سر صناعة الإعراب

باب الشين:
الشين حرف مهموس، يكون أصلا لا غير.
فيكون فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: شجر وشجر، والعين نحو: قشر وقشر، واللام نحو: نعش1 ونعش.
وقرأت على أبي علي2، عن أبي بكر3، عن بعض أصحاب يعقوب، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: يقال: جعشوش وجعسوس4، وكل ذلك إلى قماء وصغر وقلة. ويقال: هم من جعاسيس الناس، ولا يقال بالشين في هذا.
فهذا يدل من قول الأصمعي على أن الشين من جعشوش بدل من السين في جعسوس، ألا ترى أن الشين أعم تصرفا من الشين، لوجودك إياها في الواحد والجمع جميعا.
وقال الراجز5:
إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش6
أي مدمج، فالشين بدل من الجيم.
__________
1 نعش: أنهض وأقام. مادة "نعش". اللسان "6/ 4473".
2 أبو علي: الفارسي، أستاذ ابن جني.
3 أبو بكر: ابن السراج.
4 الجعسوس: القصير الدميم، واللئيم الخلق. مادة "ج ع س" اللسان "1/ 634".
5 هذا بيت من مشطور الرجز، أورده العيني في شرح شواهد شروح الألفية "فرائد القلائد" في باب الإبدال، ولم ينسبه إلى قائله.
6 المفردات: أدمج الحبل: أجاز قتله وأحكمه. مادة "د م ج" اللسان "2/ 1419".
الشرح: حين ذاك حين يكون حبل الوصال بيني وبين من أحب متين.
وواضح أن المعنى متعلق بغيره من الأبيات.
الشاهد: قوله "مدمش" فقد أبدلت الجيم شينا. والأصل "مدمج" كما يرى المؤلف.
وقال ابن عصفور: فيها أبدل الجيم شينا لتتفق القوافي.
إعراب موضع الشاهد: مدمج: خبر لمبتدأ هو "حبل" مرفوع وعلامة الرفع الضمة.

(1/217)


فأما قولهم: تنسمت منه علما وتنشمت، فليس واحد من الحرفين بدلا من صاحبه، لأن لكل واحد منهما وجها قائما.
ما تنسمت فكأنه من النسيم، كقولك: استروحت منه خبرا، فمعناه أنه تلطف في التماس العلم منه شيئا فشيئا، كهبوب النسيم.
وأما قولهم تنشمت فمن قولهم نشمت في الأمر، أي ابتدأته ولم أوغل1 فيه، وكذلك تنشمت منه، أي ابتدأت بطرف من العلم من عنده ولم أتمكن فيه.
ومن العرب من يبدل كاف المؤنث في الوقف شينا2، حرصا على البيان لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفي في الوقف، فاحتاطوا للبيان بن أبدلوها شينا، فقالوا: عليش ومنش، ومررت بش.
ومنهم من يجري الوصل مجرى الوقف، فيبدل فيه أيضا.
وأنشدوا للمجنون3:
فعيناش عيناها وجيدش جيدها ... سوى أن عظم الساق منش دقيق4
__________
1 أوغل: أتعمق فيه. مادة "وغل". اللسان "6/ 4880".
2 ما ذكره ابن جني يعرف بظاهرة الكشكشة.
3 المجنون، هو قيس بن الملوح مجنون بني عامر.
4 البيت أحد أربعة أبيات وردت في ديوانه "ص13" طبع بولاق، اختيار أبي بكر الوالبي الأندلسي، وهو في الديوان بالكاف لا بالشين.
الجيد: العنق، ومقدمه، وموضع القلادة، والجمع أجياد. مادة "جيد" اللسان "1/ 737".
الشرح: يصور الشاعر محبوبته في صورة ظبية جميلة، إلا أن محبوبته تفوق الظبية في دقة عظام الساق.
الشاهد في البيت:
"عيناش، جيدش، منش" فقد قلب الكاف شينا، والأصل "عيناك، جيدك، منك".
إعراب الشواهد:
عيناك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الألف، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
وجيدك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
منك: جار ومجرور.

(1/218)


وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن، عن أبي عباس أحمد بن يحيى لبعضهم.
علي فيما أبتغي أبغيش
بيضاء ترضيني ولا ترضيش
وتطبي ود بني أبيش
إذا دنوت جعلت تنئيش
وإن نأيت جعلت تدنيش
وإن تكلمت حثت في فيش
حتى تنقي كنقيق الديش1
فشبه كاف الديك لكسرتها بكاف ضمير المؤنث.
ومن كلامهم: "إذا أعياش جاراتش، فأقبلي على ذي بيتش".
وربما زادوا على الكاف في الوقف شينا، حرصا على البيان أيضا، فقالوا: مررت بكش، وأعطيتكش، فإذا وصلوا حذفوا الجميع.
__________
1 هذه سبعة أبيات من مشطور الرجز، رواها ثعلب عن أبي الأعرابي، وأوردها في مجالسه. انظر "1/ 141"، ورواها صاحب الخزانة عن ثعلب "1/ 594"، قال ثعلب بعد الأبيات: يجعلون مكان الكاف الشين، وربما جعلوا بعد الكاف الشين والسين يقولون: إنكش، وإنكس قال: وهاء الكشكشة والكسكسة المشهورتان، وهي الكاف المكسورة لا غير، يفعلون هذا توكيدا لكسر الكاف بالشين والسين.
والشاهد في البيت الأخير إذ أبدل الكاف المكسورة شينا وليست لخطاب المؤنثة.
المفردات:
دنوت: قربت. مادة "د ن ا" اللسان "2/ 1435".
ونأيت: بعدت. مادة "ن أى" اللسان "6/ 4314".
حثثت: ألقت في فيك حثوة من التراب، وهو مقدار راحة اليد. ويقال: حثا عليه التراب حثوا هاله. مادة "ح ث ا" اللسان "2/ 776".
إعراب الشاهد: الديك: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.

(1/219)