُّوبةِ وَهُوَ:
بُجَاوِيَّة لَمْ تسْتَدرْ حَوْلَ مَثْبِرٍ، ... وَلَمْ يَتَخَوَّنْ
درَّها ضَبُّ آفِن
وَفِي الْحَدِيثِ:
كانَ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَجَاوِيّاً
؛ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَجَاوَة جِنْسٍ مِنَ السُّودان، وَقِيلَ: هِيَ
أَرض بِهَا السُّودانُ.
بخا: البَخْو: الرِّخْوُ. وَثَمَرَةٌ بَخْوَة: خَاوِيَةٌ،
يَمَانِيَّةٌ. والبَخْوُ: الرُّطَبُ الرَّدِيءُ، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ، الْوَاحِدَةُ بَخْوَة، وَاللَّهُ أَعلم.
بدا: بَدا الشيءُ يَبْدُو بَدْواً وبُدُوّاً وبَداءً وبَداً؛ الأَخيرة
عَنْ سِيبَوَيْهِ: ظَهَرَ. وأَبْدَيْته أَنا: أَظهرته. وبُدَاوَةُ
الأَمر: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ،
وَقَدْ ذُكِرَ عامةُ ذَلِكَ فِي الْهَمْزَةِ. وبَادِي الرأْي: ظاهرُه؛
عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. وأَنت بَادِيَ الرأْي
تَفْعَلُ كَذَا، حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمَعْنَاهُ
أَنت فِيمَا بَدَا مِنَ الرأْي وَظَهَرَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
مَا نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ
الرَّأْيِ
؛ أَي فِي ظَاهِرِ الرأْي، قرأَ أَبو عَمْرٍو وحده بَادِىءَ الرأْي،
بِالْهَمْزِ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ قرؤوا بادِيَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ،
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يُهْمَزُ بادِيَ الرأْي لأَن الْمَعْنَى
فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا ويَبْدُو، وَلَوْ أَراد ابْتِدَاءَ الرأْي
فهَمَز كَانَ صَوَابًا؛ وأَنشد:
أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي، ... وَصَارَ للفَحْلِ لِساني
ويَدِي
أَراد بِهِ: ظَاهِرِي فِي الشَّبَهِ لِخَالِي. قَالَ الزَّجَّاجُ:
نَصَبَ بَادِيَ الرأْي عَلَى اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ الرأْي وباطنُهم
عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ
الرأْي وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَا قلتَ وَلَمْ يُفَكِّرُوا فِيهِ؛
وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ:
أَضحى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِي
__________
(1) . قوله [والبَثَاء الْكَثِيرُ الشَّحْمِ والبَثِيّ الكثير المدح
للناس] عبارة القاموس: والبَثِيّ كعليّ الكثير المدح للناس والكثير
الحشم
(2) . قوله [منسوبة إلى بَجَاوَة] أي بفتح الباء كما في التكملة
(14/65)
مَعْنَاهُ: خَرَجْتُ عَنْ شَرْخ الشَّبَابِ
إِلَى حَدِّ الكُهُولة الَّتِي مَعَهَا الرأْيُ والحِجا، فَصِرْتُ
كَالْفُحُولَةِ الَّتِي بِهَا يَقَعُ الِاخْتِيَارُ وَلَهَا
بِالْفَضْلِ تَكْثُرُ الأَوصاف؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ
جَعَلَهُ مِنْ بَدَأْتُ مَعْنَاهُ أَوَّلَ الرَّأْيِ. وبَادَى فلانٌ
بِالْعَدَاوَةِ أَي جَاهَرَ بِهَا، وتَبَادَوْا بِالْعَدَاوَةِ أَي
جاهَرُوا بِهَا. وبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدْواً وبَداً وبَدَاءً؛
قَالَ الشَّمَّاخ:
لَعَلَّك، والمَوْعُودُ حقٌّ لِقَاؤُهُ، ... بَدَا لكَ فِي تِلْكَ
القَلُوص بَداءُ «1»
. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ بَدا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ
؛ أَراد بَدَا لَهُمْ بَداءٌ وَقَالُوا لَيَسْجُنُنَّهُ، ذَهَبَ إِلَى
أَن مَوْضِعَ لَيَسْجُنُنَّهُ لَا يَكُونُ فاعلَ بَدَا لأَنه جُمْلَةٌ
وَالْفَاعِلُ لَا يَكُونُ جُمْلَةً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْ
هَذَا أَخذ مَا يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ فِي أَعقاب الكُتُب. وبَداءَاتُ
عَوارِضك، عَلَى فَعَالاتٍ، وَاحِدَتُهَا بَدَاءَةٌ بِوَزْنِ فَعَالَة:
تَأْنِيثُ بَدَاءٍ أَي مَا يَبْدُو مِنْ عَوَارِضِكَ؛ قَالَ: وَهَذَا
مِثْلُ السَّمَاءة لِمَا سَمَا وعَلاك مِنْ سَقْفٍ أَو غَيْرِهِ،
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَمَاوَةٌ، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ بَدَوَاتٌ فِي
بَدَآت الحَوائج كَانَ جَائِزًا. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ
أَبو البَدَوَاتِ، قَالَ: مَعْنَاهُ أَبو الْآرَاءِ الَّتِي تَظْهَرُ
لَهُ، قَالَ: وَوَاحِدَةُ البَدَوَات بَدَاةٌ، يُقَالُ بَدَاة وبَدَوات
كَمَا يُقَالُ قَطاة وقَطَوات، قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَمْدَحُ
بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْحَازِمِ ذُو بَدَوَات
أَي ذُو آرَاءٍ تَظْهَرُ لَهُ فَيَخْتَارُ بَعْضًا ويُسْقطُ بَعْضًا؛
أَنشد الْفَرَّاءُ:
مِنْ أَمْرِ ذِي بَدَوَاتٍ مَا يَزالُ لَهُ ... بَزْلاءُ، يَعْيا بِهَا
الجَثَّامةُ اللُّبَدُ
قَالَ: وبَدا لِي بَدَاءٌ أَي تَغَيَّر رأْيي عَلَى مَا كَانَ
عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: بَدَا لِي مِنْ أَمرك بَداءٌ أَي ظَهَرَ لِي.
وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع: خَرَجْتُ أَنا وربَاحٌ مَوْلَى رسول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي فرسُ أَبي طَلْحَةَ أُبَدِّيه
مَعَ الإِبل
أَي أُبْرزُه مَعَهَا إِلَى مَوْضِعِ الكَلإِ. وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته
فَقَدْ أَبْدَيْته وبَدَّيته؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه أَمر أَن يُبَادِيَ الناسَ بأَمره
أَي يُظْهِرَهُ لَهُمْ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كتابَ اللَّهِ
أَي مَنْ يُظْهِرُ لَنَا فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ يُخْفِيهِ أَقمنا
عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَفِي حَدِيثِ الأَقْرع والأَبْرص والأَعمى:
بَدَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن يَبْتَلِيَهُمْ
أَي قَضَى بِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ مَعْنَى البَداء
هَاهُنَا لأَن الْقَضَاءَ سَابِقٌ، والبَدَاءُ اسْتِصْوَابُ شَيْءٍ
عُلم بَعْدَ أَن لَمْ يُعْلم، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: بَدَا لِي بَدَاءٌ أَي ظَهَرَ لِي رأْيٌ آخَرُ؛
وأَنشد:
لَوْ عَلَى العَهْدِ لَمْ يَخُنه لَدُمْنا، ... ثُمَّ لَمْ يَبْدُ لِي
سِوَاهُ بَدَاءُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدَاءً، مَمْدُودَةً،
أَي نشأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ، وَهُوَ ذُو بَدَواتٍ، قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَداءٌ، بِالرَّفْعِ، لأَنه الْفَاعِلُ
وَتَفْسِيرُهُ بنَشَأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ؛
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
لعَلَّكَ، والموعودُ حَقٌّ لِقاؤه، ... بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ
القَلُوصِ بَدَاءُ
وبَدَاني بِكَذَا يَبْدوني: كَبَدأَني. وافعَل ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ
وبَادِيَ بَدِيّ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ؛ قَالَ:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزَةِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: بادِيَ بَدَا،
وَقَالَ: لَا يُنَوَّنُ وَلَا يَمْنَعُ القياسُ تنوينَه. وقال
__________
(1) . في نسخة: وفاؤه
(14/66)
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ افعلْ هَذَا بَادِيَ
بَدِيّ كَقَوْلِكَ أَوَّل شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ بَدْأَةَ ذِي بَدِيّ،
قَالَ: وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بادِيَ بَدِيّ بِهَذَا الْمَعْنَى
إِلَّا أَنه لَمْ يُهْمَزْ، الْجَوْهَرِيُّ: افعلْ ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ
وبَادِيَ بَدِيٍّ أَي أَوَّلًا، قَالَ: وأَصله الْهَمْزُ وَإِنَّمَا
تُرِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ اسْمًا
لِلدَّاهِيَةِ كَمَا قَالَ أَبو نُخَيلة:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي، ... ورَيْثَةٌ تَنْهَضُ
بالتَّشَدُّدِ،
وَصَارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويدِي
قَالَ: وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا مِثْلَ معديكرب
وَقَالِي قَلا. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدِ بْنِ أَبي وقاص: قَالَ يَوْمَ الشُّورَى الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَدِيّاً
؛ البَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: الأَول؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: افْعَلْ
هَذَا بَادِيَ بَدِيّ أَي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ. وبَدِئْتُ بِالشَّيْءِ
وبَدِيتُ: ابْتَدَأْتُ، وَهِيَ لُغَةُ الأَنصار؛ قَالَ ابْنُ رواحَةَ:
باسمِ الإِله وَبِهِ بَدِينَا، ... وَلَوْ عَبَدْنا غيرَه شَقِينا،
وحَبَّذا رَبّاً وحُبَّ دِينا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ لَيْسَ أَحد يَقُولُ
بَدِيتُ بِمَعْنَى بَدَأْتُ إِلَّا الأَنصار، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ
بَدَيْتُ وبَدَأْتُ، لَمَّا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ كُسِرَتِ الدَّالُ
فَانْقَلَبَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَنَاتِ
الْيَاءِ. وَيُقَالُ: أَبْدَيْتَ فِي مَنْطِقِكَ أَي جُرْتَ مِثْلَ
أَعْدَيْت؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْحَدِيثِ:
السُّلْطانُ ذُو عَدَوان وَذُو بَدَوانٍ
، بِالتَّحْرِيكِ فِيهِمَا، أَي لَا يَزَالُ يَبْدُو لَهُ رأْيٌ
جَدِيدٌ، وأَهل الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ بَدَيْنَا بِمَعْنَى بَدأْنا.
والبَدْوُ والبَادِيَةُ والبَدَاةُ والبَدَاوَة والبِدَاوَةُ: خِلَافُ
الحَضَرِ، وَالنَّسَبُ إِلَيْهِ بَدَوِيٌّ، نَادِرٌ، وبَدَاوِيّ
وبِدَاوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ لأَنه حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إِلَى
البَدَاوَة والبِدَاوَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ
«1» ..... لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ بَدَوِيّ، فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ
البَدَاوِيّ قَدْ يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَى البَدْوِ والبَادِيَةِ
فَيَكُونُ نَادِرًا، قِيلَ: إِذَا أَمكن فِي الشَّيْءِ الْمَنْسُوبِ
أَن يَكُونَ قِيَاسًا وَشَاذَّا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ أَولى
لأَن الْقِيَاسَ أَشيع وأَوسع. وبَدَا القومُ بَدْواً أَي خَرَجُوا
إِلَى بَادِيَتِهِمْ مِثْلَ قَتَلَ قَتْلًا. ابْنُ سِيدَهْ: وبَدَا
القومُ بَدَاءً خَرَجُوا إِلَى الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ لِلْبَادِيَةِ
بَادِيَةٌ لِبُرُوزِهَا وَظُهُورِهَا؛ وَقِيلَ للبَرِّيَّة بَادِيَة
لأَنها ظَاهِرَةٌ بَارِزَةٌ، وَقَدْ بَدَوْتُ أَنا وأَبْدَيْتُ
غَيْرِي. وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته فَقَدْ أَبْدَيْتَه. وَيُقَالُ: بَدَا
لِي شيءٌ أَي ظَهَرَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْبَادِيَةُ اسْمٌ للأَرض
الَّتِي لَا حَضَر فِيهَا، وَإِذَا خَرَجَ الناسُ مِنَ الحَضَر إِلَى
الْمَرَاعِي فِي الصَّحارِي قِيلَ: قَدْ بَدَوْا، والإِسم البَدْوُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَادِيَة خِلَافُ الْحَاضِرَةِ،
وَالْحَاضِرَةُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْضُرون المياهَ وَيَنْزِلُونَ
عَلَيْهَا فِي حَمْراء الْقَيْظِ، فَإِذَا بَرَدَ الزَّمَانُ ظَعَنُوا
عَنْ أَعْدادِ الْمِيَاهِ وبَدَوْا طَلَبًا للقُرْب مِنَ الكَلإِ،
فَالْقَوْمُ حينئذ بَادِيَةٌ بعد ما كَانُوا حَاضِرَةً، وَهِيَ
مَبَادِيهِم جَمْعُ مَبْدًى، وَهِيَ المَناجِع ضِدُّ المَحاضر،
وَيُقَالُ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَبْتَدِي إِلَيْهَا
البادُونَ بَادِيَة أَيضاً، وَهِيَ البَوَادِي، وَالْقَوْمُ أَيضاً
بَوَادٍ جَمْعُ بَادِيَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ بَدَا جَفَا
أَي مَنْ نَزَلَ الْبَادِيَةَ صَارَ فِيهِ جَفاءُ الأَعرابِ. وتَبَدَّى
الرجلُ: أَقام بِالْبَادِيَةِ. وتَبَادَى: تَشَبَّه بأَهل
الْبَادِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَجُوزُ شهادةُ بَدَوِيّ عَلَى صَاحِبِ قَرْية
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا كُرِهَ شَهَادَةُ البَدَوِيّ لِمَا
فِيهِ مِنَ الجَفاء فِي الدِّينِ والجَهالة بأَحكام الشَّرْعِ، ولأَنهم
فِي الْغَالِبِ لَا يَضْبِطُون الشهادةَ عَلَى وَجْهِها، قال: وإليه
__________
(1) . كذا بياض في جميع الأَصول المعتمدة بأيدينا
(14/67)
ذَهَبَ مَالِكٌ، والناسُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذَا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا
أَي خَرَجَ إِلَى البَدْوِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ
يَفْعَل ذَلِكَ ليَبْعُدَ عن الناس ويَخْلُوا بِنَفْسِهِ؛ وَمِنْهُ
الْحَدِيثُ:
أَنه كَانَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاع.
والمَبْدَى: خِلَافُ المَحْضر. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَراد البَدَاوَةَ مَرَّةً
أَي الخروجَ إِلَى الْبَادِيَةِ، وَتُفْتَحُ بَاؤُهَا وَتُكْسَرُ.
وَقَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ:
فإنَّ جارَ البَادِي يَتَحَوَّلُ
؛ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ ومَسْكنه المَضارِبُ
وَالْخِيَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُقِيمٍ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ جارِ
المُقامِ فِي المُدُن، وَيُرْوَى النادِي بِالنُّونِ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
لَا يَبِعْ حاضِرٌ لبَادٍ
، وَهُوَ مَذْكُورٌ مُسْتَوْفى فِي حَضَرَ. وَقَوْلُهُ فِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ
أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ
؛ أَي إِذَا جاءَت الْجُنُودُ والأَحْزاب وَدُّوا أَنهم فِي
الْبَادِيَةِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي
رَبِيعِهِمْ، وإلَّا فَهُمْ حُضَّارٌ عَلَى مِيَاهِهِمْ. وقوم بُدَّا
وبُدَّاءٌ: بادونَ؛ قَالَ:
بحَضَرِيّ شاقَه بُدَّاؤُه، ... لَمْ تُلْهه السُّوقُ وَلَا كلاؤُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ ابْنِ أَحمر:
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً، ... وبَدْواً لَهُمْ
حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا
فَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِجَمْعِ بَادٍ كَرَاكِبٍ ورَكْبٍ، قَالَ:
وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ البَدَاوَة الَّتِي هِيَ خِلَافُ
الحَضارة كأَنه قَالَ وأَهْلَ بَدْوٍ. قَالَ الأَصمعي: هِيَ البِدَاوة
والحَضارة بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ؛ وأَنشد:
فمَن تكُنِ الحَضارةُ أَعْجَبَتْه، ... فأَيَّ رجالِ بَادِيَةٍ تَرانا؟
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ البَدَاوَة والحِضارة، بِفَتْحِ الْبَاءِ
وَكَسْرِ الْحَاءِ. وَالْبَدَاوَةُ: الإِقامة فِي الْبَادِيَةِ،
تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، وَهِيَ خِلَافُ الحِضارة. قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا
أَعرف البَدَاوَة، بِالْفَتْحِ، إِلَّا عَنْ أَبي زَيْدٍ وَحْدَهُ،
وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بَدَاوِيّ. أَبو حَنِيفَةَ: بَدْوَتا
الْوَادِي جَانِبَاهُ. وَالْبِئْرُ البَدِيُّ: الَّتِي حَفَرَهَا
فَحُفِرَتْ حَديثَةً وَلَيْسَتْ بعاديَّة، وَتُرِكَ فِيهَا الْهَمْزُ
فِي أَكثر كَلَامِهِمْ. والبَدَا، مَقْصُورٌ: مَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِ
الرَّجُلِ؛ وبَدَا الرجلُ: أَنْجَى فَظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَيُقَالُ
لِلرَّجُلِ إِذَا تغَوَّط وأَحدث: قَدْ أَبْدَى، فَهُوَ مُبْدٍ، لأَنه
إِذَا أَحدث بَرَزَ مِنَ الْبُيُوتِ وَهُوَ مُتَبَرِّز أَيضاً.
والبَدَا مَفْصِلُ الإِنسان، وَجَمْعُهُ أَبْدَاءٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي
الْهَمْزِ. أَبو عَمْرٍو: الأَبْدَاءُ المَفاصِل، وَاحِدُهَا بَداً،
مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَيضاً بِدْءٌ، مهموز، تقديره بِدْعٌ، وَجَمْعُهُ
بُدُوءٌ عَلَى وَزْنِ بُدُوع. والبَدَا: السَّيِّدُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي
الْهَمْزِ. والبَدِيُّ ووادِي البَدِيِّ: مَوْضِعَانِ. غَيْرُهُ:
والبَدِيُّ اسْمُ وَادٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
جَعَلْنَ جراجَ القُرْنَتَيْن وَعَالِجًا ... يَمِينًا، ونَكَّبْنَ
البَدِيَّ شَمائلا
وبَدْوَةُ: ماءٌ لَبَنِي العَجْلانِ. قَالَ: وَبَدَا اسْمُ مَوْضِعٍ.
يُقَالُ: بَيْنَ شَغْبٍ وبَداً، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالأَلف؛ قَالَ
كثيِّر:
وأَنْتِ الَّتِي حَبَّبتِ شَغباً إِلَى ... بَداً إليَّ، وأَوطاني
بلادٌ سِوَاهُمَا
وَيُرْوَى: بَدَا، غَيْرَ مُنَوَّنٍ. وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ بَدَا
بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ قُرْبَ
وَادِي القُرَى، كَانَ بِهِ مَنْزِلُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْعَبَّاسِ
(14/68)
وأَولاده، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والبَدِيُّ: الْعَجَبُ؛ وأَنشد:
عَجِبَتْ جارَتي لشَيْبٍ عَلاني، ... عَمْرَكِ اللهُ هَلْ رأَيتِ
بَدِيَّا؟
بذا: البَذاء، بِالْمَدِّ: الفُحْش. وَفُلَانٌ بَذِيُّ اللِّسَانِ،
والمرأَة بَذِيَّةٌ، بَذُوَ بَذَاءً فَهُوَ بَذِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي الْهَمْزِ، وبَذَوْتُ عَلَى الْقَوْمِ وأَبْذَيْتُهم وأَبْذَيْتُ
عَلَيْهِمْ: مِنَ البَذاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ؛ وأَنشد
الأَصمعي لِعَمْرِو بْنِ جَميلٍ الأَسَدِيّ:
مِثْلُ الشُّيَيْخ المُقْذَحِرِّ البَاذِي، ... أَوفَى عَلَى رَباوَةٍ
يُبَاذِي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْمُصَنَّفِ بَذَوْتُ عَلَى الْقَوْمِ
وأَبْذَيْتهم؛ قَالَ آخَرُ:
أُبْذي إِذَا بُوذِيتُ مِنْ كَلْبٍ ذَكَرْ
وَقَدْ بَذُوَ الرجلُ يَبْذُو بَذاءً، وأَصله بَذَاءَةً فحذِفت
الْهَاءُ لأَن مَصَادِرَ الْمَضْمُومِ إِنَّمَا هِيَ بِالْهَاءِ،
مِثْلَ خَطُبَ خَطابة وصَلُب صَلابة، وَقَدْ تُحْذَفُ مِثْلُ جَمُل
جَمالًا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَذَاوَةً، بِالْوَاوِ،
لأَنه مَنْ بَذُوَ، فأَما بَذَاءَة بِالْهَمْزِ فَإِنَّهَا مَصْدَرُ
بَذُؤَ، بِالْهَمْزِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وباذَأْتُه وبَاذَيْتُه أَي
سافَهْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
البَذاءُ مِنَ الجَفاء
؛ البَذَاءُ، بِالْمَدِّ: الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: بَذَتْ عَلَى أَحمائها وَكَانَ فِي
لِسَانِهَا بعضُ البَذَاءِ
؛ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذَا الهمزُ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ.
وبَذَا الرجلُ إِذَا سَاءَ خُلقه. وبَذْوَةُ: اسْمُ فَرَسٍ؛ عَنِ ابْنِ
الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَا أُسْلِمُ الدهرَ رأْسَ بَذْوَةَ، أَو ... تلْقَى رجالٌ كأَنها
الخُشُبُ
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَذْوَةُ فَرَسُ عَبَّاد بْنِ خَلَف، وَفِي
الصِّحَاحِ: بَذْوُ اسْمُ فرسِ أَبي سِراج؛ قَالَ فِيهِ:
إنَّ الجِيادَ عَلَى العِلَّاتِ مُتْعَبَةٌ، ... فإنْ ظلمناكَ بَذْوُ
الْيَوْمِ فاظَّلِمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّوَابُ بَذْوَةُ اسْمُ فَرَسِ أَبي سُواج،
قَالَ: وَهُوَ أَبو سُواج الضَّبِّيُّ، قَالَ: وَصَوَابُ إِنْشَادِ
الْبَيْتِ: فَإِنْ ظلمناكِ بَذْوَ، بِكَسْرِ الْكَافِ، لأَنه يُخَاطِبُ
فَرَسًا أُنثى وَفَتْحُ الْوَاوِ عَلَى التَّرْخِيمِ وَإِثْبَاتِ
الْيَاءِ فِي آخِرِهِ فاظَّلِمِي؛ ورأَيت حَاشِيَةً فِي أَمالي ابْنِ
بَرِّيٍّ مَنْسُوبَةً إِلَى مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ للمَرْزُبانيِّ
قَالَ: أَبو سُواج الضَّبِّيُّ اسْمُهُ الأَبيض، وَقِيلَ: اسْمُهُ
عَبَّاد بْنُ خَلَفٍ أَحد بَنِي عَبْدِ مَناة بْنِ بَكْرِ بْنِ سَعْدٍ
جَاهِلِيٌّ، قَالَ: سابقَ صُرَدَ بْنَ حَمْزَةَ بْنِ شَدَّادٍ
اليربوعيَّ وَهُوَ عَمُّ مَالِكٍ ومُتَمِّمٍ ابْنِي نُوَيْرَة
الْيَرْبُوعِيُّ، فَسَبَقَ أَبو سُواج عَلَى فَرَسٍ لَهُ تُسَمَّى
بَذْوَة، وفرسُ صُرَدَ يُقَالُ لَهُ القَطيبُ، فَقَالَ سُواج فِي
ذَلِكَ:
أَلم ترَ أَنَّ بَذْوَةَ إذْ جَرَيْنا، ... وجَدَّ الجِدُّ منَّا
والقَطِيبا،
كأَنَّ قَطِيبَهم يَتْلُو عُقاباً، ... عَلَى الصَّلْعاءِ، وَازِمَةً
طَلُوبا
الوَزِيمُ: قِطَعُ اللَّحْمِ. والوازِمةُ: الْفَاعِلَةُ للشَّيء،
فشَريَ الشَّرُّ بَيْنَهُمَا إِلَى أَن احْتَالَ أَبو سُواج عَلَى
صُرَدَ فَسَقَاهُ مَنيَّ عَبْدِه فانتفَخَ وَمَاتَ؛ وَقَالَ أَبو سُواج
فِي ذَلِكَ:
حَأحِىءْ بيَرْبُوعَ إِلَى المَنِيِّ، ... حَأْحَأَةً بالشارِقِ الحصيِ
فِي بَطْنه حاريه الصبيِّ، ... وشَيْخِها أَشْمَطَ حَنْظَليِّ «2» .
__________
(2) . قوله [حاريه الصبي] كذ بالأصل بدون نقط
(14/69)
فَبَنُو يَرْبُوعَ يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ،
وَقَالَتِ الشُّعَرَاءُ فِيهِ فأَكثروا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الأَخطل:
تَعِيبُ الخَمْرَ، وَهِيَ شرابُ كِسْرَى، ... ويشرَبُ قومُك العَجَبَ
العَجِيبا
مَنيّ العبدِ، عَبْدِ أَبي سُواجٍ، ... أَحَقُّ مِنَ المُدامَةِ أَن
تَعِيبا
بري: بَرَى العُودَ والقَلم والقِدْحَ وَغَيْرَهَا يَبْرِيه بَرْياً:
نَحَتَه. وابْتَرَاه: كبَراه، قَالَ طَرَفة:
مِنْ خُطوبٍ، حَدَثَتْ أَمْثالُها، ... تَبْتَرِي عُودَ القَوِيِّ
المُسْتَمِرّ
وَقَدِ انْبَرَى. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: هُوَ يَبْرُو القَلم، وَهُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ يَقْلُو البُرَّ، قال: برو
بَرَوْتُ العُود والقلم برو
بَرْواً لُغَةٌ فِي بَرَيْتُ، وَالْيَاءُ أَعلى. والمِبْرَاةُ:
الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُبْرَى بِهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
وأَنتَ فِي كَفِّكَ المِبْرَاةُ والسَّفَنُ
والسَّفَنُ: مَا يُنْحَتُ بِهِ الشَّيْءُ، وَمِثْلُهُ قول جَنْدَل
الطُّهَوِيِّ:
إِذ صَعِد الدَّهرُ إِلَى عِفْرَاتِه، ... فاجْتاحها بِشَفْرَتَيْ
مِبرَاتِه
وَسَهْمٌ بَرِيٌّ: مَبْرِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَامِلُ البَرْيِ.
التَّهْذِيبُ: البَرِيُّ السَّهْمُ المَبْرِيّ الَّذِي قَدْ أُتِمَّ
بَرْيه وَلَمْ يُرَشْ وَلَمْ يُنْصَلْ، والقِدْحُ أَولَ مَا يُقْطَع
يُسَمَّى قِطْعاً، ثُمَّ يُبْرَى فَيُسَمَّى بَرِيّاً، فإِذا قُوِّمَ
وأَبى لَهُ أَن يُراشَ وأَن يُنْصَل فَهُوَ القِدْحُ، فَإِذَا رِيشَ
ورُكّبَ نَصْلُه صَارَ سَهْماً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جُحَيْفة: أَبْرِي النَّبلَ وأَرِيشُها
أَي أَنْحَتها وأُصلحها وأَعمل لَهَا رِيشًا لِتَصِيرَ سِهَامًا
يُرْمَى بِهَا. والبَرَّاءَةُ والمِبْرَاةُ: السِّكِّينُ تُبْرى بِهَا
القَوْسُ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وبَرى يَبْري بَرْياً إِذا نَحَتَ،
وَمَا وَقَعَ مِمَّا نُحِتَ فَهُوَ بُرَايَة. والبُرَايَة: النَّحاتة
وَمَا بَرَيْتَ مِنَ العُود. ابْنُ سِيدَهْ: والبُرَاء النُّحاتة،
قَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
ذَهَبَتْ بَشَاشَتُه وأَصْبَحَ واضِحاً، ... حَرِقَ المَفارِقِ
كالبُرَاءِ الأَعْفر
أَيِ الأَبيضِ. والبُرَايَة: كالبُرَاء. قَالَ ابْنُ جِنِّي: هَمْزَةُ
البُرَاء مِنَ الْيَاءِ لِقَوْلِهِمْ فِي تأْنيثه البُرَايَةُ، وَقَدْ
كَانَ قِيَاسُهُ، إذ كَانَ لَهُ مُذَكَّرٌ، أَن يُهْمَزَ فِي حَالِ
تأْنيثه فَيُقَالُ بُراءَة، أَلا تَرَاهُمْ لما جاؤوا بِوَاحِدِ
العَظاء وَالْعَبَاءِ عَلَى مُذَكَّرِهِ قَالُوا عَظَاءَة وعَبَاءة،
فَهَمَزُوا لَمَّا بَنَوُا المؤنثَ عَلَى مُذَكَّرِهِ وَقَدْ جَاءَ
نحوَ البُرَاءِ والبُرَايَةِ غَيْرُ شَيْءٍ، قَالُوا الشَّقَاءُ
والشَّقَاوَة وَلَمْ يَقُولُوا الشَّقاءَة، وَقَالُوا ناوِيَةٌ
بَيِّنَةُ النَّواءِ وَلَمْ يَقُولُوا النَّواءَةِ، وَكَذَلِكَ
الرَّجاءُ والرَّجَاوَة، وَفِي هَذَا وَنَحْوَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَن
ضَرْبًا مِنَ الْمُؤَنَّثِ قَدْ يُرْتَجَلُ غيرَ مُحتَذًى بِهِ
نَظِيرُهُ مِنَ الْمُذَكَّرِ، فَجَرَتِ البُراية مَجْرى التَّرْقُوَةِ
وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ مِنَ الْمُذَكَّرِ فِي لَفْظٍ وَلَا وَزْنٍ.
وَهُوَ مِنْ بُرَايَتِهم أَي خُشارَتِهم. ومَطَر ذُو بُرَايَة: يَبْرِي
الأَرض ويَقْشِرُها. والبُرَايَة: الْقُوَّةُ. وَدَابَّةٌ ذَاتُ
بُرَايَة أَي ذَاتُ قُوَّةٍ عَلَى السَّيْرِ، وَقِيلَ: هِيَ قَوِيَّةٌ
عِنْدَ بَرْي السَّيْرِ إِياها. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِلْبَعِيرِ
إِذا كَانَ بَاقِيًا عَلَى السَّيْرِ إِنه ذُو بُرَايَة، وَهُوَ
الشَّحْمُ وَاللَّحْمُ. وَنَاقَةٌ ذَاتُ بُرَايَة أَي شَحْمٍ وَلَحْمٍ،
وَقِيلَ: ذَاتُ بُرَايَة أَيْ بَقاء عَلَى السَّيْرِ. وَبَعِيرٌ ذُو
بُرَايَة أَي باقٍ عَلَى السَّيْرِ فَقَطْ، قَالَ الأَعْلَم الهُذَليّ:
عَلَى حَتِّ البُرَايَةِ زَمْخَزِيِّ السَّواعِدِ، ... ظَلَّ فِي
شَرْيٍ طِوالِ
يَصِفُ ظَلِيماً. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ
بُرَايَتُهُما
(14/70)
بَقِيَّةُ بدَنَهِما وَقُوَّتِهِمَا.
وبَرَاه السفَر يَبْرِيهِ بَرْياً: هَزَلَهُ، عَنْهُ أَيضاً، قَالَ
الأَعشى:
بأَدْمَاءَ حُرْجُوجٍ بَرَيتُ سَنَامَها ... بِسَيْرِي عليها، بعد ما
كَانَ تامِكا
وبَرَيْتُ الْبَعِيرَ إِذا حَسَرْتَهُ وأَذهبت لَحْمَهُ. وَفِي حَدِيثِ
حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّة: أَنها خَرَجَتْ فِي سَنَةٍ حَمْرَاء قَدْ
بَرَتِ المالَ
أَي هَزَلَتِ الإِبلَ وأَخذتْ مِنْ لَحْمِهَا، مِنَ البَرْيِ القَطْعِ،
وَالْمَالُ فِي كَلَامِهِمْ أَكثر مَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى الإِبل.
والبُرَةُ: الخَلْخال، حَكَّاهُ ابْنُ سِيدَهْ فِيمَا يُكْتَبُ
بِالْيَاءِ، وَالْجَمْعُ بُرَاتٌ وبُرًى وبُرِينَ وبِرِينَ. والبُرَة:
الحَلْقَة فِي أَنف الْبَعِيرِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ
الْحَلْقَةُ مِنْ صُفْرٍ أَو غَيْرِهِ تُجْعَلُ فِي لَحْمِ أَنف
الْبَعِيرِ، وَقَالَ الأَصمعي: تُجْعَلُ فِي أَحد جَانِبَيِ
المَنْخَرين، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ عَلَى مَا يَطْرُدُ فِي هَذَا
النَّحْوِ. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِي الإِيضاح: برو
بَرْوَة وبُرًى، وَفَسَّرَهَا بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا نَادِرٌ.
وبُرَةٌ برو
مَبْرُوَّة أَي مَعْمُولَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ
أَصل البُرَة بَرْوَةٌ لأَنها جُمِعَتْ عَلَى بُرًى مِثْلَ قَرْيةٍ
وقُرًى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يَحْكِ برو
بَرْوَةً فِي بُرَةٍ غَيْرَ سِيبَوَيْهِ، وَجَمْعُهَا بُرًى،
وَنَظِيرُهَا قَرْية وقُرًى، وَلَمْ يَقُلْ أَبو عَلِيٍّ إِن أَصل
بُرَةٍ بَرْوَةٌ لأَن أَوّل بُرَةٍ مَضْمُومٌ وأَول بَرْوَة مَفْتُوحٌ،
وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى أَن لَامَ بُرَةٍ وَاوٌ بقولهم برو
بَرْوَة لُغَةً فِي بُرَة. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهدى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
جَمَلًا كَانَ لأَبي جَهْلٍ فِي أَنفه بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، يَغِيظ
بذلك المشركين.
وبرو
بَرَوْتُ النَّاقَةَ وأَبْرَيْتُها: جَعَلْتُ فِي أَنفها بُرَةً، حَكَى
الأَول ابْنُ جِنِّي. وَنَاقَةٌ مُبْرَاة: فِي أَنفها بُرَةٌ، وَهِيَ
حَلْقة مِنْ فِضَّةٍ أَو صُفْر تُجْعَلُ فِي أَنفها إِذَا كَانَتْ
دَقِيقَةً معطوفةَ الطَّرَفَيْنِ، قَالَ: وَرُبَّمَا كَانَتِ البُرَةُ
مِنْ شَعَرٍ فَهِيَ الخُزَامَةُ، قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْديُّ:
فَقَرَّبْتُ مُبْرَاةً، تَخالُ ضُلُوعَها ... مِنَ المَاسِخِيَّاتِ
القِسِيّ المُوَتَّرا
وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ سُحَيْم: إِن صَاحِبًا لَنَا رَكِبَ نَاقَةً لَيْسَتْ
بِمُبْرَاةٍ فَسَقَطَ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ
، أَي لَيْسَ فِي أَنفها بُرَة. يُقَالُ: أَبْرَيْتُ الناقةَ فَهِيَ
مُبْرَاة. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ خَشَشْتُ الناقةَ وعَرَنْتُها
وخَزَمْتُها وزَمَمْتُها وخَطَمْتُها وأَبْرَيْتُها، هَذِهِ وَحْدُهَا
بالأَلف، إِذَا جعلتَ فِي أَنفها البُرة. وكلُّ حَلْقة مِنْ سِوار
وقُرْط وخَلْخال وَمَا أَشبهها بُرَةٌ، وَقَالَ:
وقَعْقَعْنَ الخَلاخِلَ والبُرِينَا
والبَرى: التُّراب. يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: بفِيهِ
البَرَى، كَمَا يُقَالُ بفِيه الترابُ. وَفِي الدُّعَاءِ: بفِيهِ
البَرَى وحُمَّى خَيْبَرا وشَرُّ مَا يُرى فإِنه خَيْسَرى، زَادُوا
الأَلف فِي خَيْبَرَ لِمَا يُؤْثِرُونَهُ مِنَ السَّجْعِ، وَقَدْ
ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ الثرَى والوَرَى والبَرَى
، البَرَى: الترابُ. الْجَوْهَرِيُّ: البَرِيَّة الخلْقُ، وأَصله
الْهَمْزُ، وَالْجَمْعُ البَرَايا والبَرِيَّاتُ، تَقُولُ مِنْهُ: برو
بَرَاه الله برو
يَبْرُوه برو
بَرْواً أَي خلَقه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَن أَصل
البَرِيَّةِ الهمزُ قَوْلُهُمُ البَرِيئَةُ، بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ،
حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ لُغَةً فِيهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ:
البَرِيَّة الْخَلْقُ، بِلَا هَمْزٍ، إِن أُخذت مِنَ البَرَى وَهُوَ
التُّرَابُ فأَصله غَيْرُ الْهَمْزِ، وأَنشد لمُدْرِكِ بْنِ حِصْنٍ
الأَسَدِيّ:
مَاذَا ابْتَغَتْ حُبَّى إِلَى حَلِّ العُرى، ... حَسِبْتنِي قَدْ
جِئْتُ مِنْ وادِي القُرَى،
(14/71)
بفِيك، مِنْ سارٍ إِلى القومِ، البَرَى
أَي التُّرَابُ. والبَرَى والوَرَى وَاحِدٌ. يُقَالُ: هُوَ خَيْرُ
الوَرَى والبَرَى أَي خَيْرُ البَرِيَّة، والبَرِيَّةُ الخَلْق،
وَالْوَاوُ تُبْدَلُ مِنَ الْبَاءِ، يُقَالُ: باللَّه لَا أَفعل، ثُمَّ
قَالُوا واللَّه لَا أَفعل، وَقَالَ: الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْبَاءِ فِي
الْيَمِينِ باللَّه مَا فَعَلْتُ إِضمار أَحلف يُرِيدُ أَحلف باللَّه،
قَالَ: وَإِذَا قُلْتَ واللَّه لَا أَفعل ذَاكَ ثُمَّ كَنَيْتَ عَنِ
اللَّه قُلْتَ بِهِ لَا أَفعل ذَلِكَ، فتركتَ الْوَاوَ ورجعتَ إِلَى
الْبَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا
خَيْرَ البَرِيَّةِ
، البَرِيَّةُ: الْخَلْقُ. تقول: برو
بَرَاهُ اللَّه برو
يَبْرُوه برو
بَرْواً أَي خَلَقَهُ اللَّه، ويُجْمَعُ عَلَى البَرَايا والبَرِيَّات
مِنَ البَرَى التُّرَابِ، هَذَا إِذا لَمْ يُهْمَزْ، وَمَنْ ذَهَبَ
إِلى أَن أَصله الْهَمْزُ أَخذه مِنْ بَرَأَ اللَّه الْخَلْقَ
يَبْرَؤُهم أَي خَلَقهم ثُمَّ تَرَكَ فِيهَا الْهَمْزَ تَخْفِيفًا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَهْمُوزَةً. وبَرَى لَهُ
يَبْرِي بَرْياً وانْبَرَى: عَرَضَ لَهُ. وَبَارَاهُ: عارَضَه.
وبَارَيْتُ فُلَانًا مُبَارَاة إِذا كُنْتَ تَفْعَلُ مِثْلَ مَا
يَفْعَلُ. وَفُلَانٌ يُبَارِي الريحَ سَخاءً، وَفُلَانٌ يُبارِي
فُلَانًا أَي يُعَارِضُهُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ فَعَلَهُ، وَهُمَا
يَتَبَارَيَانِ. وانْبَرَى لَهُ أَي اعتَرَض لَهُ. وَيُقَالُ:
تَبَرَّيْتُ لِفُلَانٍ إِذا تَعَرَّضْتُ لَهُ، وتَبَرَّيْتُهم
مِثْلَهُ. وبَرَيْتُ الناقةَ حَتَّى حَسَرْتُها فأَنا أَبْرِيها
بَرْياً مِثْلَ بَرْيِ الْقَلَمِ، وبَرَى لَهُ يَبْرِي بَرْياً إِذا
عَارَضَهُ وَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ، وَمِثْلَهُ انْبَرَى لَهُ.
وَهُمَا يَتَبَارِيَان إِذا صَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَا صَنَعَ
صَاحِبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ طَعَامِ المُتَبَارِيَيْن أَن يُؤْكَلَ
، هُمَا الْمُتَعَارِضَانِ بِفِعْلِهِمَا ليُعَجِّزَ أَحدُهما الْآخَرَ
بِصَنِيعِهِ، وإِنما كَرَّهَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَاهَاةِ
وَالرِّيَاءِ، وَمِنْهُ شِعْرُ حَسَّانَ:
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ، ... عَلَى أَكْتافِها الأَسَلُ
الظِّمَاءُ
المُبَارَاة: المُجاراة وَالْمُسَابَقَةُ أَي يُعَارِضْنَها فِي
الجَذْب لِقُوَّةِ نفوسها وقوة رؤوسها وعَلْكِ حَدائدها، وَيَجُوزُ أَن
يُرِيدَ مُشابَهَتَها لَهَا فِي اللِّين وسُرعة الِانْقِيَادِ.
وتَبَرَّى معروفَهُ ولمعروفِهِ تَبَرِّياً: اعْتَرَضَ لَهُ، قَالَ
خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْر وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ إِلَى أَبي
الطَّمَحان:
وأَهْلَةِ وُدٍّ قَدْ تَبَرَّيْتُ وُدَّهُمْ، ... وأَبْلَيْتُهم في
الحَمْدِ جُهْدِي ونائِلي
والبارِيُّ والبَارِياءُ: الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ، وَقِيلَ
الطَّرِيقُ، فَارِسِيٌّ مُعَرِّبٌ. وبَرَى: اسْمُ مَوْضِعٍ، قَالَ
تأَبط شَرًّا:
ولَمَّا سَمِعْتُ العُوصَ تَرْغُو، تَنَفَّرَتْ ... عَصافيرُ رأْسِي
مِنْ بَرَىً فعَوائنا
بزا: بَزْوُ الشَّيْءِ: عِدْلُه. يُقَالُ: أَخذت مِنْهُ بَزْوَ كَذَا
وَكَذَا أَي عِدْلَ ذَلِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. والبَازِي: وَاحِدُ
البُزَاةِ الَّتِي تَصِيدُ، ضَربٌ مِنَ الصُّقور. قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: قَالَ الْوَزِيرُ بازٍ وبازٌ وبَأْزٌ وبازِيّ عَلَى حَدِّ
كُرْسِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ بَوَازٍ وبُزَاةٌ. وبَزَا
يَبْزُو: تَطاوَلَ وتَأَنَّسَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنْ
الْبَازَ فَلْعٌ مِنْهُ. التَّهْذِيبُ: والبَازِي يَبْزُو فِي تَطاوُله
وتأَنُّسِه. والبَزاءُ: انْحِنَاءُ الظَّهْرِ عِنْدَ العَجُزِ فِي أَصل
القَطَنِ، وَقِيلَ: هُوَ إشرافُ وَسَطِ الظَّهْرِ عَلَى الاسْتِ،
وَقِيلَ: هُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ وَدُخُولُ الظَّهْرِ، وَقِيلَ: هُوَ
أَن يتأَخر العَجُز ويخرُج. بَزِيَ وبَزَا يَبْزُو، وَهُوَ أَبْزَى،
والأُنثى بَزْوَاء: لِلَّذِي خَرَجَ صَدْرُهُ وَدَخَلَ ظَهْرُهُ؛ قَالَ
كثيِّر:
(14/72)
رَأَتْني كأَشْلاء اللِّحامِ وبَعْلُها،
... مِنَ الحَيِّ، أَبْزى مُنْحَنٍ مُتَباطِنُ
وَرُبَّمَا قِيلَ: هُوَ أَبْزَى أَبْزَخ كَالْعَجُوزِ البَزَواءِ
والبَزْخاء الَّتِي إِذَا مَشَتْ كأَنها رَاكِعَةٌ وَقَدْ بَزِيَتْ
بَزىً؛ وأَنشد:
بَزْوَاءُ مُقْبِلةً بَزْخاءُ مُدْبِرَةً، ... كأَنَّ فَقْحَتَها زِقٌّ
بِهِ قارُ
والبَزْوَاءُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُخْرِجُ عجيزتَها لِيَرَاهَا
النَّاسُ. وأَبْزَى الرجلُ يُبْزِي إبْزَاءً إِذَا رَفَعَ عَجُزَه،
وتَبَازَى مِثْلُهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الأَبْزَى قَوْلُ
الرَّاجِزِ:
أَقْعَس أَبْزَى فِي اسْتِه تأْخيرُ
وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَير: لَا تُبَازِ كتَبَازِي المرأَةِ
؛ التَّبَازي أَن تُحَرِّكَ العَجُز فِي الْمَشْيِ، وَهُوَ مِنَ
البَزَاء خُرُوجُ الصَّدْرِ وَدُخُولِ الظَّهْرِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ
فِيمَا قِيلَ: لَا تَنْحَنِ لكل أَحد. وتَبَازَى: اسْتَعْمَلَ
البَزاءَ؛ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ:
سَائِلَا مَيَّةَ هَلْ نَبَّهْتُها، ... آخِرَ الليلِ، بعَرْدٍ ذِي
عُجَرْ فتَبَازَتْ،
فتَبَازَخْتُ لَهَا، ... جِلْسةَ الجازِرِ يَسْتَنْجِي الوَتَرْ
وتَبَازَتْ أَي رَفَعَتْ مُؤَخِّرها. التَّهْذِيبُ: أَما البَزَاءُ
فكأَنَّ العَجُز خَرَجَ حَتَّى أَشرف عَلَى مؤَخر الْفَخْذَيْنِ،
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: والبَزَا أَن يَسْتَقْدِم الظهرُ ويستأْخر
العَجُزُ فَتَرَاهُ لَا يَقْدِرُ أَن يُقِيمَ ظَهْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ
السِّكِّيتِ: البَزَا أَن تُقْبِلَ العَجيزة. وَقَدْ تَبَازَى إِذَا
أَخرج عَجِيزَتَهُ والتَّبَزِّي: أَن يستأْخر الْعَجُزُ وَيَسْتَقْدِمَ
الصَّدْرُ. وأَبْزَى الرجلُ: رَفَعَ مُؤخَّرَه؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
لَوْ كَانَ عَيناك كَسَيْلِ الرَّاوِيَهْ، ... إِذًا لأَبْزَيت بمَنْ
أَبْزَى بِيَهْ
أَبو عَبِيدٍ: الإِبْزَاءُ أَن يَرْفَعَ الرجلُ مُؤَخَّرَهُ. يُقَالُ:
أَبْزَى يُبْزِي. والتَّبَازِي: سعَةُ الخَطْو. وتَبَازَى الرَّجُلُ:
تكثَّر بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ. ابْنُ الأَعرابي: البَزَا الصَّلَفُ.
وبَزَاه بَزْواً وأَبْزَى بِهِ: قَهَرَه وبَطَش بِهِ؛ قَالَ:
جارِي ومَوْلايَ لَا يُبْزَى حَرِيمُهُما، ... وصاحبِي مِنْ دَواعِي
الشَّرِّ مُصْطَخِبُ
وأَما قَوْلُ أَبي طَالِبٍ يُعَاتِبُ قُرَيْشًا فِي أَمر سَيِّدِنَا
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَمْدَحُهُ:
كذَبْتُم، وحَقِّ اللهِ، يُبْزَى محمدٌ ... وَلَمَّا نُطاعِنْ دُونه
ونُناضِل
قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ يُقْهَر ويُسْتَذَلّ؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ
بَابِ ضَرَرْتُه وأَضْرَرْتُ بِهِ، وَقَوْلُهُ يُبْزَى أَي يُقْهر
وَيُغْلَبُ، وأَراد لَا يُبْزَى فَحَذْفَ لَا مِنْ جَوَابِ الْقِسْمِ
وَهِيَ مُرَادُهُ أَي لَا يُقْهَرُ وَلَمْ نُقاتل عَنْهُ ونُدافع.
ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ البُزَةُ الفأْر والذَّكَرُ
أَيضاً. والبَزْوُ: الغَلَبةُ والقَهْرُ، وَمِنْهُ سُمِّي البَازِي؛
قَالَ الأَزهري: قَالَهُ المؤرج؛ وَقَالَ الجَعْديّ:
فَمَا بَزِيَتْ مِنْ عُصْبَةٍ عامِرِيَّةٍ ... شَهِدْنا لَهَا، حتَّى
تَفُوزَ وتَغْلِبا
أَي مَا غَلَبَتْ. وأَبْزَى فُلَانٌ بِفُلَانٍ إِذَا غَلبه وَقَهَرَهُ.
وَهُوَ مُبْزٍ بِهَذَا الأَمر أَي قويٌّ عَلَيْهِ ضَابِطٌ لَهُ.
وبُزِيَ بِالْقَوْمِ: غُلِبُوا. وبَزَوْتُ فُلَانًا: قَهَرْتُهُ.
والبَزَوَانُ، بِالتَّحْرِيكِ: الوَثْبُ. وبَزْوَانُ، بِالتَّسْكِينِ:
اسْمُ رَجُلٍ. والبَزْوَاء: اسْمُ أَرض؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
(14/73)
لَا بَأْس بالبَزْوَاءِ أَرْضاً لَوْ
أنَّها ... تُطَهَّرُ مِنْ آثارِهم فَتَطِيبُ
ابْنُ بَرِّيٍّ: البَزْوَاء، فِي شِعْرِ كُثَيِّرٍ: صَحْرَاءُ بَيْنَ
غَيْقَةَ وَالْجَارِ شَدِيدَةُ الْحَرِّ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَوْلَا الأَماصِيخُ وحَبُّ العِشْرِقِ، ... لَمُتّ بالبَزْوَاء مَوْتَ
الخِرْنِقِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَا يَقْطَعُ البَزْوَاءَ إِلَّا المِقْحَدُ، ... أَو ناقةٌ سَنامُها
مُسَرْهَدُ
بسا: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي البَسِيَّةُ المرأَة الآنِسَة
بِزَوْجِهَا.
بشا: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي بَشَا إِذَا حَسُنَ خُلُقُه.
بصا: مَا فِي الرَّماد بَصْوَةٌ أَي شَرَرَة وَلَا جَمْرَة. وبَصْوَة:
اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ أَوس بْنُ حُجْر:
مِن ماءِ بَصْوَةَ يَوْمًا وَهُوَ مَجْهورُ
الْفَرَّاءُ: بَصَا إِذَا اسْتَقْصَى عَلَى غَرِيمِهِ. أَبو عَمْرٍو:
البِصَاءُ أَن يَسْتَقْصِي الخِصاءَ، يُقَالُ مِنْهُ: خَصِيٌّ بَصِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: خَصِيٌّ بَصِيٌّ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ
وَلَمْ يُفَسِّرْ بَصِيّاً، قَالَ: وأُراه إِتْبَاعًا. وَقَالَ: خَصاه
اللهُ وبَصاه ولَصاه.
بضا: ابْنُ الأَعرابي: بَضَا إذا أَقام بالمكان.
بطا: حَكَى سِيبَوَيْهِ البِطْيَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا عِلْمَ
لِي بِمَوْضِعِهَا إِلَّا أَن يَكُونَ أَبْطَيْت لُغَةً فِي أَبْطَأْتُ
كاحْبَنْطَيْتُ فِي احْبَنْطَأْتُ، فَتَكُونُ هَذِهِ صِيغَةَ الْحَالِ
مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَدَلِ لأَن ذَلِكَ نَادِرٌ.
والبَاطِيَةُ: إِنَاءٌ قِيلَ هُوَ معرَّب، وَهُوَ النَّاجُودُ؛ قَالَ
الشَّاعِرُ:
قَرَّبُوا عُوداً وبَاطِيَةً، ... فَبِذا أَدْرَكْتُ حَاجَتِيَهْ
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: البَاطِيَةُ النَّاجُودُ؛ قَالَ: وأَنشد أَبو
حَنِيفَةَ:
إِنَّمَا لِقْحَتُنا بَاطِيَةٌ ... جَوْنَةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُها
التَّهْذِيبُ: البَاطِيةُ مِنَ الزُّجَاجِ عَظِيمَةٌ تُمْلأ مِنَ
الشَّرَابِ وَتُوضَعُ بَيْنَ الشَّرْبِ يَغْرِفُونَ مِنْهَا ويَشرَبون،
إِذَا وُضِعَ فِيهَا القَدَحُ سَحَّتْ بِهِ ورَقَصَتْ مِنْ عِظَمِها
وَكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَابِ؛ وَإِيَّاهَا أَراد حَسَّان
بِقَوْلِهِ:
بزُجاجةٍ رَقَصَتْ بِمَا فِي قَعْرِها، ... رَقْص القَلُوصِ براكبٍ
مُسْتَعْجِلِ
بظا: بَظا لَحْمُه يَبْظُو: كَثُرَ وتراكَبَ واكْتَنَزَ. ولَحْمُه
خَظَا بَظَا: إتباعٌ، وأَصله فَعَلٌ. ابْنُ الأَعرابي: البَظَا
اللَّحَماتُ المُتراكِبات. الْفَرَّاءُ: خَظا لَحْمُه وبَظَا، بِغَيْرِ
هَمْزٍ، إِذَا اكْتَنَزَ، يَخظُو ويَبْظُو. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَظَا
لَحَمَهُ يَبْظُو بَظْواً؛ وأَنشد غَيْرُهُ للأَغلب:
خَاظِي البَضِيعِ لَحْمهُ خَظَا بَظَا
قَالَ: جَعَلَ بَظا صِلَةً لَخَظَا، كَقَوْلِهِمْ: تَبّاً تَلْباً،
وَهُوَ تَوْكِيدٌ لما قبله. وحَظِيَتِ المرأَةُ عِنْدَ زَوْجِها
وبَظِيَتْ: إتباعٌ لَهُ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ب ظ ي.
بعا: البَعْوُ: العاريَّةُ. واسْتَبْعَى مِنْهُ الشَّيْءَ: اسْتَعارَه.
واسْتَبْعَى يَسْتَبْعِي: اسْتعار؛ قَالَ الكُمَيْت:
قَدْ كادَها خالِدٌ مُسْتَبْعِياً حُمُراً، ... بالوَكْتِ، تَجْرِي
إِلَى الغاياتِ والهَضَبِ
والهَضَب: جَرْيٌ ضَعِيفٌ. والوَكْتُ: القَرْمَطة فِي الْمَشْيِ،
وَكَتَ يَكِتُ وَكْتاً. كادَها: أَرادها. قَالَ الأَصمعي: البَعْوُ أَن
يَسْتعير الرجلُ
(14/74)
مِنْ صَاحِبِهِ الكلبَ فيَصِيدَ بِهِ.
وَيُقَالُ: أَبْعِنِي فرَسَك أَي أَعِرْنيه. وأَبْعَاه فرَساً:
أَخْبَلَه. والمُسْتَبْعِي: الرجلُ يأْتي الرجلَ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ
فَيَقُولُ: أَعطنيه حَتَّى أُسابقَ عَلَيْهِ. وبَعَاه بَعْواً: أَصاب
مِنْهُ وقَمَرَه، والمَبْعَاةُ مفْعَلَةٌ مِنْهُ؛ قَالَ:
صَحا القَلْبُ بَعْدَ الإِلْفِ، وارتَدَّ شأْوُه، ... ورَدَّتْ
عَلَيْهِ مَا بَعَتْه تُماضِرُ
وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّه:
سائلْ بَني السيِّدِ، إنْ لاقَيْتَ جَمْعَهُمُ: ... مَا بالُ سَلْمَى
وَمَا مَبْعَاةُ مِئْشارِ؟
مِئشار: اسْمُ فَرَسِهِ. والبَعْوُ: الجِناية والجُرْم. وَقَدْ بَعَا
إِذَا جَنَى. يُقَالُ: بَعَا يَبْعُو ويَبْعَى. وبَعَى الذَّنْبَ
يَبْعَاه ويَبْعُوه بَعْواً: اجْترَمه وَاكْتَسَبَهُ؛ قَالَ عَوْفُ
بْنُ الأَحْوَص الجَعْفري:
وإبْسالي بَنِيَّ بغَيْرِ بَعْوٍ ... جَرَمْناه، وَلَا بِدَمٍ مُراقِ
وَفِي الصِّحَاحِ: بِغَيْرِ جُرْم بَعَوْناه؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
الْبَيْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَحْوَصِ. قَالَ ابْنُ
الأَعرابي: بَعَوْتُ عَلَيْهِمْ شَرّاً سُقْتُه واجْتَرَمْتُه، قَالَ:
وَلَمْ أَسمعه فِي الْخَيْرِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَعَوْتُه
بعَيْنٍ أَصَبْتُه. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ بَعِيَ
بالياء: بعي
بَعَيْت بعي
أَبْعِي مِثْلَ اجْتَرَمْتُ وجَنَيْتُ؛ حَكَاهُ كُرَاعٌ، قَالَ:
والأَعرف الواو.
بغا: بَغَى الشيءَ بَغْواً: نَظَر إِلَيْهِ كَيْفَ هُوَ. والبَغْوُ:
مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرةِ القَتادِ الأَعْظَمِ الْحِجَازِيِّ،
وَكَذَلِكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَة العُرْفُط والسَّلَم.
والبَغْوَةُ: الطَّلْعة حِينَ تَنْشَقُّ فَتَخْرُجُ بَيْضَاءَ
رَطْبَةً. والبَغْوة: الثَّمَرَةُ قَبْلَ أَن تَنْضَج؛ وَفِي
التَّهْذِيبِ: قَبْلَ أَن يَسْتَحْكِم يُبْسُها، وَالْجَمْعُ بَغْوٌ،
وَخَصَّ أَبو حَنِيفَةَ بالبَغْوِ مَرَّةً البُسرَ إِذَا كَبِرَ
شَيْئًا، وَقِيلَ: البَغْوَة التمْرة الَّتِي اسْوَدَّ جوفُها وَهِيَ
مُرْطِبة. والبَغْوَة: ثمرةُ العِضاه، وَكَذَلِكَ البَرَمَةُ. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: البَغْوُ والبَغْوَة كُلُّ شَجَرٍ غَضّ ثَمرهُ أَخْضَر
صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه مرَّ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ سَمُراً
بِالْبَادِيَةِ فَقَالَ: رَعَيْتَ بَغْوَتَها وبَرَمَتَها وحُبْلَتها
وبَلَّتها وفَتْلَتَها ثُمَّ تَقْطَعُها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْقُتَيْبِيُّ
يَرْوِيهِ أَصحاب الْحَدِيثِ مَعْوَتَها
، قَالَ: وَذَلِكَ غَلَطٌ لأَن المَعْوَةَ البُسْرَة الَّتِي جَرَى
فِيهَا الإِرْطابُ، قَالَ: وَالصَّوَابُ بَغْوَتَها، وَهِيَ ثَمَرَةُ
السَّمُرِ أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ، ثُمَّ تَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ بَرَمَةً
ثُمَّ بَلَّة ثُمَّ فَتْلة. والبُغَةُ: مَا بَيْنَ الرُّبَع والهُبَع؛
وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ البُعَّة، بِالْعَيْنِ الْمُشَدَّدَةِ،
وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ. وبَغَى الشيءَ مَا كَانَ خَيْرًا أَو شَرًّا
يَبْغِيه بُغاءً وبُغىً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ والأُولى
أَعرف: طَلَبَه؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
فَلَا أَحْبِسَنْكُم عَنْ بُغَى الخَيْر، إِنني ... سَقَطْتُ عَلَى
ضِرْغامةٍ، وَهُوَ آكِلي
وبَغَى ضالَّته، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلِبَة، بُغَاءً، بِالضَّمِّ
وَالْمَدِّ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
لَا يَمْنَعَنَّك مِنْ بُغاءِ ... الخَيْرِ تَعْقادُ التَّمائم
وبُغَايَةً أَيضاً. يُقَالُ: فَرِّقوا لِهَذِهِ الإِبلِ بُغْيَاناً
يُضِبُّون لَهَا أَي يتفرَّقون فِي طَلَبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
سُراقة والهِجْرةِ: انْطَلِقوا بُغْيَاناً
أَي نَاشِدِينَ وَطَالِبِينَ، جَمْعُ بَاغٍ كَرَاعٍ ورُعْيان. وَفِي
حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْهِجْرَةِ: لَقِيَهُمَا
رَجُلٌ بكُراعِ الغَمِيم فَقَالَ: مَنْ أَنتم؟ فَقَالَ أَبو بَكْرٍ:
(14/75)
باغٍ وهادٍ
؛ عَرَّضَ بِبُغاء الإِبل وَهِدَايَةِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُرِيدُ طلبَ
الدِّينِ والهدايةَ مِنَ الضَّلَالَةِ. وابْتَغَاه وتَبَغَّاه
واسْتَبْغَاه، كُلُّ ذَلِكَ: طَلَبُهُ؛ قال ساعدة ابن جُؤيَّة
الهُذَلي:
ولكنَّما أَهلي بوادٍ، أَنِيسُه ... سِباعٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنى
ومَوْحَدا
وَقَالَ:
أَلا مَنْ بَيَّنَ الأَخَوَيْنِ، ... أُمُّهما هِيَ الثَّكْلَى
تُسائلُ مَنْ رَأَى ابْنَيْها، ... وتَسْتَبْغِي فَمَا تُبْغَى
جَاءَ بِهِمَا بَعْدَ حَرْفِ اللِّينِ «3» . المعوَّض مِمَّا حَذَفَ،
وبَيَّنَ بِمَعْنَى تَبَيَّنَ، والاسم البُغْيَةُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ:
بَغَى الخَيْرَ بُغْيَةً وبِغْيَةً، فَجَعَلَهُمَا مَصْدَرَيْنِ.
وَيُقَالُ: بَغَيْتُ الْمَالَ مِنْ مَبْغاتِه كَمَا تَقُولُ أَتيت
الأَمر مِنْ مَأتاته، يُرِيدُ المَأْتَى والمَبْغَى. وَفُلَانٌ ذُو
بُغَايَة لِلْكَسْبِ إِذَا كَانَ يَبغِي ذَلِكَ. وارْتَدَّتْ عَلَى
فُلَانٍ بُغْيَتُه أَي طَلِبَتُه، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا
طَلَب. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَغَى الرجلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ
وكلَّ مَا يَطْلُبُهُ بُغَاءً وبِغْيَة وبِغىً، مَقْصُورٌ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: بُغْيَةً وبُغىً. والبُغْيَةُ: الْحَاجَةُ. الأَصمعي:
بَغَى الرجلُ حَاجَتَهُ أَو ضَالَّتَهُ يَبْغِيها بُغَاءً وبُغْيَةً
وبُغَايةً إِذَا طَلَبَهَا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
بُغَايَةً إِنَّمَا تَبْغي الصِّحَابَ من ... الفِتْيانِ فِي مِثْلِهِ
الشُّمُّ الأَناجِيجُ «4»
. والبَغِيَّةُ: الطَّلِبَةُ، وَكَذَلِكَ البِغْيَة. يُقَالُ:
بَغِيَّتي عِنْدَكَ وبِغْيَتِي عِنْدَكَ. وَيُقَالُ: أَبْغِنِي شَيْئًا
أَي أَعطني وأَبْغِ لِي شَيْئًا. وَيُقَالُ: اسْتَبْغَيْتُ الْقَوْمَ
فَبَغَوْا لِي وبَغَوْني أَي طَلَبوا لِي. والبِغْيَة والبُغْيَةُ
والبَغِيَّةُ: مَا ابْتُغِي. والبَغِيَّةُ: الضَّالَّةُ المَبْغِيَّة.
والبَاغِي: الَّذِي يَطْلُبُ الشَّيْءَ الضالَّ، وَجَمْعُهُ بُغَاة
وبُغْيَانٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
أَو بَاغِيَان لبُعْرانٍ لَنَا رَقصَتْ، ... كَيْ لَا تُحِسُّون مِنْ
بُعْرانِنا أَثَرَا
قَالُوا: أَراد كَيْفَ لَا تُحِسُّونَ. والبِغْية والبُغْية:
الْحَاجَةُ المَبْغِيَّة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، يُقَالُ: مَا لِي
فِي بَنِي فُلَانٍ بِغْيَة وبُغْيَة أَي حَاجَةٌ، فالبِغْيَة مِثْلُ
الجلْسة الَّتِي تَبْغِيها، والبُغْيَة الْحَاجَةُ نَفْسُهَا؛ عَنِ
الأَصمعي. وأَبْغَاه الشيءَ: طَلَبَهُ لَهُ أَو أَعانه عَلَى طَلَبِهِ،
وَقِيلَ: بَغَاه الشيءَ طَلَبَهُ لَهُ، وأَبْغَاه إِيَّاهُ أَعانه
عَلَيْهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اسْتَبْغَى القومَ فَبَغَوْه
وبَغَوْا لَهُ أَي طَلَبُوا لَهُ. والبَاغِي: الطالِبُ، وَالْجَمْعُ
بُغَاة وبُغْيَانٌ. وبَغَيْتُك الشيءَ: طَلَبْتُهُ لَكَ؛ وَمِنْهُ
قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَكَمْ آمِلٍ مِنْ ذِي غِنىً وقَرابةٍ ... لِتَبْغِيَه خَيْرًا،
وَلَيْسَ بفاعِل
وأَبْغَيْتُك الشيءَ: جَعَلْتُكَ لَهُ طَالِبًا. وَقَوْلُهُمْ:
يَنْبَغِي لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا فَهُوَ مِنْ أَفعال الْمُطَاوَعَةِ،
تَقُولُ: بَغَيْتُه فانْبَغَى، كَمَا تَقُولُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ
سَمَّاعُونَ لَهُمْ
؛ أَي يَبْغُون لَكُمْ، مَحْذُوفُ اللَّامِ؛ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ
زُهَيْرٍ:
إِذَا مَا نُتِجْنا أَرْبَعاً عامَ كَفْأَةٍ، ... بَغَاها خَناسيراً
فأَهْلَكَ أَرْبعا
أَي بَغَى لَهَا خَناسير، وَهِيَ الدَّوَاهِي، وَمَعْنَى بَغَى
__________
(3) . قوله [جَاءَ بِهِمَا بَعْدَ حَرْفِ اللين إلخ] كذا بالأصل، والذي
في المحكم: بغير حرف إلخ
(4) . قوله [الأناجيج] كذا في الأصل والتهذيب
(14/76)
هَاهُنَا طَلَب. الأَصمعي: وَيُقَالُ
ابْغِنِي كَذَا وَكَذَا أَي اطْلُبْهُ لِي، وَمَعْنَى ابْغِنِي وابْغِ
لِي سَوَاءٌ، وَإِذَا قَالَ أَبْغِنِي كَذَا وَكَذَا فَمَعْنَاهُ
أَعِنِّي عَلَى بُغائه وَاطْلُبْهُ مَعِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
ابْغِنِي أَحجاراً أَسْتَطبْ بِهَا.
يُقَالُ: ابْغِنِي كَذَا بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ أَي اطْلُبْ لِي.
وأَبْغِنِي بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ أَي أَعِنِّي عَلَى الطَّلَبِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
ابْغُونِي حَديدةً أَسْتَطِبْ بِهَا
، بِهَمْزِ الْوَصْلِ وَالْقَطْعِ؛ هو مِنْ بَغَى يَبْغِي بُغاءً إِذَا
طَلَبَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه خَرَجَ فِي بُغَاء إِبِلٍ
؛ جَعَلُوا البُغَاء عَلَى زِنَةِ الأَدْواء كالعُطاس والزُّكام
تَشْبِيهًا لِشَغْلِ قَلْبِ الطَّالِبِ بِالدَّاءِ. الْكِسَائِيُّ:
أَبْغَيْتُك الشيءَ إِذَا أَردت أَنك أَعنته عَلَى طَلَبِهِ، فَإِذَا
أَردت أَنك فَعَلْتَ ذَلِكَ لَهُ قُلْتَ قَدْ بَغَيْتُك، وَكَذَلِكَ
أعْكَمْتُك أَو أَحْمَلْتُك. وعَكَمْتُك العِكْم أَي فَعَلْتُهُ لك.
وقوله: يَبْغُونَها عِوَجاً*
؛ أَي يَبْغُون لِلسَّبِيلِ عِوَجًا، فَالْمَفْعُولُ الأَول مَنْصُوبٌ
بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَعشى:
حَتَّى إِذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحها ... ذُؤالُ نَبْهانَ،
يَبْغِي صَحْبَه المُتَعا
أَي يَبْغِي لِصَحْبِهِ الزادَ؛ وَقَالَ واقِدُ بْنُ الغِطرِيف:
لَئِنْ لَبَنُ المِعْزَى بِمَاءِ مُوَيْسِلٍ ... بَغَانِيَ دَاءً،
إِنَّنِي لَسَقِيمُ
وَقَالَ السَّاجِعُ: أَرْسِل العُراضاتِ أَثَراً يَبْغِينك مَعْمَراً
أَي يَبْغِينَ مَعْمَرًا. يُقَالُ: بَغَيتُ الشيءَ طَلَبْتُهُ،
وأَبْغَيْتُك فَرساً أَجْنَبْتُك إِيَّاهُ، وأَبْغَيْتُك خَيْرًا
أَعنتك عَلَيْهِ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ انْبَغَى لِفُلَانٍ أَن
يَفْعَلَ كَذَا أَي صَلَحَ لَهُ أَن يَفْعَلَ كَذَا، وكأَنه قَالَ
طَلَبَ فِعْلَ كَذَا فانْطَلَبَ لَهُ أَي طَاوَعَهُ، وَلَكِنَّهُمُ
اجْتزَؤوا بِقَوْلِهِمُ انْبَغَى. وانْبَغَى الشيءُ: تَيَسَّرَ
وَتَسَهَّلَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما
يَنْبَغِي لَهُ
؛ أَي مَا يَتَسَهَّلُ لَهُ ذَلِكَ لأَنا لَمْ نُعَلِّمْهُ الشِّعْرَ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَمَا يَصْلُح لَهُ.
وَإِنَّهُ لذُو بُغَايَةٍ أَي كَسُوبٌ. والبِغْيَةُ فِي الْوَلَدِ:
نقِيضُ الرِّشْدَةِ. وبَغَتِ الأَمة تَبْغِي بَغْياً وبَاغَتْ
مُبَاغَاة وبِغَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ بَغِيٌّ وبَغُوٌّ:
عَهَرَتْ وزَنَتْ، وَقِيلَ: البَغِيُّ الأَمَةُ، فَاجِرَةً كَانَتْ أَو
غَيْرَ فَاجِرَةٍ، وَقِيلَ: البَغِيُّ أَيضاً الْفَاجِرَةُ، حُرَّةً
كَانَتْ أَو أَمة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كانَتْ أُمُّكِ
بَغِيًّا
؛ أَي مَا كَانَتْ فَاجِرَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عَنِ
الأَخفش، وأُم مَرْيَمَ حرَّة لَا مَحَالَةَ، وَلِذَلِكَ عمَّ ثعلبٌ
بالبِغَاء فَقَالَ: بَغَتِ المرأَةُ، فَلَمْ يَخُصَّ أَمة وَلَا
حُرَّةً. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: البَغَايا الإِماءُ لأَنهنَّ كنَّ
يَفْجُرْنَ. يُقَالُ: قَامَتْ على رؤُوسهم البَغَايَا، يَعْنِي
الإِماءَ، الْوَاحِدَةُ بَغِيٌّ، وَالْجَمْعُ بِغَايَا. وَقَالَ ابْنُ
خَالَوَيْهِ: البِغَاءُ مَصْدَرُ بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت،
والبِغَاء مَصْدَرُ بَاغَتْ بِغَاءً إِذَا زَنَتْ، والبِغَاءُ جَمْعُ
بَغِيّ وَلَا يُقَالُ بَغِيَّة؛ قَالَ الأَعشى:
يَهَبُ الْجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْتانِ، ... تَحْنو لدَرْدَقٍ
أَطفالِ
والبَغَايا يَرْكُضْنَ أَكْسِيةَ الإِضْرِيجِ ... والشَّرْعَبيَّ ذَا
الأَذْيالِ
أَراد: ويَهَبُ البَغَايَا لأَن الْحُرَّةَ لَا تُوهَبُ، ثُمَّ كَثُرَ
فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى عَمُّوا بِهِ الْفَوَاجِرَ، إِمَاءً كُنَّ أَو
حَرَائِرَ. وَخَرَجَتِ المرأَة تُبَاغِي أَي تُزاني. وبَاغَتِ المرأَة
تُبَاغِي بِغَاءً إِذَا فَجَرَتْ. وبَغَتِ المرأَةُ تَبْغِي بِغَاء
إِذَا فَجرَت. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تُكْرِهُوا
فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ
؛ والبِغاء: الفُجُور، قَالَ: وَلَا يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ، وَإِنْ
سُمِّينَ بِذَلِكَ فِي
(14/77)
الأَصل لِفُجُورِهِنَّ. قَالَ
اللِّحْيَانِيُّ: وَلَا يُقَالُ رِجْلٌ بَغِيّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
امرأَة بَغِيّ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ فِي كَلْب
، أَي فَاجِرَةٌ، وَيُقَالُ للأَمة بَغِيٌّ وَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ
الذَّم، وَإِنْ كَانَ فِي الأَصل ذَمًّا، وَجَعَلُوا البِغَاء عَلَى
زِنَةِ الْعُيُوبِ كالحِرانِ والشِّرادِ لأَن الزِّنَا عَيْبٌ.
والبِغْيَةُ: نَقِيضُ الرِّشْدةِ فِي الْوَلَدِ؛ يُقَالُ: هُوَ ابْنُ
بِغْيَةٍ؛ وأَنشد:
لدَى رِشْدَةٍ مِنْ أُمِّه أَو بَغِيَّةٍ، ... فيَغلِبُها فَحْلٌ،
عَلَى النَّسْلِ، مُنْجِب
قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ هُوَ ابْنُ غَيَّة وَابْنُ زَنيَة
وَابْنُ رَشْدَةٍ، وَقَدْ قِيلَ: زِنْيةٍ ورِشْدةٍ، وَالْفَتْحُ أَفصح
اللُّغَتَيْنِ، وأَما غَيَّة فَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ الْفَتْحِ.
قَالَ: وأَما ابْنُ بِغْيَة فَلَمْ أَجده لِغَيْرِ اللَّيْثِ، قَالَ:
وَلَا أُبْعِدُه عَنِ الصَّوَابِ. والبَغِيَّةُ: الطليعةُ الَّتِي
تَكُونُ قَبْلَ ورودِ الجَيْش؛ قَالَ طُفَيل:
فأَلْوَتْ بَغَاياهُم بِنَا، وتباشَرَتْ ... إِلَى عُرْضِ جَيْشٍ،
غَيرَ أَنْ لَمْ يُكَتَّبِ
أَلْوَتْ أَي أَشارت. يَقُولُ: ظَنُّوا أَنَّا عِيرٌ فَتَبَاشَرُوا
فَلَمْ يَشْعُروا إِلَّا بِالْغَارَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ
عَلَى الإِماء أَدَلُّ مِنْهُ عَلَى الطَّلائع؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ
فِي البَغَايا الطَّلائع:
عَلَى إثْرِ الأَدِلَّةِ والبَغَايا، ... وخَفْقِ الناجِياتِ مِنَ
الشآمِ
وَيُقَالُ: جَاءَتْ بَغِيَّةُ الْقَوْمِ وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم.
والبَغْيُ: التَّعَدِّي. وبَغَى الرجلُ عَلَيْنَا بَغْياً: عَدَل عَنِ
الْحَقِّ وَاسْتَطَالَ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ
إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ
قَالَ، البَغْي الإِستطالة عَلَى النَّاسِ؛ وَقَالَ الأَزهري:
مَعْنَاهُ الْكِبَرُ، والبَغْي الظُّلْم وَالْفَسَادُ، والبَغْيُ
مُعْظَمُ الأَمر. الأَزهري: وَقَوْلُهُ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ
وَلا عادٍ*
، قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوجه: قَالَ بَعْضُهُمْ: فَمَنِ اضْطُرَّ
جَائِعًا غَيْرَ باغٍ أَكْلَها تَلَذُّذًا وَلَا عَادٍ وَلَا مجاوزٍ
مَا يَدْفَع بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الجُوعَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ،
وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ*
غَيْرَ طَالِبٍ مُجَاوَزَةَ قَدَرِ حَاجَتِهِ وغيرَ مُقَصِّر عَمَّا
يُقيم حالَه، وَقِيلَ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الإِمام وَغَيْرَ مُتَعدّ
عَلَى أُمّته. قَالَ: وَمَعْنَى البَغْي قصدُ الْفَسَادِ. وَيُقَالُ:
فُلَانٌ يَبْغِي عَلَى النَّاسِ إِذَا ظَلَمَهُمْ وَطَلَبَ أَذاهم.
والفِئَةُ البَاغِيَةُ: هِيَ الظَّالِمَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ طَاعَةِ
الإِمام الْعَادِلِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعَمَّار:
وَيْحَ ابنِ سُمَيَّة تَقْتله الفئةُ البَاغِيَة
وَفِي التَّنْزِيلِ: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا
؛ أَيْ إِنْ أَطَعْنكم لَا يَبْقَى لَكُمْ عَلَيْهِنَّ طريقٌ إِلَّا
أَن يَكُونَ بَغْياً وجَوْراً، وأَصلُ البَغْي مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: قَالَ لِرَجُلٍ أَنا أُبغضك، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنك
تَبْغِي فِي أَذانِكَ
؛ أَراد التَّطْرِيبَ فِيهِ، وَالتَّمْدِيدَ مِنْ تجاوُز الْحَدِّ.
وبَغَى عَلَيْهِ يَبْغِي بَغْياً: عَلَا عَلَيْهِ وَظَلَمَهُ. وَفِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ
. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا لِي وللبَغِ بعضُكم
على بعض؛ أَراد وللبَغْي وَلَمْ يُعَلِّلْهُ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَنه
اسْتَثْقَلَ كَسْرَةَ الإِعراب عَلَى الْيَاءِ فَحَذَفَهَا وأَلقى
حَرَكَتَهَا عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا. وَقَوْمُ بُغاء «5» .
وتَبَاغَوْا: بَغَى بعضُهم عَلَى بَعْضٍ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وبَغَى
الْوَالِي: ظَلَمَ. وكلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ
الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ بَغْيٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَغَى
عَلَى أَخيه بَغْياً حَسَدَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ثُمَّ
بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ
، وفيه:
__________
(5) . قوله [وقوم بُغَاء] كذا بالأصل بهمز آخره بهذا الضبط ومثله في
المحكم، وسيأتي عن التهذيب بغاة بالهاء بدل الهمز وهو المطابق للقاموس
(14/78)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ
هُمْ يَنْتَصِرُونَ
. والبَغْيُ: أَصله الْحَسَدُ، ثُمَّ سُمِّيَ الظُّلْمُ بَغْياً لأَن
الْحَاسِدَ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ جُهْدَه إراغَةَ زوالِ نعمةِ اللَّهِ
عَلَيْهِ عَنْهُ. وبَغَى بَغْياً: كَذَب. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا
أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا
؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ
مَا نَبْتَغِي
أَي مَا نَطْلُبُ، فَمَا عَلَى هَذَا اسْتِفْهَامٌ، وَيَجُوزُ أَن
يَكُونَ مَا نكْذب وَلَا نَظْلِم فَمَا عَلَى هَذَا جَحْد. وبَغَى فِي
مِشْيته بَغْياً: اخْتال وأَسرع. الْجَوْهَرِيُّ: والبَغْيُ اخْتِيَالٌ
ومَرَحٌ فِي الفَرس. غَيْرُهُ: والبَغْيُ فِي عَدْوِ الْفَرَسِ اختيالٌ
ومَرَح. بَغَى بَغْياً: مَرِحَ وَاخْتَالَ، وَإِنَّهُ ليَبْغِي فِي
عَدْوِه. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَا يُقَالُ فَرَسٌ باغٍ. والبَغْيُ:
الْكَثِيرُ مِنَ المَطَر. وبَغَتِ السَّمَاءُ: اشْتَدَّ مَطَرُهَا؛
حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دَفَعْنا بَغْيَ
السَّمَاءِ عَنَّا أَي شدَّتَها ومُعْظَم مَطَرِهَا، وَفِي
التَّهْذِيبِ: دَفَعْنا بَغْيَ السَّمَاءِ خَلفَنا. وبَغَى الجُرحُ
يَبْغِي بَغْياً: فَسَدَ وأَمَدَّ ووَرِمَ وتَرامَى إِلَى فَسَادٍ.
وبَرِئَ جُرْحُه عَلَى بَغْي إِذَا برئَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ نَغَلٍ.
وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَلَمة: أَقام شَهْرًا يُدَاوِي جُرْحَه فَدَمَلَ عَلَى بَغْي
وَلَا يَدْري بِهِ
أَي عَلَى فَسَادٍ. وجَمَل باغٍ: لَا يُلْقِح؛ عَنْ كُرَاعٍ. وبَغَى
الشيءَ بَغْياً: نَظَرَ إِلَيْهِ كَيْفَ هُوَ. وبَغَاه بَغْياً: رَقبَه
وانتَظره؛ عَنْهُ أَيضاً. وَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَن تَفْعَل وَمَا
يَبْتَغِي أَي لَا نَوْلُكَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا انْبَغَى
لَكَ أَن تَفْعَلَ هَذَا وَمَا ابْتَغَى أَي مَا يَنْبَغِي. وَقَالُوا:
إِنَّكَ لَعَالَمٌ وَلَا تُباغَ أَي لَا تُصَبْ بِالْعَيْنِ، وأَنتما
عَالِمَانِ وَلَا تُباغَيا، وأَنتم عُلَمَاءُ وَلَا تُباغَوْا.
وَيُقَالُ للمرأَة الْجَمِيلَةِ: إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ وَلَا تُباغَيْ،
وَلِلنِّسَاءِ: وَلَا تُباغَيْنَ. وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا نُبَالِي أَن
تُباغَي أَي مَا نُبَالِي أَن تُصِيبَكَ الْعَيْنُ. وَقَالَ أَبو
زَيْدٍ: الْعَرَبُ تَقُولُ إِنَّهُ لَكَرِيمٌ وَلَا يُباغَهْ،
وَإِنَّهُمَا لَكَرِيمَانِ وَلَا يُباغَيا، وَإِنَّهُمْ لَكِرَامٌ
وَلَا يُبَاغَوْا، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُ أَي لَا يُبْغَى
عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَبَعْضُهُمْ لَا يَجْعَلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ
فَيَقُولُ لَا يُباغَى وَلَا يُبَاغَيَان وَلَا يُبَاغَون أَي لَيْسَ
يُبَاغِيَهُ أَحد، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا يُباغُ وَلَا
يُباغان وَلَا يُباغُونَ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنَ البَوْغِ،
والأَول مِنَ البَغْي، وكأَنه جَاءَ مَقْلُوبًا. وَحَكَى
الْكِسَائِيُّ: إِنَّكَ لَعَالِمٌ وَلَا تُبَغْ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ
الأَعراب مَنْ هَذَا المَبُوغُ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ آخَرُ: مَن هَذَا
المَبيغُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يُحْسَدُ. وَيُقَالُ:
إِنَّهُ لَكَرِيمٌ وَلَا يُباغُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِما تَكَرّمْ إنْ أَصَبْتَ كَريمةً، ... فَلَقَدْ أَراك، وَلَا
تُباغُ، لَئِيما
وَفِي التَّثْنِيَةِ: لَا يُباغانِ، وَلَا يُبَاغُونَ، وَالْقِيَاسُ
أَن يُقَالَ فِي الْوَاحِدِ عَلَى الدُّعَاءِ وَلَا يُبَغْ،
وَلَكِنَّهُمْ أَبوا إلَّا أَن يَقُولُوا وَلَا يُباغْ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِي: أَن إِبْرَاهِيمَ بْنَ المُهاجِر جُعِلَ عَلَى بَيْتِ
الوَرِقِ فَقَالَ النَّخَعِيُّ مَا بُغِي لَهُ
أَي مَا خِير لَهُ.
بقي: فِي أَسماء اللَّهِ الْحُسْنَى البَاقِي: هُوَ الَّذِي لَا
يَنْتَهِي تَقْدِيرُ وجوده فِي الِاسْتِقْبَالِ إِلَى آخِرَ يَنْتَهِي
إِلَيْهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بأَنه أَبديّ الْوُجُودِ. والبَقَاء:
ضِدُّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بَقَاءً وبَقَى بَقْياً،
الأَخيرةُ لُغَةُ بَلْحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، وأَبْقَاه وبَقَّاه
وتَبَقَّاه واسْتَبْقَاه، وَالِاسْمُ البَقْيَا والبُقْيَا. قَالَ
ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى ثَعْلَبًا قَدْ حَكَى البُقْوَى، بِالْوَاوِ
وَضَمِّ الْبَاءِ. والبَقْوَى والبَقْيا: اسْمَانِ يُوضَعَانِ مَوْضِعَ
الإِبْقاء، إِنْ قِيلَ: لِمَ قَلَبَتِ الْعَرَبُ لَامَ فَعْلَى إِذَا
كَانَتِ اسْمًا وَكَانَ لَامُهَا يَاءً وَاوًا حَتَّى قَالُوا
البَقْوَى وَمَا أَشبه ذَلِكَ نَحْوَ التَّقْوَى والعَوَّى «1» ؟
فَالْجَوَابُ: أَنهم إِنَّمَا فَعَلُوا ذلك في فَعْلى
__________
(1) . قوله [العوَّى] هكذا في الأصل والمحكم
(14/79)
لأَنهم قَدْ قَلَبُوا لَامَ الفُعْلَى،
إِذَا كَانَتِ اسْمًا وَكَانَتْ لَامُهَا وَاوًا، يَاءً طَلَبًا
لِلْخِفَّةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وَهِيَ
مِنْ دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْت، فَلَمَّا قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً
فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ عوَّضوا الْوَاوَ
مِنْ غَلَبَةِ الْيَاءِ عَلَيْهَا فِي أَكثر الْمَوَاضِعِ بأَن
قَلَبُوهَا فِي نَحْوِ البَقْوَى والثَّنْوَى وَاوًا، لِيَكُونَ ذَلِكَ
ضَرْبًا مِنَ التَّعْوِيضِ وَمِنَ التَّكَافُؤِ بَيْنَهُمَا. وبَقيَ
الرجلُ زَمَانًا طَوِيلًا أَي عَاشَ وأَبقاه اللَّهُ. اللَّيْثُ:
تَقُولُ الْعَرَبُ «1» . نَشَدْتُك اللَّهَ والبُقْيَا؛ هُوَ الإِبقاء
مِثْلُ الرَّعْوى والرُّعْيا مِنَ الإِرْعاء عَلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ
الإِبْقاء عَلَيْهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْعَدُوِّ إِذَا غَلَبَ:
البَقِيَّةَ أَي أَبْقُوا عَلَيْنَا وَلَا تستأْصلونا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
الأَعشى:
قَالُوا البَقِيَّة والخَطِّيُّ يأْخُذُهم
وَفِي حَدِيثِ
النَّجَاشِيِّ وَالْهِجْرَةِ: وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا
أَي أَكثر إِبْقَاءً عَلَى قَوْمِهِ، وَيُرْوَى بِالتَّاءِ مِنَ
التُّقى. والبَاقِيَةُ تُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. وَيُقَالُ: مَا
بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ وَلَا وَقاهم اللَّهُ مِنْ واقِيَة. وَفِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ مِنْ بَقاء. وَيُقَالُ: هَلْ تَرَى
مِنْهُمْ بَاقِياً، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزٌ حَسَنٌ،
وبَقِيَ مِنَ الشَّيْءِ بَقِيَّةٌ. وأَبْقَيْتُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا
أَرْعَيْتَ عَلَيْهِ ورَحِمْتَه. يُقَالُ: لَا أَبْقَى اللهُ عَلَيْكَ
إِنْ أَبْقَيْتَ عليَّ، وَالِاسْمُ البُقْيَا؛ قَالَ اللَّعِين:
سَأَقْضِي بَيْنَ كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ، ... وبَيْنَ القَيْنِ قَيْنِ
بَني عِقَالِ
فإنَّ الكلبَ مَطْعَمُه خَبيثٌ، ... وإنَّ القَيْنَ يَعْمَلُ فِي
سِفَالِ
فَمَا بُقْيَا عَلَيَّ ترَكْتُماني، ... ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ
النِّبالِ
وَكَذَلِكَ البَقْوى، بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَيُقَالُ: البُقْيَا
والبَقْوَى كالفُتْيا والفَتْوَى؛ قَالَ أَبو القَمْقام الأَسَدِيُّ:
أُذَكِّرُ بالبَقْوَى عَلَى مَا أَصابَني، ... وبَقْوَايَ أَنِّي
جاهِدٌ غَير مُؤتَلي
واسْتَبْقَيتُ مِنَ الشَّيْءِ أَي تَرَكْتُ بَعْضَهُ. واسْتَبْقَاه:
اسْتَحْياه، وطيِءٌ تَقُولُ بَقَى وبَقَتْ مَكَانَ بَقِيَ وبَقِيَتْ،
وَكَذَلِكَ أَخواتها مِنَ الْمُعْتَلِّ؛ قَالَ البَولاني:
تَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، وتَصْطادُ ... نُفُوساً بُنَتْ
عَلَى الكَرَمِ
أَي بُنِيَتْ، يَعْنِي إِذَا أَخطأَ يُورِي النارَ. والبَقِيَّةُ:
كالبَقْوَى. والبَقِيَّة أَيضاً: مَا بَقِيَ مِنَ الشَّيْءِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ
. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ الحالُ الَّتِي تَبْقَى لَكُمْ مِنَ
الْخَيْرِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَقِيلَ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَا قَوْمِ مَا أُبْقِيَ لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ
خَيْرٌ لَكُمْ، قَالَ: وَيُقَالُ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ.
اللَّيْثُ: والبَاقِي حَاصِلُ الخَراج وَنَحْوُهُ، وَلُغَةُ طَيِّءٍ
بَقَى يَبْقَى، وَكَذَلِكَ لُغَتُهُمْ فِي كُلِّ يَاءٍ انْكَسَرَ مَا
قَبْلَهَا، يَجْعَلُونَهَا أَلفاً نَحْوَ بَقَى ورَضَى وفَنَى؛
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ
رَبِّكَ ثَواباً*
؛ قِيلَ: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ*
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ هِيَ الأَعمال الصَّالِحَةُ كُلُّهَا،
وَقِيلَ: هِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكبر. قَالَ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ*
، وَاللَّهُ أَعلم، كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَبْقَى ثَوَابُهُ.
والمُبْقِياتُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّتِي يَبْقَى جَريُها بعد
__________
(1) . قوله [الليث تقول العرب إلخ] هذه عبارة التهذيب وقد سقط منها
جملة في كلام المصنف ونصها: تَقُولُ الْعَرَبُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ
والبُقْيَا وهي البقية، أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ قال:
البَقْوَى والبُقْيَا هي الإِبقاء مثل الرعوى إلخ
(14/80)
انْقِطَاعِ جَرْي الْخَيْلِ؛ قَالَ
الكَلْحَبَةُ اليَرْبُوعِيُّ:
فأَدْرَكَ إبْقَاءَ العَرادَةِ ظَلْعُها، ... وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ
حزِيمةَ إصْبَعا
وَفِي التَّهْذِيبِ: المُبْقِيَاتُ مِنَ الْخَيْلِ هِيَ الَّتِي
تُبْقِي بعضَ جَريها تَدَّخِره. والمُبْقِيَاتُ: الأَماكن الَّتِي
تُبقِي مَا فِيهَا مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ وَلَا تَشْرَبُهُ؛ قَالَ
ذُو الرُّمَّةِ:
فَلَمَّا رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفَةٍ، ... ونَشَّتْ نِطافُ
المُبْقِيَاتِ الْوَقَائِعِ
واسْتَبْقَى الرجلَ وأَبْقَى عَلَيْهِ: وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ فَعَفَا
عَنْهُ. وأَبْقيْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ: لَمْ أُبالغ فِي
إِفْسَادِهِ، وَالِاسْمُ البَقِيَّةُ؛ قَالَ:
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تأْتِيني بَقِيَّتُكم، ... فَمَا عليَّ بذَنْبٍ
منكمُ فَوْتُ
أَي إِبْقَاؤُكُمْ: وَيُقَالُ: اسْتَبْقَيْتُ فُلَانًا إِذَا وَجَبَ
عَلَيْهِ قَتْلٌ فَعَفَوْتُ عَنْهُ. وَإِذَا أَعطيت شَيْئًا وحَبَسْتَ
بعضَه قُلْتَ: اسْتَبْقَيْتُ بعضَهُ. واسْتَبْقَيْتُ فُلَانًا: فِي
مَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ زَلَلِهِ واسْتِبْقاء مودَّته؛ قَالَ
النَّابِغَةُ:
ولَسْتَ بمُسْتَبْقٍ أَخاً لَا تَلُمُّه ... عَلَى شَعَثٍ، أَيُّ
الرجالِ المُهَذَّبُ؟
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ يَضْرَعُ إِلَيْهَا
، يَعْنِي النَّارَ. يُقَالُ: أَبْقَيْت عَلَيْهِ أُبْقِي إبْقَاءً
إِذَا رَحِمْتَهُ وأَشفقت عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ
؛ هُوَ أَمر مِنَ الْبَقَاءِ والوِقاء، وَالْهَاءُ فِيهِمَا
لِلسَّكْتِ، أَي اسْتَبْق النفسَ وَلَا تُعَرِّضْها للهَلاك
وَتَحَرَّزْ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ
الْفَسادِ
؛ مَعْنَاهُ أُولو تَمْيِيزٍ، وَيَجُوزُ أُولوا بَقِيَّة أُولو
طَاعَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فُسِّرَ بأَنه الإِبقاء وَفُسِّرَ بأَنه
الفَهْم، وَمَعْنَى البَقِيَّة إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ بَقِيَّة
فَمَعْنَاهُ فِيهِ فَضْل فيما يُمْدَحُ بِهِ، وَجَمْعُ البَقِيَّة
بَقَايَا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أُولو بَقِيَّة مِنْ دِينِ قَوْمٍ
لَهُمْ بَقِيَّة إِذَا كَانَتْ بِهِمْ مُسْكَة وَفِيهِمْ خَيْرٌ. قَالَ
أَبو مَنْصُورٍ: البَقِيَّة اسْمٌ مِنَ الإِبْقاء كأَنه أَراد،
وَاللَّهُ أَعلم، فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ قَوْمٌ أُولوا
إِبْقَاءٍ عَلَى أَنفسهم لِتَمَسُّكِهِمْ بِالدِّينِ الْمَرْضِيِّ،
وَنُصِبَ إِلَّا قَلِيلًا لأَن الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ فَلَوْلَا
كَانَ فَمَا كَانَ، وَانْتِصَابُ قَلِيلًا عَلَى الِانْقِطَاعِ مِنَ
الأَول. والبُقْيَا أَيضاً: الإِبْقاءُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فَلَوْلَا اتِّقاءُ اللَّهِ بُقْيايَ فِيكُمَا، ... لَلُمْتُكما
لَوْماً أَحَرَّ مِنَ الجَمْرِ
أَراد بُقْيَايَ عَلَيْكُمَا، فأَبدل فِي مَكانَ عَلَى، وأَبدل
بُقْيايَ مِنِ اتِّقَاءُ اللَّهِ. وبَقَاهُ بَقْياً: انْتَظَرَهُ
ورَصَدَه، وَقِيلَ: هُوَ نَظَرُكَ إِلَيْهِ؛ قَالَ الكُمَيْت وَقِيلَ
هُوَ لِكُثَيِّرٍ:
فَمَا زلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ، حَتَّى كأَنها ... أَواقِي سَدىً
تَغْتالهُنَّ الحَوائِكُ
يَقُولُ: شَبَّهْتُ الأَظْعَان فِي تَبَاعُدِهَا عَنْ عَيْنِي
وَدُخُولِهَا فِي السَّرَابِ بِالْغَزْلِ الَّذِي تُسْديه الحائكةُ
فَيَتَنَاقَصُ أَوَّلًا فأَوّلًا. وبَقَيْتُه أَي نظرت إليها
وَتَرَقَّبْتُهُ. وبَقِيَّةُ اللَّهِ: انتظارُ ثَوَابِهِ؛ وَبِهِ
فَسَّرَ أَبو عَلِيٍّ قوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
، لأَنه إنما يَنْتَظِرُ ثَوَابَهُ مَنْ آمَنَ به. وبَقِيَّةُ: اسْمٌ.
وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ: بَقَيْنا رسولَ الله وَقَدْ تأَخر لِصَلَاةِ العَتَمة
، وَفِي نُسْخَةٍ:
بَقَيْنا رسولَ الله فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى خَشينا فوتَ الفَلاح
أَي انْتَظَرْنَاهُ. وبَقَّيْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، وأَبْقَيْتُهُ
وتَبَقَّيْتُه كُلُّهُ بِمَعْنًى. وَقَالَ الأَحمر فِي بَقَيْنا:
انْتَظَرْنَا وَتَبَصَّرْنَا؛ يُقَالُ مِنْهُ: بَقَيْتُ الرجلَ
أَبْقِيه بَقْياً أَي انْتَظَرْتُهُ ورَقَبْتُه؛
(14/81)
وأَنشد الأَحمر:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتِها، ... جُنْحُ النَّواصِي نَحْوَ
أَلْوِياتِها،
كالطَّير تَبقي مُتَداوِماتِها
يَعْنِي تَنْظُرُ إِلَيْهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ:
فبَقَيْتُ كَيْفَ يُصَلِّي النَّبِيُّ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
كَرَاهَةَ أَن يَرَى أَني كُنْتُ أَبْقِيه
أَي أَنْظُره وأَرْصُده. اللحياني: بَقَيْتُه وبقو
بَقَوْتُه نَظَرْتُ إِلَيْهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بقو
بَقَاه بعينه بقو
بَقَاوَةً نَظَرَ إِلَيْهِ؛ عَنِ اللحياني. وبقو
بَقَوْتُ الشيءَ: انْتَظَرْتُهُ، لُغَةٌ فِي بَقَيْتُ، وَالْيَاءُ
أَعلى. وَقَالُوا: بقو
ابْقُهْ بقو
بَقْوَتَك مالَك وبقو
بَقَاوَتَك مالَك أَي احْفَظْهُ حفْظَك مالَك.
بكا: البُكَاء يُقْصَرُ وَيُمَدُّ؛ قاله الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، إِذَا
مَدَدْتَ أَردتَ الصوتَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبُكَاءِ، وَإِذَا
قَصرت أَردتَ الدُّمُوعَ وَخُرُوجَهَا؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ،
وَزَعَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنه لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
وأَنشده أَبو زَيْدٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي أَبيات:
بَكَتْ عَيْنِي، وحقَّ لَهَا بُكاها، ... وَمَا يُغْني البُكاءُ وَلَا
العَويلُ
عَلَى أَسَد الإِلهِ غَداةَ قَالُوا: ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمُ الرجلُ
القتيلُ؟
أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ، وَقَدْ أُصيب بِهِ
الرسولُ
أَبا يَعْلى لَكَ الأَركانُ هُدَّتْ، ... وأَنتَ الماجدُ البَرُّ
الوصولُ
عَلَيْكَ سلامُ رَبِّكَ فِي جِنانٍ، ... مُخالطُها نَعيمٌ لَا يزولُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذِهِ مِنْ قَصِيدَةٍ ذَكَرَهَا النَّحَّاسُ
فِي طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنها لِكَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ؛ وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ فِي البُكَاء الْمَمْدُودِ تَرْثِي
أَخاها:
دَفَعْتُ بِكَ الخُطوبَ وأَنت حيٌّ، ... فَمَنْ ذَا يَدْفَعُ الخَطْبَ
الجَليلا؟
إِذَا قَبُحَ البُكاء عَلَى قَتيل، ... رأَيتُ بُكَاءَك الحَسَنَ
الْجَمِيلَا
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُكَاءً فَتَبَاكَوْا
أَي تَكَلَّفُوا البُكاء، وَقَدْ بَكَى يَبْكِي بُكَاءً وبُكىً؛ قَالَ
الْخَلِيلُ: مَنْ قَصَرَهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الْحُزْنِ،
وَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الصَّوْتِ، فَلَمْ يبالِ
الخليلُ اختلافَ الْحَرَكَةِ التي بين باء الْبُكَا وَبَيْنَ حَاءِ
الْحُزْنِ، لأَن ذَلِكَ الخَطَر يَسِيرٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:،
وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَرَّأَ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَن قَالَ وَقَالُوا
النَّضْرُ، كَمَا قَالُوا الحَسَنُ، غَيْرَ أَن هَذَا مسكَّن الأَوسط،
إِلَّا أَن سِيبَوَيْهِ زَادَ عَلَى الْخَلِيلِ لأَن الْخَلِيلَ
مَثَّلَ حَرَكَةً بِحَرَكَةٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا، وَسِيبَوَيْهِ
مَثَّلَ سَاكِنَ الأَوسط بِمُتَحَرِّكِ الأَوسط، وَلَا مَحَالَةَ أَن
الْحَرَكَةَ أَشبه بِالْحَرَكَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا مِنَ السَّاكِنِ
بِالْمُتَحَرِّكِ، فَقَصَّرَ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ، وحُقَّ لَهُ
ذَلِكَ، إِذِ الْخَلِيلُ فَاقِدُ النَّظِيرِ وَعَادِمُ الْمَثِيلِ؛
وَقَوْلُ طَرَفَةَ:
وَمَا زَالَ عَنِّي مَا كَنَنْتُ يَشُوقُني، ... وَمَا قُلْتُ حَتَّى
ارْفَضَّتِ العينُ بَاكِيَا
فَإِنَّهُ ذكَّر بَاكِيًا وَهِيَ خَبَرٌ عَنِ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ
أُنثى، لأَنه أَراد حَتَّى ارْفَضَّتِ الْعَيْنُ ذَاتَ بُكَاءٍ، وَإِنْ
كَانَ أَكثر ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مَعْنَى فَاعِلٍ لَا
مَعْنَى مَفْعُولٍ، فَافْهَمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُذَكَّرَ عَلَى
إِرَادَةِ الْعُضْوِ، وَمِثْلُ هَذَا يَتَّسِعُ فِيهِ الْقَوْلُ؛
وَمَثْلُهُ قَوْلِ الأَعشى:
أَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفاً، كأَنما ... يَضُمُّ إِلَى كَشْحَيْهِ
كَفّاً مُخَضَّبا
(14/82)
أَي ذاتَ خِضَابٍ، أَو عَلَى إِرَادَةِ
الْعُضْوِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ
مُخَضَّبًا حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَضُمُّ. وبَكَيْتُه
وبَكَيْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى. قَالَ الأَصمعي: بَكَيْتُ الرجلَ
وبَكَّيْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، كِلَاهُمَا إِذَا بَكَيْتَ عَلَيْهِ،
وأَبْكَيْته إِذَا صَنَعْتُ بِهِ مَا يُبْكِيه، قَالَ الشَّاعِرُ:
الشمسُ طَالِعَةٌ، ليستْ بكاسفةٍ، ... تُبْكي عليكَ نُجومَ اللَّيْلِ
والقَمرا «2»
. واسْتَبْكَيْتُه وأَبْكَيْتُه بمعنى. والتِّبْكَاء: البُكاء؛ عَنِ
اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ بَعْضُ نِسَاءِ
الأَعراب فِي تأْخيذ الرِّجَالِ أَخَّذتُه فِي دُبَّاء مُمَلأٍ مِنَ
الْمَاءِ مُعَلَّقٍ بتِرْشاء فَلَا يَزَلْ فِي تِمْشاء وعينُه فِي
تِبْكاء، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: التِّرشاءُ الحَبْلُ، والتِّمْشاء
المَشيُ، والتِّبْكَاءُ البُكاء، وَكَانَ حُكْمُ هَذَا أَن يَقُولَ
تَمْشاء وتَبْكاء لأَنهما مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَبْنِيَّةِ
لِلتَّكْثِيرِ كالتَّهْذار فِي الهَذْر والتَّلْعاب فِي اللَّعب،
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ،
وَهَذِهِ الأُخْذَة قَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ كُلُّهَا شِعْرًا،
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَنْهوك الْمُنْسَرِحِ؛
وَبَيْتُهُ:
صَبْراً بَنِي عَبْد الدارْ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّبْكَاء، بِالْفَتْحِ، كَثْرَةُ البُكاء؛
وأَنشد:
وأَقْرَحَ عَيْنَيَّ تَبْكَاؤُه، ... وأَحدَثَ فِي السَّمْعِ مِنِّي
صَمَمْ
وباكَيْتُ فُلَانًا فَبَكَيْتُه إِذَا كنتَ أَكثرَ بُكاءً مِنْهُ.
وتَبَاكَى: تَكَلَّف البُكاءَ. والبَكِيُّ: الْكَثِيرُ البُكاء، عَلَى
فَعِيلٍ. وَرَجُلٌ بَاكٍ، وَالْجَمْعُ بُكَاة وبُكِيٌّ، عَلَى فُعُول
مِثْلَ جَالِسٍ وجُلُوس، إِلَّا أَنهم قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً.
وأَبْكَى الرجلَ: صَنَع بِهِ مَا يُبْكيه. وبَكَّاه عَلَى الفَقيدِ:
هَيَّجه لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَيْهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ
صَفيَّةُ قُومي وَلَا تَقْعُدِي، ... وبَكِّي النساءَ عَلَى حَمْزه
وَيُرْوَى: وَلَا تَعْجزي، هَكَذَا رُوِيَ بالإِسكان، فَالزَّايُ عَلَى
هَذَا هُوَ الرَّوِيُّ لَا الْهَاءُ لأَنها هَاءُ تَأْنِيثٍ، وَهَاءُ
التأْنيث لَا تَكُونُ رَوِيًّا، وَمَنْ رَوَاهُ مُطْلَقًا قَالَ: عَلَى
حَمْزَةَ، جَعَلَ التَّاءَ هِيَ الرَّوِيَّ وَاعْتَقَدَهَا تَاءً لَا
هَاءً لأَن التَّاءَ تَكُونُ رَوِيًّا، وَالْهَاءُ لَا تَكُونُ
الْبَتَّةَ رَوِيًّا. وبَكَاه بُكاءً وبَكَّاه، كِلَاهُمَا: بَكَى
عَلَيْهِ وَرَثَاهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
وكنتُ مَتَى أَرى زِقّاً صَريعاً، ... يُناحُ عَلَى جَنازَتِه،
بَكَيْتُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَراد غَنَّيْتُ، فَجَعَلَ الْبُكَاءَ بِمَنْزِلَةِ
الغِناء، وَاسْتَجَازَ ذَلِكَ لأَن البُكَاء كَثِيرًا مَا يَصْحَبه
الصَّوْتُ كَمَا يَصْحَبُ الصَّوْتُ الْغِنَاءَ. والبَكَى، مَقْصُورٌ:
نَبْتٌ أَو شَجَرٌ، وَاحِدَتُهُ بَكاة. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البَكَاة
مثلُ البَشامة لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا عِنْدَ الْعَالِمِ
بِهِمَا، وَهُمَا كَثِيرًا مَا تَنْبُتَانِ مَعًا، وَإِذَا قُطِعَتِ
البَكاة هُريقت لَبَنًا أَبيض؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى
أَلف البُكَى بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ لِوُجُودِ ب ك ي وَعَدَمُ ب ك و،
والله أَعلم.
بلا: بَلَوْتُ الرجلَ بَلْواً وبَلاءً وابْتَلَيْته: اخْتَبَرْته،
وبَلاهُ يَبْلُوه بَلْواً إِذَا جَرَّبَه واخْتَبَره. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: لَا أُبْلِي أَحداً بَعْدَك أَبداً. وَقَدِ ابْتَلَيْتُه
فأَبْلاني
أَي اسْتَخْبَرْتُه فأَخْبَرني. وَفِي حَدِيثِ
أُم سَلَمَةَ: إنَّ مِنْ أَصْحابي مَنْ لَا يَراني بَعدَ أَن فارَقَني،
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: بِاللَّهِ أَمِنْهم أَنا؟ قَالَتْ: لَا وَلَنْ
أُبْلِيَ أَحداً بعدَكَ
أَي لا
__________
(2) . رواية ديوان جرير: تُبْكِي عليك أَي الشمس، ونصب نجوم الليل
والقمر بكاسفة
(14/83)
أُخبِر بعدَك أَحداً، وأَصله مِنْ
قَوْلِهِمْ أَبْلَيْتُ فُلاناً يَمِينًا إِذَا حلفتَ لَهُ بِيَمِينٍ
طَيَّبْتَ بِهَا نَفْسَهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَبْلَى بِمَعْنَى
أَخْبَر. وابْتَلاه اللَّهُ: امْتَحَنَه، وَالِاسْمُ البَلْوَى
والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بِالشَّيْءِ
بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
يُقَالُ: ابْتَلَيْته بَلَاءً حَسَنًا وبَلاءً سيِّئاً، وَاللَّهُ
تَعَالَى يُبْلي العبدَ بَلاءً حَسَنًا ويُبْلِيه بَلَاءً سيِّئاً،
نسأَل اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْجَمْعُ
البَلايا، صَرَفُوا فَعائِلَ إِلَى فَعالى كَمَا قِيلَ فِي إِدَاوَةٍ.
التَّهْذِيبُ: بَلاه يَبْلُوه بَلْواً، إِذَا ابتَلاه اللَّهُ ببَلاء،
يُقَالُ: ابْتَلاه اللَّهُ ببَلاء. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ لَا تُبْلِنَا إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحسن
، وَالِاسْمُ البَلاء، أَي لَا تَمْتَحِنَّا. وَيُقَالُ: أَبْلاه
اللَّهُ يُبْلِيه إبْلاءً حَسَنًا إِذَا صَنَعَ بِهِ صُنْعاً جَمِيلًا.
وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أَي اختَبره. والتَّبَالِي:
الِاخْتِبَارُ. والبَلاء: الِاخْتِبَارُ، يَكُونُ بِالْخَيْرِ
وَالشَّرِّ. وَفِي كِتَابِ هِرَقْلَ: فَمَشى قَيْصر إِلَى إيلِياء
لمَّا أَبْلاهُ اللَّهُ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يُقَالُ مِنَ الْخَيْرِ
أَبْلَيْته إبْلاءً، وَمِنَ الشَّرِّ بَلَوْته أَبْلُوه بَلاءً، قَالَ:
وَالْمَعْرُوفُ أَن الِابْتِلَاءَ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
مَعًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فِعْلَيْهِمَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
؛ قَالَ: وَإِنَّمَا مَشَى قَيْصَرُ شُكْرًا لِانْدِفَاعِ فَارِسَ
عَنْهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والبَلاء الإِنعام؛ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ
؛ أَي إِنْعَامٌ بَيِّن. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أُبْلِيَ فَذَكَرَ فَقَد شَكَرَ
؛ الإِبلاء: الإِنعام والإِحسان. يُقَالُ: بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت
عندَه بَلاء حَسَنًا. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً أَبْلاه اللَّهُ أَحسنَ
مِمَّا أَبْلاني
، والبَلاءُ الِاسْمُ، ممدودٌ. يُقَالُ: أَبْلاه اللهُ بَلاءً حَسَنًا
وأَبْلَيْته مَعْرُوفًا؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
جَزَى اللهُ بالإِحسانِ مَا فَعَلا بِكُمْ، ... وأَبْلاهما خيرَ
البَلاء الَّذي يَبْلُو
أَي صَنَع بِهِمَا خيرَ الصَّنِيع الَّذِي يَبْلُو بِهِ عبادَه.
وَيُقَالُ: بُلِيَ فلانٌ وابْتُلِيَ إِذَا امْتُحِنَ. والبَلْوَى:
اسْمٌ مِنْ بَلاه اللَّهُ يَبْلُوه. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: أَنه أُقِيمَتِ الصلاةُ فَتَدافَعوها فَتَقدَّمَ
حُذَيْفَةُ فَلَمَّا سَلَّم مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: لتَبْتَلُنَّ لَها
إِمَامًا أَو لَتُصَلُّنَّ وُحْداناً
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ
لتَبْتَلُنَّ لَهَا إِمَامًا
يَقُولُ لتَخْتارُنَّ، وأَصله مِنَ الابْتِلاء الِاخْتِبَارُ مِنْ
بَلاه يَبْلُوه، وابْتَلاه أَي جَرَّبه؛ قَالَ: وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ
فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ
وَهُوَ أَشْبَهُ. وَنَزَلَتْ بَلاءِ عَلَى الْكُفَّارِ مِثْلُ قَطامِ:
يَعْنِي البلاءَ. وأَبْلَيْت فُلَانًا عُذراً أَي بَيَّنت وَجْهَ
الْعُذْرِ لأُزيل عَنِّي اللَّوْمَ. وأَبْلاه عُذراً: أَدَّاه إِلَيْهِ
فَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ أَبْلاه جُهْدَه ونائِلَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّمَا النذْرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ
أَي أُريد بِهِ وجههُ وقُصِدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بِرِّ
الْوَالِدَيْنِ:
أَبْلِ اللَّهَ تَعَالَى عُذْراً فِي بِرِّها
أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذرَ فِيهَا إِلَيْهِ؛ الْمَعْنَى أَحسن
فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ بِبِرِّكَ إِيَّاهَا. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ يَوْمَ بَدْرٍ: عَسَى أَن يُعْطَى هَذَا مَن لَا يُبْلِي بَلائي
أَي لا يعملُ مثلَ عَمَلِي فِي الْحَرْبِ، كأَنه يُرِيدُ أَفعل فِعْلًا
أُخْتَبَر بِهِ فِيهِ وَيَظْهَرُ بِهِ خَيْرِي وَشَرِّي. ابْنُ
الأَعرابي: وَيُقَالُ أَبْلَى فُلَانٌ إِذَا اجْتَهَدَ فِي صِفَةِ
حَرْبٍ أَو كَرَمٍ. يُقَالُ: أَبْلَى ذَلِكَ اليومَ بَلاءً حَسَنًا،
قَالَ: وَمِثْلُهُ بَالَى يُبَالِي مُبَالاةً؛ وأَنشد:
مَا لِي أَراكَ قَائِمًا تُبَالِي، ... وأَنتَ قَدْ قُمْتَ مِنَ
الهُزالِ؟
(14/84)
قَالَ: سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ أَكلْنا
وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ؛
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَعْنَاهُ تُبَالِي تَنْظُرُ أَيهم أَحسن
بَالًا وأَنت هَالِكٌ. قَالَ: وَيُقَالُ بَالَى فلانٌ فُلَانًا
مُبَالاةً إِذَا فاخَرَه، وبَالاهُ يُبَالِيهِ إِذَا ناقَصَه، وبَالَى
بِالشَّيْءِ يُبَالِي بِهِ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ، وَقِيلَ: اشتقاقُ
بَالَيْتُ مِنَ البَالِ بالِ النفسِ، وَهُوَ الاكْتِراثُ؛ وَمِنْهُ
أَيضاً: لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي ذَلِكَ الأَمر أَي لَمْ يُكْرِثْني.
ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عَلَيْهِ مُبْتَلًى
بِهِ. وَإِنَّهُ لَبِلْوٌ وبِلْيٌ مِنْ أَبْلاءِ المالِ أَي قَيِّمٌ
عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلرَّاعِي الحسنِ الرِّعْيَة: إِنَّهُ لَبِلْوٌ
مِنْ أَبْلائها، وحِبْلٌ مِنْ أَحْبالِها، وعِسْلٌ مِنْ أَعسالها،
وزِرٌّ مِنْ أَزرارِها؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ لَجَإ:
فصادَفَتْ أَعْصَلَ مِنْ أَبْلائِها، ... يُعْجِبُه النَّزْعُ عَلَى
ظَمَائِهَا
قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَاءً لِلْكَسْرَةِ وَضُعِّفَ
الْحَاجِزُ فَصَارَتِ الْكَسْرَةُ كأَنها بَاشَرَتِ الْوَاوَ.
وَفُلَانٌ بِلْيُ أَسفارٍ إِذَا كَانَ قَدْ بَلاهُ السَّفَرُ والهَمُّ
وَنَحْوُهُمَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي الْيَاءَ
فِي هَذَا بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ لِضَعْفِ حَجْزِ اللَّامِ كَمَا
ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ فُلَانٌ مِنْ عِلْيَةِ النَّاسِ. وبَلِيَ
الثوبُ يَبْلَى بِلًى وبَلاء وأَبْلاه هُوَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ ... كرُّ اللَّيَالِي
وانْتِقالُ الأَحوالْ
أَراد: إِبْلَاءَ السِّرْبَالِ، أَو أَراد: فيَبْلى بَلاء السِّربال،
إِذَا فَتَحتَ الْبَاءَ مَدَدْتَ وَإِذَا كَسرْتَ قَصَرْتَ، وَمِثْلُهُ
القِرى والقَراءُ والصِّلى والصَّلاءُ. وبَلَّاه: كأَبْلاهُ؛ قَالَ
العُجَير السَّلُولِيُّ:
وقائِلَةٍ: هَذَا العُجَيْرُ تَقَلَّبَتْ ... بِهِ أَبْطُنٌ
بَلَّيْنَهُ وظُهور
رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ ... فَتًى عامَ عامَ
الْمَاءِ، فَهْوَ كَبير
وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
لَبِسْتُ أَبي حَتَّى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه، ... وبَلَّيْتُ أَعْمامِي
وبَلَّيْتُ خالِيا
يُرِيدُ أَي عِشْتُ الْمُدَّةَ الَّتِي عَاشَهَا أَبي، وَقِيلَ:
عامَرتُه طُول حَيَاتِي، وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ. يُقَالُ للمُجِدِّ:
أَبْلِ ويُخْلِفُ اللَّهُ، وبَلَّاهُ السَّفَرُ وبَلَّى عَلَيْهِ
وأَبْلاه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي؛
قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِما ... دُؤوبُ السُّرَى، ثُمَّ
اقْتِداحُ الهَواجِر
وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: أَبلاها السَّفَرُ، وَفِي
الْمُحْكَمِ: قَدْ بَلَّاها السَّفَرُ، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ
وبِلْيُ شَرٍّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ،
وَيُجْمَعُ رَذِيَّات، وَنَاقَةٌ بَلِيَّة: يَمُوتُ صَاحِبُهَا
فَيُحْفَرُ لَدَيْهَا حُفْرَةٌ وَتُشَدُّ رأْسها إِلَى خلْفها وتُبْلَى
أَي تُتْرَكُ هُنَاكَ لَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ
جُوعًا وَعَطَشًا. كَانُوا يَزْعُمُونَ أَن النَّاسَ يُحْشَرُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُكْبَانًا عَلَى الْبَلَايَا، أَو مُشاة إِذَا
لَمْ تُعْكَس مَطاياهم عَلَى قُبُورِهِمْ، قُلْتُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنهم كَانُوا يَرَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْبَعْثَ
وَالْحَشْرَ بالأَجساد، تَقُولُ مِنْهُ: بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قَالَ
الطِّرِمَّاحُ:
مَنازِل لَا تَرَى الأَنْصابَ فِيهَا، ... وَلَا حُفَرَ المُبَلِّي
لِلمَنون
أَي أَنها مَنَازِلُ أَهل الإِسلام دُونَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي
حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْقِرُون عندَ
الْقَبْرِ بَقَرة أَو نَاقَةً أَو شَاةً ويُسمُّون العَقِيرَة
البَلِيَّة، كَانَ إِذَا مَاتَ لَهُمْ مَنْ يَعِزّ عَلَيْهِمْ أَخذوا
نَاقَةً فَعَقَلُوهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَلَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى
إِلَى أَن تَمُوتَ، وَرُبَّمَا
(14/85)
حَفَرُوا لَهَا حَفِيرَةً وَتَرَكُوهَا
فِيهَا إِلَى أَن تَمُوتَ.
وبَلِيَّة: بِمَعْنَى مُبْلاةٍ أَو مُبَلَّاة، وَكَذَلِكَ الرَّذِيَّة
بِمَعْنَى مُرَذَّاة، فعِيلة بِمَعْنَى مُفْعَلة، وجمعُ البَلِيَّةِ
الناقةِ بَلايا، وَكَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
وَيُقَالُ: قَامَتْ مُبَلِّيات فُلَانٍ يَنُحْنَ عَلَيْهِ، وَهُنَّ
النِّسَاءُ اللَّوَاتِي يَقُمْنَ حَوْلَ رَاحِلَتِهِ فيَنُحْنَ إِذَا
مَاتَ أَو قُتل؛ وَقَالَ أَبو زُبيد:
كالبَلايا رُؤُوسُها فِي الوَلايا، ... مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ
الخُدود
الْمُحْكَمُ: نَاقَةٌ بِلْوُ سَفَرٍ قَدْ بَلَاهَا السَّفَرُ،
وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْبَعِيرُ، وَالْجَمْعُ أَبلاءٌ؛ وأَنشد
الأَصمعي لجَندَل بْنِ الْمُثَنَّى:
ومَنْهَلٍ مِنَ الأَنيس نَاءِ، ... شَبيهِ لَوْنِ الأَرْضِ بالسَّماءِ،
داوَيْتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ
ابْنُ الأَعرابي: البَلِيُّ والبَلِيَّةُ والبَلايا الَّتِي قَدْ
أَعْيت وَصَارَتْ نِضْواً هَالِكًا. وَيُقَالُ: نَاقَتُكَ بِلْوُ
سَفَرٍ إِذَا أَبلاها السَّفَرُ. الْمُحْكَمُ: والبَلِيَّة النَّاقَةُ
أَو الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُعْقَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، تُشدّ
عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا لَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ،
كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ صَاحِبَهَا يُحْشَرُ عَلَيْهَا؛ قَالَ
غَيْلان بْنُ الرَّبعِي:
باتَتْ وباتُوا، كَبَلايا الأَبْلَاءْ، ... مُطْلَنْفِئِينَ عِندَها
كالأَطْلاءْ
يَصِفُ حَلْبة قَادَهَا أَصحابها إِلَى الْغَايَةِ، وَقَدْ بُلِيت.
وأَبْلَيْت الرجلَ: أَحلفته. وابْتَلَى هُوَ: استَحْلف واستَعْرَف؛
قَالَ:
تُبَغّي أَباها فِي الرِّفاقِ وتَبْتَلي، ... وأَوْدَى بِهِ فِي
لُجَّةِ البَحرِ تمسَحُ
أَي تسأَلهم أَن يَحْلِفُوا لَهَا، وَتَقُولَ لَهُمْ: نَاشَدْتُكُمُ
اللَّهَ هَلْ تَعْرِفُونَ لأَبي خَبَرًا؟ وأَبْلى الرجلَ: حَلَف لَهُ؛
قَالَ:
وَإِنِّي لأُبْلِي الناسَ فِي حُبّ غَيْرها، ... فأَمَّا عَلَى جُمْلٍ
فإنَي لَا أُبْلِي
أَي أَحلف لِلنَّاسِ إِذَا قَالُوا هَلْ تُحِبُّ غَيْرَهَا أَني لَا
أُحب غَيْرَهَا، فأَما عَلَيْهَا فَإِنِّي لَا أَحلف؛ قَالَ أَبو
سَعِيدٍ: قَوْلُهُ تَبْتَلِي فِي الْبَيْتِ الأَول تَخْتَبِرُ،
والابْتِلاء الِاخْتِبَارُ بِيَمِينٍ كَانَ أَو غَيْرِهَا. وأَبْلَيْت
فُلَانًا يَمِينًا إِبْلاءً إِذَا حَلَفْتَ لَهُ فطيَّبت بِهَا
نَفْسَهُ، وَقَوْلُ أَوس بْنِ حَجَر:
كأَنَّ جديدَ الأَرضِ، يُبْلِيكَ عنهُمُ، ... تَقِيُّ اليَمينِ، بعدَ
عَهْدكَ، حالِفُ
أَي يَحْلِفُ لَكَ؛ التَّهْذِيبُ: يَقُولُ كأَن جَدِيدَ أَرض هَذِهِ
الدَّارِ وَهُوَ وَجْهُهَا لِمَا عَفَا مِنْ رُسُومِهَا وامَّحَى مِنْ
آثَارِهَا حالفٌ تَقِيّ الْيَمِينِ، يَحْلِفُ لَكَ أَنه مَا حَلَّ
بِهَذِهِ الدَّارِ أَحد لِدُروس مَعَاهِدِهَا وَمَعَالِمِهَا. وَقَالَ
ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ يُبْلِيكَ عَنْهُمْ: أَراد كأَنّ
جَدِيدَ الأَرض فِي حَالِ إِبْلائه إِيَّاكَ أَي تَطْيِيبِهِ إِيَّاكَ
حالفٌ تَقِيُّ الْيَمِينِ. وَيُقَالُ: أَبْلى اللَّهَ فلانٌ إِذَا
حَلَفَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فَأَوْجِع الجَنْبَ وأَعْرِ الظَّهْرا، ... أَو يُبْلِيَ اللَّهُ
يَميناً صَبْرا
وَيُقَالُ: ابتَلَيْت أَي استَحْلَفتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُسائِلُ أَسْماءُ الرِّفاقَ وتَبْتَلي، ... ومنْ دُونِ مَا يَهْوَيْنَ
بابٌ وحاجبُ
أَبو بَكْرٍ: البِلاءُ هُوَ أَن يَقُولَ لَا أُبَالي مَا صَنَعْتُ
مُبالاةً وبِلاءً، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَليَ الثوبُ. وَمِنْ كَلَامِ
الْحَسَنِ:
لَمْ يُبَالِهِمُ اللهُ بَالَةً.
وَقَوْلُهُمْ: لَا أُبَالِيه لَا أَكْتَرِثُ لَهُ. وَيُقَالُ: مَا
أُبَاليهِ بَالَةً وبَالًا؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
(14/86)
أَغَدْواً واعَدَ الحَيّ الزِّيالا، ...
وشَوْقاً لَا يُبَالِي العَيْنَ بَالا
وبِلاءً ومُبَالاةً وَلَمْ أُبَالِ وَلَمْ أُبَلْ، عَلَى الْقَصْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
وتَبْقَى حُثالَةٌ لَا يُبَالِيهمُ اللهُ بَالَةً
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا يُبَالِي بِهِمْ بَالَةً
أَي لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، وأَصل
بَالَةً بَالِيَةً مِثْلَ عَافَاهُ عَافِيَةً، فَحَذَفُوا الْيَاءَ
مِنْهَا تَخْفِيفًا كَمَا حَذَفُوا مِنْ لَمْ أُبَلْ. يُقَالُ: مَا
بَالَيْته وَمَا بَالَيْت بِهِ أَي لَمْ أَكترث بِهِ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ
وَلَا أُبَالِي
؛ وَحَكَى الأَزهري عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَن مَعْنَاهُ
لَا أَكره. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أُبَالِيه بَالَةً. وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ
عَمَله وأَهلِه ومالِهِ قَالَ: هُوَ أَقَلُّهم بِهِ بَالَةً
أَي مُبَالَاةً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَإِذَا قَالُوا لَمْ أُبَلْ
حَذَفُوا الأَلف تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حَذَفُوا
الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَدْر، كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
بِالْمَصْدَرِ فَيَقُولُونَ مَا أُبَالِيه بَالَةً، والأَصل فِيهِ
بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يُحْذَفِ الأَلف مِنْ
قَوْلِهِمْ لَمْ أُبَل تَخْفِيفًا، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ
السَّاكِنَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وسأَلت الْخَلِيلَ
عَنْ قَوْلِهِمْ لَمْ أُبَلْ فَقَالَ: هِيَ مِنْ بَالَيْتُ،
وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا أَسكنوا اللَّامَ حَذَفُوا الأَلف لِئَلَّا
يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْجَزْمِ لأَنه
مَوْضِعُ حَذْفٍ، فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ
الْحَرْفِ بَعْدَ اللَّامِ صَارَتْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ نُونِ
يَكُنْ حَيْثُ أُسكنت، فَإِسْكَانُ اللَّامِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ حَذْفِ
النُّونِ مِنْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا هَذَا بِهَذَيْنِ حَيْثُ
كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَذْفُ النُّونِ وَالْحَرَكَاتِ، وَذَلِكَ
نَحْوُ مُذْ وُلِدَ وَقَدْ عُلِمَ، وَإِنَّمَا الأَصل مُنْذُ وَلِدْنَ
وَقَدْ عَلِمَ، وَهَذَا مِنَ الشَّوَاذِّ وَلَيْسَ مِمَّا يُقَاسُ
عَلَيْهِ وَيَطَّرِدُ، وَزَعَمَ أَن نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ
لَمْ أُبَلِهِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَى حَذْفِ الأَلف كَمَا حَذَفُوا
عُلَبِطاً، حَيْثُ كَثُرَ الْحَذْفُ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا حَذَفُوا
أَلف احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وَوَاوَ غَدٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا
بِقَوْلِهِمْ بَلِيَّة كأَنها بَالِيَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَافِيَةِ،
وَلَمْ يَحْذِفُوا لَا أُبَالِي لأَن الْحَذْفَ لَا يَقْوَى هُنَا
وَلَا يَلْزَمُهُ حَذْفٌ، كَمَا أَنهم إِذَا قَالُوا لَمْ يَكُنِ
الرَّجُلُ فَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ تَحَرُّكٍ لَمْ تُحْذَفْ، وَجَعَلُوا
الأَلف تَثْبُتُ مَعَ الْحَرَكَةِ، أَلا تَرَى أَنها لَا تُحْذَفُ فِي
أُبالي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَزْمِ، وَإِنَّمَا تُحْذَفُ فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي تُحْذَفُ مِنْهُ الْحَرَكَةُ؟ وَهُوَ بِذِي
بِلِّيٍّ وبَلَّى وبُلَّى وبِلَّى وبَلِيٍّ وبِلِيَّانٍ وبَلَيانٍ،
بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاللَّامِ إِذَا بَعُدَ عَنْكَ حَتَّى لَا تَعْرِفَ
مَوْضِعَهُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُمْ أَتى عَلَى ذِي
بِلِيَّانَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَهُوَ عَلَمُ الْبُعْدِ. وَفِي حَدِيثِ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنه قَالَ إِنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَنِي
عَلَى الشَّامِ وَهُوَ لَهُ مُهِمٌّ، فَلَمَّا أَلْقَى الشامُ
بَوانِيَهُ وَصَارَ ثَنِيَّهُ «3» . عَزَلَنِي وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي،
فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا وَاللَّهِ الفِتْنةُ؛ فَقَالَ خَالِدٌ: أَما
وابنُ الْخَطَّابِ حيٌّ فَلَا، وَلَكِنَّ ذَاكَ إِذَا كَانَ النَّاسُ
بِذِي بِلِّيٍّ وذِي بَلَّى
؛ قَوْلُهُ:
أَلْقَى الشامُ بَوَانِيَهُ وَصَارَ ثَنِيَّهُ
أَي قَرَّ قَرارُهُ واطْمَأَنَّ أَمرُه،. وأَما قَوْلُهُ إِذَا كَانَ
النَّاسُ بِذِي بِلِّيٍّ فَإِنَّ أَبا عُبَيْدٍ قَالَ: أَراد تَفَرُّقَ
النَّاسِ وأَن يَكُونُوا طَوَائِفَ وَفِرَقًا مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ
يَجْمَعُهُمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ حَتَّى لَا
تَعْرِفَ مَوْضِعَهُ فَهُوَ بِذِي بِلِّيٍّ، وَهُوَ مِنْ بَلَّ فِي
الأَرض إِذَا ذَهَبَ، أَراد ضَيَاعَ أُمور النَّاسِ بَعْدَهُ، وَفِيهِ
لُغَةٌ أُخرى: بِذِي بِلِّيان؛ قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُنْشِدُ
هَذَا الْبَيْتَ فِي رَجُلٍ يُطِيلُ النَّوْمَ:
تَنامُ ويَذْهبُ الأَقْوامُ حَتَّى ... يُقالَ: أَتَوْا على ذي
بِلِّيانِ
يَعْنِي أَنه أَطال النَّوْمَ وَمَضَى أَصحابه فِي سَفَرِهِمْ حتى
__________
(3) . قوله [وصار ثنيه] كذا بالأصل
(14/87)
صَارُوا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا
يَعْرِفُ مَكَانَهُمْ مِنْ طُولِ نَوْمِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وَصَرَفَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ فُلَانٌ بِذِي
بَلِيٍّ وَذِي بِلِّيَانٍ إِذَا كَانَ ضَائِعًا بَعِيدًا عَنْ أَهله.
وتَبْلى وبَلِيٌّ: اسْمَا قَبِيلَتَيْنِ. وبَلِيٌّ: حَيٌّ مِنَ
الْيَمَنِ، وَالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ بَلَوِيٌّ. الْجَوْهَرِيُّ:
بَلِيٌّ، عَلَى فَعِيلٍ، قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ، وَالنِّسْبَةُ
إِلَيْهِمْ بَلَوِيّ. والأَبْلاءُ: مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ عَلَى أَفعال إِلَّا الأَبواء
والأَنْبار والأَبْلاء. وبَلَى: جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ فِيهِ حَرْفُ
نَفْيٍ كَقَوْلِكَ أَلم تَفْعَلْ كَذَا؟ فَيَقُولُ: بَلَى. وبَلَى:
جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ مَعْقُودٍ بِالْجَحْدِ، وَقِيلَ: يَكُونُ
جَوَابًا لِلْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ الْجَحْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى
. التَّهْذِيبُ: وَإِنَّمَا صَارَتْ بَلَى تَتَّصِلُ بِالْجَحْدِ
لأَنها رُجُوعٌ عَنِ الْجَحْدِ إِلَى التَّحْقِيقِ، فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ بَلْ، وَبَلْ سَبِيلُهَا أَن تأَتي بَعْدَ الْجَحْدِ
كَقَوْلِكَ: مَا قَامَ أَخوك بَلْ أَبوك، وَمَا أَكرمت أَخاك بَلْ
أَباك، قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَلا تَقُومَ؟
فَقَالَ لَهُ: بَلَى، أَراد بَلْ أَقوم، فزادوا الأَلف على بَلْ
لِيَحْسُنَ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، لأَنه لَوْ قَالَ بَلْ كَانَ
يَتَوَقَّعُ كَلَامًا بَعْدَ بل، فزادوا الأَلف ليزول عَنِ المخاطَب
هَذَا التَّوَهُّمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا
النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، ثُمَّ قَالَ: بَلى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً
؛ وَالْمَعْنَى بَلْ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:
بَلْ حُكْمُهَا الِاسْتِدْرَاكُ أَينما وَقَعَتْ فِي جَحْدٍ أَو
إِيجَابٍ، قَالَ: وبَلَى يَكُونُ إِيجَابًا لِلْمَنْفِيِّ لَا غَيْرُ.
الْفَرَّاءُ قَالَ: بَل تأْتي لِمَعْنَيَيْنِ: تَكُونُ إِضْرَابًا عَنِ
الأَول وَإِيجَابًا لِلثَّانِي كَقَوْلِكَ عِنْدِي لَهُ دِينَارٌ لَا
بَلْ دِينَارَانِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنها تُوجِبُ مَا قَبْلَهَا
وَتُوجِبُ مَا بَعْدَهَا وَهَذَا يُسَمَّى الاستدراك لأَنه أَراده
فنسيه ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ
بَلْ وَاللَّهِ لَا آتِيكَ وبَنْ وَاللَّهِ، يَجْعَلُونَ اللَّامَ
فِيهَا نُونًا؛ قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي سَعْدٍ وَلُغَةُ كَلْبٍ،
قَالَ: وَسَمِعْتُ الْبَاهِلِيِّينَ يَقُولُونَ لَا بَنْ بِمَعْنَى لَا
بَلْ. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلى قَدْ جاءَتْكَ
آياتِي
؛ جَاءَ بِبَلَى الَّتِي هِيَ مَعْقُودَةٌ بِالْجَحْدِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِي الْكَلَامِ لَفْظُ جَحْدٍ، لأَن قَوْلَهُ تَعَالَى: لَوْ
أَنَّ اللَّهَ هَدانِي؛ فِي قُوَّةِ الْجَحْدِ كأَنه قَالَ مَا
هُدِيتُ، فَقِيلَ بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي
؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاوِ لأَن
الْوَاوَ أَظهر هُنَا مِنَ الْيَاءِ، فَحُمِلَتْ مَا لَمْ تَظْهَرْ
فِيهِ عَلَى مَا ظَهَرَتْ فِيهِ؛ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الإِمالة
جَائِزَةٌ فِي بَلَى، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْيَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّمَا جَازَتِ الإِمالة فِي بَلَى
لأَنها شَابَهَتْ بِتَمَامِ الْكَلَامِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِهَا
وَغَنَائِهَا عَمَّا بَعْدَهَا الأَسماء الْمُسْتَقْبَلَةَ بأَنفسها،
فَمِنْ حَيْثُ جَازَتْ إِمَالَةُ الأَسماء جَازَتْ أَيضاً إِمَالَةُ
بَلَى، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ أَلم تَفْعَلْ
كَذَا وَكَذَا: بَلَى، فَلَا تَحْتَاجُ لِكَوْنِهَا جَوَابًا
مُسْتَقِلًّا إِلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا، فَلَمَّا قَامَتْ بِنَفْسِهَا
وَقَوِيَتْ لَحِقَتْ فِي الْقُوَّةِ بالأَسماء فِي جَوَازِ
إِمَالَتِهَا كَمَا أُميل أنَّى وَمَتَى. الْجَوْهَرِيُّ: بَلَى
جَوَابٌ لِلتَّحْقِيقِ يُوجِبُ مَا يُقَالُ لَكَ لأَنها تَرْكٌ
لِلنَّفْيِ، وَهِيَ حَرْفٌ لأَنها نَقِيضَةُ لَا، قَالَ سِيبَوَيْهِ:
لَيْسَ بَلَى وَنَعَمْ اسْمَيْنِ، وَقَالَ: بَلْ مخففٌ حرفٌ، يُعْطَفُ
بِهَا الْحَرْفُ الثَّانِي عَلَى الأَول فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ
إِعْرَابِهِ، وَهُوَ الإِضراب عَنِ الأَول لِلثَّانِي، كَقَوْلِكَ: مَا
جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَمَا رأَيت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا،
وَجَاءَنِي أَخوك بَلْ أَبوك، تَعْطِفُ بِهَا بَعْدَ النَّفْيِ
وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا؛ وَرُبَّمَا وَضَعُوهُ مَوْضِعَ رُبَّ
كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
يَعْنِي رُبَّ مَهْمَهٍ، كَمَا يُوضَعُ الْحَرْفُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ
اتِّسَاعًا؛ وَقَالَ آخَرُ:
(14/88)
بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ
؛ قَالَ الأَخفش عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنَّ بَلْ هاهنا بِمَعْنَى إِنَّ،
فَلِذَلِكَ صَارَ الْقَسَمُ عَلَيْهَا؛ قَالَ: وَرُبَّمَا
اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي قَطْعِ كلام واستئناف آخر فينشد
الرَّجُلُ مِنْهُمُ الشِّعْرَ فَيَقُولُ:
بَلْ مَا هاجَ أَحزاناً وشَجْواً قَدْ شَجَا
وَيَقُولُ:
بَلْ وبَلْدَةٍ مَا الإِنسُ منْ آهالِها
بني: بَنَا فِي الشَّرَفِ يَبْنُو؛ وعلى هذا تُؤُوِّلَ قَوْلُ
الْحَطِيئَةِ:
أُولَئِكَ قومٌ إنْ بَنَوا أَحْسنُوا البُنا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالُوا إِنَّهُ جمعُ بُنْوَة أَو بِنْوَة؛ قَالَ
الأَصمعي: أَنشدت أَعرابيّاً هَذَا الْبَيْتَ أَحسنوا البِنا، فَقَالَ:
أَي بُنا أَحسنوا البُنَا، أَراد بالأَول أَي بُنَيّ. والابنُ:
الْوَلَدُ، وَلَامُهُ فِي الأَصل مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ عِنْدَ
بَعْضِهِمْ كأَنه مِنْ هَذَا. وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: الابْنُ
الْوَلَدُ، فَعَلٌ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ مُجْتَلَبٌ لَهَا أَلف
الْوَصْلِ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَى أَنه مِنَ الْيَاءِ لأَن بَنَى
يَبْنِي أَكثر فِي كَلَامِهِمْ مَنْ يَبْنُو، وَالْجَمْعُ أَبْنَاء.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِم. قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ: والأُنثى ابْنَة وبِنْتٌ؛ الأَخيرة عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ
مُذَكَّرِهَا، ولامِ بِنْت وَاوٌ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْهَا؛ قَالَ
أَبو حَنِيفَةَ؛ أَصله بِنْوَة وَوَزْنُهَا فعلٌ، فأُلحقتها التاءُ
الْمُبْدَلَةُ مِنْ لَامِهَا بِوَزْنِ حِلْسٍ فَقَالُوا بِنْتٌ،
وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا بِعَلَامَةِ تأَنيث كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا
خِبْرَة لَهُ بِهَذَا اللِّسَانِ، وَذَلِكَ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا،
هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ
فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ فَقَالَ: لَوْ سَمَّيْتَ بِهَا رَجُلًا
لَصَرَفْتَهَا مَعْرِفَةً، وَلَوْ كَانَتْ للتأْنيث لَمَا انْصَرَفَ
الِاسْمُ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ تسمَّح فِي بَعْضِ أَلفاظه فِي
الْكِتَابِ فَقَالَ فِي بِنْت: هِيَ عَلَامَةُ تأْنيث، وَإِنَّمَا
ذَلِكَ تَجَوُّزٌ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ لأَنه أَرسله غُفْلًا، وَقَدْ
قَيَّدَهُ وَعَلَّلَهُ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، والأَخذ
بِقَوْلِهِ المُعَلَّل أَقوى مِنَ الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ المُغْفَل
المُرْسَل، ووَجهُ تجوُّزه أَنه لَمَّا كَانَتِ التَّاءُ لَا تُبْدَلُ
مِنَ الْوَاوِ فِيهَا إِلَّا مَعَ الْمُؤَنَّثِ صَارَتْ كأَنها
عَلَامَةُ تأْنيث، قَالَ: وأَعني بِالصِّيغَةِ فِيهَا بِنَاءَهَا عَلَى
فِعْل وأَصلها فَعَلٌ بِدَلَالَةِ تَكْسِيرِهِمْ إِيَّاهَا عَلَى
أَفعال، وإبدالُ الْوَاوِ فِيهَا لازمٌ لأَنه عَمَلٌ اخْتَصَّ بِهِ
الْمُؤَنَّثُ، وَيَدُلُّ أَيضاً عَلَى ذَلِكَ إِقَامَتُهُمْ إِيَّاهُ
مَقَامَ الْعَلَامَةِ الصَّرِيحَةِ وتعاقُبُها فِيهَا عَلَى
الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ ابْنَةٍ وبِنْتٍ،
فَالصِّيغَةُ فِي بِنْتٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْهَاءِ فِي ابنةٍ،
فَكَمَا أَن الْهَاءَ عَلَامَةُ تأْنيث فَكَذَلِكَ صِيغَةُ بنتٍ
عَلَامَةُ تأْنيثها، وَلَيْسَتْ بِنْتٌ مِنِ ابْنَةٍ كصَعب مِنْ
صَعْبة، إِنَّمَا نظيرُ صَعْبَةٍ مِنْ صَعُبَ ابنَةٌ مِنِ ابْنٍ، وَلَا
دَلَالَةَ لَكَ فِي البُنُوَّة عَلَى أَن الذَّاهِبَ مِنْ بِنْت وَاوٌ،
لَكِنَّ إِبْدَالَ التَّاءِ مِنْ حَرْفِ الْعِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنه
مِنَ الْوَاوِ، لأَن إِبْدَالَ التَّاءِ مِنَ الْوَاوِ أَضعف مِنْ
إِبْدَالِهَا مِنَ الْيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ
آخَرَ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وأَلحقوا ابْناً الْهَاءَ فَقَالُوا ابْنَة،
قَالَ: وأَما بِنْتٌ فَلَيْسَ عَلَى ابْنٍ، وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَةٌ
عَلَى حِدَةٍ، أَلحقوها الْيَاءَ للإِلحاق ثُمَّ أَبدلوا التَّاءَ
مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُبدلة مِنْ وَاوٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ:
وَإِنَّمَا بِنْتٌ كعِدْل، وَالنِّسَبُ إِلَى بِنْت بَنَوِيٌّ، وَقَالَ
يُونُسُ: بِنْتِيٌّ وأُخْتِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مَرْدُودٌ
عِنْدَ سِيبَوَيْهَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَذِهِ بِنْت
فُلَانٍ وَهَذِهِ ابْنَةُ فُلَانٍ، بِتَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْوَقْفِ
وَالْوَصْلِ، وَهُمَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ
إِبْنَةٌ فَهُوَ خطأٌ وَلَحْنٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا تَقُلِ
إِبْنَة لأَن الأَلف
(14/89)
إِنَّمَا اجْتُلِبَتْ لِسُكُونِ الْبَاءِ،
فَإِذَا حَرَّكْتَهَا سَقَطَتْ، والجمعُ بَنَاتٌ لَا غَيْرَ. قَالَ
الزَّجَّاجُ: ابْنٌ كَانَ فِي الأَصل بِنْوٌ أَو بَنَوٌ، والأَلف أَلف
وَصْلٍ فِي الابْن، يُقَالُ ابْنٌ بيِّنُ البُنُوَّة، قَالَ:
وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَصله بَنَياً، قَالَ: وَالَّذِينَ قَالُوا
بَنُونَ كأَنهم جَمَعُوا بَنَياً بَنُونَ، وأَبْنَاء جمْعَ فِعْل أَو
فَعَل، قَالَ: وبِنْت تَدُلُّ عَلَى أَنه يَسْتَقِيمُ أَن يَكُونَ
فِعْلًا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعَلًا، نُقِلَتْ إِلَى فعْلٍ كَمَا
نُقِلَتْ أُخْت مَنْ فَعَل إِلَى فُعْلٍ، فأَما بَنَاتٌ فَلَيْسَ
بِجَمْعِ بِنْتٍ عَلَى لَفْظِهَا، إِنَّمَا رُدَّتْ إِلَى أَصلها
فَجُمَعَتْ بَناتٍ، عَلَى أَن أَصل بِنْت فَعَلة مِمَّا حُذِفَتْ
لَامُهُ. قَالَ: والأَخفش يَخْتَارُ أَن يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنَ
ابْن الْوَاوَ، قَالَ: لأَنه أَكثر مَا يُحْذَفُ لِثِقَلِهِ وَالْيَاءُ
تُحْذَفُ أَيضاً لأَنها تُثْقِلُ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ
أَن يَدًا قَدْ أَجمعوا عَلَى أَن الْمَحْذُوفَ مِنْهُ الْيَاءُ،
وَلَهُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ مَعَ الإِجماع يُقَالُ يَدَيْتُ إِلَيْهِ
يَداً، ودمٌ مَحْذُوفٌ مِنْهُ الْيَاءُ، والبُنُوَّة لَيْسَ بِشَاهِدٍ
قَاطِعٍ لِلْوَاوِ لأَنهم يَقُولُونَ الفُتُوَّة وَالتَّثْنِيَةُ
فِتْيَانُ، فَابْنٌ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ الْوَاوَ
أَو الْيَاءَ، وَهُمَا عِنْدَنَا مُتَسَاوِيَانِ. قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ: وَالِابْنُ أَصله بَنَوٌ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ وَاوٌ
كَمَا ذَهَبَ مِنْ أَبٍ وأَخ لأَنك تَقُولُ فِي مُؤَنَّثِهِ بنتٌ
وأُخت، وَلَمْ نَرَ هَذِهِ الْهَاءَ تَلْحَقُ مُؤَنَّثًا إِلَّا
وَمُذَكَّرَهُ مَحْذُوفُ الْوَاوِ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَخَوات
وَهَنَوَاتٌ فِيمَنْ رَدَّ، وَتَقْدِيرُهُ مِنَ الْفِعْلِ فَعَلٌ،
بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ أَبناء مِثْلَ جَمَلٍ وأَجمال، وَلَا
يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعْلًا أَو فُعْلًا اللَّذَيْنِ جَمَعَهُمَا
أَيضاً أَفعال مِثْلَ جِذْع وقُفْل، لأَنك تَقُولُ فِي جَمْعِهِ
بَنُون، بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ فَعْلًا،
سَاكِنَةَ الْعَيْنِ، لأَن الْبَابَ فِي جَمْعِهِ إِنَّمَا هُوَ
أَفْعُل مِثْلُ كَلْب وأَكْلُب أَو فُعُولٌ مِثْلُ فَلْس وفُلوس.
وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ: هَذَا مِنَ ابْنَاوَاتِ
الشِّعْبِ، وَهُمْ حَيٌّ مِنْ كَلْب. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ
؛ كَنَّى ببَنَاتِه عَنْ نِسَائِهِمْ، وَنِسَاءُ أُمةِ كُلِّ نَبِيٍّ
بِمَنْزِلَةِ بَنَاتِهِ وأَزواجُه بِمَنْزِلَةِ أُمهاتهم؛ قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا
ابْنُمٌ، فَزَادُوا الْمِيمَ كَمَا زِيدَتْ فِي فُسْحُمٍ ودِلْقِمٍ،
وكأَنها فِي ابْنُمٍ أَمثَلُ قَلِيلًا لأَن الِاسْمَ مَحْذُوفُ
اللَّامِ، فكأَنها عِوَضٌ مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي فُسْحُمٍ وَنَحْوِهِ
حَذْفٌ؛ فأَما قَوْلُ رُؤْبَةَ:
بُكاءَ ثَكْلى فَقَدَتْ حَميما، ... فهي تَرَنَّى بأَبا وابْنَاما
فَإِنَّمَا أَراد: وابْنِيما، لَكِنْ حَكَى نُدْبَتها، واحتُمِل
الْجَمْعُ بَيْنَ الْيَاءِ والأَلف هاهنا لأَنه أَراد الْحِكَايَةَ،
كأَنَّ النَّادِبَةَ آثَرَتْ وَا ابْنا عَلَى وَا ابْني، لأَن الأَلف
هاهنا أَمْتَع نَدْبًا وأَمَدُّ لِلصَّوْتِ، إِذْ فِي الأَلف مِنْ
ذَلِكَ مَا لَيْسَ فِي الْيَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بأَبا وَلَمْ يَقُلْ
بأَبي، وَالْحِكَايَةُ قَدْ يُحْتَمل فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي
غَيْرِهَا، أَلا تَرَى أَنهم قَدْ قَالُوا مَن زَيْدًا فِي جَوَابِ
مَنْ قَالَ رأَيت زَيْدًا، ومَنْ زيدٍ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ مَرَرْتُ
بِزَيْدٍ؟ وَيُرْوَى:
فَهِيَ تُنادي بأَبي وابْنِيما
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ على وجه وَمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ
زَائِدَةٌ، وَجَمْعُ البِنْتِ بَناتٌ، وَجَمْعُ الابْن أَبْنَاء،
وَقَالُوا فِي تَصْغِيرِهِ أُبَيْنُون؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَنشدني
ابْنُ الأَعرابي لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
هُوَ السَّفَّاحُ بْنُ بُكير الْيَرْبُوعِيُّ:
مَنْ يَكُ لَا ساءَ، فَقَدْ ساءَني ... تَرْكُ أُبَيْنِيك إِلَى غَيْرِ
رَاعٍ
(14/90)
إِلَى أَبي طَلحةَ، أَو واقدٍ ... عُمْرِي
فَاعْلَمِي لِلضَّيَاعِ «1»
. قَالَ: أُبَيْنِي تَصْغِيرُ بَنِينَ، كأَنَّ وَاحِدَهُ إِبْنٌ
مَقْطُوعُ الأَلف، فَصَغَّرَهُ فَقَالَ أُبين، ثُمَّ جَمَعَهُ فَقَالَ
أُبَيْنُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ كأَنَّ
وَاحِدَهُ إِبْنٌ، قَالَ: صَوَابُهُ كأَنَّ وَاحِدَهُ أَبْنى مِثْلِ
أَعْمَى لِيَصِحَّ فِيهِ أَنه مُعْتَلُّ اللَّامِ، وأَن وَاوَهُ لَامٌ
لَا نُونٌ بِدَلِيلِ البُنُوَّة، أَو أَبْنٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
عَلَى مَيْلِ الْفَرَّاءِ أَنه مِثْلُ أَجْرٍ، وأَصله أَبْنِوٌ، قَالَ:
وَقَوْلُهُ فَصَغَّرَهُ فَقَالَ أُبَيْنٌ إِنَّمَا يَجِيءُ تَصْغِيرُهُ
عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أُبَيْنٍ مِثْلُ أُعَيْمٍ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أُبَيْنى لَا تَرْمُوا جَمْرة العَقَبة حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
صِيغَتِهَا وَمَعْنَاهَا، فَقِيلَ إِنَّهُ تَصْغِيرٌ أَبْنى كأَعْمَى
وأُعَيْمٍ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ، وَقِيلَ:
إِنَّ ابْناً يُجْمَعُ عَلَى أَبْنَا مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا،
وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ ابْنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ أَبو
عُبَيْدٍ: هُوَ تَصْغِيرُ بَنِيَّ جَمْعُ ابْنٍ مُضَافًا إِلَى
النَّفْسِ، قَالَ: وَهَذَا يُوجِبُ أَن يَكُونَ صِيغَةُ اللَّفْظَةِ
فِي الْحَدِيثِ أُبَيْنِيَّ بِوَزْنِ سُرَيْجيّ، وَهَذِهِ
التَّقْدِيرَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ «2» . وَالِاسْمُ
البُنُوَّةُ. قَالَ اللَّيْثُ: البُنُوَّةُ مَصْدَرُ الِابْنِ.
يُقَالُ: ابْنٌ بَيّنُ البُنُوَّة. وَيُقَالُ: تَبَنَّيْتُه أَي
ادَّعيت بُنُوَّتَه. وتَبَنَّاه: اتَّخَذَهُ ابْنًا. وَقَالَ
الزَّجَّاجُ: تَبَنَّى بِهِ يُرِيدُ تَبَنَّاه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي حُذَيْفَةَ: أَنه تَبَنَّى سَالِمًا
أَي اتَّخَذَهُ ابْنًا، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنْ الابْن، وَالنِّسْبَةُ
إِلَى الأَبْنَاء بَنَوِيٌّ وأَبْنَاوِيٌّ نَحْوُ الأَعرابيِّ،
يُنْسَبُ إِلَى الأَعراب، وَالتَّصْغِيرُ بُنَيٌّ. قَالَ الْفَرَّاءُ:
يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْلُ يَا أَبتِ وَيَا أبَتَ،
وَتَصْغِيرُ أَبْنَاء أُبَيْنَاء، وَإِنْ شِئْتَ أُبَيْنُونَ عَلَى
غَيْرِ مُكَبَّرِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى ابْنٍ
بَنَوِيّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ابْنِيّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا
نَسَبْتَ إِلَى أَبْنَاء فَارِسَ قُلْتَ بَنَوِيّ، قَالَ: وأَما
قَوْلُهُمْ أَبْنَاوِيّ فَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبْنَاء
سَعْدٍ لأَنه جَعَلَ اسْمًا لِلْحَيِّ أَو لِلْقَبِيلَةِ، كَمَا
قَالُوا مَدايِنِيٌّ جَعَلُوهُ اسْمًا لِلْبَلَدِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ
إِذَا نَسَبْتَ إِلَى بِنْت أَو إِلَى بُنَيَّاتِ الطَّريق قُلْتَ
بَنَوِيّ لأَن أَلف الْوَصْلِ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، فَإِذَا
حَذَفْتَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْوَاوِ. وَيُقَالُ: رأَيت
بَنَاتَك، بِالْفَتْحِ، ويُجرونه مُجْرَى التَّاءِ الأَصلية.
وبُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ: هِيَ الطُّرُق الصِّغَارُ تَتَشَعَّبُ مِنَ
الجادَّة، وَهِيَ التُّرَّهاتُ. والأَبْنَاء: قَوْمٌ مِنْ أَبناء
فَارِسَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأَبْنَاء فَارِسَ قَوْمٌ مِنْ
أَولادهم ارْتَهَنَتْهُمُ الْعَرَبُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
ارْتُهِنُوا بِالْيَمَنِ وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ اسْمُ الأَبْنَاء
كَغَلَبَةِ الأَنصار، والنسب إليهم على ذَلِكَ أَبْنَاوِيٌّ فِي لُغَةِ
بَنِي سَعْدٍ، كَذَلِكَ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْهُمْ، قَالَ:
وَحَدَّثَنِي أَبو الْخَطَّابِ أَن نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ
فِي الإِضافة إِلَيْهِ بَنَوِيٌّ، يَرُدُّونه إِلَى الْوَاحِدِ،
فَهَذَا عَلَى أَن لَا يَكُونَ اسْمًا لِلْحَيِّ، وَالِاسْمُ مِنْ
كُلِّ ذَلِكَ البُنُوَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَكَانَ مِنَ الأَبْنَاء
، قَالَ: الأَبْنَاء فِي الأَصل جَمْعُ ابْنٍ. وَيُقَالُ لأَولاد
فَارِسَ الأَبْنَاء، وَهُمُ الَّذِينَ أَرسلهم كِسرى مَعَ سَيْفِ بنِ
ذيِ يَزَنَ، لَمَّا جَاءَ يَسْتَنْجِدُهُمْ عَلَى الحَبَشة،
فَنَصَرُوهُ وَمَلَكُوا الْيَمَنَ وتَدَيَّرُوها وَتَزَوَّجُوا فِي
الْعَرَبِ فَقِيلَ لأَولادهم الأَبْنَاء، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ هَذَا
الِاسْمُ لأَن أُمهاتهم مِنْ غَيْرِ جِنْسِ آبَائِهِمْ. وللأَب والابْن
والبِنْت أَسماء كَثِيرَةٌ تُضَافُ إِلَيْهَا، وعَدَّدَ الأَزهري
مِنْهَا أَشياء كَثِيرَةً فَقَالَ ما يعرف
__________
(1) . قوله [عمري فاعلمي إلخ] كذا بالأصل بهذه الصورة، ولم نجده في كتب
اللغة التي بأيدينا
(2) . قوله: وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ الروايات، يشعر
أن في الكلام سقطاً
(14/91)
ب الابْن: قَالَ ابْنُ الأَعرابي ابْنُ
الطِّينِ آدمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وابْنُ مِلاطٍ العَضُدُ، وابْنُ
مُخدِّشٍ رأْسُ الكَتِفِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ النُّغْضُ أَيضاً، وابْنُ
النَّعامة عَظْمُ الساقِ، وابْنُ النَّعامة عِرْق فِي الرِّجْل، وابْنُ
النَّعامة مَحَجَّة الطَّرِيقِ، وابْنُ النَّعامة الفرَس الْفَارَّةُ،
وابْنُ النَّعامة السَّاقِي الَّذِي يَكُونُ عَلَى رأْس الْبِئْرِ،
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِها وابْنُ
بُعْثُطِها وابْنُ سُرْسُورها وابْنُ ثَراها وابْنُ مَدينتها وابْنُ
زَوْمَلَتِها أَي الْعَالِمُ بِهَا، وابْنُ زَوْمَلَة أَيضاً ابْنُ
أَمة، وابْنُ نُفَيْلَة ابْنُ أَمة، وابْنُ تامُورها الْعَالِمُ بِهَا،
وابْنُ الفأْرة الدِّرْصُ، وابْنُ السِّنَّورِ الدِّرْصُ أَيضاً،
وابْنُ الناقةِ البابُوس، قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ أَحْمَرَ فِي
شِعْرِهِ، وابْنُ الخَلَّة ابْنُ مَخاضٍ، وابْنُ عِرْسٍ السُّرْعُوبُ،
وابْنُ الجَرادةِ السِّرْو، وابْنُ اللَّيلِ اللِّصُّ، وابْنُ
الطَّرِيقِ اللِّصُّ أَيْضًا، وابْنُ غَبْراء اللِّصُّ أَيضاً؛ وَقِيلَ
فِي قَوْلِ طَرَفَةَ:
رأَيْتُ بَنِي غَبْراءَ لَا يُنْكِرُونَني
إِنَّ بَنِي غَبْراء اسْمٌ للصَّعاليك الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ
سُمُّوا بَنِي غَبْراء للزُوقهم بغَبْراء الأَرض، وَهُوَ تُرَابُهَا،
أَراد أَنه مَشْهُورٌ عِنْدَ الْفُقَرَاءِ والأَغنياء، وقيل: بَنُو
غبراء هم الرُّفْقَةُ يَتَناهَدُون فِي السَّفَرِ، وَابْنُ إلاهَةَ
وأَلاهَةَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، وَهُوَ الضِّحُّ، وَابْنُ المُزْنةِ
الهلالُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
رأَيتُ ابْنَ مُزْنَتِها جانِحَا
وابْنُ الكَرَوانِ الليلُ، وابْنُ الحُبارَى النهارُ، وابْنُ تُمَّرةَ
طَائِرٌ، وَيُقَالُ التُّمَّرةِ، وابْنُ الأَرضِ الغَديرُ، وابْنُ
طامِرٍ البُرْغُوث، وابْنُ طامِرٍ الخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ، وابْنُ
هَيَّانَ وابْنُ بَيَّانَ وابْنُ هَيٍّ وابْنُ بَيٍّ كُلُّه الخَسِيسُ
مِنَ النَّاسِ، وابْنُ النَّخْلَةِ الدَّنيء «1» . وابْنُ البَحْنَة
السَّوْط، والبَحْنة النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وابْنُ الأَسد
الشَّيْعُ والحَفْصُ، وابْنُ القِرْد الحَوْدَلُ والرُّبَّاحُ، وابْنُ
البَراء أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، وابْنُ المازِنِ النَّمْل،
وابْنُ الْغُرَابِ البُجُّ، وابْنُ الفَوالي الجانُّ، يَعْنِي الحيةَ،
وابْنُ القاوِيَّةِ فَرْخُ الْحَمَامِ، وابْنُ الفاسِياء القَرَنْبَى،
وابْنُ الْحَرَامِ السَّلَا، وابْنُ الكَرْمِ القِطْفُ، وابْنُ
المَسَرَّة غُصْنُ الرَّيْحَانِ، وابْنُ جَلا السَّيِّدُ، وابْنُ
دأْيةَ الغُراب، وابْنُ أَوْبَرَ الكَمْأةُ، وابْنُ قِتْرةَ الحَيَّة،
وابْنُ ذُكاءَ الصُّبْح، وابْنُ فَرْتَنَى وابْنُ تُرْنَى ابْنُ
البَغِيَّةِ، وابْنُ أَحْذارٍ الرجلُ الحَذِرُ، وابْنُ أَقْوالٍ الرجُل
الْكَثِيرُ الْكَلَامِ، وابْنُ الفَلاةِ الحِرباءُ، وابْنُ الطَّودِ
الحَجَر، وابْنُ جَمِير الليلةُ الَّتِي لَا يُرى فِيهَا الهِلالُ،
وابْنُ آوَى سَبُعٌ، وابْنُ مخاضٍ وابْنُ لَبُونٍ مِنْ أَولادِ الإِبل.
وَيُقَالُ للسِّقاء: ابْنُ الأَدِيم، فَإِذَا كَانَ أَكبر فَهُوَ ابْنُ
أَدِيمَين وابْنُ ثلاثةِ آدِمَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الهَيْثَم
أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ هَذَا ابْنُكَ، وَيُزَادُ فِيهِ الْمِيمُ
فَيُقَالُ هَذَا ابْنُمك، فَإِذَا زِيدَتِ الْمِيمُ فِيهِ أُعرب مِنْ
مَكَانَيْنِ فَقِيلَ هَذَا ابْنُمُكَ، فَضُمَّتِ النُّونُ وَالْمِيمُ،
وأُعرب بِضَمِّ النُّونِ وَضَمِّ الْمِيمِ، وَمَرَرْتُ بابْنِمِك
ورأَيت ابْنَمَك، تَتْبَعُ النُّونُ الْمِيمَ فِي الإِعراب، والأَلف
مَكْسُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِبُهُ مِنْ
مَكَانٍ وَاحِدٍ فَيُعْرِبُ الْمِيمَ لأَنها صَارَتْ آخِرَ الِاسْمِ،
وَيَدَعُ النُّونَ مَفْتُوحَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ فَيَقُولُ هَذَا
ابْنَمُكَ، ومررت بابْنَمِك، ورأَيت ابْنَمَكَ، وَهَذَا ابْنَمُ زيدٍ،
وَمَرَرْتُ بابْنَمِ زيدٍ، ورأَيت ابْنَمَ زيدٍ؛ وأَنشد لحسان:
__________
(1) . قوله [وابن النخلة الدنيء] وقوله فيما بعد [وابن الحرام السلا]
كذا بالأصل
(14/92)
وَلَدْنا بَني العَنقاءِ وابْنَيْ
مُحَرِّقٍ، ... فأَكْرِم بِنَا خَالًا، وأَكْرِم بِنَا ابْنَمَا
وَزِيَادَةُ الْمِيمِ فِيهِ كَمَا زَادُوهَا فِي شَدْقَمٍ وزُرْقُمٍ
وشَجْعَمٍ لِنَوْعٍ مِنَ الْحَيَّاتِ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَمْ يَحْمِ أَنْفاً عِنْدَ عِرْسٍ وَلَا ابْنِمِ
فَإِنَّهُ يُرِيدُ الِابْنَ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ فِيمَا
يُعْرَفُ ببَنَات: بَنَاتُ الدَّمِ بَنَات أَحْمَرَ، وبَنَاتُ
المُسْنَدِ صُروفُ الدَّهْر، وبَنَاتُ مِعًى البَعَرُ، وبَنَاتُ
اللَّبَن مَا صَغُرَ مِنْهَا، وبَنَاتُ النَّقا هِيَ الحُلْكة تُشبَّهُ
بِهنَّ بَنانُ العَذارَى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَنَاتُ النَّقا تَخْفَى مِراراً وتَظْهَرُ
وبَنَات مَخْرٍ وبَنَاتُ بَخْرٍ سحائبُ يأْتين قُبُلَ الصَّيْفِ
مُنْتَصباتٍ، وبَنَاتُ غَيرٍ الكَذِبُ، وبَنَاتُ بِئْسَ الدَّوَاهِي،
وَكَذَلِكَ بَنَاتُ طَبَقٍ وبَنَاتُ بَرْحٍ وبَنَاتُ أَوْدَكَ وابْنَةُ
الجَبَل الصَّدَى، وبَنَاتُ أَعْنَقَ النساءُ، وَيُقَالُ: خَيْلٌ
نُسِبَتْ إِلَى فَحل يُقَالُ لَهُ أَعنَقُ، وبَنَاتُ صَهَّالٍ الخَيلُ،
وبَنَات شَحَّاجٍ البِغالُ، وبَنَاتُ الأَخْدَرِيّ الأُتُنُ، وبَنَاتُ
نَعْش مِنَ الْكَوَاكِبِ الشَّمالِيَّة، وبَنَاتُ الأَرض الأَنهارُ
الصِّغارُ، وبَنَاتُ المُنى اللَّيْلُ، وبَنَاتُ الصَّدْر الهُموم،
وبَنَاتُ المِثالِ النِّساء، والمِثالُ الفِراش، وبَنَاتُ طارِقٍ
بَنَاتُ المُلوك، وبَنَات الدَّوِّ حَمِيرُ الوَحْشِ، وَهِيَ بَنَاتُ
صَعْدَة أَيضاً، وبَنَاتُ عُرْجُونٍ الشَّماريخُ، وبَنَاتُ عُرْهُونٍ
الفُطُرُ، وبِنْتُ الأَرضِ وابْنُ الأَرْضِ ضَرْبٌ مِنَ البَقْلِ،
والبَنَاتُ التَّماثيلُ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الجَواري. وَفِي
حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كُنْتُ أَلعب مَعَ الْجَوَارِي
بالبَنَاتِ
أَي التَّمَاثِيلِ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الصَّبَايَا. وذُكِرَ
لِرُؤْبَةَ رجلٌ فَقَالَ: كَانَ إحدَى بَنَاتِ مَساجد الله، كأَنه
جَعَلَهُ حَصاةً مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه سأَل رَجُلًا قَدِمَ مِنَ
الثَّغْر فَقَالَ: هَلْ شَرِبَ الجيشُ فِي البُنَيَّاتِ الصِّغار؟ قال:
لا، إن الْقَوْمَ لَيُؤْتَوْنَ بالإِناء فيَتَداولونه حَتَّى
يَشْرَبُوهُ كلُّهم
؛ البُنَيَّاتُ هاهنا: الأَقْداح الصِّغار، وبَنَاتُ الليلِ الهُمومُ؛
أَنشد ثَعْلَبٌ:
تَظَلُّ بَنَاتُ الليلِ حَوْليَ عُكَّفاً ... عُكُوفَ البَواكي،
بينَهُنَّ قَتِيلُ
وَقَوْلُ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الهُذَليّ:
فسَبَتْ بَنَاتِ القَلْبِ، فَهِيَ رَهائِنٌ ... بِخِبائِها كالطَّيْر
فِي الأَقْفاصِ
إِنَّمَا عَنَى بِبَنَاتِهِ طَوَائِفَهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ
الأَعرابي:
يَا سَعْدُ يَا ابْنَ عمَلي يَا سَعْدُ
أَراد: مَنْ يَعْملُ عَمَلي أَو مِثْلَ عمَلي، قَالَ: وَالْعَرَبُ
تَقُولُ الرِّفْقُ بُنَيُّ الحِلْمِ أَي مِثْلِهِ. والبَنْيُ: نَقيضُ
الهَدْم، بَنَى البَنَّاءُ البِناءَ بَنْياً وبِنَاءً وبِنًى،
مَقْصُورٌ، وبُنْيَاناً وبِنْيَةً وبِنَايَةً وابْتَنَاه وبَنَّاه؛
قَالَ:
وأَصْغَر مِنْ قَعْبِ الوَليدِ، تَرَى بِهِ ... بُيوتاً مُبَنَّاةً
وأَودِيةً خُضْرا
يَعْنِي الْعَيْنُ، وَقَوْلُ الأَعْوَرِ الشَّنِّيِّ فِي صِفَةِ
بَعِيرٍ أَكراه:
لَمَّا رَأَيْتُ مَحْمِلَيْهِ أَنَّا ... مُخَدَّرَيْنِ، كِدْتُ أَن
أُجَنَّا
قَرَّبْتُ مِثْلَ العَلَمِ المُبَنَّى
شَبَّهَ الْبَعِيرَ بالعَلَمِ لعِظَمِه وضِخَمِه؛ وعَنى بالعَلَمِ
(14/93)
القَصْرَ، يَعْنِي أَنه شَبَّهَهُ
بِالْقَصْرِ المَبْنيّ المُشيَّدِ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
كَرأْسِ الفَدَنِ المُؤْيَدِ
والبِناءُ: المَبْنيُّ، وَالْجَمْعُ أَبْنِيَةٌ، وأَبْنِيَاتٌ جمعُ
الْجَمْعِ، وَاسْتَعْمَلَ أَبو حَنِيفَةَ البِنَاءَ فِي السُّفُنِ
فَقَالَ يَصِفُ لَوْحًا يَجْعَلُهُ أَصحاب الْمَرَاكِبِ فِي بِنَاءِ
السُّفُن: وَإِنَّهُ أَصلُ البِنَاء فِيمَا لَا يُنَمَّى كَالْحَجَرِ
وَالطِّينِ وَنَحْوِهِ. والبَنَّاءُ: مُدَبِّرُ البُنْيان وَصَانِعُهُ،
فأَما قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: أَبْنَاؤُها أَجْناؤُها، فَزَعَمَ
أَبو عُبَيْدٍ أَن أَبْنَاءً جَمْعُ بَانٍ كشاهدٍ وأَشهاد، وَكَذَلِكَ
أَجْناؤُها جَمْعُ جانٍ. والبِنْيَةُ والبُنْيَةُ: مَا بَنَيْتَهُ،
وَهُوَ البِنَى والبُنَى؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ:
أُولئك قومٌ، إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا البُنَى، ... وَإِنْ عاهَدُوا
أَوْفَوْا، وَإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا
وَيُرْوَى: أَحْسَنُوا البِنَى؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا أَراد
بالبِنَى جَمْعُ بِنْيَةٍ، وَإِنْ أَراد البِناءَ الَّذِي هُوَ
مَمْدُودٌ جَازَ قَصْرُهُ فِي الشِّعْرِ، وَقَدْ تَكُونُ البِنايةُ فِي
الشَّرَف، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ؛ قَالَ يَزيدُ بْنُ الحَكَم:
والناسُ مُبْتَنيانِ: مَحْمودُ ... البِنَايَةِ، أَو ذَمِيمُ
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فبَنَى لَنَا بَيْتاً رَفِيعًا سَمْكُه، ... فَسَما إِلَيْهِ كَهْلُها
وغُلامُها
ابْنُ الأَعرابي: البِنَى الأَبْنِيةُ مِنَ المَدَر أَو الصُّوفِ،
وَكَذَلِكَ البِنَى مِنَ الكَرَم؛ وأَنشد بَيْتَ الْحُطَيْئَةُ:
أُولئك قَوْمٌ إِنْ بَنَوا أَحسنوا البِنَى
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ بِنْيَةٌ، وَهِيَ مِثْلُ رِشْوَةٍ ورِشاً
كأَنَّ البِنْيَةَ الْهَيْئَةُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا مِثْلَ
المِشْيَة والرِّكْبةِ. وبَنَى فلانٌ بَيتاً بِنَاءً وبَنَّى،
مَقْصُورًا، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وابْتَنَى دَارًا وبَنَى بِمَعْنًى.
والبُنْيَانُ: الحائطُ. الْجَوْهَرِيُّ: والبُنَى، بِالضَّمِّ
مَقْصُورٌ، مِثْلَ البِنَى. يُقَالُ: بُنْيَةٌ وبُنًى وبِنْيَةٌ
وبِنًى، بِكَسْرِ الْبَاءِ مَقْصُورٌ، مِثْلَ جِزْيةٍ وجِزًى،
وَفُلَانٌ صَحِيحُ البِنْيَةِ أَي الفِطْرة. وأَبنَيْتُ الرجلَ:
أَعطيتُه بِناءً أَو مَا يَبْتَني بِهِ داره؛ وقولُ البَوْلانيِّ:
يَسْتَوقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، ويَصْطادُ ... نُفوساً بُنَتْ عَلَى
الكرَمِ
أَي بُنِيَتْ، يَعْنِي إِذَا أَخطأَ يُورِي النارَ. التَّهْذِيبُ:
أَبْنَيْتُ فُلَانًا بَيْتاً إِذَا أَعطيته بَيْتًا يَبْنِيه أَو
جَعَلْتَهُ يَبْني بَيْتًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَوْ وصَلَ الغيثُ أَبْنَيْنَ امْرَأً، ... كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ
سَحْقَ بِجادْ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُ لَوْ وَصَلَ الْغَيْثُ أَي لَوِ
اتَّصَلَ الْغَيْثُ لأَبنَيْنَ امْرَأً سَحْقَ بجادٍ بَعْدَ أَن
كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ، يَقُولُ: يُغِرْنَ عَلَيْهِ فيُخَرِّبْنَه
فَيَتَّخِذُ بِنَاءً مِنْ سَحْقِ بِجادٍ بَعْدَ أَن كَانَتْ لَهُ
قُبَّةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ يَصِفُ الْخَيْلَ فَيَقُولُ: لَوْ سَمَّنَها
الغيثُ بِمَا يُنْبِتُ لَهَا لأَغَرْتُ بِهَا عَلَى ذَوِي القِبابِ
فأَخذت قِبابَهم حَتَّى تَكُونَ البُجُدُ لَهُمْ أَبْنيةً بَعْدَهَا.
والبِناءُ: يَكُونُ مِنَ الخِباء، وَالْجَمْعُ أَبْنِيَةٌ. والبِنَاءُ:
لُزُومُ آخِرِ الْكَلِمَةِ ضَرْبًا وَاحِدًا مِنَ السُّكُونِ أَو
الْحَرَكَةِ لَا لِشَيْءٍ أَحدث ذَلِكَ مِنَ الْعَوَامِلِ، وكأَنهم
إِنَّمَا سَمَّوْهُ بِنَاءً لأَنه لَمَّا لَزِمَ ضَرْبًا وَاحِدًا
فَلَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرَ الإِعراب، سُمِّيَ بِنَاءً مِنْ حَيْثُ
كَانَ الْبِنَاءُ لَازِمًا مَوْضِعًا لَا يَزُولُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى
غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْآلَاتِ الْمَنْقُولَةِ
الْمُبْتَذَلَةِ كالخَيْمة والمِظَلَّة والفُسْطاطِ والسُّرادِقِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنه مُذْ أُوقِع عَلَى هَذَا الضَّرْبِ مِنَ
الْمُسْتَعْمِلَاتِ المُزالة مِنْ
(14/94)
مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لفظُ الْبَنَّاءِ
تَشْبِيهًا بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَسْكُونًا وَحَاجِزًا
وَمِظَلًّا بِالْبِنَاءِ مِنَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ وَالْجِصِّ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي المَثَل: إنَّ المِعْزى تُبْهي وَلَا تُبْنِي
أَي لَا تُعْطِي مِنَ الثَّلَّة مَا يُبْنى مِنْهَا بَيْتٌ، الْمَعْنَى
أَنها لَا ثَلَّة لَهَا حَتَّى تُتَّخذ مِنْهَا الأَبنيةُ أَي لَا
تُجْعَلُ منها الأَبنية لأَن أَبينة الْعَرَبِ طِرافٌ وأَخْبيَةٌ،
فالطِّرافُ مَنْ أَدَم، والخِباءُ مِنْ صُوفٍ أَو أَدَمٍ وَلَا يَكُونُ
مِنْ شَعَر، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنها تَخْرِق الْبُيُوتَ بوَثْبِها
عَلَيْهَا وَلَا تُعينُ عَلَى الأَبنيةِ، ومِعزَى الأَعراب جُرْدٌ لَا
يطُول شَعْرُهَا فيُغْزَلَ، وأَما مِعْزَى بِلَادِ الصَّرْدِ وأَهل
الرِّيفِ فَإِنَّهَا تَكُونُ وَافِيَةَ الشُّعور والأَكْرادُ يُسَوُّون
بيوتَهم مِنْ شَعْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ:
فأَمَر بِبِنَائِهِ فقُوِّضَ
؛ البِنَاءُ وَاحِدُ الأَبْنِيَة، وَهِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي
تُسْكُنُهَا الْعَرَبُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَمِنْهَا الطِّراف والخِباء
والبِنَاءُ والقُبَّة المِضْرَبُ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ هَدَمَ بِنَاءَ ربِّه
تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُوَ مَلْعُونٌ
، يَعْنِي مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لأَن الْجِسْمَ بُنْيانٌ
خَلَقَهُ اللَّهُ وركَّبه. والبَنِيَّةُ، عَلَى فَعِيلة: الكعْبة
لِشَرَفِهَا إِذْ هِيَ أَشرف مبْنِيٍّ. يُقَالُ: لَا وربِّ هَذِهِ
البَنِيَّة مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَفِي حَدِيثِ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرورٍ: رأَيتُ أَن لَا أَجْعَلَ هَذِهِ البَنِيَّة
مِنِّي بظَهْرٍ
؛ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ، وَكَانَتْ تُدْعَى بَنِيَّةَ إِبْرَاهِيمَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأَنه بَنَاهَا، وَقَدْ كَثُرَ قَسَمُهم بِرَبِّ
هَذِهِ البَنِيَّة. وبَنَى الرجلَ: اصْطَنَعَه؛ قَالَ بَعْضُ
المُوَلَّدين:
يَبْنِي الرجالَ، وغيرهُ يَبْنِي القُرَى، ... شَتَّانَ بَيْنِ قُرًى
وبينَ رِجالِ
وَكَذَلِكَ ابْتَنَاه. وبَنَى الطعامُ لَحْمَه يَبْنِيه بِنَاءً:
أَنْبَتَه وعَظُمَ مِنَ الأَكل؛ وأَنشد:
بَنَى السَّوِيقُ لَحْمَها واللَّتُّ، ... كَمَا بَنَى بُخْتَ العِراقِ
القَتُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنشد ثَعْلَبٌ:
مُظاهِرة شَحْماً عَتِيقاً وعُوطَطاً، ... فَقَدْ بَنَيا لَحْمًا لَهَا
مُتَبَانِيا
وَرَوَاهُ سِيبَوَيْهِ: أَنْبَتا.
وَرَوَى شَمِر: أَن مُخَنثاً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي
أُمَيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطائفَ فَلَا تُفْلِتَنَّ
مِنْكَ باديةُ بنتُ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا إِذَا جلستْ تَبَنَّتْ،
وَإِذَا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ، وَإِذَا اضْطَجَعَتْ تَمنَّتْ، وبَيْنَ
رجلَيها مثلُ الإِناء المُكْفَإ
، يَعْنِي ضِخَمَ رَكَبِها ونُهُودَه كأَنه إِنَاءٌ مَكْبُوبٌ، فَإِذَا
قَعَدَتْ فَرَّجَتْ رِجْلَيْهَا لضِخَم رَكَبِها؛ قَالَ أَبو
مَنْصُورٍ: وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ قَوْلُ الْمُخَنَّثِ إِذَا
قَعَدَتْ تَبَنَّتْ أَي صَارَتْ كالمَبْناةِ مِنْ سِمَنِهَا
وَعَظَمِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: بَنَى لَحْمَ فُلَانٍ طعامُه إِذَا
سمَّنه وعَظَّمه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنه شَبَّهَهَا بالقُبَّة
مِنَ الأَدَم، وَهِيَ المَبْنَاة، لِسَمْنِهَا وَكَثْرَةِ لَحْمِهَا،
وَقِيلَ: شَبَّهَهَا بأَنها إِذَا ضُرِبَتْ وطُنِّبَت انْفَرَجَتْ،
وَكَذَلِكَ هَذِهِ إِذَا قَعَدَتْ تَرَبَّعَتْ وَفَرَشَتْ رِجْلَيْهَا.
وتَبَنَّى السَّنامُ: سَمِنَ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَعْوَر
الشَّنِّيُّ:
مُسْتَجمِلًا أَعْرَفَ قَدْ تَبَنَّى
وَقَوْلُ الأَخفش فِي كِتَابِ الْقَوَافِي: أَما غُلامي إِذَا أَردتَ
الإِضافة مَعَ غلامٍ فِي غَيْرِ الإِضافة فَلَيْسَ بِإِيطَاءٍ، لأَن
هَذِهِ الْيَاءَ أَلزمت الْمِيمَ الْكَسْرَةَ وَصَيَّرَتْهُ إِلَى أَن
يُبْنَى عَلَيْهِ، وقولُك لِرَجُلٍ لَيْسَ هَذَا الْكَسْرُ الَّذِي
فِيهِ بِبَنَّاءٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ؛ الْمُعْتَبَرُ الْآنَ فِي
بَابِ غُلَامِي
(14/95)
مَعَ غُلَامٍ هُوَ ثَلَاثَةُ أَشياء:
وَهُوَ أَن غُلَامَ نَكِرَةٌ وَغُلَامِي مَعْرِفَةٌ، وأَيضاً فَإِنَّ
فِي لَفْظِ غُلَامِي يَاءً ثَابِتَةً وَلَيْسَ غُلَامٌ بِلَا يَاءٍ
كَذَلِكَ، وَالثَّالِثُ أَن كَسْرَةَ غُلَامِيَ بَنَّاءٌ عِنْدَهُ
كَمَا ذَكَرَ وَكَسْرَةُ مِيمِ مَرَرْتُ بِغُلَامٍ إِعْرَابٌ لَا
بِنَاءٌ، وَإِذَا جَازَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ وأَحدهما مَعْرِفَةٌ
وَالْآخَرُ نَكِرَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنْ هَذَا، فَمَا
اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشياء مِنَ الْخِلَافِ أَجْدَرُ
بِالْجَوَازِ، قَالَ: وَعَلَى أَن أَبا الْحَسَنِ الأَخفش قَدْ
يُمْكِنُ أَن يَكُونَ أَراد بِقَوْلِهِ إِنَّ حَرَكَةَ مِيمِ غُلَامِي
بَنَّاءٌ أَنه قَدِ اقْتُصِر بِالْمِيمِ عَلَى الْكَسْرَةِ، وَمَنَعَتِ
اختلافَ الْحَرَكَاتِ الَّتِي تَكُونُ مَعَ غَيْرِ الْيَاءِ نَحْوُ
غُلَامِهِ وَغُلَامِكَ، وَلَا يُرِيدُ الْبَنَّاءَ الَّذِي يُعاقب
الإِعرابَ نَحْوَ حَيْثُ وأَين وَأَمْسَ. والمِبْنَاة والمَبْنَاةُ:
كَهَيْئَةِ السِّتْرِ والنِّطْعِ. والمَبْنَاة والمِبْنَاة أَيضاً:
العَيْبةُ.
وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ: سأَلت عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، عَنْ صَلَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لم يكن من الصلاةِ شيءٌ أَحْرَى أَن
يُؤَخِّرَهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: وَمَا رأَيته
مُتَّقِياً الأَرض بِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَني أَذكرُ يومَ مطَرٍ
فإنَّا بَسَطْنا لَهُ بِنَاءً
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ بِنَاءً أَي نِطَعاً، وَهُوَ مُتَّصل
بِالْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي
الْحَدِيثِ، وَيُقَالُ لَهُ المَبْنَاةُ والمِبْنَاة أَيضاً. وَقَالَ
أَبو عَدْنان: يُقَالُ للبيتِ هَذَا بِناءُ آخِرَتِهِ؛ عَنِ
الْهُوَازِنِيِّ، قَالَ: المَبْنَاةُ مِنْ أَدَم كَهَيْئَةِ الْقُبَّةِ
تَجْعَلُهَا المرأَة فِي كِسْر بَيْتِهَا فَتَسْكُنُ فِيهَا، وَعَسَى
أَن يَكُونَ لَهَا غَنَمٌ فَتَقْتَصِرُ بِهَا دُونَ الْغَنَمِ
لِنَفْسِهَا وَثِيَابِهَا، وَلَهَا إِزَارٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ مِنْ
دَاخِلٍ يُكِنُّها مِنَ الحرِّ وَمِنْ واكِفِ الْمَطَرِ فَلَا
تُبَلَّلُ هِيَ وثيابُها؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِلنَّابِغَةِ:
عَلَى ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جديدٍ سُيُورُها، ... يَطُوفُ بِهَا وَسْطَ
اللَّطِيمَة بائعُ
قَالَ: المَبْنَاة قُبَّةٌ مِنْ أَدَم. وَقَالَ الأَصمعي: المَبْنَاة
حَصِيرٌ أَو نُطْعٌ يَبْسُطُهُ التَّاجِرُ عَلَى بَيْعِهِ، وَكَانُوا
يَجْعَلُونَ الحُصُرَ عَلَى الأَنْطاع يَطُوفُونَ بِهَا، وَإِنَّمَا
سُمِّيَتْ مَبْنَاة لأَنها تُتَّخَذُ مَنْ أَدم يُوصَلُ بعضُها
بِبَعْضٍ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
رَجَعَتْ وُفُودُهُمُ بتَيْمٍ بعدَ ما ... خَرَزُوا المَبَانِيَ فِي
بَني زَدْهامِ
وأَبْنَيْتُه بَيْتاً أَي أَعطيته مَا يَبْني بَيْتاً. والبانِيَةُ
مِنَ القِسِيّ: الَّتِي لَصِقَ وتَرُها بكَبدها حَتَّى كَادَ
يَنْقَطِعُ وَتَرُهَا فِي بَطْنِهَا مِنْ لُصُوقِهِ بِهَا، وَهُوَ
عَيْبٌ، وَهِيَ البَانَاةُ، طائِيَّةٌ. غَيْرُهُ: وقوسٌ بَانِيَةٌ
بَنَتْ عَلَى وَتَرِهَا إِذَا لَصِقَتْ بِهِ حَتَّى يَكَادَ
يَنْقَطِعُ. وقوسٌ بَانَاةٌ: فَجَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَحِي
عَنْهَا الْوَتَرُ. وَرَجُلٌ بَانَاةٌ: مُنحنٍ عَلَى وَتَرِهِ عِنْدَ
الرَّمْي؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عارِضٍ زَوْراءَ مِنْ نَشَمٍ، ... غَيْرَ بَانَاةٍ عَلَى وَتَرِهْ
وأَما البَائِنَةُ فَهِيَ الَّتِي بانَتْ عَنْ وتَرها، وَكِلَاهُمَا
عَيْبٌ. والبَوَانِي: أَضْلاعُ الزَّوْرِ. والبَوَانِي: قوائمُ
النَّاقَةِ. وأَلْقَى بَوَانِيَه: أَقام بِالْمَكَانِ واطمأَنَّ
وَثَبَتَ كأَلْقى عَصَاهُ وأَلْقى أَرْواقَه، والأَرواق جَمْعُ رَوْقِ
الْبَيْتِ، وَهُوَ رِواقُه. والبَوَانِي: عِظامُ الصَّدْر؛ قَالَ
الْعَجَّاجُ بْنُ رُؤْبَةَ:
فإنْ يكنْ أَمْسَى شَبابي قَدْ حَسَرْ، ... وفَتَرَتْ مِنِّي
البَوَانِي وفَتَر
وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: فَلَمَّا أَلقى الشامُ بَوانِيَهُ عَزَلَني
(14/96)
واستَعْمَلَ غَيْرِي
، أَي خَيرَه وَمَا فِيهِ مِنَ السَّعةِ والنَّعْمةِ. قَالَ ابْنُ
الأَثير: والبَوَانِي فِي الأَصل أَضلاعُ الصَّدْر، وَقِيلَ: الأَكتافُ
والقوائمُ، الْوَاحِدَةُ بَانِيَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَلْقَت السماءُ بَرْكَ بَوَانِيها
؛ يُرِيدُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ
أَلقى الشامُ بَوَانِيَه
، قَالَ: فَإِنَّ ابْنَ حَبْلَةَ «2» . رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَبي
عُبَيْدٍ، بِالنُّونِ قَبْلَ الْيَاءِ، وَلَوْ قِيلَ بَوائنه، الْيَاءُ
قَبْلَ النُّونِ، كَانَ جَائِزًا. والبَوَائِنُ جَمْعُ البُوانِ،
وَهُوَ اسْمُ كُلِّ عَمُودٍ فِي الْبَيْتِ مَا خَلا وَسَط الْبَيْتِ
الَّذِي لَهُ ثَلَاثُ طَرائق. وبَنَيْتُ عَنْ حالِ الرّكِيَّة:
نَحَّيْتُ الرِّشاء عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ الترابُ عَلَى الْحَافِرِ.
والبَانِي: العَرُوس الَّذِي يَبْني عَلَى أَهله؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَلُوحُ كأَنه مِصْباحُ بَانِي
وبَنَى فلانٌ عَلَى أَهله بِناءً، وَلَا يُقَالُ بأَهله، هَذَا قَوْلُ
أَهل اللُّغَةِ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّيٍّ: بَنَى فُلَانٌ بأَهله
وابْتَنَى بِهَا، عَدَّاهما جَمِيعًا بِالْبَاءِ. وَقَدْ زَفَّها
وازْدَفَّها، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بَنَى بأَهله، وَهُوَ خطأٌ،
وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وكأَنَّ الأَصلَ فِيهِ أَن
الدَّاخِلَ بأَهله كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبَّةً لَيْلَةَ
دُخُولِهِ لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا فَيُقَالُ: بَنَى الرجلُ عَلَى
أَهله، فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِلٍ بأَهله بَانٍ، وَقَدْ وَرَدَ بَنَى
بأَهله فِي شِعْرِ جِرَانِ العَوْدِ قَالَ:
بَنَيْتُ بِهَا قَبْلَ المِحَاقِ بليلةٍ، ... فكانَ مِحَاقاً كُلُّه
ذَلِكَ الشَّهْرُ
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جاءَ بَنَى بأَهله فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا
يُقَالُ بَنَى بأَهله؛ وعادَ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي كِتَابِهِ. وَفِي
حَدِيثِ
أَنس: كَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْحِجَابِ فِي مُبْتَنى
رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِزَيْنَبَ
؛ الابْتِنَاءُ والبِنَاء: الدخولُ بالزَّوْجةِ، والمُبْتَنَى هاهنا
يُراد بِهِ الابْتِناءُ فأَقامه مُقَام الْمَصْدَرِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَتَى
تُبْنِيني
أَي تُدْخِلُني عَلَى زَوْجَتِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَقِيقَتُهُ
مَتَى تَجْعَلُنِي أَبْتَنِي بِزَوْجَتِي. قَالَ الشَّيْخُ أَبو
مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ: وجاريةٌ بَنَاةُ اللَّحْمِ أَي مَبْنِيَّةُ
اللَّحْمِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سَبَتْه مُعْصِرٌ، مِنْ حَضْرَمَوْتٍ، ... بَنَاةُ اللحمِ جَمَّاءُ
العِظامِ
ورأَيت حَاشِيَةً هُنَا قَالَ: بَنَاةُ اللَّحْمِ فِي هَذَا الْبَيْتِ
بِمَعْنَى طَيِّبةُ الرِّيحِ أَي طَيِّبَةُ رَائِحَةِ اللَّحْمِ؛
قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَوهام الشَّيْخِ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ
اللَّهُ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مِنْ بَنَى فِي دِيارِ العَجَمِ يَعْمَلُ نَيْرُوزَهُمْ ومَهْرَجَانَهم
حُشِرَ مَعَهُمْ
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَالصَّوَابُ تَنَأ
أَي أَقام، وسيأْتي ذكره.
بها: البَهْوُ: البيتُ المُقدَّمُ أَمام الْبُيُوتِ. وَقَوْلُهُ فِي
الْحَدِيثِ:
تَنْتَقِلُ الْعَرَبُ بأبْهَائِها إِلَى ذِي الخَلَصَةِ
أَي بِبُيُوتِهَا، وَهُوَ جَمْعُ البَهْوِ البَيْتِ المعروفِ.
والبَهْوُ: كِناسٌ وَاسْعٌ يَتَّخِذُهُ الثَّوْرُ فِي أَصل الأَرْطى،
وَالْجُمَعُ أَبْهَاء وبُهِيٌّ وبِهِيٌّ وبُهُوٌّ. وبَهَّى البَهْوَ:
عَمِلَهُ؛ قَالَ:
أَجْوَف بَهَّى بَهْوَهُ فاستَوْسَعَا
وَقَالَ:
رَأَيتُه فِي كلِّ بَهْوٍ دامِجَا
والبَهْوُ مِنْ كُلِّ حَامِلٍ: مَقْبَلُ الوَلد «3» . بَيْنَ الوركين.
__________
(2) . قوله [ابن حبلة] هو هكذا في الأصل
(3) . قوله [مقبل الولد إلخ] كذا بالأصل بهذا الضبط وباء موحدة ومثله
في المحكم، والذي في القاموس والتهذيب والتكملة: مقيل، بمثناة تحتية
بعد القاف، بوزن كريم
(14/97)
والبَهْوُ: الْوَاسِعُ مِنَ الأَرض الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ جِبَالٌ بَيْنَ نَشْزَيْنِ، وكلُّ هَوَاءٍ أَو فَجْوَةٍ
فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ بَهْوٌ؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
بَهْوٌ تَلاقَتْ بهِ الآرامُ والبَقَرُ
والبَهْوُ: أَماكنُ البَقَر؛ وأَنشد لأَبي الغَرِيب النَّصْرِيّ:
إِذَا حَدَوْتَ الذَّيْذَجانَ الدارِجا، ... رأَيتَه فِي كلِّ بَهْوٍ
دامِجَا
الذَّيْذَجَانُ: الإِبل تَحْمِلُ التِّجَارَةَ، والدَّامِجُ
الدَّاخِلُ. وَنَاقَةٌ بَهْوَةُ الجَنْبَيْن: وَاسِعَةُ الْجَنْبَيْنِ؛
وَقَالَ جَنْدَلٌ:
عَلَى ضُلُوع بَهْوَةِ المَنافِجِ
وَقَالَ الرَّاعِي:
كَأَنَّ رَيْطَة حَبَّارٍ، إِذَا طُوِيَتْ، ... بَهْوُ الشَّراسِيفِ
مِنْهَا، حِينَ تَنْخَضِدُ
شَبَّه مَا تَكَسَّرَ مِنْ عُكَنِها وانطِواءَه برَيْطَةِ حَبّارٍ.
والبَهْوُ: مَا بَيْنَ الشَّراسِيفِ، وَهِيَ مَقَاطُّ الأَضْلاع.
وبَهْوُ الصَّدْرِ: جَوْفُهُ مِنَ الإِنسان وَمِنْ كُلِّ دَابَّةٍ؛
قَالَ:
إِذَا الكاتِماتُ الرَّبْوِ أَضْحَتْ كَوَابِياً، ... تَنَفَّسَ فِي
بَهْوٍ مِنَ الصَّدْرِ واسِع
يُرِيدُ الْخَيْلَ التي لا تَكَادُ تَرْبُو، يَقُولُ: فَقَدْ رَبَتْ
مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ وَلَمْ يَكْبُ هَذَا وَلَا رَبَا وَلَكِنِ
اتَّسَعَ جَوْفُه فَاحْتُمِلَ، وَقِيلَ: بَهْوُ الصَّدْرِ فُرْجَةُ مَا
بَيْنَ الثَّدْيَيْنِ وَالنَّحْرِ، وَالْجَمْعُ أَبْهَاءٌ وأَبْهٍ
وبُهِيٌّ وبِهِيٌّ. الأَصمعي: أَصل البَهْوِ السَّعَةُ. يُقَالُ: هُوَ
فِي بَهْوٍ مِنْ عَيْش أَي فِي سَعَةٍ. وبَهِيَ البيتُ يَبْهَى
بَهَاءً: انْخَرَقَ وتَعَطَّلَ. وَبَيْتٌ بَاهٍ إِذَا كَانَ قَلِيلَ
الْمَتَاعِ، وأَبْهَاه: خَرَّقَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: إِنَّ
المِعْزَى تُبْهي وَلَا تُبْني، وَهُوَ تُفْعِل مِنَ البَهْوِ، وذلك
أَنها تَصْعَدُ عَلَى الأَخْبِيَة وَفَوْقَ الْبُيُوتِ مِنَ الصُّوفِ
فَتَخْرِقُهَا، فَتَتَّسِعُ الفواصلُ وَيَتَبَاعَدُ مَا بَيْنَهَا
حَتَّى يَكُونَ فِي سَعَةِ البَهْوِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى سُكْنَاهَا،
وَهِيَ مَعَ هَذَا لَيْسَ لَهَا ثَلَّةٌ تُغْزَلُ لأَن الْخِيَامَ لَا
تَكُونُ مِنْ أَشعارها، إِنَّمَا الأَبنيةُ مِنَ الْوَبَرِ وَالصُّوفِ؛
قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَمَعْنَى لَا تُبْني لَا تُتَّخذ مِنْهَا أَبنيةٌ،
يَقُولُ لأَنها إِذَا أَمكنتك مِنْ أَصوافها فَقَدْ أَبْنَتْ. وَقَالَ
الْقُتَيْبِيُّ فِيمَا رَدَّ عَلَى أَبي عُبَيْدٍ: رأَيت بُيُوتَ
الأَعراب فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ مسوَّاة مِنْ شَعْرِ
المِعْزَى، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تُبْني أَي لَا
تُعِينُ عَلَى الْبِنَاءِ. الأَزهري: وَالْمِعْزَى فِي بَادِيَةِ
الْعَرَبِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ مِنْهَا جُرْدٌ لَا شَعْرَ عَلَيْهَا
مِثْلُ مِعْزَى الْحِجَازِ والغَوْرِ وَالْمَعْزَى الَّتِي تَرْعَى
نُجُودَ البلادِ الْبَعِيدَةِ مِنَ الرِّيفِ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا
ضَرْبٌ يأْلف الرِّيفَ ويَرُحْنَ حَوَالَيِ القُرَى الْكَثِيرَةِ
الْمِيَاهِ يُطُولُ شَعْرُهَا مِثْلُ مِعْزَى الأَكراد بِنَاحِيَةِ
الْجَبَلِ وَنَوَاحِي خُراسانَ، وكأَنَّ المَثل لِبَادِيَةِ الْحِجَازِ
وعاليةِ نَجْدٍ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ. أَبو زَيْدٍ: أَبو عَمْرٍو
البَهْوُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الأَعراب، وَجَمْعُهُ أَبْهَاءٌ.
والبَاهِي مِنَ الْبُيُوتِ: الْخَالِي المُعَطَّلُ وَقَدْ أَبْهَاه.
وبيتٌ بَاهٍ أَي خالٍ لَا شيءَ فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ: قَالَ رَجُلٌ أَبْهُوا
الخيلَ فَقَدَ وضَعَتِ الحربُ أَوزارَها، فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا
الْكُفَّارَ حَتَّى يُقاتل بقيَّتُكم الدجالَ
؛ قَوْلُهُ
أَبْهُوا الخيلَ
أَي عَطِّلُوها مِنَ الْغَزْوِ فَلَا يُغْزَى عَلَيْهَا. وَكُلُّ
شَيْءٍ عَطَّلْته فَقَدْ أَبْهَيْتَه؛ وَقِيلَ: أَي عَرُّوها وَلَا
تَرْكَبُوها فَمَا بَقِيتم تَحْتَاجُونَ إِلَى الْغَزْوِ، مِنْ أَبْهَى
البيتَ إِذَا تَرَكَهُ غَيْرَ مَسْكُونٍ،
(14/98)
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَراد وَسِّعُوا لَهَا
فِي العَلَف وأَريحوها لَا عَطّلُوها مِنَ الْغَزْوِ، قَالَ: والأَول
الْوَجْهُ لأَن تَمَامَ الْحَدِيثِ:
فَقَالَ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ حَتَّى يُقَاتِلَ
بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ.
وأَبْهَيْتُ الإِناءَ: فَرَّغْته. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخيلُ فِي
نَوَاصِيهَا الخيرُ
أَي لَا تُعَطَّلُ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ أَبْهُوا الخيلَ رجلٌ مِنْ
أَصحابه. والبَهَاء: المَنْظَر الحَسَنُ الرَّائِعُ الْمَالِئُ
لِلْعَيْنِ. والبَهِيُّ: الشَّيْءُ ذُو البَهاء مِمَّا يملأُ العينَ
رَوْعُه وحُسْنه. والبَهَاءُ: الحُسْن، وَقَدْ بَهِيَ الرجلُ،
بِالْكَسْرِ، يَبْهَى ويَبْهُو بَهَاءً وَبَهَاءَةً فَهُوَ بَاهٍ،
وبَهُوَ، بِالضَّمِّ، بَهَاءً فَهُوَ بَهِيٌّ، والأُنثى بَهِيَّة مِنْ
نِسْوَةٍ بَهِيَّات وبَهَايا. وبَهِيَ بَهَاءً: كَبَهُوَ فَهُوَ بَهٍ
كعَمٍ مَنْ قَوْمٍ أَبْهِيَاءَ مِثْلَ عَمٍ مَنْ قَوْمٍ أَعْمِياء.
ومَرَةٌ بَهِيَّة: كعَمِيَّة. وقالوا: امرأَة بُهْيَا، فجاؤوا بِهَا
عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ الْمُذَكَّرِ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ تأْنيثَ
قَوْلِنَا هَذَا الأَبْهَى، لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي
الأُنثى البُهْيا، فَلَزِمَتْهَا الأَلف وَاللَّامُ لأَن اللَّامَ
عَقِيبُ مِنْ فِي قَوْلِكَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، غَيْرَ أَنه قَدْ
جَاءَ هَذَا نَادِرًا، وَلَهُ أَخوات حَكَاهَا ابْنُ الأَعرابي عَنْ
حُنَيفِ الحَناتِم، قَالَ: وَكَانَ مِنْ آبَلِ الناسِ أَي أَعْلَمِهم
برِعْيةِ الإِبل وبأَحوالها: الرَّمْكاءُ بُهْيَا، والحَمْراء صُبْرَى،
والخَوَّارةُ غُزْرَى، والصهْباءُ سُرْعَى، وَفِي الإِبل أُخْرَى، إِنْ
كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِي لَمْ أَشترها، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ
أَبعها، حَمْراءُ بنتُ دَهماءَ وقَلَّما تَجِدُهَا، أَي لَا أَبيعها
مِنْ نَفاسَتها عِنْدِي، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِي لَمْ أَشترها
لأَنه لَا يَبِيعُهَا إِلَّا بغَلاءٍ، فَقَالَ بُهْيَا وصُبْرَى
وغُزْرَى وسُرْعَى بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ، وَهُوَ نَادِرٌ؛ وَقَالَ
أَبو الْحَسَنِ الأَخفش فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ: إِنَّ حَذْفَ الأَلف
وَاللَّامِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الشِّعْرِ، وَلَيْسَتِ
الْيَاءُ فِي بُهْيَا وَضْعًا، إِنَّمَا هِيَ الْيَاءُ الَّتِي فِي
الأَبْهَى، وَتِلْكَ الْيَاءُ وَاوٌ فِي وَضْعِهَا وَإِنَّمَا
قَلَبْتُهَا إِلَى الْيَاءِ لِمُجَاوَزَتِهَا الثَّلَاثَةَ، أَلا تَرَى
أَنك إِذَا ثَنَّيْتَ الأَبْهَى قُلْتَ الأَبْهَيَانِ؟ فَلَوْلَا
الْمُجَاوَزَةُ لَصَحَّتِ الْوَاوُ وَلَمْ تَنْقَلِبْ إِلَى الْيَاءِ
عَلَى مَا قَدْ أَحكمته صِنَاعَةُ الإِعراب. الأَزهري: قَوْلُهُ
بُهْيَا أَراد البَهِيَّة الرَّائِعَةَ، وَهِيَ تأَنيث الأَبْهَى.
والرُّمْكَةُ فِي الإِبل: أَن تَشْتَدَّ كُمْتَتُها حَتَّى يَدْخُلَهَا
سوادٌ، بَعير أَرْمَكُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَ بُهْيَايَ
أَي مِمَّا أتَباهَى بِهِ؛ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنْ أَبي
عَمْرٍو. وبَاهَانِي فَبَهَوْتُه أَي صِرْتُ أَبْهَى مِنْهُ؛ عَنِ
اللِّحْيَانِيِّ. وبَهِيَ بِهِ يَبْهَى بَهْياً: أَنِسَ، وَقَدْ ذُكِرَ
فِي الْهَمْزِ. وبَاهَانِي فَبَهَيْتُه أَيضاً أَي صِرْتُ أَبْهَى
مِنْهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ أَيْضًا. أَبو سَعِيدٍ: ابتَهَأْتُ
بالشيء إذا أَنِسْتَ به وأَحببت قُرْبَه؛ قال الأَعشى:
وَفِي الحَيِّ مَن يَهْوَى هَوانا ويَبْتَهِي، ... وآخرُ قد أَبْدَى
الكآبَة مُغْضَبا
والمُبَاهَاةُ: المُفاخرة. وتَبَاهَوا أَي تَفَاخَرُوا. أَبو عَمْرٍو:
بَاهَاه إِذَا فَاخَرَهُ، وهَابَاه إِذَا صَايَحَهُ «1» . وَفِي
حَدِيثِ عَرَفَةَ:
يُباهِي بِهِمُ الملائكةَ
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مِنْ أَشراط السَّاعَةِ أَن يَتباهَى الناسُ فِي الْمَسَاجِدِ.
وبُهَيَّةُ: امرأَةٌ، الأَخْلَقُ أَن تَكُونَ تَصْغِيرُ بَهِيَّة كَمَا
قَالُوا فِي المرأَة حُسَيْنَةُ فَسَمَّوْهَا بِتَصْغِيرِ الحَسَنة؛
أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قالتْ بُهَيَّةُ: لَا تُجاورُ أَهْلَنا ... أَهْل الشَّوِيِّ، وغابَ
أَهلُ الجامِلِ
أَبُهَيَّ، إنَّ العَنْزَ تَمْنَعُ رَبَّها ... مِنْ أَن يُبَيِّتَ
جارَه بالحابِلِ «2» .
__________
(1) . قوله [صايحه] كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، وَفِي بعض الأَصول: صالحه
(2) . قوله [بالحابل] بالباء الموحدة كما في الأصل والمحكم، والذي في
معجم ياقوت: الحائل، بالهمز، اسم لعدة مواضع
(14/99)
الْحَابِلُ: أَرض؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وأَما
الْبَهَاءُ النَّاقَةُ الَّتِي تستأْنس بِالْحَالِبِ فَمِنْ بَابِ
الْهَمْزِ. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ وصِفَتِها لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
وَأَنَّهُ حَلَبَ عَنزاً لَهَا حَائِلًا فِي قَدَح فدَرّت حَتَّى ملأَت
القَدَح وعَلاه البَهاءُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
فحَلب فِيهِ ثَجّاً حَتَّى عَلَاهُ البهاءُ
؛ أَرادَت بِهَاءَ اللَّبَنِ وَهُوَ وَبيصُ رَغْوته؛ قَالَ: وبهاءُ
اللَّبَنِ مَمْدُودٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ لأَنه مِنَ البَهْي، والله
أَعلم.
بوا: البَوُّ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ: الحُوار، وَقِيلَ: جِلْدُهُ يُحْشَى
تِبْناً أَو ثُماماً أَو حَشِيشًا لتَعْطِف عَلَيْهِ النَّاقَةُ إِذَا
مَاتَ وَلَدُهَا، ثُمَّ يُقَرَّبُ إِلَى أُم الْفَصِيلِ لتَرْأَمَهُ
فتَدِرَّ عَلَيْهِ. والبَوُّ أَيضاً: وَلَدُ النَّاقَةِ؛ قَالَ:
فَمَا أُمُّ بَوٍّ هالكٍ بتَنُوفَةٍ، ... إِذَا ذكَرَتْه آخِرَ الليلِ
حَنَّتِ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِلْكُمَيْتِ:
مُدْرَجة كالبَوِّ بَيْنَ الظِّئْرَيْن
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:
سَوْق الروائمِ بَوّاً بينَ أَظْآرِ
ابْنُ الأَعرابي: البَوِّيُّ الرَّجُلُ الأَحمقُ، والرَّمادُ بَوُّ
الأَثافي، عَلَى التَّمْثِيلِ. وبَوَّى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ:
أَحسبه غَيْرَ مَمْدُودٍ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعَّلًا كبَقَّم،
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعْلَى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَن
يَكُونَ مِنْ بَابِ تَقْوَى، أَعني أَن الْوَاوَ قُلِبَتْ فِيهَا عَنِ
الْيَاءِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ قُوّة. والأَبْواءُ:
مَوْضِعٌ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ مفرد عل مِثَالِ الْجَمْعِ
غَيْرُهُ وَغَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَنْبار والأَبْلاء، وَإِنْ
جَاءَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ فِي اسْمِ الْمَوَاضِعِ لأَن شَوَاذَّهَا
كَثِيرَةٌ، وَمَا سِوَى هَذِهِ فَإِنَّمَا يأَتي جَمْعًا أَو صِفَةً
كَقَوْلِهِمْ قِدْرٌ أَعْشارٌ وثَوْبٌ أَخلاقٌ وأَسْمالٌ وسَراوِيلُ
أَسْماطٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. الْجَوْهَرِيُّ: والبَوْباةُ المَفازة
مِثْلَ المَوْماةِ؛ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: أَصله مَوْمَوَةٌ عَلَى
فَعْلَلةٍ. والبَوْباةُ: مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ.
بيي: حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ، قِيلَ: حَيَّاكَ مَلَّكَكَ، وَقِيلَ:
أَبقاكَ، وَيُقَالُ: اعْتَمدك بالمُلْك، وَقِيلَ: أَصْلَحك، وَقِيلَ:
قَرَّبَكَ؛ الأَخيرة حَكَاهَا الأَصمعي عَنِ الأَحمر. وَقَالَ أَبو
مَالِكٍ أَيضاً: بَيَّاكَ قَرَّبَك؛ وأَنشد:
بَيَّا لَهُمْ، إِذْ نَزَلُوا، الطَّعامَا ... الكِبْدَ والمَلْحاءَ
والسَّنامَا
وَقَالَ الأَصمعي: مَعْنَى حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ أَي أَضحكك. وَفِي
الْحَدِيثِ
عَنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنه اسْتَحْرَمَ بَعْدَ قَتْلِ
ابْنِهِ مائةَ سَنَةٍ فَلَمْ يَضْحَكْ حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ فَقَالَ:
وَمَا بَيَّاكَ؟ قِيلَ: أَضْحكَك
؛ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقِيلَ:
عجَّلَ لكَ مَا تُحِبُّ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: بَعْضُ النَّاسِ
يَقُولُ إِنَّهُ إِتْبَاعٌ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا جَاءَ
تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنه لَيْسَ بِإِتْبَاعٍ، وَذَلِكَ أَن
الإِتباع لَا يَكَادُ يَكُونُ بِالْوَاوِ، وَهَذَا بِالْوَاوِ،
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ فِي زَمْزَمَ: إِنِّي لَا أُحِلُّها
لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لشاربٍ حِلُّ وبِلٌّ. وَقَالَ الأَحمر: بَيَّاكَ
اللهُ مَعْنَاهُ بَوَّأَك مَنْزِلًا، إلَّا أَنها لَمَّا جَاءَتْ مَعَ
حَيَّاكَ تُرِكَتْ هَمْزَتُهَا وحُوِّلَتْ وَاوُهَا يَاءً أَي أَسكنك
مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ وهَيَّأَكَ لَهُ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ
عَاصِمٍ: حَكَيْتُ لِلْفِرَاءِ قولَ خَلَفٍ فَقَالَ: مَا أَحسنَ مَا
قَالَ وَقِيلَ: يُقَالُ بَيَّاكَ لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ. وَقَالَ
ابْنُ الأَعرابي: بَيَّاكَ قَصَدَكَ واعتَمَدَك بالمُلْكِ
وَالتَّحِيَّةِ، مِنْ
(14/100)
تَبَيَّيْتُ الشيءَ: تَعَمَّدْتُه؛ وأَنشد:
لَمَّا تَبَيَّيْنا أَخا تَمِيمِ، ... أَعْطى عَطاءَ اللَّحِزِ
اللَّئيمِ
قَالَ: وَهَذِهِ الأَبيات تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا؛ وَقَالَ
أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيّ:
باتَتْ تَبَيَّا حَوْضَها عُكُوفا ... مِثْلَ الصُّفُوفِ لاقَتِ
الصُّفُوفَا،
وأَنْتِ لَا تُغْنِينَ عَنِّي فُوفا
أَي تَعْتَمِدُ حَوْضَها؛ وَقَالَ آخَرُ:
وعَسْعَسٌ، نِعْمَ الفَتى، تَبَيَّاهْ ... مِنَّا يَزيدٌ وأَبو
مُحَيَّاهْ
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَبو مُحَيَّاةٍ كُنْيَةُ رَجُلٍ، وَاسْمُهُ
يَحْيَى بْنُ يَعْلَى. وَقِيلَ: بَيَّاك جاءَ بكَ. وَهُوَ هَيُّ بنُ
بَيٍّ وهَيّانُ بنُ بَيَّانَ أَي لَا يُعْرَفُ أَصله وَلَا فَصْلُهُ،
وَفِي الصِّحَاحِ: إِذَا لَمْ يُعْرَفْ هُوَ وَلَا أَبوه؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ حَرْبًا مُهْلِكَةً:
فأَقْعَصَتْهُم وحَكَّتْ بَرْكَها بِهِمُ، ... وأَعْطَتِ النَّهْبَ
هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ مَا أَدري أَيّ هَيِّ بنِ بَيٍّ هُوَ أَي
أَيُّ النَّاسِ هُوَ. ابْنُ الأَعرابي: البَيُّ الْخَسِيسُ مِنَ
الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ بَيّان وَابْنُ هَيّان، كُلُّهُ
الْخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ اللَّيْثُ: هَيُّ بنُ
بَيٍّ وهَيّان بْنُ بَيّانَ. وَيُقَالُ: إنَّ هَيَّ بنَ بَيٍّ مِنْ
وَلَدِ آدَمَ ذَهَبَ فِي الأَرض لمَّا تَفَرَّقَ سَائِرُ وَلَدِ آدَمَ
فَلَمْ يُحَسَّ مِنْهُ عَين وَلَا أَثر وَفُقِدَ. وَيُقَالُ: بَيَّنْتُ
الشَّيْءَ وبَيَّيْتُه إِذَا أَوضحته. والتَّبْييُ: التبيين من قرب. |