سر صناعة الإعراب باب الياء
مدخل
...
باب الياء:
اعلم أن الياء حرف مجهور، يكون في الكلام على ثلاثة أضرب: أصلا، وبدلا،
وزائدا.
فإذا كانت أصلا وقعت فاء، وعينا، ولاما، فالفاء نحو "يُسر" و"يَعَر"1
والعين نحو "بَيت" و"سَارَ"، واللام نحو "ظَبي" و"رميت".
وقد يكون التضعيف في الياء كما يكون في سائر الحروف، من ذلك الفاء
والعين، وهو قولهم في اسم مكان "يَينٌ"، وليس له في الأسماء نظير،
وقالوا في الفعل "يَييتُ ياءً حسنة" أي: كتبت ياء، على أن ذلك شاذ.
ومن ذلك الفاء واللام، وقالوا "يَد" وأصلها "يَدْيٌ" بوزن "فَعْل"،
يدلك على ذلك قولهم "أَيْد"، فهذا يدل على أن العين ساكنة، ويدل على أن
اللام ياء قولهم "يَديتُ إليه يَدا"2، ولم يقولوا "يَدَوتُ".
ومن ذلك العين واللام، وهو أكثر من الاثنين الماضيين، وذلك قولهم:
"حَيَيتُ" و"عُييتُ" و"الحيّة" من هذا أيضًا، عينها ياء، وليست واوًا
كعين "لية"، يدل على ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في النسب إلى "حَية
بن بهدلة": "حَيَوي"3، ولو كانت العين واو لقالوا "حَوَوي" كما تقول في
النسب إلى "لَية": "لَوَوي".
فإن قلت: فهلا كانت "الحية" مما عينه واو استدلالا بقولهم "رجُل
حَوّاء"4 لظهور الواو عينا في "حَوّاء"؟
__________
1 يعر: يعرت العنز أي صاحت. اللسان "5/ 301" مادة/ يعر.
2 يديت إليه يدا: وأيدتها: صنعتها. اللسان "15/ 422" مادة/ يدي.
3 الكتاب "2/ 72".
4 رجل حواء: يجمع الحيات. اللسان "14/ 208" مادة/ حوى.
(2/361)
فالجواب: أن أبا على ذهب إلى أن "حَية"
و"حَواء" كـ "سَبِط"1 و"سِبطَر" و"لؤلؤ" و"لأال"2 و"دَمِث"3 و"دِمَثر"4
و"دِلاص"5 و"دُلامِص" في قول أبي عثمان6، وأن هذه ألفاظ اقتربت أصولها،
واتفقت معانيها، وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه، فكذلك "حية" مما عينه
ولامه ياءان، و"حواء" مما عينه واو ولامه ياء، كما أن "لؤلؤا" رباعي
"ولأال" ثلاثي، ولفظاهما مقتربان، ومعنياهما متفقان.
ونظير ذلك في العين قولهم: "جُبتُ جَيبَ القميص"7 فـ "جُبتُ" عينه واو،
لأنه من جاب يجوب، و"الجَيبُ" عينه ياء، لقولهم في جمعه "جُيُوب" قال
الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن} [النور:
31] 8.
وقال ابن الدمينة9:
ألا لا أُبالي ما أَجَنّت قلوبهم ... إذا نَصحت ممن أُحِب جُيُوب10
وإنما جعلنا "حواء" من باب ما عينه واو ولامه ياء، وإن كان يمكن لفظه
أن يكون مما عينه ولامه واوان، من قِبَل أن هذا هو الأكثر في كلامهم.
ولم تأت الفاء والعين واللام كلها ياءات إلا في قولهم: يَيَّيتُ ياءً
حسنةً، على أن فيه ضعفا من طريق الرواية.
__________
1 سبط: السبط من الرجال: الطويل.
2 لأال: بائع الؤلؤ.
3 دمث: المكان الدمث: لان وسهل. اللسان "2/ 149" مادة/ دمث.
4 نفس المعنى السابق مع اختلاف في الحروف.
5 دلاص: من الدروع اللينة والبراقة وملساء لينة.
6 المنصف "1/ 152".
7 جيب القميص: طوقه. القاموس المحيط "1/ 50" مادة/ جيب.
8 {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : وليُلقين بغطاء
الرأس على فتحة الصدر لستر شعورهن وأعناقهن. والشاهد: أن كلمة الجيب
عينها ياء.
9 انظر ديوانه "ص114".
10 الشاعر لا يبالي بما يحدث لمن يرفض النصيحة، وقد استخدم أداة
الاستفتاح "ألا" لجذب الانتباه.
والشاهد فيه كلمة "جيوب" حيث جاءت عين الكلمة ياء.
(2/362)
وليس في كلامهم اسم في أوله ياء مكسورة إلا
قولهم في اليَسار اسمِ اليد "يِسار" بكسر الياء، وقالوا "يَقظان
ويِقاظ" و"يَعر ويِعَرة" للجَدي. وقالوا: "يَيأس ويِيئس": وإنما رُفض
ذلك استثقالا للكسرة في الياء.
(2/363)
إبدال الياء
مدخل
...
إبدال الياء:
قد أبدلت الياء من الألف، والواو، والهمزة، والهاء، والسين، والباء،
والراء، والنون، واللام، والصاد، والضاد، والميم، والدال، والعين،
والكاف، والتاء، والثاء، والجيم.
فأما إبدالها من الألف فقولهم في "حِملاق"1: "حُمَيليق" و"حَماليق"،
وفي "مِفتاح": "مُفَيتيح" و"مَفَاتيح"، وفي "خَلخال"2: "خُلَيخيل"
و"خَلاخيل". وكذلك الياء في "قِيْتال" و"ضِيْراب" إنما هي بدل من ألف
"قاتلتُ" و"ضاربتُ".
فإن قلت: إن المصدر هو الأصل، والفعل هو الفرع، فكيف جعلت ما هو موجود
في الأصل بدلا مما هو موجود في الفرع، وهل هذا إلا عكس ما يوجبه
القياس؟
فالجواب: أن ذلك لا تعلق له بالأصل والفروع؛ ألا ترى أنهم أعلوا "عِدة"
وهي المصدر لاعتلال "يَعِدُ" وهو الفعل، وأعلوا أيضًا "يقوم" لاعتلال
"قام"، ومرتبة الحال والاستقبال جميعًا أن يكونا قبل الماضي، والعلة في
هذا ونحوه أن المصدر وإن كان أصلا للفعل، فإن أمثلة الأفعال المختلفة
في الماضي والحال والاستقبال والمصادر، تجرى مجرى المثال الواحد، حتى
إنه إذا لزم بعضها شيء لزم جميعها، وحتى إنه إذا حصل في بعضها بعض
التعويض صار كأن ذلك التعويض قد عم جميعها إذ كانت كلها كالمثال
الواحد؛ ألا ترى أنهم لما حذفوا الهمزة من "أُكْرمُ" وبابه صار وجودها
في "الإكرام" كالعوض من حذفها في "يكرم"، وكذلك أيضًا وجودها في
__________
1 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/
69" مادة/ حمق.
2 خلخال: حلية كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن "ج" خلاخيل. اللسان
"11/ 220".
(2/363)
"أكرَمَ" و"أكرِمْ" يصير عوضًا من حذفها في
"أُكرمُ، ونُكرم، وتُكرم، ويُكرم" فاعرف ذلك. وكذلك كل ألف انكسر ما
قبلها، أو وقعت قبلها ياء التحقير نحو: "كُتيب" و"حُسيب".
(2/364)
إبدال الياء من
الواو:
كل واو سكنت غير مدغمة، وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وذلك نحو "مِيقات"
و"ميزان" و"ميعاد"، أصل ذلك "مِوقات" و"مِوزان" و"مِوعاد"، فلما سكنت
الواو غير مدغمة، وانكسر ما قبلها ياء. فإن تحركت الواو، أو زالت
الكسرة من قبلها، صحت، وذلك نحو "مُوَيزين" و"مَوازين" و"مُوَيقيت"
و"مَواقيت"، ومن ذلك "حِوَل" و"عِوَض" و"طِوَل".
فأما قولهم: "ثِياب" و"حِياض" و"رِياض" فإنما قُلبت الواو ياء وإن كانت
متحركة من قِبَل أنه اجتمعت خمسة أشياء: منها أن الكلمة جمع، والجمع
أثقل من الواحد، ومنها أن واو الواحد منها ضعيفة ساكنة في "ثوب" و"حوض"
و"روضة"، ومنها أن قبل الواو كسرة؛ لأن الأصل "ثِيواب" و"حِواض"، ومنها
أن بعد الواو ألفا، والألف قريبة الشبة بالياء، ومنها أن اللام صحيحة،
إنما هي باء وضاد، وإذا صحت اللام أمكن إعلال العين، ومتى لم تذكر هذه
الأسباب كلها، وأخلت ببعضها، انكسر القول، ولم تجد هناك علة ألا ترى أن
"طِوال" جمع، وقبل واوه كسرة، وبعد واوه ألف، ولامه صحيحة، ومع ذلك
فعينه سالمة لما تحركت في الواحد الذي هو "طَوِيل"، فلما نقص بعض تلك
الأوصاف لم يجب الإعلال. وكذلك "زَوج" و"زِوَجة" و"عَوْد"1 و"عِوَدة"
قد اجتمع فيها سكون واو الواحدة والكسرة التي قبل الواو في الجمع وأنه
جمع، ولامه صحيحة، إلا أنه لم تقع بعد عينه ألف، صحت الواو، فأما
"ثِيَرة" فشاذ.
وقال أبو العباس2: إنما أعلوا "ثِيَرة" جمع "ثَور" هذا الحيوان للفرق
بينه وبين "ثِوَرة" جمع "ثَور" وهو القطعة من الأَقِط.
__________
1 عود: البعير النحيفة أو المسنة. لسان العرب "3/ 321" مادة/ عود.
2 انظر/ المنصف "1/ 346-347".
(2/364)
وكذلك "رِواءٌ"1 جمع "ريَان" و"طِواء" جمع
"طَيان"2 هو مثال جمع، وقد انكسر ما قبل واوه، وبعدها ألف، والواو في
واحده ساكنة بل معتلة؛ لأن الأصل "رَوْيان" و"طَوْيان" إلا أنه لما
كانت لامه معتلة صُححت عينه، ولم تُعلل، فاعرف ما ذكرته، فإن أحدا من
أصحابنا لم يحتط في بابه وذكر علته الموجبة لقلبه هذا الاحتياط، ولا
قيّده هذا التقييد.
فأما "غازِية"3 و"مَحنِية"4 فأصلهما "غازِوة" و"مَحنِوة". وإنما قلبت
الواو وإن كانت متحركة من قِبَل أنها وقعت لاما، فضعُفت، فقلبت، ولم
تجر مجرى العين في الصحة للحركة نحو "عِوَض" و"حِوَل" و"طِوَل".
فأما "حِنذوة"5 فإنما صحت فيها الواو وإن كانت آخرا، من قبل أنهم لو
قلبوها، فقالوا "حِنذية" لم يُعلم أأصلها "فِعلِوة" أم "فِعلِية"،
ولجرت مجرى "حِذرِية"6 و"هِبرِية"7 و"عِفرِية"8.
قال أبو العباس "حُنذُوة" أيضًا، بضم الحاء والذال: شعبة من الجبل.
فإن كانت الواو مدغمة لم تقلب الأولى منهما وإن انكسر ما قبلها لتحصنها
بالإدغام، وقد ذكرنا ذلك في فصل "اجلِواذّ" من حرف الواو، وقول بعضهم
"اجلِيواذ". ونظير "اجليواذ" قولهم "ديوان" لأن أصله "دِوّان" ومثاله
"فِعّال" والنون فيه لام لقولهم "دَوَّنْتُه" و"دَواوين" و"دُوَيْوين".
ولم تقلب الواو في "ديوان" وإن كانت قبلها ياء ساكنة من قبل أن الياء
غير لازمة، وإنما أبدلت من الواو تخفيفًا؛ ألا تراهم قالوا "دواوين"
فما زالت الكسرة من قبل الواو، على أن بعضهم قد قال "دَياوين" فأقر
الياء محلها وإن كانت الكسرة
__________
1 رواء: جمع ريان، يقال روى النبت: تنعم فهو ريان. القاموس المحيط "4/
337".
2 طيان: صانع الطين. لسان العرب "13/ 270" مادة/ طين.
3 غازية: قلبت الواو ياء، لأن أصلها "غازوة"، والغزية تأنيث الغازي.
اللسان "15/ 124".
4 محنية: منعرجة حيث ينعطف. اللسان "14/ 204" مادة/ حنا.
5 حنذوة: الشعبة من الجبل. اللسان "3/ 352" مادة/ حذر.
6 حذرية: الأرض الخشنة والغليظة. اللسان "4/ 176" مادة/ حذر.
7 هبرية: ما طار من الريش ونحوه.
8 عفرية: الخبيث المنكر الداهية.
(2/365)
قد زالت من قبلها، وأجرى غير اللازم مجرى
اللازم وقد كان سبيله إذا أجراها مجرى الياء اللازمة أن يقول "دِيان"
إلا أنه كره تضعيف الياء كما كره الأول تكرير الواو.
قال الشاعر1:
عَداني أن أزورَكِ أُم عمرو ... دَياوينٌ تُشَقَّقُ بالمِداد2
واعلم أن الواو متى وقعت قبلها الياء ساكنة قلبت الواو ياء وكذلك إن
وقعت الواو ساكنة قبل الياء، فالأول نحو "سَيد" و"مَيت" والثاني نحو
"لَية" و"طَية". وقد ذكرنا هذا كله مستقصى في حرف الواو، وذكرنا هناك
"َضْيَون" و"رَجاء بن حَيْوة".
فأما قولهم في "فُعِلَ" من "فاعَلتُ" و"فَيعَلْتُ" و"فَوْعَلتُ" من
"سِرْتُ" و"بِعْت": "سُوْيِرَ" و"بُوْيِع" فلم تقلب فيه الواو ياء لأن
الواو ليست بلازمة في "فَاعلتُ"، وأجروا "فَيعلْتُ" و"فَوعَلْتُ" مجرى
"فاعلتُ"، ولو أدغموا فقالوا "بُيِّعَ" و"سُيِّرَ" التبس أيضًا بـ
"فُعِّل".
وقد أبدلت الياء من الواو إذا كانت لام "فُعلَى" وذلك نحو "العُليا"
و"الدنيا" و"القُصيا"، وقالوا "القُصوى" فأخرجوها على أصلها، فأما
"حُزْوَى"3 فعلم، ولا ينكر في الأعلام كثير من التغيير نحو "حَيْوة"
و"مَزْيَد" و"مَحْبَب"، وقد ذكرنا هذا قديما في هذا الكتاب. ونظير
القُصوى في الشذوذ قولهم: خذ الحُلوَى وأعطه المُرَّى.
واعلم أنهم قد أبدلوا الياء من الواو إذا وقعت الكسرة قبل الواو وإن
تراخت عنها بحرف ساكن، لأن الساكن لضعفه ليس حاجزا حصينا، فلم يعتد
فاصلا، فصارت الكسرة كأنها قد باشرت الواو، ولا يقاس ذلك، وذلك قولهم
"صبية" و"صبيان"
__________
1 انظر/ الخصائص، والمنصف "2/ 32".
2 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه. مادة "دون" "13/ 166" ولكن بدل
"تشقق"، "تنفق" والشاعر يعتذر عن عدم زيارة أم عمرو لما يشغله من كتابة
الدواوين.
الشاهد فيه "دياوين" حيث قلبت الواو ياء وأصله "دواوين".
3 حزوى: اسم مكان. لسان العرب "14/ 176" مادة/ حزا.
(2/366)
والأصل "صِبْوَة" و"صِبْوان" لأنه من
صَبَوتُ صَبْوًا، فقلبت الواو لكسرة الصاد، ولم تفصل الباء بينهما
لضعفها بالسكون، وقد قالوا أيضًا "صِبْوان" فأخرجوها على أصلها، وقالوا
أيضًا "صُبْوان" وهو نحو من "صِبْوان"، فأما قول بعضهم "صُبيان" بضم
الصاد وبالياء ففيه من النظر أنه ضم الصاد بعد أن قلب الواو ياء في لغة
من كسر الصاد، فقال "صِبيان" فلما قلبت الواو ياء للكسرة، وضُمت الصاد
بعد ذلك أُقرت الياء بحالها التي كانت عليها في لغة من كسر.
ومن ذلك قولهم "قِنْية"1، هو من "قَنَوتُ" هكذا يقول أصحابنا، وقد روي
أيضًا "قُنْية" و"قِنوة" و"قُنوة" وقالوا أيضًا "قَنَوْتُ"
و"قَنَيْتُ". فمن قال "قَنَيتُ" فلا نظر في "قِنية" و"قُنية" في قوله،
ومن قال "َقَنوتُ" فإن كان ممن يقول "قُنية" فالكلام في إبدال الواو
ياء في قوله هو الكلام في قول من قال "صُبيان".
وقال الراجز2:
بعُنُق أسطَعَ في جِرانِهِ ... كالجِذع مال البسر من قُنيانِهِ
والوحد "قِنْو"، والقول فيه القولُ في "صُبيان" بضم الصاد.
ومثله "عَليّ" و"عِلية" وأصله "عِلوة" لأنه من عَلَوت. فقالوا: فلان
قِدْية في الخير، يريدون: قِدوة. ومثله: ناقة بِلوُ سَفَر، وبِليُ
سَفَر، وهما من "بَلَوت". وقالوا: ناقة عِليانة3، وهي من "عَلَوت".
وقالوا: أرض عِذْيٌ4، وطعام عِذْي، وقالوا في جمع "عَذاة": "عَذَوات"
بالواو. ومن كلام بعضهم في صفة أرض: قد حفّتها الفَلَوات، وبعجتها
العَذَوات5. وقالوا: "حِذْية"6 وهي من "حَذَوتُ".
__________
1 قنية: القنية، الكِسبة. لسان العرب "15/ 201" مادة/ قنا.
2 الجران: باطن العنق، وقيل: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره.
اللسان "13/ 86".
3 ناقة عليانة: طويلة جسيمة. لسان العرب "15/ 92" مادة/ علا.
4 عذي: أرض عذي: طيبة الثرى كريمة المنبت، وقيل الزرع الذي لا يسقيه
إلا ماء المطر.
5 بعجتها العذوات: توسطتها. لسان العرب "2/ 2515" مادة/ بعج.
6 حذية: الحذية من اللحم ما قطع طولا، وقيل: هي القطعة الصغيرة، وقال
الأصمعي: أعطيته حذية من لحم وحذة وفلذة، كل هذا إذا قطع طولا. اللسان
"14/ 171" مادة/ حذا.
(2/367)
ومتى صارت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء،
وذلك نحو: أَغزيَتُ، واستغزيت، وتقصّيْتُ، وادَّعيتُ، ومَغزَيان،
ومَلهَيان، ومُسْتغزيان، وقد تقدمت علة ذلك.
وقال بعضهم في "يَوْجَل"1: "يَيْجل"، وفي "يَوْحَل" "يَيْحَلُ"، وقالوا
أيضًا: "يِيجل" و"يِيحل"، كل ذلك هربا من الواو.
__________
1 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع. لسان العرب "11/ 722" مادة/ وجل.
(2/368)
إبدال الياء من
الهمزة:
اعلم أن كل همزة سكنت وانكسر ما قبلها وأردت تخفيفها قلبتها ياء خالصة،
تقول في "ذئب": "ذيب" وفي "بئر": "بير" وفي "مئرة": "ميرة". وكذلك إذا
انفتحت وانكسر ما قبلها، تقول في "مِئر": "مِيَر" وفي يريد أن يقرئك:
يريد أن يقريك، وفي "بِئار": "بِيار" كقول القائل1
ألم ترنا غَبَّنا ماؤنا ... سِنينَ، فظَلْنا نَكُدّ البِيارا2
وكذلك إن وقعت الهمزة بعد ياء "فَعيل" ونحوه مما زيدت فيه لِمَد، أو
بعد ياء التحقير، فتخفيفها أن تخلصها ياء، وذلك قولك في "خطيئة":
"خطية" وفي "نبيء": "نبى" وفي "أُفَيْئس" تصغير أَفْؤُس: "أُفَيّس"،
وفي تخفيف "أُرَيئس" تحقير "أَرؤُس": "أُرَيِّس"، ولا تحرك واحدة من
هاتين الياءين البتة؛ لأن حرف المد متى تحرك فارق المد، ولأن ياء
التحقير أخت ألف التكسير، فكما أن الألف لا تحرك، كذلك أجروا الياء هنا
إذ كانت فيه رسيلتها، على أن بعضهم قد قال في تخفيف "خطيئة": "خَطِيَة"
فحرك الياء بحركة الهمزة، وهذا من الشذوذ في القياس والاستعمال جميعًا
بحيث لا يلتفت إليه.
__________
1 لم أقف على قائل البيت.
2 إن الماء قد بعدت ولم تنل من الآبار إلا بشق الأنفس.
وقد استخدم الشاعر أسلوب الاستفهام لجذب الانتباه.
والشاهد فيه كلمة "بيار" حيث قلبت الهمزة ياء تخفيفًا.
(2/368)
ومتى اجتمعت همزتان وانكسرت الأولى منهما
قلبت الثانية ياء البتة، وكان البدل لازما، وذلك قولك: إيمان، وإيلاف1،
وإيناس، وأصله: إئمان، وإئلاف، وإئناس، فقلبت الثانية ياء البتة
لانكسار ما قبلها، ولم يجز التحقيق لاجتماع الهمزتين، فقس على هذا.
وقد أبدلوا الهمزة ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف، وذلك قولهم في
"قرأت": "قريت" وفي "بدأت": "بديت" وفي "توضأت": "توضيت".
وعلى هذا قال زهير2:
جريء متى يُظلَم يُعَاقب بظُلمِهِ ... سريعا، وإلا يُبْدَ بالظلم
يَظلِمِ3
أراد يُبدأ، فأبدل الهمزة، وأخرج الكلمة إلى ذوات الياء.
ومن أبيات الكتاب4:
وكنتَ أذلَّ من وَتَد بقاعٍ ... يُشَجِّج رأسه بالفِهر واجي5
يريد: واجئ، فأبدل الهمزة ياء، وأجراها مجرى الياء الأصلية. والدليل
على ذلك أنه جعلها وصلا لحركة الجيم؛ ألا ترى أن البيت جيمي، ولو كانت
الهمزة منوية عنده لم يجز أن تكون الياء وصلا كما لا يجوز أن تكون
الهمزة المرادة المنوية وصلا.
__________
1 وإيلاف: من يؤلفون أي يهيئون ويجهزون. اللسان "9/ 10" مادة/ ألف.
2 البيت من معلقة زهير. انظر ديوانه "ص24".
3 جريء: مقدم من قوم أجرئاء بهمزتين، عن اللحياني. اللسان "1/ 44"
مادة/ جرأ.
يقول: وهو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا وإن لم يظلمه أحد ظلم
الناس إظهارا لحسن بلائه، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعني
به حصينا ثم أضرب عن قصته، ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الصلح.
والشاهد فيه "يبد" فأصلها "يبدأ" حيث قلبت الهمزة ياء للتخفيف. وحذفت
بجزم مقدر، وتقديره "وإلا إن يبد بالظلم يظلم".
4 البيت لعبد الرحمن بن ثابت من قصيدة هجاء. انظر/ الكتاب "2/ 170".
5 الفهر: حجر ناعم صلب يسحق به الصيدلي الأدوية.
الواجي: دق عنقه. اللسان "1/ 190" مادة/ وجأ
والشاهد فيه "واجي" حيث أبدل الهمزة ياء وأصلها "واجئ" وأجراها مجرى
الياء الأصلية.
(2/369)
وحدثنا أبو علي1، قال: قال أبو العباس: لقي
أبو زيد سيبويه، فقال له: سمعت من العرب من يقول "قَرَيتُ" و"توضيت"،
فقال له سيبويه: كيف يقول منه يَفعَل؟ فقال: "أَقرأُ". فقال سيبويه:
لا، ينبغي أن يقول: "أَقْري".
يريد سيبويه بذلك أن هذا الإبدال لا قوة له، ولا قياس يوجبه، ولو كان
على القياس لوجب أن تخرج الكلمة إلى ذوات الياء، فيقول: "أَقْري" كما
تقول: "رميت أرمي"؛ ألا ترى أن البدل لما وجب في "جاء" ونحوه جرى لذلك
مجرى "قاضٍ" فاعرفه.
ونحو من هذا قول ابن هَرمة2:
إن السباع لَتَهدى عن فَرائسها ... والناسُ ليس بهادٍ شَرهم أَبَدا3
يريد: ليس بهادئ، فأبدل الهمزة ياء ضرورة، وجميع هذا لا يقاس إلا أن
يضطر شاعر. وقالوا في "أعْصُرَ" -اسم رجل- "يَعْصُرُ" فالياء بدل من
الهمزة، قال أبو علي: إنما سمي أعصر بقوله4:
أبُنَيَّ إن أباك شَيَّبَ رأسَهُ ... كرُّ الليالي واختلافُ الأعصُرِ5
__________
1 انظر الحجة "2/ 96" مخطوط.
2 البيت في شعره "ص97" ولم يذكره صاحب اللسان.
3 يقول إن السباع لا تهدأ عن فرائسها كما أن الناس لا يهدأ شرهم أبدا.
والشاهد فيه "لتهدى" حيث أبدل الهمزة ياء للضرورة وأصلها "يهادئ" وهذا
مما لا يقاس عليه.
4 هو أعصر بن مسعد بن قيس عيلان، والبيت في طبقات فحول الشعراء.
وقد أطلق عليه "أعصر" بعد إنشاد هذا البيت. انظر طبقات فحول الشعراء
لابن سلام الجمحي.
وذكره صاحب اللسان بتحريف بسيط في قوله:
ابني إن أباك غير لونه ... كر الليالى واختلاف الأعصر
مادة "عصر" "4/ 581".
5 الكر: الرجوع. اللسان "5/ 135" مادة/ كرر.
والأعصر "ج" عصر، وهو الدهر وتجمع على "عصور".
والشاعر يحدث ابنه بأن الأيام والليالي المتوالية قد شيبت شعر رأسه.
والشاهد فيه "أعصر" حيث أطلق اسم الدهر لقبا على الشاعر ولم تبدل
الهمزة ياء.
(2/370)
إبدال الياء من
الهاء:
قالوا: دَهدَيتُ الحجر، أي: دَحرجتُهُ، وأصله: دَهدَهْتُهُ، ألا تراهم
قالوا: هي دُهْدوهة الجعل لما يُدَحْرجه، قال أبو النجم1:
كأنّ صوتَ جَرْعها المُستَعجل ... جَنْدَلَة دَهْدَيتُها في جَنْدَلِ2
وقالوا في صَهْصَهتُ بالرجل إذا قلت له صَهْ صَهْ: صَهْصَيْتُ، فأبدلوا
من الهاء ياء.
__________
1 البيتان من أرجوزته المذكورة في الطرائف الأدبية "ص65".
2 جرعها: شربها في عجلة. اللسان "8/ 46".
الجندل: الحجارة.
والشاعر يصور صوت شرب الماء بصوت حجر دحرجه فاصطدم بحجر آخر، واستخدم
أسلوب التشبيه لتوضيح المعنى.
والشاهد فيه: "دهيتها" حيث أبدلت الهاء ياء فأصلها "دهدهتها".
(2/371)
إبدال الياء من
السين:
قال الشاعر1:
إذا ما عُدَّ أربعةٌ فِسالٌ ... فزوجُكِ خامسٌ، وأبوكِ سَادي2
أي: سادس. وقال الآخر3:
__________
1 نسب البيت في جمهرة اللغة "2/ 196" إلى امرئ القيس، ذكره صاحب اللسان
دون أن ينسبه في مادة "س د ا" "14/ 377".
2 الفسل من الرجال: اللئيم الرذل الذي لا مروءة له ولا جلد. اللسان
"11/ 519" مادة/ فسل.
والبيت جاء في غرض الهجاء.
والشاهد فيه "سادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "سادس". اللسان "14/
377".
إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
3 البيت لرجل كانت امرأة تقارعه ويقارعها أيهما يموت قبل وكان تزوج
نساء قبلها فمتن وتزوجت هي أزواجا قبله فماتوا، فقال:
ومن قبلها أهلكت بالشؤم أربعا ... وخامسة أعتدها من نسائيا
وهو في شرح شواهد الشافية "ص447" وتهذيب الألفاظ "ص590"، واللسان "8/
99".
(2/371)
نُوازِل أَعوام أذاعتْ بخمسةٍ ... وتعتدّني
إن لم يتق الله ساديا1
أي: سادسا، وقال الآخر2:
عمرو وكعب وعبد الله بينهما ... وابناهما خمسة، والحارثُ السادي
وقال الآخر4:
مضى ثلاثُ سنينَ منذُ حُلّ بها ... وعامُ حُلّتْ، وهذا التابعُ الخامي5
أي: الخامس.
__________
1 نوازل: الشدائد تنزل بالقوم.
أذاعت بخمسة: أذهبته وطمست معالمه.
الشاهد فيه قوله "ساديا" فأصلها سادس وأبدلت السين ياء.
2 البيت ينسب لامرأة تبكي قتلى قومها بني حارس الذين قتلوا في وقعة مع
بني عامر.
انظر شرح شواهد الشافية "ص448".
3 تعدد الشاعرة قتلى قومها الذين أصيبوا في الحرب.
والشاهد في البيت "السادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "السادس".
إعرابه: صفة مرفوعة بضم مقدر.
4 نسبه صاحب اللسان لقطبة بن أوس. مادة "خمس" "6/ 76".
5 يقول مر ثلاث سنوات منذ أن نزل بهذا المكان وتابعه عام آخر وهذا
العام الخامس.
والشاهد فيه "الخامي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "الخامس".
إعرابه: صفه مرفوعة بضم مقدر.
(2/372)
إبدال الياء من
الباء:
أنشد سيبويه1:
لها أشاريرُ من لحْمٍ تُتَمِّرُهُ ... من الثعالي، ووخزٌ من أرانيها2
__________
1 البيت ينسب لأبي كاهل اليشكري. ذكره صاحب اللسان مادة "شرر" "4/
401".
2 الأشارير: جمع إشرارة وهي قطعة اللحم تجفف لادخارها. اللسان "4/
401".
الوخز: كالنخس يكون من الطعن الخفيف الضعيف. اللسان "5/ 428" مادة/
وخز.
والشاعر يصف امرأة تدعى "عقاب" حيث تجفف اللحم من الثعالب والأرانب
لوقت الحاجة إليه.
والشاهد فيه "ثعالي- أرانيها" حيث أبدلت الياء من الباء والأصل "ثعالب-
أرانبها".
إعرابه: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة.
(2/372)
قال1: "أراد: الثعالب والأرانب، فلم يمكنه
أن يقف على الباء، فأبدل منها حرفا يمكن أن يقفه في موضع الجر، وهو
الياء"، قال: "وليس ذلك أنه حذف من الكلمة شيئًا، ثم عوض منه الياء".
ويحتمل عندي أن تكون "الثعالي" جمع "ثعالة" وهو الثعلب، وأراد أن يقول
"ثعائل" فقلب، فقال: "ثعالي" كما قال2:
وكأنّ أُولاها كِعابُ مُقامرٍ ... ضُربِتْ على شُزُن فهنّ شَواعي3
أراد: شوائع.
ومن أبيات الكتاب4:
تَكاد أَواليها تَفَرّى جُلودُها ... ويكتحل التالي بمُور وحاصِبِ5
يريد: أوائلها، وله نظائر، إلا أن الذي ذهب إليه سيبويه أشبه لقوله:
"أرانيها"، ولأن "ثعالة" اسم جنس، وجمع أسماء الأجناس ضعيف.
وقالوا: "ديباج" و"دباببيج"، فدل قولهم: "دبابيج" بالباء على أن أصله
"دِبّاج" وأنه إنما أبدل الباء ياء استثقالا لتضعيف الباء.
__________
1 أي سيبويه. انظر/ الكتاب "1/ 344".
2 هو الأجدع بن مالك الهمذاني، ذكره صاحب اللسان في مادة "شعا".
وشطر البيت الأول:
كأن صرعيها كعاب مقامر
3 الشزن: الحرف أو الجانب.
الشواعي: المتفرقة "م" شاعية.
والشاعر يصف الخيل وهي تغير على مواقع العدو.
والشاهد فيه "شواعي" فأصله شوائع.
إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
4 ذكر البيت صاحب اللسان مادة "وأل" ونسبه إلى يعقوب بإنشاده لذي الرمة
"11/ 716".
5 المور: الاضطراب في أي شيء.
الحاصب: ريح شديدة تحمل التراب والحصباء.
تفري: تفرق أو تشقق. اللسان "5/ 152" مادة/ فري.
والشاعر يصف شدة الرياح فأوائلها تكاد تشق الجلود، وعندما تهدأ تحمل
الأتربة التي تكتحل بها العيون.
والشاهد فيه: أواليها حيث أبدلت الهمزة ياء.
(2/373)
وأخبرنا أبو علي1 أن أبا العباس أحمد بن
يحيى حكى عنهم: لا وَرَبْيِكَ لا أفعل، أراد: لا وربك لا أفعل، فأبدل
الباء الثانية ياء لأجل التضعيف.
وقال بعضهم2 في لَبَّيتُ بالحج: إنما هو لَبَّبْتُ: فَعَّلْتُ من
قولهم: أَلَبَّ بالمكان؛ أي أقام به، قرأت3 على أبي علي للمُضَرب بن
كعب:
فقلت لها: فِيئي إليك فإنني ... حَرامٌ، وإني بعد ذاكِ لَبِيب4
أي: مُلَب بالحج5.
قال ابن السكيت: "وقوله: بعد ذاك، أي: مع ذاك"6.
فأما حقيقة "لَبَّيْتُ" عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء وإنما الياء
في "لبيت" هي الياء في قولهم "لبيك وسعديك" اشتقوا من الصوت فعلا،
فجمعوه من حروفه، كما قالوا من "سبحان الله": "سبحلت"، ومن "لا إله إلا
الله": "هللت"، ومن "لا حول ولا قوة إلا بالله": "حولقت"، ومن بسم
الله": "بسملت"، ومن "هلم"- وهو مركب من "ها" و"لم" عندنا7، ومن "هل"
و"أم" عند البغداذين8- "هلممت"9.
وكتب إلي أبو علي في شيء سألته عنه، قال بعضهم: سألتك حاجة فلا لَيتَ
لي، أي: قلت لي: لا، وسألتك حاجة فلَوْلَيتَ لي، أي: قلتَ لي: لولا.
قال: وقالوا: بَأْبَأَ الصبيُّ أباه، أي: قال له: بابا.
__________
1 حكى ذلك في المسائل العسكريات "ص27".
2 بعضهم: هو الخليل كما في اللسان "لبب" "2/ 227".
3 قرأه في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص133".
4 البيت ذكره صاحب الجمهرة "2/ 142"، وكذا في الإبدال لابن السكيت
"ص133".
والشاهد في قوله "بعد ذلك" أي "مع ذلك".
5 ملب بالحج: قال أبو عبيدة: "ورجل ملب" وإنما هو من ألببت، أي، قد
أقمت بالمكان.
6 كتاب الإبدال "ص133".
7 يعني البصريين. الكتاب "2/ 158".
8 هم الكوفيون كما في شرح الكافية الشافية "ص1391" وممن قال به منهم
الفراء.
9 هلممت: هلممت بالرجل: قلت له هلم.
(2/374)
وحكي لنا عن الأصمعي أو أبي زيد1 أنهم
يقولون: "رجل وَيْلَمَة" للداهية، فاشتقوا وصفا من قولهم "وَيْلُمِّهِ"
وأصله "ويل لأمه" وهذا كثير.
وكذلك أيضًا اشتقوا "لبَّيتُ" من لفظ "لبَّيْكَ" فجاءوا في "لبيتُ"
بالياء التي هي للتثنية في "لبَّيكَ"، وهذا على قول سيبويه2، فأما
يونس3 فزعم أن "لبيك" اسم مفرد، وأصله عنده "لَبّبٌ" ووزنه "فَعْلَل"
ولا يجوز أن تحمله على "فَعَّلٍ" لقلة "فعل" في الكلام وكثرة "فَعْلَل"
فقلبت الباء التي هي اللام الثانية من "لبَّبٍ" ياء هربا من التضعيف،
فصار "لبَّيٌ" ثم أبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت
"لبَّي" ثم إنها لما وُصلت بالكاف في "لبيك" والهاء في "لبيه" نحو ما
أنشدناه أبو علي4:
إنك لو دعوتني ودُوني ... زَوراء ذاتُ مَنزَعٍ بَيُونٍ
لقلتُ: لبَّيْه لمن يدعوني5
قُلبت الألف ياء كما قُلبت في "إلى" و"على" و"لدى" إذا وصلتها بالضمير،
فقلت: إليك، وعليك، ولديك. ووجه الشبه بينهما أن "لبيك" اسم ليس له
تصرف غيره من الأسماء لأنه لا يكون إلا منصوبًا، ولا يكون إلا مضافًا،
فقلبوا ألفه ياء، فقالوا "لبيك" كما قالوا "عليك" و"إليك" و"لديك".
__________
1 حكاها أبو زيد في النوادر "ص583".
2 الكتاب "1/ 175، 176".
3 الكتاب "1/ 176".
4 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 731" دون أن ينسبه، وذكره ابن
عقيل "2/ 52".
5 زوراء: الأرض بعيدة الأطراف.
منزع: هو الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر.
بيون: البئر الواسعة الضيقة الأسفل. اللسان "13/ 64" مادة / بين.
يقول: إنك لو ناديتني وبيننا أرض بعيدة الأطراف، واسعة الأرجاء، ذات
ماء بعيد الغور لأجبتك إجابة بعد إجابة.
والشاهد فيه "لبيه" حيث أضاف لبى إلى ضمير الغائب. وهذا شاذ.
انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 53".
(2/375)
ونظير هذا "كلا" و"كلتا" في قلبهم ألفها
ياء متى اتصلت بضمير وكانت في موضع نصب أو جر، نحو: ضربت الرجلين
كليهما، ولم يقلبوا الألف في موضع الرفع ياء فيقولوا: قام الرجلان
كليهما، ولا قامت المرأتان كلتيهما؛ لأنهما بعُدا برفعهما عن شبه
"إليك" و"عليك" و"لديك" إذ كن لا حظ لهن في الرفع.
واحتج سيبويه على يونس، فقال1: لو كانت ياء لبيك بمنزلة ياء عليك وإليك
ولديك لوجب متى أضفتَها إلى المظهر أن تُقرها ألفا، كما أنك متى أضفت
"عليك" وأختيها إلى المظهر أقررت ألفها بحالها، ولكنت تقول على هذا:
لبَّى زيد، ولبَّى جعفر، كما تقول: إلى زيد، وعلى جعفر، ولدى سعيد.
وأنشد قول الشاعر2:
دعوتُ لِما نَابني مِسْوَرا ... فلبَّى فلَبَّيْ يَدَيْ مِسوَرِ3
قال4: فقوله "فلَبَّيْ" بالياء مع إضافته إياه إلى المظهر دلالة على
أنه اسم مُثنى بمنزلة: غلامَيْ زيد، وصاحبَيْ سعيد.
وهذا شرح المذهبين وبسطهما ومعاني قول سيبويه ويونس فيهما، وإن لم يكن
لفظهما فإنه غرضهما.
ثم إن أبا علي فيما بعد انتزع لنا شيئًا يؤنّس به قول يونس، ولم يقطع
به، وإنما ذكره تعللا، وهو أنه قال: ليونس أن يحتج فيقول: قوله
"فلَبَّيْ يَدَيْ" إنما جاء على قول من قال في الوصف: هذه أفعَيْ
عظيمة، وهذه عَصَيْ طويلة، أي: أفعى، وعصا، وقد حكى سيبويه5 أنهم
يقولون ذلك في الوصل كما يقولونه في الوقف،
__________
1 الكتاب "1/ 176".
2 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 732" ونسبه إلى الأسدي وهو بغير
نسبة في الكتاب.
3 لبي: أجاب.
والشاعر يدعو الله دائما عندما ينتابه ضائقة فيجاب إلى دعائه.
والشاهد فيه: استخدام لفظ "لبَّي" بالياء مع إضافة الياء إليه.
4 يعني سيبويه. الكتاب "1/ 176".
5 الكتاب "2/ 287"، وهي لغة طيئ كما في الكتاب، وإبدالها ياء في الوقف
فقط لغة لفزارة وناس من قيس، وهي قليلة.
(2/376)
وهذا ليس عذرا مقنعا، وإنما فيه بعض
التأنيس، والقول بعدُ قولُ سيبويه. فقول من قال: إن لبَّيتُ بالحج من
قولنا: "أَلَبَّ بالمكان" إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه، ألا
ترى أن الياء في "لبيك" عند يونس إنما هي إبدال من الألف المبدلة من
الياء المبدلة من الباء الثالثة في "لبَّبَ" على تقدير قول يونس، وهذا
كله منتزع من قول سيبويه والخليل: إن لبيك من قولهم ألَبَّ بالمكان1،
إلا أنهما لم يزعما أن الياء في "لبيك" بدل من باء، وإنما الياء عندهم
علم على التثنية، وإن وزن "لبيك" على قولهما "فَعْلَيْكَ" كما أن
"سعديك" كذلك لا محالة، ووزنه عند يونس "فَعْلَلْكَ"، والياء فيه بدل
من اللام الثانية، فاعرف هذه المسألة، فإنها من لطيف ما في هذا الكتاب،
وإن أعان الله على شرحه وتفسيره سُقت جميعه من التقصي والتنظيف على هذه
الطريق، وعلى ما هو ألطف وأدق بإذن الله.
__________
1 الكتاب "1/ 176-177".
(2/377)
إبدال الياء من
الراء:
وذلك قول بعضهم: "شِيراز"1 و"شَرَاريز" حكاها أبو الحسن، فأصل "شيراز"
على هذا "شِرَّاز" فأبدلت الراء الأولى ياء.
ومثله قولهم: "قيراط" و"قراريط" وأصله "قِرّاط" والعلة واحدة.
فأما من قال في "شِيراز": "شَواريز" فإنه جعل الياء فيه مبدلة من واو،
وكان أصله على هذا "شِوْراز"، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت
ياء، ثم إنه لما زالت الكسرة في الجمع رجعت الواو، فقالوا: "شَوَاريز".
فإن قلت: فإن بناء "فِوْعال" ليس موجودا في الكلام، فمن أين حملت واحد
"شَوَاريز" عليه؟
فالجواب: أن ذلك إنما رُفض في الواحد لأجل وقوع الواو ساكنة بعد
الكسرة، فلم يمكن إظهارها، فلما لم يصلوا إلى إظهار الواو في الواحد
لِما ذكرناه، وكانوا يريدونها أظهروها في الجمع ليدُلوا على ما أرادوه
في الواحد، وليُعلموا أنها لم تُزَد في
__________
1 شيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. القاموس المحيط "2/ 178" مادة/
شرز.
(2/377)
الواحد ياء في أول أحوالها، وأنها ليست كـ
"دِيماس"1 و"دَياميس" ولا كـ "دِيباج" و"دَيابيج" فيمن نطق بالياء بعد
الدال، ويشبه أن يكون سيبويه إنما لم يذكر في الآحاد مثال "فِوْعال"
لما لم يجده مُظهرا مصححا، فهذا جواب.
ويحتمل عندي قولهم: "شَوَاريز" قولا آخر على غير هذا المذهب الأول وهو
أن يكون "شِيراز" "فِيعالا" والياء في غير مبدلة من راء ولا واو بمنزلة
"دِيماس"، وكان قياسه على هذا أن يقولوا في تكسيره "شَيَاريز" كـ
"دَياميس"، ولكنهم أبدلوا من الياء واوًا لضرب من التوسع في اللغة،
وذلك أن الواو في هذا المثال المكسَّر أعم تصرفا من الياء؛ ألا ترى إلى
كثرة ضوارب، وقواتل، وخواتم، وطوابق، وحواطيم، وجواريف2، وسوابيط3،
وحوانيت4، ودواليب، وقلة صيارف، وبياطر، وجيائل- جمع جَيْأل، وهي
الضبع- فلما ألفت الواو في هذه الأمثلة المكسرة، وكانت أعم تصرفا من
الياء قلبت الياء أيضًا في "شياريز" واوًا في "شواريز" كما قلبت الواو
أيضًا في نحو هذا من مكسر الأمثلة ياء لضرب من الاتساع في الكلام،
فقالوا في جمع "ناطل"- وهو المكيال الصغير الذي يُري فيه الخَمّار
شرابَه- "نَيَاطِل"، ولم يقولوا "نَوَاطل" مثل "خواتم" و"دوانق". قال
لبيد5:
....... ........ ... تكُرُّ عليهم بالمزاج النياطِلُ6
وقد يجوز أيضًا على هذا أن يكون أصل واحده "شِرّاز" إلا أنهم أبدلوا من
الراء الأولى ياء كما ذكرنا، ثم إنهم لما جمعوا أبدلوا الياء المبدلة
من الراء واوًا لقرب ما بين الياء والواو، والقول الذي قبل هذا أشبه.
__________
1 الديماس: الكن، والسرب المظلم، والحَمّام. اللسان "2/ 26" مادة/ دمس.
2 جواريف: جمع جاروف، يقال: سيل جاروف أي: يجرف ما مر به من كثرته.
3 سوابيط: جمع ساباط، وهو سقيفة بن حائطتين تحتها ممر نافذ. اللسان "7/
311" مادة/ سبط
4 حوانيت: جمع "حانوت" وهو معروف. اللسان "2/ 26" مادة حنت.
5 صدر البيت:
عتيق سلافات سبتها سفينة
وهو في رثاء النعمان. ديوانه "ص258". سباها: حملها من بلد إلى بلد.
6 تم شرحه والتعليق عليه.
(2/378)
وذكر أبو الحسن في هذه المسألة في كتابه في
التصريف ما أذكره لك لتعجب منه، قال: "وأما شيراز فإنه في وزن
"فِعْلال" وهو من بنات الأربعة نحو "سِرداح"1 والياء في "شِيراز" واو،
يدلك على ذلك قولهم "شَوَاريز"، ومن قال من العرب "شَرَاريز" كان
"شِيراز" عنده بمنزلة "قِيراط" والذي أنكرته من هذا قوله "إن شِيرازا"
من بنات الأربعة نحو سِرداح". وليست تخلو الياء في "شِيراز" إذا كانت
بدلا من أن تكون بدلا من راء في قول من قال "شَرَاريز" أو من واو في
قول من قال "شَوَاريز" علي ما ذكره هو، وذهب إليه.
وعلى كلا القولين لا يجوز أن يكون رباعيا؛ لأنه إن كان في الأصل
"شِرَّازًا" فوزنه "فِعَّال"، وإن كان "شِوْرازا" فوزنه "فِوْعال"
و"وشِرَّاز" ثلاثي بلا خلاف؛ لأنه من باب "صِنّارة"2 و"خِنّابة"3
و"فِوْعال" ثلاثي أيضًا؛ لأن الواو لا تكون أصلا في ذوات الأربعة إلا
في التضعيف نحو "الوصوصة"4 و"الوزوزة"5 و"الوحوحة"6 وباب "قَوْقَيْتُ"
و"ضَوْضيتُ" و"زَوزَيْتُ"7؛ لأنه في الأصل "قَوقوتُ" و"ضَوْضَوْتُ"
و"زَوْزَوْتُ" و"فِوْعال" ليس مضعفا فتجعل واوه أصلا.
فأما "وَرَنْتَل"8 فحرف شاذ، ولو أمكننا أن نقضي بزيادة الواو فيه لضاق
العذر عن تولي ذلك، ولكن كونها أولا يمنع من القضاء بزيادتها.
وهذا الذي حكيته لك عن أبي الحسن موجود في نسخ كتابه في التصريف، وهكذا
قرأته على أبي علي، ووجدته أيضًا في نسخة أخرى مقروءة عليه، وفي نسخة
أخرى كان يستجيدها، ويصف صحتها، وكذلك كانت، وكان يقول: هذا مصحف جيد،
يثني بذلك على النسخة, وقد كثر التخليط في كتابه هذا، وزيد فيه ما ليس
من قول أبي الحسن، وألحق بمتونه، فصار كأنه من الكتاب.
__________
1 سرداح: الناقة الطويلة.
2 صنارة: الحديدة التي في رأس المغزل.
3 الخنابة: حرف المنخر. اللسان "1/ 366" مادة/ خنب.
4 الوصوصة: إدناء المرأة نقابها إلى عينها. اللسان "7/ 105" مادة/ وصص.
5 الوزوزة: الخفة والطيش. اللسان "5/ 428".
6 الوحوحة: صوت مع بحح.
7 زوزيت: نصب ظهره وأسرع في عدوه.
8 ورنتل: الشر والأمر العظيم.
(2/379)
وقد شك أبو بكر محمد بن السري -رحمه الله-
في شيء من كلامه في هذا الكتاب في فصل "آوَّتاه". وأخلق ما يصرف إليه
كلام أبي الحسن في قوله: "إنه رباعي نحو سرداح" أن يقال: إنه أراد أن
"فِوْعال" ملحق بالواو بذوات الأربعة نحو "سِرداح"، فترك لفظ الإلحاق
للعلم به إذ قد ثبت في الأصول أن الواو لا تكون في هذا النحو أصلا، على
أن في هذا التمحل بُعدا وضعفا.
فإن قال قائل: ما تنكر أن يكون أبو الحسن في هذا على صواب، وأن تكون
الكلمة رباعية وإن كانت فيها الواو منفردة غير مضعفة، كما كانت الواو
في "ورنتل" أصلا وإن لم تكن مضعفة، ولكنها لما وقعت أولا لم يسُغ
القضاء بزيادتها، فتكون أيضًا الواو في "شِوْراز" لما وقعت ساكنة بعد
كسرة، ولم يمكن تصحيحها، قضي بكونها أصلا لأنا لا نعلم واوًا استؤنفت
في أول أحوالها مفردة زائدة ساكنة بعد كسرة، فأما "اجْلِوّاذ"
و"اخْرِوَّاط" فالواو فيه مضعفة غير منفردة.
فالجواب: أن واو "وَرَنْتَل" وقعت موقعا لا يمكن معه القضاء بكونها
زائدة، لأنا لا نعلم واوًا زيدت أولا، وقد ذكرنا العلة في امتناع العرب
من ذلك في حرف الواو. فأما واو "شِوراز" المقدرة قبل القلب فهي على كل
حال ثانية ساكنة في موضع الواو من "كَوثَر" و"حَوقَل"1 و"تَوْراب"2
و"طُومار"3 و"قَوْصَرّة"4 و"خَوْزَلَى"5 و"حَوْفَزَان"6 و"تُوْرُور"7
لأنه "فُوْعُول" من الترارة8، كذا قال أبو علي، وهو الصواب. فواو
"شِوْراز" المقدرة على كل حال في الموضع الذي تزاد فيه الواو، فلا مانع
من الحكم بزيادتها.
__________
1 حوقل: إذا كبُر وفتر عن الجماع. والمُسن المتعب. اللسان "11/ 161".
2 توراب: التراب. اللسان "1/ 227" مادة/ ترب.
3 طومار: الصحيفة. اللسان "4/ 503" مادة/ طمر.
4 قوصرة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري، وينسب إلى الخليفة
علي- عليه السلام.
5 خوزلي: مشية فيها تثاقل وتبختر. اللسان "11/ 203" مادة/ خزل.
6 حوفزان: اسم رجل، وقيل: هو اسم الحرث بن شريك الشيباني. اللسان "5/
337".
7 تورور: مخفف من التؤرور وهو العون يكون مع السلطان بلا رزق. اللسان
"4/ 88".
الترارة: السِّمَن، والبضاضة، وهو اللمتلئ. اللسان "4/ 90" مادة/ ترر
(2/380)
فأما الدلالة على كون الياء في "شيراز"
بدلا من الواو في "شِوْراز" وأن الياء فيه ليست بمنزلة ياء "دِيماس"
فظهورها في الجمع إذ قالوا "شواريز"، فأما ما شبّه السائل بذكره، وطلب
التلبيس به في سؤاله من أنه لا يعرف واوًا زائدة مفردة استؤنفت في أول
أحوالها بعد كسرة، فلا معتبر بقوله من قِبَل أنه إذا قامت الدلالة على
صحة قضية لم يلزم إيراد النظير لها وإن كان في النظير بعض الأنس، ألا
ترى أن "كُدْتُ أكاد" لا نظير له، وقد دلت الدلالة على كونه "فَعُلَ
يفعَلُ". وكذلك قولهم: ماء سُخاخينٌ1: فُعاعِيل وإن لم نجد له نظيرا في
الكلام.
وكذلك إنْقَحْلٌ: إنْفَعْلٌ عند سيبويه2 وإن لم يكن له نظير عنده، وهذا
واسع. فكذلك قولهم إن الواو في "شيراز" زائدة وإن لم نجد لها نظيرا
استؤنفت هكذا.
ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم "شَراريز" فهذه دلالة قاطعة على زيادة الواو
في "شواريز"، وجرت "شراريز" مجرى "صنانير"3 و"خنانيب"4 كما دلت الألف
في "شُرابث"5 و"جُرافس"6 على زيادة النون في "شَرَنْبَث" و"جَرَنْفَس"،
ومع هذا فقد أجمعوا على أن "عَباديد" و"شَعاليل" يجوز أن يكون واحدها
"فُعلولا" كأنه "عُبدود" و"شُعلول" وإن لم تنطق العرب بواحد ذلك، وإن
كان ذلك كذلك فالياء في "عباديد"7 و"شعاليل"8 جائز أن تكون منقلبة عن
واو "فُعلول" فكأنه قبل القلب "شَعالِوْل" و"عَبَادِوْد" فانقلبت الواو
ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت "عباديد" و"شعاليل"؛ أفلا ترى أن
الياء في "عباديد" و"شعاليل" منقلبة عن واو زائدة منفردة مستأنفة مكسور
ما قبلها، فأما الواحد منها فلا اعتداد به لأنه أصل مرفوض لا يُنطَق
به، فجرى لذلك مجرى ما ليس مقدرا،
__________
1 ماء سخاخين: ساخن. اللسان "13/ 205" مادة/ سخن.
2 الكتاب "2/ 317".
3 صنانير: السيئو الأدب وإن كانوا ذوي نباهة، ومفرده صنارة. اللسان "4/
468".
4 خنانيب: جمع الخناب وهو الضخم الطويل من الرجال. اللسان "1/ 366".
5 شرابث: القبيح الشديد، الغليظ الكفين والرجلين. اللسان "2/ 160".
6 جرافس: الفخم الشديد من الرجال ومثله الجرنفس. اللسان "6/ 37" مادة/
جرفس.
7 عباديد: الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم. اللسان "3/ 276" مادة/ عبد.
8 شعاليل: الفرق، مثل شعارير إذا تفرقوا. اللسان "11/ 355" مادة/ شعل.
(2/381)
وإذا كان ما ينطق به في كثير من الكلام قد
تصيّره إلى أن يجري مجرى ما قد سقط حكمه وصار غير معتد به، فما لا يظهر
على وجه من الوجوه أولى بأن يلغى ولا يعتد به، وذلك قولك: زيد خلفك،
فأصل هذا: زيد مستقر خلفك، فحذف اسم الفاعل للعلم به، وأقيم الظرف
مقامه، وانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف، وصار موضع
الظرف رفعا لأنه خبر المبتدأ، وألغي "مستقر" حتى صار لا حكم له ولا
اعتداد به، وأنت مع هذا لو شئت لأظهرته، فقلت: زيد مستقر خلفك.
ويدلك على أن حكم "مستقر" ونحوه في نحو هذا قد سقط عندهم، وصارت معاملة
اللفظ الآن إنما هي للظرف، امتناعهم من تقديم الحال على الظرف في نحو
قولهم: زيد خلفك واقفا، فلو قلت: زيد واقفا خلفك لم يجز، فلولا أن نصب
الحال الآن إنما وجب بالظرف لا باسم الفاعل المحذوف لكان يجوز تقديم
الحال على الظرف بغير اسم الفاعل، كما كان يجوز تقديمها عليه مع اسم
الفاعل في قولك: زيد واقفا في الدار مستقر، فـ "واقفا" الآن منصوب
بمستقر لا بالظرف، ولذلك جاز تقديمه على الظرف، فكذلك إذا قلت: زيد
خلفك واقفا، نصبت الحال بالظرف لا باسم الفاعل. فإذا كان حكم اسم
الفاعل قد يبطل إذا أقمت الظرف مقامه مع أنه قد يجوز لك أن تلفظ معه
باسم الفاعل وتجمع بينهما، فأن يكون ما لا ينطق به البتة غير مراد ولا
معتد به -وهو واحد "شعاليل" و"عباديد"- أجدر. فهذا ما احتمله القول،
واقتضاء النظر في قولنا "شيراز" و"شواريز" و"شراريز".
فأما قولهم "تسرَّبْتُ" فيكون أيضًا من باب إبدال الياء من الراء،
وأصلها على هذا "تسَرَّرْتُ" لأنها من "السُّرِّيّة" و"السُّرِّيّة":
"فُعلِيَّة" من السر، وذلك أن صاحبها أبدا ما يخفيها ويسر أمرها عن
حرمته وصاحبة منزله. ومن كانت "سُرِّية" عنده "فُعِّيلة" مثل
"مُرِّيقة" و"عُلِّية" فاستشقاقها عنده من سَراة الشيء، وهو أعلاه
وأوله. ودفع أبو الحسن هذا القول، وقال: إن الموضع الذي تؤتي منه
المرأة ليس أعلاها ولا سَراتها. والقول كما قال.
والذي ذهب إليه أبو الحسن فيها هو أنها "فُعْلِيّة" من السرور لأن
صاحبها يُسَر بها. ولو قال قائل: إنها "فُعِّيلة" من سَرَيت. أي: سِرت
ليلا، لأن في ذلك ضربا من الإخفاء والستر، لكان قولا، ولكن حملها على
أنها "فُعْلِيّة" أوجه لأمرين:
(2/382)
أحدهما: أن "فُعْلية" أكثر في الكلام من
"فُعّيلة".
والآخر: أن معنى السر ههنا والسرور أظهر من معنى السَّراة والسُّرى.
وإذا كانت "سُرّية" من "السَّراة" فأصلها "سُرِّيوة" لأن السَّراة من
الواو، لقول الفرزدق1:
وأصبح مُبْيضُّ الصقيع كأنه ... على سَرَوات البيت قُطن مُنَدَّفُ2
فلما اجتمعت الياء والواو، وسبقت الياء بالسكون قُلبت الواو ياء،
وأدغمت الباء في الياء، فصارت "سُرِّيّة". وكذلك القول في "عُلّيَّة"،
أصلها "عُلِّيْوة" لأنها من "عَلَوتُ" والقول فيها كالقول في
"سُرِّيّة" إذا أُخذت من السَّراة.
__________
1 انظر ديوانه "ص559".
2 سبق شرحه والتعليق عليه.
(2/383)
إبدال الياء من النون:
من ذلك قولهم "دينار" وأصله "دِنَّار"، والقول فيه كالقول في "قِيراط"
لقولهم في التكسير "دَنانير" ولم يقولوا "دَيَانير". وكذلك التحقير،
وهو "دُنَينير". وقالوا "إِيسان"، فأبدلوا نون "إنسان" ياء، قال1:
فيا ليتني من بعدما طاف أهلُها ... هلَكْتُ، ولم أسمع بها صوت إيسان2
البيت لعامر بن جورين. إلا أنهم قد قالوا في جمعه أيضًا "أياسيّ" بياء
قبل الألف، فعلى هذا يجوز أن تكون الياء غير مبدلة، وجائز أيضًا أن
يكون من البدل اللازم، نحو: عيد وأعياد وعُيَيْد، ونحو ميثاق ومياثيق،
ومِيثَرَة ومياثير. وهذا هو الوجه عندي في "إيسان".
ومن ذلك قولهم "تظنّيت" وإنما هي "تفعّلت" من الظن، وأصلها "تَظَنْنتُ"
فقلبت النون الثالثة ياء كراهية التضعيف.
__________
1 ذكره صاحب اللسان مادة "أنس" "6/ 13" ونسبه إلى عامر الطائي.
2 والشاعر يتمنى أن يهلك قبل أن يرى ديار محبوبته خالية ليس بها صوت
إنسان.
والشاهد فيه: "إيسان" حيث أبدلت النون ياء.
(2/383)
إبدال الياء من
النون
...
وقرأت على أبي علي بإسناده عن أبي عبيدة "قال: سمعت أبا عمرو ابن
العلاء يقول: {لم يَتَسنّ} [البقرة: 259] 1: لم يتغير، هو من قوله
تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26] أي: متغير. فقلت له: {لم يتسَنّ} من
ذوات الياء، و {مسنون} من ذوات التضعيف، فقال: هو مثل "تظَنّيت" وهو من
الظن". وأصله على هذا القول "لم يتَسَنَّن" ثم قُلبت النون الآخرة ياء
هربا من التضعيف، فصار "يَتَسّنيُ" ثم أبدلت الياء ألفا، فصار
"يتَسَنَّى" ثم حذفت الألف للجزم، فصار {لم يتَسَنَّ} .
وقالوا: "إنسان" و"أناسيّ" و"ظربان" و"ظرابيّ"، فالياء الثانية بدل من
نون الواحد.
__________
1 {لم يتسن} : هذه قراءة حمزة والكسائي في الوصل فهما يحذفان الهاء
وبقية السبعة يقرؤون {لم يتسنه} بإثبات الهاء في الوصل. انظر القراءات
السبعة "ص189".
(2/348)
إبدال الياء من
اللام:
وهو في قولهم: أمليت الكتاب، إنما أصله "أمللْتُ" فأبدلت اللام الآخرة
ياء هربا من التضعيف، وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا، قال تعالى:
{فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} [الفرقان: 5] 1، وقال
عز اسمه: {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} [البقرة: 282] 2.
__________
1 {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} : الشاهد فيه "تملى"
حيث أبدلت الياء من اللام تخفيفًا والأصل "تملل".
إعرابه: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
2 {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} : الشاهد فيه "ليملل" حيث جاء
الفعل بإثبات اللام دون إبدال.
إعرابه: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون.
(2/384)
إبدال الياء من
الصاد:
أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال: قال اللحياني: قصَّيْتُ أظفاري
في معنى قصَّصْتُها، فهذا مثل "تظنّيت" أبدلت الصاد الثالثة ياء كراهية
للتضعيف. وقد يجوز عندي أن يكون "قصَّيتُ": "فعَّلْتُ" من أقاصي الشيء؛
لأن أقاصيه أطرافُه، والمأخوذ من الأظافر إنما هو أطرافها وأقاصيها،
فلا يكون في هذا بدل.
(2/384)
إبدال الياء من
الضاد:
خبرنا أبو علي، قال: "قال الأصمعي وأبو عبيدة في قول العجاج1:
تَقَضِّي البازي إذا البازي كَسَرْ2
هو "تَفَعّل" من الانقضاض، وأصله "تَقَضّض" فأُبدلت الضاد الآخرة ياء
لما ذكرت لك"3
وقالوا: "تفَضَّيت من الفضة" وهو مثله. ويجوز أن يكون "تَقَضّي
البازي": "تَفَعُّلًا" من "قَضَيت" أي: عملت، كقول أبي ذؤيب4:
وعليهما مَسْرودَتان قضاهما ... داودُ أو صَنَعُ السوابِغِ تُبَّعُ5
أي: عملهما. فيكون "تقَضّي البازي" أي: عمل البازي في طيرانه، والوجه
هو الأول.
__________
1 انظر/ ديوانه "ص28".
2 تقضى: انقض على الفريسة. اللسان "15/ 189" مادة/ قضى.
كسر البازي: ضم جناحيه حتى يريد الوقوع، أو ينقض. اللسان "5/ 141"
مادة/ كسر.
البازي: واحد البزاة التي تصيد، ضرب من الصقور. اللسان "14/ 72" مادة/
بزا.
والشاهد فيه: تقضى حيث أبدل الضاء ياء.
3 الحكاية في إبدال ابن السكييت "ص133-134"، ومجاز القرآن "2/ 300".
4 ذكره صاحب اللسان مادة "صنع" "8/ 209".
5 قضاهما: قضى الشيء قضاء: صنعه وقدره. اللسان "15/ 186" مادة/ قضى.
السوابغ: سبغ الشيء: طال وتم واتسع فهو سابغ. اللسان "8/ 432-433"
مادة/ سبغ.
يعني: عليهما مسرودتين صنعتا بإتقان وكاملة مثلما كان يصنع داود عليه
السلام الدروع بإتقان.
والشاهد فيه كلمة "قضاهما" حيث جاءت بمعنى عملهما.
(2/385)
إبدال الياء من
الميم:
خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب1 عن ابن الأعرابي أنه أنشد:
نزور امرءا أمّا الإله فيتَّقِي ... وأما بفعل الصالحين فيأتمي2
قال ابن الأعرابي: أراد: يأتمُّ، فأبدل الميم الثانية ياء.
وقالوا في قول الراجز3:
بل لو رأيتَ الناسَ إذ تُكُمُّوا ... بغُمّة لو لم تُفَرَّج غُمُّوا4
قالوا: أراد: تكمموا، من كممت الشيء إذا سترته، فأبدل الميم الأخيرة
ياء مثل "تظنَّيْتُ" فصار في التقدير "تُكُمِّيُوا"، فأسكنت الياء
وحذفت، كما تقول: قد تولوا، وتعلوا من: وليت، وعلوت. وقد يحتمل هذا
عندي وجها غير القلب، وهو أن يكون "تُكُمُّوا": "تُفُعِّلوا" من
كَمَيتُ الشيءَ إذا سترتَه، ومن قولهم "كَمِيّ" لأنه هو الذي قد
تَسَتّر في سلاحه، فيكون "تكُمُّوا" على هذا مما لامه مُعتلة، ولا يكون
أصله من ذوات التضعيف.
وقال ابن الأعرابي في قول ذي الرمة5:
مُنَطِّقَة بالآي مُعْمَيَّة به ... دياجيرُها الوسطى وتبدو صدورُها6
__________
J
__________
1 كتاب الإبدال "ص135".
2 البيت لكثير عزة يمدح فيه عبد العزيز بن مروان. والبيت فيه دعوة إلى
طاعة الإله وإلا فقضاء بفعل الصالحين، والشاهد فيه: "يأتمي" حيث أبدل
الميم الثانية ياء فأصلها "يأتم".
3 هو العجاج، والبيتان مطلع أرجوزة يذكر فيها قتل مسعود بن عمر العتكي
من الأزد.
انظر/ ديوانه "ص422"، واللسان "2/ 441" مادة/ غمم.
4 تكموا: ستروا.
الغمة: الكرب. اللسان "12/ 441" مادة/ غمم.
والمعنى أن الناس إذا ما ستروا ما يغمهم ولم تفرج عنهم وتزال سيظلوا
هكذا.
والشاهد فيه "تكموا" أراد: تكمموا من كممت أو من كميت فأبدلت الميم
ياء.
5 ليس في قصيدته التي على هذا الروي ومن هذا البحر ولم أقف عليه.
6 الديجور: الظلمة "ج" دياجير. اللسان "4/ 278" مادة/ دجر.
المعنى: أن هناك مناطق مليئة بعلامات الظلمة في أوساطها، وبدايتها
مضيئة.
والشاهد فيه "معمية" حيث أبدلت الميم ياء فأصلها معممة.
(2/386)
قال: أراد معممة، فأبدل من الميم ياء.
ويجوز عندي أيضًا أن يكون من العَمَى، قال سيبويه: من قال في جمع
"ديماس": "دماميس" فالياء فيه بدل من ميم "دِمّاس"1.
__________
1 الكتاب "2/ 127".
(2/387)
إبدال الياء من
الدال:
خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1 "قال أبو عبيدة: التصدية:
التصفيق والصوت، و"فَعَلْتُ" منه "صَدَدت أصِدُّ"، ومنه قوله تعالى:
{إِذَا قَوْمكَ مِنْهُ يَصِدّون} [الزخرف: 57] أي: يعجّون ويضجون، فحول
إحدى الدالين ياء". وأنكر أبو جعفر الرستمي هذا القول على أبي عبيدة،
وقال: إنما هو من الصدى، وهو الصوت، فكيف يكون مضعفا.
وقال أبو علي: ليس ينبغي أن يقال: هذا خطأ؛ لأنه قد ثبت بقوله عز وجل:
{يَصِدَون} وقوع هذه الكلمة على الصوت أو ضرب منه، وإذا كان ذلك كذلك
لم يمتنع أن تكون {تَصْدِيَة} منه، فتكون تفعلة" من ذلك، وأصلها
"تصددة" مثل "التحِلّة"2 و"التعِلّة"3، ألا ترى أن أصلهما "تحْلِلة"
و"تعْلِلة"، فلما قلبت الدال الثانية من "تصْدِدة" تخفيفًا اختلف
الحرفان، فبطل الإدغام.
__________
1 كتاب الإبدال "ص135"، وانظر قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن "1/
246".
2 التحلة: مصدر حلل اليمين، وهو أيضًا: ما كفر به. اللسان "11/ 167"
مادة/ حلل.
3 التعلة: ما يتعلل به. اللسان "11/ 469" مادة/ علل.
(2/387)
إبدال الياء من
العين:
انشد سيبويه1:
ومَنْهَلٍ ليس له حَوَازِقُ ... ولِضفادي جَمِّه نَقانِق2
__________
1 لم نعثر عليه في اللسان، وذكره في الكتاب "1/ 344" ولم ينسبه.
2 المنهل: مكان الماء.
حوازق: الجماعات. اللسان "10/ 47" مادة/ حزق.
الجم: الكثير من كل شيء.
النقانق: أصوات الضفادع "م" نقنقة.
يعنى مكان الماء ليس له تجمعات، وبه ضفادع لهن أصوات.
الشاهد فيه: "لضفادي" يريد: ضفادع حيث قلبت العين ياء.
(2/387)
يريد: ولضفادع جمّه، فكره أن يسكن العين في
موضع الحركة، فأبدل منها حرفا يكون ساكنًا في حال الجر، وهو الياء.
وأخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1: "قال ابن الأعرابي: تلعَّيتُ
من اللُّعاعة"، واللُّعاعة: بقلة. وأصل "تلعَّيت": "تلعَّعْت" فأبدلوا
من العين الآخرة ياء كما قالوا "تفضَّيْتُ" و"تظنَّيْتُ".
__________
1 الإبدال "ص135"، وفي إصلاح المنطق "ص302".
(2/388)
إبدال الياء من
الكاف:
حكى أبو زيد "مكوك ومكاكي"1 فالياء الثانية بدل من كاف، وأصلها
"مكاكيك" كما تقول: شبوط2 وشبابيط، وسمُّور3 وسمامير.
__________
1 مكوك ومكاكي: المكوك: طاس يشرب به، أعلاه ضيق ووسطه واسع، وهو مكيال
معروف لأهل العراق، والجمع مكاكيل ومكاكي على البدل كراهية التضعيف،
وهو صاع ونصف.
اللسان "10/ 491" مادة/ مكك.
2 شبوط: ضرب من السمك دقيق الذنب عريض الوسط صغير الرأس لين الملمس
كأنه البربط، وهو أعجمى. اللسان "7/ 327" مادة/ شبط.
3 سمور: دابة تسوى من جلودها فراء غالية الأثمان. اللسان "4/ 380"
مادة/ سمر.
(2/388)
إبدال الياء من
التاء:
أنشدهم بعضهم1:
قام بها ينشُدُ كلَّ مَنْشَدٍ ... فايْتَصَلَتْ بمثل ضوء الفَرقَدِ2
أراد: فاتصلت، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية للتشديد.
__________
1 البيت في شرح المفصل "10/ 26" وذكره صاحب اللسان في مادة "وصل" دون
أن ينسبه.
2 الفرقد: أي الفرقدان فإن العرب ربما تقول لهما الفرقد وهما نجمان في
السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي. وقيل: هما كوكبان قريبان من
القطب. اللسان "3/ 334" مادة/ فرد.
أنشد الشاعر أشعاره المتصلة حتى وصلت إلى عنان السماء.
والشاهد فيه: "ما يتصلت" حيث أبدلت التاء الأولى ياء.
(2/388)
إبدال الياء من
الثاء:
قال1:
يَفديكَ يا زُرْعَ أبي وخالي ... قد مَرّ يومان وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي2
أراد: الثالث.
__________
1 ذكره صاحب اللسان مادة "ثلث" "2/ 121"، ولم ينسبه.
2 زرع: اسم. اللسان "8/ 141".
الهجران: البعد والفراق.
الشاعر يتمنى أن يفدي محبوبته بأقرب الناس إليه أبيه وخاله، ولا تهجره،
وقد مر يومان وهذا الثالث ولم يرها.
والشاهد فيه: "الثالي" حيث أبدلت الثاء ياء. اللسان "2/ 121" مادة/
ثلث.
إعرابه: بدل مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
(2/389)
إبدال الياء من
الجيم:
قالوا: "دَيْجوج ودَياجٍ" وأصله "دياجيج"، فأبدلت الجيم الآخرة ياء،
وحذفت الياء قبلها تخفيفًا. وأما قولهم في "شجرة": "شِيَرة" فينبغي أن
تكون الياء فيها أصلا، ولا تكون بدلا من الجيم، أنشد الأصمعي1:
تَحْسبه بين الأنام شِيَرةْ2
قال أبو الفضل الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: كنا عند المفضل وعنده
أعراب، فقلت: قل لهم يقولون "شِيَرة"، فقالوها، فقلت له: قل لهم
يُصغرونها، فصغروها "شُيَيرة". وإنما كانت الياء عندنا في "شِيَرة"
أصلا غير بدل من الجيم لأمرين:
__________
1 الأصمعي: ذكر البيت صاحب اللسان دون نسب مادة "شجر". "4/ 394".
2 الأنام: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق. اللسان "12/ 37".
تحسبه: تظنه.
والشاعر يشبه ممدوحه بين الناس بالشجرة.
الشاهد فيه "شيرة" حيث أبدلت الجيم ياء، يريد "شجرة".
إعرابه: مفعول به ثان منصوب.
(2/389)
أحدهما: ثبات الياء في تصغيرها في قولهم
"شُيَيرة"، ولو كانت بدلا من الجيم لكانوا خُلقاء إذا حقروا الاسم أن
يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل.
والآخر: أن شين "شَجَرة" مفتوحة، وشين "شِيَرة" مكسورة، والبدل لا تغير
فيه الحركات، إنما يوقع حرف موقع حرف، وعلى ذلك عامة البدل في كلامهم؛
ألا ترى أن من يقول "إيّل" فيأتي به على الأصل، إذا أبدل الياء جيما
قال "إجَّل" فلم يعرض لشيء من الاسم سواها، ولم يزل شيئًا عما كان عليه
من أحوال حركته. هذا هو الظاهر من حال "شِيَرة".
فإن قلت: فهل تجد لجعل الياء في "شِيَرة" بدلا من الجيم وجها؟
فإن الطريق إلى ذلك -وإن كان فيها بعض الصنعة- أن تقول: إنه أراد
"شَجَرة" ثم أبدل الجيم ياء، كما أبدلت الياء جيما في نحو: "الإجَّل"
و"عَلِجّ"1 و"فُقَيمجّ" و"مَرِّجَ"، فكان حكمه أن يدع الشين مفتوحة،
فيقول "شَيَرة" إلا أن العرب إذا قلبت أو أبدلت فقد تغير في بعض
الأحوال حركات تلك الكلمة، ألا ترى أن "الجاه" مقلوب من "الوجه"، فكان
سبيله إذا قدمت الجيم وأخرت الواو أن يقال "جَوْهٌ" فتسكن الواو كما
كانت الجيم في "وجْه" ساكنة، إلا أنها حركت لأن الكلمة لما لحقها القلب
ضعفت، فغيروها بتحريك ما كان ساكنًا إذ صارت بالقلب قابلة للتغيير،
فصار التقدير "جَوَهٌ" فلما تحركت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفا، فقيل
"جاه" فكما غيرت حال "الجاه" لما لحق الكلمة من القلب، كذلك غيرت فتحة
شين "شَجَرة" إلى الكسر لما لحق الجيم من القلب، وزاد في الأنس بذلك
أنه لو أقرت الفتحة في الشين، فقيل "شَيَرة" لانفتحت الشين قبل الياء،
والياء متحركة، فتصير إلى قلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها،
فكان يلزم أن يقال "شَارة" كما يقال "بَاعة" جمع "بائع" وأصلها
"بيَعَة"، فهربوا لذلك مع ما قدمناه إلى أن كسروا الشين لتُقر الياء
ولا تنقلب.
فإن قلت: فهلا تركوا فتحة الشين بحالها، فقلبوا الياء ألفا، فقالوا
"شَارة" كما قالوا "جاه"؟
__________
1 علج: العلج كل جاف شديد من الرجال "ج" علوج وأعلاج. اللسان "2/ 326".
(2/390)
قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه
بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني
"جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما
"شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا
أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا
حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة"
متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه
بالحال من قلب الياء ألفا.
(2/391)
قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه
بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني
"جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما
"شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا
أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا
حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة"
متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه
بالحال من قلب الياء ألفا.
زيادة الياء
قد زيدت الياء أولا، وثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة.
زيادة الياء أولا: وذلك نحو: "يَرْمَعٍ"1 و"يَعْمَلَة"2 و"يُسْرُوع"3
و"يَعْضِيد"4 وفي الفعل نحو "يقوم" و"يقعد" و"ينطلق".
زيادة الياء ثانية: وذلك نحو: "خَيْفَق"5 و"صَيْرَف"6 و"غَيْداق"7
و"خَيْتام"8 و"قَيْصوم"9 و"عَيْثُوم"10 و"عَيْهُوم"11 و"خَيْسَفُوج"12
و"عَيْضَموز"13 و"حَيْزَبون"14 و"قِيْتال" و"ضِيْراب" و"حِيَفْس"15
و"صِيَهْم"16. وفي الفعل نحو "بَيْطَرَ"17 و"بَيْقَرَ"18.
__________
1 يرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس.
2 يعملة: ناقة يعملة: نجيبة.
3 يسروع: دود حمر الرؤوس بيض الأجسام تكون في الرمل. اللسان "8/ 153".
4 يعضيد: بقلة من بقول الربيع فيها مرارة. اللسان "3/ 295".
5 خيفق: يقال فلاة خيفق: أي واسعة يخفق عليها السراب.
6 صيرف: صراف الدراهم.
7 غيداق: الكريم الجواد.
8 خيتام: ما يختم به.
9 قيصوم: نبات. اللسان "12/ 486".
10 عيثوم: الضبع، والفيل.
11 عيهوم: الأديم الأملس. اللسان "12/ 430".
12 خيسفوج: حب القطن.
13 عيضموز: العجوز الكبيرة.
14 حيزبون: العجوز من النساء.
15 حيفس: القصير السمين.
16 صيهم: الشديد، والجمل الضخم.
17 بيطر: بيطر الدابة: عالجها.
18 بيقر: هلك.
(2/391)
زيادة الياء ثالثة: وذلك نحو: "عِثْيَر"1
و"حِذْيَم"2 و"طِرْيَم"3 و"سِرْياح"4 و"جِرْيال"5 و"كِدْيَون"6
و"هِلْيَون"7 و"سَعيد" و"قَضيب". وللتحقير نحو "كُلَيب" و"دُرَيهم"
و"دُنَينير". و"عُلْيَب" ولا نظير له، و"هَبَيَّخ"8.
زيادة الياء رابعة: وذلك نحو "دِهْليز"9 و"مِنْديل" و"قِنْديل"
و"شِمْليل"10 و"زِحْليل"11.
وفي الفعل نحو "سَلْقَيت"12 و"جَعْبَيْت"13.
زيادة الياء خامسة: وذلك نحو: "عَنْتَريس"14 و"خَرْبَصِيص"15
و"جَعْفَليق"16 و"شَفْشَليق"17 و"قَرْقَرير"18.
وفي الفعل نحو: "احْرَنْبَيْتُ"19 و"اسْلَنْقَيْتُ"20
و"احْبَنْطَيْتُ"21 و"اسْرَنْدَيْتُ" 22 و"اغْرَنْدَيْتُ"
و"ابْرَنْتَيْتُ"23.
__________
1 عثير: الأثر الخفي.
2 حذيم: الحاذق بالشيء.
3 طريم: الطويل من الناس.
4 سرياح: فرس سرياح: طويل.
5 جريال: الخمر الشديدة الحمرة. اللسان "11/ 108" مادة/ جرل.
6 كديون: دقاق التراب عليه دردي الويت تجلى به الدروع. اللسان "13/
357".
7 هليون: نبت.
8 الهيبخ: الأحمق المسترخي.
9 دهليز: المدخل بين الباب والدار "ج" دهاليز".
10 شمليل: ناقة شمليل: خفيفة سريعة.
11 زحليل: السريع.
12 سلقيت: سلقاه: ألقاه على ظهره.
13 جعبيت: جعباه: صرعه.
14 عنتريس: الناقة الوثيقة الخلق الغليظة القوية.
15 خربصيص: القرط.
16 جعفليق: العظيمة من النساء.
17 شفشليق: العجوز المسترخية اللحم.
18 قرقرير: الضحك العالي.
19 احرنبيت: احرنبى الرجل: تهيأ للغضب والشر. اللسان "1/ 307".
20 استلقيت: نام على ظهره. اللسان "10/ 163" مادة/ سلق.
21 احبنطيت: احبنطى الرجل: انتفخ بطنه. اللسان "7/ 271" مادة/ حبط.
22 اسرنديت: اسرنداه: اعتلاه وغلبه.
23 ابرنتيت: ابرنتى للأمر: تهيأ.
(2/392)
زيادة الياء سادسة: قال بعضهم فيما حكاه
الأصمعي في تحقير "عنكبوت" وتكسيره: "عُنَيْكِبيت" و"عَنَاكِبِيت".
وقرأ بعضهم: {وعباقِرِيَّ حسان} [الرحمن: 76] 1 وهذا شاذ لا يقاس عليه.
واعلم أن الياء قد تزاد في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، نحو:
الزيدَيْنِ، والعمرَيْنِ، والزيدينَ، والعمرينَ، وقد تقصينا حالها في
هذا في حرف الألف.
وتزاد أيضًا علمًا للتأنيث والضمير في الفعل المضارع نحو: أنت تقومين،
وتقعدين، وتنطلقين، وتعتذرين.
وتزاد أيضًا إشباعا للكسرة، وذلك نحو بيت الكتاب:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهِيمِ تنقادُ الصياريفِ2
يريد: الصيارف، فأشبع كسرة الراء، فتولدت بعدها ياء. فأما "الدراهيم"
فإن كان جمع "درهم" فهو كالصياريف، وإن كان جمع "دِرْهان" فلا ضرورة
فيه.
ومن ذلك قول العرب في جمع دانق3. وخاتم، وطابق4: دوانيق، وخواتيم،
وطوابيق، وإنما الوجه: دوانق، وخواتم، وطوابق.
قال5:
...... ...... ... وتُتركُ أموالٌ عليها الخَواتم6
__________
1 "وعباقري حسان" وهي قراءة شاذة لا يقاس عليها.
2 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "صرف" "9/ 190"، ونسبه للفرزدق.
والشاعر يصور محبوبته بأنها تنقي بيدها الحصى مثلما ينقد الصيارفة
الدراهم الجيدة من الزيوف. والشاهد فيه "الصياريف" حيث زيدت الياء
إشباعا للكسرة.
3 دانق: الدانق: سدس الدينار والدرهم. اللسان "10/ 105" مادة/ دنق.
4 طابق: ظرف يطبخ فيه، فارسي معرب، وهو العضو من أعضاء الإنسان كاليد
والرجل.
5 أي الأعشى، وقدم تقدم تخريجه.
6 الشاهد فيه "خواتم" حيث يجوز جمعها على "خواتيم".
(2/393)
وقال زبان بن سيار1:
متى تقرؤوها تَهْدِكم من ضلالكم ... وتُعرَف إذا ما فُض عنها الخواتمُ2
وقد أولعت العامة بقولهم في جمع "زَورق": "زواريق"، ولا وجه للياء هناك
إلا أن يُسمع ذلك من العرب، فأما من طريق القياس فإنها "زوارق" مثل:
"جوهر" و"جواهر" و"جورب" و"جوارب".
وقال أبو النجم3:
منها المطافيلُ وغير المُطفلِ4
يريد: المطافل.
فأما قول يزيد الغواني الضبعي5:
وما زال تاجُ المُلك فينا وتاجُهُم ... قلاسيُّ فوق الهام من سَعَف
النخل6
فإنما زاد الياء الأولى لأنها عوض من نون "قَلَنسوة" وليست بإشباع
للكسرة كالتي قبلها.
__________
1 البيت في المفضليات. مفضلية "103".
2 فض: فض الخاتم والختم إذا كسره وفتحه. اللسان "7/ 207".
الخواتم: النهايات.
والشاهد فيه "خواتم" حيث استخدم الجمع على القياس ولم تستخدم "خواتيم"
وهذا أوجه.
3 ديوانه "ص177"، والطرائف الأدبية "ص57".
4 المطافل: ذوات الأطفال. اللسان "11/ 402" مادة/ طفل.
والشاهد فيه: "المطافيل" حيث سمع عن العرب هذا الجمع، وهو على غير
القياس، فالقياس "مطافل".
5 لم أقف عليه.
6 سعف النخل: ورق جريد النخل.
قلاس: جمع قلنسوة، وهي من ملابس الرؤوس.
الهام: جمع هامة وهي الرأس. اللسان "12/ 624" مادة/ هوم.
يمدح الشاعر قومه بأن الملك ما زال في قبيلته لأن تاج الملك فيهم بينما
الآخرين يرتدون قلانس من أغصان النخل.
والشاهد فيه "قلاس" حيث زيدت الياء الأولى عوضًا عن النون في "قلنسوة".
(2/394)
وربما عكست العرب هذا، فحذفت الياء في غير
موضع الحذف، واكتفت بالكسرة منها، فقال1:
والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسا2
يريد: العطاميس، وهذا من أبيات الكتاب، ومثله3:
وغيرُ سُفْعٍ مُثَّلٍ يَحَامِمِ4
يريد: يحاميم جمع يحموم، وهو الأسود. ومن أبياته أيضا5:
وكَحَلَ العينين بالعَواوِرِ6
يريد: العواوير، وهو جمع عُوّار، وهو الرمد. وقال أبو طالب7:
ترى الوَدْعَ فيها والرخامَ وزينةً ... بأعناقها معقودةً كالعَثَاكِلِ8
يريد: العثاكيل.
__________
1 ذكره صاحب اللسان بدون نسب مادة "فسج" "2/ 345"، ونسبه صاحب الكتاب
إلى غيلان بن حريث "2/ 119" وهو بغير نسب في المحتسب "1/ 300".
2 الفسج: جمع فاسج وفاسجة، وهي التي ضربها الفحل قبل أن تستحق.
العطامس: جمع عيطموس، وهي الجميلة والطويلة، والناقة القوية الحسنة.
والشاهد فيه "العطامس" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصله
"العطاميس".
3 سبق تخريجه.
4 يحامم: يحاميم جمع يحموم، وهو دخان أسود شديد السواد. اللسان "12/
158".
والشاهد فيه "يحامم" حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف فأصله "يحاميم".
5 ذكره صاحب اللسان بدون نسبة مادة "عور" "4/ 615" وكذلك صاحب الكتاب
"2/ 374"، ونسبه سيبويه لجندل بن المثنى الطهوي. شرح أبيات سيبويه "2/
429".
6 العوارير: جمع عوار وهو الرمد يصيب العين.
والشاهد في العواور حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف واكتفى بالكسرة
وأصله: عوارير.
7 هو عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ووالد علي- رضي الله عنه-.
والبيت في السيرة النبوية لابن هشام "10/ 292".
8 العثاكل: الأغصان.
الودع: خرز ينتظم ويتحلى بها النساء.
والبيت يصف عقود النساء وهن يتزين بها مثل الأغصان التي ينبت عليها
الثمر.
والشاهد فيه "العثاكل" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فالمراد
"العثاكيل".
(2/395)
وقال عبيد الله بن الحُر1:
وبُدِّلتُ بعد الزعفران وطِيبِهِ ... صَدَا الدرع من مُستحكِمات
المَسامِرِ2
يريد: المسامير.
وحذفوها أيضًا وهي أصل لا زائدة، قال3:
كَفّاكَ كَفٌّ ما تُليق دِرهما ... جُودًا، وأخرى تُعْطِ بالسيف الدما4
يريد: تعطي.
ومن أبيات الكتاب5:
وطِرتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبِطن السريحا6
يريد: الأيدي. ومنها7:
وأخو الغَوانِ متى يشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويعُدْنَ أعداء بُعَيدَ ودادِ8
يريد: الغواني.
__________
1 البيت منسوب إليه في المحتسب "1/ 95، 300".
2 البيت يدل على تحول الشاعر من حال إلى حال، ونلمح ذلك من استخدام
الفعل بدَّل الذي يدل على التغير والتحول، وجاء به مبنيًّا للمجهول
للدلالة على عدم إرادته في هذا.
والشاهد فيه "المسامر" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة وأصله "مسامير".
3 ذكره في اللسان بدون نسب مادة "ليق" "10/ 334" وذكره الفراء في معاني
القرآن "2/ 27".
4 البيت في معرض المدح حيث يمدح الشاعر ممدوحه بأنه يكفيه فخرا أن تكون
إحدى يديه تنفق وتعطي الخير والأخرى تحارب بالسيف حتى يقطر دما.
والشاهد فيه "تعط" حيث حذفت الياء في غير موضوع الحذف واكتفى بالكسرة
فأصله "تعطي".
5 نسبه صاحب اللسان إلى مضرس بن ربعي. مادة "يدي" وبغير نسب في الكتاب
"2/ 291".
6 اليعملات: جمع يعملة وهي الناقة النجيبة.
السريح: سيور نعال الإبل.
والشاهد فيه "الأيد" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الأيدي".
7 تقدم تخريجه.
8 البيت للأعشى في ديوانه "ص179"، والكتاب "1/ 10".
يصرمنه: صرم الشيء قطعه، وصرم فلانا هجره. اللسان "12/ 334" مادة/ سرم.
والشاهد فيه "الغوان" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الغواني".
(2/396)
ومنها1:
كَنَواحِ ريشِ حمامةٍ نجْديةٍ ... ومَسَحتِ باللِّيَتينِ عَصفَ
الإثمِدِ2
يريد: كنواحي، فحذف الياء، وذلك أنه شبه المضاف إليه بالتنوين، فحذف
الياء لأجله كما يحذفها لأجل التنوين، كما شبه الأول لام المعرفة في
"الغوان" و"الأيد" بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء
ومعتقبة عليها، فحذف الياء لأجل اللام كما يحذفها لأجل التنوين، هكذا
أخذت من لفظ أبي علي وقت القراءة عليه.
وقال الآخر3:
قلتُ لها: يا هَذِ في هذا إثمْ4
يريد: هذي، فحذف الياء تخفيفًا.
وتحذف أيضًا الياء الزائدة بعد هاء إضمار الواحد نحو: مررت به يا فتى،
قرأ بعضهم: {فَخَسَفْنَا بِهْ وَبِدَارِه الأَرْض} [القصص: 81] 5. وبعد
ميم الضمير نحو: عليهمْ، وإليهمْ، وبهمْ، وأصله: عليهُمو، وإليهُمو،
وبهُمو، فالهاء للإضمار، والميم علامة تجاوز الواحد، والواو لإخلاص
الجمع، ثم إنهم يبدلون ضمة الهاء كسرة لخفاء الهاء ووقوع الكسرة والياء
الساكنة قبلها، فيقولون: عليهمو، وبِهمو، وإليهِمُو، ثم إنهم قد
يستثقلون الخروج من كسر الهاء إلى ضم الميم، فيبدلون من ضمة الميم
كسرة، فيصير في التقدير -ولا يستعمل البتة كما استعمل جميع ما ذكرناه
قبله- عليهِمِوْ، وإليهِمِوْ، وبهِمِوْ، فتقلب الواو ياء لوقوع الكسرة
قبلها، فيصير: عليهِمِي،
__________
1 نسبه صاحب الكتاب لخفاف بن ندية السلمي "1/ 9" وهو بغير نسب في شرح
المفصل "3/ 140".
2 نجدية: من بلاد نجد.
الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل. اللسان "3/ 105".
عصف الإثمد: ما سحق منه. اللسان "9/ 147" مادة/ عصف.
والشاعر يصف امرأة جميلة، ويشبه شفتيها بنواحي ريش الحمامة النجدية في
الجمال والرقة. والشاهد فيه "نواح" حيث حذفت الياء فاصله "نواحي" وذلك
لأنه شبه المضاف إليه بالتنوين.
3 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "ذا" "15/ 451".
4 الشاهد فيه "يا هذ" حيث حذفت الياء تخفيفًا يريد "يا هذي".
5 سبق تخريجها.
(2/397)
وإليهِمِي، وبهِمِي، ثم تستثقل الياء هنا،
فتحذف تخفيفًا هي والكسرة قبلها، ولا يخاف لبس لأن التثنية بالألف لابد
منها، فيقال: عليهِم، وإليهِم، وبهِم، وهي قراءة أبي عمرو، إلا أن أبا
الحسن قد حكى أن منهم من يقر الكسرة في الميم بحالها بعد حذف الياء،
فيقول: عليهِمِ، وإليهِمِ، وبهِمِ، كما أقرت آخرون الضمة في الميم بعد
حذف الواو، فقالوا: عليهِمُ بكسر الهاء وضمها.
وتزداد الياء أيضًا بعد كاف المؤنث إشباعا للكسرة في نحو: عليكي،
ومنكي، وضربتكي، وروينا عن قطرب لحسان1:
ولستِ بخيرٍ من أبيكِ وخالكي ... ولستِ بخير من مُعاظَلة الكَلب2
وتزاد أيضًا لإطلاق حرف الروي إذا كانت القوافي مجرورة، نحو قوله3:
هيهاتَ منزلُنا بنعف سُوَيقة ... كانت مباركةً من الأيَّامي4
وقول الآخر5:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح، وما الإصباح فيك بأمثلي6
__________
1 انظر ديوانه "ص40"، وروايته في الديوان لا شاهد فيها حيث جاءت:
وخاله.
2 معاظلة الكلاب: لزم بعضها بعضا في السفاد. اللسان "11/ 456" مادة/
عظل.
والشاعر يهجو أبا سفيان قبل إسلامه بقوله إن لم يفضله في شيء، ونسبه
وضيع سواء من جهة الأب أو من جهة الأم.
والشاهد فيه "خالكي" حيث أضاف الياء إشباعا للكسرة.
3 ذكره صاحب اللسان مادة "سوق" "10/ 171". وبدون نسب في الخصائص "3/
43"، ونسبه صاحب الكتاب إلى جرير "2/ 299".
4 نعف سويقة: المكان المرتفع في اعتراض.
هيهات: اسم فعل معناه البعد.
والشاعر يتذكر تلك الأيام الماضية التي كانت مباركة لأنها جمعته مع من
يحب في نعف سويقة. والشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء لإطلاق حرف
الروي.
5 البيت لامرئ القيس. انظر ديوانه "ص18".
6 والشاعر يتمنى أن يتقضى الليل ويطلع نور الصباح بعد أن طال عليه بسبب
تفكيره في محبوبته. وهو يتخيل الليل إنسان يخاطبه ويناديه ويستخدم أداة
التنبيه "ألا" ليجذب انتباهه.
والشاهد فيه "بأمثلي" حيث زيدت الياء، لإشباع حركة الروي.
(2/398)
وقول النابعة1:
أفِدَ الترحُّلُ غير أن رِكابنا ... لما تزُل برحالنا، وكأنْ قَدِي2
يريد: وكأن قد زالت، وهو كثير.
وتزداد أيضًا بعد لام المعرفة عند التذكر، وذلك قولهم: قام الي، يريد:
الغلام أو الإنسان، أو نحو ذلك فينسى الاسم، فيقف مستذكرا، فلا يقطع
على اللام لأنها ليست بغاية لكلامه، وإنما غايته ما يتوقعه بعده، فيطول
وقوفه وتطاوله إلى ما بعد اللام، فيكسرها تشبيها بالقافية المجرورة إذا
وقع حرف رويها حرفا ساكنًا صحيحا، نحو قوله: "وكأن قدي". وكذلك لو وقعت
"أن" قافية لقيل "أني" ولو وقعت "عن" قافية لقيل "عني" ولو وقعت "من"
قافية لأطلقت تارة إلى الفتح، وتارة في قصيدة أخرى إلى الكسر، وذلك لأن
"من" قد تفتح في نحو قولك: "من الرجل" وقد تكسر وتفتح أيضًا في نحو "من
ابنك" و"من ابنك" فتقول في القافية المنصوبة "منا"، وفي القافية
المجرورة "منى" إلا أن الفتح أغلب عليها لأنه أكثر في الاستعمال.
وإنما جمعنا بين القافية وبين التذكر من قبل أن القافية موضع مد
واستطالة، كما أن التذكر موضع استشراف وتطاول إلى المتذكر، فاعرف ذلك.
وعلى هذا قالوا في التذكر "قدي" أي: قد قام أو قعد أو نحو ذلك. وكذلك
كل ساكن وقفت عليه وتذكرت بعده كلاما فإنك تكسره، وتشبع كسرته
للاستطالة والتذكر، نحو قولك: "من أنت" إذا وقفت على "من" مستذكرا لما
بعدها قلت "مني".
__________
1 البيت للنابغة الذبياني أحد فحول شعراء الجاهلية، وثالث شعراء الطبقة
الأولى منهم.
انظر شرح ابن عقيل "1/ 19".
2 لقد قرب موعد الحيل إلا أن ركابنا لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها
من الرحال، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق.
الشاهد فيه كأن حيث خففت للتشبيه.
إعرابه: كأن حرف تشبيه ونصب واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة محذوفة
تقديرها "وكأن قد زالت" فحذفت الجملة وبقي الحرف.
(2/399)
وعلى هذا يتوجه عندي قول الحصين بن
الحمام1:
ما كنت أحسب أن أمي علة ... حتى رأيت إذي نحاز ونقتل
ومعناه: إذ نحاز، إلا أنه لما كان يقول في التذكر "إذي" وهو متذكر إذ
كان كذا وكذا أجرى الوصل مجرى الوقف، فألحق الياء في الوصل، فقال/
"إذي" ولهذا نظائر.
وقال سيبويه2: "وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: هذا سيفني، يريد: هذا
سيف، ولكنه تذكر بعد كلاما، ولم يرد أن يقطع اللفظ لأن التنوين حرف
ساكن ينكسر، فكسر كما كسر دال قد". هذا قول سيبويه كما تراه.
وقال الراجز3:
تقول: يارباه يارب هل ... هل أنت من هذا منج أحبلي
إما بتطليق وإما ب "ارحلي"4
فحرك لام "هل" لما أطلقها بالكسر.
فإن كان الساكن مما يكون وقتا مضموما أو مفتوحا، ثم وقفت عليه مستذكرا،
ألحقت ما يكون مضموما واوا، وما يكون مفتوحا ألفا، فتقول: ما رأيته
مذو، أي: مذ يوم كذا؛ لأن أصله ضم الذال في "منذ"، وتقول: عجبت منا،
أي: من زيد أو غيره؛ لأنك قد كنت تقول: من اليوم، ومن الرجل، ومن
الغلام، فتفتحه. ومن كان من لغته "من الغلام" قال في التذكر "عجبت
مني"، فحكم التذكر في هذا الباب حكم القافية؛ ألا ترى أنك تقول في
التذكر "عجبت من الغلامي" فتلحق الياء بعد الميم كما تلحقها بعدها في
القافية في نحو قوله5:
__________
1 البيت منسوب إليه في اللسان مادة "أذذ".
2 الكتاب "2 / 304".
3 لم أقف عليه.
4 يدعو الشاعر ربه أن ينجيه مما هو فيه.
واستخدم في ذلك أسلوب الاستفهام الذي يفيد الرجاء.
والشاهد فيه "هل" حيث حرك اللام بالكسر.
5 سبق تخريجه.
(2/400)
................................... ...
كانت بماركة من الأيامي1
وكذلك إن وقفت على ياء ساكنة مكسور ماقبلها ألحقتها ياء أخرى، ومددت،
فقلت: "رغبت فيي" أي: في زيد ونحوه، و"ضربت غلامي" أي: ضربت غلامي أمس
مستذكرا أمس ونحوه، فتزيد على الياء ياء أخرى. وقد ذكرنا نحو هذا في
حرف الواو وحرف الألف، فاعرفه.
فإن كانت قبل الياء والواو فتحة كسرتهما في التذكر، وألحقت بعدهما ياء،
وذلك قولك: قام زيد أوي، أي: أو عمرو، ونحوه، وضربت غلاميي، أي: غلامي
زيد أو نحوه. وإنما كسرتهما لأنك قد كنت تكسرهما لالتقاء الساكنين في
نحو قولك: قام الغلام أو الرجل، وضربت غلامي الرجل. وتقول: {أُولَئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا} [البقرة: 16] 2 وتقف متذكرا "الضلالة"، وفي
{وَعَصَوُا الرَّسُولَ} [النساء: 42] : "عصووا" لأجل أن هذه الواو
مضمومة لالتقاء الساكنين، فتضمها هنا، وتلحق ضمتها واوا.
ومن كان لغته من الكلام: "اشتروا الضلالة"3 قال في التذكر: "اشتروي".
ومن قرأ4: "اشتروا الضلالة" ففتح الواو قال في التذكر: "اشتروا" فألحق
الواو ألفا.
وحكى الكوفيون عن العرب "أكلت لحما شاة" أي: لحم شاة، فهذا على تذكر
الشاة، فأشبع الفتحة، فاستطالت ألفا.
ومن قال: لو انطفلق بزيد لكان كذا، قال في التذكر "لوو"، ومن كسر الواو
هناك قال هنا "لوي"، فالواو والياء إذا انفتح ما قبلهما تجريان هنا
مجرى الصحيح كما ترى.
__________
1 الشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء إشباعا للكسر.
2 الشاهد فيه "اشترووا" حيث زيدت الواو إشباعا للضم.
3 "اشترووا الضلالة": كسر الواو لغة لبعض العرب وهي شاذة وقد قرأ بها
قوم.
انظر/ معاني القرآن للأخفش "ص45".
4 وفتح الواو قراءة أبي السماك. البحر المحيط "1/ 71".
(2/401)
وتزداد الياء بمعنى الاسم في نحو "غلامي"
و"صاحبي". وللعرب في هذه الياء لغتان، منهم من يسكنها، فمن فتحها قال:
هي اسم، وهي على أقل ما تكون عليه الكلم، فقويتها بالحركة كما فتحت كاف
المخاطب في نحو: رأيتك، ومررت بك. ومن سكنها قال: الحركات على كل حال
مستثقلة في حرفي اللين؛ ألا ترى أن من قال في قصعة، وجفنة: قصعات،
وجفنات لم يقل في نحو جوزة، وبيضة إلا جوزات، وبيضات بالإسكان.
فأما ما جاء عنهم من قول الشاعر1:
أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنطبين سبوح2
فشاذ لا يقاس عليه باب.
فأما الياء في "إياي" فقد تقدم من قولنا في حرف الكاف إنها على مذهب
أبي الحسن حرف لمعنى التكلم، كما أن الكاف في "إياك" لمعنى الخطاب،
وإنها هنا ليست على هذا القول باسم، كما أن الكاف ليست هناك باسم. ومن
رأى أن "إياك" بكماله هو الاسم كانت "إياي" أيضا بكمالها هي الاسم. ومن
رأى أن الكاف في "إياك" في موضع جر بإضافة "إيا" إليها، رأى أيضا مثل
ذلك في الياء من "إياي"، وكان ذلك في الياء أسهل منه في الكاف، وذلك أن
الكاف قد رأيناها في نحو "ذلك" و"أولئك" و"هنالك" حرفا لا محالة، ولم
نر نحو الياء التي في "إيادي" حرفا في غير "إياي"، إلا أن أبا الحسن
أجرى الياء هنا مجرى الكاف في إياك، وقد تقدم من الحجاج في باب الكاف
ما يصح به مذهب أبي الحسن وإن كان غريبا لطيفا.
__________
1 نسب البيت في خزانة الأدب "3/ 429" للهذلي، والخصائص "3/ 184"، وشرح
المفصل "5/ 30" بغير نسب.
2 رائح: الذهاب بالعشي. اللسان "2/ 464".
متأوب: يسير النهار أجمع وينول الليل.
سبوح: يسبح بيديه في سيره. اللسان "2/ 471" مادة/ سبح.
الشاعر يصف ذكر النعام بأنه يسير نهار وليلا بانتظام ورقة، ويعلم كيف
يحرك منكبيه أثناء السير والجري.
والشاهد فيه "بيضات "حيث حركت الياء وهو شاذ لا يقاس عليه فأصله
"بيضات" بسكون الياء.
(2/402)
وتزاد للنسب، وذلك نحو "بصري" و"كوفي".
وتزداد أيضا في الاستفهام عن النكرة المجرورة إذا وقفت، وذلك إذا قيل:
"مررت برجل" قلت في الوقف "منى" فهذه الياء إنما لحقت في الوقف زائدة
لتدل على أن السائل إنما سأل عن ذلك الاسم المجرور بعينه، ولم يسأل عن
غيره، فجعلت هذه الياء هنا أمارة لهذا المعنى ودلالة عليه، وكانت الياء
هنا أولى من الألف والواو لأن المسؤول عنه مجرور، والياء بالكسرة أشبه
منها بالواو والألف، وليست الياء هنا بإعراب، إنما دخلت لما ذكرت لك،
ولو كانت إعرابا لثبتت في الوصل، فقلت: "مني يا فتى" وهذا لا يقال، بل
يقال: "من يا فتى" في كل حال، وإنما هذه زيادة لحقت في الوقف لأن الوقف
من مواضع التغيير.
ونظيرها التشديد الذي يعرض في الوقف في نحو: "هذا خالد" و"هو يجعل"،
قال سيبويه: إنما ثقل هذا ونحوه في الوقف حرصا على البيان، وإعلاما أن
الكلمة في الوصل مطلقة، لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان على
هذا الحد. والقول في الألف في "منا" والواو في "منوا" هو القول في
الياء الذي مضى آنفا.
(2/403)
|