سر صناعة الإعراب باب الجيم:
الجيم: حرف مجهور، يكون في الكلام على ضربين: أصلا وبدلا.
فإذا كان أصلا وقع فاء، وعينا، ولاما، فالفاء نحو: جعل1، وجعل، والعين
نحو: جحر وحجر، واللام نحو: خرج وخرج.
وإذا كانت بدلا فمن الياء لا غير، قرأت على أبي علي2، عن أبي بكر، عن
بعض أصحاب يعقوب بن السكيت، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: حدثني خلف3
قال: أنشدني رجل من أهل البادية، وقرأتها عليه4 في الكتاب5:
عمي عويف وأبو علج
المطعمان اللحم بالعشج
وبالغداة كسر البرنج
تقلع بالود وبالصيصج6
يريد: أبو علي، وبالعشي، وبالصيصية، وهي قرن البقرة.
__________
1 الجعل: الجعالة وهي ما يجعل على العمل من أجر. مادة "ج. ع. ل".
اللسان "1/ 637".
2 هو أبو علي الفارسي أستاذ ابن جني.
3 خلف: هو خلف الأحمر أحد رواة الشعر وكان ينتحل الشعر وينسبه للأعراب.
4 الضمير في عليه لأبي على الفارسي.
5 الكتاب: كتاب سيبويه.
6 الأبيات لرجل من بني سعد، وكانوا يبدلون الياء المشددة أو المخففة
جيما في الوقف، أو في الوصف إذا أجروه مجرى الوقف كما في أبياتنا، وقد
رويت بعدة روايات منها خالي بدلا من عمي، وروي فلق وكتل وقطع مكان كسر.
الفلق والكتل: القطع من الشيء. مادة "ف ل ق". اللسان "5/ 3462".
والبرني: هو نوع من أجود التمر ملتصق بعضه ببعض. مادة "ب ر ن". اللسان
"1/ 270".
الود: لغة في الوتد، وهي لغة تميمية تنسب لبني تميم. مادة "ود د"
اللسان "6/ 4794".
الصيص: جمع صيصة وهي قرن البقر. مادة "ص ي ص". اللسان "4/ 2537".
ويرى المؤلف أنه ألحقهما ياء النسبة وإن لم يكن منسوبا في المعنى.
الشاهد في قوله: "أبو علج - العشج - البرنج - الصيصيج" فقد أراد "أبو
علي، العشي، البرني، الصيصي". وقد شرح المؤلف ذلك في المتن.
إعراب الشاهد:
أبو: معطوف على عويف مرفوع وعلامة الرفع الواو. علي: مضاف إليه مجرور.
العشي: اسم مجرور. البرني: مضاف إليه مجرور. الصيصي: اسم مجرور.
(1/187)
قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لرجل من
بني حنظلة: ممن أنت؟ فقال: فقيمج. قال: قلت: من أيهم؟ قال: مرج، يريد:
فقيمي، ومري.
وأنشد لهيمان بن قحافة السعدي:
يطير عنها الوبر الصهابجا1
يريد الصهابي، من الصهبة.
وقال يعقوب: بعض العرب إذا شدد الياء جعلها جيما.
وأنشد عن ابن الأعرابي:
كأن في أذنابهن الشوال
من عبس الصيف قرون الإجل2
يريد: الأبل.
__________
1 هذا بيت من مشطور الرجز، نسبه اللسان "4/ 2514" لـ"هيمان بن قحافة
السعدي" وهو أحد بني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقيل أحد بني
عامر بن عبيد بن الحارث، راجز إسلامي محسن.
الوبر: ما يغطي الإبل من شعر. الصهابي من الوبر والشعر: الذي فيه شقرة.
الشاهد في قوله "الصهابجا" فأصله الصهابي، أبدل الياء جيما.
إعراب الشاهد:
يطير: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والفاعل مستتر تقديره هو.
عنها: جار ومجرور. الوبر: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
الصهابجا: نعت منصوب بالتبعية.
2 البيتان لأبي النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة بن عبيد الله العجلي
أحد رجاز الإسلام وعده ابن سلام رأس الرجاز الإسلاميين.
الأذناب: جمع ذنب وهو الذيل. مادة "ذ ن ب". اللسان "3/ 1519".
(1/188)
قال: وأنشد الفراء1:
لاهم أن كنت قبل حجتج
فلا يزال شاحج يأتيك بج
أقمر نهات ينزي وفرتج2
ويروى: شامخ، يعني بعيرا مستكبرا.
انقضت الحكاية عن أبي علي.
__________
= الشوال: جمع شائل بلا هاء وهي الناقة التي تشول بذنبها أي ترفعه،
والشات أيضا: الذنب، يقال شال الذنب: إذا ارتفع.
العبس: ما يبس على هلب الذنب من البول والبعر، وإنما أضاف العبس إلى
الصيف هنا لأنه يكون أقوى وأصلب، فشبهه بقرون الإبل، لأنها أصلب من
قرون غيرها.
الإجل: الذكر من الأوعال. مادة "أجل" اللسان "1/ 33".
الشرح: يصف الشاعر ما جف على أذناب الإبل من روث وبعر ويشبهه في يبوسته
بقرون الوعل.
الشاهد: قلب الياء المشددة جيما مع أنها ليست طرفا في كلمة الإجل.
إعراب الشاهد:
الإجل: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على
آخره.
1 الفراء: أحد النحاة الكوفيين.
2 الأبيات من مشطور الرجز ونسبها أبو زيد في نوادره "ص164" لرجل من
اليمن.
لاهم: يريد اللهم. الحجة: المرة من الحج.
والشاجح: الصائت ويراد به هنا البغل أو الحمار. وروي الشامخ بدل
الشاحج.
ونهات: نهاق. وينزي: يحرك. الوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن.
الشرح: اللهم إن تقبل حجتي هذه فسوف أستمر في الحج على حماري أو بغتلي.
الشاهد في قوله: إبدال الياء جيما في "حجتج، بج، وفرتج"، وأصلها "حجتي،
وبي، وفرتي".
إعراب الشاهد: حجتي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة، منع من ظهورها
كسرة المناسبة، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. بي: جار
ومجرور.
وفرتي: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من
ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.
(1/189)
وقال1:
حتى إذا ما أمسجت وأمسجا2
يريد: أمست وأمسى.
وهذا أحد ما يدل على ما ندعيه من أن أصل رمت: رميت، وغزت: غزوت، وأعطت:
أعطيت، واستقصت: استقصيت، وأمست: أمسيت.
ألا ترى أنه لما أبدل الياء من أمسيت جيما، والجيم حرف صحيح يحتمل
الحركات، ولا يلحقه الانقلاب الذي يلحق الياء والواو، صححها كما يجب في
الجيم، فدل أمسجت على أن أصل أمست: أمسيت، وكذلك قال أيضا: أمسجا، فدل
ذلك على أن أصل أمسى: أمسي، وأن أصل رمى: رمي، وأصل غزا: غزو، وأصل
دعا: دعو، ودل ذلك أيضا على أن أصل عصا: عصو، وأصل قطا وقنا وحصى وفتى:
قطو3، وقنو4، وحصي، وفتي، فبهذا ونحوه ما استدل أهل التصريف على أصول
الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَان} على أن أصل استقام: استقوم. وأصل استباع استبيع.
ولولا ما ظهر من هذا ونحوه لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء،
ولما جاز ادعاؤهم إياها.
__________
1 قائل هذا البيت هو العجاج: أحد الرجاز الإسلاميين، عده ابن سلام في
الطبقة التاسعة.
2 وهذا بيت من مشطور الرجز رواه اللسان في مادة "مسى" "6/ 4206".
الشاهد فيه: إبدال الياء جيما في أمسجت وأمسجا، فأصلها كما ذكر المؤلف
أمست وأمسى.
3 قطوا: من قطا قطوا: إذا ثقل مشيه. مادة "ق ط ا" اللسان "5/ 3684".
4 قنو: قنا اللون قنوا: احمر. مادة "ق ن ا" اللسان "5/ 3759".
(1/190)
|