لسان العرب

فصل الدال المهملة
دأي: الدَّأْيُ والدُّئِيُّ والدِّئِيُّ: فِقَر الكاهِلِ والظَّهْرِ، وَقِيلَ: غَراضِيفُ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: ضُلُوعه فِي مُلْتَقاهُ ومُلْتَقَى الجَنْب؛ وأَنشد الأَصمعي لأَبي ذُؤَيْبٍ:
لَهَا مِنْ خِلالِ الدَّأْيَتْين أَرِيجُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إنَّ الدَّأَيات أَضْلاع الكَتِف وَهِيَ ثَلَاثُ أَضلاع مِنْ هُنا وَثَلَاثٌ مِنْ هُنا، واحِدتُه دَأْية. اللَّيْثُ: الدَّأْيُ جَمْعُ الدَّأْيَةِ وَهِيَ فَقار الكاهِل فِي مُجْتَمَع مَا بَيْنَ الكَتِفَيْن مِنْ كاهِل الْبَعِيرِ خَاصَّةً، وَالْجَمْعُ الدَّأَياتُ، وَهِيَ عِظامُ مَا هُنالِكَ، كلُّ عَظْمٍ مِنْهَا دَأْية. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الدَّأَيَاتُ خَرَزُ العُنُق، وَيُقَالُ: خَرَزُ الفَقار. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ للضِّلَعَيْن اللتَيْن تَلِيانِ الواهِنَتَيْن الدَّأْيَتَان، قَالَ: والدَّئِيُ
__________
(2) . قوله [حفيف عدوها وقوله حفيف انهلاله] كذا بالأَصل بإهمال الحاء فيهما، والذي في القاموس باعجامها فيهما كالمحكم
(3) . قوله [فَأَخَذَ أَبَا جَهْلٍ خوَّة] ضبطت في بعض نسخ النهاية بضم الخاء وفي بعضها بفتحها كالأَصل

(14/247)


فِي الشَّراسيفِ هِيَ البَوَاني الحَراني «1» . المُسْتَأْخِراتُ الأَوْساطُ مِنَ الضُّلُوعِ، وَهِيَ أَرْبَع وأَرْبَع، وهُنَّ العُوجُ وَهُنَّ المُسَقَّفات، وَهِيَ أَطْولُ الضّلُوعِ كُلِّها وأَتَمُّها وَإِلَيْهَا يَنْتَفِخُ الْجَوْفُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: لَمْ يَعْرِفُوا، يَعْنِي العرَب، الدَّأَياتِ فِي العُنُقِ وعَرَفُوهُنَّ فِي الأَضْلاع، وَهِيَ ستٌّ يَلِينَ المَنْحر، مِنْ كلِّ جانِبٍ ثلاثٌ، وَيُقَالُ لِمَقادِيمِهِنّ جَوانِحُ، وَيُقَالُ لِلَّتَيْن تَلِيان المَنْحَرَ ناحِرَتان؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَوَابٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
كأَنَّ مَجَرَّ النِّسْعِ، فِي دَأَياتِها، ... مَوارِدُ مِنْ خَلْقاء فِي ظَهْر قَرْدَدِ
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الأَصمعي: الدُّئِيُّ، عَلَى فُعُولٍ، جَمْعُ دَأْيَةٍ لِفَقارِ العُنُق. وابنُ دَأْيَةَ: الغُراب، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَقَعُ عَلَى دأْية البَعير الدَّبِرِ فيَنْقُرها؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الشَّيْب:
ولمَّا رأَيتُ النَّسْرَ عَزَّ ابنَ دَأْيَةٍ، ... وعَشَّشَ فِي وَكْرَيْهِ، جاشَتْ لَهُ نَفْسي
والدَّأْيَة: مُرَكَّبُ القِدْحِ مِنَ القَوْس، وَهُمَا دَأْيَتانِ مكْتَنِفَتا العَجْسِ مِنْ فوقُ وأَسْفَلَ. ودَأَى لَهُ يَدْأَى دَأْياً ودأو
دَأْواً إِذَا خَتَلَه. والذِّئْبُ يَدْأَى لِلْغَزال: وَهِيَ مِشْيَةٌ شبِيهةٌ بالخَتْلِ. ودأو
دَأَوْتُ لَهُ: لُغَةٌ فِي دَأَيْت. ودأو
دَأَوْتُ لَهُ: مِثْلَ أَدَيْتُ لَهُ؛ قَالَ:
كالذِّئْب يَدْأَى للغَزالِ يَخْتِلُهْ
ودأَى الذِّئْبُ للْغَزال دأو
يَدْؤُو دأو
دَأْواً لِيأْخُذَه مِثْلُ يَأْدُو: وَهُوَ شَبِيهُ المُخاتَلَة والمُراوَغَة. والدَّأْيُ والدَّأْيَةُ مِنَ الْبَعِيرِ: المَوْضِعُ الَّذِي يقعُ عَلَيْهِ ظَلِفَة الرَّحْلِ فيَعْقِرهُ، ويُجْمَع عَلَى دَأْيَاتٍ، بِالتَّحْرِيكِ وجَمْعُ الدَّأْيِ دَئِيٌّ مثلُ ضَأْنٍ وضَئينٍ ومَعْزٍ ومَعيزٍ؛ وَقَالَ حُمَيْد الأَرْقط:
يَعَضُّ مِنْهَا الظَّلِفُ الدَّئِيّا ... عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخَطِّيَّا
دبي: الدَّبَى: الجَرادُ قَبل أَن يَطِير، وَقِيلَ: الدَّبى أَصغرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْجَرَادِ وَالنَّمْلِ، وَقِيلَ: هُوَ بعدَ السِّرْوِ، واحِدَته دباةٌ؛ قَالَ سِنان الأَباني «2» :
أَعارَ، عِنْدَ السِّنِّ والمَشيبِ، ... مَا شِئْتَ مِنْ شَمَرْدَلٍ نَجيبِ
أُعِرْته مِنْ سَلْفَعٍ صَخُوبِ، ... عاريَةِ المِرْفَقِ والظُّنْبُوبِ
يابِسَةِ المِرْفَقِ والكُعُوبِ، ... كأَنَّ خَوْقَ قُرْطِها المَعْقوبِ
عَلَى دَباةٍ أَو عَلَى يَعْسُوبِ، ... تَشْتِمُني فِي أَنْ أَقُولَ تُوبي
الْمَعْنَى: أَن اللَّهَ رَزَقَهُ عند كِبَرِ سِنَّهِ أَولاداً نُجَباءَ مِنِ امرأَة سَلْفَعٍ، وَهِيَ البَذِيَّة، وجَعل عُنُقَها لِقِصَرِه كعُنُق الدَّباةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كيفَ الناسُ بعدَ ذلِك؟ قَالَ: دَباً يأْكل شِدادُهُ ضِعافَه حَتَّى تَقومَ عَلَيْهِمُ الساعَة
الدَّبا، مَقْصُورٌ: الجَرَادُ قبلَ أَن يَطِير، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ يُشْبِه الجَرادَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالَ لَهُ رجلٌ أَصَبْتُ دَباةً وأَنا مُحْرِم، قَالَ: اذْبَحْ شُوَيْهَةً.
أَبو عُبَيْدَةَ: الْجَرَادُ أَوَّلَ مَا يَكُونُ سِرْوٌ، وهُو أَبْيض، فَإِذَا تَحَرَّك واسْوَدّ فَهُوَ دَبًى قبلَ أَن تَنْبت أَجنحته. وأَرضٌ مُدْبِيَةٌ:
__________
(1) . قوله [الحراني] هي في الأَصل بالراء وانظر هل هي محرفة عن الواو والأَصل الحواني يعني الأَضلاع الطوال
(2) . قوله [سنان الأباني] كذا في الأَصل هنا، والذي في مادة سلفع: سيار بدل سنان

(14/248)


كثيرة الدَّبا. وأَرضٌ مُدْبِيَةٌ ومُدَبِّيَة، كِلْتَاهُمَا: مِنَ الدَّبا. وأَرض مُدْبِيَةٌ ومَدْبَاةٌ: كَثِيرَةُ الدَّبا. وأَرض مَدْبِيَّة ومَدْبُوَّةٌ: أَكل الدَّبا نَبْتَها. وأَدْبَى الرِّمْثُ والعَرْفَجُ إِذَا مَا أَشْبَهَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ورَقِه الدَّبى، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَصْلُح أَن يُؤْكلَ. وجاءَ بِ دَبى دُبَيٍّ ودَبَى دُبَيَّيْنِ ودَبَى دَبَيَيْنِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، يُقَالُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الكَثْرة والخَيرِ والمالِ الكثِير، فالدَّبَى مَعْرُوفٌ؛ ودُبَيٌّ: مَوْضِعٌ وَاسِعٌ، فكأَنه قَالَ: جَاءَ بِمَالٍ كدَبَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْوَاسِعِ. ابْنُ الأَعرابي: جاءَ فلانٌ بِ دَبَى دَبَى إِذَا جَاءَ بِمَالٍ كالدَّبَى فِي الْكَثْرَةِ. ودُبَيٌّ: مَوْضِعٌ لَيِّنٌ بالدَّهْناء يأْلفه الْجَرَادُ فَيَبِيضُ فِيهِ. والدَّبَى: مَوْضِعٌ. ودَبَى: سوقٌ مِنْ أَسواق الْعَرَبِ. ودُبَيَّة: اسْمَ رَجُلٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ بِالْيَاءِ لأَن الْيَاءَ فِيهِ لَامٌ، فأَما مَدْبُوَّةٌ فنَوْعٌ مِنَ المُعاقَبة. والدُّبَّاءُ: القَرْعُ عَلَى وَزْنِ المُكَّاءِ، واحِدته دُبَّاءَةٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمِمَّا تُؤَخِّذُ بِهِ نِسَاءُ الْعَرَبِ الرجالَ أَخَّذْتُه بِدُبَّاءْ مُمَلَّإٍ منَ الماءْ، مُعَلَّقٍ بتِرْشاءْ، فَلَا يَزَلْ فِي تِمْشاءْ، وعَيْنُه فِي تِبْكَاءْ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: التِّرْشاءُ الحَبْل، والتِّمشاءُ المَشْيُ، والتِّبْكاءُ البُكاءُ. والدَّبَّةُ: كالدُّبَّاء؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعرابي: قاتَلَ اللَّهُ فُلانة كأَنَّ بَطْنَها دَبَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه نَهَى عَنِ الدُّبَّاء والحَنْتَمِ والنَّقِيرِ
؛ وهو أَوعية كَانُوا يَنْتَبِذُون فِيهَا وضَرِيَت فَكَانَ النَّبيذُ فِيهَا يَغْلِي سَرِيعًا ويُسْكِر، فَنَهَاهُمْ عَنِ الْانْتِباذ فِيهَا، ثُمَّ رَخَّص، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الانْتِباذ فِيهَا بِشَرْطِ أَن يَشْرَبُوا مَا فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْكِرٍ، وَتَحْرِيمُ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ كَانَ فِي صَدْرِ الإِسلام، ثُمَّ نُسِخَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وأَحمد إِلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمِ؛ وَوَزْنُ الدُّبَّاء فُعَّال ولامُه هَمْزَةٌ لأَنه لَمْ يُعْرف انْقلاب لامهِ عَنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ؛ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَخرجه الْهَرَوِيُّ فِي دَبَّبَ عَلَى أَن الْهَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وأَخرجه الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ عَلَى أَن هَمْزَتَهُ مُنْقَلِبَةٌ، قَالَ: وكأَنه أَشبه، وَاللَّهُ أَعلم؛ وَقَالَ:
إِذَا أَقْبَلَتْ قُلْتَ: دُبَّاءَةٌ، ... مِنَ الخُضْرِ، مَغْمُوسَةٌ فِي الغُدَرْ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الصِّحَاحِ مَنْسُوبٌ لِامْرِئِ الْقَيْسِ وَهُوَ:
وإنْ أَدْبَرَتْ قلتَ: دُبَّاءَةٌ، ... منَ الخُضْرِ، مَغْمُوسَةٌ في الغُدَرْ
دجا: الدُّجى: سَوادُ الليلِ مَعَ غَيْمٍ، وأَنْ لَا تَرَى نَجْماً وَلَا قمَراً، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا أَلْبَسَ كلَّ شيءٍ ولَيْس هُوَ مِنَ الظُّلْمة، وَقَالُوا: لَيْلة دُجىً وليالٍ دُجًى، لَا يُجْمع لأَنه مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَقَدْ دَجا الليلُ يَدْجُو دَجْواً ودُجُوّاً، فَهُوَ داجٍ ودَجِيٌّ، وَكَذَلِكَ أَدْجَى وتَدجَّى اللَّيْلُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
واضْبِطِ الليلَ، إِذَا رُمْتَ السُّرى، ... وتَدَجَّى بَعْدَ فَوْرٍ واعْتَدَلْ
فَوْرَتُه: ظُلْمَتُه. وتَدَجِّيه: سكونُه؛ وَشَاهِدُ أَدْجَى الليلُ قَوْلُ الأَجْدَعِ الهَمْداني:
إِذَا الليلُ أَدْجَى واسْتَقَلَّتْ نُجُومُهُ، ... وصاحَ مِنَ الأَفْراطِ هامٌ حَوائِمُ
الأَفْراطُ: جَمْعُ فُرُطٍ وَهِيَ الأَكَمة. وكلُّ مَا أَلْبَس فَقَدْ دَجَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا شِبْهُ كَعْبٍ غَيرَ أَغْتَمَ فاجِرٍ ... أَبى، مُذْ دَجا الإِسْلامُ، لَا يَتَحَنَّفُ

(14/249)


يَعْنِي أَلْبَس كُلَّ شيءٍ، وَهَذَا البيتُ شاهِدُ دَجا بِمَعْنَى أَلْبَس وانْتَشَر؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَجا الإِسلامُ أَي قَوِيَ وأَلْبَسَ كلَّ شيءٍ. وَحُكِيَ عَنِ الأَصْمعي أَنَّ دَجا الليلُ بِمَعْنَى هَدَأَ وسَكَن؛ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ بِشْرٍ:
أَشِحُّ بِهَا، إِذَا الظَّلْماءُ أَلْقَتْ ... مَراسِيَها، وأَرْدَفَها دُجَاها
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه بَعَثَ عُيَيْنة بْنَ بَدْرٍ حِينَ أَسلَم الناسُ ودَجا الإِسْلامُ فأَغارَ عَلَى بَنِي عَدِيّ
، أَي شَاعَ الإِسلام وكَثُر، مِنْ دَجا الليلُ إِذَا تَمَّتْ ظُلْمَته وأَلْبس كلَّ شَيْءٍ. ودَجا أَمْرُهم عَلَى ذَلِكَ أَي صَلَح. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا رُؤِيَ مثلُ هَذَا مُنْذُ دَجا الإِسْلامُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مُنْذُ دَجَتِ الإِسْلامُ
فأَنَّث عَلَى مَعْنَى المِلَّة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَن شَقَّ عَصا المُسْلِمِين وهُمْ فِي إسْلامٍ داجٍ
، وَيُرْوَى:
دامِجٍ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يُوشِكُ أَنْ يَغشاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِه
أَي ظُلَمُها، واحِدتها دَاجِيَةٌ. والدُّجَى: جمعُ دُجْيَة وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ بتقاربِ الْمَعْنَى. ودَيَاجِي اللَّيْلِ: حَنادِسُه كأَنه جَمْعُ دَيْجاةٍ. ودَجَا الشيءُ الشيءَ إِذَا سَتَرَهُ؛ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ:
أَبى مُذْ دَجا الإِسْلامُ لَا يَتحَنَّفُ
قَالَ: لَجَّ هَذَا الكافر أَن يُسْلِم بعد ما غَطَّى الإِسلامُ بثَوْبِه كُلّ شيءٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ ابْنُ جِنِّي إِلَى أَن الدُّجى الظُّلْمة واحِدَتها دُجْيَة، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ دَجَا يَدْجُو وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَلَيْلٌ دَجِيٌّ: داجٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
والصُّبْحُ خَلْفَ الفَلَق الدَّجِيِ
والدُّجُوُّ: الظُّلْمَةُ. وليلةٌ داجِيَةٌ: مُدْجِية، وَقَدْ دَجَتْ تَدْجُو. وَدَاجَى الرجلَ: ساتَرَه بالعَداوة وأَخْفاها عَنْهُ فكأَنه أَتاه فِي الظُّلمة، ودَاجَاه أَيضاً: عاشَرَه وجامَله. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ دَاجَيْتُ فُلَانًا إِذَا ماسَحْتَه عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وجامَلْته. والمُداجاةُ: المُداراةُ. والمُداجاةُ: المُطاولة. وداجَيْتُه أَي دَارَيْتُهُ، وكأَنك سَاتَرَتَهُ العَداوَةَ؛ وَقَالَ قَعْنَبُ بْنُ أُمِّ صاحِبٍ:
كلٌّ يُداجِي عَلَى البَغْضاءِ صاحِبَهُ، ... وَلَنْ أُعالِنَهُمْ إِلَّا بِمَا عَلَنُوا
وَذَكَرَ أَبو عَمْرٍو أَن المُداجَاةَ أَيضاً المَنْعُ بَيْنَ الشِّدَّةِ والإِرْخاء. والدُّجْيَةُ، بِالضَّمِّ: قُتْرةُ الصَّائِدِ، وَجَمْعُهَا الدُّجى؛ قَالَ الشَّماخ:
عَلَيْهَا الدُّجى المُسْتَنْشَآتُ، كأَنَّها ... هوادِجُ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا الجزاجِزُ
والدُّجْيَةُ: الصُّوف الأَحمر، وأَراد الشَّمَّاخُ هَذَا، وَيُقَالُ دُجىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ:
بِهِ ابنُ الدُّجى لاطِئاً كالطِّحالْ
قِيلَ: الدُّجَى جُمِعَ دُجْية لقُتْرةِ الصَّائِدِ، وَقِيلَ: جَمْعُ دُجْيَةٍ لِلظُّلْمَةِ لأَنه يَنَامُ فِيهَا لَيْلًا؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاح فِي الدُّجْيَة لقُتْرةِ الصَّائِدِ:
مُنْطَوٍ فِي مُسْتوى دُجْيَةٍ، ... كانْطواءِ الحُرِّ بَيْنَ السِّلامْ
ودُجْيَة القَوْس: جلْدَةٌ قدرُ إصْبَعَين تُوضَعُ فِي طَرَف السَّيْرِ الَّذِي تُعَلَّق بِهِ الْقَوْسُ وَفِيهِ حَلْقة فِيهَا طَرَفُ السَّيْرِ، وَقَالَ: الدُّجَة عَلَى أَربع أَصابع مِنْ عُنْتُوت القَوْس، وَهُوَ الحَزُّ الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ

(14/250)


الغانَة، والغانَة حَلْقة رأْسِ الوتَر. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا التَأَمَ السحابُ وتَبَسَّطَ حَتَّى يَعُمَّ السَّمَاءَ فَقَدْ تَدَجَّى. ودَجَا شَعَرُ الْمَاعِزَةِ: أَلْبَس ورَكِب بَعضُه بَعْضاً وَلَمْ يَنْتَفِشْ. وعَنْزٌ دَجْواءُ: سابِغة الشَّعَر، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ. ونِعْمة داجِيَة: سابِغَة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وإنْ أَصابَتْهُمُ نَعْماءُ داجِيَةٌ ... لَمْ يَبْطَرُوها، وَإِنْ فاتَتْهُمُ صَبَروُا
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَفِي عَيْشٍ داجٍ دَجِيّ، كأَنه يُرادُ بِهِ الخَفْضُ؛ وأَنشد:
والعَيْشُ داجٍ كَنفاً جِلْبابُه
ابْنُ الأَعرابي: الدُّجَى صِغارُ النَّحْل، والدُّجْيَة وَلَدُ النَّحْلة، وجَمْعُها دُجىً؛ قَالَ الشاعرِ:
تَدِبُّ حُمَيَّا الكأْسِ فيهمْ، إِذَا انْتَشَوْا، ... دَبِيبَ الدُّجَى وَسْطَ الضَّرِيبِ المُعَسَّلِ
والدُّجَة: الزِّرُّ، وَفِي التَّهْذِيبِ: زِرُّ الْقَمِيصِ. يُقَالُ: أَصلح دُجَة قمِيصك، وَالْجَمْعُ دُجاتٌ ودُجىً. والدُّجَة: الأَصابع وَعَلَيْهَا اللُّقْمة. ابْنُ الأَعرابي قَالَ: محاجاةٌ للأَعْراب: يَقُولُونَ ثلاثُ دُجَهْ يَحْمِلْنَ دُجَهْ إِلَى الغَيْهبانِ فالمِنْثَجَهْ؛ قَالَ: الدُّجَةُ الأَصابعُ الثلاثُ، والدُّجَةُ اللُّقْمة، والغَيْهَبانُ البَطْنُ، والمِنْثَجَةُ الاسْتُ، والدَّجْوُ الجِماع؛ وأَنشد:
لَمَّا دَجاها بِمِتَلٍّ كالقَصَب «3» .
دحا: الدَّحْوُ: البَسْطُ. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
، قَالَ: بَسَطَها؛ قَالَ شَمِرٌ: وأَنشدتني أَعرابية:
الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطاقَا، ... بَنَى السماءَ فَوْقَنا طِباقَا،
ثُمَّ دَحا الأَرضَ فَمَا أَضاقا
قَالَ شَمِرٌ: وَفَسَّرَتْهُ فَقَالَتْ دَحَا الأَرضَ أَوْسَعَها؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل:
دَحَاها، فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ ... عَلَى الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا الجِبالا
ودَحَيْتُ الشيءَ أَدْحاهُ دَحْياً: بَسَطْته، لُغَةً فِي دَحَوْتُه؛ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ وصلاتهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اللَّهُمَّ دَاحِيَ المَدْحُوَّاتِ
، يَعْنِي باسِطَ الأَرَضِينَ ومُوَسِّعَها، وَيُرْوَى؛ دَاحِيَ المَدْحِيَّاتِ. والدَّحْوُ: البَسْطُ. يُقَالُ: دَحَا يَدْحُو ويَدْحَى أَي بَسَطَ وَوَسَّعَ. والأُدْحِيُّ والإِدْحِيُّ والأُدْحِيَّة والإِدْحِيَّة والأُدْحُوَّة: مَبِيض النَّعَامِ فِي الرَّمْلِ، وَزْنُهُ أُفْعُول مِنْ ذَلِكَ، لأَن النَّعَامَةَ تَدْحُوه برِجْلها ثُمَّ تَبِيض فِيهِ وَلَيْسَ لِلنَّعَامِ عُشٌّ. ومَدْحَى النَّعَامِ: مَوْضِعُ بَيْضِهَا، وأُدْحِيُّها: مَوْضِعُهَا الَّذِي تُفَرِّخ فِيهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ لِلنَّعَامَةِ بِنْتُ أُدْحِيَّةٍ؛ قَالَ: وأَنشد أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي:
بَاتَا كَرِجْلَيْ بِنْتِ أُدْحِيَّةٍ، ... يَرْتَجِلانِ الرِّجْلَ بالنَّعْلِ
فأَصْبَحا، والرِّجْلُ تَعْلُوهُما، ... تَزْلَعُ عن رِجْلِهِما القَحْلِ
يَعْنِي رِجْلَيْ نَعامة، لأَنه إِذَا انْكَسَرَتْ إِحْدَاهُمَا بَطَلَتِ الأُخرى، وَيَرْتَجِلَانِ يَطْبُخان، يَفْتَعِلان مِنَ المِرْجَل، والنَّعْل الأَرض الصُّلبة، وَقَوْلُهُ: والرجْلُ تَعْلُوهُمَا أَي مَاتَا مِنَ الْبَرْدِ والجرادُ يَعْلُوهُمَا، وتَزْلَعُ تَزْلَقُ، والقَحْلُ الْيَابِسُ لأَنهما قد ماتا.
__________
(3) . قوله [كالقصب] كذا في الأَصل والتهذيب والمحكم، والذي في التكملة: كالصقب بتقديم الصاد على القاف الساكنة أي كالعمود

(14/251)


وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَكُونُوا كقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحِيَ
؛ هِيَ جَمْعُ الأُدْحِيِّ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَبِيضُ فِيهِ النَّعَامَةُ وتُفْرِخ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: ف دَحَا السَّيْلُ فِيهِ بالبَطْحاءِ
أَي رَمَى وأَلْقَى. والأُدْحِيُّ: مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ شَبِيهٌ بأُدْحِيِّ النَّعام، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الأُدْحِيُّ منزلٌ بَيْنَ النَّعائِمِ وسَعْدٍ الذَّابِحِ يُقَالُ لَهُ البَلْدَة. وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيَّبَ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ فَقَالَ: لَا بأْس بِهِ، أَي المُراماة بِهَا وَالْمُسَابَقَةِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هُوَ يَدْحُو بالحَجَرِ بيَدِه أَيْ يَرْمِي بِهِ وَيَدْفَعُهُ، قَالَ: والدَّاحِي الَّذِي يَدْحُو الحَجَر بيدهِ، وَقَدْ دَحَا بِهِ يَدْحُو دَحْواً ودَحَى يَدْحَى دَحْياً. ودَحَا المَطَرُ الحَصَى عَنْ وَجْهِ الأَرض دَحْواً: نَزَعه. وَالْمَطَرُ الدَّاحِي يَدْحَى الحَصَى عَنْ وَجْهِ الأَرض: يَنْزِعُه؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
يَنْزِعُ جلْدَ الحَصَى أَجَشُّ مُبْتَرِكٌ، ... كأَنَّه فاحِصٌ أوْ لاعِبٌ دَاحِي
وَهَذَا الْبَيْتُ نَسَبَهُ الأَزهري لِعُبَيْدٍ وَقَالَ: إِنَّهُ يَصِفُ غَيْثًا. وَيُقَالُ للَّاعِب بالجَوْز: أَبْعِدِ المَرْمَى وادْحُه أَيِ ارْمِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فَيَدْحُو بِكَ الدَّاحِي إِلَى كُلِّ سَوْءَةٍ، ... فَيَا شَرَّ مَنْ يَدحُو بأَطْيَش مُدْحَوِي
وَفِي حَدِيثِ
أَبي رَافِعٍ: كُنْتُ أُلاعِبُ الحَسَن وَالْحُسَيْنَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عليهما، ب المَدَاحِي
؛ هِيَ أَحجار أَمثال القِرَصَة، كَانُوا يحفِرون حُفْرة ويَدْحُون فِيهَا بِتِلْكَ الأَحْجار، فَإِنْ وَقَعَ الْحَجَرُ فِيهَا غَلَب صاحِبُها، وَإِنْ لَمْ يَقَع غُلِبَ. والدَّحْوُ: هُوَ رَمْيُ اللَّاعِب بالحَجَر والجَوْزِ وغيرهِ. والمِدْحاة: خَشَبة يَدْحَى بِهَا الصبِيُّ فَتَمُرُّ عَلَى وَجْهِ الأَرض لَا تأْتي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا اجْتَحَفَتْه. شَمِرٌ: المِدْحَاة لُعْبَةٌ يَلْعَبُ بِهَا أَهل مَكَّةَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الأَسَدِيَّ يَصِفُهَا وَيَقُولُ: هِيَ المَداحِي والمَسَادِي، وَهِيَ أَحجار أَمثال القِرَصة وَقَدْ حَفَروا حُفْرة بِقَدْرِ ذَلِكَ الحَجَر فيَتَنَحَّون قَلِيلًا، ثُمَّ يَدْحُون بِتِلْكَ الأَحْجار إِلَى تِلْكَ الحُفْرة، فَإِنْ وَقْعَ فِيهَا الْحَجَرُ فَقَدَ قَمَر، وإلَّا فَقَدْ قُمِرَ، قَالَ: وَهُوَ يَدْحُو ويَسْدُو إِذَا دَحاها عَلَى الأَرض إِلَى الحُفْرة، والحُفْرة هِيَ أُدْحِيَّة، وَهِيَ افْعُولة مِنْ دَحَوْت. ودَحا الفرسُ يَدْحُو دَحْواً: رَمَى بِيَدَيْهِ رَمْياً لَا يَرْفَع سُنْبُكَه عَنِ الأَرض كَثِيرًا. وَيُقَالُ للفَرَس: مَرَّ يَدْحُو دَحْواً. العِتْرِيفي: تَدَحَّتِ الإِبِلُ إِذَا تَفَحَّصَت فِي مَبارِكِها السَّهْلةِ حَتَّى تَدَعَ فِيهَا قَرامِيصَ أَمْثالَ الجِفارِ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ. وَنَامَ فُلَانٌ فَتَدَحَّى أَي اضْطَجَع فِي سَعَةٍ مِنَ الأَرض. ودَحَا المرأَةَ يَدْحُوها: نَكَحَها. والدَّحْوُ: اسْتِرْسال البَطْنِ إِلَى أَسْفَلَ وعِظَمُه؛ عَنْ كُراع. ودِحْيَة [دَحْيَة] الكَلْبِيُّ؛ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بِالْكَسْرِ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ أَبو عَمْرٍو: وأَصل هَذِهِ الْكَلِمَةِ السَّيِّدُ بِالْفَارِسِيَّةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: دِحْيَة، بِالْكَسْرِ، هُوَ دَحْيَةُ بنُ خَليفة الكَلْبِيُّ الَّذِي كَانَ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يأْتي فِي صُورَتِهِ وَكَانَ مِنْ أَجمل النَّاسِ وأَحسنهم صُورَةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَجاز ابْنُ السِّكِّيتِ فِي دِحْية الكَلْبِيّ فَتْحَ الدَّالِ وَكَسْرَهَا، وأَما الأَصمعي فَفَتَحَ الدَّالَ لَا غَيْرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يأْتيه فِي صُورَةِ دِحيْة.
والدِّحْية: رئيسُ الجُنْدِ ومُقَدَّمُهم، وكأَنه مِنْ دَحاه يَدْحُوه إِذَا بَسَطه ومَهَّده لأَن الرَّئِيسَ لَهُ البَسْط والتَّمْهيد، وقلبُ الْوَاوِ فِيهِ يَاءً نَظِيرُ قَلْبِها

(14/252)


فِي فِتية وصِبْية، وأَنكر الأَصمعي فِيهِ الكَسر. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَدْخُلُ البيتَ المعمورَ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ دِحْيَةٍ مَعَ كُلِّ دِحْيةٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ
؛ قَالَ: والدِّحْيَة رَئِيسُ الجُنْدِ، وَبِهِ سُمِّيَ دِحْيَةُ الكَلْبِيّ. ابْنُ الأَعرابي: الدِّحْيَة رَئِيسُ الْقَوْمِ وسيِّدهم، بِكَسْرِ الدَّالِ، وأَمّا دَحْيَة بالفَتْح ودِحْيَة فَهُمَا ابْنا مُعَاوِيَةَ بنِ بكرِ بنِ هَوازِن. وَبَنُو دُحَيّ بطن. والدَّحِيُّ: موضع.
دخي: الدَّخَى: الظُّلْمَةُ. وَلَيْلَةُ دَخْيَاءُ: مُظْلِمَة. وَلَيْلٌ دَاخٍ: مُظْلِم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَأَمَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسبِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى فِعْلٍ لَمْ نَسْمعه.
ددا: الْجَوْهَرِيُّ: الدَّدُ اللهْوُ واللعِبُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَنا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي
، قَالَ: وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: هَذَا دَدٌ، ودَداً مِثْلُ قَفاً، ودَدَنٌ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
كأَنَّ حُدوجَ المالِكِيّة، غُدْوَةً، ... خَلايَا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
وَيُقَالُ: هُوَ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ هَذَا الْحَرْفِ أَنْ يُذْكر فِي فَصْلِ دَدَنَ أَو فِي فَصْلِ دَدَا مِنَ الْمُعْتَلِّ، لأَنه يَائِيٌّ مَحْذُوفُ اللَّامُ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ الدَّالِ فِي تَرْجَمَةِ دَدَّ. والحُدُوج: جَمْعُ حِدْجٍ وَهِيَ مَرَاكِبُ النِّسَاءِ، والمالِكِيّة: مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَة، والسَّفِينُ: جَمْعُ سَفِينة، والنَّواصِفُ: جَمْعُ ناصِفة الرَّحَبة الواسِعة تَكُونُ فِي الْوَادِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الدَّدُ اللهْو واللَّعِبُ، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمة دَدىً كنَدىً وعَصاً، ودَدٌ مثلَ دَمٍ، ودَدَنٌ كبَدَنٍ؛ قَالَ: فَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَن يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدْيٍ، أَو نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدُ فِي لَدُنْ، وَمَعْنَى تنكيرِ الدَّدِ فِي الأَوَّلِ الشِّياع وَالِاسْتِغْرَاقُ وأَن لَا يَبْقَى شيءٌ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ مُنَزَّه عَنْهُ أَي مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنَ اللهْوِ واللَّعِب، وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لأَنه صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كأَنه قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي لأَن الصَّرِيحَ آكَدُ وأَبلغ، وَقِيلَ: اللَّامُ فِي الدَّد لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ اللَّعِبِ أَي ولا جنس اللعب مني، سواء كان الذي قُلْتُهُ أَوْ غيرَه مِنْ أَنواع اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ الأَول، قَالَ: وَلَيْسَ يَحْسُنُ أَن يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَيَخْرُجُ عَنِ الْتِئَامِهِ، وَالْكَلَامُ جُمْلَتَانِ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَا أَنَا مِنْ أَهل دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنْ أَشغالي. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هَذَا دَدٌ ودَداً ودَيْدٌ ودَيَدَانٌ ودَدَنٌ ودَيْدَبُونٌ لِلَّهْوِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا أَنَا مِنْ دَداً وَلَا الدَّدَا مِنِّيَهْ، مَا أَنَا مِنَ الباطِلِ وَلَا الباطِلُ منِّي. وَقَالَ اللَّيْثُ: دَدٌ حِكَايَةُ الاسْتِنانِ للطَّرَبِ وضَرْبُ الأَصابِعِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُضْرَب بعدَ الْجَرْيِ فِي بِطالَةٍ فَهُوَ دَدٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
واسْتَطْرَقَتْ ظُعْنُهُمْ لَمَّا احْزَأَلَّ بِهِمْ ... آلُ الضُّحَى نَاشِطاً منْ دَاعِباتِ دَدِ
أَراد بالنَّاشِطِ شَوْقاً نازِعاً. قَالَ اللَّيْثُ: وأَنشده بَعْضُهُمْ: مِنْ دَاعِبٍ دَدِدِ؛ قَالَ: لمَّا جَعَلَهُ نَعْتًا للدّاعِبِ كسَعَه بِدَالٍ ثَالِثَةٍ لأَن النَّعْتَ لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يتمَّ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَصَارَ دَدِدِ نَعْتاً لِلدَّاعِب اللاعِبِ، قَالَ: فَإِذَا أَرادوا اشْتِقَاقَ الْفِعْلِ مِنْهُ لَمْ يَنْفَك لِكَثْرَةِ الدَّالَاتِ، فَيَفْصِلُونَ بَيْنَ حَرْفَيِّ الصَّدْرِ بِهَمْزَةٍ فَيَقُولُونَ دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ دَأْدَدَةً، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الْهَمْزَةَ لأَنها أَقوى الْحُرُوفِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ

(14/253)


كَذَلِكَ. أَبو عَمْرٍو: الدَّادِي المُولَع باللهْو الَّذِي لَا يَكاد يَبْرَحُه.
دري: دَرَى الشيءَ دَرْياً ودِرْياً؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ودِرْيَةً ودِرْيَاناً ودِرَايَةً: عَلِمَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الدَّرْيَةُ كالدِّرْيَةِ لَا يُذْهَبُ بِهِ إِلَى المَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْحَالِ. وَيُقَالُ: أَتى هَذَا الأَمْرَ مِنْ غَيْرِ دِرْيَة [دَرْيَة] أَي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ. وَيُقَالُ: دَرَيْت الشيءَ أَدْرِيهِ عَرَفْته، وأَدْرَيْتُه غَيْرِي إِذَا أَعْلَمْته. الْجَوْهَرِيُّ: دَرَيْته ودَرَيْت بِهِ دَرْياً ودَرْية ودِرْيةً ودِرَايَة أَي عَلِمْتُ به؛ وأَنشد:
لاهُمَّ لَا أَدْرِي، وأَنْت الدَّارِي، ... كُلُّ امْرِئٍ مِنْك عَلَى مِقْدارِ
وأَدْرَاه بِهِ: أَعْلَمه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ
، فأَما
مَنْ قرأَ: أَدْرَأَكُم بِهِ
، مَهْمُوزٌ، فلَحْنٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وَقُرِئَ وَلَا أَدْرَأَكُم بِهِ
؛ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِيهِ تَرْك الْهَمْزُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ أَنَّ أَدْرَيْته وأَدْرَاهُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، هُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ مُدَاراة النَّاسِ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا لَا أَدْر، فَحَذَفُوا الياءَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِمْ لَم أُبَلْ ولَم يكُ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: أَقْبَلَ يَضْرِبُه لَا يَأْلُ، مضمومَ اللامِ بِلَا وَاوٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ رُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَدْرِ فِي مَوْضِعِ لَا أَدْرِي، يكتَفُون بِالْكَسْرَةِ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ؛ والأَصل يَسْري؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالُوا لَا أَدْرِ بِحَذْفِ الْيَاءِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَالُوا لَمْ أُبَلْ وَلَمْ يَكُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ
؛ تأْويله أَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمَك مَا الحُطَمة. قَالَ: وَقَوْلُهُمْ يُصيبُ وَمَا يَدْرِي ويُخْطِئُ وَمَا يدرِي أَي إصابَتَه أَي هُوَ جاهلٌ، إِنْ أَخطأَ لَمْ يَعْرِفْ وَإِنْ أَصاب لَمْ يَعْرِفْ أَي مَا اخْتل «1» ، مِنْ قَوْلِكَ دَرَيْت الظِّبَاءَ إِذَا خَتَلْتَها. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: مَا تَدْرِي مَا دِرْيَتُها أَي مَا تَعْلَمُ مَا علْمُها. ودَرَى الصيدَ دَرْياً وادَّرَاه وتَدَرَّاه: خَتَلَه؛ قَالَ:
فَإِنْ كنتُ لَا أَدْرِي الظِّباءَ، فإنَّني ... أَدُسُّ لَهَا، تحتَ التُّرابِ، الدَّواهِيا
وَقَالَ:
كيفَ تَرانِي أَذَّرِي وأَدَّرِي ... غِرَّاتِ جُمْلٍ، وتَدرَّى غِرَرِي؟
فالأَول إِنَّمَا هُوَ بِالذَّالِ معجمة، وهو أَفْتَعِل من ذَرَيْت تُرَابَ الْمَعْدِنِ، وَالثَّانِي بِدَالٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ أَفْتَعِل مِنِ ادَّراه أَي خَتَلَه، وَالثَّالِثُ تَتَفَعَّل مِنْ تَدَرَّاه أَي خَتَلَه فأَسقط إِحْدَى التَّاءَيْنِ، يَقُولُ: كَيْفَ تَرَانِي أَذَّرِي التُّرَابَ وأَخْتِل مَعَ ذَلِكَ هَذِهِ المرأَة بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا إِذَا اغتَرَّت أَي غَفَلَت. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَقُولُ أَذَّرِي التُّرَابَ وأَنا قَاعِدٌ أَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَرْتَابَ بِي، وأَنا فِي ذَلِكَ أَنظر إِلَيْهَا وأَخْتِلُها، وَهِيَ أَيضاً تَفْعَلُ كَمَا أَفعل أَي أَغْتَرُّها بِالنَّظَرِ إِذَا غَفَلَت فَتَرَانِي وتَغْتَرُّني إِذَا غَفَلْت فتَخْتِلُني وأَخْتِلُها. ابْنُ السِّكِّيتِ: دَرَيْت فُلَانًا أَدْرِيه دَرْياً إِذَا خَتَلْتَه؛ وأَنشد للأَخطل:
فَإِنْ كُنت قَدْ أَقْصَدْتني، إِذْ رَمَيْتني ... بسَهْمِك، فالرَّامي يَصِيدُ وَلَا يَدْرِي
أَي وَلَا يَخْتِلُ وَلَا يَسْتَتِرُ. وَقَدْ دارَيْته إِذَا خاتَلْته. والدَّرِيَّة: النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ الصَّيْدِ فيختِلُ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ مَهْمُوزَةٌ لأَنها تُدْرأُ لِلصَّيْدِ أَي
__________
(1) . قوله [أي ما اختل إلخ] هكذا في الأَصل

(14/254)


تُدْفَعُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَدِ ادَّرَيْت دَرِيَّة وتَدَرَّيت. والدَّرِيّة: الْوَحْشُ مِنَ الصَّيْدِ خَاصَّةً. التَّهْذِيبُ: الأَصمعي الدَّرِيّة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، دابَّة يَسْتَتِرُ بِهَا الصَّائِدُ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ لِيَصِيدَهُ، فَإِذَا أَمكنَه رَمَى، قَالَ: وَيُقَالُ مِنَ الدَّرِيّة ادَّرَيْت ودَرَيْت. ابْنُ السِّكِّيتِ: انْدَرَأْتُ عَلَيْهِ انْدِراءً، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ انْدَرَيْت. الْجَوْهَرِيُّ: وتَدَرَّاه وادَّراه بِمَعْنَى خَتَله، تَفَعَّل وافْتَعَل بِمَعْنَى؛ قَالَ سُحَيم:
وَمَاذَا يَدَّرِي الشُّعَراءُ مِنِّي، ... وقَدْ جاوَزْتُ رَأْسَ الأَرْبَعِينِ؟
قَالَ يَعْقُوبُ: كَسَرَ نُونَ الْجَمْعِ لأَن الْقَوَافِيَ مَخْفُوضَةً، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
أَخو خَمْسِين مُجْتَمعٌ أَشُدِّي، ... ونَجَّذَني مُداوَرَةُ الشُّؤُونِ
وادَّرَوْا مَكَانًا: اعْتَمَدوه بِالْغَارَةِ والغَزْو. التَّهْذِيبُ: بَنُو فُلَانٍ ادَّرَوْا فُلَانًا كأَنَّهم اعْتَمَدوه بِالْغَارَةِ وَالْغَزْوِ؛ وَقَالَ سُحَيم بْنُ وَثيل الرِّيَاحِيُّ:
أَتَتْنا عامِرٌ مِنْ أَرْضِ رامٍ، ... مُعَلِّقَةَ الكَنائِنِ تَدَّرِينا
والمُدَارَاةُ فِي حُسْن الخُلُق والمُعاشَرةِ مَعَ النَّاسِ يكونُ مَهْمُوزًا وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ، فَمَنْ هَمَزَهُ كَانَ مَعْنَاهُ الاتِّقاءَ لشَرِّه، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ جَعَلَهُ مِنْ دَرَيْت الظَّبْيَ أَي احْتَلْت لَهُ وخَتَلْته حَتَّى أَصِيدَه. ودَارَيْته مِنْ دَرَيْت أَي خَتَلْت. الْجَوْهَرِيُّ: ومُدَارَاة النَّاسِ المُداجاة والمُلايَنَة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
رأْس العَقْلِ بعدَ الإِيمانِ بِاللَّهِ مُدَارَاةُ الناسِ
أَي مُلايَنَتُهُم وحُسنُ صُحْبَتِهِم واحْتِمالُهُم لئَلَّا يَنْفِروا عَنْكَ. ودَارَيت الرجلَ: لايَنْته ورَفَقْت بِهِ، وأَصله مِنْ دَرَيْت الظَّبْي أَي احْتَلْت لَهُ وخَتَلْته حَتَّى أَصيدَه. ودَارَيْتُه ودَارأْته: أَبْقَيْته، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَمْزِ أَيضاً. ودارأْت الرجلَ إِذَا دَافَعْتَه، بِالْهَمْزِ، والأَصل فِي التَّدَارِي التَّدارُؤُ، فَتُرِكَ الهَمْز ونُقِلَ الْحَرْفُ إِلَى التَّشْبِيهِ بِالتَّقَاضِي وَالتَّدَاعِي. والدَّرْوانُ: ولَدُ الضِّبْعانِ مِنَ الذِّئْبة؛ عَنْ كُرَاعٍ. والمِدْرَى والمِدْراة والمَدْرِيَةُ: القَرْنُ، وَالْجَمْعُ مَدارٍ ومَدارَى، الأَلف بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ. ودَرَى رَأْسَه بالمِدْرى: مَشَطَه. ابْنُ الأَثير: المِدْرَى والمِدْرَاةُ شَيْءٌ يُعْمَل مِنْ حَدِيدٍ أَو خَشَبٍ عَلَى شَكْلِ سِنٍّ مِنْ أَسْنان المُشْطِ وأَطْولُ مِنْهُ، يُسَرَّحُ بِهِ الشَّعَر المُتَلَبِّدُ ويَستَعمله مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُشْط؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُبيّ: أَن جَارِيَةً لَهُ كانَت تَدَّري رأْسَهُ بِمِدْراها
أَي تُسَرِّحُه. يُقَالُ: ادَّرَت المرأَة تَدَّرِي ادِّراءً إِذَا سَرَّحَتْ شَعَرَهَا بِهِ، وأَصلها تَدْتَري، تَفْتَعِل مِنِ اسْتِعْمَالِ المِدْرى، فأُدغمت التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: المِدْرَاةُ حَدِيدَةٌ يُحَكُّ بِهَا الرأْس يُقَالُ لَهَا سَرْخارَهْ، وَيُقَالُ مِدْرىً، بِغَيْرِ هَاءٍ، ويُشَبَّه قَرْنُ الثَّوْرِ بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةُ:
شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَها، ... شَكَّ المُبَيْطِرِ إذْ يَشْفِيِ مِنَ العَضَدِ
وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ فِي يَدِهِ مِدْرىً يَحُكُّ بِهَا رأْسَه فَنَظَر إلَيْه رَجلٌ مِنْ شَقِّ بابهِ قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك تَنْظُر لَطَعَنْتُ بِهِ في عَيْنِكَ.
فَقَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا للمِدْراةِ مَدْرِيَة، وَهِيَ الَّتِي حدِّدَت حَتَّى صَارَتْ مِدْرَاةً؛ وَحَدَّثَ الْمُنْذِرِيُّ أَن الْحَرْبِيَّ أَنشده:

(14/255)


وَلَا صُوار مُدَرَّاةٍ مَناسِجُها، ... مثلُ الفريدِ الَّذِي يَجْري مِنَ النَّظْمِ
قَالَ: وَقَوْلُهُ مُدَرَّاة كأَنها هُيِّئَت بالمِدْرى مِنْ طُولِ شَعْرِهَا، قَالَ: والفَرِيدُ جَمْعُ الْفَرِيدَةُ، وَهِيَ شَذْرة مِنْ فِضَّةٍ كَاللُّؤْلُؤِ، شَبَّه بياض أَجسادها بها كأَنها الْفِضَّةُ. الْجَوْهَرِيُّ فِي المِدْراةِ قَالَ: وَرُبَّمَا تُصْلِحُ بِهَا الْمَاشِطَةُ قُرُونَ النِّساء، وَهِيَ شَيْءٌ كالمِسَلَّة يَكُونُ مَعَها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَهْلِكُ المِدْراةُ فِي أَكْنافِه، ... وإِذا مَا أَرْسَلَتْهُ يَعْتَفِرْ
وَيُقَالُ: تَدَرَّت المرأَة أَي سَرَّحت شعَرها. وَقَوْلُهُمْ جَأْبُ المِدْرى أَي غَلِيظ القَرْنِ، يُدَلّ بِذَلِكَ عَلَى صِغَر سِنِّ الْغَزَالِ لأَن قَرْنَه فِي أَول مَا يَطْلُعُ يَغْلُظُ ثُمَّ يَدِقُّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وقول الهذلي:
وبالترك قد دمها ... وذات المُدارأَة الغائط «2»
الْمَدْمُومَةُ: الْمَطْلِيَّةُ كأَنها طُلِيَتْ بِشَحْمٍ. وَذَاتُ المدارأَة: هِيَ الشديدة النفس فهي تُدْرأُ؛ قَالَ وَيُرْوَى:
وَذَاتُ المُدَارَاة وَالْغَائِطُ
قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْهَمْزَ فِيهِ وترك الهمز جائز.
درحي: الْجَوْهَرِيُّ: الدِّرْحَايَةُ الرجُلُ الضَّخْم الْقَصِيرُ، وَهِيَ فِعْلايَةٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
عَكَوَّكاً، إِذَا مَشَى، دِرْحَايَهْ ... تَحْسِبُني لَا أَعرفُ الحُدايَهْ
قَالَ الشَّيْخُ: دِرْحاية يَنْبَغِي أَن يَكُونَ فِي بَابِ الْحَاءَ وَفَصْلِ الدَّالِ وَالْيَاءِ آخِرُهُ زَائِدَةٌ لأَن الْيَاءَ لَا تَكُونُ أَصلًا فِي بَنَاتِ الأَربعة.
دسا: دسي
دَسَى دَسَى
يَدْسَى: نقيضُ زَكا. اللَّيْثُ: دَسا فُلَانٌ يَدْسُو دَسْوَةً، وَهُوَ نَقِيضُ زَكا يَزْكُو زَكَاةً، وَهُوَ داسٍ لَا زاكٍ، ودَسَّى نَفْسَه. قال: ودسي
دَسَى دسي
يَدْسَى لُغَةٌ، ويَدْسُو أَصوب. ابْنُ الأَعرابي: دَسا إِذَا اسْتَخَفَى. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا يَقْرُبُ مِمَّا قَالَ اللَّيْثُ، قَالَ: وأَحسبهما ذَهَبًا إِلَى قَلْبِ حَرْفِ التَّضْعِيفِ، وَاعْتَبَرَ اللَّيْثُ مَا قَالَهُ فِي دَسَّى مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
؛ أَي أَخفاها، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا إِنَّ دَسّاها فِي الأَصل دَسَّسها، وإِن السِّينَاتِ تَوَالَتْ فَقُلِبَتْ إِحْدَاهُنَّ يَاءً، وأَما دَسَّى غيرَ مُحَوَّل عَنِ الْمُضَعَّفِ مِنْ بَابِ الدَّسِّ فَلَا أَعرفه وَلَا أَسمعه، وَالْمَعْنَى خَابَ مَنْ دَسَّى نفسَه أَي أَخْمَلها وأَخَسَّ حَظَّها، وَقِيلَ خَابَتْ نفسٌ دَسَّاها اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْفَيْته وقلَّلْته فَقَدْ دَسَسْته، رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده:
نَزُورُ امْرَأً أَما الإِلَه فَيَتَّقِي، ... وأَمّا بِفعْلِ الصالِحِينَ فيأْتَمِي
قَالَ: أَراد فيَأْتَمُّ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: دَسَّى فُلَانٌ نفْسَه إِذَا أَخفاها وأَخملها لُؤْماً مَخَافَةَ أَن يتَنَبَّه لَهُ فيُستضافَ. ودسَا الليلُ دَسْواً ودَسْياً: وَهُوَ خِلَافُ زَكَا. ودَسَّى نفْسَه. وتَدَسَّى ودَسّاه: أَغراه وأَفْسَدَه. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِرَجُلٍ مِنْ طيِء:
وأَنتَ الَّذِي دَسَّيْتَ عَمْراً، فأَصْبَحَت ... نِساؤُهُمُ مِنْهُمْ أَرامِلُ ضُيَّعُ
قَالَ: دَسَّيْت أَغْوَيْت وأَفسدْت، وعمرو قبيلة.
دشا: ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: دَشَا إِذَا غاصَ في الحرب.
__________
(2) . قوله [
وبالترك قد دمها
إلخ] هذا البيت هو هكذا في الأَصل.

(14/256)


دعا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: يَقُولُ ادْعُوا مَنِ اسْتَدعَيتُم طاعتَه ورجَوْتم مَعونتَه فِي الإِتيان بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
، يَقُولُ: آلِهَتَكم، يَقُولُ اسْتَغِيثوا بِهِمْ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ إِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ خَالِيًا فادْعُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْنَاهُ اسْتَغِثْ بِالْمُسْلِمِينَ، فالدُّعَاء هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِغَاثَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ عِبادةً: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ
، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ
، يَقُولُ: ادْعُوهُمْ فِي النَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ بِكُمْ إِنْ كَانُوا آلِهَةً كَمَا تَقُولُونَ يُجيبوا دُعَاءَكُمْ، فَإِنْ دَعَوْتُموهم فَلَمْ يُجيبوكم فأَنتم كَاذِبُونَ أَنهم آلهةٌ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
؛ مَعْنَى الدُّعَاءِ لِلَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: فضربٌ مِنْهَا توحيدهُ والثناءُ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ: يَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنت، وَكَقَوْلِكَ: ربَّنا لكَ الحمدُ، إِذَا قُلْتَه فقدَ دعَوْته بِقَوْلِكَ ربَّنا، ثُمَّ أَتيتَ بِالثَّنَاءِ وَالتَّوْحِيدِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي
؛ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مسأَلة اللَّهِ العفوَ وَالرَّحْمَةَ وَمَا يُقَرِّب مِنْهُ كَقَوْلِكَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مسأَلة الحَظِّ مِنَ الدُّنْيَا كَقَوْلِكَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا جَمِيعُهُ دُعَاء لأَن الإِنسان يُصَدّر فِي هَذِهِ الأَشياء بِقَوْلِهِ يَا اللَّهُ يَا رَبُّ يَا رحمنُ، فَلِذَلِكَ سُمِّي دُعَاءً. وَفِي حَدِيثِ عرَفة:
أَكثر دُعَائِي ودُعَاء الأَنبياء قَبْلي بعَرفات لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهَ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وله الحمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
، وَإِنَّمَا سُمِّيَ التهليلُ والتحميدُ والتمجيدُ دُعَاءً لأَنه بِمَنْزِلَتِهِ فِي استِيجاب ثوابِ اللَّهِ وَجَزَائِهِ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
إِذَا شَغَلَ عَبْدي ثَنَاؤُهُ عليَّ عَنْ مسأَلتي أَعْطَيْتُه أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السائِلين
، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ
؛ الْمَعْنَى أَنهم لَمْ يَحْصُلوا مِمَّا كَانُوا ينْتَحِلونه مِنَ المذْهب والدِّينِ وَمَا يَدَّعونه إِلَّا عَلَى الاعْتِرافِ بأَنهم كَانُوا ظَالِمِينَ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي إِسْحَاقَ. قَالَ: والدَّعْوَى اسمٌ لِمَا يَدَّعيه، والدَّعْوى تَصْلُح أَن تَكُونَ فِي مَعْنَى الدُّعاء، لَوْ قُلْتَ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنا فِي صالحِ دُعاءِ المُسْلمين أَو دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ جَازَ؛ حَكَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد:
قَالَتْ ودَعْوَاها كثِيرٌ صَخَبُهْ
وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
؛ يَعْنِي أَنَّ دُعاءَ أَهلِ الجَنَّة تَنْزيهُ اللهِ وتَعْظِيمُه، وَهُوَ قَوْلُهُ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ
، ثُمَّ قَالَ: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
؛ أَخبرَ أَنهم يبْتَدِئُون دُعاءَهم بتَعْظيم اللَّهِ وتَنزيهه ويَخْتِمُونه بشُكْره وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فجَعل تَنْزِيهَهُ دُعَاءً وتحميدَهُ دُعَاءً، والدَّعْوى هُنَا مَعْنَاهَا الدُّعاء.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة، ثُمَّ قرأَ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي
؛ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ
، قَالَ: يُصَلُّونَ الصَّلَواتِ الخمسَ، ورُوِي مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ في قوله: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً
؛ أَي لَنْ نَعْبُد إِلَهًا دُونَه. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا
؛ أَي أَتَعْبُدون رَبّاً سِوَى اللَّهِ، وَقَالَ: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ
؛ أَي لَا تَعْبُدْ. والدُّعاءُ: الرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دَعَاهُ دُعَاءً ودَعْوَى؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي آخِرُهَا أَلف التأْنيث؛ وأَنشد لبُشَيْر بْنِ النِّكْثِ:

(14/257)


وَلَّت ودَعْوَاها شَديدٌ صَخَبُهْ
ذكَّرَ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينا سُلْيمانَ لأَصْبَحَ مُوثَقاً يَلْعَبُ بِهِ وِلْدانُ أَهلِ الْمَدِينَةِ
؛ يَعْنِي الشَّيْطان الَّذِي عَرَضَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، وأَراد بدَعْوَةِ سُلْيمانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَوْلَهُ: وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَمِنْ جُمْلَةِ مُلكه تَسْخِيرُ الشَّيَاطِينِ وانقِيادُهم لَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
سأُخْبِرُكم بأَوَّل أَمري دَعْوةُ أَبي إِبْرَاهِيمَ وبِشارةُ عِيسى
؛ دَعْوةُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قولهُ تَعَالَى: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ؛ وبِشارَةُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثُ
مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا أَصابَهُ الطَّاعُونُ قَالَ: ليْسَ بِرِجْزٍ وَلَا طاعونٍ وَلَكِنَّهُ رَحْمةُ رَبِّكم ودَعْوَةُ نبِيِّكُم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ أَراد قَوْلَهُ:
اللَّهُمَّ اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن والطاعونِ
، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَر، وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَمَّا أَصابَهُ الطَّاعُونُ فأَثبَتَ أَنه طاعونٌ، ثُمَّ قَالَ: ليسَ برِجْزٍ وَلَا طاعونٍ فنَفَى أَنه طاعونٌ، ثُمَّ فسَّر قَوْلَهُ ولكنَّه رحمةٌ مِنْ ربِّكم ودَعوةُ نبِيِّكم فَقَالَ أَراد قَوْلَهُ:
اللَّهُمَّ اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن وَالطَّاعُونِ
، وَهَذَا فِيهِ قَلَق. وَيُقَالُ: دَعَوْت اللَّهَ لَهُ بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرّ. والدَّعْوة: المَرَّة الواحدةَ مِنَ الدُّعاء؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَإِنَّ دَعْوتَهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ
أَي تحُوطُهم وتكْنُفُهم وتَحْفَظُهم؛ يُرِيدُ أهلَ السُّنّة دُونَ البِدْعة. والدُّعَاءُ: وَاحِدُ الأَدْعِيَة، وأَصله دُعاو لأَنه مَنْ دَعَوْت، إِلَّا أَنَّ الْوَاوَ لمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزتْ. وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَدْعِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنت تَدْعُوِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنتِ تَدْعُينَ، بِإِشْمَامِ الْعَيْنِ الضَّمَّةَ، وَالْجَمَاعَةُ أَنْتُنَّ تَدْعُونَ مِثْلُ الرِّجَالِ سَوَاءً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ أَنتِ تَدْعُوِينَ لُغَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ. والدَّعَّاءَةُ: الأَنْمُلَةُ يُدْعى بِهَا كَقَوْلِهِمُ السَّبَّابة كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَدْعُو، كَمَا أَن السَّبَّابَةَ هِيَ الَّتِي كأَنها تَسُبُّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنها شَهَادَةُ أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وجائزٌ أَن تَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، دَعْوَةُ الْحَقِ
أَنه مَن دَعا اللَّهَ مُوَحِّداً اسْتُجيب لَهُ دُعَاؤُهُ.
وَفِي كِتَابِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى هِرَقْلَ: أَدْعُوكَ بِ دِعَايَةِ الإِسْلام
أَي بِدَعْوَتِه، وَهِيَ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُدْعى إِلَيْهَا أَهلُ المِلَلِ الْكَافِرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ:
بداعِيَةِ الإِسْلامِ
، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّعْوةِ كَالْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَةِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
عُمَيْر بْنِ أَفْصى: لَيْسَ فِي الخْيلِ داعِيَةٌ لِعاملٍ
أَي لَا دَعْوى لعاملِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَلَا حَقَّ يَدْعُو إِلَى قَضَائِهِ لأَنها لَا تَجب فِيهَا الزَّكَاةُ. ودَعا الرجلَ دَعْواً ودُعَاءً: نَادَاهُ، وَالِاسْمُ الدَّعْوَة. ودَعَوْت فُلَانًا أَي صِحْت بِهِ واسْتَدْعَيْته. فأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ
؛ فإن أَبا إسحق ذَهَبَ إِلَى أَن يَدْعُو بِمَنْزِلَةِ يَقُولُ، ولَمَنْ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ يقولُ لَمَنْ ضَرُّه أَقربُ مِنْ نَفْعه إلهٌ وربٌّ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
يَدْعُونَ عَنْتَرَ، والرِّماحُ كأَنها ... أَشْطانُ بئرٍ فِي لَبانِ الأَدْهَمِ
مَعْنَاهُ يَقُولُونَ: يَا عَنْتَر، فدلَّت يَدْعُون عَلَيْهَا. وَهُوَ مِنِّي دَعْوَةَ الرجلِ ودَعْوةُ الرجُلِ، أَي قدرُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ذلك يُنْصَبُ عَلَى أَنه ظَرْفٌ ويُرفع عَلَى أَنه اسمٌ. وَلِبَنِي فلانٍ الدَّعْوةُ عَلَى قومِهم أَي يُبْدأُ بِهِمْ فِي الدُّعَاءِ إِلَى أَعْطِياتِهم، وَقَدِ انْتَهَتِ الدَّعْوة إِلَى بَنِي فلانٍ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ

(14/258)


اللَّهُ عَنْهُ، يُقدِّمُ الناسَ فِي أَعطِياتِهِم عَلَى سابِقتِهم، فَإِذَا انْتَهَتِ الدَّعْوة إِلَيْهِ كَبَّر
أَي النداءُ والتسميةُ وأَن يُقَالَ دونكَ يَا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ. وتَداعى القومُ: دَعَا بعضُهم بَعْضًا حَتَّى يَجتمعوا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ التَّدَاعِي. والتَّدَاعِي والادِّعَاءُ: الاعْتِزاء فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ أَن يَقُولَ أَنَا فلانُ بنُ فُلَانٍ، لأَنهم يَتداعَوْن بأَسمائهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بالُ دَعْوى الْجَاهِلِيَّةِ؟
هُوَ قولُهم: يَا لَفُلانٍ، كَانُوا يَدْعُون بعضُهم بَعْضًا عِنْدَ الأَمر الْحَادِثِ الشَّدِيدِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
زيدِ بنِ أَرْقَمَ: فَقَالَ قومٌ يَا للأَنْصارِ وَقَالَ قومٌ: يَا للْمُهاجِرين فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: دَعُوها فَإِنَّهَا مُنْتِنةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: مَا بالدَّارِ دُعْوِيٌّ، بِالضَّمِّ، أَي أَحد. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مِنْ دَعَوْت أَي لَيْسَ فِيهَا مَنْ يَدعُو لَا يُتكَلَّمُ بِهِ إلَّا مَعَ الجَحْد؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
إنِّي لَا أَسْعى إِلَى داعِيَّهْ
مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ، والهاءُ للعِمادِ مِثْلُ الَّذِي فِي سُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ؛ وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
إِلَّا ارْتِعاصاً كارْتِعاص الحَيَّهْ
ودَعَاه إِلَى الأَمِير: ساقَه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً
؛ مَعْنَاهُ دَاعِيًا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ، ودَعَاهُ الماءُ والكَلأُ كَذَلِكَ عَلَى المَثَل. والعربُ تَقُولُ: دَعَانا غَيْثٌ وَقَعَ ببَلدٍ فأَمْرَعَ أَي كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لانْتِجاعنا إيَّاه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
تَدْعُو أَنْفَهُ الرِّيَبُ
والدُّعَاةُ: قومٌ يَدْعُونَ إِلَى بَيْعَةٍ هُدىً أَو ضَلَالَةً، واحدُهم دَاعٍ. وَرَجُلٌ داعِيَةٌ إِذَا كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى بِدْعة أَو دينٍ، أُدْخِلَت الهاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ. وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَاعِي اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ المُؤَذِّنُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: المُؤَذِّنُ دَاعِي اللَّهِ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَاعِي الأُمَّةِ إِلَى توحيدِ اللَّهِ وطاعتهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمعوا الْقُرْآنَ: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالوا يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ
. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ دُعِيَ فأَجاب. وَيُقَالُ: دَعَانِي إِلَى الإِحسان إِلَيْكَ إحسانُك إِلَيَّ. وَفِي الْحَدِيثُ:
الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ والحُكْمُ فِي الأَنْصارِ والدَّعْوَة فِي الحَبَشة
؛ أَرادَ بالدَّعْوَة الأَذانَ جَعله فِيهِمْ تَفْضِيلًا لمؤذِّنِهِ بلالٍ. والدَّاعِيَة: صرِيخُ الْخَيْلِ فِي الْحُرُوبِ لِدُعَائِهِ مَنْ يَسْتَصْرِخُه. يُقَالُ: أَجِيبُوا داعِيَةَ الْخَيْلِ. ودَاعِيَة اللَّبَنِ: مَا يُترك فِي الضَّرْع ليَدْعُو مَا بَعْدَهُ. ودَعَّى فِي الضَّرْعِ: أَبْقى فِيهِ داعيةَ اللَّبنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمر ضِرارَ بنَ الأَزْوَر أَن يَحْلُبَ نَاقَةً وَقَالَ لَهُ دَعْ داعِيَ اللبنِ لَا تُجهِده
أَيْ أَبْق فِي الضَّرْعِ قَلِيلًا مِنَ اللَّبَنِ وَلَا تَسْتَوْعِبْهُ كُلَّهُ، فَإِنَّ الَّذِي تُبْقِيهِ فِيهِ يَدْعُو مَا وَرَاءَهُ مِنَ اللَّبَنِ فيُنْزله، وَإِذَا استُقْصِيَ كلُّ مَا فِي الضَّرْعِ أَبطأَ دَرُّه عَلَى حَالِبِهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَمَعْنَاهُ عِنْدِي دَعْ مَا يَكُونُ سَبباً لِنُزُولِ الدِّرَّة، وَذَلِكَ أَن الحالبَ إِذَا تَرَكَ فِي الضَّرْعِ لأَوْلادِ الحلائبِ لُبَيْنةً تَرضَعُها طَابَتْ أَنفُسُها فَكَانَ أَسرَع لإِفاقتِها. وَدَعَا الميتَ: نَدَبه كأَنه نَادَاهُ. والتَّدَعِّي: تَطْريبُ النَّائِحَةِ فِي نِياحتِها عَلَى مَيِّتِها إِذَا نَدَبَتْ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والنادبةُ تَدْعُو الْمَيِّتَ إِذَا نَدَبَتْه، وَالْحَمَامَةُ تَدْعو إِذَا ناحَتْ؛ وَقَوْلُ بِشْرٍ:
أَجَبْنا بَني سَعْد بْنِ ضَبَّة إذْ دَعَوْا، ... وللهِ مَوْلى دَعْوَةٍ لَا يُجِيبُها
يُرِيدُ: لِلَّهِ وليُّ دَعْوةٍ يُجيب إِلَيْهَا ثُمَّ يُدْعى فَلَا

(14/259)


يُجيب؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ فجعَل صوتَ الْقَطَا دُعَاءً:
تَدْعُو قَطاً، وَبِهِ تُدْعى إِذَا نُسِبَتْ، ... يَا صِدْقَها حِينَ تَدْعُوها فتَنْتَسِب
أَي صوْتُها قَطاً وَهِيَ قَطاً، وَمَعْنَى تَدْعُو تُصوّت قَطَا قَطَا. وَيُقَالُ: مَا الَّذِي دَعَاكِ إِلَى هَذَا الأَمْرِ أَي مَا الَّذِي جَرَّكَ إِلَيْهِ واضْطَرَّك. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ دُعِيتُ إِلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ يوسفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأَجَبْتُ
؛ يُرِيدُ حِينَ دُعِيَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الحَبْسِ فَلَمْ يَخْرُجْ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ؛ يَصِفُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ أَي لَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَخَرَجْتُ وَلَمْ أَلْبَث. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا مِنْ جِنْسِ تَوَاضُعِهِ فِي قَوْلِهِ
لَا تُفَضِّلوني عَلَى يونُسَ بنِ مَتَّى.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه سَمِع رجُلًا يَقُولُ فِي المَسجِدِ مَنْ دَعَا إِلَى الجَمَلِ الأَحمر فَقَالَ لَا وجَدْتَ
؛ يُرِيدُ مَنْ وجَدَه فدَعا إِلَيْهِ صاحِبَه، وَإِنَّمَا دَعَا عَلَيْهِ لأَنه نَهَى أَن تُنْشَدَ الضالَّةُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها
، قَالَ: سَلْ لَنَا رَبّك. والدَّعْوة والدِّعْوة والمَدْعاة والمِدْعاةُ: مَا دَعَوتَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، الْكَسْرُ فِي الدِّعْوَة «3» . لعَدِي بن الرِّباب وسائر العرب يَفْتَحُونَ، وَخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بالدَّعْوَة الْوَلِيمَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كُنا فِي مَدْعَاةِ فُلَانٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُرِيدُونَ الدُّعاءَ إِلَى الطَّعَامِ. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
؛ دارُ السلامِ هِيَ الجَنَّة، وَالسَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ أَي دَارَ السَّلَامَةِ وَالْبَقَاءِ، ودعاءُ اللهِ خَلْقَه إِلَيْهَا كَمَا يَدْعُو الرجلُ الناسَ إِلَى مَدْعاةٍ أَي إِلَى مَأْدُبَةٍ يتَّخِذُها وطعامٍ يَدْعُو الناسَ إِلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكم إِلَى طَعَامٍ فلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فلْيُصَلِّ.
وَفِي العُرْسِ دَعْوة أَيضاً. وَهُوَ فِي مَدْعَاتِهِم: كَمَا تَقُولُ فِي عُرْسِهِم. وَفُلَانٌ يَدَّعِي بكَرَم فِعالهِ أَي يُخْبِر عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ. والمَداعِي: نَحْوَ المَساعي والمكارمِ، يُقَالُ: إِنَّهُ لذُو مَدَاعٍ ومَساعٍ. وَفُلَانٌ فِي خَيْرٍ مَا ادَّعَى أَي مَا تَمَنَّى. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ
؛ مَعْنَاهُ مَا يتَمَنَّوْنَ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الدُّعاء أَي مَا يَدَّعِيه أَهلُ الْجَنَّةِ يأْتيهم. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: ادَّعِ عليَّ مَا شئتَ. وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: يُقَالُ لِي فِي هَذَا الأَمر دَعْوَى ودَعاوَى ودَعَاوةٌ ودِعَاوَةٌ؛ وأَنشد:
تأْبَى قُضاعَةُ أَنْ تَرْضى دِعاوَتَكم ... وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ
قَالَ: وَالنَّصْبُ فِي دَعاوة أَجْوَدُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ لِي فِيهِمْ دِعْوة أَي قَرابة وإخاءٌ. وادَّعَيْتُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَالِاسْمُ الدَّعْوى. ودعاهُ اللهُ بِمَا يَكْرَه: أَنْزَلَه بِهِ؛ قَالَ:
دَعاكَ اللهُ مِنْ قَيْسٍ بأَفْعَى، ... إِذَا نامَ العُيونُ سَرَتْ عَلَيْكا «4»
. القَيْسُ هُنَا مِنْ أَسماء الذَّكَر. ودَوَاعِي الدَّهْرِ: صُرُوفُه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ لَظَى، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى
؛ مِنْ ذَلِكَ أَي تَفْعل بِهِمُ الأَفاعيل المَكْرُوهَة، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الدُّعَاء الَّذِي هُوَ النِّدَاءُ، وَلَيْسَ بقَوِيّ. وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْمُفَسِّرِينَ: تَدْعُو الْكَافِرَ بِاسْمِهِ وَالْمُنَافِقَ بِاسْمِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَتْ كالدعاءِ تَعالَ، وَلَكِنَّ دَعْوَتها إِيَّاهُمْ مَا تَفْعَل بِهِمْ مِنَ الأَفاعيل الْمَكْرُوهَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى
أَي تُعَذِّبُ، وقال
__________
(3) . قوله [الكسر في الدِّعْوَة إلخ] قال في التكملة: وقال قطرب الدُّعْوَة بالضم في الطعام خاصة
(4) . وفي الأَساس: دَعَاك الله من رجلٍ إلخ

(14/260)


ثَعْلَبٌ: تُنادي مَنْ أَدْبر وتوَلَّى. ودَعَوْته بزيدٍ ودَعَوْتُه إياهُ: سَمَّيته بِهِ، تَعَدَّى الفعلُ بَعْدَ إِسْقَاطِ الْحَرْفِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمرَ الْبَاهِلِيُّ:
أَهْوَى لَهَا مِشْقَصاً جَشْراً فشَبْرَقَها، ... وكنتُ أَدْعُو قَذَاها الإِثْمِدَ القَرِدا
أَي أُسَمِّيه، وأَراد أَهْوَى لَهَا بِمِشْقَصٍ فَحَذَفَ الْحَرْفَ وأَوصل. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً
؛ أَي جعَلوا، وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر أَيضاً وَقَالَ أَي كُنْتُ أَجعل وأُسَمِّي؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلا رُبَّ مَن تَدْعُو نَصِيحاً، وإنْ تَغِبْ ... تَجِدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ
وادَّعيتُ الشيءَ: زَعَمْتُهُ لِي حَقّاً كَانَ أَو بَاطِلًا. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ المُلْك: وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ
؛ قرأَ أَبو عَمْرٍو تَدَّعُون، مُثَقَّلَةً، وَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ تَكْذبون مِنْ قَوْلِكَ تَدَّعِي الْبَاطِلَ وتَدَّعِي مَا لَا يَكُونُ، تأْويله فِي اللُّغَةِ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ مِنْ أَجله تَدَّعُونَ الأَباطيلَ والأَكاذيبَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون بِمَعْنَى تَدْعُون، وَمَنْ قرأَ تَدْعُون، مُخَفَّفَةً، فَهُوَ مَنْ دَعَوْت أَدْعُو، وَالْمَعْنَى هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ وتَدْعُون اللَّهَ بتَعْجيله، يَعْنِي قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون فِي الْآيَةِ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ وتَفْتَعِلون مِنَ الدَّعْوَى، وَالِاسْمُ الدَّعْوى والدِّعْوة، قَالَ اللَّيْثُ: دَعا يَدْعُو دَعْوَةً ودُعاءً وادَّعَى يَدَّعي ادِّعاءً ودَعْوَى. وَفِي نَسَبِهِ دَعْوة أَي دَعْوَى. والدِّعْوة، بِكَسْرِ الدَّالِ: ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ غَيْرَ أَبيه. يُقَالُ: دَعِيٌّ بيِّنُ الدِّعْوة والدِّعاوَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الدَّعْوة فِي الطَّعَامِ والدِّعْوة فِي النَّسَبِ. ابْنُ الأَعرابي: المدَّعَى المُتَّهَمُ فِي نسَبه، وَهُوَ الدَّعِيُّ. والدَّعِيُّ أَيضاً: المُتَبَنَّى الَّذِي تَبَنَّاه رجلٌ فَدَعَاهُ ابنَه ونسبهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبَنَّى زيدَ بنَ حارثةَ فأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن يُنْسَب الناسُ إِلَى آبَائِهِمْ وأَن لَا يُنْسَبُوا إِلَى مَن تَبَنَّاهم فَقَالَ: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ
، وَقَالَ: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ
. أَبو عَمْرٍو عَنْ أَبيه: والدَّاعِي المُعَذِّب، دَعاهُ اللَّهُ أَي عَذَّبَه اللَّهُ. والدَّعِيُّ: الْمَنْسُوبُ إِلَى غَيْرِ أَبيه. وَإِنَّهُ لَبَيِّنُ الدَّعْوَة والدِّعْوَةِ، الْفَتْحُ لعَدِيِّ بْنِ الرِّباب، وسائرُ الْعَرَبِ تَكْسِرُها بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لبيِّنُ الدَّعَاوَة والدِّعَاوَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا دِعْوَة فِي الإِسلام
؛ الدِّعْوَة فِي النَّسَبِ، بِالْكَسْرِ: وَهُوَ أَن ينْتَسب الإِنسان إِلَى غَيْرِ أَبيه وَعَشِيرَتِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فَنَهَى عَنْهُ وجعَل الوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ مِنَ رَجُلٍ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبيه وَهُوَ يَعْلمه إِلَّا كَفَر
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
فالجَنَّة عَلَيْهِ حَرَامٌ
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
، وَقَدْ تكرَّرَت الأَحاديث فِي ذَلِكَ، والادِّعَاءُ إِلَى غيرِ الأَبِ مَعَ العِلْم بِهِ حَرَامٌ، فَمَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ لِمُخَالَفَتِهِ الإِجماع، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَهُ فَفِي مَعْنَى كُفْرِهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَنه قَدْ أَشبه فعلُه فعلَ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِي أَنه كَافِرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ والإِسلام عَلَيْهِ؛ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فَلَيْسَ مِنَّا
أَي إِنِ اعْتَقَد جوازَه خَرَجَ مِنَ الإِسلام، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَالْمَعْنَى لَمْ يَتَخَلَّق بأَخلاقنا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: المُسْتَلاطُ لَا يَرِثُ ويُدْعَى لَهُ ويُدْعَى بِهِ
؛ المُسْتَلاطُ المُسْتَلْحَق فِي النَّسَبِ،

(14/261)


ويُدْعَى لَهُ أَي يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ويُدْعَى بِهِ أَي يُكَنَّى فَيُقَالُ: هُوَ أَبو فُلَانٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ لأَنه لَيْسَ بِوَلَدٍ حَقِيقِيٍّ. والدَّعْوة: الحِلْفُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الدَّعْوَةُ الحِلْف. يُقَالُ: دَعْوَة بَنِي فُلَانٌ فِي بَنِي فُلَانٍ. وتَداعَى البناءُ وَالْحَائِطُ للخَراب إِذَا تكسَّر وآذَنَ بانْهِدامٍ. ودَاعَيْنَاها عَلَيْهِمْ مِنْ جَوانِبِها: هَدَمْناها عَلَيْهِمْ. وتَدَاعَى الْكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ إِذَا هِيلَ فانْهالَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَمَثَلِ الجَسدَ إِذَا اشْتَكَى بعضهُ تَدَاعَى سائرهُ بالسَّهَر والحُمَّى
كأَن بَعْضَهُ دَعَا بَعْضًا مِنْ قَوْلِهِمْ تَدَاعَت الْحِيطَانُ أَي تَسَاقَطَتْ أَو كَادَتْ، وتَدَاعَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: أَقْبَلَ، مِنْ ذَلِكَ. وتَدَاعَت القبائلُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ إِذَا تأَلَّبوا وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى التَّناصُر عَلَيْهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الأُمَم
أَي اجْتَمَعُوا وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي حَدِيثِ
ثَوْبانَ: يُوشكُ أَن تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِها.
وتَدَاعَتْ إبلُ فُلَانٍ فَهِيَ مُتَدَاعِيةٌ إِذَا تَحَطَّمت هُزالًا؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَباعَدْتَ مِنِّي أَن رأَيتَ حَمُولَتي ... تَدَاعَتْ، وأَن أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
والتَّدَاعِي فِي الثَّوْبِ إِذَا أَخْلَقَ، وَفِي الدَّارِ إِذَا تصدَّع مِنْ نَوَاحِيهَا، والبرقُ يَتَدَاعَى فِي جَوَانِبِ الغَيْم؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
وَلَا بَيْضاءَ فِي نَضَدٍ تَدَاعَى ... ببَرْقٍ فِي عَوارِضَ قَدْ شَرِينا
وَيُقَالُ: تَدَاعَت السحابةُ بِالْبَرْقِ والرَّعْد مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِذَا أَرْعَدَت وبَرَقَت مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. قَالَ أَبو عَدْنان: كلُّ شَيْءٍ فِي الأَرض إِذَا احتاجَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ دَعا بِهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْلَقَت ثيابُه: قَدْ دَعَتْ ثِيابُكَ أَي احْتَجْتَ إِلَى أَن تَلْبَسَ غَيْرَهَا مِنَ الثِّيَابِ. وَقَالَ الأَخفش: يُقَالُ لَوْ دُعِينَا إِلَى أَمر لانْدَعَينا مِثْلَ قَوْلِكَ بَعَثْتُه فانْبَعَثَ، وَرَوَى الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْحَرْفَ عَنِ الأَخفش، قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ لَوْ دَعَوْنا لانْدَعَيْنا أَي لأَجَبْنا كَمَا تَقُولُ لَوْ بَعَثُونا لانْبَعَثْنا؛ حَكَاهَا عَنْهُ أَبو بَكْرِ ابن السَّرَّاج. والتَّداعِي: التَّحاجِي. ودَاعَاهُ: حاجاهُ وفاطَنَه. والأُدْعِيَّةُ والأُدْعُوَّةُ: مَا يَتَداعَوْنَ بِهِ. سِيبَوَيْهِ: صَحَّت الْوَاوُ فِي أُدْعُوَّة لأَنه لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَقْلِبُها، وَمَنْ قَالَ أُدْعِيَّة فلخِفَّةِ الْيَاءِ عَلَى حَدِّ مَسْنِيَّة، والأُدْعِيَّة مِثْل الأُحْجِيَّة. والمُدَاعَاة: المُحاجاة. يُقَالُ: بَيْنَهُمْ أُدْعِيَّة يَتَداعَوْنَ بِهَا وأُحْجِيَّة يَتَحاجَوْنَ بِهَا، وَهِيَ الأُلْقِيَّة أَيضاً، وَهِيَ مِثْلُ الأُغْلُوطات حَتَّى الأَلْغازُ مِنَ الشِّعْرِ أُدْعِيَّة مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أُدَاعِيكَ مَا مُسْتَحْقَباتٌ مَعَ السُّرَى ... حِسانٌ، وَمَا آثارُها بحِسانِ
أَي أُحاجِيكَ، وأَراد بالمُسْتَحْقَباتِ السُّيوفَ، وَقَدْ دَاعَيْتُه أُدَاعِيهِ؛ وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ القَلَم:
حاجَيْتُك يَا خَنْساءُ، ... فِي جِنْسٍ مِنَ الشِّعْرِ
وَفِيمَا طُولُه شِبْرٌ، ... وَقَدْ يُوفِي عَلَى الشِّبْرِ
لَهُ فِي رَأْسِهِ شَقٌّ ... نَطُوفٌ، ماؤُه يَجْرِي
أَبِيِني، لَمْ أَقُلْ هُجْراً ... ورَبِّ البَيْتِ والحِجْرِ

(14/262)


دغا: الدَّغْوَةُ ودغي
الدَّغْيَة: السَّقْطَةُ القَبيحة، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ القَبيحة تَسْمَعُهَا، وَقِيلَ: تَسْمَعُها عَنِ الإِنسان. وَرَجُلٌ ذُو دَغَواتٍ ودغي
دَغَيَاتٍ: لَا يَثْبُتُ عَلَى خُلُقٍ، وَقِيلَ: ذُو أَخْلاقٍ رَدِيئةٍ، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
ذَا دَغَواتٍ قُلَّبَ الأَخْلاقِ
أَي ذَا أَخْلاقٍ رَدِيئَةٍ مُتَلَوِّنَة؛ وَقَالَ أَيضاً:
ودغي دَغْيَة مِنْ خَطِلٍ مُغْدَوْدِنِ
قَالَ: ولم نسمع دغي
دَغَيات ولا دغي
دَغْيَةً إِلَّا فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: نَحْنُ نقولُ دغي
دَغْية وَغَيْرُنَا يَقُول دَغْوة. وقُلَّب الأَخْلاقِ: هَالِكُ الأَخْلاق رديئُها مِنْ قُلِب إِذَا هَلَك، مِثْلُ رجلٌ حُوّلٌ قُلَّبٌ مدحٌ لِلرَّجُلِ المُحْتال. وحُكِي عَنِ الْفَرَّاءِ: إِنَّهُ لَذُو دَغَواتٍ، بِالْوَاوِ، وَالْوَاحِدَةُ دَغْيَة؛ قَالَ: وَإِنَّمَا أَرادوا دَغِيَّةً ثُمَّ خُفّف كَمَا قَالُوا هَيّن وهَيْن. ودُغَاوَةُ: جِيلٌ «1» . مِنَ السُّودَانِ خَلْف الزِّنْجِ فِي جَزِيرَةِ الْبَحْرِ، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ زُغاوة، بِالزَّايِ، جِنْسٌ مِنَ السُّودَانِ. ودُغَةُ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ أَحْمَقَ. ودُغَةُ: اسْمُ امرأَة مِنْ عِجْلٍ تُحَمَّقُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هِيَ مارِيَة بِنْتُ مَغْنَج. وَحَكَى حَمْزَةُ الأَصبهاني عَنْ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ أَنَّ الدُّغَة الفَراشَة، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ أَنها دُويْبَّة. يُقَالُ: فُلَانٌ أَحْمَقُ مِنْ دُغَة، وَلَهَا قِصَّة «2» ، قَالَ: وأَصلها دُغَوٌ أَو دُغَيٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَقِيلَ: دُغَةُ اسْمُ امرأَة قَدْ وَلَدت «3» . فِي عِجْلٍ. ودغي
الدَّغْيَةُ: الدَّعارة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
دفا: الأَدْفَى مِنَ المَعَزِ والوُعولِ: الَّذِي طَالَ قَرْنَاهُ حَتَّى انْصَبَّا عَلَى أُذُنَيْه مِنْ خَلْفِه، وَمِنَ النَّاسِ الَّذِي يمشِي فِي شِقّ، وَقِيلَ: هُوَ الأَجْنَأُ، وَقِيلَ: المُنضَمُّ المَنْكِبَيْن، وَمِنَ الطَّيْرِ مَا طَالَ جَناحاه مِنْ أُصُولِ قوادِمِه وطَرَف ذَنَبِه وَطَالَتْ قادِمةُ ذَنَبِه؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ الْغُرَابَ:
شَنِجُ النَّسَا أَدْفَى الجَناحِ كأَنه ... فِي الدارِ، إثْرَ الظاعِنِين، مُقَيَّدُ
وطائرٌ أَدْفَى: طويلُ الجَنَاحِ، وَإِنَّمَا قِيلَ للعُقاب دَفْوَاءُ لعَوَج مِنْقارها. والأَدْفَى مِنَ الإِبِلِ: مَا طَالَ عُنُقه واحْدَوْدَب وَكَادَتْ هامَتُه تَمَسُّ سَنامَه، والأُنثى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ دَفْوَاءُ. والدَّفْوَاءُ مِنَ النجائِبِ: الطَّويلة العُنق إِذَا سَارَتْ كَادَتْ تضَع هامَتَها عَلَى ظَهْر سَنامِها، وَتَكُونُ مَعَ ذَلِكَ طَوِيلَةَ الظَّهْرِ. والدَّفْوَاءُ: النَّاقَةُ الَّتِي تَمْشي فِي جانِبِها وَهُوَ أَسرع لَهَا وأَحسن؛ وأَنشد:
دَفْوَاءُ فِي المِشْيَةِ مِنْ غَيْرِ جَنَفْ
والجَنَف: أَن تَكُونَ كِرْكِرةُ البَعير ضَخْمة مِنْ أَحَدِ الجانِبَين. والتَّدَافِي: التَّداوُل. يُقَالُ: تَدَافَى البعيرُ تَدَافِياً إِذَا سَارَ سَيْرًا مُتَجافِياً، قَالَ: وَرُبَّمَا قِيلَ للنَّجِيبَة الطَّوِيلة العُنُق دَفْوَاءُ. وأُذُنٌ دَفْوَاءُ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَى الأُخْرى حَتَّى كادَتْ أَطْرافُهما تَماسُّ فِي انْحِدارٍ قِبَلَ الجَبْهة وَلَا تَنتَصِب وَهِيَ شديدةٌ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي آذَانِ الخَيْل. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الدَّفْوَاءُ المائِلَة فقطْ. والدَّفْوَاءُ: العَرِيضَة العِظامِ؛ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، والفِعلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ دَفِيَ دَفاً. وكَبْشٌ أَدْفَى: وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ قَرنه قِبَلَ ذَنَبِه. والدَّفَا، مَقْصُورٌ: الانْحِناء. وَفِي صِفَةِ الدَّجَّالِ:
أَنَّهُ
__________
(1) . قوله [ودغاوة جيل إلخ] ضبط بضم الدال في المحكم وتبعه المجد وصرح به في زغ وفقال بضم الزاي، وضبط في التكملة بفتحها كالزغاوة وصرح به في زغ وفقال بالفتح
(2) . قوله [ولها قصة] قد ذكرها في مادة ج ع ر ومغنج بميم مفتوحة فغين معجمة ساكنة فنون مفتوحة وتحرفت في نسخ القاموس الطبع
(3) . قوله [قد ولدت] كذا بضبط الأصل والمحكم، يعني مبنياً للفاعل

(14/263)


عَرِيضُ النَّحْرِ فيهِ دَفاً
أَي انْحِناء، يُقَالُ: رَجُلٌ أَدفى، قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ، قَالَ: وَجَاءَ بِهِ الْهَرَوِيُّ فِي الْمَهْمُوزِ رَجُلٌ أَدْفَأُ وامرأَة دَفْآءُ. وَرَجُلٌ أَدْفى إِذَا كَانَ فِي صُلْبِهِ احْدِيدابٌ. وَرَجُلٌ أَدْفى، بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَي فِيهِ انْحِناء. وأَدْفَى الظَّبْيُ إِذَا طَالَ قَرْناهُ حتَّى كَادَا يَبْلُغانِ مُؤخَّره. أَبو زَيْدٍ: الدَّفْواء مِنَ المعْزَى الَّتِي انْصَبَّ قَرْناها إِلَى طَرَفَي عِلْباوَيْها. ووَعِلٌ أَدْفَى بَيّنُ الدَّفَا: وَهُوَ الَّذِي طَالَ قَرْنه جِدّاً وذَهَبَ قِبَلَ أُذُنَيْهِ. ودَفَا الجَرِيحَ دَفْواً: أَجْهَزَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ جاؤُوا بأَسير إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَرْعُدُ مِنَ البَرْد فَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا بِهِ فأَدْفُوه
؛ يُرِيدُ الدِّفْءَ مِنَ البَرْدِ، وَهِيَ لُغَتُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ، وَإِنَّمَا أَراد أَدْفِئُوه مِنَ الْبَرْدِ فَوَداه رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودَفَوْتُ الجَرِيحَ أَدْفُوه دَفْواً إِذَا أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ دافَيْتُه وأَدْفَيْتُه. والدَّفْوَاءُ: الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَعْضِ أَسفاره أَبْصَرَ شَجَرَةً دَفْوَاء تُسَمَّى ذاتَ أَنْواطٍ لأَنه كَانَ يُناطُ بها السلاحُ وتُعْبَدُ دونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والدَّفْوَاءُ: الْعَظِيمَةُ الظَّلِيلةُ الكثيرةُ الفُروع والأَغْصان وتَكُونُ المائلةَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ أَدْفَيْتُ واسْتَدْفَيْتُ أَي لَبِسْتُ مَا يُدْفِيني. قَالَ: وَهَذَا عَلَى لُغَةِ مَنْ يَتْرُكُ الْهَمْزَ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ، قَالَ: الدِّفْءُ كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بِالدَّالِ وَالْفَاءِ، وَإِنْ كُتِبَتْ بِوَاوٍ فِي الرَّفْعِ وَيَاءٍ فِي الْخَفْضِ وأَلف فِي النَّصْبِ كَانَ صَوَابًا، وَذَلِكَ على ترك الهمز.
دقا: دَقِيَ الفَصيل، بِالْكَسْرِ، يَدْقى دَقىً وأَخِذَ أَخَذاً إِذَا شَرِبَ اللَّبَنَ وأَكثر حَتَّى يَتَخَثَّرَ بَطْنُه ويَفْسُدَ ويَبْشَمَ ويَكْثُرَ سَلْحُه. يُقَالُ: فَصِيلُ دَقٍ، عَلَى فَعِلٍ، ودَقِيٌّ ودَقْوَانُ، والأُنثى دَقِيَة، وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ مِثْلُ فَرِحٍ وفَرِحَة، فَمَنْ أَدْخَل فرْحانَ عَلَى فَرِحٍ قَالَ فَرْحانُ وفَرْحَى، وَقَالَ عَلَى مِثَالِهِ دَقْوَانُ ودَقْوَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأُنثى دَقْوَى؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي الدَّقَى:
إِنِّي، وإنْ تُنْكِرْ سُيوحَ عَباءَتي، ... شِفاءُ الدَّقى، يَا بَكْرَ أُمِّ تَمِيمِ
يَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ تُنْكِرْ سُيوحَ عَبَاءَتِي يَا جملَ أُمِّ تميمٍ فَإِنِّي شفاءُ الدَّقى أَي أَنا بصيرٌ بِعِلَاجِ الإِبِلِ أَمنع مِنَ البَشَمِ، لأَني أَسقي اللبنَ الأَضيافَ فَلَا يَبْشَم الفَصِيلُ، لأَنه إِذَا سُقِيَ اللَبنَ الضَّيْفُ لَمْ يَجِدِ الفصيلُ ما يَرْضَعُ.
دكا: ابْنُ الأَعرابي قَالَ: دَكا إِذَا سَمِنَ، وكَذَا إذا قَطَع.
دَلَا: الدَّلْوُ: مَعْرُوفَةٌ وَاحِدَةُ الدِّلاءِ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا، تذكَّر وتؤنَّث؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَمْشي بِدَلْوٍ مُكْرَبِ العَراقي
والتأْنيث أَعلى وأَكثر، وَالْجَمْعُ أَدْلٍ فِي أَقل الْعَدَدِ، وَهُوَ أَفْعُلٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا طَرَفًا بَعْدَ ضَمَّةٍ، وَالْكَثِيرُ دِلاءٌ ودُلِيٌّ، عَلَى فُعولٍ، وَهِيَ الدَّلاةُ والدَّلا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ، الْوَاحِدَةُ دَلاةٌ؛ قَالَ الجُمَيح:
طَامِي الجِمامِ لَمْ تُمَخِّجْه الدَّلا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ وَنَسَبَهُ لِلشَّمَّاخِ؛ وأَنشد لِآخَرَ:

(14/264)


إنَّ لَنا قَلَيْذَماً هَمُوما، ... يَزِيدُها مَخْجُ الدِّلا جُموما «4»
. وأَنشد لِآخَرَ فِي الْمُفْرَدِ:
دَلْوَكَ إِنِّي رافعٌ دَلاتي
وأَنشد لِآخَرَ:
أَيُّ دَلاةِ نَهَلٍ دَلاتي
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَطَأْطَأْت لَكُمْ تَطَأْطُؤَ الدُّلاة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ جَمْع دالٍ كقاضٍ وقُضاةٍ، وَهُوَ النازِعُ فِي الدَّلْوِ المُسْتَقِي بِهَا الماءَ مِنَ الْبِئْرِ. يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ ودَليْتُها إِذَا أَرسلتها فِي الْبِئْرِ، ودَلَوْتها أَدْلُوها فأَنا دالٍ إِذَا أَخرجْتها، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ تَوَاضَعْتُ لَكُمْ وتَطامَنْتُ كَمَا يَفْعَل المُستقي بالدَّلْوِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَن حبَشِيّاً وَقَعَ فِي بئرِ زَمْزَمَ فأَمرَهُم أَن يَدْلُوا ماءَها
أَي يَسْتَقُوه، وَقِيلَ: الدَّلا جمعُ دَلاةٍ كفَلًا جَمْعُ فَلاةٍ. والدَّلاة أَيضاً: الدَّلْوُ الصَّغِيرَةُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
آلَيْتُ لَا أُعْطِي غُلاماً أَبَدَا ... دَلاتَهُ، إِنِّي أُحِبُّ الأَسْوَدا
يُرِيدُ بِدَلاتِه سَجْلَه ونَصِيبَه مِنَ الوُدِّ، والأَسْوَدُ اسمُ ابنِه. ودَلَوْتُها وأَدْلَيْتُها إِذَا أَرْسَلْتها فِي الْبِئْرِ لِتَسْتَقِيَ بِهَا أُدْلِيها إِدْلاءً، وَقِيلَ: أَدْلاها أَلْقاها لِيَسْتَقِيَ بِهَا، ودَلاها جَبَذها ليُخْرِجَها، تَقُولُ دَلَوْتها أَدْلُوها دَلْواً إِذَا أَخرجَتها وجَذَبْتَها مِنَ الْبِئْرِ مَلأَى؛ قَالَ الرَّاجِزُ الْعَجَّاجُ:
يَنْزِعُ مِنْ جَمَّاتِها دَلْوُ الدَّال
أَي نَزْعُ النازعِ. ودَلَوْتُ الدَّلْوَ: نَزَعْتُها. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الدَّالي بِمَعْنَى المُدْلي؛ وَهُوَ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
يَكْشِفُ، عَنْ جَمَّاتِه، دَلْوُ الدَّالْ ... عَباءةً غَبْراءَ مِنْ أَجْنٍ طالْ
يَعْنِي المُدْليَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِرُؤْبَةَ:
يَخْرُجْنَ مِنْ أَجْوازِ لَيْلٍ غَاضِي
أَيْ مُغْضٍ، قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ قَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّواة فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ الْعَجَّاجِ آخِرُهُمْ ثَعْلَبٌ، قَالَ: يَعْنِي كَوْنَهُمْ قَدَّرُوا الدَّالِيَ بِمَعْنَى المُدْلي؛ قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ أَنه لَمَّا كَانَ المُدْلي إِذَا أَدْلى دَلْوَه عادَ فَ دَلاها أَي أَخرجها مَلأَى قَالَ دَلْوُ الدَّالْ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
مِثْل الإِماء الغَوادِي تَحْمِلُ الحُزُما
وَإِنَّمَا تَحْمِلُهَا عِنْدَ الرَّواح، فَلَمَّا كُنَّ إِذَا غَدَوْنَ رُحْنَ قَالَ: مِثْلُ الإِماء الغَوادِي. وَيُقَالُ: دَلَوْتُها وأَنا أَدْلُوها وأَدْلَوْتُها. وَفِي قِصَّةِ يُوسُفَ: فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى
. ودَلَوْتُ بِفُلَانٍ إِلَيْكَ أَي اسْتَشْفَعْتُ بِهِ إِلَيْكَ.
قَالَ عُمَرُ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بعَمِّ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وقَفِيَّةِ آبائِه وكُبْرِ رِجالهِ دَلَوْنا بِهِ إليكَ مُسْتَشْفِعين
؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ مَتَتْنا وتَوَسَّلْنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرَى مَعْنَاهُ أَنهم تَوَسَّلُوا بِالْعَبَّاسِ إِلَى رَحْمةِ اللَّهِ وغِياثِه كَمَا يُتَوَسَّل بالدَّلْوِ إِلَى الْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ من الدَّلْوِ لأَنه يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ أَقْبَلْنا وسُقْنَا، مِنَ الدَّلْوِ وَهُوَ السَّيْرُ الرَّفِيقُ. وَهُوَ يُدْلي برَحِمِه أَي يَمُتُّ بِهَا. والدَّلْوُ: سِمَةٌ للإِبل. وَقَوْلُهُمْ: جَاءَ فلانٌ بالدَّلْوِ
__________
(4) . قوله [مخج الدلا] ضبط الدِّلا هنا بالفتح، وضبط فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ اللسان وغيره بكسر الدال

(14/265)


أَي بالدَّاهِيةِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَحْمِلْنَ عَنْقَاءَ وعَنْقَفِيرَا، ... والدَّلْوَ والدَّيْلَم والزَّفِيرَا «1»
. والدَّلْوُ: بُرْجٌ مِنْ بُرُوج السَّمَاءِ مَعْرُوفٌ، سُمِّيَ بِهِ تَشْبِيهًا بالدَّلْو. والدَّالِيَةُ: شيءٌ يُتَّخذُ مِنْ خُوصٍ وخَشَبٍ يُسْتَقَى بِهِ بحِبالٍ تُشَدُّ فِي رأْس جِذْعٍ طَوِيلٍ؛ قَالَ مِسْكِين الدارمي:
بأَيْدِيهِمْ مَغارِفُ من حَديدٍ ... يُشَبِّهُها مُقَيَّرَةَ الدَّوَالِي
والدَّالِيَةُ: المَنْجَنُون، وَقِيلَ: المَنْجَنُون تُدِيرُها البَقَرَةُ، والناعُورَة يُديرُها الْمَاءُ. ابْنُ سِيدَهْ: والدَّالِيَةُ الأَرض تُسْقَى بالدَّلْو والمَنْجَنُون. والدَّوَالِي: عِنَبٌ أَسْوَدُ غيرُ حالِكٍ وعَناقِيدُه أَعْظَم العناقِيدِ كُلِّها تَرَاها كأَنَّها تُيُوس معلَّقة، وعِنَبه جافٌّ يتَكَسَّر فِي الْفَمِ مُدَحْرَج ويُزَبَّبُ؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: وأَدْلَى الفَرَسُ وغيرُه: أَخرج جُرْدانَه ليَبُولَ أَو يَضْرِبَ، وَكَذَلِكَ أَدْلَى العَيْرُ ودَلَّى؛ قِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ: مَا مائَةٌ منَ الحُمُر؟ قَالَتْ: عازِبَةُ اللَّيْل وخِزْيُ المَجْلِس، لَا لَبَنَ فَتُحْلَبَ وَلَا صُوفَ فَتُجَزَّ، إنْ رُبِطَ عَيْرُها دَلَّى وَإِنْ أَرْسَلْتَه وَلَّى. والإِنسانُ يُدْلِي شَيْئًا فِي مَهْوَاةٍ ويَتَدَلَّى هُوَ نَفْسُه. ودَلَّى الشيءَ فِي المَهْواةِ: أَرْسَلَهُ فِيهَا؛ قَالَ:
مَنْ شَاءَ دَلَّى النَّفْسَ فِي هُوَّةٍ ... ضَنْكٍ، ولَكِنْ مَنْ لَهُ بِالمَضِيقْ
أَي بِالْخُرُوجِ مِنَ المَضِيق، وتَدَلَّيْتُ فِيهَا وَعَلَيْهَا؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ فَرَسًا:
فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْها قَافِلًا، ... وَعَلَى الأَرضِ غَياياتُ الطَّفَلْ
أَراد أَنه نَزَل مِنْ مِرْبائه وَهُوَ عَلَى فَرَسِه راكبٌ. وَلَا يَكُونُ التَّدَلِّي إِلَّا مِنْ عُلْوٍ إِلَى اسْتِفَال، تَدَلَّى مِنَ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ: تَدَلَّى فلانٌ عَلَيْنَا مِنْ أَرض كَذَا وَكَذَا أَيْ أَتانا. يُقَالُ: مِنْ أَيْنَ تَدَلَّيْتَ عَلَيْنَا؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ:
تَدَلَّى عَلَيه وهُوَ زَرْقُ حَمامَةٍ، ... لَهُ طِحْلِبٌ، فِي مُنْتَهَى القيضِ، هامِدُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: دلَّاهُما فِي المَعْصِيَة بأَن غَرَّهُما، وقال غيره: فَدلَّاهُما فأطْمَعَهُما؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي جُنْدُب الْهُذَلِيِّ:
أَحُصُّ فَلَا أُجِيرُ، ومَنْ أُجِرْهُ، ... فَلَيْسَ كَمَنْ يُدَلَّى بالغُرُورِ
أَحُصُّ: أَمْنَع، وَقِيلَ: أَحُصُّ أَقْطَع ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: كَمَنْ يُدَلَّى أَي يُطْمَع؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله الرَّجُلُ العَطْشانُ يُدَلَّى فِي الْبِئْرِ ليَرْوَى مِنْ مَائِها فَلَا يجدُ فِيهَا مَاءً فَيَكُونُ مُدَليِّاً فِيهَا بالغُرورِ، فوُضِعَت التَّدْلِيَة مَوْضِعَ الإِطْمَاع فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعاً؛ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
، أَي جَرَّأهما إِبْلِيسُ عَلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ بغُرره، والأَصلُ فِيهِ دَلَّلهما، والدَّالُ والدَّالَّةُ: الجُرْأَة. الْجَوْهَرِيُّ: ودلَّاه بغُرُورٍ أَي أَوْقَعَه فِيمَا أَراد مِنْ تَغْرِيره وَهُوَ مِنْ إِدْلاءِ الدَّلْو. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
__________
(1) . قوله [يحملن عنقاء إلخ] كذا أنشده الجوهري وقال في التكملة: الإِنشاد فاسد والرواية:
أَنْعَتُ أَعْيَارًا رَعَيْنَ كِيرَا ... يَحْمِلْنَ عَنْقَاءَ وَعَنْقَفِيرَا
وَأُمُّ خَشَّافٍ وَخَنْشَفِيرَا ... والدَّلْو وَالدَّيْلَمَ والزفيرا
ثم قال: والكير اسم موضع بعينه

(14/266)


ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: ثُمَّ دَنا جِبْرِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ فَتَدَلَّى
كأَنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنا، قَالَ: وَهَذَا جَائِزٌ إِذَا كَانَ المَعْنى فِي الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى دَنا فَتَدَلَّى
وَاحِدٌ لأَن الْمَعْنَى أَنه قَرُبَ فَتَدَلَّى أَي زَادَ فِي القُرْب، كَمَا تَقُولُ قدْ دَنَا فُلَانٌ مِنِّي وقرُبَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
، أَي تَدَلَّل كَقَوْلِهِ: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى؛ أَي يَتَمَطَّطُ. وَفِي حَدِيثِ الإِسْراء: فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ
؛ التَّدَلِّي: النزولُ مِنَ العُلْو؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والضميرُ لِجِبْرِيلَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وأَدْلَى بحُجَّتِه: أَحْضَرَها واحْتجَّ بِهَا. وأَدْلَى إِلَيْهِ بِمالِه: دَفَعه. التَّهْذِيبُ: وأَدْلَى بمالِ فُلَانٍ إِلَى الحاكِمِ إِذَا دَفَعَه إِلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
؛ يَعْنِي الرِّشْوَةَ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى تُدْلُوا فِي الأَصل مِنْ أَدْلَيْت الدَّلْوَ إِذَا أَرْسَلْتها لتملأَها، قَالَ: وَمَعْنَى أَدْلَى فُلَانٌ بحُجَّته أَي أَرْسَلَها وأَتَى بِهَا عَلَى صِحَّةٍ، قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
أَي تَعْمَلون عَلَى مَا يوجِبُه الإِدْلاءُ بالحُجة وتَخُونُون فِي الأَمانة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ، كأَنه قَالَ تَعْمَلون عَلَى مَا يوجِبُه ظاهِرُ الحُكْمِ وتَتْرُكُونَ مَا قَدْ عَلِمْتُم أَنه الحَقّ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا تأْكُلوا أَمْوالكم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّام، وَإِنْ شئتَ جَعلْتَ نصبَ وتُدْلُوا بِهَا إِذَا أَلْقَيْتَ مِنْهَا لَا عَلَى الظَّرْفِ، وَالْمَعْنَى لَا تُصانِعُوا بأَمْوالِكُم الحُكَّام ليَقْتَطِعُوا لَكُمْ حَقًّا لِغَيْرِكُمْ وأَنتم تَعْلَمُونَ أَنه لَا يَحِلُّ لَكُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا عِنْدِي أَصح الْقَوْلَيْنِ لأَن الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ وَتُدْلُوا بِها
للأَموال وَهِيَ، عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ، للحُجّة وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي أَول الْكَلَامِ وَلَا فِي آخِرِهِ. وأَدْلَيْت فِيهِ: قُلْتُ قَوْلًا قَبِيحًا؛ قَالَ:
وَلَوْ شئتُ أَدْلَى فِيكُمَا غَيْرُ واحِدٍ ... عَلانِيَةً، أَو قالَ عِنْدِيَ فِي السِّرِّ
ودَلَوْتُ الناقَةَ والإِبِلَ دَلْواً: سُقْتُها سَوْقاً رَفيقاً رُوَيْداً؛ قَالَ:
لَا تَقْلُواهَا وادْلُوَاهَا دَلْوَا، ... إنَّ مَعَ اليَوْمِ أَخَاهُ غَدْوَا
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَا تَعْجَلا بالسَّيْرِ وادْلُواها، ... لَبِئْسما بُطْءٌ وَلَا نَرْعاها
وادْلَوْلَى أَي أَسْرَع، وَهِيَ افْعَوْعَلَ. ودَلَوْت الرجلَ ودَالَيْته إِذَا رَفَقْتَ بِهِ ودارَيْته. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُدَالاةُ المُصانَعة مثلُ المُداجاةِ؛ قَالَ كَثِيرٌ:
أَلا يَا لَقَوْمي، للنَّوى وانْفِتَالِها ... وللصَّرْمِ مِنْ أَسْماءَ مَا لَمْ نُدَالِها
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ راكِبَها غُصْنٌ بَمَرْوَحَة، ... إِذَا تَدَلَّت بِهِ، أَو شارِبٌ ثَمِلُ
يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَفَعَّلَتْ مِنَ الدَّلْوِ الَّذِي هُوَ السَّوْق الرَّفِيقُ كأَنَّه دَلَّاها فَتَدَلَّت، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد تَدَلَّلَت مِنَ الإِدْلالِ، فَكُرِهَ التَّضْعِيفُ فَحَوَّلَ إِحْدَى اللامين ياء كما قالو تَظَنَّيْتُ فِي تَظَنَّنْتُ. ابْنُ الأَعرابي: دَلِيَ إِذَا ساقَ ودَلِيَ إِذَا تَحَيَّر، وَقَالَ: تَدَلَّى إِذَا قَرُب بَعْدَ عُلْوٍ، وتَدَلَّى تواضَعَ. ودَالَيْتُه أَي دارَيْتُه.
دمي: الدَّمُ مِنَ الأَخْلاطِ: مَعْرُوفٌ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الدَّمُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَين، قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا أَعرف

(14/267)


أَحداً يُثَقِّل الدَّمَ؛ فأَما قَوْلُ الهُذَلي:
وتَشْرَقُ مِنْ تَهْمالِها العَيْنُ بالدَّمِ
مَعَ قَوْلِهِ: فالعَينُ دائِمَةُ السَّجْمِ، فَهُوَ عَلَى أَنه ثَقَّل فِي الوَقْفِ فَقَالَ الدَّمّ فشدَّد، ثُمَّ اضْطُرَّ فأَجْرى الوَصْل مُجْرى الوَقْفِ؛ كَمَا قَالَ:
بِبازِلٍ وجْنَاءَ أَو عَيْهَلِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَجُوزُ لأَحد أَن يَقُولَ إِنَّ الْهُذَلِيَّ إِنَّمَا قَالَ بالدَّمِ، بِالتَّخْفِيفِ، لأَن الْقَصِيدَةَ مِنَ الضَّرْبِ الأَول مِنَ الطَّوِيلِ؛ وأَوّلها:
أَرِقْتُ لِهَمٍّ ضافَني بَعْدَ هَجْعَةٍ ... عَلَى خالِدٍ، فالْعَيْنُ دائِمَةُ السَّجْمِ
فَقَوْلُهُ: مَةُ السَّجْمِ مَفَاعِيلُنْ، وَقَوْلُهُ: نُ بالدَّمِّ مفاعيلُنْ، وَلَوْ قَالَ: نُ بالدَّمِ لَجَاءَ مفاعِلُنْ وَهُوَ لَا يَجِيءُ مَعَ مَفَاعِيلُنْ، وَتَثْنِيَتُهُ دَمانِ ودَمَيانِ؛ قَالَ الشاعر:
لعَمْرُك إنَّني وأَبا رَباحٍ، ... عَلَى طولِ التَّجاوُرِ مُنذُ حِينِ
ليُبْغِضُني وأُبْغِضُه، وأَيْضاً ... يَراني دُونَهُ، وأَراه دُوني
فلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنا، ... جَرى الدَّميانِ بالخَبَرِ اليَقِينِ
فَثَنَّاهُ بِالْيَاءِ، وأَما الدَّمَوانِ فَشَاذٌّ سَمَاعًا. قَالَ: وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَن الرجُلَين الْمُتَعَادِيَيْنِ إِذَا ذُبِحا لَمْ تَخْتَلِطْ دِمَاؤُهُما. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ دَمَوانِ عَلَى المُعاقبة، وَهِيَ قَلِيلَةٌ لأَن أَكثرَ حكمِ المُعاقَبة إِنَّمَا هُوَ قَلْبُ الْوَاوِ لأَنهم إِنَّمَا يَطْلُبُونَ الأَخف، وَالْجَمْعُ دِماءٌ ودُمِيٌّ. والدَّمَة أَخَصُّ مِنَ الدَّمِ كَمَا قَالُوا بيَاضٌ وبَياضَة؛ قال ابْنُ سِيدَهْ: الْقِطْعَةُ مِنَ الدَّمِ دَمَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: وَحَكَى ابْنُ جِنِّيٍّ دَمٌ ودَمَةٌ مَعَ كَوْكَبٍ وكَوْكَبَةٍ فأَشعر أَنَّهما لُغَتَانِ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: أَصله دَمَيٌ، قَالَ: وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ دَمِيَتْ يَدُه؛ وَقَوْلُهُ:
جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبَرِ اليَقِين
وَيُقَالُ فِي تَصْرِيفِهِ: دَمِيَتْ يَدي تَدْمَى دَمىً، فيُظْهِرون فِي دَمِيَتْ وتَدْمى الياءَ والأَلفَ اللَّتَيْنِ لَمْ يَجِدُوهُما فِي دَمٍ، قَالَ: وَمِثْلُهُ يَدٌ أَصْلُها يَدَيٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ قَوْمٌ أَصله دَمْيٌ إِلَّا أَنه لَمَّا حُذِف وَرُدَّ إِلَيْهِ مَا حُذِفَ مِنْهُ حُرِّكَتِ الْمِيمُ لِتَدُلَّ الْحَرَكَةُ عَلَى أَنه اسْتُعْمِلَ مَحْذُوفًا. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: الدَّمُ أَصله دَمْيٌ عَلَى فَعْلٍ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنه يُجْمع عَلَى دِمَاءٍ ودُمِيّ مِثْلُ ظَبْيٍ وظِباء وظُبِيٍّ، ودَلْوٍ ودِلاءٍ ودُلِيٍّ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ قَفاً وعَصاً لَمْ يُجْمع عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي فُعُول إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِجَمْعِ فَعْلٍ نَحْوَ دَمٍ ودُمِيّ ودَلْوٍ ودُلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بل قد يَكُونُ جَمْعًا لفَعَلٍ نَحْوَ عَصاً وعُصِيٍّ وقَفاً وقُفِيٍّ وصفَاً وصُفِيٍّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدَّمُ أَصله دَمَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، وَإِنَّمَا قَالُوا دَمِيَ يَدْمَى لِحالِ الْكَسْرَةِ الَّتِي قَبْلَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا رَضِيَ يَرْضَى وَهُوَ مِنَ الرِّضوان. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدَّمُ لامُه يَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
جَرَى الدَّمَيان بالخَبَرِ اليَقِينِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ الْمُبَرِّدُ أَصله فَعَلٌ وَإِنْ جَاءَ جَمْعُهُ مُخَالِفًا لِنَظَائِرِهِ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ الْيَاءُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ فِي تَثْنِيَتِهِ دَمَيان، أَلا تَرَى أَن الشَّاعِرَ لَمَّا اضْطُرَّ أَخرجه عَلَى أَصله فَقَالَ:
فَلَسْنا عَلى الأَعْقابِ تَدْمَى كُلُومُنا، ... ولَكِنْ عَلَى أَعْقابِنا يَقْطُرُ الدَّما
فأَخرجه عَلَى الأَصل. قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ

(14/268)


يَدْيانِ، وَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَن تَقديرَ يَدٍ فَعْلٌ ساكنَة الْعَيْنِ، لأَنه إِنَّمَا ثُنِّيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ لِلْيَد يَدَا، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَصح. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَائِلٌ فَلَسْنا عَلَى الأَعقاب هُوَ الحُصَين بنُ الحَمامِ المُرِّي؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
عَوى مَا عَوى مِنْ غَيْرِ شيءٍ رَمَيْته ... بقارِعَة أَنْفاذُها تَقْطُر الدَّما
قَالَ: أَنْفاذُها جَمْعُ نَفَذٍ مِنْ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيم:
لَهَا نَفَذٌ لَوْلا الشُّعاعُ أَضاءَها
وَقَالَ اللَّعِينُ المِنْقَري:
وأُخْذَلُ خِذْلاناً بِتَقْطِيعِيَ الصُّوى ... إليكَ، وخُفٍّ راعِفٍ يَقْطُرُ الدَّما
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلِ عَلِيٍّ،
كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
لِمَنْ رايَةٌ سَوْدَاءُ يَخْفِقُ ظِلُّها، ... إِذَا قِيلَ: قَدِّمْها حُضَيْنُ، تَقَدَّما
ويُورِدُها للطَّعْنِ، حَتَّى يُعِلَّها ... حِياضَ المَنايا تَقْطُر المَوْتَ والدَّما
وَتَصْغِيرُ الدَّمِ دُمَيٌّ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ دَمِيٌّ، وَإِنْ شِئْتَ دَمَويٌّ. وَيُقَالُ: دَمِيَ الشيءُ يَدْمى دَمىً ودُمِيّاً فَهُوَ دَمٍ، مِثْلُ فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً فَهُوَ فَرِقٌ، وَالْمَصْدَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَنه بِالتَّحْرِيكِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاسْمِ. وأَدْمَيْته ودَمَّيْته تَدْمِيَةً إِذَا ضَرَبْتَه حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ دَمِيَ دَمىً وأَدْمَيْته ودَمَّيْته؛ أَنشد ثَعْلَبٌ قَوْلَ رُؤْبَةَ:
فَلَا تَكُوني، يَا ابْنَةَ الأَشَمِّ، ... وَرْقاءَ دَمَّى ذِئْبُها المُدَمِّي
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: الذِّئْبُ إِذَا رأَى لِصَاحِبِهِ دَمًا أَقبل عَلَيْهِ ليأْكله فَيَقُولُ: لَا تَكُونِي أَنتِ مِثْلَ ذَلِكَ الذِّئْبِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وكُنْت كذِئْبِ السُّوء لمَّا رأَى دَماً ... بِصاحِبِه يَوْمًا، أَحالَ عَلَى الدَّمِ
وَفِي الْمَثَلِ: ولدُكَ مَنْ دمَّى عَقِبَيْك. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لأَبي مَريمَ الحَنَفِيِّ: لأَنا أَشدُّ بُغْضاً لكَ مِنَ الأَرْض للدَّمِ
؛ يَعْنِي أَنَّ الدَّمَ لَا تَشْرَبُهُ الأَرض وَلَا يَغُوص فِيها فجعَلَ امْتِناعها مِنْهُ بُغْضاً مَجَازًا. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبا مَرْيَمَ كَانَ قَتَل أَخاه زَيْدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ. والدَّامِيَة مِنَ الشِّجاجِ: الَّتِي دَمِيَتْ وَلَمْ يَسِلْ بعدُ مِنْهَا دمٌ، والدامِعَة هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فِي الدَّامِيَة بَعيرٌ
؛ الدَّامِيةُ: شَجَّة تَشُقُّ الجِلْد حَتَّى يَظْهَر مِنْهَا الدَّمُ، فَإِنْ قَطَر مِنْهَا فَهِيَ دامِعةٌ. واسْتَدْمَى الرَّجلُ: طَأْطَأَ رأْسَه يقْطُر مِنْهُ الدَّم. الأَصمعي: المُسْتَدْمِي الَّذِي يَقْطُر مِنْ أَنْفِه الدَّمُ المُطَأْطِئُ رأسَه، والمُسْتَدْمِي الَّذِي يَسْتَخْرِجُ منْ غَريمهِ دَيْنَه بالرِّفْق. وَفِي حَدِيثِ العَقيقة:
يُحْلَقُ مِنْ رأْسِه ويُدَمَّى
، وَفِي رِوَايَةٍ:
ويُسَمَّى.
وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: إِذَا ذُبِحَت الْعَقِيقَةُ أُخِذَتْ مِنْهَا صُوفة واسْتُقْبِلَتْ بِهَا أَوْداجُها، ثُمَّ تُوضَع عَلَى يافُوخِ الصَّبِيّ ليَسِيلَ عَلَى رأْسه مثلُ الخَيْط، ثُمَّ يُغْسل رأْسُه بعدُ ويُحْلَقُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَخرجه أَبو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَقَالَ هَذَا وَهَمٌ مِنْ هَمَّامٍ، وجاءَ بِتَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ مَنسوخ، وَكَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ: ويُسَمَّى أَصَحُّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِذَا كَانَ أَمَرهم بإماطَة الأَذى اليابِس عَنْ رأْس الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يأْمُرُهم بتَدْمِية رأْسِه وَالدَّمُ نَجِسٌ نجاسَة غَلِيظَةً؟ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا جاءَ ومَعَه أَرْنَبٌ

(14/269)


فوَضعَها بينَ يَديِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ إنِّي وجَدْتُها تَدْمَى
أَي أَنَّها تَرَى الدَّمَ، وَذَلِكَ لأَن الأَرْنَب تَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ المرأَة. والمُدَمَّى: الثوبُ الأَحْمَر. والمُدَمَّى: الشَّدِيدُ الشُّقْرة. وَفِي التَّهْذِيبِ: مِنَ الخَيْلِ الشديدُ الحُمْرَة شِبْهُ لَوْنِ الدَّمِ. وكلُّ شيءٍ فِي لوْنِهِ سَوادٌ وحُمْرة فَهُوَ مُدَمّىً. وَكُلُّ أَحْمَرَ شَدِيدِ الْحُمْرَةِ فَهُوَ مُدَمّىً. وَيُقَالُ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها ... جَرى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَب
يَقُولُ: تَضْرِبُ حُمْرَتُها إِلَى الكُلْفة لَيْسَتْ بِشَدِيدَةِ الْحُمْرَةِ. قَالَ أَبو عُبيدَةَ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً إِذَا كَانَ سوادُه شديدَ الحُمرة إِلَى مَراقِّه. والأَشْقَرُ المُدَمَّى: الَّذِي لَوْنُ أَعلى شعْرَتِه يَعْلُوها صُفْرَةٌ كَلوْنِ الكُمَيْت الأَصْفَرِ. والمُدَمَّى مِنَ الأَلْوانِ: مَا كَانَ فِيهِ سوادٌ. والمُدَمَّى مِنَ السِّهام: الَّذِي تَرْمي بِهِ عَدُوَّك ثُمَّ يَرْمِيكَ بِهِ؛ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَمَى العَدُوَّ بسَهْمٍ فأَصاب ثُمَّ رَمَاهُ بِهِ العَدُوُّ وعَلَيْه دَمٌ جَعَله فِي كِنانَتِه تَبَرُّكاً بِهِ. وَيُقَالُ: المُدَمَّى السَّهْمُ الَّذِي يَتَعاوَرُه الرُّماة بينَهُم وَهُوَ راجِع إِلَى مَا تَقدَّم. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ قَالَ: رَمَيْتُ يوْمَ أُحْدٍ رَجلًا بِسهْمٍ فقَتَلْتُه ثُمَّ رُمِيت بِذَلِكَ السَّهْم أَعْرِفُه حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ وفعلُوه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ: هَذَا سَهْمٌ مُبَارَكٌ مُدَمّىً فَجَعَلْتُهُ فِي كِنانَتي، فَكَانَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ
؛ المُدَمَّى مِنَ السِّهامِ: الَّذِي أَصابه الدَّمُ فحصَل فِي لوْنِه سَوادٌ وَحُمْرَةٌ مِمَّا رُمِيَ بِهِ العَدُوّ؛ قَالَ: وَيُطْلَقُ عَلَى مَا تَكَرّر بِهِ الرَّمْيُ، وَالرُّمَاةُ يتَبرَّكون بِهِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مأخُوذٌ مِنَ الدَّامِيَاء وَهِيَ البَرَكَة؛ قَالَ شِمْرٌ: المُدَمَّى الَّذِي يَرْمِي بِهِ الرجلُ العدُوَّ ثُمَّ يرْميه العَدُوّ بِذَلِكَ السَّهْمِ بِعَيْنِهِ: قَالَ: كأَنه دُمِّيَ بالدَّمِ حِينَ وقَع بالمَرْمِيِّ. والمُدَمَّى: السَّهْمُ الَّذِي عَلَيْهِ حُمْرة الدَّمِ وَقَدْ جَسِدَ بِهِ حَتَّى يضرِبَ إِلَى السَّواد. وَيُقَالُ: سُمِّيَ مُدَمّىً لأَنه احْمَرَّ مِنَ الدَّمِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْعة الأَنْصار، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ الأَنْصار لمَّا أَرادُوا أَن يُبايعُوه بَيْعَةَ العَقَبَة بمَكَّة قَالَ أَبو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهان إنَّ بينَنا وبينَ القَوْم حِبالًا ونَحْنُ قاطِعُوها، ونَخْشى إنِ اللهُ أَعَزَّك وأَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، فتَبَسَّمَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، أُحارِبُ مَنْ حارَبْتُمْ وأُسالِمُ منْ سالَمْتُمْ
، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:
بَل اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ
، فَمَنْ رَوَاهُ بَلِ الدَّمُ الدَّمُ فَإِنَّ ابْنَ الأَعرابي قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ دَمي دَمُكَ وهَدْمي هَدْمُك فِي النُّصْرَة أَي إِن ظُلِمْت فَقَدْ ظُلِمْت؛ وأَنشد للعُقَيْلي:
دَماً طَيِّباً يَا حَبَّذا أَنتَ مِنْ دَمِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تُدْخِلُ الأَلف وَاللَّامَ اللَّتَيْنِ لِلتَّعْرِيفِ عَلَى الإِسم فَتَقُومَانِ مَقَامَ الإِضافة كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى؛ أَي أَنَّ الْجَحِيمَ مَأْواهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى؛ الْمَعْنَى فَإِنَّ الجنةَ مأْواه، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المأْوى لَهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ اسْمَيْن يَدُلَّانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الإِضمار، فَعَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ قَوْلُهُ الدَّمُ الدَّمُ أَي دَمُكُمْ دمِي وهَدْمُكُم هَدْمي وأَنْتُمْ تُطْلَبُون بدَمي وأُطْلَبُ بدَمِكم ودَمِي ودمُكُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وأَما مَنْ رَوَاهُ بَل

(14/270)


اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ثُمامة بنِ أُثالٍ: إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ
أَي مَنْ هُوَ مُطالَبٌ بدمٍ أَو صَاحِبُ دمٍ مَطْلُوبٍ، وَيُرْوَى:
ذَا ذِمّ
، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَي ذِمامٍ وحُرْمة فِي قَوْمِهِ، وَإِذَا عَقَد ذِمَّة وُفِّي لَهُ. وَفِي حَدِيثِ قَتْلِ كَعْب بْنِ الأَشْرفِ:
إنِّي لأَسْمَع صَوْتًا كأَنه صَوْتُ دَمٍ
أَي صَوْتُ طالِبِ دَمٍ يَسْتَشْفي بِقَتْلِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَة: والدَّمِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ
، يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هَذِهِ يَمينٌ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْنِي دَمَ مَا يُذْبَح عَلَى النُّصُبِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا والدِّماءِ
أَي دماءِ الذَّبائِحِ، ويُرْوى:
لَا والدُّمَى
، جَمْعُ دُمْيَةٍ وَهِيَ الصُّورَةُ وَيُرِيدُ بِهَا الأَصْنام. والدَّمُ: السِّنَّوْرُ؛ حَكَاهُ النَّضْر فِي كِتَابِ الوُحوش؛ وأَنشد كُرَاعٌ:
كَذاك الدَّمُّ يأْدُو للْعَكابِرْ
العَكابِرْ: ذُكُورُ الْيَرَابِيعِ. ورجلٌ دَامِي الشِّفَة: فقِيرٌ؛ عَنْ أَبي العَمَيْثل الأَعرابي. ودَمُ الغِزْلان: بَقْلَةٌ لَهَا زَهْرَةٌ حَسَنة. وبناتُ دَم: نَبْتٌ. والدُّمْيَةُ: الصَّنَم، وَقِيلَ: الصُّورَةُ المُنَقَّشة العاجُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ كُراع: هِيَ الصُّورَةُ فعَمَّ بِهَا. وَيُقَالُ للمرأَة: الدُّمْيَةُ، يُكَنَّى عَنِ الْمَرْأَةِ بِهَا، عَرَبِيَّةٌ، وَجَمْعُ الدُّمْيةِ دُمىً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
والبِيضَ يَرْفُلْنَ فِي الدُّمَى ... والرَّيْطِ والمُذْهَبِ المَصُونِ
يَعْنِي ثِيَابًا فِيهَا تَصَاوِيرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي الشِّعْرِ كالدُّمى، والبيضَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى اسْمِ إِنَّ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَهُوَ:
إنَّ شِوَاءً ونَشْوَةً ... وخَبَبَ البازِلِ الأَمُونِ
ودَمَّى الرَّاعِي الماشِيَةَ: جعَلَها كالدُّمَى؛ وأَنشد أَبو الْعَلَاءِ:
صُلْبُ العَصا بِرَعْيِه دَمَّاها، ... يَوَدُّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْناها
أَي أَرعاها فَسَمِنَتْ حَتَّى صَارَتْ كالدُّمى، وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كأَن عُنُقَه عُنُقُ دُمْيةٍ
؛ الدُّمْية: الصُّورَةُ الْمُصَوَّرَةُ لأَنها يُتَنَوَّقُ فِي صَنْعتِها ويُبالَغُ فِي تَحْسِينِها. وخُذْ مَا دَمَّى لَكَ أَي ظَهَرَ لَكَ. ودَمَّى لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا إِذَا قَرَّب؛ كِلَاهُمَا عَنْ ثَعْلَبٍ. اللَّيْثُ: وبَقْلَةٌ لَهَا زَهْرة يُقَالُ لَهَا دُمْيةُ الغِزْلانِ. وَسَاتِي دَمَا: اسْمُ جَبَلٍ: يُقَالُ: سُمِّي بِذَلِكَ لأَنه لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا ويُسْفَكُ عَلَيْهِ دَمٌ كأَنهما اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ لِعَمْرِو بْنِ قَمِيئَةَ:
لمَّا رأَتْ سَاتِي دَمَا اسْتَعْبرَتْ، ... للهِ دَرُّ، اليَوْمَ، مَنْ لامَها
وَقَالَ الأَعشى:
وهِرَقْلًا، يَوْمَ ذِي سَاتِي دَمَا، ... مِنْ بَني بُرْجانَ ذِي البَأْسِ رُجُحْ «2»
. وَقَدْ حَذَفَ يزيدُ بْنِ مُفَرَّغٍ الحِمْيَري مِنْهُ الْمِيمَ بِقَوْلِهِ:
فَدَيْرُ سُوىً فَسَاتِي دَا فبُصْرَى
وَدَمُ الأَخَويْنِ: العَنْدَمُ.
دنا: دَنا الشيءُ مِنَ الشيءِ دُنُوّاً ودَناوَةً: قَرُبَ. وَفِي حَدِيثِ الإِيمان:
ادْنُهْ
؛ هُوَ أَمْرٌ بالدُّنُوِّ والقُرْبِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلسَّكْتِ، وجيءَ بِهَا لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ. وَبَيْنَهُمَا دَنَاوَة أَي قَرابة. والدَّنَاوَةُ: القَرابة والقُربى. وَيُقَالُ: مَا تَزْدادُ منِّا إِلَّا قُرْباً ودَنَاوَةً؛ فرق بين مصدرِ دنا
__________
(2) . قوله [ذي البأس] هكذا في الأصل والصحاح، قال في التكملة: والرواية في الناس بالنون، ويروى رجح بالتحريك أي رجح عليهم

(14/271)


وَمَصْدَرِ دَنُؤَ، فَجُعِلَ مَصْدَرُ دَنا دَنَاوَةً وَمَصْدَرُ دَنُؤَ دَناءَةً؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤيَّة يَصِفُ جَبَلًا:
إِذَا سَبَلُ العَماء دَنا عَلَيْهِ، ... يَزِلُّ بِرَيْدِهِ ماءٌ زَلولُ
أَراد: دَنا مِنْهُ. وأَدْنَيْته ودَنَّيْته. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا أكَلْتُم فسَمُّوا اللَّهَ ودَنُّوا وسَمِّتُوا
؛ مَعْنَى قَوْلِهِ دَنُّوا كُلُوا مم يَلِيكُم وَمَا دَنا مِنْكُمْ وَقَرُبَ مِنْكُمْ، وسمِّتُوا أَي ادْعُوا للُمطْعِم بِالْبَرَكَةِ، ودَنُّوا: فِعْلٌ مَنْ دَنا يَدْنُو أَي كُلُوا مِمَّا بَيْنَ أَيدِيكم. واسْتَدْنَاه: طَلَبَ مِنْهُ الدُّنُوَّ، ودَنَوْتُ مِنْهُ دُنُوّاً وأَدْنَيْتُ غَيْرِي. وَقَالَ اللَّيْثُ: الدُّنُوُّ غيرُ مَهْمُوزٍ مصدرُ دَنا يَدْنُو فَهُوَ دانٍ، وسُمِّيت الدُّنْيا لدُنُوِّها، ولأَنها دَنتْ وتأَخَّرَت الْآخِرَةُ، وَكَذَلِكَ السماءُ الدُّنْيا هِيَ القُرْبَى إِلَيْنَا، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الدُّنيا دُنياوِيٌّ، وَيُقَالُ دُنْيَوِيٌّ ودُنْيِيٌّ؛ غَيْرُهُ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى الدُّنْيَا دُنْيَاوِيٌّ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ النِّسْبَةُ إِلَى كُلِّ مَا مُؤَنَّثُه نَحْوَ حُبْلَى ودَهْنا وأَشباه ذَلِكَ؛ وأَنشد:
بوَعْساء دَهْناوِيَّة التُّرْبِ طَيِّب
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
؛ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ كَأَنَّهُ قَالَ وَجَزَاهُمْ جَنَّة دَانِيَةً عَلَيْهِمْ فَحَذَفَ جَنَّةً وأَقام دَانِيَةً مُقامها؛ وَمِثْلُهُ مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
كأنَّكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيْشٍ، ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِ
أَراد جَمَلٌ مِنْ جمالِ بن أُقَيْشٍ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
، مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ؛ قَالَ: هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا ضَرُورَةَ فِيهِ؛ قَالَ وأَما قَوْلُهُ:
كأَنَّك مِنْ جِمالِ بَني أُقَيْشٍ
الْبَيْتُ، فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْر، وَلَوْ جَازَ لَنَا أَن نَجِدَ مِنْ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ اسْمًا لَجَعَلْنَاهَا اسْمًا وَلَمْ نَحْمِلِ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ، لأَنه نَوْعٌ مِنَ الضَّرُورَةِ، وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَجِلّ عَنْ ذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُ الأَعشى:
أَتَنْتَهُون ولَنْ يَنْهَى ذَوي شَطَطٍ، ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ
فَلَوْ حَمَلْتَهُ عَلَى إِقَامَةِ الصِّفَةِ مَوْضِعَ الْمَوْصُوفِ لَكَانَ أَقبح مَنْ تأَوُّل قَوْلَهُ تَعَالَى: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
؛ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ لأَن الْكَافَ فِي بَيْتِ الأَعشى هِيَ الْفَاعِلَةُ فِي الْمَعْنَى، وَدَانِيَةً فِي هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا هِيَ
مَفْعول بِهَا، وَالْمَفْعُولُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا غَيْرَ صَرِيحٍ نَحْوَ ظَنَنْتُ زَيْدًا يَقُومُ، وَالْفَاعِلُ لَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا صَرِيحًا مَحْضًا، فَهُمْ عَلَى إمْحاضه اسْمًا أَشدُّ مُحافظة مِنْ جَمِيعِ الأَسماء، أَلا تَرَى أَن الْمُبْتَدَأَ قَدْ يَقَعُ غيرَ اسمٍ محضٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ خيرٌ مِن أَن تَراهُ؟ فَتَسْمَعُ كَمَا تَرَى فِعْلٌ وَتَقْدِيرُهُ أَن تَسْمَعَ، فحذْفُهم أَنْ ورفْعُهُم تَسمعُ يَدُلُّ عَلَى أَن الْمُبْتَدَأَ قَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ عِنْدَهُمْ غيرَ اسمٍ صَرِيحٍ، وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْمُبْتَدَأِ عَلَى قُوَّة شبِهه بِالْفَاعِلِ فَهُوَ فِي الْمَفْعُولِ الَّذِي يبعُد عَنْهُمَا أَجْوَزُ؛ فَمِنْ أَجل ذَلِكَ ارْتَفَعَ الْفِعْلُ فِي قَوْلِ طَرَفة:
أَلا أَيُّهَذا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الوَغَى، ... وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هلْ أَنتَ مُخلِدي؟
عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، لأَنه أَراد أَنْ أَحْضُرَ الوَغَى. وأَجاز سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: مُرْهُ يَحْفِرُها أَن يَكُونَ الرفعُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَحْفِرَها، فَلَمَّا حُذِفت أَن ارْتَفَعَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا، وَقَدْ حَمَلَهم كثرةُ حذفِ أَن مَعَ غَيْرِ الْفَاعِلِ عَلَى أَن اسْتَجازُوا ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه،

(14/272)


وإِن كَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرى الْفَاعِلِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ؛ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ جَمِيلٍ:
جَزِعْتُ حِذارَ البَيْنِ، يَوْمَ تَحَمَّلُوا، ... وحُقَّ لِمِثْلي، يَا بُثَيْنَةُ، يَجْزَعُ
أَراد أَن يَجْزَع، عَلَى أَن هَذَا قَلِيلٌ شَاذٌّ، عَلَى أَنّ حَذْفَ أَنْ قَدْ كثُر فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ كِلَا حَذْفٍ، أَلا تَرَى أَن جَمَاعَةً استَخَفّوا نَصْبَ أَعْبُدَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ اسمُه: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ؟ فَلَوْلَا أَنهم أَنِسُوا بحَذْفِ أَنْ مِنَ الْكَلَامِ وإِرادَتِها لَمَا اسْتَخَفُّوا انْتِصاب أَعْبُدَ. ودَنَت الشمسُ للغُروبِ وأَدْنَت، وأَدْنَت النَّاقَةُ إِذا دَنا نِتاجُها. والدُّنْيا: نَقِيضُ الْآخِرَةِ، انْقَلَبت الْوَاوُ فِيهَا يَاءً لأَن فُعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ أُبدلت واوُها يَاءً، كَمَا أُبدلت الْوَاوُ مَكَانَ الْيَاءِ فِي فَعْلى، فأَدخَلوها عَلَيْهَا فِي فُعْلى ليَتكافآ فِي التَّغْيِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزِدْتُهُ أَنا بَيَانًا. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: مَا لَهُ دُنْياً وَلَا آخِرةٌ، فنَوّن دُنْياً تَشْبِيهًا لَهَا بفُعْلَلٍ، قَالَ: والأَصل أَن لَا تُصْرَفَ لأَنها فُعْلى، وَالْجَمْعُ دُناً مِثْلُ الكُبْرى والكُبَر والصُّغْرى والصُّغَر، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والأَصل دُنَوٌ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهُمَا الأَلف وَالتَّنْوِينُ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
الجَمْرة الدُّنْيا
أَي القَرِيبة إِلى مِنىً، وَهِيَ فُعْلى مِنَ الدُّنُوِّ. والدُّنْيا أَيضاً: اسمٌ لِهَذِهِ الحَياةِ لبُعْدِ الْآخِرَةِ عَنْها، وَالسَّمَاءُ الدُّنْيا لقُرْبها مِنْ ساكِني الأَرْضِ. وَيُقَالُ: سماءُ الدُّنْيا، عَلَى الإِضافة. وَفِي حَدِيثِ حَبْسِ الشمسِ:
فادَّنَى بالقَرْيَةِ
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الدُّنُوِّ، وأَصلُه ادْتَنى فأُدْغِمَتِ التاءُ فِي الدالِ. وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمّي دِنْيَةً، ودِنْياً، منوَّنٌ، ودِنْيَا، غَيْرُ مُنَوَّنٍ، ودُنْيَا، مَقْصُورٌ إِذا كَانَ ابنَ عَمِّه لَحّاً؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَتُقَالُ هَذِهِ الْحُرُوفُ أَيضاً فِي ابنِ الخالِ والخالَةِ، وَتُقَالُ فِي ابْنِ العَمَّة أَيضاً. قَالَ: وَقَالَ أَبو صَفْوانَ هُوَ ابنُ أَخِيه وأُخْتِه دِنْيَا، مِثْلَ مَا قِيلَ فِي ابنِ العَمِّ وابنِ الخالِ، وإِنما انْقَلَبت الْوَاوُ فِي دِنْيةً ودِنْياً يَاءً لمجاورةِ الكسرةِ وضعفِ الحاجِزِ، ونَظِيرُهُ فِتْيةٌ وعِلْيَةٌ، وكأَنَّ أَصلَ ذَلِكَ كلِّه دُنْيا أَي رَحِماً أَدْنى إِليَّ مِنْ غَيْرِهَا، وإِنما قَلَبوا ليَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنه ياءُ تأْنيثِ الأَدْنى، ودِنْيَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ ابْنُ عَمٍّ دِنْيٍ ودُنْيَا ودِنْيا ودِنْية. التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عمٍّ دِنْيٍ ودِنْيَةٍ ودِنْيَا ودُنْيَا، وإِذا قُلْتَ دُنْيَا، إِذا ضَمَمْت الدَّالَ لَم يَجُز الإِجْراءُ، وإِذا كسرتَ الدالَ جازَ الإِجْراءُ وتَرك الإِجْراء، فإِذا أَضفت العمَّ إِلى مَعْرِفَةٍ لَمْ يَجُزِ الْخَفْضُ فِي دِنْيٍ، كَقَوْلِكَ: ابْنُ عَمِّكَ دِنْيٌ ودِنْيَةٌ وَابْنُ عَمِّكَ دِنْياً لأَن دِنْياً نَكِرَةٌ وَلَا يَكُونُ نَعْتًا لِمَعْرِفَةٍ. ابْنُ الأَعرابي: والدُّنا مَا قرُبَ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ. وَيُقَالُ: دَنا وأَدْنى ودَنَّى إِذا قَرُبَ، قَالَ: وأَدْنَى إِذا عاشَ عَيْشاً ضَيِّقاً بَعْدَ سَعَةٍ. والأَدْنَى: السَّفِلُ. أَبو زَيْدٍ: مِنْ أَمثالهم كلُّ دَنِيٍّ دُونَه دَنِيٌّ، يَقُولُ: كلُّ قريبٍ وكلُّ خُلْصانٍ دُونَه خُلْصانٌ. الْجَوْهَرِيُّ: والدَّنِيُّ القَريب، غيرُ مهموزٍ. وَقَوْلُهُمْ: لَقِيتُهُ أَدْنَى دَنيٍّ أَي أَوَّلَ شَيْءٍ، وأَما الدنيءُ بِمَعْنَى الدُّونِ فَمَهْمُوزٌ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْهَرَوِيُّ الدَّنيُّ الخَسِيسُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛ أَي الَّذِي هُوَ أَخَسُّ، قَالَ: ويقوِّي قَوْلَهُ كونُ فِعْلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ دَنِيَ يَدْنَى دَناً ودَنايَةً، فَهُوَ دَنِيٌّ. الأَزهري فِي قَوْلِهِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛

(14/273)


قَالَ الفراءُ هُوَ مِنَ الدَّناءَةِ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِنه لَدَنيٌّ يُدَنِّي فِي الأُمورِ تَدْنِيَةً، غَيْرُ مَهموزٍ، يَتْبَع خسيسَها وأَصاغرَها، وَكَانَ زُهَير الفُرْقُبيُّ يَهْمِزُ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَمْ نَرَ الْعَرَبَ تَهْمِزُ أَدْنى إِذا كَانَ مِنَ الخِسَّةِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنه لَدانئٌ خَبِيثٌ، فَيَهْمِزُونَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
، غَيْرَ مَهْموزِ: أَي أَقْرَبُ، وَمَعْنَى أَقْرَبُ أَقلُّ قِيمَةً كَمَا تَقُولُ ثَوْبٌ مُقارِبٌ، فأَما الْخَسِيسُ فَاللُّغَةُ فِيهِ دَنُؤَ دَناءةً، وَهُوَ دَنيءٌ بِالْهَمْزِ، وَهُوَ أَدْنَأُ مِنْهُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَهل اللُّغَةِ لَا يَهْمِزُونَ دَنُوَ فِي بَابِ الخِسَّة، وإِنما يَهْمِزُونَهُ فِي بَابِ المُجون والخُبْثِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ: رَجُلٌ دَنيءٌ مِنْ قَوْمٍ أَدْنِياءَ، وَقَدْ دَنُؤَ دَناءَةً، وَهُوَ الخَبيث البَطْنِ والفَرْجِ. وَرَجُلٌ دَنيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَدْنِياءَ، وَقَدْ دَني يَدْنَى ودَنُوَ يَدْنُو دُنوّاً: وَهُوَ الضَّعِيفُ الخَسيسُ الَّذِي لَا غَناء عِنْدَهِ المُقَصِّرُ فِي كلِّ مَا أَخَذَ فِيهِ؛ وأَنشد:
فلا وأَبِيك ما خُلُقي بوَعْرٍ، ... وَلَا أَنا بالدَّنِيِّ وَلَا المُدَنِّي
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المُدَنِّي المُقَصِّر عَمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَفْعَله؛ وأَنشد:
يَا مَنْ لِقَوْمٍ رأْيُهُم خَلْفٌ مُدَنْ
أَراد مُدَنِّي فَقَيَّد الْقَافِيَةَ.
إِن يَسْمَعُوا عَوْراءَ أصْغَوْا فِي أَذَنْ
وَيُقَالُ لِلْخَسِيسِ: إِنه لَدنِيٌّ مِنْ أَدْنِياءَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمَا كَانَ دَنِيّاً ولَقَدْ دَنِيَ يَدْنَى دَنىً ودَنايَةً. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا طَلَب أَمراً خَسِيسًا: قَدْ دَنَّى يُدَنِّي تَدْنِيَة. وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبِيَة:
علامَ نُعْطِي الدَّنِيَّة فِي دِينِنا
أَي الخَصْلَة المَذْمُومَة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَصل فِيهِ الْهَمْزُ، وَقَدْ يُخَفَّفُ، وَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيضاً بِمَعْنَى الضَّعِيفِ الْخَسِيسِ. وتَدَنَّى فُلَانٌ أَي دَنا قَلِيلًا. وتَدانَوْا أَي دَنا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: كلُّ مَا يُعَذَّبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ العذابُ الأَدْنَى، والعذابُ الأَكْبَر عذابُ الآخِرةِ. ودَانَيْت الأَمْرَ: قارَبْته. ودَانَيْت بَيْنَهما: جَمَعْت. ودَانَيْت بَيْنَ الشَّيْئَيْن: قَرَّبْت بَيْنَهما ودَانَيْتُ القَيْدَ فِي البَعيرِ أَو لِلْبَعير: ضَيَّقْته عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ دَانَى القَيْدُ قَيْنَيِ البَعِير؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
دَانَى لهُ القَيْدُ، فِي دَيْمُومَةٍ قُذُفٍ، ... قَيْنَيْهِ، وانْحَسَرَتْ عَنْه الأَناعِيمُ
وَقَوْلُهُ:
مَا لِي أَراهُ دانِفاً قدْ دُنْيَ لهْ
إِنما أَراد قَدْ دُنِيَ لهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ مِنْ دَنَوْتُ، وَلَكِنَّ الْوَاوَ قُلِبَتْ يَاءً مَنْ دُنِيَ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ أُسْكِنَت النُّونُ فَكَانَ يَجِبُ، إِذْ زَالَتِ الْكَسْرَةُ، أَن تَعُودَ الْوَاوُ، إِلا أَنه لَمَّا كَانَ إِسكان النُّونِ إِنما هُوَ لِلتَّخْفِيفِ كَانَتِ الكَسْرَة المنويَّة فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا قَاسَ النَّحْوِيُّونَ فَقَالُوا فِي شَقِيَ قَدْ شَقْيَ، فَتَرَكُوا الواوَ الَّتِي هِيَ لامٌ فِي الشِّقْوة والشَّقاوة مَقْلُوبَةً، وإِن زَالَتْ كَسْرَةُ الْقَافِ مَنْ شَقِيَ، بِالتَّخْفِيفِ، لَمَّا كَانَتِ الكسرةُ مَنْويَّةً مُقَدَّرَةً، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لقَضُوَ الرجلُ، وأَصله مِنَ الْيَاءِ فِي قَضَيْت، وَلَكِنَّهَا قُلِبت فِي لقَضُو لِانْضِمَامِ الضَّادِ قَبْلَهَا وَاوًا، ثُمَّ أَسكنوا الضَّادَ تَخْفِيفًا فَتَرَكُوا الْوَاوَ بِحَالِهَا وَلَمْ يردّوها إِلى الْيَاءِ، كَمَا تَرَكُوا الْيَاءَ فِي دُنْيَا بِحَالِهَا وَلَمْ يَرُدُّوهَا إِلى الْوَاوِ، وَمِثْلُهُ مِنْ

(14/274)


كَلَامِهِمْ رَضْيُوا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ بإِسكان الضَّادِ وَتَرْكِ الْوَاوِ مِنَ الرِّضْوَانِ وَمَرَّ صَرِيحًا لِهَؤُلَاءِ، قَالَ: وَلَا أَعلم دُنْيَ بِالتَّخْفِيفِ إِلا فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَنشدناه، وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُ فِي هَذَا الشِّعْرِ الَّذِي فِيهِ هَذَا الْبَيْتُ: هَذَا الرِّجْزُ لَيْسَ بِعَتِيقٍ كأَنه مِنْ رَجَز خَلَفٍ الأَحمر أَو غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَلِّدِينَ. وناقَةٌ مُدْنِيَةٌ ومُدْنٍ: دَنا نِتاجُها، وَكَذَلِكَ المرأَة. التَّهْذِيبُ: والمُدَنِّي مِنَ النَّاسِ الضَّعِيفُ الَّذِي إِذا آوَاهُ الليلُ لَمْ يَبْرَحْ ضَعْفًا وَقَدْ دَنَّى فِي مَبِيِتِه؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
فيُدَنِّي فِي مَبِيتٍ ومحَلّ
والدَّنِيُّ مِنَ الرِّجَالِ: السَّاقِطُ الضَّعِيفُ الَّذِي إِذا آوَاهُ اللَّيْلُ لَمْ يَبْرَحْ ضَعْفاً، وَالْجَمْعُ أَدْنِياءُ. وَمَا كَانَ دَنِيّاً وَلَقَدْ دَنِيَ دَناً ودَنَايَة ودِنَايَة، الْيَاءُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ لِقُرْبِ الْكَسْرَةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وتَدَانَتْ إِبلُ الرَّجُلِ: قَلَّت وضَعُفَت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَباعَدْتَ مِني أَنْ رأَيْتَ حَمُولتِي ... تَدَانَتْ، وأَنْ أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
ودَنَّى فلانٌ: طَلَبَ أَمْراً خسِيساً، عَنْهُ أَيضاً. والدَّنا: أَرض لكَلْب؛ قَالَ سَلامة بْنُ جَنْدل:
مِنْ أَخْدَرِيَّاتِ الدَّنَا التَفَعَتْ لَهُ ... بُهْمَى الرِّفاغِ، ولَجَّ فِي إِحْناقِ
الْجَوْهَرِيُّ: والدَّنَا مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ؛ قَالَ:
فأَمْواهُ الدَّنا فعُوَيْرِضاتٌ ... دَوارِسُ بعدَ أَحْياءٍ حِلالِ
والأَدْنَيَانِ: واديانِ. ودَانِيا: نبيٌّ مِنْ بَنِي إِسرائيل يُقال لَهُ دانِيالُ.
دَهَا: الدَّهْوُ والدَّهَاءُ: الْعَقْلُ، وَقَدْ دَهِيَ فلانٌ يَدْهَى ويَدْهُو دَهاءً ودَهاءَةً ودَهْياً، فَهُوَ داهٍ مِنْ قَوْمٍ دُهاةٍ، ودَهُوَ دَهاءةً، فَهُوَ دَهِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَدْهِياءَ ودُهَواءَ، ودَهِيَ دَهىً، فَهُوَ دَهٍ مِنْ قَوْمٍ دَهِينَ. التَّهْذِيبُ: وإِنَّه لَداهٍ ودَهِيٌّ ودَهٍ، فَمَنْ قَالَ دَاهٍ قَالَ مِنْ قومٍ دُهَاةٍ، وَمَنْ قَالَ دَهِيٌّ قَالَ مِنْ قَوْمٍ أَدْهِياءَ، وَمَنْ قَالَ دَهٍ قَالَ مِنْ قَوْمٍ دَهِينَ مِثْلُ عَمِينَ. ودَهاهُ دَهْواً: نَسبَه إِلى الدَّهاءِ. وأَدْهاهُ: وجَدَه داهِياً. التهذيب: الدَّهْوُ ودهي
الدَّهْيُ لُغَتَانِ فِي الدَّهاءِ. يُقَالُ: دَهَوْتُه ودهي
دَهَيْته، فهو مَدْهُوٌّ ودهي
مَدْهِيٌّ. ودهي
دَهَيْته ودَهَوْته: نسَبْته إِلى الدَّهاءِ. ودَهاهُ دَهْياً ودَهَّاهُ: نسبَه إِلى الدَّهاء. وأَدْهاهُ: وجَدَهُ دَاهِيَةً. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّهْيُ والدَّهاءُ الإِرْبُ. ورجلٌ داهٍ وداهِيَةٌ، الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ: عَاقِلٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: رَجُلٌ دَاهِيَة أَي مُنْكَرٌ بَصِيرٌ بالأُمور. والدَّاهِيَة: الأَمرُ المُنْكَر الْعَظِيمُ. وَقَوْلُهُمْ: هِيَ الدَّاهِيَة الدَّهْوَاء بالَغُوا بِهَا، وَالْمَصْدَرُ الدَّهَاءُ تَقُولُ: مَا دَهَاك أَي مَا أَصابك. وكلُّ مَا أَصابكَ مِنْ مُنْكَرٍ مِنْ وَجْهِ المَأْمَنِ فَقَدْ دَهَاكَ دَهْياً، تَقُولُ مِنْهُ: دُهِيت. وَقَالُوا: هِيَ دَاهِية دُهْوِيَّةٌ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. ودَهَاهُ دَهْواً: خَتَلَه. والدَّهْيَاءُ: الدَّاهِية مِنْ شدائِدِ الدَّهْر؛ وأَنشد:
أَخُو مُحافَظَةٍ، إِذا نزَلَتْ بِهِ ... دَهْيَاءُ داهِيَةٌ مِنَ الأَزْمِ
ودَوَاهِي الدَّهْر: مَا يُصِيبُ الناسَ مِنْ عَظِيمِ نُوَبِه. ودَهَتْه دَاهِيةٌ دَهْياءُ ودَهْواءُ أَيضاً، وَهُوَ تَوْكِيدٌ أَيضاً. وأَمرٌ دَهٍ: داهٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَلمْ أَكُنْ حُذِّرْتُ مِنكَ بالدَّهِي
وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بالدَّهْي، فَلَمَّا وقفَ أَلقَى حَرَكَةَ الياءِ عَلَى الهاءِ، كَمَا قَالُوا مِنَ البَكِرْ، أَرادوا مِنَ البَكْرِ. ودَهِيَ الرجُلُ دَهْياً ودَهاءً وتَدَهَّى:

(14/275)


فعَلَ فِعْلَ الدُّهاةِ، وَهُوَ يَدْهَى ويَدْهُو ويَدْهِي، كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الدَّاهي؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وبالدَّهاءِ يُخْتَلُ المَدْهِيُ
وَقَالَ:
لَا يَعْرِفونَ الدَّهْيَ مِنْ دَهْيائِها، ... أَو يَأْخُذَ الأَرْض عَلَى مِيدائِها
وَيُرْوَى: الدَّهْوَ مِنْ دَهائِها. والدَّهْيُ، سَاكِنَةُ الْهَاءِ: المُنْكَرُ وجَوْدَةُ الرأْيِ. يقال: رَجُلٌ دَاهِيَة بيِّنُ الدَّهْيِ والدَّهاءِ، ممدودٌ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ لَا مِنَ الْوَاوِ، وَهُمَا دَهْيَاوان. ودَهاهُ يَدْهَاهُ دَهْياً: عابَهُ وتَنَقَّصَه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
وَقُوَّلٌ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
قَالَ: مَعْنَاهُ إِن لَمْ تَتُب الآنَ فَلَا تَتُوبُ أَبداً. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْكَاهِنِ لِبَعْضِهِمْ وَقَدْ سأَله عَنْ شَيْءٍ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ: لَا، فَقَالَ: فَكَذَا؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، فَقَالَ لَهُ الْكَاهِنُ: إِلا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي إِن لَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي أَقول لَكَ فإِني لَا أَعرِف غَيْرَهُ. وَيُقَالُ: غَرْبٌ دَهْيٌ أَي ضَخْم؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
والغَرْبُ دَهْيٌ غَلْفَقٌ كَبِيرُ، ... والحَوْضُ مِنْ هَوْذَلِه يَفُورُ
ويوْمُ دَهْوٍ: يومٌ تَناهَضَ فِيهِ بَنُو المُنْتَفِقِ، وَهُمْ رَهْطُ الشَّنَآنِ بْنِ مَالِكٍ وَلَهُ حديثٌ. وَبَنُو دَهْيٍ: بَطْنٌ.
دهدي: يُقَالُ: دَهْدَيْتُ الحَجَر ودَهْدَهْتُه فتَدَهْدَى وتَدَهْدَه. وَيُقَالُ: مَا أَدري أَيُّ الدَّهْدَاء هُو أَي أَيُّ الخَلْقِ هُوَ؛ وَقَالَ:
وعِنْدي الدَّهْدَهاءُ «3» .
دَوَا: الدَّوُّ: الفَلاةُ الواسِعَة، وَقِيلَ: الدَّوُّ المُسْتوية مِنَ الأَرض. والدَّوِّيَّة: الْمَنْسُوبَةُ إِلى الدَّوِّ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَدَوٍّ ككَفِّ المُشْتري غيرَ أَنَّه ... بساطٌ، لأَخْماسِ المَراسِيلِ، واسعُ «4»
. أَي هِيَ مُستويةٌ ككَفِّ الَّذِي يُصافِقُ عِنْدَ صَفْقَة الْبَيْعِ، وَقِيلَ: دَوِّيَّة وداوِيَّة إِذا كَانَتْ بعيدةَ الأَطرافِ مُستوية وَاسِعَةً؛ وَقَالَ العجاج:
دَوِّيَّةٌ لهَوْلها دَوِيُّ، ... للرِّيحِ فِي أَقْرابِها هُوِيُّ «5»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ الدَّوُّ والدَّوِّيَّة والدَّاوِيَّة والدَّاوِيَة الْمَفَازَةُ، الأَلف فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ، وَنَظِيرُهُ انْقِلَابُهُ عَنِ الْيَاءِ فِي غَايَةٍ وَطَايَةٍ، وَهَذَا الْقَلْبُ قَلِيلٌ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ دَعْوَى مِنْ قَائِلِهَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنه يَجُوزُ أَن يَكُونَ بَنَى مِنَ الدوِّ فاعِلةً فَصَارَ داوِيَة بِوَزْنِ راوِية، ثُمَّ إِنه أَلْحق الْكَلِمَةَ ياءَ النَّسَب وحذَفَ اللَّامَ كَمَا تَقُولُ فِي الإِضافة إِلى نَاحِيَةٍ ناحِيٌّ، وإِلى قَاضِيَةٍ قاضِيٌّ؛ وَكَمَا قَالَ عَلْقَمَةُ:
كأْسَ عَزِيزٍ مِنَ الأَعْنابِ عَتَّقَها، ... لبَعْضِ أَرْبابِها، حانِيَّةٌ حُومُ
فَنَسَبَهَا إِلى الْحَانِي بِوَزْنِ القاضِي؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ لِعَمْرِو بْنِ مِلْقَط:
والخيلُ قَدْ تُجْشِمُ أَرْبابَها الشِّقَّ، ... وقَدْ تَعْتَسِفُ الداوِيَهْ
قَالَ: فإِن شِئْتَ قُلْتَ إِنه بَنَى مِنَ الدَّوِّ فاعِلَة، فَصَارَ التَّقْدِيرُ داوِوَة، ثُمَّ قَلَبَ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ لَامُ ياءً
__________
(3) . قوله [الدَّهْدَهَاء] هكذا في الأصل
(4) . قوله [لأَخماس المراسيل إلخ] هو بالخاء المعجمة في التهذيب
(5) . قوله [في أقرابها هوي] كذا بالأصل والتهذيب ولعله في أطرافها

(14/276)


لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ووقوعِها طَرَفاً، وإِن شِئْتَ قُلْتَ أَراد الدَّاوِيَّةَ المحذوفةَ اللَّامِ كالحانِيّة إِلا أَنه خَفَّفَ بالإِضافة كَمَا خَفَّفَ الْآخَرُ فِي قَوْلِهِ؛ أَنشده أَبو عَلِيٍّ أَيضاً:
بَكِّي بعَيْنِك واكِفَ القَطْرِ ... ابْنَ الحَوَارِي العالِيَ الذّكْرِ «1»
. وَقَالَ فِي قَوْلِهِمْ دَوِّيَّة قَالَ: إِنما سُمِّيَتْ دَوِّيَّة لَدوِيِّ الصَّوْتِ الَّذِي يُسْمَع فِيهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَت دَوِّيَّة لأَنَّها تُدَوِّي بِمَنْ صَارَ فِيهَا أَي تَذْهَب بِهِمْ. وَيُقَالُ: قَدْ دَوَّى فِي الأَرض وَهُوَ ذَهابُهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
دَوَّى بِهَا لَا يَعْذِرُ العَلائِلا، ... وَهُوَ يُصادِي شُزُناً مَثائِلا «2»
. دَوَّى بِهَا: مَرَّ بِهَا يَعْنِي العَيْرَ وأُتُنَه، وَقِيلَ: الدَّوُّ أَرض مَسيرةُ أَربع ليالٍ شِبْهُ تُرْسٍ خاويةٌ يُسَارُ فِيهَا بِالنُّجُومِ ويخافُ فِيهَا الضلالُ، وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ مُتَيَاسِرَةٌ إِذا أَصْعَدْتَ إِلى مَكَّةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وإِنما سُمِّيَتِ الدَّوَّ لأَن الفُرْسَ كَانَتْ لَطائِمُهُم تَجُوزُ فِيهَا، فَكَانُوا إِذا سَلَكُوهَا تَحاضُّوا فِيهَا بالجِدِّ فقالوا بالفارسي: دَوْ دَوْ «3» . قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ قَطَعْتُ الدَّوَّ مَعَ القَرامِطَة، أَبادَهُم اللَّهُ، وَكَانَتْ مَطْرَقَهُم قَافِلِينَ مِنَ الهَبِير فسَقَوْا ظَهْرَهم واسْتَقَوْا بحَفْرِ أَبي مُوسَى الَّذِي عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وفَوَّزوا فِي الدوِّ، وَوَرَدُوا صبيحةَ خامسةٍ مَاءً يُقَالُ لَهُ ثَبْرَةُ، وعَطِبَ فِيهَا بُخْتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ إِبل الْحَاجِّ لبُلُوغ العَطَش مِنْهَا والكَلالِ؛ وأَنشد شِمْرٌ:
بالدَّوّ أَو صَحْرائِهِ القَمُوصِ
وَمِنْهُ خُطْبَةُ الحَجّاج:
قَد، لَفَّها اللَّيْلُ بعُصْلُبِيِّ ... أَرْوَعَ خَرَّاجٍ مِنَ الدَّاوِيِ
يَعْنِي الفَلَوات جَمْعُ داوِيَّة، أَراد أَنه صَاحِبُ أَسفار ورِحَلٍ فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْرُج مِنَ الفَلَوات، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَراد بِهِ أَنه بَصِيرٌ بالفَلَوات فَلَا يَشْتَبه عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا. والدَّوُّ: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ، وَهِيَ صَحْراء مَلْساء، وَقِيلَ: الدَّوُّ بَلَدٌ لِبَنِي تَمِيمٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
حَتَّى نِساءُ تمِيمٍ، وهْي نازِحةٌ ... بباحَةِ الدَّوِّ فالصَّمَّانِ فالعَقَدِ «4»
. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ داوِيَّة وداوِيَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ؛ وأَنشد لِكُثَيِّرٍ:
أَجْواز داوِيَةٍ خِلالَ دِماثِهَا ... جُدَدٌ صَحَاصِحُ، بَيْنَهُنَّ هُزومُ
والدَّوَّةُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. الأَصمعي: دَوَّى الفَحْلُ إِذا سَمِعْت لهَدِيره دَوِيّاً. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّوُّ والدَّوِّيُّ المَفازة، وَكَذَلِكَ الدَّوِّيَّة لأَنها مَفازَة مثلُها فنُسِبَتْ إِليها، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ قَعْسَرٌ وقَعْسَرِيّ ودَهْر دَوَّار ودَوَّارِيّ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
ودَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَمَشَّى نَعامُها، ... كَمَشْيِ النَّصارَى فِي خِفافِ الأَرَنْدَجِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْكَلَامُ نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَاحِظِ لأَنه قَالَ سُمّيت دَوِّيّة بالدَّوِّيّ الَّذِي هُوَ عَزِيفُ الجنِّ،
__________
(1) . قوله [بكّي بعينك واكف إلخ] تقدم في مادة حور ضبطه بكى بفتح الكاف وواكف بالرفع، والصواب ما هنا
(2) . قوله
وَهُوَ يُصَادِي شُزُنًا مَثَائِلَا
كذا بالأصل، والذي في التهذيب:
وهو يصادي شزباً نسائلا
(3) . قوله [دو دو] أي أَسْرِعْ أَسْرِعْ، قاله ياقوت في المعجم
(4) . قوله [فالعقد] بفتح العين كما في المحكم، وقال في ياقوت: قال نصر بضم العين وفتح القاف وبالدال مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَضَرِيَّةَ وأظنه بفتح العين وكسر القاف

(14/277)


وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، لأَن عَزِيفَ الجنِّ وَهُوَ صَوْتها يُقَالُ لَهُ دَوِيٌّ، بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْعَجَّاجِ:
دَوِّيَّة لِهَوْلِهَا دَوِيُ
قَالَ: وإِذا كَانَتِ الْوَاوُ فِيهِ مُخَفَّفَةً لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الدَّوِّيّة، وإِنما الدَّوِّيَّة مَنْسُوبَةٌ إِلى الدَّوِّ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ أَحْمَرُ وأَحْمَرِيٌّ، وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْيَاءِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَنها زَائِدَةٌ لأَنه يُقَالُ دَوٌّ ودَوِّيٌّ للقَفْر، ودَوِّيَّة للمَفازة، فَالْيَاءُ فِيهَا جَاءَتْ عَلَى حَدِّ ياءِ النسَبِ زَائِدَةً عَلَى الدَّوِّ فَلَا اعتِبار بِهَا، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْجَاحِظِ إِن الدوِّيّة سُمّيت بالدَّوِيّ الَّذِي هُوَ عَزِيفُ الْجِنِّ قَوْلُهُمْ دَوٌّ بِلَا ياءٍ، قَالَ: فَلَيْتَ شِعْرِي بأَيِّ شيءٍ سُمِّيَ الدَّوُّ لأَنّ الدَّوَّ لَيْسَ هُوَ صوتَ الجِنِّ، فَنَقُولُ إِنَّه سُمّي الدَّوّ بَدوِّ الْجِنِّ أَي عزِيفهِ، وَصَوَابُ إِنشاد بَيْتِ الشَّمَّاخِ: تَمَشَّى نِعاجُها؛ شَبَّهَ بقَر الْوَحْشِ فِي سَوَادِ قوائِمها وَبَيَاضِ أَبْدانِها بِرِجَالٍ بيضٍ قَدْ لَبِسُوا خِفافاً سُوداً. والدَّوُّ: مَوْضِعٌ، وَهُوَ أَرض مِنْ أَرض الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ مَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْيَمَامَةِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَرُبَّمَا قَالُوا دَاوِيّة قَلَبُوا الواوَ الأُولى السَّاكِنَةَ أَلِفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بِهَا دَوِّيٌّ أَي أَحد مِمَّن يَسْكن الدَّوَّ، كَمَا يُقَالُ مَا بِهَا دُورِيٌّ وطُورِيٌّ. ودود
الدَّوْدَاة: الأُرْجُوحَة. ودود
الدَوْدَاة: أَثَرُ الأُرْجوحة وَهِيَ فَعْلَلَة بِمَنْزِلَةِ القَرْقَرَة، وأَصلها دَوْدَوَة ثُمَّ قُلِبَت الواوُ يَاءً لأَنّها رابِعَة هُنَا فَصَارَتْ فِي التَّقْدِيرِ دَوْدَيَةً، فانْقَلَبت الياءُ أَلفاً لتَحَرُّكِها وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصارت دود
دَوْدَاة، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعْلاةً كأَرْطاةٍ لئِلَّا تُجْعل الْكَلِمَةُ مِنْ بَابِ قَلِقٍ وسَلِسٍ، وَهُوَ أَقل مِنْ بَابِ صَرْصَر وفَدْفَدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن تَجْعَلَهَا فَوْعَلَةً كجَوْهَرةٍ لأَنك تَعْدِلُ إِلى بَابٍ أَضيق مِنْ بَابِ سَلس، وَهُوَ بَابُ كَوْكَب ودَوْدَن، وأَيضاً فإِنّ الفَعْلَلَة أَكثر فِي الْكَلَامِ مِنْ فَعْلاةٍ وفَوْعَلَةٍ؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
خَرِيع دود دَوادِيُ فِي مَلْعَبٍ ... تَأَزَّرُ طَوْراً، وتُرْخِي الإِزارَا
فإِنه أَخرج دَوادِيَ عَلَى الأَصل ضَرُورَةً، لأَنه لَوْ أَعَلّ لامَه فحذَفَها فَقَالَ دَوادٍ لانْكَسر الْبَيْتُ؛ وَقَالَ الْقَتَّالُ الكِلابي:
تَذَكَّرَ ذِكْرَى مِنْ قَطاةٍ فَأَنْصَبا، ... وأَبّنَ دود دَوْداةً خَلاءً ومَلْعَبا
وَفِي حَدِيثِ
جُهَيْسٍ: وكَائِنْ قَطَعْنَا مِنْ دَوِّيَّةٍ سَرْبَخٍ
؛ الدوُّ: الصَّحْراء الَّتِي لَا نَباتَ بِهَا، والدَّوِّيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إِليها. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّوى، مقصورٌ، المرَض والسِّلُّ. دَوِيَ، بِالْكَسْرِ، دَوىً فَهُوَ دَوٍ ودَوىً أَي مَرِضَ، فَمَنْ قَالَ دَوٍ ثَنَّى وجَمع وأَنث، وَمَنْ قَالَ دَوىً أَفرد فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَمْ يؤنِّثْ. اللَّيْثُ: الدَّوى داءٌ باطنٌ فِي الصَّدْرِ، وإِنه لَدَوِي الصَّدْرِ؛ وأَنشد:
وعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِي
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وقَدْ أَقُود بالدَّوَى المُزَمَّلِ ... أَخْرسَ فِي السَّفْر بَقَاقَ المَنْزِل
إِنما عَنى بِهِ المريضَ مِنْ شِدَّةِ النُّعَاسِ. التَّهْذِيبُ: والدَّوى الضَّنى، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ؛ قَالَ:
يُغْضي كإِغْضاءِ الدَّوَى الزَّمِينِ
ورجلٌ دَوىً، مَقْصُورٌ: مثلُ ضَنىً. وَيُقَالُ: تَرَكْتُ فُلَانًا دَوىً مَا أَرى بِهِ حَياةً. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ زَرْعٍ: كلُّ داءٍ لَهُ داءٌ
أَي كُلُّ عَيْبٍ يكونُ فِي الرِّجَالِ فَهُوَ فِيهِ، فجَعَلَتِ العيب داءً،

(14/278)


وقولها: لَهُ داءٌ خَبَرٌ لِكُلُّ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ صِفَةً لِدَاءٍ، وَدَاءٌ الثَّانِيَةُ خَبَرٌ لِكُلُّ أَي كُلُّ دَاءٍ فِيهِ بليغٌ مُتناهٍ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الفَرَسَ فَرَسٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وأَيُّ داءٍ أَدْوى مِنَ البُخْلِ
أَي أَيُّ عَيْبٍ أَقْبحُ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّوَابُ أَدْوَأُ مِنَ البُخْل، بِالْهَمْزِ وَمَوْضِعُهُ الْهَمْزُ، وَلَكِنَّ هذا يُرْوى إِلا أَن يُجْعَلَ مِنَ بَابِ دَوِيَ يَدْوَى دَوىً، فَهُوَ دَوٍ إِذا هَلَكَ بِمَرَضٍ بَاطِنٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ
العَلاء بْنِ الحضْرَمِيّ: لَا داءَ وَلَا خِبْثَة
؛ قَالَ: هُوَ العَيْبُ الباطِن فِي السِّلْعة الَّذِي لمْ يَطَّلِعْ عَليه المُشْتري. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الخَمر داءٌ ولَيْسَتْ بِدواءٍ
؛ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الداءِ فِي الإِثْمِ كَمَا اسْتَعْمَله فِي الْعَيْبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: دَبَّ إِليْكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم البَغْضاءُ والحَسَدُ، فنَقَل الداءَ مِنَ الأَجْسامِ إِلى الْمَعَانِي ومنْ أَمْر الدُّنيا إِلى أَمْر الآخِرَةِ، قَالَ: وَلَيْسَتْ بدَواءٍ وإِن كَانَ فِيهَا دَواءٌ مِنْ بَعْضِ الأَمْراض، عَلَى التَّغْلِيبِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ، وَهَذَا كَمَا نُقِلَ الرَّقُوبُ والمُفْلِسُ والصُّرَعةُ لِضَرْبٍ مِنَ التَّمْثِيل والتَّخْيِيل. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: إِلى مَرْعىً وبِيٍّ ومَشْرَبٍ دَوِيٍ
أَي فِيهِ داءٌ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلى دَوٍ مَنْ دَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَدْوَى. وَمَا دُوِّيَ إِلا ثَلَاثًا «5» . حَتَّى مَاتَ أَو بَرَأَ أَي مَرِضَ. الأَصمعي: صَدْرُ فلانٍ دَوىً عَلَى فُلَانٍ، مَقْصُورٌ، وَمِثْلُهُ أَرض دَوِيَّة أَى ذَاتُ أَدْواءٍ. قَالَ: وَرَجُلٌ دَوىً ودَوٍ أَي مَرِيضٌ، قَالَ: وَرَجُلٌ دَوٍ، بِكَسْرِ الْوَاوِ، أَي فاسدُ الْجَوْفِ مِنْ داءٍ، وامرأَة دَوِيَةٌ، فإِذا قُلْتَ رَجُلٌ دَوىً، بِالْفَتْحِ، اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ لأَنه مَصْدَرٌ فِي الأَصل. وَرَجُلٌ دَوىً، بِالْفَتْحِ، أَي أَحمق؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
وَقَدْ أَقُود بالدَّوى المُزَمَّل
وأَرض دَوِيَةٌ، مُخَفَّفٌ، أَي ذَاتُ أَدْواءٍ. وأَرْضٌ دَوِيَةٌ: غَيْرُ مُوَافِقَةٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والدَّوى الأَحمق، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ مَقْصُورٌ. والدَّوى: اللَّازِمُ مَكَانَهُ لَا يَبْرح. ودَوِيَ صَدْرُه أَيضاً أَي ضَغِنَ، وأَدْوَاهُ غيرُه أَي أَمْرَضَه، ودَاوَاهُ أَي عالَجَهُ. يُقَالُ: هُوَ يُدْوِي ويُدَاوِي أَي يُعالِجُ، ويُدَاوَى بِالشَّيْءِ أَي يُعالَجُ بِهِ، ابْنُ السِّكِّيتِ: الدَّوَاءُ مَا عُولِجَ بِهِ الفَرَسُ مِنْ تَضْمِير وحَنْذٍ، وَمَا عُولِجَتْ بِهِ الجارِيَة حَتَّى تَسْمَن؛ وأَنشد لِسَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ:
ليْسَ بأَسْفى وَلَا أَقْنى وَلَا سَغِلٍ ... يُسْقى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ
يَعْنِي اللَّبَنَ، وإِنما جَعَلَهُ دَوَاءً لأَنهم كَانُوا يُضَمِّرونَ الخيلَ بشُرْبِ اللَّبَنِ والحَنْذِ ويُقْفُون بِهِ الجارِية، وَهِيَ القَفِيَّة لأَنها تُؤْثَر بِهِ كَمَا يُؤْثَرُ الضَّيف والصَّبيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ امرأَة مِنْ بَنِي شُقيْر:
ونُقْفي وِليدَ الحَيِّ إِنْ كَانَ جائِعاً، ... ونُحْسِبُه إِنْ كَانَ ليْسَ بجائعِ
والدَّواةُ: مَا يُكْتَبُ مِنْهُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ دَوىً ودُوِيٌّ ودِوِيٌّ. التَّهْذِيبُ: إِذا عدَدْت قُلْتَ ثَلَاثَ دَوَياتٍ إِلى العَشْر، كَمَا يُقَالُ نَواةٌ وَثَلَاثُ نَوَياتٍ، وإِذا جَمَعْت مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَهِيَ الدَّوَى كَمَا يُقَالُ نَواةٌ ونَوىً، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُجْمَع دُوِيّاً عَلَى فُعُول مِثْلُ صَفاةٍ وصَفاً وصُفِيٍّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عَرَفْتُ الديارَ كَخَطِّ الدُّوِيِّ ... حَبَّره الكاتِبُ الحِمْيَرِي
والدُّوَايَةُ والدِّوَايَةُ: جُلَيْدةٌ رَقِيقَةٌ تَعْلُو اللَّبَنَ
__________
(5) . قوله [وَمَا دُوِّيَ إِلَّا ثَلَاثًا إلخ] هكذا ضبط في الأصل بضم الدال وتشديد الواو المكسورة

(14/279)


والمَرَقَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دُوَايَة [دِوَايَة] اللبنِ والهَرِيسَة وَهُوَ الَّذِي يَغْلُظُ عَلَيْهِ إِذا ضرَبَتْه الريحُ فيصيرُ مِثْلَ غِرْقِئ البَيْض. وَقَدْ دَوَّى اللبنُ والمَرَقُ تَدْوِيةً: صَارَتْ عَلَيْهِ دُوَايَةٌ أَي قِشْرَةٌ. وادَّوَيْت: أَكَلْت الدُّوايةَ، وَهُوَ افْتَعَلْت، ودَوَّيْته؛ أَعْطَيْته الدُّواية، وادَّوَيْتُها: أَخَذْتها فأَكَلْتها؛ قَالَ يزيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفي:
بَدا منْك غِشٌّ، طَالَمَا قَدْ كَتَمْته، ... كَمَا كَتَمَتْ داءَ ابْنِها أُمُّ مُدَّوِي
وَذَلِكَ أَن خَاطِبَةً مِنَ الأَعراب خَطَبَتْ عَلَى ابْنِهَا جَارِيَةً فَجَاءَتْ أُمّها إِلَى أُمّ الْغُلَامِ لِتَنْظُرَ إِليه فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَقَالَ: أَأَدَّوِي يَا أُمِّي؟ فَقَالَتْ: اللِّجامُ مُعَلَّقٌ بعَمُودِ البَيْتِ؛ أَرادت بِذَلِكَ كِتْمان زَلَّةِ الِابْنِ وسُوءِ عادَتِهِ. وَلَبَنٌ داوٍ: ذُو دُوَايَةٍ. والدُّوَايَة [الدِّوَايَة] فِي الأَسْنان كالطُّرامَة؛ قَالَ:
أَعددت لفيك ذو الدُّوَايَهْ «1»
. ودَوَّى الماءُ: علاهُ مثلُ الدُّوَايَة [الدِّوَايَة] مِمَّا تَسْفِي الرِّيحُ فِيهِ، الأَصمعي. ماءٌ مُدَوٍّ ودَاوٍ إِذا عَلَتْه قُشَيْرة مِثْلُ دَوَّى اللبنُ إِذا عَلَتْه قُشَيْرة، وَيُقَالُ لِلَّذِي يأْخذ تِلْكَ القُشَيْرة: مُدَّوٍ، بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَهُوَ مُفْتَعِل، والأَول مُفَعِّل. ومَرَقَةٌ دِوَايَةٌ ومُدَوِّيَة: كَثِيرَةُ الإِهالة. وَطَعَامٌ دَاوٍ ومُدَوٍّ: كثيرٌ. وأَمْرٌ مُدَوٍّ إِذا كَانَ مُغَطّىً؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَلَا أَرْكَبُ الأَمْرَ المُدَوِّيَ سادِراً ... بعَمْياءَ حتَّى أَسْتَبِينَ وأُبْصِرا
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ الأَمْر الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَا وراءَهُ كأَنه قَالَ ودُونه دُوايةٌ قَدْ غَطَّته وَسَتَرَتْهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الدَّاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا مَهْمُوزٌ. وداوَيْت السُّقْم: عانَيْته. الْكِسَائِيُّ: داءَ الرجلُ فَهُوَ يَداءُ عَلَى مِثال شاءَ يَشاء إِذا صَارَ فِي جَوْفِهِ الدَّاءُ. وَيُقَالُ: دَاوَيْت العَلِيلَ دَوىً، بِفَتْحِ الدَّالِ، إِذا عالَجْته بالأَشْفِية الَّتِي تُوافِقُه؛ وأَنشد الأَصمعي لثَعْلَبة بْنُ عَمْرٍو العَبْدي:
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبِيكَ الدَّوَى، ... وليسَ لَهُ مِنْ طَعامٍ نَصِيبْ
خَلا أَنهُم كُلَّما أَوْرَدُوا ... يُصَبَّحُ قَعْباً عَلَيْهِ ذَنُوبْ
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه يُسْقَى مِنْ لبنٍ عَلَيْهِ دَلْو مِنْ مَاءٍ، وَصَفَهُ بأَنه لَا يُحْسن دَواءَ فَرسه وَلَا يُؤْثِرهُ بِلَبَنِهِ كَمَا تَفْعَلُ الفُرْسان؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَنباري:
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبيكَ الدَّوَاءْ
بِفَتْحِ الدَّالِ، قَالَ: مَعْنَاهُ أَهلكه تَرْكُ الدَّوَاءِ فأَضْمَر التَّرْكَ. والدَّواءُ: اللَّبَن. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الدِّوَاءُ والدَّوَاءُ والدُّوَاءُ؛ الأَخيرة عَنِ الْهَجَرِيِّ، مَا داوَيْتَه بِهِ، مَمْدُودٌ. ودُووِيَ الشَّيْءُ أَي عُولِجَ، وَلَا يُدْغَمُ فَرْقاً بَيْنَ فُوعِلَ وفُعِّل. والدِّوَاءُ: مَصْدَرُ دَاوَيْتُه دِوَاءً مِثْلُ ضَارَبْتُهُ ضِراباً؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
بفاحِمٍ دُووِيَ حَتَّى اعْلَنْكَسا، ... وبَشَرٍ مَعَ البَياضِ أَملَسا
إِنما أَراد عُونِيَ بالأَدْهان وَنَحْوِهَا مِنَ الأَدْوِية حَتَّى أَثَّ وكَثُرَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: دُوِّيَ أَي عُولِجَ وقِيمَ عَلَيْهِ حَتَّى اعْلَنْكَس أَي ركِبَ بعضُه بَعْضًا مِنْ كَثْرَتِهِ. وَيُرْوَى: دُووِيَ فُوعِلَ مِنَ الدَّواء، وَمَنْ رَوَاهُ دُوِّيَ فَهُوَ عَلَى فُعِّلَ مِنْهُ. والدِّوَاءُ، مَمْدُودٌ: هُوَ الشِّفاءُ. يُقَالُ: دَاوَيْته مُداواةً، ولو
__________
(1) . قوله [أعددت لفيك إلخ] هكذا بالأصل

(14/280)


قُلْتَ دِوَاءً كَانَ جائِزاً. وَيُقَالُ: دُووِيَ فُلَانٌ يُداوَى، فيُظْهِرُ الواوَيْنِ وَلَا يُدْغِم إِحداهما فِي الأُخرى لأَن الأُولى هِيَ مَدّة الأَلف الَّتِي فِي دَاوَاهُ، فكَرِهوا أَن يُدْغِموا المدَّة فِي الْوَاوِ فَيَلْتَبِسُ فُوعِل بفُعِّل. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّوَاء، ممدودٌ، وَاحِدُ الأَدْوِيَة، والدِّوَاءُ، بالكسرِ، لُغة فِيهِ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ يُنْشَد عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ: يَقُولُونَ:
مَخْمورٌ وَهَذَا دِوَاؤُه، ... عليَّ إِذاً مَشْيٌ، إِلى البيتِ، واجِبُ
أَي قَالُوا إِنَّ الجَلْد والتَّعْزِيزَ دواؤُه، قَالَ: وعلَيَّ حجةٌ مَاشِيًا إِن كنتُ شَرِبْتُها. وَيُقَالُ: الدِّوَاءُ إِنما هُوَ مَصْدَرُ دَاوَيْته مُدَاوَاةً ودِوَاءً. والدَّوَاءُ: الطعامُ وَجَمْعُ الدَّاء أَدْوَاءٌ، وَجَمْعُ الدواءِ أَدْوِيَة، وَجَمْعُ الدَّوَاةِ دُوِيُّ. والدَّوَى: جمعُ دواةٍ، مقصورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والدَّوَى للدَّواءِ بِالْيَاءِ مَقْصُورٌ؛ وأَنشد:
إِلا المُقِيمَ عَلَى الدَّوَى المُتَأَفِّن
ودَاوَيتُ الفَرَس: صَنَّعْتُها. والدَّوَى: تَصْنيع الدابَّة وتسْمِينُه وصَقْله بسَقْي اللَّبَنِ والمواظَبة عَلَى الإِحسان إِليه، وإِجرائِه مَعَ ذَلِكَ البَرْدَينِ قدرَ مَا يَسِيلُ عَرَقُه ويَشْتَدُّ لحْمه وَيَذْهَبُ رَهَله. وَيُقَالُ: دَاوَى فُلَانٌ فرسَه دِواءً، بِكَسْرِ الدَّالِ، ومُدَاوَاةً إِذا سَمَّنه وعَلَفَه عَلْفاً ناجِعاً فِيهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ودَاوَيْتُها حَتَّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً، ... كأَنَّ عَليها سُنْدُساً وسُدُوسا
والدَّوِيُّ: الصَّوْتُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ صوتَ الرَّعْد، وَقَدْ دَوَّى. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ دَوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدْوِيَةً. ودَوِيُّ الريحِ: حَفِيفُها، وَكَذَلِكَ دَوِيُّ النَّحْلِ. وَيُقَالُ: دَوَّى الفَحْل تَدْوِيَةً، وَذَلِكَ إِذا سَمِعْتَ لهَدِيره دَوِيّاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالُوا فِي جَمع دَوِيِّ الصوتِ أَدَاوِيَّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وللأَدَاوِيِّ بِهَا تَحْذِيما
وَفِي حَدِيثِ الإِيمانِ:
تَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِه وَلَا تَفْقَه مَا يَقُولُ
؛ الدَّوِيُّ: صَوْتٌ لَيْسَ بِالْعَالِي كَصَوْتِ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ. الأَصمعي: خَلا بَطْني مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى سَمِعْتُ دَوِيّاً لِمَسامِعي. وسَمِعْتُ دَوِيَّ المَطر والرَّعْدِ إِذا سمعتَ صَوْتَهما مِنْ بعيدٍ. والمُدَوِّي أَيضاً: السَّحَابُ ذُو الرَّعْدِ المُرْتَجِس. الأَصمعي: دَوَّى الكَلْبُ فِي الأَرض كَمَا يُقَالُ دَوَّمَ الطائِرُ فِي السَّمَاءِ إِذا دَارَ فِي طَيَرانِه فِي ارْتِفَاعِهِ؛ قَالَ: وَلَا يَكُونُ التَّدْويمُ فِي الأَرض وَلَا التَّدْوِيَة فِي السَّمَاءِ، وَكَانَ يَعِيبُ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
حَتَّى إِذا دَوَّمَتْ فِي الأَرض راجَعَهُ ... كِبْرٌ، وَلَوْ شاءَ نجَّى نفْسَه الهَرَبُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَمِنْهُ اشْتُقَّت دُوَّامة الصَّبِيِّ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلا فِي الأَرض. أَبو خَيْرة: المُدَوِّيَةُ الأَرض الَّتِي قَدِ اختَلَف نَبْتُها فدَوَّت كأَنها دُوايَةُ اللَّبَنِ، وَقِيلَ: المُدَوِّيَةُ الأَرضُ الوافِرة الكَلإِ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا شيءٌ. والدَّايَة: الظِّئْرُ؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي قَالَ: كِلَاهُمَا عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ؛ وأَنشد لِلْفَرَزْدَقِ:
رَبِيبَة داياتٍ ثلاثٍ رَبَيْنَها، ... يُلَقِّمْنَها مِنْ كلِّ سُخْن ومُبْرَدِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما أَثبته هُنَا لأَن بَابَ لَوَيْتُ أَكثرُ مِنْ بَابِ قُوَّة وعييت.