سر صناعة الإعراب

باب الظاء:
الظاء حرف مجهور، يكون أصلا لا بدلا ولا زائدا.
فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: ظلم وظفر، والعين نحو: عظم وحظر، واللام نحو: حفظ ووعظ.
واعلم أن الظاء لا توجد في كلام النبط1، وإذا وقعت فيه قلبوها طاء، ولهذا قالوا: البرطلة2، وإنما هو ابن الظل، وقالوا ناطور، وإنما هو ناظور، فاعول من نظر ينظر. كذا قول أصحابنا، فأما أحمد بن يحيى فإنه قال: ناطور ونواطير، مثل حاصود وحواصيد، والنواطر مثل الحواصد، وقد نطر ينطر، فصحح أمر الطاء كما ترى، وأنشد:
تغذينا إذا هبت علينا ... وتملأ وجه ناطركم غبارا 3
ومن هذا قولهم مستنظر، وإنما هو مستنظر مستفعل من نظرت أنظر بالظاء معجمة.
__________
1 النبط: الأنباط: وهم شعب سامي كانت له دولة في شمالي شبه الجزيرة العربية، وعاصمتهم "سلع" وتعرف اليوم بـ"البتراء". مادة "ن. ب. ط". اللسان "6/ 4326".
2 البرطلة: كلام نبطي، ليس من كلام العرب، قال أبو حاتم: قال الأصمعي: بر: ابن، النبط: يجعلون الظاء طاء، فكأنهم أرادوا: "ابن الظل"، والبرطلة: المظلة الصيفية.
وعلى هذا تكون عبارة ابن الظل تفسيرا للبرطلة، والبرطلة بفتح الباء وضمها.
3 يقول الشاعر لمن يحدثه: إن الريح أفضل جيراننا فهي تأتينا بالغذاء إن هبت علينا أما إن هبت على الآخرين فإنها تغبر وجوههم فقط.
الشاهد في قوله "ناطركم" بالطاء المهملة فأصلها الظاء.
إعراب الشاهد: تملأ: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل مستتر تقديره هي.
وجه: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
ناظركم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
غبارا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(1/237)


وقد ذكرت هذا الحرف من هذا الوجه1 في كتاب في تفسير شعر المتنبي، عند قوله:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... فقد بشمن وما تفنى العناقيد2
وأنشد ابن الأعرابي:
وشف فؤادي أن للعذب ناظرا ... حمَاه وأني لا أعيج بمالح3
فجاء بالظاء معجمة كما ترى.
__________
1 الوجه: يقصد الجهة. مادة "وج هـ" اللسان "6/ 4775".
2 نواطير مصر: ساداتها. مادة "ن ط ر" اللسان "6/ 4460".
وثعالبها: كناية عن الخدم والعبيد، وثعلب الرجل جبن وراغ على التشبيه بعدو الثعلب.
مادة "ثعلب" اللسان "1/ 485".
بشمن: شبعن.
العناقيد: خيرات مصر. مادة "ع ن ق د". اللسان "4/ 3137".
يقول المتنبي في بيته: غفل السادات عن العبيد، فأكثروا من العبث في أموال الناس حتى أكلوا فوق الشبع.
الشاهد في قوله "نواطير" بالطاء المهملة.
إعراب الشاهد:
نامت: فعل ماضي مبني على الفتح.
نواطير: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
مصر: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة.
عن ثعالبها: جار ومجرور.
3 شف فؤاده الحزن: إذا لذعه. مادة "ش ف ف" اللسان "4/ 2290".
لا أعيج: لا أميل عليه طالبا الري لملوحته الشديدة. مادة "ع ج ا" اللسان "4/ 2831".
شرح البيت: يريد أن يتألم لعدم قدرته على شرب الماء العذب لوجود حارسه، بينما هو لا يستطيع أيضا شرب الماء المالح.
الشاهد في قوله: "ناظر" بالظاء المعجمة وهي بمعنى "الناظر" بالطاء المهملة أي الحارس.
إعراب الشاهد:
أن: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
للعذب: جار ومجرور في محل رفع خبر أن. ناظرا: اسم أن منصوب.

(1/238)


وقرأت على أبي علي، عن أبي بكر1، عن بعض أصحاب يعقوب، عنه، قال: يقال: تركته وقيذا2 ووقيظا.
والوجه عندي3 والقياس أن تكون الظاء بدلا من الذال لقوله عز اسمه: {وَالْمَوْقُوذَةُ} بالذال.
ولقولهم: وقذه يقذه، ولم أسمع وقظه، ولا موقوظه، فالذال إذن أعم تصرفا، فلذلك قضينا بأنها هي الأصل.
__________
1 يريد أبا بكر بن مقسم، وهو أحد شيوخ أبي علي الفارسي.
2 الوقيذ: الموقوذة: وهي الشاة تضرب بخشبة حتى تموت فتؤكل، وقد نهى الله عن أكلها.
3 ظاهر الكلام أن هذا الرأي لابن جني، ولكن صاحب اللسان نقل ما يفيد أنه كلام أبي علي الفارسي.

(1/239)