سر صناعة الإعراب باب الغين:
الغين حرف مجهور مستعل1، يكون أصلا، لا بدلا ولا زائدا.
فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: غرم وغرب. والعين نحو:
مغر وفغر2، واللام نحو: مرغ3 وفرغ.
وقالوا: خطر بيده يخطر، وغطر يغطر، فالغين كأنها بدل من الخاء، لكثرة
الخاء، وقلة الغين، وقد يجوز أن يكونا أصلين، إلا أن أحدهما أقل
استعمالا من صاحبه.
فأما قولهم في لعل: لعني ولغني ورغني، فينبغي أن يكون الغين فيه بدلا
من العين، لسعة العين في الكلام، وكثرتها في هذا المعنى، وقلة الغين،
وأما ارمعل وارمغل فلغتان، قال4:
بكى جزعا من أن يموت وأجهشت ... إليه الجرشي وارمعل خنينها5
وارمغل أيضا.
__________
1 مستعل: أي من أعلى الحنك. مادة "ع ل ا". اللسان "4/ 3088".
2 فغر: فتح. مادة "فغر". اللسان "5/ 3440".
3 المرغ: المخاط، وقيل: اللعاب، والروضة. وغير ذلك. اللسان "6/ 4184".
4 البيت لمدرك بن حصن الفقعسي، كما في اللسان مادة "ضن" ومادة "رمعل".
وأنشد قبله قوله:
ولما رآني صاحبي رابط الحشا ... موطن نفس قد أراها يقينها
وفي معجم الشعراء للمرزباني: مدرك أو مغلس بن حصن الفقعسي: إسلامي،
وذكره التبريزي في شرحه للحماسة "4/ 46".
5 أجهش بالبكاء: تهيأ له. الجرشي: النفس. ارمعل خنينها: تتابع بكاؤها.
الشرح: بكى هذا الرجل خوفا من الموت وأخذت أنفاسه تتابع من البكاء
ويعلو خنينه.
الشاهد: في قوله "وارمعل خنينها".
إعراب الشاهد:
ارمعل: فعل ماض مبني على الفتح. خنينها: فاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه.
(1/255)
وكذلك قولهم: علث الطعام وغلثه1، والنشوع
والنشوغ: لغات كلها، لاستوائها في الاطراد والاستعمال.
وأما بيت زهير، وهو قوله:
حتى إذا ما هوت كف الغلام لها ... طارت وفي كفه من ريشها بتك2
فيروى: الغلام بالغين معجمة، والعلام، بالعين غير معجمة.
فأما الغلام فمعروف، وأما العلام، بالعين غير معجمة، فأخبرنا أبو بكر
محمد بن الحسن3، عن أبي الحسين أحمد بن سليمان المعبدي4، عن ابن أخت.
__________
1 علث الطعام وغلثه: أكله. وتطلق على كل شيئين خلطا. اللسان "4/ 3065".
2 البيت من قصيدة له مطلعها:
بان الخليط ولم يأووا لمنت ركوا ... ودودوك اشتياقا أية سلكوا
وزعم الأصمعي أنه ليس للعرب قصيدة كافية أجود من هذه، والبيت في وصف
قطاة يطاردها صقر فهوت على الأرض، فوقعت عليها كف الغلام الصائد، فطارت
خوفا منه، وفي يده قطع من ريشها.
البتك: جمع بتكة وهي القطعة، ويروى العلام بالعين المهملة كما قال
المؤلف وهو الصقر، وهذه الرواية هي التي تلائم سياق القصيدة، لأن ما
قبل البيت وما بعده في وصف الصقر الذي يطارد القطاة. مادة "ب ت ك"
اللسان "1/ 206".
موضع الشاهد في: هوت كف الغلام.
إعراب الشاهد: هوت: فعل ماض مبني. كف: فاعل مرفوع.
الغلام أو -العلام بمعنى الصقر-: مضاف إليه مجرور بالإضافة.
3 هو أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب أحد القراء بمدينة السلام
وأحد شيوخ أبي علي.
4 قال ياقوت في معجم الأدباء: "أحمد بن سليمان الميدي "صوابه المعبدي"
أبو الحسن، ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: روى عن علي بن ثابت عن أبي
عبيد وعن ابن أخت أبو الوزير عن ابن الأعرابي، وروى عنه أبو بكر محمد
بن الحسين بن المقسم -وخطه يرغب فيه وهو أحد العلماء المشاهير
الثقات.... مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين.
وقال ياقوت أيضا في المعبدي: "أحمد بن محمد بن عبد الله المعبدي من ولد
معبد بن العباس ابن عبد المطلب أحد من اشتهر بالنحو والعربية من
الكوفيين. ووجه من وجوه أصحاب ثعلب الكبار. مات سنة اثنتين وتسعين
ومئتين"، وقد ذكره أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي في نحاة الكوفيين،
وقال: كان بارعا.
(1/256)
أبي الوزير1، عن ابن الأعرابي قال: العلام
هنا: الصقر.
وهذا من طريف2 الرواية. وغريب اللغة.
وقد قال في قول الراجز3:
قبحت من سالفة4 ومن صدغ
كأنها كشية ضب في صقغ5
إنه أراد صقع بالعين، فأبدلها غينا.
__________
1 لم نعثر في كتب التراجم على ترجمة لابن أخت أبي الوزير.
2 الطريف: الجديد. مادة "طرف". اللسان "4/ 2657".
3 الراجز: من ينشد الرجز، وهو بحر من بحور الشعر. أصل وزنه.
مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مادة "رجز". سبق تخريجها.
4 السالفة: صفحة العنق والصدغ بضم الدال، وهو ما بين لحاظ العين
والأذن.
5 كشية الضب: أصل ذنبه، وهو المراد هنا: وقيل: هي شحمة على موضع
الكليتين.
والصقع بالعين والغين: الناحية، وقد روى البيت صاحب اللسان في "صقع"
بالعين، وقال: إنما معناه في ناحية، وجمع بين العين والغين لتقارب
مخرجيهما. اللسان "4/ 2472".
الشرح: يقبح الشاعر منظر وجه رآه فيرى صدغه وصفحة العنق فيه وكأنهما
ذيل ضب وهو حيوان كاليربوع.
الشاهد: كأنها كشية ضب في صقغ.
إعراب الشاهد: كأن: حرف تشبيه ونصب، والهاء اسمها.
كشية: خبر كأن مرفوع.
ضب: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.
في صقغ: جار ومجرور في محل جر صفة.
(1/257)
|