المزهر في علوم اللغة وأنواعها النوع التاسع
والثلاثون
معرفة الملاحن والألغاز وفتيا فقيه العرب
والثلاثة متقاربة وفي النوع ثلاثة فصول
الفصل الأول
في الملاحن
وقد ألف في ذلك ابن دُريد تأليفا لطيفا وألف فيه أيضا ... .
وقد كانت العرب تتعمَّد ذلك وتقصده إذا أرادت التَّوْرية أو التعمية.
قال القالي في أماليه: قرأتُ على أبي عمر المطَرِّز قال: حدثني أحمد بن
يحيى عن ابن الأعرابي قال: أسرت طيىء رجلا شابا من العرب فقدم أبوه
وعمُّه ليفدياه فاشتطوا عليهما في الفداءفأعطيا به عطيَّة لم يَرْضوْها
فقال أبوه: لا والذي جعل الفَرْقَدين يُمْسِيان ويُصْبحان على جَبَلي
طيىء لا أزيدكم على ما أعطيتكم ثم انصرفا.
فقال الأب للعم: لقد ألقيتُ إلى ابني كُلَيمة لئن كان فيه خير
لَيَنْجُونَّ. فما لبث أن نجا وأطْرَد قِطعة من إبلهم.
فكأن أباه قال له: الزم الفَرْقدين على جبلي طيىء فإنهما طالعان عليهما
وهما لا يغيبان عنه.
قال ابن دريد في كتاب الملاحن: هذا كتاب ألفناه ليفزع إليه المجبَرُ
المُضْطََهد على اليمين المكره عليهافيعارض بما رسمناه ويضمر خلافَ ما
يظهر ليَسْلَم من عادية الظالم ويتخلَّص من جَنف الغاشم وسميناه
(الملاحن) واشتَقَقْنَا له هذا الاسم من اللغة العربية الفصيحة التي لا
يشوبُها الكدَر ولا يستولي عليها التكلف.
قال أبو بكر: معنى قولنا الملاحن لأن اللحن عند العرب: الفظنة ومنه قول
(1/442)
النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلَّ أحدَكم
أن يكون ألحن بحجته ... ) أي أفطن لها وأغوص عليهاوذلك أن أصل اللحن أن
تريد شيئا فتوري عنه بقولٍ آخر كقول العنبري وقد كان أسيرا في بكر بن
وائل حين سألهم رسولا إلى قومه فقالوا له: لا تُرْسل إلا بحضرتنالأنهم
كانوا قد أزمعوا غزو قومهفخافوا أن يُنْذرهم فجىء بعبدٍ أسود فقال (له:
أتعقلقال: نعم إني لعاقل: ما أراك كذلك فقال: بلى فقال: ما هذا - وأشار
بيده إلى الليل - فقال: هذا الليل.
قال: ما أراك عاقلا.
ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا. فقال: لا أدري وإنه لكثير قال:
أيما أكثر النجوم أم الترابقال: كلٌّ كثير.
قال) : أبلغ قومي التحية وقل لهم: لِيُكْرِموا فلانا - يعني أسيرا كان
في أيديهم من بكر فإن قومَه لي مكرمون وقل لهم: إنَّ العَرْفَج قد
أدْبى وقد شكت النساءوأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراءفقد أطالوا ركوبها
وأن يركبوا جملي الأصْهب بآية ما أكلت معكم حيساواسألوا الحارث عن
خَبرِي.
فلما ادى العبدُ الرسالةَ قالوا: لقد جُنَّ الأعور والله ما نعرف له
ناقة حمراءولا جملا أصهبثم سرَّحوا العبد ودعُوا الحارث فقصوا عليه
القصة فقال: قد أنذركمأما قوله: أدْبى العَرْفج: يريد أن الرجال قد
اسْتَلأَموا ولبسوا السلاح وقوله: شَكَّت النساء أي اتخذن الشكاء للسفر
وقوله: الناقة الحمراء أي ارتحلوا عن الدَّهْناء واركبوا الصَّمَّان
وهو الجمل الأصهب وقوله: أكلت معكم حيسايريد أخلاطا من الناس قد
غزوكملأن الحَيْس يجمع التمر والسمن والأَقِط.
فامتثلوا ما قال وعرفوا لَحْن كلامه واخذا هذا المعنى أيضا رجل كان
أسيرا في بني تميم فكتب إلى قومه شعرا: // من البسيط //
(حُلُّوا عن الناقة الحمراء أرحُلَكم ... والبازِلَ الأصهَب المعقول
فاصطنعوا)
(1/443)
(إن الذِّئَابَ قد اخضَرَّت بَرَاثِنُها
... والناسُ كلُّهم بكْرٌ إذا شَبِعُوا)
يريد أن الناس إذا أخصَبوا أعداء لكم كبَكْر بن وائل.
وقال أبو عبيدة في كتاب أيام العرب: أخبرنا فراس بن خندف قال: جَمَعت
اللَّهازِم لتُغيرَ على بني تميم وهم غارون فرأى ذلك ناشب الأعور بن
بشامة العَنْبري وهو أسيرٌ في بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن
ثعلبة فقال لهم: أَعْطُوني رسولا أُرْسِله إلى أهلي أُوصيهم في بعض
حاجتي وكانوا اشتروه من بني أبي ربيعة فقالت بنو سعد: ترسله ونحن
حضوروذلك مخافة أن يُنْذِر قومَه فقال: نعم فأرسلوا له غلاما مولدا
لهم.
فقال لهم لما أتوه به: أتيتموني بأحمق فقال الغلام: والله ما أنا بأحمق
فقال الأعور: إني أراك مجنونا قال: ما أنا بمجنون.
قال: فالنيران أكثر أم الكواكبقال: الكواكب وكلٌّ كثير.
وقال آخر: إنه قال له: والله ما أنا بأحمقفقال الأعور: إن لك لَعَينَي
أحمق وما أراك مبلغا عنيقال بلى لعمري لأُبَلِّغَنّ عنك فملأ الأَعور
كفه من الرمل.
فقال: كم في كفيقال: لا أدري وإنه لكثير لا أُحْصيه فأومأ إلى الشمس
بيديه فقال: ما تِلك قال: الشمس.
قال: ما أراك إلا عاقلا شريفااذهب إلى أهلي فأبْلغهم عني التحية وقل
لهم: لِيُحْسنوا إلى أسيرهم ويُكْرموه فإني عند قوم محسنين إلي مكرمين
لي وقل لهم: فَلْيعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيساءوليرعوا حاجتي
في بني مالك وأخْبِرهم أن العَوْسَج قد أوْرَق وأن النساء قد اشتكت
وليعصوا همَّام بن بشامة فإنه مشؤوم مَحْدود وليطيعوا هُذَيل بن
الأخنَس فإنه حازم ميمون.
فقال له بنو قيس: ومن بنوا مالك هؤلاءقال: بنو أخي.
وكره أن يعلَم القوم.
وزعم سليمان بن مزاحم أنه قال: وإذا أتيتَ أم قدامة فقل لها: إنكم قد
أسأتم إلى جملي الأحمر وأنْهَكْتُموه ركوبا فاعْفوه وعليكم بناقتي
الصَّهباء العافية فاقْتَعدوها.
فلما أتاهم الرسول فأبلغهم لم يَدْر عمرو بن تميم ما الذي أرسل به
الأعور وقالوا: ما نعرف هذا الكلام ولقد جُنّ الأعور بَعدنا.
(1/444)
فقال هذيل للرسول: اقتص علي أول قصته فقص
عليه أول ما كلمه به الأعور وما رجعه إليه حتى أتى على آخره.
قال هذيل: أبْلِغه التحية إذا أتيته وأخبره أنا نَسْتَوْصي بما أوْصى
به.
فشخص الرسول فنادى هذيل بلعنبرفقال: قد بين لكم صاحبُكم: أما الرملُ
الذي جَعلَ في يده فإنه يُخبركم أنه قد أتاكم عددٌ لا يُحصى وأما
الشمسُ التي قد أومَأ إليها فإنه يقول: ذلك أوضح من الشمس وأما جَملُه
الأحمر فهو الصمان وأما ناقته العَيْساء أو قال الصهباء فهي الدَّهناء
يأمركم أن تتحرَّزوا فيها وأما بَنو مالك فإنه يأمركم أن تُنْذِروهم ما
حذَّركم وأن تمسكوا بحلف ما بينكم وبينهم وأما إيراق العَوْسج فإنَّ
القوم قد أكتسوا سلاحاوأما اشتكاء النساء فإنه يُخبركم أنهن قد عملن
لهم عِجَلاً يَغْزُونَ بها والعِجَلَ: الرِّوايا الصَّغار.
وقال ابن دريد في الجمهرة والقالي في أماليه: قال صبيٌّ لأمه - وعندها
أُمُّ خِطْبه: يا أماه: أَأَدَّوِي.
فقالت: اللّجَام مُعلَّقٌ بعمود البيتتوري بذلك لئلا يستصغر وتُرِي
القوم أنه إنما سألها عن اللجام وأنه صاحب خَيْلٍ وركوب وهو إنما قَصَد
أخْذَ الدُِّواية وهي الجِلْدَة الرقيقة التي تَرْكَبُ اللبن يقال:
دَوَّى اللبن يدوي وأقبل الصبْيان على اللبن يدَّوُونه أي يأخذون ما
عليه من الجِلد.
ذكر أمثلة من ذلك:
قال ابن دريد تقول: والله ما سألت فلانا في حاجةٍ قط والحاجة: ضربٌ من
الشَّجر له شوك (والجمع حاج) .
وما رَأيتُه: أي ما ضَرَبْتُ رِئته.
ولا كلمته: اي جرحته.
(وما بطنت فلاناأي ضربت بطنه) .
ولا أعْلمته: أي ما جعلْتُه أعلم أي ما شققت شَفته العليا.
ولا أخذت منه (خفا ولا نعلافالخف من أخفاف الإبل والنعل: القطعة
الغليظة من الأرض.
وتقول: (والله ما أملك) كَلْباً وهو المسمار في قائم السيف.
ولا فَهْداً: وهو المِسمار في وَسَط الرَّحْل ولا جارية وهي السفينة.
(1/445)
ولا شَعِيرة: وهي رأس المسمار من الفضة.
ولا صَقْراً: وهو دِبْس الرطب.
ولا كسرت له سِنّاً:: وهي قطعة من العشب تتفرق في الأرض.
ولا ضِرْساً: وهي قطعة من المطر تقعُ مُتَفرِّقة في الأرض.
ولا خربت له رحى: وهو من الأضراس.
ولا لبست له جُبّة: وهي جُبة السنان وهو الموضع الذي يدخل فيه رأس
الرمح.
ولا كَتبْتُ من قولهم كتبت الإدواة وغيرها إذا خرزتها.
ولا ظلمت فلاناأي ما سقيته ظليماوهو اللبن قبل أن يَروب.
ولا أعرف لفلان ليلا ولا نهارافالليل: ولد الكروان والنهار: ولد
الحبارى.
ولا حماراوهو احد الحجرين اللذين تنصب عليهما العلاوة وهي صَخْرَة
رقيقة يجفف عليها الأَقِط.
ولا أتاناوهي الصَّخْرة تكون في بطن الوادي تسمى أتان الضَّحْل
والضَّحْل: الماء (الذي تَبين منه الأرض) .
ولا جَحْشَة وهي الصوف الملفوف كالحَلْقة يجعلها الرجل في ذراعه ثم
يغزِلها.
ولا دجاجة وهي الكبة من الغزل.
ولا فروجاوهي الدُّرَّاعة.
ولا بَقَرَة وهي العيال الكثير.
ولا ثوراوهو القطعة العظيمة من الأقط.
ولا عنزاوهي الأَكَمَة السوداء.
ولا سببت لفلان أُمّاً وهي أم الدماغ.
ولا جداوهو الحظ.
ولا خالاوهو السحاب الخليق للمطر.
(1/446)
ولا خالة وهي الأكمة الصغيرة.
ولا ضربت له يدا وهي واحدة الأيادي المصطنعة.
ولا رجلاوهي القطعة العظيمة من الجراد.
ولا أخبرتهأي ما ذبحتُ له خُبْرَة: وهي شاةٌ يشتريها قوم يَقْتسمون
بينهم.
ولا جلست له على حَصير: وهي اللَّحْمة المعترضة في جنب الفرس.
ولا أخذت له قَلوصاً: وهو فرخ الحبارى.
ولا كرْماً وهو القِلادة.
ولا رأيت سَعْداً: وهو النجم.
ولا سعيدا: وهو النَّهر يسقي الأرض منفردا بها.
ولا جعفرا: وهو النهر الكبير.
ولا رَبيعاً: وهو حظ الأرض من الماء في كل ربع ليلة أو ربع يوم.
ولا عَمراً: وهو واحد عُمور الأسنان.
ولا قَطَناً ولا أبانا: وهما جبلان معروفان.
ولا أوْساً ولا أُوَيْساً: وهما من اسماء الذئب.
ولا حَسَناً: وهو كثيبٌ معروف.
ولا سَهْلاً: وهو ضد الحزن ولا سُهيلاً: وهو نجمٌ معروف.
وما وَطِئت لفلان أرضا: وهو باطن حافر الفرس.
ولا أخذت له جرابا: وهو ما حول البئر من باطنها.
ولا بَيْضَة: وهي بَيضة الحديد.
ولا فَرْخاً: وهو فَرْخ الهامة وهو مستقر الدماغ.
ولا عَسَلاً: وهو عَدْوٌ من عَدْوِ الذئب.
ولا خَلاًّ: وهو الطريق في الرمل.
وما عرفت لكم طَريقاً: وهو النخل الذي يُنال باليد.
(1/447)
ولا أحْبَبْت كذا من قولك: أحَبَّ
البَعِيرُ إذا بَرَك فلم يَثرُ.
ولا أكْرَيْتُ: أي تأخرت.
ولا رأيت فلانا راكعا ولا ساجدافالراكع: العاثر الذي قد كبا لوجه
هوالساجد: المُدْمِن النظر في الأرض.
وما عند فلان نَبيذ: وهو الصبيُّ المنبوذ.
ولا أتلفت لفلان ثَمَرَة وهي طَرَف السوط.
وما رَوَيت هذا الحديث ولا دريتهفرويت: أي شَدَدت بالرِّواء وهو
الحَبْل ودَرَيته: أي ختلته.
ولا أخذت لفلان جوزاوهو الوسط.
ولا مسست له خداوهو الأخدود في الأرض.
ولا كسرت له ظفراوهو ما قدام معقد الوتر من القوس العربية.
ولا كسرت ساقَه وهو الذَّكر من الحمام.
وما أنا بصاحب مَكْر وهو ضرب من النبت.
ولا أخذت لفلان فَرْوة وهي جلدة الرأس.
ولا كشفت لفلانة قناعاولا عرفت لها وجهافالقناع: الطبق والوَجه: القصد.
وما لي مركوب وهو ثنية في الحجاز معروفة.
وما لي في هذا الكتاب خَطَّ وهو سِيف البحر.
وما لي فَرْش: وهو الصِّغار من الإبل.
وما رأيت لفلان بطنا ولا فخذاوهما من العرب.
وما لعبت: أي ما سال لُعابي.
وما جلست من قولهم: جلس فلانٌ إذا دخل الجَلْس وهو نَجْدٌ وما والاه.
وما عرفت لفلانة بعلا وهو النخل يشرب ماء السماء.
ولا زوجا: وهو النَّمَط طُرح على الهَوْدَج.
وما أبصرته: أي لم أقشر بُصْره والبُصْر: قشر أعلى الجِلد.
(1/448)
وما لي حمل: وهو سمكة من سمك البحر.
وما طرقت فلاناأي لم أضربه بمطرقة.
وما لي تين وهو جبل معروف قال النابغة الذبياني: // من البسيط //
(صُهبا فلما أَتَيَن التِّين عن عُرُض ... يُزْجِين غَيْماً قليلا ماؤه
شبما)
وفي نوادر ابن الأعرابي: كان عند امرأة رجلان يخطبانها وكان احدهما
أعجب إليها من الآخرفقال لهما أبوها: أيكما كان أسرعَ فَصْلاً للذراع
من العَضُد زَوَّجتُه إياها.
فقالت الجارية للذي تحب - ونظرت إليه: وابطناهأي اقلب العظمفإن مفصله
من قبل بطنه.
فقال أبوها: وابطنكواهوانك.
وفيها: قالت امرأة لصاحبة لها: انشري وأبشري أي انشري سُيُورك وشُدّي
بها الهودج.
فظنت أنها قالت لها: انشري وأَبْشري من البُشْرَى فأَسَرَت الهودج
بسُيُوره ولم تبشرها فلما طلبت أجرتها قالت: إنما أمرتك أن تبشري
السيور.
وقال القالي في أماليه حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: قال أبو العباس
ثعلب: ذكر أعرابيٌّ رجلا فقال: ما له لَمَجَ أمهفرفعوه إلى السلطان
فقال: إنما قلت مَلَجَ أمه.
قال ثعلب: لمَجَها نكحها ومَلَجها رضعها.
قال القالي: وقرأتُ على أبي عمر الزاهد عن أبي العباس: عن ابن الأعرابي
قال: اختصَم شيخان غنوي وباهلي: فقال أحدهما لصاحبه: الكاذب مَحَجَ أمه
أي جامع أمه فقال الغنوي: كذب: ما قلتُ له هكذا.
إنما قلتُ: الكاذبُ ملَج أمه يقال: ملج إذا رضع.
قال القالي يقال: مَحَجها ومَخَجها وهو مأخوذ من قولهم: مخجت الدلو في
البئر إذا حركتها لتمتلىء ونخجها أيضا
(1/449)
الفصل الثاني
في الألغاز
وهي أنواع ألغاز قصدتها العربُ وألغازٌ قصدَتها أئمة اللغة وأبيات لم
تَقْصد العرب الإلغاز بها وإنما قالتها فصادف أن تكون ألغازاوهي نوعان:
فإنها تارة يقع الإلغاز بها من حيث مَعانيها وأكثرُ أبيات المعاني من
هذا النوع وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدا حسناوكذلك ألف غيره
وإنما سموا هذا النوع أبيات المعاني لأنها تحتاج إلى أن يسأل عن
معانيها ولا تفهم من أول وَهْلة وتارة يقع الإلغاز بها من حيث اللفظ
والتركيب والإعراب ونحن ذاكرون من كل نوع من هذه الأربعة عدة أمثلة على
غير ترتيب:
فمن الأبيات التي قصدت العربُ الإلغاز بها.
قال القالي في أماليه أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو
العباس ثعلب: // من الكامل //
(ولقد رأيت مطية معكوسة ... تمشي بكلكلها وتزجيها الصبا)
(ولقد رأيت سبيئة من أرضها ... تسبي القلوب وما تنيب إلى هوى)
(ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ... تثنى معطفة إذا ما تجتلى)
(ولقد رأيت جواريا بمفازة ... تجري بغير قوائم عند الجرا)
(ولقد رأيت غضيضة هركولة ... رود الشباب غريرة عادت فتى)
(ولقد رأيت مكفرا ذا نعمة ... جهدوه في الأعمال حتى قد ونى)
قال ثعلب: أراد بالمطية: السفينة.
وبالسبيئة: الخمر.
وبالخيل: تصاوير في وسائد.
وبالجواري: السَّرَاب.
وبالمكفر السيف.
(والغضيضة الهركولة: امرأة) وقوله: عادت فتى: من العيادة.
وقال القالي: حدثني أبو بكر بن دريد: أن أبا حاتم أنشدهم عن أبي زيد:
// من الطويل //
(وزَهرَاء إن كَفَّنْتُها فهْوَ عَيْشُها ... وإن لم أكفِّنْها فموتٌ
مُعَجَّل)
(1/450)
يعني النار وهي زهراء أي بيضاء تزهريقول:
إن قدَحْتُها فخرجت فلم أُدْرِكها بخرْقة أو غير ذلك ماتت.
وقال القالي: قرأت على ابي عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم:
// من الكامل //
(أَلْقَتْ قَوائمَها خَساً وتَرَنَّمَتْ ... طَرَباً كما يَتَرَنَّمُ
السَّكْرَان)
يعني القِدْر (وقوائمها) : الأثافي (وخسا) : فَرْد.
وأنشد الجوهري في الصحاح: (من الوافر)
(وما ذَكرٌ فإنْ يَكْبُر فأُنثى ... شديدُ الأَزْمِ ليس بذي ضُرُوس)
قال: هو القُرَاد لأنه إذا كان صغيرا كان قرادا فإذا كبر سمي حَلَمة.
وأنشد الجوهري - على أن الأُدعية مثل الأحجية: // من الطويل //
(أُدَاعيكَ ما مُسْتَحْقَباتٌ مع السُّرَى ... حِسانٌ وما آثارهنَّ
حِسان)
قال: يعني السيوف.
وفي الصحاح قال الكميت: // من الوافر //
(وذات اسمَين والألوانُ شتَّى ... تُحَمَّق وهي كَيِّسة الحَوِيل)
أراد الأنوق وقال ذات اسمين لأنها تسمى الأنوق والرَّخمة وأراد بقوله:
كيسة الحَويل: أنها تحرز بيضها فلا يكاد يُظْفَر به لأن أوكارها في
رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة وهي تحمق مع ذلك.
وفي المثل: (أعزُّ من بَيْض الأَنُوق) .
(1/451)
وفي الصحاح: قال الراجز: // من الرجز //
(يا عَجَباً للعَجَب العُجابِ ... خَمسةُ غِرْبانٍ على غُرابِ)
غرابا الفرس والبعير: حرفا الورِكين اليمنى واليسرى اللذان فوق الذنب
حيث التقى رأس الورك.
وأنشد ابن الأعرابي في نوادره: // من الوافر //
(وحاملة ولم تحمل لِحينٍ ... ولم تلقحْ وليس لها حَلِيل)
(أتمت حملَها في نصف شهرٍ ... وحمْلُ الحاملاتِ أَنى طَويل)
(أتت بعصابة ليست بإنسٍ ... ولا جنٍّ فكيف بهم تقول)
(إذا ولدت تباشر كلَّ حي ... وإن ماتت فباكِيها قليلُ)
قال ابن الأعرابي: أراد أن يُعَمِّي وأراد المثانة يعني الذي يعضه
الكلب الكَلِب فيسقى دواء فيخرج من ذكره شبيه بالجِراء.
وأنشد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأضداد لأبي داود الإيادي: //
من الخفيف //
(رب كَلْب رأيته في وثاق ... جُعل الكَلْب للأمير جَمالا)
(رب ثور رأيتُ في جُحْر نمل ... وقَطَاة تحمِل الأثقالا)
وقال: الكلْب الحلقة التي تكون في السيف والثور: ذكر النمل.
وفي شرح المقامات لسلامة الأنباري: مما يتحاجون به قول أبي ثروان في
أحجية له: // من الرجز //
(ما ذو ثلاثٍ آذانْ ... يسبقُ الخيل بالرَّدَيانْ)
يعني السهم.
(1/452)
وقال ابن درستويه في شرح الفصيح: أنشد
الخليل لأبي مقدام الخزاعي: // من الخفيف //
(وعجوزا رأيتُ باعت دجاجا ... لم تُفَرّخْن قد رأيتُ عُضَالاَ)
(ثم عاد الدَّجاج من عَجَب الدَّهْر ... فَرَاريجَ صِبْيةً أَبْذَالا)
وقال: يعني دجاجة الغزل وهي الكُبّة أو ما يخرج عن المغزل ويعني
بالفراريج الأقبية.
وفي المشاكهة للأزدي قال بعضهم: // من الكامل //
(وأشعث كفار غدَا وهو مُؤْمِن ... وراح ولم يُؤْمِن برب محمد)
قوله: مُؤمِن يقال: أيْمن الرجل يُؤْمن فهو مُؤْمن: أتى اليمن.
ومن أبيات المعاني قول حسان رضي الله عنه: // من الطويل //
(أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبي أتى في ظلمة الليل هاديا)
فيقال: سواه: غيره فكأنه قال فلم نعدل غيره بغيره والجواب أن الهاء في
غيره للسوى فكأنه قال: فلم نعدل سواه بغير السوى وغير سواه هو نفسه
عليه الصلاة والسلام فكأنه قال: فلم نعدل سواه به كذا خرجه الإمام جمال
الدين بن هشام.
قال الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة سماها عمل من طب لمن حب: ولا
حاجة إلى هذا التكلف فإن سواه في هذا البيت بمعنى نفسه نص على ذلك
الأزهري في التهذيب وأنشد عليه البيت ونقله عنه وأقره عليه الشيخ جمال
الدين ابن مالك في كتاب المقصور والممدود.
ومن أبيات المعاني قول الأول في رجل طفيلي: // من البسيط //
(أراك تظهر لي ودا وتكرمني ... وتستطير إذا أبصرتني فرحا)
(1/453)
(وتستحل دمي إن قلت من طرب ... يا ساقي
القوم بالله اسقني قدحا)
ومن أبيات المعاني قول ابنُ دُريد أنشدني أبو عثمان الأشنانداني: // من
الطويل //
(ومحجوبة أزْعَجْتها عن فِراشها ... تحَامَى الحوامي دونها والمناكب)
(وخفاقة الأعطاب باتت معانقي ... تُجاذِبني عن مِئْزَري وأُجاذَب)
قال الأشنانداني: يصف عُقاباً صعد إلى موضع وكرَها.
والحوامي: أطراف الجبل.
والمناكب: نوَاحي الجبل.
والخفاقة: يعني الريح.
يقول: رَبأ لأصحابه فالرِّيح تُجاذِبه عن مئزره وهو يجاذبها.
وأنشد أيضا: // من الطويل //
(وشَعَثاءَ غَبْرَاء الفروع مُنِيفة ... بها تُوصَفُ الحسناءُ أو هي
أجْمَلُ)
(دعوتُ بها أبناءَ ليل كأنهم ... وقد أبصروها - مُعطِشون قد انْهلوا)
قال أبو عثمان: يصف ناراجعلها شَعْثاء لتفرق أعاليها كأنها شعثاء الرأس
وغبراء يعني غبرة الدخان وقوله: بها توصف الحسناءفإن العرب تصف الجارية
فتقول: كأنها شعلة نار وقوله: دعوت بها أبناء ليلي يعني أضيافا دعاهم
بضوئها فلما رأوها كأنهم من السرور بها معطشون قد أوردوا إبلهم.
ومن أبيات المعاني قول الراعي: // من الكامل //
(قتلوا ابنَ عفان الخليفة مُحْرِماً ... وَدَعا فلم أرَ مثله
مَخْذُولا)
روى العسكري في كتاب التصحيف: أن الرشيد سأل أهلَ مجلسه عن هذا البيت
فقال: أي إحرام هذافقال الكسائي: أراد أنه أحْرم بالحج.
فقال الأصمعي: والله ما أحرم ولا عَنى الشاعر هذا ولو قلت: أحرم دخل في
الشهر الحرام كما يُقال: أشهر: دَخل في الشهر كان أشبه.
قال الكسائي: فما أراد بالإحرامقال: كل من لم
(1/454)
يأتِ شيئا يستحل به عقوبته فهو مُحْرم
خبرني عن قول عدي بن زيد: // من الرمل //
(قتلوا كسرى بليلٍ مُحْرماً ... فتولَّى لم يُمتَّع بكَفَنْ)
أي إحرام كان لكسرى فسكت الكسائي: فقال الرشيد: يا أصمعيما تطاقُ في
الشعر.
وفي أمالي الزجاجي في البيت قولان: أحدهما: المحرم الممسك عن قتاله
قاله أبو العباس المفضل بن محمد اليزيدي.
فقيل للمفضل: أعندك في هذا شعر جاهليقال: نعم أنشدني محمد بن حبيب
لأخضر بن عباد المازني وهو جاهلي: (من)
(فلست أراكم تُحْرِمون عن التي ... كَرِهْتُ ومنها في القلوب نُدُوب)
والثاني: أن المراد في الشهر الحرام لأنه قتل في أيام التشريق وبه
جَزَم المبرد في الكامل.
وفي الغريب المصنف قال الأصمعي: أحْرَم الرجل فهو محرم إذا كانت له ذمة
وأنشد البيت.
وقال ابن خالويه في شرح الدريدية أنشدني أبو عبد الله بن خوشيريد عن
أبي حنيفة الدينوري قال أحسن ما قيل في أبيات المعاني قول الشاعر: //
من المتقارب //
(إذا القوسُ وترها أيِّد ... رمى فأصاب الذُّرا والكُلى)
(فأصْبَحْتُ والليلُ مُسْحَنْكِك ... وأصْبَحْتِ الأرضُ بَحْراً طَما)
يريد بالقوس: قَوْس السماء الذي تقولُ له العامة قوس قزح وترها أيد:
يعني الله تعالى رمى أي بالمطر فأصاب ذرا الجمال وكلاها.
فأصبحت: أي أسرجت المصباح والليل مُسْحَنْكِك: أي شديد السواد وأصبحت
الثاني من الصباح والأرض بحر طما من كثرة المطر.
(1/455)
وقال ابن دريد قال الشاعر يصف ظليما: // من
الوافر //
(على حت البراية زمخري السواعد ... ظَلَّ في شَرْيٍ طِوَالِ)
أراد حتا عند البُرايَة أي سريعا عند ما يبريه من السَّفر والحت البعير
السريع السير الخفيف وكذلك الفرس والزَّمخري: الأجوف والسواعد: مجاري
المخ في العظام في هذا الموضع وخالف قومٌ من البصريين تفسير هذا البيت
فقالوا: يعني بعيرا.
فقال الأصمعي: كيف يكون ذلكوقبله: // من الوافر //
(كأنَّ مُلاءتيَّ على هِجَفٍّ ... يَعِنُّ مع العَشِيّة للرِّئالِ)
وقال ابن دريد أنشدني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي: // من الوافر //
(أتاني عن أبي أنس وَعِيد ... ومعصوب تخُبّ به الركاب)
(وعيد تَحْدِج الآرام منه ... وتكره بُنَّةَ الغنم الذئاب)
قال ابن خالويه: سألت ابن دريد عن معنى هذا البيت.
فقال: تأويله أن هذا الرجل يوعد وعيدا لا يقدر على فعله أبدا ولا حقيقة
له كما أنَّ الظباء لا تخْدِج ولم تَر قط ظبية خُدجت وكذلك أيضا كون
هذا الوعيد محالا كما أنه محال أن تكره الذئاب رائحة الغنم كذا في
حاشية كتاب الجمهرة وذكر أنها نقلت من حاشية بخط الزجاجي.
ومن الأبيات التي وقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب: قال
القالي في أماليه أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس
ثعلب للفرزدق: // من الطويل //
(يُفَلّقْن ها مَنْ لم تَنَلْه سُيوفنا ... بأسيافنا هامَ الملوك
القماقمِ)
(1/456)
قال ثعلب: ها حرف تنبيه ومن استفهام قال
مستفهما: مَنْ لم تنله سيوفنا وتقدير البيت: يفلقن بأسيافنا هام الملوك
القماقم.
قال أبو بكر وسمعتُ شيخنا يعيبُ هذا الجواب ويقول: يفلقن هاماجمع
هامَةٍ وهامُ الملوك مردُودٌ على (هاما) كقوله تعالى {إلى صِراطٍ
مُستقيم صِراطِ الله} .
(قال أبو علي رحمه الله: فاحتججتُ عليه بقوله: لم تَنَلْهُ وقلت: لو
أراد الهامَ لقال: لم تنلها لأن الهام مؤنثة لم يُؤْثر عن العرب فيها
تذكير ولم يقل أحدٌ منهم: الهامُ فَلَقْتُه كما قالوا: النخلُ قطعتُه
والتذكير والتأنيث لا يعمل (فيه) قياساإنما يُبنى فيه على السماع
واتِّباع الأثر.
ومن ذلك قوله: // من الخفيف //
(عافتِ الماءَ في الشتاء فقلنا ... برِّديه تُصادفيه سَخِينا)
فيقال: كيف يكون التبريد سببا لمصادفته سخيناوجوابه أن الأصل بلْ رِديه
ثم كتب على لفظ الإلغاز.
ونظيره قول الآخر: // من الكامل //
(لما رأيت أبا يزيد مقاتلا ... أدعَ القتالَ وأشهد الهيجاء)
فيقال: أين جواب لماوبم انتصب أدعوالجواب أن الأصل لن ما ثم أُدْغمت
النون في الميم للتقارب ووُصِلا خطا للإلغاز ولن هي النَّاصبة لأدع.
وروى أن رجلا أنشد البيت الأول لأبي عثمان المازني فأفكر ثم أنشده: //
من الرمل //
(أيها السائلون لي عن عَويصٍ ... حار فيه الأفكار أن يَسْتبينا)
(1/457)
(إن لاما في الراء ذات إدغامٍ ...
فافْصِلْهَا ترى الجوابَ يقينا)
وحكى ابنُ الأنباري في كتاب الأضداد هذا القول عن المبرد ثم حكى قولا
ثانيا عن بعضهم أن معنى بَرِّديه: سَخِّنيه وأن برد من الأضداد.
ويقرب من البيت في هذه اللفظة قول عمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة:
// من الوافر //
(مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فيها ... إذا ما الماء خالَطَها سَخِينا)
فقال ابن بري: يعني أنَّ الماء الحار إذا خالطها اصفرت وكان الأصمعي
يذهب إلى أنه من السخاءلأنه يقول بعده: // من الوافر //
(تَرَى اللَّحِزَ الشحيح إذا أُمِرَّت ... عليه لمالِه فيها مهينا)
ومن ذلك قوله: // من الطويل //
(أقولُ لعبد الله لما سِقاؤنا ... ونحنُ بوادي عبد شمس وهاشم)
(على حالة لو أن في القوم حاتما ... على جُوده لضَنَّ بالماء حاتم)
(1/458)
معنى البيت أقول لعبد الله - لما سقاؤنا
وَهي أي ضَعُف ونحن بهذا الوادي - شم أي شم البرق عسى يعقبه المطر
وقرينة هاشم لعبد شمس أبعدت فهم المراد.
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا الرِّياشي عن
العمري عن الهيثم قال قال لي صالح بن حسان: ما بيتٌ شَطْرُهُ أعْرابي
في شَمْلة والشَّطْر الآخر مخنث يتفككقلت: لا أدْري.
قال: قد أَجَّلْتُك حَوْلاً.
قلتُ: لو أَجَّلْتني حولين لم أعرف قال: أُفٍّ لك.
قد كنت أحْسَبُك أجْوَدَ ذِهْنَاً مما أرى قلت: ما هوقال: أما سمعت قول
جميل: // من الطويل //
(ألاَ أيها النُّوَّامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا)
أعْرَابيّ في شمْلة ثم أدركه اللين وضَرَعُ الحبِّ فقال:
(نُسَائِلكم هَلْ يَقْتُلُ الرجلَ الحبُّ)
كأنه والله من مُخَنَّثي العقيق.
وقال القالي حدثنا أبو بكر حدثنا أبو عثمان الأُشْنانْدَاني قال: كنا
يوما في حلقة الأصمعي إذ أقبل أعرابي (يرفل في الخزوز) فقال: أين
عميدكمفأشرنا إلى الأصمعي فقال: ما معنى قول الشاعر: // من المنسرح //
(لا مَالَ إلاَّ العِطَافُ تُوزرُه ... أُمُّ ثلاثينَ وابْنَةُ
الجَبَلِ)
(لا يَرْتَقِي النَّزُّ في ذَلاَذِلهِ ... ولا يُعَدِّي نَعْلَيْه عن
بَلَلِ)
قال: فضحك الأصمعي وقال: // من المنسرح //
(عُصْرَتُه نُطْفَةٌ تَضَمنَّهَا ... لِصْبٌ تَلَقَّى مَوَاقِعَ
السَّبَلِ)
(أو وَجْبَةٌ من جَناةِ أَشْكَلَةٍ ... إن لم يُرِغْها بالقَوْس لم
تُنَلِ)
قال: فأدْبر الأعرابي وهو يقول: تالله ما رأيت كاليوم عُضْلَة ثم
أنشدنا
(1/459)
الأصمعي القصيدة لرجلٍ من بني عمرو بن كلاب
- أو قال: من بني كلاب.
قال أبو بكر: هذا يصف رجلا خائفا لجأ إلى جبل وليس معه إلا قوسُه
وسيفُه والسيف: هو العطاف.
(وأنشدنا: // من الطويل //
(لا مال إلاَّ عِطافٌ ومِدْرَعٌ ... لكم طَرَفٌ منه حديدٌ ولي طَرَفْ)
(وأم ثلاثين) يعني كنانة فيها ثلاثون سهماوابنة الجبل: القوسلأنها من
نَبْع والنبع لا ينْبتُ إلا في الجبال.
ومعنى البيت الثاني: أنه في جبل لا نزَّ فيه يتعلق بأذياله ولا بلل
يصرف نعليه عنه.
والعُصْرَة: المَلْجأ.
والنُّطْفة: الماء.
واللِّصْب: كالشق يكون في الجبل.
وتَلَقَّى: قَبِل.
والسَّبَل: المطر.
والوَجْبَة: الأكْلة في اليوم.
والجَنَاة: ما اجْتُني من الثمر.
والأَشْكلة: سِدْر جَبَلي لا يطول.
فصل - وأما إلغاز أئمة اللغة فالأصل فيه ما قاله أبو الطيب في كتاب
مراتب النحويين: حدثنا عبد القدوس بن أحمد حدثنا أحمد بن يحيى قال
حدثني جماعة عن الأصمعي عن الخليل قال: رأيتُ أعرابيا يسأل أعرابيا عن
البلصوص ما هوفقال: طائر.
قال: فكيف تجمعه. قال: البَلَنْصَى.
قال الخليل: فلو ألغز رجل فقال: // من البسيط //
(ما البَلَصُوص يَتْبَعُ البَلَنْصَى)
كان لغزا.
ومن محاسن الألغاز ما رأيت في ديوان رسائل الشريف أبي القاسم على بن
الحسين المصري من تلامذه أبي أسامة اللغوي جمع تلميذه عبد الحميد بن
الحسين قال: لوما مَضَتْ أيام من مقامه بواسط حضره في جملة من كان
يَغْشَاهُ لمشاهدَةِ فَضْله وبراعة أدبه عند انتشار ذِكْره رجلٌ يُعرف
بأبي منصور بن الربيع من أهل الأدب وأحضره قصيدة قد بُنيت على السؤال
عن ألفاظ من اللغة على جهة الامتحان لمعرفته وهي: // من مجزوء الكامل
//
(يا أفضل الأدباء قولا ... لا تعارضه الشُّكوكْ)
(1/460)
(وابن الجحاجحة الذين ... نمت مساعيهم
ملوك)
(لا العلم ناب عن جحاك ... إذا نطقت ولا تروك)
(عرضت مسائل أنت للفتوى ... بمشكلها دروك)
(ما الحي والحيوت أو ... ما جلبح نضو بروك)
(أم ما ترى في برقَع ... رقشاء محصدها حبيك)
(أم ما الصرنقح والرزيز ... وما الملمعة النهوك)
(ولك الدراية ما البصيرة ... في مداحيها السهوك)
(وأبن لنا ما خطمط ... أبدا بأمرغه معيك)
(أم ما اغتنانة فوهد ... فيه الملامة لا تحيك)
(أم ما ترى في مطرهف ... حبه حب نهيك)
(أم ما تقلب قلفع ... في كف عكموز تحيك)
(أم ما توقل هبرج ... يرتب مرسنه هلوك)
(ولرب ألفاظ أتتك ... وفي مطاويها حلوك)
(فارفق بنشرك طيها ... وانظر بذوقك ما تلوك)
(هذا وقد لذمت فؤادي ... خرمل هرط ضحوك)
(دعكنة نظرنة ... في خيس غانطها شبوك)
(تغدو وخربعها المذيل ... في طرائفه سدوك)
(وأراك مالك مشبه ... فيما علمت ولا شريك)
(حقا لقد حزت العلوم ... حيازة العدم الضريك)
نسخة الجواب
كتبه لوقته مُقْتِضباً واستنابني فيه محررا:
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نحمدك على تمْحِيص البَلوَى كما
نعوذُ بك من إطغاء النِّعما ونَسْألك أن تجعل ثوابَ أقلِّ حسناتنا
لدَيك كما نسألك أن توجِّهَ بعوائد الشكر وسائلَنا إليك ونَرْغَبُ إليك
في حُسن المعرفة بعيوبنا من
(1/461)
مَعْصِيتك كما نَسْتَوْهبك غضَّ الأبصار عن
عيوب إخواننا في طاعتك ونَسْترْزقك إلهاما لما في العَبَثِ من تضييع
الأصول ولما في سرعان القَوْلِ من عِصْيان العقول ونجتدي فَضْلك أن
تسلمنا وتسلم منا وتشغلنا بعبادتك وتشغلنا أهل الخَطَل عنا متوجهين
بإخْلاص اليقين والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
وقفتُ على ما كتبتَ به وذكرتَ أن بعض أهل الأدب كلفك المسألة عنه
وأعلمتني توجه ظنك في إبانة مُشكله وإيضاح سُبُله وتأملتُه فوجدتُه
شعرا لا أحب أن أقول في صناعته شيئا مشتملا على ألفاظٍ من حوشي اللغة
لا يتشاغلُ بمثلها أهل التحصيل ولا يتوفر على طلبها إلا كل ذي تأمل
عليلٍ لخروجها عما ينفعُ في الأديان ويعترض في تفسير القرآن ولمباينتها
ما تجري به المذاكرة وتُسْتَخدم فيه المحاورة وزاد في عجبي منها
صدورُها عن النطيحة وفيها من الأستاذ الفاضل أبي القاسم هبة الله بن
عيسى أدام الله تأييده بحر الأدب الذي عَذُبت مواردُه وشِهاب العلم
الذي التهبت مَطالِعُه وري العقول الظماءوطب الجهل المستفحل
الداءوالباب الذي يفتح عن الدهر تجربة وعلماوالمرآة التي تتصفح بها
أوجه الأنام إحاطة وفهما.
وبعد فهو الرجلُ الذي سلَّم له أهلُ بلده أنه شعلة الذكاءووارث محاسن
الأدباءوملتقى شُذَّان العلوم وقاطعُ تجاذب الخصوم فإن كان الغرضُ - في
هذه الأبيات الخِرابِ المقْفِرةِ من الصواب - طلبَ الفائدة فقد كان يجب
أن يُناخَ عليه بمُثْقلها ويقصدَ إليه بمعضلها فعنده مفتاحُ كلِّ مسألة
مُقْفَلة ومِصْباح كل داجية مُشكلة بل لستُ أشكُ أن هذا السائل لو
جاوره صامتا عن استخباره وعكف على ذلك الجناب كاتما لِما في طيِّ
مضماره لأَعْداه رِقّة نسيم أرَجه وهذَّب خواطره التقاطُ فرائد لَفظِه
ولهَدَاه قُرْبه منه من ضَلالته ولشفاه دنوه منه من جهالته حتى يغنيَه
الجوار عن الجور والاقتراب عن رجع الجواب وحتى يعودَ مُلْهَماً ينطق
بالحكمة ولو لم يقصد إظهارها ويجيب عن المسائل ولو لم يعرف أصولها
واستقرارَها.
هذا إن كان يريد الفائدة وإن كان قصدَ الامتحان للمسؤول وتعرض لهذا
الموقف المدخول فذلك أعجبكيف لم يتأدَّب بآدابه الصالحة ويَعْشُ إلى
هدايته الواضحة ويعلم أن هذا خُلُق أهْوَج ومَذْهبٌ أعْوَج وسجية لا
تليقُ بأهل العلم ولا يؤثر مثلها عن ذوي النظر الصحيح والحزموكيف لم
يعلم هذا القريض المتكلف بما أعطاه الله تعالى من سعادة مُكاثرته وساقَ
إليه من بركة صحبتهإن
(1/462)
هذا القريض - كما قال المخزومي لعبد الملك
بن مروان وقد لقيه في طريق الحج بعد ما أنكره وكرهه فقال: بئست التحيةُ
من ابن العم على النَّأْي - وهذا لعمري بئست تحيةُ الغريب من القاطنين
ولَؤُمَت هَديَّة الوافد من المقيمينوقد كان حق الغريب أن يكثَّر
قليلُه ويسدَّد زَيْفه ويثبَّت زَلَله ويُعار من معالي الصفات ما
يُؤْنِسُ غُرْبته ويصدق مخيلته ويعلم أن قد حلَّ على أشباه القعقاع بن
شور الذين لا يَشْقَى بهم جَليس ولا يذُمّ دخلتهم أنيس ولا يزورهم نازح
الدار إلا سَلا عن وَطنِه ولا يسكن إلى قربهم شاكٍ لنَبْوَة الحظِّ إلا
صلح ما بينه وبين زَمَنِه إلى أن يبدوا عن تباينه ويجثوا عما وراء ظهره
يأخذوا بعادة أهل الأثر ويحملوا نفوسهم معه على ما في الجواب من
الغَرَر.
على أن هذا الطارئ عليهم رجلٌ كان أرَبه من العلم ما فيه حظُّ نَفْسِه
وتهذيب خلائقه والاقتداءُ بهذه الآداب الزاكية على تقويم أوَده
والاستعانة بقليل هذه الحكم المصلحة على إصلاح فكرهم خدوما بالعلم لا
خادماومتبوعا بملح غرائب الآداب لا نابعاوعلى أنه لو كان قد احتبى
للجدال وركب للنِّزال وتحدَّى بعلمه تحدِّيَ المعجز وتعرَّض لكافَّة
العلماء تعرض الواثق المتحرز لما كان في غروب كلماته من حوشيِّ اللغة
عن فهمه ما يدل على قصر باعه وقلة متاعه.
ويا عجبا للفراغكيف سوَّغ لهذا المغتر أن يجاريَ بحَلَق دِرعه تقسم
أفكاريوكيف أنساه اجتماع شمله بعد دياريوكيف أذهله حضور أحبته عن مغيب
أفلاذ كبديوكيف طرفت ناظره سكرة الحظِّ عن تضور ما يجن خلديوكيف لم
يدرِ ما لي من ألْحاظٍ مقسمة وظنون مرجمة لم والتفات إلى ولدٍ ينتهب
الشوق إليه تصبري وينبه الإشفاق عليه حذريوكيف لم يخطرْ بباله أني
قريبُ عَهْدٍ بمحلٍ عز وثروة كانا أوحشاني من الأكفاءوخلطاني بين
الأعداء والأصدقاء.
وقد تكلفت الإجابة عما تضمَّنَتْه الأبيات انقيادا لمُرادك ومُقْتَسراً
رأَيي على إسعادك أجرُّ أقلامي جرا وهن ثواكل وأنبِّه قرائحي وهن في
غمرات الهموم ذَواهل وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
قال هذا السائل: إن المسؤول دَرُوك لتلك الفَتْوى ومستحقٌّ بها الرتبة
العليا.
فقال شيخ من شيوخنا - عزفته لنا الأيامُ عن كل فات فوفَّت وزادت
وعوَّضَتْناه من كل مُخْتَرم فأحسنَت وأفادت وكان لحظَ الأبيات قبلي
ولاءَم مشكله في التعجب منها مشكلي: أن (دَروكاً) هاهنا لا يجوزلأن
فعولا لا يكون من أفعل.
(1/463)
قال: ولو جازَ هذا لجاز حسون وجَمُول ونعوم
من أحسن وأجمل وأنعموما نحبُّ استيفاء القول في هذا الزَّلَل ولا
نستفتح كلامنا بالمناقشة في هذا السهو الخطلولعل القائل وهم حَمْلاً
على قراءة حَفْص {في الدَّرْك الأسْفَل مِنَ النار} فظنَّ أن الدَّرك
بوزن فَعْل وأن فعْلاً مصدر فَعَل يَفْعَل ولم يجعله من الدَّرَك لأن
الفتحَ عندهم لا يخفف فلا يقولون في جمل جملوذهب عليه أنه قد يكون اسما
مبنيا مثله وإن لم يكن مخفَّفاً منه كما قالوا دِرْكة ودركة: في حَلْقة
الوَتَر التي تقع في فُرْض القَوْس فخفَّفوا وحرَّكوا.
وعلى أنهمَا لو كانا مصدرين لجاز أن يجيئا على الشُّذوذ ولا يُحْمل
عليهما ما يُبنى من الفعللأن الشذوذ ليس بأصل يُقاس عليه ولعله اغترَّ
بقولهم دراك ودراك أيضا شاذلأنهم قد نقلوا أفْعل يُفْعِل.
وهو قليل فقالوا: فطّرتُه فأفْطَر وبَشَّرته فأبْشَر فجاء على هذا
دركته فأدركقال سيبويه: وهذا النَّحْوُ قليل في كلامهم أو لعله ذهب إلى
قولهم: دَرَاك مثل نَزَال فظن أنه يقال منه دَرّاكِ كما يقال: مَناعِ
ونَزالِ من مَنَع ونزل وذهب عنه أنه قد جاء الرّباعيُّ في هذا الباب
كما قالوا قَرْقارِ وعَرْعارِ في معنى قَرْقَر وعَرْعَر فأما الفرق بين
الرباعي والثلاثي فهو أن سيبويه يرى إجازة فعال في موضع فعل الأمر في
الثلاثي كله ويمنعه في الرباعي إلا مسموعا.
وقال غيره من النحويين: بل هما ممنوعان إلا مَسموعين واعتمد سيبويه في
الفَرق على كثرة ما جاء في الثلاثي وقلة ما جاء في الرباعي.
أو لعله أصغى إلى قول الراجز: // من الرجز //
(إن يكشف اللَّه قناع الشك ... بظَفَرٍ إذا بحاجتي ودَرْكِ)
(فهو أحق مَنزل بترْك)
(1/464)
فذهب إلى أن دروكا مصدر ولم يعتمد أنه قد
قرئ: {في الدَّرك الأسفل من النار} أو لعله علق بسَمْعِه قول العتبي:
// من الطويل //
(إذا قلت أوفي أدركته دروكة ... فيا موزع الخيرات بالعُذْر أدركْ)
وما أعرف له أقوى حجة منه أو لعله أراد بقوله دروك فعولا من الدرك وهي
لغية لبعض الأمم تكلمت بها العربُ.
ثم بدأ السائل فسأل عن الحِيّ والحَيّوت ولم أقف على صحة سُؤَاله لأني
وجدتُ الأبيات مكتوبة بخطٍ يئن سقماويتخيل بأبي براقش تصحيفا وتغيرا
فإن كان سأل عن الحِيّ بكسر الحاء فقد أنشد أهل العلم قول العجاج: //
من الرجز //
(وقد نرى إذا الحياة حِيُّ ... وإذْ زَمَانُ النَّاس دَغْفَلِيَُّ)
فقالوا: الحي: الحياة وأو جمع الحياةَ فأما كونه بمعنى الحياةَ فوزنُه
على فعل فيجوز على مذهب سيبويه أن يكون وزنه فعل وهكذا مذهبه في قِيل
ودِيل وعلى مذهب الأخفش لا يكون وزنُه إلا فُعْل لأنه لو كان وزنهُ على
فَعل لجاء به على حي.
قال الأخفش: وإنما أجزتُ ذلك في الجمع لثقل الجمع وخفَّة الواحد
وسيبويه يرى كسر أوله لأجل الياء وثقلها على كل حال فأما إذا كان جمعا
فهو شاذ إن حملناه على فُعْل وأشذ شذوذا إن جعلناه فَعْل لأنه قد جاء
في الجموع فُعْل مثل عُوط وإن كان جمع عائط فإن الفاعل والفَعل
يتجاوران ويتقاربان لأنهما مصدر واسم فاعل لفعل واحد ولأن فَعْلاً قد
يقع موقع فاعل فيقال للعادل: عَدْل وللزائر: زورفهذا من شذوذ الجمع على
أي وَجْهيه كان ومعنى الشِّعر يتوجه على أن يكونَ الحِيّ بمعنى الحياة
أكثر وأقوى كما تقول: إذ الزمان زَمان وإذ الناسُ ناس فإذا جعلناه في
موضع الأحياء كان كأنا قلنا: إذ الإنسانيةُ ناس وإذ الفتوة فتيان وهو
بعيد.
(1/465)
وسأل عن الحيُّوتِ وهي الحية وزنه فعلوت
والتاء فيه زائدة وكثيرا ما تزاد خامسة مثل عِفريت وهو عِفْرِي.
وسأل عن الجِلْبِح وهي العجوز الكبيرة وأنشد: // من الرجز //
(إني لأَقلِي الجِلْبِحَ العجوزا ... وأَمِقُ الفَتِيَّة العُكْمُوزا)
وسأل عن بِرْقع وهي السماء الدنيا وأنشدوا لأمية بن أبي الصلت // من
الكامل //
(وكان بِرْقَع والملائكَ حَوْلَها ... سَدِرٌ تَوَاكلَه قوائم أَرْبَع)
وسأل عن الصَّرَنْقَح وهو الشديد الخالص ولا يكون فعنلل إلا وصفا لا
يجيء اسماكذا قال سيبويه ومَنْ بَعده من أهل العلم قال جران العود: //
من الطويل //
(وليسوا بأسواء فمنهن رَوضة ... تهيج الرِّياح غَيْرُها لا يَصَوّح)
(ومنهن غُلٌّ مُقْفَلٌ لا يفكه ... من القوم إلا الشَّحْشَحَان
الصَّرَنْقح)
وسأل عن الرِّزيز وهو الذكي المتحرك وكان شيخنا أبو أسامة يخالف جميع
اللغويين فيه فيقول: هو الزَّرير.
قال: ومنه اشتق اسم زُرارة وقول أبي أسامة أصحُّ على مذهب سيبويه لأن
سيبويه يحتج على ما فاؤه ولامه معتلتان بعلَّّة ما فاؤه ولامه مِثْلان
من الحروف الصِّحاح نحو قلق ونحوه فزَرير على هذا يكون فاؤه ليست مثلَ
لامه ويدخلُ في باب رد وكروهو أكثر عند سيبويه وأوسع أيضا.
وأما المُلَمَّعة فهي الفَلاَة التي يَلمَعُ فيها السراب ومثلٌ من
أمثالهم: (أكذبُ من يَلمع) وهو السَّراب ومنه الألمعي وكأنه تَلْمع له
العواقب لدقّة فظنته فأما اللوذعي فالذي كأنه يتلذع من شدة ذكائه وكل
مفعلة من اللمع ملمعة.
(1/466)
ويقال: ألْمَعت الوحشيَّة وغيرها إذا بان
لضرعها صقال وبريق باللبن فيه قال الأعشى: // من الخفيف //
مُلْمِعٍ لاَعَةِ الفُؤَاد إلى جَحْشٍ ... فَلاَه عنها فبئس الفالِي)
ويقال: لاَعَةٌ فعلة ومذكرها لاع.
وفي الحديث: (هَاعٍ لاَعٍ) مبنية من شدة تأثير الحُزن في القلب فكأنه
مأخوذ من اللَّوْعة وقيل: بل لاعة بوزن فاعلة كأن الأصل لاعية من اللعو
وهو أشد الحِرْص وبين الخليل وجماعة من النحويين في هذا خلف لا نحبُّ
الإطالة بذِكره.
واما قوله: النَّهوك فليس يحتاج النَّهوك ولا النهيك والنَّهاكة إلى
تفسيرٍ لظهور أمره.
وسأل عن البصيرة وهي التُّرْس قال الأشْعَر الجُعْفيّ - وليس بالأشعر
المازني: // من الكامل //
(رَاحُوا بصائرُهم على أكْتافهم ... وبصيرتي يَعْدُو بها عتد وأى)
وقالوا: البصيرة: الدم ومعنى البيت على هذا أنهم أخذوا الديات ولم آخذ
فركبت يعدو بي فرسي لطلب الثأركما قالوا: إنما أركض بحاجتك ويكون هذا
مشبها لقولهم: // من الوافر //
(غدا ورداؤه لَهِق حجير ... ورُجْتُ أجر ثَوْبَي أرجوان)
(كِلانا اختار فانظرْ كيف تبقَى ... أحاديثُ الرجال على الزّمانِ)
والبصيرة في غير هذا الموضع: الحق قال الشاعر: // من الكامل //
(ونقاتل الأبطال عن آبائنا ... وعلى بَصائرنا وإن لم نبصر)
(1/467)
أي على الحق والباطل ومسلمين وكفارا.
والمداحي: مفاعل من الدَّحْو والدحو معروف يريد به البسط والدحو أيضا:
النكاح وأنشد: // من المتقارب //
(لما دَحاها بمَتلّ كالصَّقْب ... وأوغفته مثل إيغاف الكَلْبِ)
أي تحركت تحته.
والسَّهوك: فعول من السَّهَك ويقال: ريح سَهُوك وسَيْهُوج وسَيْهَج:
إذا كانت شديدة المرور قويَّة الهبوب وسَيْهوك وسَيْهوج: ثابتان
وسَيْهك وسيهج: قليلان لم يثبتهما جميعُ أصحابنا.
وسأل عن الخطمط وهو كالكُحْكُح: الشيخُ الكبير.
والمَرْغُ: الرِّيق يقال: (أحْمَقُ ما يَجْأَى مَرْغَه) أي ما يمسك
ريقه.
والمَرْغُ: التراب في غير هذا.
وقوله: مَعِيك فَعيل بمعنى مفعول من المَعْك وهي اللَّيّ.
وسأل عن الفوهد.
فالفوهد والثوهد هو الغلام الممتلئ شباباوأنشدوا: // من الرجز //
(لمحت فيها مُطْرَهِفّاً فَوْهَدَا ... عِجْزَةَ شَيْخَينِ غُلاماً
أمْرَدَا)
وسأل عن المُطْرَهِفّ وهو كالمُطْرَهِم في الشباب.
وقد مضى ذِكره في البيت المُنْشَد قبيل والميم فيه بدل من الفاء.
وبين أهل اللغة والنحو خُلْف في الحد الذي يسمى الإبدال ليس هذا موضعه
وليعقوب فيه كتابٌ معروف ولصاحبنا أبي الطيب اللغوي فيه كتاب عشرة
أمثال كتاب يعقوب فإنه جاء به على حروف المُعْجَم فأما المُكْرَهِفّ
بالكاف وإن كان لم يسأل عنه لكنَّا ذكرناه لئلا يقعَ لَبْس به فهو (من
الشعر) المشرف الظاهر.
(1/468)
وسأل عن القِلْفِع وما كنتُ أُحبُّ له أن
يدلَّ على قصور عِلْمه بكون مثل هذه اللفظة وما تقدم من أشباهها من
جملة الحُوشيّ عنده وهو الطين الذي ينقلع عن الكمأة وفيه خُلْف يقال:
قِلْفِع وقِلْفَع والصحيح قلفِع وبه قال أبو أسامة.
وسأل عن العكموزوهي الفتاة التَّارَّة وقد تقدم الشاهد عليه.
وقال: تحيك ومعناه تتبختر وأنشد يعقوب وغيره: // من الرجز //
(جارية من شَعْبِ ذِي رُعَيْنِ ... حَيَّاكَة تمشي بعُلْطَتيْن)
(قد خَلَجَتْ بحاجِبٍ وعَيْن ... يا قَوْم خَلّوا بينها وبيني)
(أشَدَّ ما خُلّيَ بَين اثْنينِ)
حيَّاكة: فَعَّالة من الحَيْك وهو التَّبَخْتر.
وسأل عن الهَبْرَج وهو من صفة بَقر الوحش قال العجاج: // من الرجز //
(يتبعن ذَيَّالاً مُوشَّى هَبْرَجا)
وقال: يرتب يفتعل من ربَّ الأمر أي أصْلَحه أو من أرَبّ إذا لازم على
أن يفتعل من أفعل قليل.
والمَرْسِن: موضع الرسن.
والهلوك إن كان أرادَ به الفاجرة لأنها تتهالك في
(1/469)
مِشْيتها أي تتمايل وتتهادى وأصله أنها
تميلُ على أحدِ جانبيها كالضعيف الهالك الذي لا يستطيع تماسكاوذلك
لحسْنِ دلها وتأود خطرتها فجائز فيه وإن كان أراد من هَلَك فهو من
بدائعه وإن كان أراد من أهلك فهو أبدع وأغرب.
ولذم بالمكان وألْذَم مثل لَزم وألْزَم فإن الذال فيه بدل من الزاي على
مذهب أهل اللغة لا النحويين فتقول أهل اللغة: إن العربَ تقول في الأرنب
(حُذَمَةٌ لُذَمَة تسبق الجميع بالأكمةِ) يعني تلزم العدو ورجل
لُذَمَة: لا يفارق البيت.
وذكر الخِرْمِل وهي في الأصل: المرأة الفاجرة في قول بعضهم. وقال
آخرون: هي الحمقاءقال المزرد: // من الكامل //
(فطوَّف في أصحابه يستبينهم ... فآب وقد أكْدَت عليه المسائلُ)
(إلى صِبْيَةٍ مثل السعالي وخِرْمِل ... رَواكِد من شرِّ النساء
الخَرَامِل)
والهِرْط: النَّعجة المسنة والهَرْط في غير هذا والهرْد السوء يقال:
يَهْرِط عِرْضَه ويهْرِده ومثل الخِرْمل الخِذْعل والخَزَنْبَل.
وسأل عن الضَّحُوك وهو فَعول من الضَّحِك وهو العَسَل وهو الغدير
الصافي وهو طَلْع النَّخْل والثَّلْج.
وقال: دِعْلِنة أو دِعْكِنة والصحيح فيه بالكاف وهو السمن والقوة وهذا
مما لا يسأل عنه لأن جميع ما زيدت فيه النون في هذا الموضع يدل لفظه
على اشتقاقه كما يدل سِمْعَنّة ونِظْرَنّة على السمع والنظر ودِعْكِنَة
من الجلادة كأنه من الدعك فاما نظرته فهو من النظر وأنشدوا: // من
الرجز //
(إن لنا لكنه ... معنة مفنه)
(1/470)
(سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّه ... ما لا تَرَه
تَظُنّهْ)
(كالذئب فوق القنه)
ويروى سمعنة نظرتة بضم أولهماوهو مشهور.
وذَكر الخِيْسَ وهو الغابة وأصلُه من التخييس لِلُزُوم الأسَدِ له
والخِيْسُ في غير هذا الموضع: اللحية قال الشاعر: // من الخفيف //
(فاتَه المجدُ والعلاء فأَضْحَى ... يفرج الخِيْسَ بالنَّحِيت
المفْرِج)
والنحيت: المشْط.
وذكر الغانظ وهو الفاعل من الغَنْظ وهو الكرب.
وقال عمر بن عبد العزيز في ذكر الموت:
غَنْظٌ ليس كالغَنْظ وكظٌّ ليس كالكَظِّ.
وهما الكَرْب ويقال: غَنَظته وأغْنَظته.
وشَبوك: فَعُول من التَّشبيك والجُزَيْعَة: القليل من كل شيء.
والمذيك: المتبذل والطرائف: الأيدي والأرجل: قال الهذلي: // من الطويل
//
(ويحمل في الآباط بيضا صوارما ... إذا هي صالت بالطَّرائف قَرّت)
والسدوك: لا أُومن به يقال سدك سدكافإن جاء فيه سدوك فشاذ قليل وهو
اللزوم.
هذا ما حضرنا من القولِ بخاطرٍ عند اللَّه عِلمُ تشعبه وتذكر قد
أبْعَدت الأيامُ تذاكر تعليقاته وكتبه فإن كان صوابا فبتوفيق اللَّه
تعالى لنا وباطِّلاعه على حُسن النية مناوإن كان زَلَلاً فغير ضائر ولا
مُستنكر إن شاء اللَّه تعالى.
ولولا أننا لا نَنهى عن خُلُقٍ ونأتي مثله ولا نأمرُ بمعروف ونخالف
فعله لسألنا مستفيدين ولقلنا متعلمين ثرالما فيه من شفاء البيان لا
نظمالما فيه من التَّعاصي والطُّغيان فسألنا من اللغة - إِن كانت عنده
مهما كما قال السائل - عن العَلافق بالعين فإنه بالغين معروف وعن
المِرَضَّة بكسر الميم فإنه بفتحها معروف وعن هند لا مضافا إلى
الأَحامس فإِنه بالإضافة معروف.
(1/471)
وعن شكري بضم الشين فإنه بفَتحها معروف.
وعن الزئير فإنه بالنون معروف.
وعن الدُّقْرورة فإن الدِّقْرَارة بالألف معروف.
وعن اشتقاق قولهم: أفناء الناسِ لا على أن فِعَال يجمع على أفعال وإن
كان فيه على هذا الوجه كلام ولكنه معروف.
وعن الحرَج في الأسماء فإنه في المصادر معروف.
وعن الوَغد لا في صفة الرجل الساقط فإنه معروف.
وعن الورون بالواو فإنه بالياء معروف.
وعن ربقة وهل الصحيح فيه بالباء أو بالنونوما الحجة علي كل واحد منهما.
لا في معنى الجِنْس فإنه على هذا الوَجْه معروف.
وكم في الكلام أفعل اسمافإنه في الصِّفات معروف.
وما النَّاق غير جمع ناقةٍ ولا ترخيمها فإنه فيهما معروف
وما اختلاف أهل اللغة في عِفْرِية لا على ما قاله أبو عبيد فإنه معروف
وما الفهد في الناسفإنه في الحيوان معروف.
وما الشاهدُ على جواز أصْلخ فإنه بالحاء معروف
وما فعلٌ من الخماسي يجري مجرى ألْفَج فهو مُلْفج في فتح ما يجب كسره
من اسم فاعله غير الرباعيات المذكورة فإن باب تلك معروف
(1/472)
وما الصحيح في الجَوْشَن هل الحاء أو الجيم
أو الخاءوما الشاهد على كل منها لا نسأل عن التفسير بل عن الصحيح من
الثلاثة والشاهد عليه فإن التفسير معروف.
وما قول تفرَّد به ابنُ الأعرابي في القَوْس لم أجد أحدا نقله غيره
وما قول تفرد به ابن دريد في الشُّقَّارَى خالف فيه النَّحويين لم يقله
غيره
وما قول تفرد به ثعلب في الزلاقة والبرادة لم يقله غيره
وما قول تفرد به ابن التيمي في التنفيذ لم يقله غيره
وما قول تفرد به أبو عمرو بن العلاء في اليَد لم يقله غيره
وما قول تفرد به خالد في وزن طاقة لم يقله غيرههذا إن كانت اللغة عنده
مهما.
فإن قال: إن النحو هو المهم قلنا له: أرْشدَك اللهفما جمع أفْعلة أغفله
سيبويه ولم يلحقه بكتابه أحد من النحويينوهل ذلك الجمعُ إن كنت عارفا
به مطَّرداً ومحمول على مجانسه في اللفظوعلى أي شيء خفض (وقيله يارب)
في قراءة حفص لا على ما أوْرده أبو علي الفارسي فإنه لم يَسْلُك فيه
مذهبَه في التَّدْقيق
ولم مَنَع سيبويه من العطف على عاملين وهو في سورة الجاثية بنصب
(1/473)
(آيات) ورفعه لا يتَّجه إلا عطفا على
عاملينفإن كان أخطأ وأصاب الأخفش فمن أين زلوإن كان أصاب فكيفَ يجوزُ
له مخالفةُ الكتاب
وهل قولُ سيبويه في النسبة إلى أمية أموي بفتح الهمزة صوابٌ أم سَهْو
واستمرَّ عليه وعلى جميع النحويين بعدَه
ولم قيل معدي كربولم تحمل الياء في لغة من أضاف ولا من جعله اسما
واحدالا على ما أورده النحويون فلهم فيه أقاويل مسطورة
وهل مذهبُهم في أن هُدَى وسُرَى مصدران صحيح أم لا
وهل يوجد فعل زائد على ما ذكره سيبويه واستدركه الأخفش عليه أم لا
وكم حرف يوجد إن وجد
وهل بِيض في قولهم: حمزة بن بيض علم أم لاوما معناه في اللغة ووزنه في
النحومقيسا لا مسموعاعلى ما ذكرناه نحن في هذه الرسالة
ولم اختاروا أنْ مع عَسى وكرهوها مع كادَ.
فإن قال: لست أتشاغل بعلوم المعلمينوإنما آخذ بمذهب الجاحظ إذ يقول:
علمُ النسب والخبر علم الملوك.
قلنا له: فمَنْ أبو جلدة فإن أبا خلدة معروف
وما العاصوما اشتقاقهفإن العاص معروف ومَن جِنسه بالتخفيف لا بالتشديد
مفتوح الأول فإنه بالتشديد وضمِّ أوله معروف
(1/474)
ومن معدي كرب غير صاحب: // من الوافر //
(أمِن رَيْحانة الدَّاعي السَّمِيع)
فإن هذا معروف.
وما اسمُ امرئ القيس على الصحة لا على الظاهروعلى أن في اشتقاقِه كلاما
طويلا فإنه معروف.
ومن شهل غير الفند الزمانيفإن الزِّمَّانيّ معروف.
ومن شَهْم بالشين فإنه بالسين معروف
ومن الزُّبير غير الأسدي واليهودي فكلاهما معروف
ومن الزَّبير بفتح الزاي فإنه بضمِّها على ما قدمناه معروف
ومن القائل: // من الطويل //
(وقافية لججتها فرددتها ... لذي العرش لو نهنهتها قطرت دما)
أرَجُل أم امرأة
وهل صفية الباهلية قلب أم مولاة
وهل المستشهد بشعر في الغريب المصنف أبو مُكَعِّب أو أبو مكعث بالباء
أو التاءوفي أي زمان كانوأيهما كان اسمه ومن أي شيء اشتقاقُه
ومن النطف الذي يضرب به المثل
ومن العكمصوما أسأل عن تفسيره فإنه في اللغة معروف.
ومن ذو طِلاَل بالتشديد فإنه بالتخفيف معروف وكذلك ذو ظلال
(1/475)
وما خوعي فإن خوعي معروفوهل أخطأ ابن دريد
في هذه اللفظة أو أصاب
وما تقول في عَدْنان غير الذي ذكره مولى بني هاشم فإنه معروفوهل يخالف
فيه أم لا
وهل حبيب والد ابن حبيب العالم رجل أم امرأة وهل هو لِغيَّة أو لرِشْدة
ومن أجمد بالجيم فإنه بالحاء كثير
ومن زبد بالباءفأما زند بالنون فمعروف.
ومَن روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (لا يمنع جار
جاره أن يجعل خشبة في حائطه) فقال خشبة واحدة وقالوا كلهم: خشبهُ
مضافا.
ومن يُكْثر ذكر الحَضْرمي في شِعر من العرب
والنَّبيذُ هذا المشروب هل كان معروف الاسم أم لا عند العرب
ومن روى عن ظِئْر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنها قالت
في شاتها وكانت لا تعدي أحدا وما معناه
ومن تَفَرَّد من أهل العلم بنصرة ذي الرمة وتغليط الأصمعي في تغليطه في
قوله:
(إيه عَن أمِّ سالمِ) .
لا على ما قاله النحويون من التعريف والتنكير فإن ذلك معروف.
(1/476)
ومَن قال في المتنبئة أنها سَجَاح مثل
قطامومن قال سَجَاحٍ مثل غَمَامٍ غير مبني.
ولم سمي خليد الشاعر عيسى
ومن عمي الذي تنسب إليه الصكة فيقال: صكة عميوهل ذكر في شِعْر. ومَن
ذَكره
ومن غَوِيّ الذي تنسبُ العربُ إليه الضلال
ومن ذكره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آلهوما كرب
المنسوب إلى معدي كرب.
وهل أصابَ المبرد في نسبة الأبيات الجيمية: // من الخفيف //
(لما دَعا الدَّعوةَ الأولى فأَذكرني ... أخذت بُرْدَيَّ واسْتَمْرَرتُ
أدْراجي)
أم خطأ
فإن قال: إنه صاحبُ آثار وراوي سننِ وأحكام قلنا له: ما معنى قول رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله (مِنْ سعادة المرء خِفّة عارضَيه)
وهو صلى الله عليه وسلم وعلى آله لم يكنْ خفيفَ العارضين لا على ما
فسره المبرَّد فإنه لم يأت بشيء.
وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله (تسحَّروا فإن في السَّحور
بركة) ونحن نراه ربما هاض وأتْخَم وضر وأَبْشم
وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وعلى آله (اتقوا النار ولو بشق
تمرة) ولو سرق سارق جلة تمْر فتصدَّق بنصفها كان مستحقا للنار عند
المسلمين
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (لا تزال الأنصار يقلون وتكثر
الناسَ) ولو شِئنا لعَدَدْنا أشخاصهم أكثر مما كانت في البادية والحضر.
(1/477)
وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله
وأصحابه: (إنَّ امرأَ القيس حامل لواء الشعراء إلي النار) وهل ثبت هذا
الخبر أم لاولم قال: (إن من الشعرِ لحِكمة) ثم قال صلى الله عليه وسلم
وعلى آله: (أوتيت جوامعَ الكلم) فهل تخرج الحكمة من جوامع الكلم
فإن قال: إنما أفنيتُ عمري في القرآن وعلومه وفي التأويل وفنونه.
قلنا: إذا يكون التوفيق دليلُك والرَّشاد سبيلك صِفْ لنا كيف التحدي
بهذا المعجز ليتم بوقوعه الإعجازوأخبرنا عن صفة التحدِّي هل كانت
العربُ تعرفه أم كان شيئا لم تجر عادتها بهوكان إقصارها عنه لا لِعَجْز
بل لأنه التماس ما لم تجر المعاملة بينهم بِمثله ثم نسأل عن التحدِّي
هل أوفى بمعارضَة بانَ تقصيرُها عنه أو لم يلق بمعارضة ولكن القوم
عدلوا إلى السيف كما عدل المسلمون مع تسليمه ولم يُعارضوه به.
ثم نسأل عن قول اللَّه تعالى {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}
وفيه من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ما لا يكون أشدَّ اختلافا
منه.
ثم نسأل عن قوله تعالى: {وغَرَابِيبَ سُودٍ} .
وما معنى هذه الزيادة في الكلام والغرابيب هي السود.
فإن قال: تأكيد فقد زل لأن رجحان بلاغة القرآن إنما هو بإبلاغ المعنى
الجليل المستوعب إلى النفس باللفظ الوجيز وإنما يكون الإسهاب أبلغ في
كلام البشر الذين لا يتناولون تلك الرتبة العالية من البلاغة على أنه
لو قال تأكيد لخرجَ عن مذهب العرب لأن العرب تقول أسود غِرْبيب وأسود
حلكوك وحالك فتقدم السواد الأشهر ثم تؤكده وهو الآية تخالفُ ذلك وإذا
بطل التأكيد فما المعنى
وما معنى قوله تعالى {فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفَ مِنْ َفْوقِهِمْ}
وهل يكون سقفٌ من تحتهم فيقع ليس يحتاج إلى ايضاحه بذكْر فوق ونحوه:
يخافون ربهم من
(1/478)
فوقهم) (النحل: 50) وهل لهم ربٌّ من تحتهم.
وما معنى قوله فوق هاهناوهل يدل على اختصاص مكان
وما معنى قوله عز وجل {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أو هُوَ أَقْرَبُ} وما هذا
الأقربوما معنى قوله تعالى {فَهِيَ كَالْحِجَارةِ أَوْ أَشَدُّ
قَسْوَةٍ} وهل شيءٌ أشد قَسْوة من الحجارة
وما مَعنى قوله: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} وهل بعد قوله: (إلهين) إشكال
بأنهم أربعة فنستفيد بقوله اثنين بيانَ المعنى
وما معنى قوله تعالى: {وَمنْ دَخَله كَانَ آمِناً} وقد رأينا الناسَ
يُذبحون بين الحِجْر والمقام في الفِتن التي لا تخلو منها تلك البلاد.
وما معنى قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُما فَتُذَكِّر إحْدَاهُما
الأُخْرَى} وما الفائدة في ذكر إحداهما الأخرى ولو قال تعالى: فتذكرها
الأخرى لكان أوجز وأشبه بالمذهب الأشرف في البلاغة.
وما معنى قوله تعالى: {أوْ يَأْخُذُهُمْ عَلَى تَخوّف فَإنّ رَبَّكُمْ
لَرَؤُوفٌ رَحِيْمٌ} ومن أين تُناسبُ الرأفة والرحمة هذا الأخْذَ
الشديد على التخوف الذي يقتضي العفوَ والغُفران
وعلى أن هذا السائل لو سأل عن الصناعة التي أنا بها مُرتَسِم ولشروطها
ملتزم لا في الترسل فإني ما صحبت بها ملكاولكن في صناعة الخراج لكان
يجب أن يقولَ لي: ما الباب المسمى المجموع من الجماعة وأين موضعه
منهاوأي شيء يكون فيه ولا يحسن ذِكره في غيره وأن يقول: ما الفائدةُ في
إيراد المستخرج في الجماعة. ومِن كم وَجْهٍ يتطرق الاختلال عليها
بالغاية منهاوأن يقولَ: ما الحكُم في متعجل الضمان قبل دخول الضامن.
وأي شيء يجب أن يوضع منه إذا أراد الكاتب الاحتساب به للضَّامن من
النفقات وخلصه من جاري العملوفيه أقوال تحتاجُ إلى
(1/479)
بحث ونظر.
وأن يقول: إن عاملا ضمن أن يرفع عَمله بارتفاع مال إلا أنه لم يضمن
استخراجَ جميعه وضمن استخراجَ ما يزيد على ما استخرج منذ خمس سنين وإلى
سنته بالقسط كيف يصح اعتبار ذلكففيه كمين يحتاج إلى تقصيه وتأمله.
وأن يقول: لم يقدم المبيع على المستخرج والمبيع إنما هو من المستخرج
وكيف يصحُّ ذلك. وأن يقول: كم من موضع تتقدم الجمل على التفصيلوفي أي
موضع لا يجوز إلا تأخيرها عنهوأن يقول: أي غلط يلزم الكاتبوأي غلط لا
يلزمهوأن يقول: متى يجبُ الاستظهار له في صِناعةِ الكتابة ومتى لا يجوز
الاستظهار لهوأن يقول: متى يكون النقص في مال السلطان أشد في صناعة
الكتابة من الزيادة وليس يعني نقص بالارتفاع مع العَدْل وعاجل زيادته
مع الجَوْر فذلك ما لا يُسْأَل عنه وأن يقول ما باب من الارتفاع إذا
كثر دلَّ على قلةِ الارتفاع وإذا قل دل على كمال الارتفاعوأن يقول: متى
يكون مشاهدة الغلط أحسن في صناعة الكتابة من عدمهوأن يقول: كم نسبة
جاري العمل من مبلغ الارتفاعوأول من قرره ورتبهوأن يقول ما رُتْبتان من
رُتَب الكتابة إذا اجتمعتا لكاتب بطل أكثر احتساباتهوأن يقول هل يطَّرد
في جميع أحكام الكتابة حملها على مناسبة أحكام الشريعة أم لاوهل كان
يذهب إلى هذا أحد من متقدمي الكتابوما الحجة فيهوبالله التوفيق.
الفصل الثالث
في فتيا فقيه العرب
وذلك أيضا ضربٌ من الألغاز وقد ألَّف فيه ابن فارس تأليفا لطيفا في
كراسة سماه بهذا الاسم رأيته قديماوليس هو الآن عندي فنذكر ما وقع من
ذلك في مقامات الحريري ثم إن ظَفِرت بكتاب ابن فارس ألحقتُ ما فيه:
قال الحريري في المقامة الثانية والثلاثين: قال الحارث بن همام:
أَجْمَعْتُ حين قضيتُ مَناسِكَ الحج وأقمت وظائف العَجِّ والثَّجِّ أن
أقصدَ طَيْبَة مع رُفْقَةٍ من بني شَيْبَة لأزورَ قبرَ النبيِّ
المُصْطفى وأخْرُج من قبيل مَن حجَّ وجَفا فَأُرْجِفَ بأنَّ المسالِك
شاغِرَة وعرَبَ الحرَمَيْن متشاجرة فحرت إشْفاقٍ يُثَبِّطُني وأََشواق
(1/480)
تُنَشِّطُني إلى أنْ أُلْقي في رُوعي
الاسْتِسْلاَم وتغليبُ زيارةِ قبرِ النبي عليه السلام فأَعْتَمْتُ
القُعْدَة وأعْدَدْتُ العُدَّة وسِرْت والرُّفْقَةَ لا نَلْوي على
عُرْجَة ولاَنني في تأْويب ولا دُلْجَة حتى وافينا بني حَرْب وقد آبُوا
من حَرْب فأَزْمَعْنا أنْ نُقَضِّيَ ظلَّ اليوم في حلة القوم وبينما
نحن نتخير المناخ ونرد الوِرْدَ النُّقَاخ إذ رأيناهم يَركُضُون كأنهم
إلى نصب يوفضون فرابنا انثيالهم وسألنا ما بالهمفقيل: قد حضَر نادِيَهم
فقيهُ العرب فإهْرَاعُهم لهذا السبب.
فقلت لرُفْقَتي: ألا نشهَدُ مَجمَعَ الحيِّ لنتبين الرشد من
الغيفقالوا: لقد أسْمَعْتَ إذْ دعوتَ ونصحت وما ألَوْتَ.
ثم نهضنا نَتَّبع الهادي ونَؤُمُّ النَّادي حتى إذا أظْلَلْنا عليه
واستَشْرَفْنا الفقيهَ المَنْهودَ إليه ألفيته أيا زَيْدٍ ذا الشُّقَر
والبُقَر والفَواقِر والفِقَر وقد اعتم الفقداء واستمل الصماءوقعد
القرفصاءوأعيان الحيِّ به مُحْتَفون وأَخْلاَطُهُم عليهم مُلتَفّون وهو
يقول: سَلوني عن المُعْضِلات واستوضحوا مني المُشْكِلات فو الذي فطر
السماءوعلم آدم الأسماء إن لفقيهُ العرب العَرْباء وأعلمُ مَن تحت
الجَرْباء فصََمدَ له فتى فَتيقُ اللسان جَرِيُّ الجَنان فقال: إني
حاضَرْتُ فقهاء الدُّنيا حتى انْتَخَلْتُ منهم مائة فُتْيا فإن كنتَ
ممن يَرْغَبُ عن بنات غير ويرغب منا في ميرفاستمع وأجب لتُقابَل بما
يجب. فقال: اللَّه أكبر سَيبينُ المَخْبَر وينكشف المُضْمَر فاصدعْ بما
تُؤْمَر فقال ما تقول فيمن توضأثم لمس ظهر نعلهقال: انتقضَ وُضوؤه من
فِعلِه.
قال: فإن تَوضَّأ ثم أتكأه البردقال: يجدد الوضوء من بعد (البرد:
النوم) قال: أيمسح المتوضئ أنثييهقال: قد نُدِبَ إليه ولم يجب عليه.
(الأنثييان: الأذنان) .
قال: أيجوز الوضوء مما يقذفه الثعبانقال: وهل ماء أنظف منه للعُرْبان.
قال: أيستباح ماء الضريرقال: نعم.
ويُجْتنَب ماءُ البَصير
(1/481)
قال: أيحل التطوف في الربيعقال: يكره ذلك
للحدث الشنيع.
قال: أيجبُ الغُسْل على من أمنى قال: لاولو ثَنّى.
قال: فهل يجب على الرجل غسل فروتهقال: أجل وغسل إبْرَته قال: أيجب عليه
غَسْل صحيفتهقال: نعم (كغسل شفته) .
قال: فإن أخلَّ بغَسْل فأسهقال: هو كما لو ألغى غَسْل رأسه.
(قال: أيجوزُ الغُسْلُ في الجِراب قال: هو كالغُسْل في الجِباب قال فما
تقول فيمن تيمم ثم رأى رَوْضاً قال بَطَل تَيَمُّمه فليتوضأ.
قال: أيجوزُ أن يسجدَ الرجل في العَذِرة قال: نعم.
ولْيُجانِب القَذِرة.
قال: فهل له السجود على الخلافقال: لاولا على أحد الأطرَاف.
قال: فإن سَجَد على شِماله قال لاَ بأْس بِفعاله قال أَيُصَلَّى على
رأس الكَلْب قال نعم كسائر الهَضْب.
قال: فهل يجوز السجود على الكراعقال: نعم دون الذِّراع.
قال: أيجوزُ للدارس حِملُ المصاحفقال: لاولا حملُها في الملاحف) .
قال: ما تقولُ فيمن صَلى وعانَتُه بارزَة. قال: فصلاته جائزة.
قال: فإن صلى وعليه صومٌ. قال: يُعيد ولو صلى مائة يوم.
قال: فإن حَمل جِرْواً وصلَّى قال: هو كما حَمل باقِلَّى.
قال: أتصح صلاة حامل القروة قال: لاولو صلَّى فوق المَرْوَة.
قال: فإن قَطَر
(1/482)
على ثوب المصلي نجوقال: يَمضي في صلاته ولا
غَرْو.
قال: أيجوزُ أن يؤم الرجال مقنعقال: نعم (ويؤمُّهم) مُدَرَّع.
قال: فإن أمَّهم مَنْ في يده وقفقال: يُعيدون ولو أنهم أَلْف.
قال: فإن أَمَّهم مَن فَخذُه بادية قال: فَصَلاته وصلاتُهم ماضيَة. قال
فإن أمهم الثور الأجمقال: صَلِّ وخلاك ذم.
قال: أيدخلُ القَصرُ في صلاة الشاهدقال: لا والغائبِ الشاهد.
قال: أيجوزُ للمََعذور أن يفطر في شهر رمضانقال: ما رُخِّصَ فيه إلا
للصِّبيان.
قال: فهل للمعرس أن يأكل فيهقال: نعم بملء فيهقال: فإن أفْطَر فيه
العُرَاة قال: لا تُنكِر عليهم الوُلاة.
قال:: فإن أكل الصائِم بعدما أصبحقال: هو أحْوط له وأصْلح.
قال: فإن عَمَد لأن أكل ليلاقال: يُشَمِّر للقضاء ذَيْلاً.
قال: فإنْ أكل قبل أن تتوارى البيضاءقال: يلزمه واللَّه القَضاء.
قال: فإن اسْتثار الصائمُ الكيدقال: أفطر ومَن أحَلَّ الصيد.
قال: فهل يفطر بإلحاح الطابخقال: نعم لا بِطاهي المطابخ.
قال: فإن ضَحِكت المرأة في صومهاقال: بطلَ صومُ يومها.
قال: فإن ظهر الجُدَريّ على ضَرَّتها قال: تُفْطر إن آذن بمَضَرَّتها.
قال: ما يجب في مائة مصباح
(1/483)
قال: حِقّتان يا صاح.
قال: فإن مَلَك عشر خناجرقال: يُخْرج شاتين ولا يُشَاجر.
قال: فإنْ سَمح للساعي بحميمتهقال: يا بُشرَِى له يوم قيامته.
قال: أيَسْتَحِقّ حملة الأوزار من الزكاة جزاقال: نعم إذا كانوا غُزّى.
قال: فهل يجوزُ للحاج أن يعتمرقال: لاولا أن يَخْتمِر.
قال: فهل له ان يقتل الشجاعقال: نعم كما يَقتُل السِّباع.
قال فإن قتل زمارة في الحرمقال عليه بَدَنة من النَّعم.
قال: فإن رَمى ساق حر فجدلهقال: يُخْرِج شاة بَدَله.
قال: فإنْ قتل أم عوف بعد الإحرامقال: يتصدَّق بقُبضَةٍ من الطعام.
قال أيجبُ على الحاج استصحاب القاربقال: نعم ليسُوقَهم إلى المشَارب.
قال: ما تقول في الحرام بعد السبتقال: قد حلَّ في ذلك الوقت.
قال: ما تقول في بيع الكميتقال: حرامٌ كبيع المَيْتِ.
قال: أيجوزُ بيع الخل بلحم الجملقال: لاولا بلحم الحمل.
قال: أيجوزُ بيع الهدية قال: لا ولا بيع السبية.
قال: ما تقول في بيع العَقيقة قال: مكروه على الحقيقة.
(1/484)
قال: أيجوز بيع الداعي على الراعيقال: لا
ولا على الساعي.
قال: أيُباع الصّقْر بالتمرقال: لا ومالكِ الخلق والأمر.
قال: أيشتري المُسْلم سلب المسلماتقال: نعم ويُورَث عنه إذا مات.
قال: فهل يجوز أن يبتاع الشافعقال: نعم ما لِجَوازه من دافِع.
قال: أيُباع الإبريق على بني الأصفرقال: يُكره كبيع المِغْفر.
قال: ما تقولُ في ميتة الكافرقال: حِلٌّ للمقيم والمسافر.
قال: أيجوزُ أن يضحَّى بالحولقال: هو أجدر بالقبول.
قال: فهل يضحى بالطالققال: نعم ويُقْرَى منها الطَّارق.
قال: فإن ضَحّى قبل ظهور الغَزَالة قال: شاةُ لحمٍ لا محالة.
قال: أيحل التكسب بالطرققال: هو كالقِمار بلا فَرْق.
قال: أيسلِّم القائمُ على القاعدقال: محظور على الأباعد.
قال: أينامُ العاقلُ تحت الرقيعقال: أحْبِب به في البَقيع.
قال: أيُمنع الذمي من قتل العجوزقال: معارَضتُه في العجوز لا تجوز.
(1/485)
قال: أيجوزُ أن ينتقل الرجل عن عمارة
أبيهقال: ما جُوِّزَ لخاملٍ ولا نبيه.
قال: ما تقول في التهودقال: هو مِفْتاح التزهد.
قال: ما تقولُ في صَبْر البَليّة قال: أعْظِم به من خَطِيّة.
قال: أيحل ضرب السفيرقال: نعم.
والحَمْلُ على المُسْتَشِير.
قال: أيجوزُ أن يبيعَ الرجلُ صَيْفِيّه قال: لا ولكنْ لِيَبِعْ صفِيّه.
قال: فإن اشترى عَبْداً فَبَان بأُمِّه جراحقال: ما في رَدِّه من
جُناح.
قال: أتثبتُ الشفعة للشريك في الصحراءقال: لا ولا للشريك في الصفراء.
قال: أيحل أن يحمى ماء البئر والخلاقال: إن كان في الفَلاَ فَلاَ.
قال: أيُعَزِّرُ الرجل أباهقال: يفعله البَرُّ ولا يأباه.
قال ما تقولُ فيمن أفقر أخاهقال: حبذا ما توخاه.
قال: فإن أعرى ولدهقال: يا حسن ما اعتمده.
(1/486)
قال: فإن أصلى مملوكه النارقال: لا إثم
عليه ولا عار.
قال: أيجوز للمرأة أن تصرم بعلهاقال: ما حظَر أحدٌ فِعْلَها.
قال: أتؤدَّبُ المرأةُ على الخجلقال: أجَل.
قال: ما تقولُ فيمن نَحَت أَثْلة أخيهقال: أثِم ولو أذِن له فيه.
قال: أيَحجر الحاكم على صاحب الثورقال: نعم ليَأْمن غائلة الجَوْر.
قال: فهل له أن يضرب على يد اليتيمقال: نعم إلى أن يستقيم.
قال: فهل يجوزُ أن يتخذ له ربضاقال: لاولو كان له رِضاً.
قال: فمتى يبيعُ بدَنَ السفيهقال: حين يرى الحظ له فيه.
قال: فهل يجوز أن يبتاع له حشاقال: نعم إذا لم يكن مُغَشّى.
قال: أيجوزُ أن يكون الحاكم ظالماقال: نعم إذا كان عالما.
قال: أيُسْتَقْضَى من ليست له بصيرة قال: نعم إذا حَسُنت منه السيرة.
قال: فإن تعرى من العقلقال: ذاك عُنوان الفَضْل.
قال: فإن كان له زهو جبارقال: لا إنكار عليه ولا إكبار.
قال: أيجوزُ أن يكون الشاهد مريباقال: نعم إذا كان أَريباً.
(1/487)
قال: فإن بان أنه لاطقال: هو كما لو خاط.
قال: فإن عُثر على أنه غربلقال: تُردّ شَهادَته ولا تُقْبل.
قال: فإن وَضح أنه مائنقال: هو وصفٌ له زَائن.
قال: ما يجبُ على عابد الحققال: يحلفُ بإلَه الخلْق.
قال: ما تقولُ فيمن فقأ عين بلبل عامداقال: تُفقأَ عينُه قولا واحدا.
قال: فإن جَرَحَ قطاة امرأة فماتتقال: النفسُ بالنفس إذا فاتتْ. قال
فإن ألقَت المرأة حشيشا من ضَرْبه قال ليكفِّرْ بالاعتاق عن ذَنْبه
قال: ما يجب على المختَفي في الشرعقال: القَطْعُ لإقامة الرَّدْع.
قال: ما يُصنَع بمن سرق أساود الدارقال: يُقْطع إن ساوَِيْنَ رُبْع
دينار.
قال: فإنْ سرق ثمينا من ذهبقال: لا قَطْع كما لو غَصَب.
قال: فإن بان على المرأة السرققال: لا حرَج عليها ولا فرَق.
قال: أينعقدُ نكاح لم تشهده القواريقال: لا والخالق الباري.
(القواري: الشهود لأنهم يقرون الأشياء أي يتتبَّعونها والقواري: اسم
طيور خُضْر تتشاءمُ بها العرب) .
قال: فما تقول في عروس باتت بليلة حُرّة ثم ردت في حافرتها بسُحْرة
قال: يجبُ لها نِصْفُ الصداق ولا يجب عليها عدَّة الطلاق.
(1/488)
(يقال: باتت العروس بليلة حرة: إذا لم
يفتضها زوجها فإن افتضها قيل: باتت بليلة شيباء) .
وفي فتاوى فقيه العرب: سُئل عن بِرّ سقطت في هِلال.
قال: نجس. (البِرّ: الفأْرة والهِلال: بقيّةُ الماء في الحوض) .
وقال الإمام فخر الدين الرازي في مناقب الشافعي رضي اللَّه عنه: سُئل
الشافعي عن بعض المسائل بألفاظ غريبة فأجاب عنها في الحال.
من ذلك: قيل له: كم قِرا أم فلاحفأجاب على البديهة: من ابن ذُكاء إلى
أم شملة.
(القرا: الوقت.
وأم فلاح: الفَجْر وهو كنية للصلاة وابن ذُكاء: الصُّبْح.
وأم شَمْلَة: كنية الشمس) .
وسُئل: نسِي أبو دِرَاس درسه قبل غيبته الغزالة بلحظة ماذا يجبقال:
قضاء وظيفة العصرين.
قال السائل: بجناية جَناها أبو دراسقال الشافعي: لا بل لكرامةٍ
استحقتها أمه.
(أبو دِراس: كُنية فَرْج المرأة.
والدَّرس: الحيض.
وقوله نسي دَرسه: أي ترك حيضه.
والغزالة: الشمس وأم دِراس: المرأة.
والعصران: الظهر والعصْر) .
وسئل: هل تسمع شهادة الخالققال: لا ولا روايته.
الخالق: الكاذب.
وسُئل: فارسُ المعركة إذا قَضَى على أبي المَضَاء قبل أن يحمى الوطيس
هل يستحق السهمقال: نعم إذا أدرك الوَقْعة.
(قَضى: مات وأبو المَضَاء: كُنْية الفَرس) .
وسئل: هل مِنْ وضوء على من حنقه الحنق فاستشاطهقال: لاوأحب له الوضوء.
(الحنَق: شدَّة الحقد والاستشاطة: شدة الغضب) .
وسئلَ: أخضر ابنُ ذُكاء والزوجان في الحركة هل ضر صومهمافقال: إن نزع
من غير مَكْث لم يضره - يعني طلُوع الفَجْر.
وفي الدرة الأدبية لابن نبهان:
من فُتْيا فقيه العرب: يجوز السجود على الخد إن كان طاهرا - يعني
الطريق.
يُفْسِد لُعابُ البَصير الماءَ القليل - يعني الكلب.
يكره أن تطوف بالبيت عاتِكة - وهي المتضمخة بالطيب.
يحرم قتل العكرمة وعليه شاة - يعني الحمامة.
(1/489)
|