سر صناعة الإعراب

باب الحاء:
الحاء حرف مهموس، يكون أصلا لا غير.
فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: حرم وحبس، والعين نحو: سحر1 وضحك، واللام نحو: صبح، وصلح.
ولا تكون الحاء بدلا ولا زائدا أبدا إلا فيما شذ عنهم.
وأنشد ابن الأعرابي:
ينفحن منه لهبا منفوحا
لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا2
قال: أراد: منفوخا: فأبدل الخاء حاء
__________
1 سحر: السحر عمل من أعمال الشيطان. مادة "سحر". اللسان "3/ 1951".
2 البيتين لابن الأعرابي. انظر/ اللسان "3/ 1509".
اللهب: ما يتصاعد من الوقود بلا دخان، أو لسان النار. مادة "ل هـ ب" اللسان "5/ 4082".
اللمع: البريق والإضاءة. مادة "لمع" اللسان "5/ 4074".
الذاكي: المشتعل الشديد الاشتعال.
وقدح النار: إشعالها: مادة "ق د ح". اللسان "5/ 3541".
الشرح:
إنهن ينفخن لسان النار الذي يبدو منه ضوء خافت غير مشتعل بشدة لضعف من ينفخ.
الشاهد في قوله: ينفحن ومنفوحا" فقد أراد "ينفخن ومنفوخا" بالخاء المعجمة فأبدلها حاء مهملة ليوافق روي هذا الرجز كله.
وهذا شاذ للضرورة كما حكم المؤلف.
إعراب الشاهد:
ينفحن: مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. منه: جار ومجرور.
لهبا: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة النصب الفتحة.
منفوحا: نعت منصوب بالتبعية.

(1/191)


قال: ومثله قول رؤبة1:
غمر الأجاري كريم السنح
أبلج لم يولد بنجم الشح2
قال: يريد: السنخ.
فأما قول من قال في قول تأبط شرا3:
كأنما حثحثوا حصا قوادمه ... أو أم خشف بذي شث وطباق4
__________
1 رؤبة: هو رؤبة بن العجاج أحد الرجاز المشهورين في الإسلام، عده ابن سلام في الطبقة التاسعة من الإسلاميين.
2 هذان بيتان من مشطور الرجز، من ستة أبيات في ديوان رؤبة بن العجاج "2/ 171" من مجموع أشعار العرب.
الأجاري: جمع إجريا بكسر الهمز والراء، وهو ضرب من الجري.
السنح: يريد السنخ، وهو الأصل. الأبلج: المشرق الوضيء.
الشح: البخل مع حرص: ونجم الشح "زحل" كما يزعمون. اللسان "4/ 2205".
الشرح: تدعو المرأة له بكثرة العطاء من الخلفاء والعظماء كريمي الأصل المشهورين بالجود والكرم.
الشاهد: إبدال الحاء من الخاء في كلمة "السنخ" وهو شاذ كما ذكر المؤلف.
إعراب الشاهد: السنخ: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
3 تأبط شرا: من شعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ولقب بذلك لأنه خرج يعلو وجهه الغضب ويضمر الشر لأقوام، وجاء سائل يسأل أمه عنه فقالت: تأبط شرا فأطلقت عليه.
4 وهذا البيت من قصديته المشهورة التي قالها يصف فيها هروبه من بجيلة هو والشنفرى وعمرو بن براق، ونجاتهم منهم بحيلة بارعة.
حثحثوا: الحث الاستعجال والحض، وهنا بمعنى حركوا. مادة "ح ث ث" اللسان "2/ 773".
القوادم: أربع ريشات في طرف جناح الطائر، وقيل عشر. اللسان "5/ 3553".
الحص: جمع أحص، وهو الذي تناثر ريشه وتكسر، يريد به الظليم. اللسان "2/ 898".
الخشف: ولد الظبية، وهو الظبي بعد أن يكون جداية. مادة "خ ش ف" اللسان "2/ 1166".
والشث والطباق: نبتان طيبا المرعي، يضمران راعيهما، ويشدان لحمه فيقوى على العدو، وهذان النبتان ينبتان بجبال السراة. مادة "ش ث ث" اللسان "4/ 2194".
الشرح: كنت في جريي كالظليم المطارد المكسر القوادم، أو كالظبية المضمرة في سرعة عدوهما.
والشاهد: مجيء "حثحثوا" وهي أصل كما يري المؤلف.

(1/192)


إنه أراد: حثثوا، فأبدل من الثاء الوسطى حاء فمردود عندنا، وإنما ذهب إلى هذا البغداديون، وأبو بكر أيضا معهم.
وسألت أبا علي عن فساده فقال: العلة في فساده أن أصل القلب في الحروف، إنما هو فيما تقارب منها وذلك الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تدانت مخارجه.
فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها.
قال: وإنما حثحث أصل رباعي، وحثث أصل ثلاثي، وليس واحد منهما من لفظ صاحبه، إلا أن حثحث من مضاعف الأربعة، وحثث من مضاعف الثلاثة، فلما تضارعا بالتضعيف الذي فيهما، اشتبه على بعض الناس أمرهما، وهذا هو حقيقة مذهبنا، ألا ترى أن أبا العباس1 قال في قول عنترة2:
جادت عليه كل بكر ثرة
فتركن كل قرارة كالدرهم3
ليس ثرة عند النحويين من لفظ ثرثارة4، وإن كانت من معناها. هذا هو الصواب، وهو قول كافة أصحابنا.
على أن أبا بكر محمد بن السري قد كان تابع الكوفيين، وقال في هذا بقولهم، وإنما هذه أصول تقاربت ألفاظها، وتوافقت معانيها، وهي مع ذلك مضعفة.
__________
1 أبو العباس: هو المبرد.
2 عنترة: هو عنترة بن شداد بن قراد العبسي فارس بني عبس وشاعرهم أحب ابنة عمه عبلة، وقال فيها الشعر وعمر طويلا ومات قبيل البعثة.
3 جادت: منت ومنحت. مادة "ج ود" اللسان "1/ 720".
البكر: التي لم تتزوج مادة "ب ك ر" اللسان "1/ 334". والثرة: كثيرة الكلام.
الشرح: ظلت الفتيات عليه حتى أنس إلى ذلك.
الشاهد: مجيء كلمة "ثرة" وهي بمعنى ثرثارة.
إعراب الشاهد: ثرة: نعت مجرور بالتبعية وعلامة جره الكسرة.
4 ثرثارة: الذي يكثر الكلام في تكلف وخروج عن الحد، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغضكم إلي، الثرثارون المتفيهقون ". مادة "ث ر ر" اللسان "1/ 477".

(1/193)


ونظيرها من غير التضعيف قولهم دمث ودمثر1، وسبط2 وسبطر3، ولؤلؤ ولأل4، وحية وحواء5، ودلاص6 ودلامص، في قول أبي عثمان. وزغب الفرخ وازلغب7، وله نظائر كثيرة، وإذا قامت الدلالة على أن حثحث ليس من لفظ حثث، فالقول في هذا وفي جميع ما جاء منه واحد، وذلك نحو: تململ وتملل، ورقرق ورقق، وصرصر وصرر، وقد حذفت الحاء لاما في حر. وأصله حرح، لقولهم أحراح، قال:
إني أقود جملا ممراحا
ذا قبة مملوء أحراحا8
__________
1 الدمث والدمثر: اللين السهل من دمث يدمث دمثا.
2 السبط: الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء. مادة "س ب ط" اللسان "3/ 1922".
3 السبطر: السبط. مادة "س ب ط ر" اللسان "3/ 1924".
4 اللآل: بائع اللؤلؤ.
5 الحواء: الرجل الذي يجمع الحيات.
6 الدلاص: الدرع البراقة اللينة، والدلامص مثله. مادة "د ل ص" اللسان "2/ 1409".
7 زغب الفرخ وازلغب: بمعنى: نبت له زغب، وهو الريش الخفيف أول ما ينبت.
8 أحراح: جمع حرح وهو فرج المرأة. مادة "ح ر ح" اللسان "2/ 824".
الشرح: إني أمتطي صهوة امرأة ممتعة بضة مملوءة أحراحا. وذلك على الكناية.
الشاهد:
ورود كلمة "أحراح" بإثبات الحاء لاما للكلمة لأن المفرد تحذف منه الحاء فيصير "حر".
إعراب الشاهد: أحراحا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(1/194)