سر صناعة الإعراب

باب الصاد:
الصاد حرف مهموس، يكون أصلا وبدلا، لا زائدا.
فيكون فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: صبح وصبر، والعين نحو: قصر وبصر، واللام نحو: حفص1 وفحص.
والصاد أحد الحروف المستعلية التي تمنع الإمالة2.
والحروف التي تمنع الإمالة سبعة، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والخاء، والغين، والقاف.
فمن قال في عابد: عابد، لم يقل في صالح صالح، ولا في ضامن ضامن.
وكذلك البقية.
فما قول طفيل الغنوي3:
تنيف إذا اقورت من القود وانطوت ... بهاد رفيع يقهر الخيل صلهب4
فيجوز أن يكون الصاد فيه لغة، ويجوز أن تكون بدلا من سين سلهب، لأنه أكثر تصرفا من صلهب.
__________
1 حفص: الحفص الجمع من حفص الشيء حفصا إذا جمعه. مادة "حفص".
2 الإمالة: نطق الألف بين الألف والياء، ونطق الفتحة بين الفتحة والكسرة.
3 الغنوي: شاعر جاهلي أخذ عنه كثير من الشعراء كزهير والنابغة.
4 تنيف: تشرف. اللسان "6/ 4579". اقورت: ضمرت. اللسان "5/ 3771".
القود: قيادها إلى العدو. هاديها: عنقها. اللسان "6/ 4640".
ويقهر: يسبق. اللسان "5/ 3764". السلهب: الطويل. اللسان "4/ 2489".
يصف الشاعر ناقته وهي تعدو فهي تسبق الخيول السريعة الجري.
الشاهد فيه: قلب السين "صادا" في كلمة صلهب فالأصل سلهب، وقد أجاز ابن جني أن تكون صلهب لغة وبذلك تصبح غير منقلبة بل أصل كالسين.
إعراب الشاهد: صلهب: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.

(1/221)


وأما ما قرأته على أبي على من قول الشاعر1:
وحال دوني من الأبناء زمزمة ... كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا2
ويروى: صمصمة، وهما الجماعة، فليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه، لأن الأصمعي قد أثبتهما معا، ولم يجعل لأحدهما مزية على صاحبه، وإذا ورد في بعض حروف الكلمة لفظان مستعملان، فالوجه وصحيح القضاء أن نحكم بأنهما كليهما أصلان منفردان، ليس واحد منهما أولى بالأصلية من صاحبه، فلا تزال على هذا معتقدا له حتى تقوم الدلالة على إبدال أحد الحرفين من صاحبه.
وهذا عيار في جميع ما يرد عليك من هذا، فاعرفه وقسه تصب إن شاء الله.
ألا تراهم قالوا: أنى له أن يفعل كذا، وآن له أن يفعله، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه} 3 فهذا من أنى.
وقال الشاعر4:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا5
__________
1 البيت لسهم بن حنظلة الغنوي.
2 حال: منع. اللسان "2/ 10736". الزمزمة: الجماعة. اللسان "3/ 1866".
كانوا الأنوف: كناية عن الشرف والرفعة.
يقول: لقد منعني عصبة من أبنائي كرماء ذوي رفعة.
الشاهد في قوله: "زمزمة" كما شرحه المؤلف بالمتن.
إعراب الشاهد: زمزمة: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
3 يأن: يحين. اللسان "1/ 192". تخشع: تلين. اللسان "2/ 1165".
والشاهد في الآية كما أورده المؤلف.
إعراب الشاهد: يأن: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.
4 لم أعثر على اسمه فيما بيدي من الكتب الأدبية، وقد أورد اللسان البيت في مادة "أين"، ولم ينسبه. اللسان "1/ 192".
5 يئن: يحن. تجلى: تذهب وتزول. أقصر: أعرض.
الشرح: لقد حان لي أن أتناسى حب ليلى.
الشاهد شرحه المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: يئن: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.

(1/222)


فجمع بين اللغتين، وذهب الأصمعي إلى أن آن مقلوب عن أني، وأن أني هو الأصل، واستدل على ذلك بوجوده مصدر أني في الكلام، لقوله تعالى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاه} 1 أي بلوغه وإدراكه، ولم يجد لآن مصدرا، فلما وجد لأني أصلا وهو المصدر، وجده بذلك أعم تصرفا، ولم يجد لآن مصدرا، فقل بذلك تصرفه، قضى لأني بأنه أصل لآن، وأما أبو زيد فقال: هما أصلان، وأثبت لآن مصدرا، وقال: يقال: أن الشيء أينا، فكل واحد منهما اتبع ما سمع، وقضى لنفسه بما صح عنده.
وتبع ابن السكيت أبا زيد فقال: آن أينا. وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى2 عن ابن الأعرابي قال: يقال: إني وإنى، وحسي وحسى، ومعي ومعى. قال: وحكى أبو الحسن: إنو في إني. قال أبو علي: وهذا كقولهم جبيت الخراج جباوة، أبدلت الواو من الياء، ومثله الحيوان في قول الخليل3، لأن أصله عنده الحييان، وكأنهم إنما استجازوا قلب الياء واوا لغير علة، وإن كانت الواو أثقل من الياء، ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول الياء وغلبتها عليها، وليختلف الحرفان فيخفا.
وإذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء، جاز قلبها صادا، وذلك قوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُون} ويصاقون، و {مَسَّ سَقَر} وصقر، {وَسَخَّر} وصخر، {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه} وأصبغ، "وسراط" وصراط.
وقالوا في سقت صقت، وفي سويق صويق.
__________
1 إناه: أي بلوغه وإدراكه. مادة "أن ي" اللسان "1/ 161".
الآية: استشهد بها الأصمعي إلى أن الفعل "أنى" هو الأصل لـ"آن" لأن "أنى" ورد مصدرها أما "آن" فلم يرد لها مصدر.
2 أحمد بن يحيى: ثعلب رأس المدرسة الكوفية في النحو.
3 الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي راس المدرسة البصرية.

(1/223)