سر صناعة الإعراب باب الدال:
الدال حرف مجهور، يكون في الكلام على ضربيين: أصلا وبدلا.
فإذا كانت أصلا وقعت فاء وعينا ولاما. فالفاء نحو: درج ودرج1، والعين
نحو: خدل وخدل، واللام نحو: جعد وجعد2.
وأما البدل فإن فاء افتعل، إذا كانت زايا قلبت التاء دالا، وذلك نحو:
ازدجر، وازدهى3، وازدار4، وازدان5، وازدلف6، وازدهف7، ونحو ذلك، وأصل
هذا كله ازتجر، وازتهى، وازتار، وازتان، وازتلف، وازتهف، لأنه افتعل من
الزجر، والزهو، والزور، والزين، والزلف، والزهف، ولكن الزاي لما كانت
مجهورة، وكانت التاء مهموسة، وكانت الدال أخت التاء في المخرج وأخت
الزاي في الجهر، قربوا بعض الصوت من بعض، فأبدلوا التاء أشبه الحروف من
موضعها بالزاي، وهي الدال، فقالوا: ازدجر، وازدار. قال:
إلا كعهدكم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر المزدار8
ومن كلام ذي الرمة في بعض أخباره:
"هل عندك من ناقة تزدار عليها ميا؟ ".
__________
1 درج: مشى مشية الصاعد في الدرج. مادة "درج".
2 الجعد: الغليظ المجتمع. مادة "ج. ع. د". اللسان "1/ 931".
3 ازدهى: أخذته خفة من الزهو. مادة "زهو". اللسان "3/ 1883".
4 ازدار: زاره: مادة "زور". اللسان "3/ 1883".
5 ازدان: تزين وجمل. مادة "زين". اللسان "3/ 1902".
6 ازدلف: دنا وقرب. مادة "زلف". اللسان "3/ 1853".
7 ازدهف: خف للشيء وعجل. مادة "زهف". اللسان "3/ 1879".
8 البيت ذكره ياقوت في معجم البلدان في رسم "ذو بقر" وروايته:
إلا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار
والشاهد: ورود كلمة "المزدار" فقد أبدلت فيها التاء دالا لأن مخرجهما
واحدا.
إعراب الشاهد: المزدار: اسم مجرور بـ"من" وعلامة الجر الكسرة.
(1/197)
ومن أبيات الكتاب لرؤبة:
فيها ازدهاف أيما ازدهاف1
ونحو من هذا التقريب في الصوت قولهم في سبقت: صبقت، وفي سقت: صقت، وفي
سملق: صملق، وفي سويق2: صويق، وذلك أن القاف حرف مستعل، والسين غير
مستعل، إلا أنها أخت الصاد المستعلية، فقربوا السين من القاف، بأن
قلبوها إلى أقرب الحروف إلى القاف من مخرج السين، وهو الصاد.
وقد قلبت تاء افتعل دالا مع الجيم في بعض اللغات، قالوا: اجدمعوا في
اجتمعوا، واجدز في اجتز. وأنشدوا3:
فقلت لصاحبي: لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدز شيحا4
ولا يقاس ذلك إلا أن يسمع، لا تقول في اجترأ: اجدرأ، ولا في اجترح:
اجدرح.
__________
1 البيت من مشطور الرجز لرؤبة، وقد سبق التعريف به.
وقد أنشد رؤبة هذه الأبيات يعاتب فيها أباه.
وملخص قول الأعلم الشنتمري في شرح هذا البيت: أنه نصب أيما وإن كان من
نعت المصدر قبله، وكان حقه أن يجري عليه، ولكنه حمل على المعنى، وصف
أباه بالخف وقول الباطل، فجعل أقواله تزدهف العقول، أي تستخفها. انظر/
الكتاب "1/ 182".
إعراب الشاهد: ازدهاف: مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والخبر فيها
مقدم عليه.
2 السويق: خبز الشعير والقمح وسبق تخريجها.
3 هذا البيت ليزيد بن الطئرية، هو يزيد بن الصمة أحد بني سلمة الخير بن
قشير، وذكر البصريون أنه ولد الأعور بن قشير.
4 هذا البيت من الوافر، أورده اللسان في "جز" وقال: ذكر الجوهري أن
البيت ليزيد بن الطئرية، وذكره ابن سيده ولم ينسبه لأحد بل قال: وأنشد
ثعلب قال ابن بري: ليس هو ليزيد وإنما هو لمضرس بن ربعي الأسدي. انظر/
لسان العرب "1/ 615".
وقوله "لا تحبسانا" هو خطاب لصاحب يحتطب له، وخاطبه بلفظ خطاب المثنى
على عادة العرب كما قال سويد بن كراع:
فإن تزجراني يابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا حمنعا
وأجدز: جز أي قطع، والشاهد في قوله "اجدز" فقد قلبت تاء افتعل دالا مع
الجيم.
(1/198)
وقد أبدلوا الدال من تاء تولج1، فقالوا:
دولج، وقد قلبوا تاء افتعل أيضا مع الذال لغير إدغام دالا، حكى أبو
عمرو عنهم: اذدكر، وهو مذدكر.
وقال أبو حكاك:
تنحي على الشوك جرازا مقضبا ... والهرم تذريه اذدراء عجبا2
فأما ادكر واذكر فإبدال إدغام، وليس ذلك من غرض هذا الكتاب، وكذلك
قولهم في وتد: ود، وهو أيضا لإبدال إدغام، من جنس ادكر.
وأنشدنا أبو علي لابن مقبل:
يا ليت لي سلوة يشفى الفؤاد بها ... من بعض ما يعتري قلبي من الدكر3
بالدال: يريد الذكر، جمع ذكرة، وليس هنا ما يوجب البدل، إلا أنه لما
رآهم يقلبونها في ادكر ويدكر ومدكر وادكار ونحو ذلك، ألف فيها القلب،
فقال أيضا الدكر، ولهذا نظائر في كلامهم.
__________
1 التولج: كناس الوحش "وأصله وولج" مادة "ولج".
2 البيت رواه صاحب اللسان في "ذكر" مع إبدال كلمتي الهم مكان الهرم
وازدكار في مكان اذدراء. انظر/ اللسان "15073".
والضمير في تنحي: يعود على الناقة. وتنحي: تعرض وتميل، يقال: نحى على
حلقة السكين، عرضها عليه. والجراز من السيوف: الماضي النافذ.
والمقضب: القطاع. اللسان "5/ 3659"، ويريد بالجراز والمقضب أسنانها على
الاستعارة.
الهرم: ضرب من نبات الحمض، وهو أذله وأشده انبساطا على الأرض
واستبطاحا.
تذريه: تطيره. اذدراء: مصدر اذدرى الشيء بمعنى أذراه.
وغرض الشاعر في هذا البيت: فهو يصف الناقة بأنها كما تقطع الشوك
بأسنانها وأنيابهها الحادة، تقطع الهرم، فتطاير بقاياه في فمها فكأنها
تذريه اذراء شديدا.
ومحل الشاهد: كلمة "اذدراء" إذا قلبت فيها تاء الافتعال دالا مع الذال،
من غير إدغام.
إعراب الشاهد: اذدراء: مفعول مطلق منصوب.
3 السلوة: النسيان. يعتري: يصيب.
يتمنى الشاعر أن ينسى قليلا فؤاده حتى يشفى مما به من آلام ذكر
المحبوب.
الشاهد في قوله "الدكر" فقد أبدلت الذال دالا.
إعراب الشاهد: الدكر: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(1/199)
|