سر صناعة الإعراب فصل: في تصريف
حروف المعجم واشتقاقها وجمعها
اعلم أن هذه الحروف ما دامت حروف هجاء غير معطوفة ولا موقعة موقع
الأسماء، فإنها سواكن الأواخر في الإدراج والوقف، وذلك قولك: ألف، با،
تا، ثا، جيم، حا، خا، دال، ذال، را، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، وكذلك
إلى آخرها، وذلك أنها إنما هي أسماء الحروف الملفوظ بها في صيغ الكلم
بمنزلة أسماء الأعداد، ونحو ثلاثه أربعة خمسه تسعه، ولا تجد لها رافعا
ولا ناصبا ولا جارا، وإذا جرت كما ذكرنا مجرى الحروف لم يجز تصريفها
ولا اشتقاقها ولا تثنيتها ولا جمعها، كما أن الحروف كذلك.
ويدلك على كونها هل، وبل، وقد، وحتى، وسوف، ونحو ذلك، أنك تجد فيها ما
هو على حرفين الثاني منهما ألف، وذلك نحو: با تا ثا حا خا طا ظا، ولا
تجد في الأسماء المعربة ما هو على حرفين الثاني منهما حرف لين، إنما
ذلك في الحروف نحو ما، ولا، ويا، وأو، ولو، وأي، وكي، فلا تزال هذه
الحروف مبنية غير معربة لأنها أصوات بمنزلة صه، ومه، وإيه، وغاق1،
وحاء2، وعاء3، حتى توقعها مواقع الأسماء، فترفعها حينئذ، وتنصبها،
وتجرها، كما تفعل ذلك بالأسماء، وذلك قولك: أول الجيم جيم، وآخر الصاد
دال، وأوسط الكاف ألف، وثاني السين ياء، وكتبت جيما حسنة، وخططت قافا
صحيحة.
وكذلك العاطف4 لأنه نظير التثنية، فتقول: ما هجاء بكر؟ فيقول المجيب:
باء وكاف وراء، فيعرف لأنه قد عطف، فإن لم يعطف بني، فقال: با كاف را.
__________
1 غاق: حكاية صوت الغراب. اللسان "10 / 295" مادة/ غوق.
2 حاء: قال ابن سيده: أمر للكبش بالسفاد. اللسان "15 / 448" مادة/ حا.
3 عاء: زجر للضئين. اللسان "15/ 111" مادة/ عوى.
4 يقصد حروف العطف وعملها وتأثيرها فيما تدخل عليه.
(2/405)
قال1:
كافًا وميمًا ثم سينًا طاسِمًا2
وقال الآخر3:
....................................... ... كما بُيِّنَتْ كافٌ تلوحُ
وميمُها4
وقال الآخر5:
إذا اجتمعوا على ألفٍ وباءٍ ... وتاءٍ هاج بينهم جدالُ
وكذلك أسماء العدد مبنية أيضًا، تقول: واحد اثنان ثلاثَهْ أربعَهْ
خمسهْ.
ويؤكد ذلك عندك ما حكاه سيبويه6 من قول بعضهم: "ثلاثَهَرْبَعَهْ".
فتركه الهاء من "ثلاثه" بحالها غير مردودة إلى التاء -وإن كانت قد
تحركت بفتحة همزة "أربعة"- دلالة على أن وضعها وبنيتها أن تكون في
العدد ساكنة، حتى إنه لما ألقى عليها حركة الهمزة التي بعدها أقرها هاء
في اللفظ بحالها على ما كانت عليه قبل إلقاء الحركة عليها، ولو كانت
كالأسماء المعربة لوجب أن تردها متى تحركت تاء، فتقول
"ثلاثَتَرْبَعَهْ" كما تقول: رأيت طلحةَ يا فتى. فإن أوقعتها موقع
الأسماء أعربتها، وذلك قولك: ثمانيةُ ضعف أربعة، وسبعةُ أكثر من أربعة
بثلاثة، فأعربت هذه الأسماء، ولم تصرفها لاجتماع التأنيث والتعريف
فيها؛ ألا ترى أن "ثلاثة" عدد معروف القدر، وأنه أكثر من "اثنين"
بواحد، وكذلك "خمسة" مقدار من العدد معروف؛ ألا ترى أنه أكثر من
"ثلاثة" باثنين.
__________
1 البيت ذكره صاحب المفصل "6/ 29"، وكذا ذكره صاحب الكتاب "2/ 31" ولم
ينسبه أحدهما وكذا صاحب اللسان في المقدمة "1/ 12" ولم ينسبه أيضًا.
2 والشاهد فيه قوله "كافا- ميما- سينا" حيث عطف الحروف على بعضها.
3 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "كوف" "9/ 311" ولم ينسبه وذكره صاحب
المقتضب ولم ينسبه أيضًا "1/ 237"، وذكره صاحب الكتاب "3/ 260" ونسبه
إلى الراعي وهو عبيد الله بن حصين.
4 والشاهد فيه قوله "كاف- ميمها".
5 البيت في هجاء النحويين وينسب في درة الغواص إلى عيسي بن عمر، ونسب
ليزيد بن الحكم، وجاء في معاني القرآن للزجاج "1/ 23"، وشرح المفصل "6/
29".
6 الكتاب "2/ 34".
(2/406)
فإن قلت: ما تنكر أن تكون هذه الأسماء نكرة
لدخول لام المعرفة عليها، وذلك قولك: الثلاثة نصف الستة، والسبعة تعجِز
عن الثمانية بواحد؟
فالجواب: أنه قد ثبت أن هذه الأسماء التي للعدد معروفة المقادير، فهي
على كل حال معرفة، وأما نفس المعدود فقد يجوز أن يكون معرفة ونكرة،
فأما إدخالهم اللام على أسماء العدد فيما ذكره السائل نحو: الثمانية
ضعف الأربعة، والاثنان نصف الأربعة، فإنه لا يدل على تنكير هذه الأسماء
إذا لم تكن فيها لام، وإنما ذلك لأن هذه الأسماء يعتقب عليها تعريفان:
أحدهما العلم، والآخر اللام.
ونظير ذلك قولك: لقيته فَينة والفَينة، وقالوا للشمس: "إلاهة"
و"الإلاهة"، وقالوا للمنية: "شَعوب" و"الشعوب"، ولهذا نظائر، فكما أن
هذه الأسماء لا يدل دخول اللام عليها على أنها إذا لم تكن فيها فهي
نكرات، فكذلك أيضًا "أربعة" و"الأربعة" و"خمسة" و"الخمسة" هو بمنزلة
"فينة" و"الفينة" و"إلاهة" و"الإلاهة"، أنشدنا أبو علي، ورويناه أيضًا
عن قطرب من غير جهته:
تَرَوحنا من اللعباء قَصرا ... وأعجلنا إلاهةَ أن تَؤوبا1
ويروى: الإلاهة، فاعرف هذا فإنه لطيف.
فإذا ثبت بما قدمناه أن حروف المعجم أصوات غير معربة، وأنها نظيرة
الحروف نحو "هل" و"لو" و"من" و"في" لم يجز أن يكون شيء منها مشتقا ولا
مُصرّفا، كما أن الحروف ليس في شيء منها اشتقاق ولا تصريف، وقد تقدم
القول على ذلك في حرف الألف. فإذا كان ذلك كذلك فلو قال لك قائل: ما
وزن "جيم" أو "طاء" أو "كاف" أو "واو" من الفعل؟ لم يجز أن تمثل ذلك
له، كما لا يجوز أن تمثل له "قد" و"سوف" و"لولا" و"كيلا"، فأما إذا
نقلت هذه الحروف إلى حكم الأسماء بإيقاعها مواقعها من عطف أو غيره، فقد
نقلت إلى مذاهب الاسمية، وجاز فيها تصريفها وتمثيلها وتثنيتها وجمعها
والقضاء على الفاتها وياءاتها، إذ قد صارت إلى حكم ما ذلك جائز فيه غير
ممتنع منه.
__________
1 البيت في اللسان مادة "أله" و"13/ 468" ينسب إلى مية بنت أم عتبة بن
الحارث، وبغير نسب في الجمهرة "1/ 316"، ونسب في معجم البلدان إلى مية
"5/ 18".
(2/407)
وهذا الفصل هو الذي يلطف1 فيه النظر،
ويحتاج إلى بحث وتأمل، ونحن نقول في ذلك مما رويناه ورأيناه ما يوفق
الله تعالى له إن شاء الله، وبه الثقة.
اعلم أن هذه الحروف تأتي على ضربين:
أحدهما: ما هو ثنائي، والآخر: ثلاثي.
ونبدأ بذكر الثنائي لأنه أسبق في مرتبة العدة، وذلك: با تا ثا حا خا را
طا ظا فا ها يا، وأما الزاي فللعرب فيها مذهبان: منهم من يجعلها
ثلاثية، فيقول: زاي، ومنهم من يجعلها ثنائية، فيقول: زي، وسنذكرها على
وجهيها.
وقد حكي فيها "زاء" ممدودة ومقصورة.
وأما الألف التي بعد اللام في قولك "لا" فقد ذكرنا حالها لم دخلت اللام
عليها، وأن ذلك إنما لزمها لما كانت لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا
يمكن ابتداؤه، وأنها دعمت باللام من قبلها توصلا إلى النطق بها، ولم
يمكن تحريكها فينطق بها في أول الحرف، ويزاد عليها غيرها كما فعل ذلك
بجيم قاف لام، وغير ذلك مما تجد لفظه في أول اسمه، فلم يكن بد في إرادة
اللفظ بها من حرف تدعم به أمامها، واختيرت لها اللام دون غيرها لما
ذكرناه في حرف الألف.
فأما ما كان على نحو: با تا حا طا، فإنك متى أعربته لزمك أن تمده، وذلك
أنه على حرفين الثاني منهما حرف لين، والتنوين يدرك الكلمة، فتحذف
الألف لالتقاء الساكنين، فيلزمك أن تقول: هذه طا يا فتى، ورأيت طا
حسنة، ونظرت إلى طا حسنة، فيبقى الاسم على حرف واحد، فإن ابتدأته وجب
أن يكون متحركًا، وإن وقفت عليه وجب أن يكون ساكنًا، فإن ابتدأته ووقفت
عليه جميعًا وجب أن يكون ساكنًا متحركًا في حال، وهذا ظاهر الاستحالة.
فأما ما رواه سلمة عن الفراء عن الكسائي فيما أخبرنا به أبو بكر محمد
بن الحسن عن أحمد بن يحيى من قول بعضهم: "شربت ما" بقصر "ماء"، فحكاية
شاذة لا نظير لها، ولا يسوغ قياس غيرها عليها.
__________
1 يلطف: يصغر ويدق. اللسان "9/ 216" مادة/ لطف.
(2/408)
فإذا كان الأمر كذلك زدت على ألف: با تا ثا
ونحو ذلك ألفا أخرى، كما رأيت العرب فعلت لما أعربت "لو"، فقالوا1:
ليت شعري، وأين مني ليتٌ ... إن ليتًا وإن لوًا عناء2
وأنشدنا أبو علي3:
أفلا سبيل لأن يصادف روعنا ... لوًا، ولو كاسمها لا توجد4
وقال الآخر5:
عَلِقَتْ لوًا تُكرره ... إن لوًا ذاكِ أعيانا6
فكما زادت العرب على هذه الواو واوًا أخرى، وجعلت الثاني من لفظ الأول
لأنه لا أصل له فيرجع عند الحاجة إليه، كذلك زدت على الألف من با تا ثا
ألفا أخرى عوضا لما رأيت العرب فعلت في "لو" لما أعربتها، فصار التقدير
"با ا" "تا ا" "طا ا" "ها ا" فلما التقت ألفان ساكنتان لم يكن من حذف
إحداهما أو حركتها بد، فلم يسغ حذف إحداهما لئلا تعود إلى القصر الذي
منه هربت، فلم يبق إلا أن تحرك إحداهما، فلما وجب التحريك لالتقاء
الساكنين كانت الألف الثانية بذلك أحرى؛ لأنك عندها ارتدعت إذ كنت
إليها تناهيت، فلما حركت الثانية قلبتها همزة على حد ما بيناه في حرف
الهمزة من إبدال الهمزة من الألف.
فعلى هذا فقالوا: خططت باءً حسنةً، وكتبت حاءً جيدةً، وأراك تكتب طاء
صحيحة، وما هذه الراء الكبيرة؟
__________
1 البيت نسب في الكتاب "2/ 23" إلى أبي زيد الطائي، وكذا الجمهرة "1/
122" والخزانة "3/ 282"، وذكر بغير نسب في المقتضب "1/ 370".
2 الشاهد فيه "وإن لوا" حيث أعربت "لو" ونونت، وهذا شاذ لا يقاس عليه.
3 المنصف "2/ 153".
4 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت "لو".
5 البيت للنمر بن تولب في اللسان "إمالا" "15/ 469"، والخصائص "17/
50".
6 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت في هذه الشواهد وهذا مما لا يقاس عليه.
(2/409)
فأما قول الشاعر1:
يخُط لامَ ألفٍ موصولِ ... والزايَ والرا أيّما تهليل2
فإنما أراد "الراء" ممدودة، فلم يمكنه ذلك لئلا ينكسر الوزن، فحذف
الهمزة من الراء، وجاء بذلك على قراءة أبي عمرو في تخفيف الأولى من
الهمزتين إذا التقتا في كلمتين، وكانتا جميعًا متفقتي الحركتين نحو
قوله" "فقد جا أشراطها" [محمد: 18] و" "إذا شا أنشره" [عبس: 22] على ما
يرويه أصحابه من القراء عنه، فكذلك كان أصل هذا: "والزاي والراء أيما
تهليل" فلما اتفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين كما حذفها أبو
عمرو.
فإن قلت: ولم حذف أبو عمرو الأولى من الهمزتين، وإنما ارتدع عند
الثانية، وهلا حذف الهمزة الآخرة التي انتهى دونها، وارتدع عندها؟ 3
فالجواب: أنه قد علم أن ههنا همزتين، وقد اعتزم حذف إحداهما، فكان
الأحرى بالحذف عنده التي هي أضعفهما، والهمزة الأولى أضعف من الثانية
في مثل هذا؛ ألا ترى أن الهمزة من "جاء" لام، وأن الهمزة من "أشراط"
قبل الفاء، والفاء أقوى من العين، والعين أقوى من اللام، وما قبل الفاء
أشد تقدما من الفاء التي هي أقوى من العين التي هي أقوى من اللام، فكان
الحذف بما هو آخر أولى منه بما هو أول، فلذلك حذف أبو عمرو الأولى
لضعفها بكونها آخرا، وأقر الثانية لقوتها بكونها أولا.
فهذا أحد ما يصلح أن يحتج به لأبي عمرو -رحمه الله- في حذفه الأولى من
الهمزتين إذا كانتا من كلمتين ومتفقتي الحركتين.
وسألت أبا علي عن هذا الذي ذكرناه في "باء" و"تاء" ونحوهما، فقلت: ما
تقول في هذه الألف التي قبل الهمزة؟
أتقول: إنها منقلبة عن واو أو ياء، أو تقول: إنها غير منقلبة؟
__________
1 البيت في اللسان في مادة "زيا" "14/ 367"، والخزانة "1/ 56".
2 الشاهد فيه "الرا" حيث أراد الراء ممدودة فاسمها "الراء" وليس
"الرا".
3 وارتدع عندها: تراجع عندها.
(2/410)
فقال: لا، بل اللف الآن مقضي عليها بأنها
منقلبة عن واو، والهمزة بعدها في حكم ما انقلبت عن الياء لتكون الكلمة
بعد التكملة والصيغة الإعرابية من باب "شويت" و"طويت" و"حويت".
فقلنا له: ألسنا قد علمنا أن الألف في "باء" هي الألف التي في "با"
"تا" "ثا" إذا تهجيت، وأنت تقول: إن تلك الألف غير منقلبة من ياء أو
واو لأنها بمنزلة ألف "ما" و"لا"؟
فقال: لما نقلت إلى الأسمية دخلها الحكم الذي يدخل الأسماء من الانقلاب
والتصرف؛ ألا ترى أنا إذا سمينا رجلا ب "ضرب" أعربناه لأنه قد صار في
حيز ما يدخله الإعراب، وهو الاسمن وإن كنا نعلم أنه قبل أن يسمى به
لايعرب لأنه فعل ماض، ولم تمنعنا معرفتنا بذلك من أن نقضي عليه بحكم ما
صار منه وإليه، فكذلك أيضا لا يمنعنا بأن ألف "با" "تا" "ثا" غير
منقلبة ما دامت حروف هجاء من أن نقضي عليها إذا زدنا عليها ألفا أخرى،
ثم همزنا تلك المزيدة بأنها الآن منقلبة عن واو، وأ، الهمزة منقلبة عن
ياء إذ صارت إلى حكم الأسماء التي يقضي عليها بهذا ونحوه.
وهذا صحيح منه حسن، ويؤكده عندك أنه لا يجوز وزن "با" "تا" "ثا" "حا"
"خا" ونحوها ما دامت مقصورة متهجاة، فإذا قلت: هذه باء حسنة، ونظرت إلى
هاء مشقوقه، جاز أن تمثل ذلك، فتقول: وزنه "فعل" كما تقول في "داء"
و"ماء" و"شاء" إنه "فعل".
فقال لأبي علي بعض حاضري المجلس: أفيجمع على الكلمة إعلال العين
واللام؟
فقال: قد جاء من ذلك أحرف صاحلة، فيكون هذا منها ومحمولا عليها.
والذي زاد على أبي علي هذه الزيادة فتى كان يقرأ ليه يعرف بالبوراني،
وكان هذا الفتى -رحمه الله- دقيق الفكر، حسن التصور، بحاثان مفتشا، ولا
أظلمه حقه، فقلما رايت ابن سنه في لطف نظره، عفا الله عنا وعنه.
وأنا أذكر الأحرف التي اعتلت فيها العين واللام.
(2/411)
فمنها "ماءٌ" وألفه منقلبة عن واو، وهمزته
منقلبة عن هاء لقولهم: أمواه، ومُوَيْه، وماهَت الركيّة1 تموه، وقولهم
مَوّهتُ عليه الأمر أي: حسنته له فكأني جعلت له عليه طلاوة وماء ليقبله
سامعه.
ومنها "شاءٌ" في قول من قال "شُوَيْهة" وتَشَوّهت شاةً إذا صدتها، حكى
ذلك أبو زيد، وحكى أيضًا "شِيَهٌ"2 و"أشاوِهُ"3، فـ "شاء" على هذا مما
عينه واو، ولامه هاء، وهو نظير "ماء" سواء.
ومن قال "شَوِيّ" فهو من باب "طويت" و"لويت" وصارت "شاء" في هذا القول
أخت "باء" و"تاء" و"حاء" على ما فسره أبو علي.
قال النابغة4:
................................ ... .... في شويّ وجاملِ
ومنها ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر5:
مَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا ما النسع طال على المطية6
ومَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا هبت شآمية عَرِيّة7
فأصل هذا "رأى" فأبدل الهمزة ياء كما يقال في "ساءلت": "سايلت" وفي
"قرأت": "قريت" وفي "أخطأت": "أخطيت"، فلما أبدل الهمزة التي هي عين
ياء أبدل الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذف الألف المنقلبة
عن الياء التي هي لام الفعل لسكونها وسكون الألف التي هي عين الفعل.
__________
1 ماهت الركية: البئر تحفر، وماهت: حتى بلغ الماء. اللسان "15/ 298"
مادة/ مها.
2 شيه: اسم جمع للشاة.
3 وأشاوه: جمع شاة. اللسان "13/ 510".
4 البيت في ديوانه "ص198".
5 البيتان في اللسان "رأى" "14/ 291".
6 النسع: سير مضفور تشد به الرحال. اللسان "8/ 352" مادة/ نسع.
الشاهد فيه "من را" فأصلها "رأى" حيث أبدلت الهمزة ياء ثم قلبت ألفا،
ثم حذف الألف.
7 ريح عرية: باردة. اللسان "15/ 45" مادة/ عرا.
الشاهد "را" حيث أبدلت الهمزة ياء.
(2/412)
وسألت أبا علي، فقلت له: من قال: "مَن را
مثل معدان بن يحيى" كيف ينبغي أن يكون "فَعَلْتُ" منه؟
فقال: "رَيَيْت" ويجعله من باب "حييت" و"عييت"، قال: لأن الهمزة في مثل
هذا الموضع إذا أبدلت فإلى الياء تقلب، يريد "سايلته" ونحوه.
وذهب أبو علي في بعض مسائله1 إلى أنه أراد "رأى" وحذف الهمزة كما حذفها
من "أَرَيْت" ونحوه. وكيف كان الأمر فقد حذف الهمزة وقلب الياء ألفا،
وهذان إعلالان تواليا في العين واللام.
ومنها ما حكاه سيبويه2 من قول بعضهم "جا يجي"، فهذا أبدل الياء التي هي
عين الفعل ألفا، وحذف الهمزة تخفيفًا، فأعل العين واللام جميعًا.
ومثله ما حكاه أيضًا من "سا يسو"3.
ومنها أن أبا علي أجاز في قول لبيد4:
بصَبُوح صافيةٍ، وجذب كرينةٍ ... بموَتَّرٍ تَأْتَا له إبهامُها5
فيمن فتح اللام في "لَهُ" أن يكون أراد "تأتوي له" أي: تفتعل له من
أويت إليه، أي: عدت إليه، إلا أنه قلب الواو ألفا، وحذف الياء التي هي
الفعل لسكونها، فأعل العين واللام جميعًا.
وقد كنت حملت قولهم في النكاح "الباء" أن تكون همزته مبدلة من الهاء
التي تظهر في الباه، وعللت ذلك، وأريت وجه الاشتقاق فيهما، ومن أين
اشترك "ب وه" و"ب وء" في "الباء" في معنى النكاح إذ كان كل واحد منهما
قائما بنفسه غير مقلوب عن صاحبه.
__________
1 انظر المسائل الحلبيات "ق 9/ أ".
2 الكتاب "2/ 171".
3 الكتاب "2/ 171".
4 ديوانه "ص314" وشرح القصائد العشر "ص243"، واللسان "14/ 51" مادة/
أوا.
5 الكرينة: المغنية الضاربة بالعود أو الصنج.
الموتر: ذو الأوتار.
تأتا له: تصلحه.
والشاهد فيه "تأتا له" حيث أراد "تأتوي" فقلب الواو ألفا وحذفت الياء
التي هي لام الفعل.
(2/413)
وذكرت ذلك في كتابي1 في شرح تصريف أبي
عثمان -رحمه الله- فتجنبت الإطالة بذكره هنا.
فإذا كان هذا وغيره مما ندع ذكره اكتفاء بهذا قد أعلت عينه ولامه
جميعًا، جاز أيضًا أن تحمل "باء" و"طاء" و"هاء" وأخاوتهن في إعلال
عيناتها ولاماتها جميعًا عليه، فقد صار إذن تركيب "طاء" و"حاء" ونحوهما
بعد التسمية من "ط وي" ومن "ح وي"وصارا كأنهما من باب "طويت" و"حويت"
وإن لم يكونا في الحقيقة منه، ولكنهما قد لحقا بحكمه، وجريا في القضية
مجراه، فلو اشتققت على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلا على
"فَعَلْت" لقت من الباء "بويت"، ومن التاء "تويت"، ومن الثاء "ثويت"،
ومن الحاء "حويت"، ومن الخاء "خويت" ومن الراء "رويت"، ومن الطاء
"طويت"، ومن الظاء "ظويت"، ومن الفاء "فويت"، ومن الهاء "هويت"، ومن
الياء "يويت" كما تقول في "فَعَّلت" من "طَوَيت" و"حَوَيت": "طَوّيت"
و"حَوّيت".
هذا هو القياس الذي تقضيه حقيقة النظر، وأما المسموع المحكي عنهم فإن
يقولوا "ببَّيت، وتيّيت، وثيَّيت، وحيَّيت، وخيَّيت، وطييت، وظييت،
ويييت ياء حسنة" وكذلك بقية أخواتها، فظاهر هذا القول يدل من رأيهم على
أنهم اعتقدوا أن الألف في نحو: باء، وتاء، وحاء، وخاء بدل من ياء،
وجعلوا الكلمة من باب "حييت" و"عييت" ونحوهما مما عينه ولامه ياءان.
والذي حملهم على هذا عندي سماعهم الإمالة في ألفاتهن قبل التسمية
وبعدها؛ ألا تراك تقول إذا تهجيت: با تا ثا حا خا را طا ظا ها يا،
وقالوا بعد التسمية والنقل: باء، وتاء، وثاء، وحاء، وطاء، وظاء، فلما
رأوا الإمالة شائعة في هذه الألفات قبل النقل وبعده حكموا لذلك بأن
الألفات فيهن منقلبات عن ياءات، وأنها قد لحقت في الحكم بالألفات
المنقلبات من الياءات، فلذلك قالوا: حييت حاء، وطييت طاء، ونحو ذلك.
وأنا أذكر وجه الإمالة في هذه الحروف، وأدل على صحة القياس الذي ذهب
إليه أبو علي.
__________
1 هو المسمى "المنصف" "2/ 152".
(2/414)
أما إمالتهم إياها وهي حروف تهَجٍّ فليس
ذلك لأنها منقلبة عن ياء ولا غيرها، وذلك أنها حينئذ أصوات غير مشتقة
ولا متصرفة، ولا انقلاب في شيء منها لجمودها، ولكن الإمالة فيها حينئذ
إنما دخلتها من حيث دخلت "بلى"، وذلك أنها شابهت بتمام الكلام
واستقلاله بها وغناها عما بعدها الأسماء المستقلة بأنفسها، فمن حيث
جازت إمالة الأسماء كذلك أيضًا جازت إمالة "بلى"؛ ألا ترى أنك تقول في
جواب من قال لك ألم تفعل كذا؟: "بلى" فلا تحتاج "بلى" لكونها جوابا
مستقلا إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها، وقويت، لحقت في القوة
بالأسماء في جواز إمالتها كما أميل نحو "أنى" و"متى"، وكذلك أيضًا إذا
قلت: با تا ثا قامت هذه الحروف بأنفسها، ولم تحتج إلى شيء يقويها، ولا
إلى شيء من اللفظ تتصل به، فتضعف، وتلطف لذلك الاتصال عن الإمالة
المؤذنة بقوة الكلمة وتصرفها.
ويؤكد ذلك عندنا ما رويناه عن قطرب من أن بعضهم قال: "لا أفعل" فأمال
"لا"، وإنما أمالها لما كانت جوابا قائمة بنفسها، فقويت بذلك فلحقت
بالقوة باب الأسماء والأفعال، فأميلت كما أميلا، فهذا وجه إمالتها وهي
حروف هجاء.
وأما إمالتها وقد نقلت، فصارت أسماء، ومُدّت، فإنما فعلوا ذلك لأن هذه
الألفات قد كانت قبل النقل والمد مألوفة فيها الإمالة، فأقروها بعد
المد والتسمية والإعراب بحالها؛ ليعلموا أن هذه الممدودة المعربة هي
تلك المقصورة قبل النقل المبنية، لا لأن هذه الألفات عندهم الآن بعد
النقل والمد مما سبيله أن يقضى بكونه منقلبا عن ياء. ولهذا نظائر في
كلامهم، منها إمالتهم الألف في "حُبالى" ليعلم أن الواحدة قد كانت فيها
ألف ممالة، وهي حبلى، فالألف الآن في "حبالى" إنما هي بدل من ياء
"حبال" كما قالوا "دعوى" و"دعاوٍ" ثم أبدلوا من ياء "حَبال" ألفا،
وأمالوها كما كانت في الواحد ممالة، محافظة على الواحد، فكذلك حافظ
هؤلاء أيضًا، فأمالوا قولهم: هذه حاء وياء لقوهم قبل الإعراب: با تا ثا
حا خا.
ومما راعوا فيه حكم غيره مما هو أصل له إعلالهم العين في نحو: "أقام"
و"أسر" و"استقام" و"استسار"؛ ألا ترى أن الأصل في هذا "أقوم" و"أسير"
و"استقوم" و"اسْتَسْيَر" فنقلوا فتحة الواو والياء إلى ما قبلهما،
وقلبوهما لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن، ولولا أنهما
انقلبتا في "قام" و"سار"
(2/415)
اللتين أصلهما "قَوَم" و"سَيَر" لما قلبتا
في "أقوَمَ" و"أسيَرَ" لأنهما في "أقوم" و"أسير" ساكن ما قبلهما، وإذا
سكن ما قبل الواو والياء صحتا، وجرتا مجرى الصحيح، ولكن لما أعلتا في
"قام" و"سار" لتحركهما وانفتاح ما قبلهما حملتا في "أقام" و"أسار" على
اعتلال الثلاثي في "قام" و"سار"؛ أفلا تراهم كيف راعوا في الرباعي وما
فوقه حكم الثلاثي، ولولا جريانه عليه واتباعه في الإعلال له لوجب
تصحيحيه وخروجه سالما على أصله.
فكذلك أيضًا أميلت "حاء" و"خاء" لإمالة "حا" "خا". فقد صح بما ذكرناه
أنه لا اعتداد بإمالة هذه الألفات مقصورة كانت أو ممدودة؛ إذ كان ذلك
لا يدل على أنهن منقلبات عن الياء إذ قد أميلت وهي مقصورة، وإذا كانت
مقصورة جرت مجرى "لا" و"ما" ونحو ذلك مما ألفه غير منقلبة البتة.
فإذا لم يكن في إمالتها دلالة على كونها منقلبة، كما لم يدل ذلك في ألف
"بلى" و"لا" و"يا" في النداء، ثبت أن الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو
علي من أن العين سبيلها أن تكون واوًا، وتكون اللام ياء لتكون الكلمة
من باب "طويت" و"شويت" و"ضويت" لأنه أكثر من باب "حييت" و"عييت" ومن
باب "قويت" و"حويت" من القوة والحوة. فلو لم يكن في هذا إلا الجنوح إلى
الكثرة والرجوع إليها عن القلة لكان سببا قويا، وعذرا قاطعا، فكيف به
وقد دللنا على قوته لما قدمناه.
ولو جمعت هذه الحروف بعد النقل على نحو "باب أبواب" و"ناب وأنياب"
لأظهرت العين صحيحة لسكون ما قبلها، فقلت على مذهب أبي علي في باء:
أبواء، وفي تاء: أتواء، وفي ثاء: أثواء، وفي حاء: أحواء، وفي خاء:
أخواء، وفي راء: أرواء، وفي طاء: أطواء، وفي ظاء: أظواء، وفي فاء:
أفواء، وفي هاء: أهواء، وفي ياء: أياء، وأصلها أيواء، ففعل بها ما فعل
بأيوام جمع يوم.
وعلى قول العامة سوى أبي علي: أبياء، وأتياء، وأحياء، وأخياء، وأرياء،
وأطياء، وأظياء، وأفياء، وأهياء، وأياء أيضًا. ومن ذهب إلى التأنيث
فجمعهما على أفعل نحو: نار، وأنؤر، ودار وأدؤر، وساق وأسؤق، قال على
مذهب أبي على: باء وأبو، وتاء وأتو، وثاء وأثو، وحاء وأحو، وخاء وأخو،
(2/416)
فأجراه مجرى: جدْي وأجْدٍ، وظبي وأظْبٍ،
وفي اليا: ياء وأي، وأصلها "أيوي" فقلبت الواو لوقوع الياء ساكنة
قبلها، فاجتمعت ثلاث ياءات، فحذفت الأخيرة منهم تخفيفًا كما حذفت من
تصغير "احوى": "أُحَيّ"، فصار "أيّ".
وعلى قول الجماعة غيره: أَبْيٍ، وأتْيٍ، وأحْىٍ، وأخْيٍ، وفي الياء:
أيٍّ بالحذف كما تقدم، فاعرف ذلك، فهذه أحكام الحروف التي على حرفين.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف فعلى ضربين:
أحدهما: ما ثانيه ياء، والآخر: ما ثانيه ألف.
الأول: جيم، سين شين عين غين ميم، فسبيل هذه أن تجري بعد النقل
والإعراب مجرى "ديك" و"فيل" و"بيت" و"قيد" مما عينه ياء. ومن قال في
"ديك" و"فيل" إنه يجوز أن يكون "فُعْلًا" و"فِعْلًا" جميعًا، وهو
الخليل1، احتمل عنده جيم، سين، شين، ميم، أن تكون أيضًا "فُعْلًا"
و"فِعْلًا" جميعًا فأما عين غين ففَعْلٌ لا غير.
فإن قلت: فهل تجيز أن يكون أصلهما "فَيْعِلًا" كميِّت وهين ولين، ثم
حذفت عين الفعل منهما؟
فإن ذلك هنا لا يجوز ولا يحسن من قبل أن هذه حروف جوامد بعيدة عن الحذف
والتصرف.
فإن بنيت منها "فَعَّلْت" قلت: جَيَّمت جيما، وسنيت سينا، وشينت شينا،
وعينت عينا، وغينت غينا، وميمت ميما. وتقول في الجمع: أجيام، وأسيان،
وأشيان، وأعيان، وأغيان، وأميام، بلا خلاف لظهور العين ياء فيهن. ولو
جاءت على "أفْعُل" لقلت: أجيُم، وأسين، وأشين، وأعين، وأغين، وأميم.
وأما ما ثانية ألف: فدال، وذال، وصاد، وضاد، وقاف، وكاف، ولام، وواو.
فهذه الحروف مادامت حروف هجاء لم تمثل، ولم يقض فيها بقلب ولا غيره مما
لا يوجد في الحروف، فإن نقلتها إلى الاسمية لزمك أن تقضي بأن الألف
فيهن
__________
1 هذا قول سيبويه. انظر/ الكتاب "2/ 187-189".
(2/417)
منقلبة عن واو، وذلك مما وصى به سيبويه
لأنه هو الأكثر في اللغة؛ ألا ترى إلى كثرة: بابٍ، ودارٍ، ونارٍ،
وجارٍ، وغارٍ، وساقٍ، وطاقٍ، وهامةٍ، وقامةٍ، ولابة1، وعادة، ورادة2،
وسادة، وذلدة3، وشارة4، وزارة5، وقلة نابٍ، وعابٍ، وغابٍ، وعارٍ،
ورارٍ6. فعلى الأكثر ينبغي أن يحمل، فإذا كان ذلك فلو بنيت منه
"فَعَّلْت" لقلت: دَوَّلت دالا، وذَوّلت ذالا، وصودت صادا، وضودت ضادا،
وقوفت فاقا، وكوفت كافا، ولومت لاما.
فأما "الواو" فقد ذكرنا ما في ألفها من الخلاف، فمن ذهب إلى أن ألفها
منقلبة عن ياء وجب عليه أن يقول في "فَعَّلت" منها: "وييت واوًا"
وأصلها "ويوت" إلا أن الواو لما وقعت رابعة قلبت ياء كما قلبت في:
غَدَّيت، وعشيت، وقضيت، ودنيت، فصارت: وييت.
ومن ذهب إلى أن ألفها منقلبة من واو لزمه أن يقول: أَوّيت، وأصلها:
وَوَّوت، فلما التقت في أول الكلمة واوان همزت الأولى منهما كما همزت
الواو الأولى من "الأولى" وأصلها "وُوْلَى" لأنها "فُعلى" من "أَوّل"
و"أول" فاؤه وعينه واوان لأنه "أفعل".
وقد ذكرت في كتابي7 في تفسير تصريف أبي عثمان خلاف الناس في "أول" كما
همزوا تصغير "واصل" وجمعه في قولهم: "أُوَيْصل" و"أَوَاصل"، وأصله
"وُوَيْصل" و"وَوَاصِل" فهمزت الواو الأولى لاجتماع الواوين في أول
الكلمة.
ومثله قول الشاعر8:
__________
1 لابة: الحرة من الأرض. اللسان "1/ 745" مادة/ لوب.
2 الرادة: من النساء: التي تزود وتطوف، وريح رادة: إذا كانت هوجاء تجيء
وتذهب.
3 ذادة: جمع ذائد، وهو الرجل الحامي الحقيقة.
4 شارة: الحسن الهيئة واللباس.
5 الزارة: الجماعة الضخمة من الناس والإبل والغنم. اللسان "4/ 338"
مادة/ زور.
6 رار: مخ رار، أي: ذائب فاسد من الهزال، وشدة الجذب. اللسان "4/ 314".
7 المصنف "2/ 201-204".
8 هو مهلهل بن ربيعة أخو كليب وائل، اسمه عدي، أو امرؤ القيس. المقتضب
"4/ 214".
والبيت ذكره صاحب اللسان مادة "وقى" دون أن ينسبه، وكذا العيني "3/
524".
(2/418)
ضربتْ صدرَها إلى وقالت ... ياعَديا لقد
وَقَتْك الأواقي1
فالأواقي: جمع واقية، وأصلها وَواقٍ، فهمزت الواو الأولى.
وقال2:
فإنك والتأبين عُروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع
لكالرجل الحادي وقد تَلَع الضحى ... وطيرُ المنايا فوقهن أَواقع
جمع: واقعة.
وقال الآخر3:
شهمٌ إذا اجتمع الكُماة، وأُلجمت ... أفواقهُا بأواسط الأوتارِ4
يريد جمع: واسط، وأصلها "وَوَاسط". فلما همزت الواو الأولى صار اللفظ
في التقدير إلى "أوَّوت" فلما وقعت الواو رابعة قلبت ياء كما تقدم ذكره
آنفا، فصارت "أوَّيت"، هذا هو صريح القياس وحقيقته.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم عن أبي العباس أحمد بن
يحيى ثعلب، قال: ما كان على ثلاثة أحرف الأوسط منه ياء فليس فيه إلا
وجه واحد بالياء، تقول: سيَّنْت سينا، وعينت عينا. وقال بعضهم في "ما"
و"لا" من بين أخواتها: مَوَّيت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة، بالمد لمكان
الفتحة من "ما" و"لا". وتقول في الواو وهي على ثلاثة أحرف الأوسط ألف
بالياء لا غير لكثرة الواوات، تقول: ويَّيت واوًا حسنة.
وبعضهم يجعل الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين، فيقول: أويت واوًا
حسنة. انتهت الحكاية عن أبي بكر.
__________
1 الشاهد فيه "الأواقي" وأصلها "وواق" حيث قلبت الواو الأولى همزة.
2 البيت في اللسان مادة "وقع" "8/ 404" ينسب للمهلهل بن ربيعة، وكذا
الخزانة "2/ 165".
3 البيت في اللسان "وسط" "7/ 427".
4 الأفواق: جمع الفوق من السهم وهو موضع الوتر.
والشاهد فيه "بأواسط" جمع "واسط" وأصلها "وواسط" فقلبت الواو الأولى
همزة.
(2/419)
فأما ما أجازه من قوله: "ووَّيت" فمردود
عندنا؛ لأنه إذا لم تجتمع واوان في أول الكلمة فالثلاث أحرى بأن لا
يجوز اجتماعها. فأما قوله عز اسمه: {مَا وُوْرِيَ عَنْهُمَا} [الأعراف]
فإنما اجتمعت في أوله واوان من قِبَل أن الثانية منهما مدة مبدلة من
ألف "واريت" وليست بلازمة، فلأجل ذلك لم تُعتدّ.
وأما قوله: "وبعضهم يجعل الواو همزة" فهذا هو الصواب الذي لا بد منه،
ولا مذهب لنظار عنه. وأما ما حكاه من قولهم في "ما" و"لا": مويت،
ولويت، فإن القول عندي في ذلك أنهم لما أرادوا اشتقاق "فعلت" من "ما"
و"لا" لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين، فزادوا على الألف ألفا أخرى،
ثم همزوا الثانية كما تقدم، فصارت "ماء" و"لاء"، فجرت بعد ذلك مجرى
"باء" و"حاء" بعد المد.
وعلى هذا قالوا في النسب إلى "ما" لما احتاجوا إلى تكميلها اسما محتملا
للإعراب: قد عرفت مائية الشيء، فالهمزة الآن إنما هي بدل من ألف ألحقت
ألف "ما" وقضوا بأن ألف "ماء" و"لاء" مبدلة من واو كما قدمناه من قول
أبي علي، وأن اللام منهما ياء حملا على "طويت" و"رويت"، ثم لما بنوا
منهما "فعلت" قالوا: مويت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة.
وقوله: "لمكان الفتحة فيهما" أي: لأنك لا تميل "ما" و"لا" فتقول "ما"
و"لا"، أي فذهب إلى أن الألف فيهما من واو.
وهذا هو الذي حكيناه عنهم من أن اعتقادهم أن ألف "باء" و"حاء"
وأخواتهما منقلبة عن ياء لأجل ما فيهما من الإمالة، حتى إنهم لما لم
يروا في "ما" و"لا" إمالة حكموا بأن ألفهما منقلبة من واو.
وقد ذكرنا وجه الإمالة من أين أتى هذه الألفات، ودللنا على صحة مذهب
أبي علي فيما مضى من هذا الفصل.
ولو جمعت هذه الأسماء على "أفعال" لقلت في دال، وذال: أدوال، وأذوال،
وفي صاد، وضاد: أصواد وأضواد، وفي قاف، وكاف: أقواف، وأكواف، وفي لام:
ألوام، وفي واو فيمن جعل ألفها منقلبة عن واو: أواء،
(2/420)
وأصلها أوّاو، فلما وقعت الواو طرفًا بعد
ألف زائدة قلبت ألفا، ثم قلبت تلك الألف همزة كما قلنا في أبناء،
وأسماء، وأعداء، وأفلاء1.
ومن كانت ألف "واو" عنده من ياء قال إذا جمعها على "أفعال": "أيّاء"،
وأصلها عنده "أوْياء" فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون
قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها، فصارت "أيَّا" كما ترى.
ومن جمع ذلك على "أفعُل" قال: أدوُل، وأذوُل، وأصود، وأضود، وأقوف،
وأكوف، وألوم.
ومن كانت عين "واو" عنده واوًا قال في جمعها على "أفْعُل": "أوٍّ"،
وأصلها "أوُّوٌ" فلما وقعت طرفًا مضمومًا ما قبلها أبدل من الضمة كسرة،
ومن الواو ياء، فقال: "أوٍّ" كما قالوا: دلْوٌ وأدْلٍ، وحقُو وأحُقٍ.
ومن كانت عين "واو" عنده ياء قال في جمعها على "أفعُل": "أيٍّ"، وأصله
"أوْيُوٌ" فلما اجتمعت الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو
ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فصارت "أيُّوٌ" فلما وقعت الواو طرفًا
مضمومًا ما قبلها أبدلت من الضمة كسرة، ومن الواو ياء على ما ذكرناه
الآن، فصار التقدير "أيُّيٌ"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات والوسطى منهم
مكسورة حذفت الياء الأخيرة، كما حذفت في تحقير "أحْوى" و"أعْيا" في
قولهم "أُحَيٌّ" و"أُعَيٌّ" فكذلك قلت أنت أيضًا "أي".
وأما "نون" فإن أمرها ظاهر لأن عينها واو كما ترى. ومن قال في "فُعْل"
من البيع: "بُوْعٌ"- وهو أبو الحسن، ويشهد بصحة قوله هَيْف وهُوْف2- لم
يجز له مثل ذلك في "نون" أن تكون واوها بدلا من ياء لقولهم: نونت
الكلمة تنوينًا، وهذا حرف منون، فظهور الواو في هذه المواضع ولا ضمة
قبلها، يدل على أن الواو فيها أصل غير بدل.
فإن جمعتها على "أفعال" قلت "أنوان" وعلى "أفعُل": "أنون".
__________
1 أفلاء: جمع فلو، وهو الجحش والمهر إذا فطم. اللسان "15/ 162" مادة/
فلا.
2 وهوف: الهيف والهوف: الريح الباردة الهبوب. اللسان "9/ 351" مادة/
هيف.
(2/421)
ومن همز الواو لانضمامها، فقال1:
لكل دهر قد لبست أثؤبا2
وقال3:
................................... ... مصابيح شبت بالعشاء وأنؤر4
همز أيضا هذا فقال: أنؤن، وأكؤف، وأقؤف، وأدؤل، وأذؤل، وأصؤد، وأضؤد.
وأما "زاي" فيمن لفظ بها ثلاثية هكذا فألفها على ما قدمناه ينبغي أن
تكون منقلبة عن واو، ولامه ياء كما ترى، فهو من لفظ "زويت"5 إلا أن
عينه أعتلت، وسلمت لامه، ولحق بباب: غاي، وراي، وثاي، طاي، وآي في
الشذوذ لاعتلال عينه وصحة لامه. وقولي "اعتلت" إنما أريد به أنها متى
أعربت فقيل: هذه راي حسنة، أو: كتبت زايا صغيرة أو نحو ذلك، فإنها بعد
ذلك ملحقة في الاعتلال بباب "راي" و"غاي" إلا أنه مادام حرف هجاء فألفه
غير منقلبة، فلهذا كان عندي قولهم في التهجي "زاي" أحسن من "غاي"
و"طاي" لأنه ما دام حرفا فهو غير مصرف، وألفه غير مقضي عليها
بالانقلاب، "غاي" وبابه متصرف، فالانقلاب، وإعلال العين، وتصحيح اللام
جار عليه ومعروف به.
ولو اشتققت منها "فعلت" لقلت "زويت" وإن كانت الإمالة قد سمعت في
ألفها. وهي على مذهب أبي علي "زويت" ايضا، وعلى قول غيره: زييت زايا.
وإن كسرتها على "أفعال" قلت "أزواء" وعلى قول غير أبي علي "أزياء" إن
صحت إمالتها. وإن كسرتها على "أفعل" قلت "أزو" و"أزي" على المذهبين.
__________
1 نسب البيت لمعروف بن عبد الرحمن في شرح أبيات سيبويه "2/ 392".
2 الشاهد فيه: "أثوب" حيث جمعت على "أفعل"، ويجوز جمعها على "أفعال"
فتقول: "أثواب".
3 البيت لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه، وبغير نسبه في المقتضب "2/
250".
4 الشاهد فيه "أنور" حيث جمعت على أفعل ويجوز "أنوار".
5 زويت: زوى مابين عينيه: قطب وعبس. اللسان "14 / 364" مادة/ زوى.
(2/422)
وأما من قال "زَي" وأجراها مجرى "كي" فإنه
إذا اشتق منها "فعَّلت" كملها قبلُ اسما فزاد على الياء ياء أخرى، كما
أنه إذا سمى رجلا بـ "كى" ثقل الياء، فقال: هذا كيٌّ، وكذلك تقول أيضًا
"زيٌّ" ثم تقول منه "فعَّلت": "زييت" كما تقول من "حَيِيت": "حَيّيت".
فإن قلت: فإذا كانت الياء من "زيْ" في موضع العين فهلا زعمت أن الألف
من "زاي" ياء لوجودك العين في "زَي" ياء؟
فالجواب: أن ارتكاب هذا خطأ من قبل أنك لو ذهبت إلى هذا لحكمت بأن "زي"
محذوفة من "زاي" والحذف ضرب من التصرف، وهذه الحروف كما تقدم جوامد لا
تصرف في شيء منها.
وأيضًا فلو كانت الألف في "زاي" هي الياء في "زي" لكانت منقلبة،
والانقلاب في هذه الحروف مفقود غير موجود.
وعلقت عن أبي علي في شرح الكتاب لفظا من فيه قال: من قال "اللاء" فهو
عنده كالباب، ومن قال "اللائي" فهو عنده كالقاضي، قال: ولا يكون
"اللاء" محذوفًا من "اللائي". فإذا لم يجز الحذف في هذه الأسماء التي
توصف ويوصف بها، ويحقر كثير منها، وتدخل عليها لام التعريف المختصة
بالأسماء، فأن لا يجوز الحذف في حروف الهجاء التي هي جوامد أبدا أحرى.
ولو جمعتها لقلت في القولين جميعًا "أزياء" و"أزي".
فأما قولنا "ألف" فأمرها ظاهر، ووزنها "فَعِلٌ" وعينها ولامها صحيحتان
كما ترى.
وأما الألف الساكنة التي هي مدة بعد اللام في قولهم "و. لا. ي" فلا
يجوز أن تسميها كما تسمي أول ما تجده في لفظك من "ضرب" بقولك "ضادٌ"
وثانيه بقولك "راء" وثالثه بقولك "باء" من قبل أنك تجد في أوائل هذه
الحروف التي تسميها بهذه الأسماء المبنية لفظ الحرف الذي تريده، والألف
أبدا ساكنة، فلا يمكن تسميتها لأنه كان يلزمك أن توقع الألف الساكنة
أول ذلك الاسم المبني، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فرفض ذلك لذلك، وقد
تقدم ذكر هذا.
(2/423)
ألا ترى أن أول قولك "جيم" جيم، وأول "طاء"
طاء، وهذا واضح.
فإن تكلفت أن تبني من الألف الساكنة في قولنا "لا" مثال "فَعَّلت" لم
يمكنك ذلك حتى تتم الألف الساكنة ثلاثة أحرف؛ لأنه لا يمكن الاشتقاق من
كلمة على أقل من ثلاثة أحرف، فيلزمك على ذلك أن تزيد على الألف ألفا
أخرى ليكون الثاني من لفظ الأول، كما أنك إذا سميت رجلا "لا" زدت على
الألف ألفا أخرى، وهمزتها لأنك حركتها لالتقاء الساكنين، فقلت "لاء"
وفي "ذا": "ذاء" وفي "ما": "ماء" فتزيد على الألف من"لا" وهي ساكنة كما
ترى ألفا أخرى بعد أن تزيل اللام التي كانت الألف معتمدة عليها؛ لأنك
الآن إنما تريد تكميلها للبناء منها، ولست تريد الآن أن تلفظ بها
فتتركها مدعومة باللام من قبلها، وإنما حذفت اللام لأنها زائدة،
والبناء أبدا من الأصول لا من الزوائد، فيصيرك التقدير إلى أن تجمع بين
ألفين ساكنين، وذل لا يمكنك اللفظ به لتعذر الابتداء بالساكن، إلا أنك
تعلم أن هذا الذي أشْكُله الآن صورتهما، وهو "أاْ" فيلتقي ألفان
ساكنتان، فلا يمكن الابتداء بالأولى منهما لسكونها، فلا تخلو حينئذ من
حذف إحداهما أو حركتها، فلا يمكن الحذف لأنك لو حذفت إحداهما عدت إلى
اللفظ بالواحدة التي عنها هربت، فكان ذلك يكون مؤديا إلى نقض الغرض
الذي أجمعته من تكميل الحرف بالزيادة فيه للبناء منه، فلما لم يسغ
الحذف وجب تحريك إحداهما، فكانت الألف الأولى أولى بالحركة ليمكن
الابتداء بها، فلما حركت كان الكسر أولى بها إذ الحركة فيها إنما هي
لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة على حد ما قدمناه من الألف إذا حركت
قلبت همزة نحو: "شأبَّة" و"دأبَّة" وما أشبه ذلك.
فلما حركت الألف الأولى فقلبت همزة مكسورة انقلبت الألف الثانية ياء
لسكونها وانكسار ما قبلها، كما قلبت في نحو: "قراطيس" و"حماليق" جمع
"قرطاس" و"حملاق" فصار اللفظ حينئذ "إي" فلما أردت التكملة زدت على
الياء ياء أخرى، كما أنك لو سميت رجلا بـ "في" زدت على الياء باء أخرى،
فقلت هذا "في" فصار اللفظ فيما بعد "إي".
فإن بنيت من "إي" هذا "فعلت" كما قلت قوفت قافا، وكوفت كافا، وسينت
سينا، وعينت عينا، وجب عليك أن تقول "أويت".
(2/424)
فإن سأل سائل فقال: من أين لك الواو في هذا
المثال، وأنت تعلم أن الأول من الحرفين المدغم إنما هو ياء في "أي" ثم
زدت على الياء كما زعمت ياء أخرى، فصار "إي" ولسنا نجد للواو هنا مذهبا
ولا أصلا، أولست لو بنيت "فعَّلت" من "في: لقلت: فييت فيًّا حسنة، ومن
"إي" في قوله تعالى: {إي وربي} [يونس: 53] : أييت، فهلا قلت قياسا على
هذا أبيت؟
فالجواب: أن الياء في "في" و"إي" أصلان لا حظ لهما في غيرهما، فوجب
عليك إذا أردت أن تكملهما ثلاثيتين أن تعتقد أن الياء فيهما عينان،
فإذا زدت على الياء ياء أخرى مثلها صارت الكلمة عندك كأنها من باب
"حييت" و"عييت" من مضاعف الياء، فلذلك قلت: فييت فيا، وأييت إيا، وأما
الياء في "إي" في الهجاء على ما تأدت إليه الصنعة، فإنما هي بدل من
الألف الثانية من الألفين اللتين صورتهما "اا"، ثم قلبت ياء لانكسار
الألف الأولى قبلها، فصارت "إي" فقد علمنا بذلك أن أصلها الألف، وأنها
إنما قلبت للكسرة قبلها، وإذا كانت الألف المجهولة ثانية عينا أو في
موضع العين وجب على ما وصى به سيبويه1 -وقد ذكرناه- أن يعتقد فيها أنها
منقلبة عن واو، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت "إي" على هذا الاعتقاد مثل
"قي" من القواء2، و"سي" من السواء، ولحقت بما عينه واو ولامه ياء نحو
"طويت" و"شويت"، فكما أنك لو بنيت "فعّلت" من "القي" و"السي" لقلت:
"قويت" و"سويت" فأظهرت العينين واوين لزوال الكسرة قبلها، وكونها ساكنة
قبل الياء، فكذلك ينبغي أن تقول في "أي": "أويت".
فإن جمعت: "إيا" هذه على "أفعال" أقررت الفاء همزة بحالها، وقلت
"آواء". وإذا كانوا قد أقروا الهمزة التي هي بدل من العين بحالها في
"قويئم" تحقير "قائم" فهم بإقرار الفاء المبدلة همزة بحالها أجدر.
وإن كسرتها على "أفعل" قلت "آو" كما ترى، فاعرف هذا، وتأمله، فإن أحدا
من العلماء لم يعمله فيما علمته، ولا تضمنه كتاب، ولا اشتمل عليه
تعليق، وهو من غامض3 صنعة التصريف، ولطيف هذا العلم المصون الشريف.
__________
1 الكتاب "2/ 127".
2 القواء: الأرض التي لم تمطر. اللسان "15/ 210".
3 غامض: ما لا يفهم.
(2/425)
|