سر صناعة الإعراب باب الراء:
الراء حرف مجهور مكرر، يكون أصلا، لا بدلا ولا زائدا.
فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: رشد ورشد، والعين نحو:
جرح وجرح، واللام نحو: بدر وبدر.
فأما قولهم: امرأة جربانة1 وجلبانة إذا كانت صخابة، فليس أحد الحرفين
فيه بدلا من صاحبه.
قرأت على أبي علي لحميد بن ثور:
جلبانة ورهاء تخصي حمارها ... بفي من بغى خيرا إليها الجلامد2
__________
1 جربانة: أي كثيرة الجلبة والصخب. مادة "جرب" اللسان "1/ 583".
2 امرأة جلبانة: أي صخابة مصوتة كثيرة الجلبة سيئة الخلق.
ورهاء: حمقاء. مادة "ور هـ" اللسان "6/ 4820".
تخصي حمارها: أي تسل خصيته وهو كناية عن قلة الحياء. مادة "خ ص ا"
اللسان "2/ 1178".
الجلامد: جمع جلمد وهو الحجر الصلد. مادة "ج ل م" اللسان "1/ 667".
الشرح: يصف الشاعر تلك المرأة بقلة الحياء والحمق كما أنها كثيرة الصخب
سيئة الخلق لا يفعل فيها أحد معروفا وإلا وتقابله بالشر.
الشاهد في "جلبانة" فهي أصل في معناها كـ"جربانة" بمعنى صخابة.
إعراب البيت:
جلبانة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي. ورهاء خبر ثان.
تخصي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هي.
حمارها: مفعول به، والهاء مضاف إليه. و"تخصي حمارها" خبر ثالث.
بفي: جار ومجرور خبر مقدم.
من: اسم موصول مبني في محل جر مضاف إليه.
بغى: فعل ماضي مبني، والفاعل مستتر يعود على الموصول قبله.
وخيرا مفعول به. إليها: جار ومجرور متعلق بـ"بغى".
وجملة "بغى خيرا" صلة موصول لا محل لها من الإعراب.
الجلامد: مبتدأ مؤخر مرفوع والخبر تقدم عليه وهو قوله "بغى".
(1/203)
قال أبو علي: هذا البيت يقع فيه تصحيف من
الناس. يقول قوم مكان تخصي حمارها، تخطي حمارها، وهو مشتبه مشكل:
يظنونه من قولهم: العوان1 لا تعلم الخمرة.
قال: وقد قال ابن الأعرابي: يقال: جاءك خاصي العير: إذا وصف بقلة
الحياء. فعلى هذا لا يجوز في البيت غير "تخصي حمارها"، ويدل على أن
"جلبانة" و"جريانة" أصلان، غير مبدل أحدهما من صاحبه وجودك لكل واحد
منهما أصلا متصرفا، واشتقاقا صحيحا، فأما جلبانة فمن الجلبة والصياح،
لأنها الصخابة، وأما جربانة فمن جرب الأمور وتصرف فيها.
ألا تراه قال: "تخصي حمارها"، وإذا بلغت المرأة من البذلة2 والحنكة3
إلى خصاء حمارها، فناهيك بها في التجريب والدربة، وهذا وفق الصخب، لأنه
ضد الحياء والخفر4.
وأما قولهم في الدرع: نثرة ونثلة5، فينبغي أن يكون الراء بدلا من
اللام، لقولهم: نثل على درعه، ولم يقولوا ثرها، فاللام أعم تصرفا، فهي
الأصل.
وأما قول الأسدي:
وخافت من جبال السغد نفسي ... وخافت من جبال خواررزم6
__________
1 العوان: المتوسطة في العمر. مادة "عون". اللسان "4/ 3179".
2 البذلة: الابتذال. مادة "ب ذ ل" اللسان "1/ 238".
3 الحنكة: الخبرة والدربة. مادة "حنك". اللسان "2/ 1028".
4 الخفر: الحياء. مادة "خفر". اللسان "2/ 1209".
5 نثلة: النثلة: النقرة بين الشاربين، والدرع الواسعة.
مادة "نثل". اللسان "6/ 4341".
6 هذا رابع ستة أبيات رواها ياقوت في معجم البلدان في "خوارزم"، ونسبها
للأسدي كما هنا.
خوارزم: اسما لناحية في جرجان الآن.
الشاهد في قوله "خوارزم" فقد كرر الراء لاستقامة الوزن.
الإعراب:
خوارزم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
(1/204)
فإنه أراد خوارزم، فزاد راء لإقامة الوزن،
كذا قيل فيه، وقد قيل إن "خوار" اسم مضاف إلى "رزم".
واعلم أن الراء لما فيها من التكرير لا يجوز إدغامها فيما يليها من
الحروف، لأن إدغامها في غيرها يسلبها ما فيها من الوفور بالتكرير.
فأما قراءة أبي عمرو "يغفر لكم" بإدغام الراء في اللام، فمدفوع عندنا،
وغير معروف عند أصحابنا، إنما هو شيء رواه القراء، ولا قوة له في
القياس1.
__________
1 هذا غلو من ابن جني في الأخذ بالقياس مع وجود السماع.
(1/205)
|