إسفار الفصيح

الجزء الأول
القسم الأول
الفصل الأول: دراسة حياة أبي سهل الهروي
المبحث الأول: عصره
...
المبحث الأول: عصره.
الإنسان ابن بيئته يؤثر فيها ويتأثر بها، ولا يمكن دراسة شخصية عالم من العلماء بمعزل عن بيئته وعصره، لما لأحداث العصر من صلة قوية في تكوين شخصية العالم، وبناء ثقافته وتحديد اتجاهه العلمي، فلذلك كان علينا قبل الدخول في تفاصيل حياة أبي سهل الهروي تقديم لمحة سريعة عن الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية في عصره.
أولا: الحياة السياسية.
في أواخر القرن الرابع، والثلث الأول من القرن الخامس الهجري عاش أبو سهل الهروي (372-433هـ) . وفي العصر أخذت خلافة بني العباس تضعف وتتقهقر في مجالات شتى سياسية وإدارية واقتصادية، فمن الناحية السياسية اتسم هذا العصر بكثرة الفتن والحروب، وانقسمت الخلافة إلى ممالك ودويلات كثيرة متنافسة متناحرة، وتتمتع في الوقت نفسه بالسيطرة والنفوذ والاستقلال الفعلي عن الخلافة العباسية، عدا بعض مظاهر الولاء الشكلي كالدعاء للخليفة على المنابر1.
ففي شرق الخلافة الإسلامية وبلاد فارس وما وراء النهر، كانت هذه الجهات تخضع لسيطرة الفرس السامانيين، والأتراك الغزنويين، ونشأ بين هذين العنصرين نزاع مرير وحروب مستمرة أدت في النهاية إلى القضاء
__________
1 التاريخ الإسلامي 5/6.

(1/57)


على دويلة بني سامان سنة 387هـ1.
ثم أعقب هذا الصراع صراع آخر بين الغزنويين أنفسهم والسلاجقة انتهى بانتصار السلاجقة على العزنويين انتصارا حاسما عند موضع يقال له "دندانقان"2 سنة 431هـ، انحسر بعدها المد الغزنوي إلى عزنة، وبعض الأقاليم الهندية، وفي الوقت نفسه امتد النفوذ السلجوقي في بلاد ما وراء النهر، وخراسان، وطبرستان، وجرجان، وأخذ يتقدم نحو الغرب باتجاه بغداد3.
وفي العراق وما جاورها من بلاد فارس ظهر البويهيون سنة 321هـ وهم من أصل فارسي يرتفع نسبهم فيه إلى ملوك الفرس القدماء4.
وفي سنة 334هـ دخلوا بغداد، فاستبدوا واستولوا على الخلافة، وعزلوا الخلفاء وولوهم5، وأحيوا المذهب الشيعي وأقاموا شعائره وأخصها المناحة في يوم عاشوراء، والاحتفال بيوم الغدير6، وظل زمام الخلافة
__________
1 البداية والنهاية 11/345، وتاريخ العرب 2/557.
2 بليدة على عشرة فراسخ من مرو، خربها الأتراك المعروفة بالغزية في شوال سنة 557هـ. معجم البلدان 2/477.
3 تاريخ دولة آل سلجوق 7-11، والفخري في الآداب السلطانية 292، والكامل لابن الأثير 8/19-28.
4 البداية والنهاية 11/185.
5 الكامل لابن الأثير 6/314- 316، والبداية والنهاية 11/225- 227، وتاريخ الخلفاء 318.
6 تاريخ العرب 2/565.

(1/58)


ومقاليهم بأيديهم إلى سنة 448هـ، وهي السنة التي دخل فيها السلاجقة بغداد بقيادة السلطان السلجوقي طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق، فكتب له الخليفة العباسي عهدا بولاية البلاد العباسية، ولقبه بـ"شاهنشاه"ملك الشرق والغرب1.
ولما دخل السلاجقة بغداد عملوا من فورهم على إحياء المذهب السني، ومقارعة المذهب الشيعي، وحرصوا في كل مناسبة على تأكيد عدة أمور منها إسلامهم، وتمسكهم بمذهب أهل السنة والجماعة، ومنها حرصهم على جهاد الكفار، وأهل المذاهب والملل المنحرفة، والولاء المطلق للخلافة العباسية2. واستطاعوا أن يوحدوا ما تناثر من أشلاء الخلافة العباسية، ويلموا شعثها بعد تفرق، وخطب لهم وللخلفاء العباسيين من حدود الصين شرقا، إلى أقاصي بلاد الإسلام في الشمال، إلى آخر بلاد اليمن في الجنوب3.
وفي غرب الخلافة الإسلامية كانت دول بني حمدان تسيطر على معظم بلاد الشام، وهي دولة عربية، يرجع أصلها إلى حمدان بن حمدون من قبيلة تغلب4، وكان من أبرز حكامها مؤسسها الفعلي سيف الدولة
__________
1 الكامل لابن الأثير 8/70-72، والأولياء في تاريخ الخلفاء 192، وتاريخ دولة آل سلجوق 7-11.
2 راحة الصدور 166-170.
3 وفيات الأعيان 5/284، وتاريخ العرب 2/572.
4 نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب 221، وتاريخ العرب 2/549.

(1/59)


الحمداني، ممدوح أبي الطيب المتنبي الذي لازمه سنين طويلة يسجل ويصور ملاحمه الحربية ضد الروم البيزنطيين1. وظلت هذه الدولة تخوض حروبا مستمرة ومضنية ضد هؤلاء البيزنطيين، ثم الفاطميين إلى أن استسلمت لهؤلاء الآخرين سنة 406هـ2.
وظل الحكم في مصر وشمال أفريقيا وأجزاء من بلاد الشام بيد الدولة الفاطمية، الدولة الشيعية الباطنية التي ناصبت الدولة العباسية العداء مذهبيا وعسكريا3. وكان ظهور هذه الدولة في سجلماسة ببلاد المغرب على يد أبي عبد الله الشيعي عبيد الله المهدي سنة 296هـ4، ووسعت من نفوذها فاستولت على مصر سنة 358هـ بقيادة جوهر الصقلي5، وبلغت ذروة مجدها وقوتها على يد العزيز بالله (365- 386هـ) والحاكم بأمر الله (386- 411هـ) 6. واستمر نفوذ هذه الدولة بين مد وجزر حتى انتهت على يد صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله – سنة 567هـ7.
__________
1 تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف 6/505، وأبو الطيب المتنبي في مصر والعراقين 70.
2 تاريخ العرب 2/549، والتاريخ الإسلامي 6/177.
3 الدولة الفاطمية والدولة العباسية 37-59.
4 الكامل لابن الأثير 6/128-133، ووفيات الأعيان 2/192، واتعاظ الحنفاء 1/55.
5 الكامل لابن الأثير 7/30، ووفيات الأعيان 1/375، واتعاظ الحنفاء 1/97، والنجوم الزاهرة 4/28.
6 تاريخ الدولة الفاطمية 156-157.
7 الروضتين 1/200، واتعاظ الحنفاء 3/324.

(1/60)


ولم يكن هذا التمزق وذلك الصراع من سمات هذا العصر وحسب، بل شهد فتنا أخرى، تمثلت في ظهور كثير من بدع الملاحدة والزنادقة وطوائف الفرق الكلامية، وأدت إلى انقسام المسلمين وتفرقهم شيعا وأحزابا يناهض بعضهم بعضا، بل يحاول كل من استطاع القضاء على خصمه الآخر1.
ثانيا: الحياة الاجتماعية.
كان المجتمع في هذا العصر يتكون من أجناس متعددة متباينة في طبائعها وأخلاقها ودينها، من العرب والترك والفرس والأكراد والأرمن والبربر وغيرهم2، وفيهم السني والشيعي، وقليل منهم من أهل الذمة3.
ولم يكن كل هؤلاء في طبقة اجتماعية واحدة بل كانت تنازعهم ثلاث طبقات، عليا ووسطى ودنيا.
فالطبقة العليا: هي طبقة الحكام والأمراء وأصحاب المناصب العليا، وقواد الجند، ومعهم الأشراف من البيت العباسي، والعلوي، وكبار التجار، وهؤلاء عدد قليل بالنسبة لسائر أفراد الأمة.
والطبقة الوسطى: وتشمل العلماء والشعراء والجند وأوساط المزارعين
__________
1 البداية والنهاية 12/706، وتاريخ الإسلام السياسي 3/1، والتاريخ الإسلامي5/13-22، 6/31-33.
2 النجوم الزاهرة4/90، والحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي 51.
3 تاريخ الحضارة الإسلامية188.

(1/61)


أصحاب الملكيات الصغيرة والقائمين على الصناعات.
والطبقة الدنيا: وهي طبقة العامة من الشعب، وتشكل غالبية المجتمع، ومعظم أفرادها من الفلاحين والعمال والصناع وصغار التجار، وكان يتبع هذه الطبقة الرقيق الذي يؤسر في الحروب أو يبيعه النخاسون، وكان أخلاطا من البيزنطيين والأوربيين والإفريقيين1.
وكانت هذه الطبقة معرضة لأنواع من الظلم والقهر والاستبداد من قبل بعض الحكام والأمراء والإقطاعيين بما يفرضونه عليها من ضرائب وإتاوات باهضة بلا شفقة ولا رحمة لجمع الأموال الطائلة وتبديدها في مسارب اللهو والترف2.
ولم يقف ما ناله العامة عند هذا الحد، بل كانوا عرضة أيضا للكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وانقطاع الأمطار، وانتشار الأوبئة والطواعين، فخلفت مجاعات في كثير من البلاد، أكل الناس فيها الميتة من الكلاب والمواشي وبني آدم3.
كما كان يقع على كاهل هذه الطبقة عبء الخلافات الدينية والمذهبية
__________
1 تاريخ الحضارة الإسلامية 187-188، وتاريخ الأدب العربي (عصر الدول والأمارات) 6/44، 532.
2 البداية والنهاية12/10-11، والخطط المقريزية1/416-425، والحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي 47-49.
3 البداية والنهاية12/13، 35، 38، 73، 75، 76.

(1/62)


وما كانت تجره من صراعات وفتن يقتل فيها خلق كثير1.
هذا كله أدى إلى ظهور فئتين من الناس متناقضتين:
فئة سلكت طريق اللهو والعبث والمجون وتمثل ذلك في شيوع البغاء، وشرب الخمر، وكثرة اللصوص، وقطاع الطريق2. ولم تكن هذه الفئة أيضا بمنأى عن كثير من العادات السيئة والأخلاق الذميمة التي ظهرت في المجتمع، كالملق والرياء والرشوة والسعاية3، وهي عادات غريبة عن الإسلام وتقاليد العرب، ولكنها ظهرت في مجتمع كان – كما ذكرنا – خليطا من عناصر وجنسيات عديدة.
والفئة الأخرى سلكت طريق الزهد والقناعة والعفاف متسلحة بالإيمان الصادق، صابرة محتسبة، راغبة فيما هو خير وأبقى، ولا ترى شعاع أمل في الحياة إلا من خلال التعبد والتقرب إلى الله.
ومن هذه الفئة من أمعن في الزهد وبالغ فيه، فانقطع عن الدنيا، واعتزل في المساجد والزوايا ورباطات الصوفية، ولعل هذا التصرف كان ردة فعل قوية للمتناقضات التي كانت تحكم هذا العصر، والتي تتمثل – كما أسلفنا- في الغنى الفاحش عند الخاصة والفقر المدقع عند العامة.
__________
1 السابق 11/361، 371، 12/6، 7، 67، 71.
2 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 2/165-175، والدولة الفاطمية في مصر172.
3 الأدب في العصر الأيوبي60

(1/63)


وانتهى الغلو بهذه الفئة إلى اعتناق أفكار ومبادئ مخالفة لعقيدة المسلمين، وأغرى كثيرا من الناس بالاستكانة والخضوع والقعود عن الجهاد أو الدفاع عن الإسلام، فظهر الضعف والوهن والتمزق في الأمة، وتسلط عليها الأعداء1.
3- الحياة العلمية.
يعد العصر الذي عاش فيه أبو سهل الهروي من الناحية العلمية من أخصب العصور الإسلامية وأزهاها، إذ امتاز بازدهار الحركة العلمية ازدهارا واسعا، وقد أسهم في ذلك الازدهار عدة أمور، منها:
1- تشجيع الخلفاء والأمراء، والوزراء، وحكام الدويلات المنقسمة للعلماء والمبالغة في إكرامهم، فإن كان انقسام الدولة العباسية إلى دويلات قد أضعفها سياسيا، فإن ذلك قد أدى إلى ازدهار الحياة العلمية في ظل التنافس بين حكام هذه الدويلات، وظهور مراكز ثقافية أخرى تنافس بغداد في تجميل موطنها بالعلماء والأدباء وتتفاخر بهم وتغدق عليهم الأموال. فإلى جانب بغداد أصبحت الري وأصبهان، وبخارى، وسمرقند، وهمذان، ونيسابور، وجرجان، وهراة، وقرطبة، وحلب، والقاهرة2.
__________
1 تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ3/127.
2 تاريخ الدولة الفاطمية 422- 425، وتاريخ الحضارة الإسلامية 218- 248.

(1/64)


ونسب إلى هذه الحواضر، وغيرها علماء كثيرون، مفسرون، ومحدثون، وفقهاء، ولغويون، ونحاة، وأدباء، وغيرهم.
وقد كثر ارتحال العلماء والدباء وتنقلهم في هذه الحواضر، وكان السفر في طلب العلم مفخرة والقعود عنه معرة. وهذا أبو علي الفارسي (ت- 377 هـ) يرحل إلى بلاد كثيرة: شيراز، والبصرة، وبغداد، وحلب، وعسكر مكرم، وهيث، فكان من أثر ذلك مسائله: الشيرازيات: والبصريات، والبغداديات، والحلبيات، والهيثيات1.
1- التنافس الشديد بين الفرق الدينية والمذهبية، ساعد على إشعال جدوة الحركة العلمية، لما يستدعيه ذلك التنافس من الاستعانة بأنواع من العلوم كاللغة والنحو والمنطق والفلسفة وغير ذلك2.
انتشار دور العلم والتعليم من مساجد ومدارس ومكتبات على مثال بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون في العصر العباسي الأول، وكان يشتمل على مكتبة ومجمع علمي، ومكتب ترجمة. وفي سنة 383هـ أسس أبو نصر سابور بن أردشير وزير بني بويه دارا للعلم في الكرخ غربي بغداد وأوقفها على الفقهاء، وجعل فيها أكثر من
__________
1 أبو علي الفارسي 42.
2 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/351-352، وتاريخ الدولة الفاطمية 421.

(1/65)


عشرة آلاف مجلد معظمها بخطوط مؤلفيها. وذكر ابن كثير أن هذه أول مدرسة توقف على الفقهاء1.
وكذلك تخذ الشريف الرضي (ت 406هـ) نقيب العلويين والشاعر المشهور، دار ببغداد سماها دار العلم، وفتحها لطلبة العلم، وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه2.
على أن أشهر دار للعلم بنيت في بغداد بل في حواضر العالم الإسلامي في ذلك العصر، هي المدرسة النظامية التي بناها نظام الملك الطوسي (ت 486هـ) وزير ملك شاه السلطان السلجوقي، وتولى بناءها سعيد الصوفي سنة 457هـ على شاطئ دجلة، وكتب عليها اسم نظام الملك، وألحق بها مكتبة، وبنى حولها أسواقا تكون محبسة عليها، وابتاع ضياعا وخانات وحمامات وأوقفها عليها3.
وفي نيسابور أكبر مراكز العلم في خراسان، أنشأ القاضي ابن خلكان (ت354هـ) ،وأبو إسحاق الإسفراييني (ت 418هـ) ، وابن فورك (ت 406هـ) ، وأبو بكر البستي (ت 429هـ) مدارس ألحقوا بها خزائن للكتب، وأجروا عليها أوقافا كثيرة4 وليس هذا بدعا
__________
1 البداية والنهاية 11/3311، وينظر: تاريخ التمدن الإسلامي 3/229.
2 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/330.
3 تاريخ التمدن الإسلامي 3/223- 325، وتاريخ الإسلام السياسي 4/425، 246.
4 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/329، 336، 337.

(1/66)


فأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور1.
وأنشأ أبو علي بن سوار الكاتب (ت 372هـ) أحد رجال حاشية عضد الدولة دار كتب في مدينة "رام هرمز"على شاطئ بحر فارس، وأخرى بالبصرة، وجعل فيهما إجراء على من قصدهما، ولزم القراءة والنسخ فيهما2.
أما ما وراء النهر، فقد أنشأ نوح بن منصور (ت 387هـ) - ملك خراسان وغزنة، وآخر ملوك الدولة السامانية3 – مكتبة كبيرة كانت كما يقول ابن خلكان -: "عديمة المثل، فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس، وغيرها مما لا يوجد في سواها، ولا سمع باسمه فضلا عن معرفته"4.
وفي الأندلس كان الحكم المستنصر بن الناصر (ت 366هـ) محبا للعلوم مكرما لأهلها، مولعا بجميع الكتب على اختلاف أنواعها بما لم يجمعه أحد من الملوك قبله، فأنشأ في قرطبة مكتبة جمع إليها الكتب من أنحاء العالم، وكان يبعث رجاله إلى المشرق ليشتروا الكتب عند أول ظهورها قبل أن تقع في أيدي بني العباس. وقد بلغ مجموع ما حوته هذه
__________
1 الخطط المقريزية 2/363.
2 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/329.
3 البداية والنهاية 11/345.
4 وفيات الأعيان 2/158. وينظر: تاريخ التمدن الإسلامي 3/234.

(1/67)


المكتبة أربعمائة ألف مجلد1.
واقتدى بالحكم رجال دولته، ووجهاء مملكته، فأنشأوا المكتبات في سائر بلاد الأندلس، حتى إن غرناطة وحدها كان فيها سبعون مكتبة من المكتبات العامة2.
أما مصر فقد اقتدى الفاطميون بخلفاء بني العباس في بغداد، وبني أمية في الأندلس، فمنذ استقر سلطانهم في مصر عملوا على نشر الثقافة العلمية والأدبية فضلا عن الثقافة المذهبية التي تتصل بدعوتهم الإسماعيلية في العقيدة والفقه والتفسير، فاهتموا بإنشاء المكتبات ودور العلم "حتى يتسنى لدعاتهم أن ينهجوا منهجا علميا في نشر المذهب الإسماعيلي وتفنيذ أقوال خصومهم والرد عليها، بأدلة علمية"3 وأول ما أنشأوا الجامع الأزهر سنة 361هـ، وجعلوا منه مدرسة منظمة، وعينوا به جماعة من العلماء للإقراء والتدريس، وخصصوا لهم مرتبات وأرزاقا، وأنشأوا لهم دارا للسكنى بجوار الأزهر4.
ثم أنشأ العزيز الفاطمي (ت 386هـ) بالقصر الشرقي الكبير مكتبة ضخمة زودها بأكثر من مليون كتاب في مختلف العلوم والفنون،
__________
1 نفح الطيب 1/395.
2 المصدر السابق 1/578-585. وينظر تاريخ التمدن الإسلامي 3/230.
3 تاريخ الحضارة الإسلامية 237.
4 الخطط المقريزية 2/272، وتاريخ الجامع الأزهر في العصر الفاطمي 43.

(1/68)


وتميزت عن غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما تحويه من كتب نادرة1.
وأنشأ الحاكم بأمر الله في سنة 395هـ دار الحكمة، وألحق بها مكتبة عرفت باسم دار العلم، وكانت دار الحكمة تضم عدة حلقات دينية وعلمية وأدبية، وعين فيها أعلام الأساتذة في كل علم وفن، وجمع لها من خزائن القصر مجموعات عظيمة في مختلف العلوم والفنون، ورصد للإنفاق عليها وعلى أساتذتها وموظفيها أموال طائلة، وهرع إليها الطلاب من كل صوب، واجتذبت بشهرتها مشاهير العلماء من شرق العالم الإسلامي وغربه، من مثل أبي أسامة جنادة بن محمد الهروي، ومحمد بن الحسين بن عمير اليمني2، وهما من أشهر مشايخ أبي سهل الهروي، وسيأتي توضيح ذلك في ترجمة شيوخه3.
هذا عن المكتبات العامة، أما المكتبات الخاصة فهي كثيرة جدا، ومنها ما لا يقل عن المكتبات الكبرى. وقد حكي عن الصاحب بن عباد (ت 385هـ) أنه جمع من الكتب ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر، وكان فهرس كتبه يقع في عشرة مجلدات4. وكان يعنى بطلب
__________
1 الخطط القريزية 1/408، والدولة الفاطمية في مصر 175.
2 إنباه الرواة 3/112، ووفيات الأعيان 1/372.
3 ص 80-85.
4 معجم الأدباء 2/697.

(1/69)


النسخ الصحيحة إلى خزانة كتبه عناية عظيمة، حتى أنه أوفد إلى بغداد من يصحح له كتاب التذكرة على أبي علي نفسه1.
ولم تقتصر همة السلاطين والوزراء على تشجيع العلم والعلماء وبناء والمدارس وإنشاء المكتبات، بل كان بعضهم عالما بنفسه، فمن سلاطين ابن بويه اشتهر منهم غير واحد بالعلم والأدب، وأشهرهم في ذلك عضد الدولة البويهي (ت 372هـ) فقد كان شغوفا بالعلم، محبا للعلماء، مشاركا في عدة فنون من الأدب، وكان يحث العلماء على الاشتغال بالعلم وتأليف الكتب، وصنف له أبو علي الفارسي كتاب الإيضاح والتكملة، وقصده فحول الشعراء كالمتنبي والسلامي وغيرهما2.
وكان الصاحب بن عباد المتقدم ذكره وزيرا لمؤيد الدولة البويهي، وكان شاعرا عالما كاتبا، وكان يجتمع عنده من العلماء والشعراء ما لم يجتمع عند أحد غيره3.
وفي هذا العصر نشطت الدراسات ذات الصلة بالعقيدة وأصول الدين، والدراسات التي تدور حول القرآن الكريم، والحديث الشريف وما يتصل بهما من علوم، والفقه وأصوله.
__________
1 المصدر السابق 2/815.
2 وفيات الأعيان 4/50-53.
3 يتيمة الدهر 3/225، ووفيات الأعيان 1/228-229.

(1/70)


أما الدراسات اللغوية والأدبية والنحوية فقد نشطت في هذا العصر نشاطا واسعا، ولا سيما الدراسات اللغوية، إذ كثر العلماء الذين تصدوا للمباحث اللغوية، وكان أكبر ما نهضوا به في هذا العصر وضع المعاجم اللغوية، حتى يمكن القول إنه العصر الذهبي لمعاجم اللغة.
وأشهر المعاجم التي ظهرت في هذا العصر: ديوان الأدب لإسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت - 350 هـ) ، والبارع لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي (ت- 356 هـ) وتهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت- 370 هـ) والمحيط في اللغة للصاحب بن عباد (ت- 385هـ) ، وتاج اللغة وصحاح العربية (الصحاح) لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت- 393 هـ) ، والمجمل ومقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت- 395 هـ) ، والجامع في اللغة لأبي عبد الله محمد بن جعفر التميمي القيرواني، المعروف بالقزاز (ت- 402 هـ) ، والمحكم والمخصص لأبي الحسن علي بن إسماعيل المرسي، المعروف بابن سيده (ت- 458 هـ) 1.
إلا أن شهرة الصحاح للجوهري فاقت شهرة هذه المعاجم جميعا، والسبب في ذلك – كما يقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار – أنه "كان آية في فن التأليف المعجمي، سبق غيره في هذا السبيل بابتكاره منهجا جديدا لم يسبق إليه، منهجا قرب اللغة إلى الباحثين، ومهد الطريق
__________
1 ينظر ما كتب عن هذه المعاجم: المعجم العربي لحسين نصار، والمعاجم لأحمد الشرقاوي إقبال.

(1/71)


للشداة ". وهذا المنهج الذي سلكه في تأليف الصحاح هو ترتيبه "على حروف المعجم، واعتبار آخر حرف في الكلمة بدلا من الأول، وجعله الباب للحرف الأخير، والفصل للأول "1. وذلك بعد تجريد الكلمة من الزوائد.
ويذكر آدم متز أن كل المعاجم التي عملت بعد الجوهري هي أشبه بتوسيع وشرح لمعجمه، وبهذا المعجم ينتهي عهد قديم، ويبدأ عهد جديد بقي أثره قرونا متطاولة2.
وخلال هذا العصر ظهرت "دراسة جدية للاشتقاق اللغوي، وبقيت عصرا طويلا، وكان أستاذ هذه الدراسة ابن جني الموصلي (ت- 392 هـ) ... وهو الذي ينسب إليه ابتداع مبحث جديد في علم اللغة، وهو المسمى بالاشتقاق الأكبر ... ولم يكن لعلماء اللغة من العرب إنتاج أعظم من هذا "على حد تعبير آدم متز أيضا3.
ومن الأعلام الذين ظهروا في هذا العصر أيضا فأثروا العربية بآثارهم اللغوية والأدبية: أبو سعيد السيرافي أشهر شراح كتاب سيبويه (ت- 368 هـ) ، وابن خالويه (ت- 370 هـ) صاحب كتاب ليس في كلام العرب، والحجة في القراءات السبع، والحسن بن بشر الآمدي
__________
1 مقدمة الصحاح 119-120.
2 الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1/437.
3 المصدر السابق 1/437، وينظر: الخصائص 2/133.

(1/72)


(ت- 371 هـ) صاحب كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري، وأبو الحسن الرماني (ت- 384 هـ) صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه، وأبو هلال العسكري (ت- 395 هـ) صاحب كتاب الفروق اللغوية، والصناعتين، وجمهرة الأمثال، وشرح الفصيح، وأبو منصور الثعالبي (ت- 429) صاحب كتاب يتيمة الدهر. وغير هؤلاء كثير.
وصفوة القول أن الحياة العلمية بلغت في عصر أبي سهل الهروي درجة كبيرة من الرقي والازدهار، ولم تترك جانبا من جوانب المعرفة إلا وطرقته، وظهر فيه شخصيات علمية بارزة أسهمت بنصيب وافر في إثراء الثقافة العربية والإسلامية.

(1/73)


المبحث الثاني: اسمه ونسبه وكنيته1.
هو أسهل محمد بن علي بن محمد الهروي النحوي.
هكذا أورد المؤلف اسمه ونسبه وكنيته بخطه على الورقة الأولى من كتاب "إسفار الفصيح"، ثم أعاده بالصيغة نفسها في مقدمة الكتاب أيضا، كما ورد بهذه الصيغة في مصادر ترجمته بلا خلاف سوى أن بعضها لقبه باللغوي بدل النحوي، وبعضها جمع بين اللقبين.
والهروي: نسبة إلى "هراة"مدينة عظيمة من أمهات مدن خراسان، كثيرة البساتين والمياه والخيرات، افتتحها الأحنف بن قيس صلحا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ينسب إليها علماء كثيرون برعوا في علوم وفنون مختلفة، كانت على عهد أبي سهل تحت سيطرة الدولة السامانية ثم الغزنوية، وهي الآن إحدى مدن شمال غرب أفغانستان2.
__________
1 ينظر في ترجمته المصادر التالية:
وفيات المصريين 75، ومعجم السفر 463، ومعجم الأدباء (أرشاد الأريب) 6/2579، وإنباه الرواة 3/195، والوافي والوفيات 4/120، تلخيص ابن مكتوم (226) ، والمقفى 6/355، وبغية الوعاة 1/190، 195، وكشف الظنون 1/86، 88، 2/1273، والبلغة للقنوجي 336، 337، 406، 407، 434، 520، وإيضاح المكنون 3/320، وهدية العارفين 6/69، ومعجم المطبوعات العربية 1/663، 2/1894، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/211، والأعلام 6/275، ومعجم المؤلفين 11/60، ومعجم الأعلام 752ن ومقدمة تهذيب الصحاح 47ن وتاريخ التراث العربي 8/477.
2 معجم البلدان 5/396، وآثار البلاد 281، والأمصار ذوات الآثار 209، والبداية والنهاية 7/130، ومراصد الاطلاع 3/1455، وبلدان الخلافة الشرقية 449.

(1/74)


المبحث الثالث: مولده ونشأته ووفاته.
ولد في اليوم السابع من شهر رمضان سنة 372هـ، ولم تذكر لنا مصادر ترجمته البلد الذي ولد فيه، أو تتعرض لنشأته من مولده حتى رحيله إلى مصر، أو تحفظ لنا شيئا يذكر عن حياته الخاصة.
ولكن يمكن القول – اعتمادا على بعض القرائن العامة التي توحي بها تعض مصادر ترجمته – إنه ولد في "هراة"إليها نسب، ونشأ في بيت علم وأدب، إذ كان أبوه من العلماء البارزين، فتلقى على يديه تعليمه المبكر، وبعد بلوغه سن الطلب أخذ يختلف إلى حلقات العلماء، وخاصة علماء اللغة، فأخذ عن أبي عبيد الهروي، وأبي أسامة الهروي، وكلاهما من موطنه هراة، ومن تلاميذ أبي منصور الأزهري أشهر علماء هراة1.
وذكر القفطي أن أباه من أهل هراة، وأنه قدم مصر واستوطنها2، وذكر المقريزي والسيوطي في ترجمة أبي سهل أنه نزيل مصر3.
ولا توجد أسباب مذكورة توضح سبب رحيلهما إلى مصر، ويظهر أن الحال السياسية في هراة وبلاد خراسان ما كانت تغري العلماء – آنذاك – بالبقاء فيها، فهذا أبو أسامة جنادة بن محمد الهروي شيخ أبي سهل يغادر أيضا هراة إلى مصر في وقت قريب من مغادرة أبي سهل إليها.
__________
1 ينظر: ص 83 من هذا الكتاب.
2 إنباه الرواة 2/311.
3 المقفى 6/355، وبغية الوعاة 1/190.

(1/75)


وربما كان من أسباب تلك الرحلة اتجاه الحكام الفاطميين إلى تشجيع الحركة الثقافية في مصر باستقطاب العلماء وإكرامهم، وإنشاء دور العلم والمكتبات لأغراض سياسية ومذهبية أومأ إلينا في حديثنا عن عصره1.
ويمكن أن نقدر تاريخ رحيله من هراة بإحدى السنوات الواقعة بين عامي (392-399هـ) وذلك إذا علمنا أن شيخه بمصر أبا أسامة الهروي قتل سنة 399هـ وكان عمر أبي سهل – حينئذ – سبعة وعشرين عاما، وقد أخذ بهراة قبل رحيله عنها عن أبي عبيد الهروي المتوفى سنة 401هـ، والسن التي تسمح للتلميذ بالأخذ عن العلماء تكون – عادة – بعد الخامسة عشرة، فإذا افترضنا – على ضوء ذلك – أنه ظل مقيما بهراة إلى أن ناهز عمره عشرين سنة، فإن ما ذكرناه يكون أقرب إلى الصواب.
ولعله في أثناء قدومه إلى مصر عرج على نيسابور، أو شيراز، أو بغداد، أو حلب، وهي من حواضر العلم المزدهرة في عصره، لكن ليس لدينا ما يثبت ذلك، والثابت لدينا أنه سمع الحديث ببيت المقدس، كما ذكر ذلك أبو سهل عن نفسه فيما رواه عنه الحافظ السلفي في معجم السفر2، ولكن لم تذكر لنا المصادر متى كانت رحلته إلى بيت المقدس، هل كانت في أثناء قدومه من هراة إلى مصر، أم بعد أن نزل مصر واستوطنها؟
وقد تمكن بعد وصوله إلى مصر من الالتقاء بعلمائها والأخذ عنهم،
__________
1 ص 68.
2 ص 463.

(1/76)


ومنهم من كانت له شهرة ذائعة في رواية علوم اللغة وآدابها، ثم تصدر للتدريس والتأليف، فكان له تلامذة يقرأون عليه ويروون عنه1.
ثم انتهت إليه رياسة المؤذنين بجامع عمرو بن العاص2، ولعله كان يكسب قوته من هذه الوظيفة، ومن بيع الكتب التي ينسخها، وكان العلماء يتنافسون في اقتنائها لتميز خطه بالحسن وجودة الضبط3.
وبعد هذه الحياة الحافلة انتقل إلى رحمة ربه، وودع هذه الدنيا في يوم الأحد الثالث عشر من المحرم4 سنة 433هـ5 عن إحدى وستين سنة، ولم تشر المصادر إلى موضع دفنه، عفا الله عنه ورحمه وأحسن مثواه.
__________
1 ينظر: ص 78-96 من هذا الكتاب.
2 إنباه الرواة 3/113ن 195، والوافي 4/120، ومعجم الأدباء 6/2579.
3 إنباه الرواة 3/195.
4 في معجم الأدباء 6/2579 "في الثالث من المحرم".
5 في إيضاح المكنون 3/320 "سنة 421هـ". وهو تحريف واضح.

(1/77)


المبحث الرابع: شيوخه.
التقى أبو سهل بعدد العلماء في موطنه "هراة"مسقط رأسه، ثم في مصر البلد الذي حط به عصا الرحيل. ولكن كتب التراجم لم تذكر من الشيوخ الذين أخذ عنهم إلا القليل مع كثرة العلماء المشاهير في عصره.
وقد نص أبو سهل على بعض شيوخه في كتابه إسفار الفصيح، وأجمل ذكرهم في مواضع أخرى كقوله: "هكذا في نسختي التي قرأتها ورويتها عن شيوخي رحمة الله عليهم ورضوانه"1.
وشيخ أبي سهل الذين أمكن معرفتهم استنادا إلى ما ذكره هو، أو ذكرته كتب التراجم، أو إلى ما ورد في بعض الأسانيد راويا عن أحدهم، هم كما يلي:
1- والده أبو الحسن علي بن محمد الهروي2.
ولد في هراة، ولم تذكر مصادر ترجمته سنة ولادته، وحددها
__________
1 ص 603.
2 ينظر في ترجمته: معجم الأدباء 5/1923، وإنباه الرواة 2/311، وبغية الوعاة 2/205، وكشف الظنون 1/73، 822، والأعلام 4/327ن ومعجم المؤلفين 7/236، ومقدمة كتاب الأزهية.

(1/78)


محقق كتاب الأزهية1 عبد المعين الملوحي بسنة 370هـ، وهذا التاريخ خطأ لأمرين:
1- إجماع كتب التراجم على أن أبا الحسن الهروي كان من أبرز تلامذة أبي منصور الأزهري المتوفى سنة 370هـ2، وقد ذكر المحقق نفسه أنه كان أيضا من تلاميذه3.
2- إجماع مصادر ترجمة أبي سهل على أنه ولد سنة 372هـ.
ولم تذكر المصادر له ابنا غير أبي سهل، ولكنها تكنيه بأبي الحسن، فقد يكون له بهذا الاسم، وقد لا تعني هذه الكنية شيئا، لأن "شيوع أبي الحسن كنية لمن اسمه علي تكاد تطرد وتستمر"4، كما كان "من غير الغالب تكنية من اسمه الحسن أو الحسين بغير أبي علي"5.
قال ياقوت: "كان أبو الحسن هذا عالما بالنحو، إماما في الأدب، جيد القياس، صحيح القريحة، حسن العناية بالآداب، وكان مقيما بالديار المصرية"6.
وفي إنباه الرواة: كان "من أهل هراة، قدم مصر واستوطنها، روى
__________
1 الأزهية (مقدمة المحقق) 9.
2 وفيات الأعيان 4/335.
3 الأوهية (مقدمة المحقق) 8.
4 أبو علي الفارسي 56.
5 أبو علي الفارسي 56.
6 معجم الأدباء 5/1923.

(1/79)


عن الأزهري. وهو أول من أدخل نسخة من كتاب الصحاح للجوهري مصر – فيما قيل – ووجد خللا ونقصا فهذبه وأصلحه"1.
من مصنفاته: كتاب الأزهية في علم الحروف2، امتلك القفطي منه نسخة بخط ولده أبي سهل، وكتاب اللامات3، وكتاب الذخائر في النحو، رآه ياقوت في مصر بخطه، والمرشد في النحو، وكتاب في الأمر، وكتاب في المذكر والمؤنث، وكتاب في الوقف.
ونقل عنه أبو سهل في إسفار الفصيح في غير موضع، من ذلك قوله: "وقال لي أبي – رحمه الله – أما ويها فهي إغراء، تقول: ويها إذا حثثته على الشيء وأغريته به، وأنشدني للأعشى....."4.
وتوفي – رحمه الله – في حدود سنة 415هـ.
2- أبو أسامة جنادة بن محمد بن الحسين الأزدي الهروي5.
__________
1 إنباه الرواة 2/311. وقد انفرد القفطي بهذا الخبر عن الصحاح، والمشهور عند العلماء أن تهذيب الصحاح وإصلاحه من عمل ابنه أبي سهل. ينظر: ص 112 من هذا الكتاب.
2 طبع بتحقيق عبد المعين الملوحي، وهو من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1402هـ - 1982م.
3 طبع هذا الكتاب مرتين، الأولى بتحقيق يحيى علوان، وصدر عن مكتبة دار الفلاح بالكويت سنة 1980م، والأخرى بتحقيق أحمد الرصد، وصدر عن مطبعة حسان بالقاهرة سنو 1404هـ - 1984م.
4 ص 550
5 ينظر في ترجمته: معجم الأدباء 2/800، وإنباه الرواة 3/112، ووفيات الأعيان 1/372، والمقفى 3/73، وبغية الوعاة 1/488.

(1/80)


قال عنه ابن خلكان: "كان مكثرا من حفظ اللغة ونقلها، عارفا بوحشيها ومستعملها، لم يكن في زمنه مثله في فنه"1.
أخذ عن أبي منصور الأزهري، وروى عنه كتبه، وروى عنه كتبه، وروى عن أبي أحمد العسكري. وحضر مجلس الصاحب بن عباد (ت 385هـ) بشيراز، فلما نظر إليه الصاحب احتقره لرثاثة ملابسه، وهم بطرده، فلما رأى غزارة علمه أجله وأجلسه إلى جانبه.
وقدم أبو أسامة مصر مع من قدم من علماء "هراة"والتقى الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، وأبي الحسن علي بن سليمان المقرئ، فكان بينه وبينهم أنس وألفة، وكانوا يجتمعون في دار العلم بالقاهرة، وتجرى بينهم مذاكرات ومناظرات علمية، ولم يزل ذلك دأبهم حتى قتل الحاكم الفاطمي أبا سلمة أبا الحسن المقرئ في يوم واحد في الثالث عشر من ذي الحجة2 سنة 399هـ.
وهو أشهر شيوخ أبي سهل3، أخذ عنه علوم اللغة، وأكثر الرواية عنه، وورد في بعض كتب اللغة روايات لأبي سهل عنه، جاء في بعضها
__________
1 وفيات الأعيان 1/372.
2 في وفيات الأعيان 1/372 "في شهر ذي القعدة".
3 معجم الأدباء 6/2579، وتلخيص ابن مكتوم (226) والوافي 4/121،وبغية الوعاة 1/195، 488.

(1/81)


أنه قرأ عليه الغريب المصنف والجمهرة1، وكان واسطته إلى كبار العلماء، أمثال أبي منصور الأزهري، وأبي بكر الإيادي، وشمر بن حمدويه، وأبي أحمد العسكري2، وغيرهم.
وصرح أبو سهل في غير موضع من إسفار الفصيح بأخذه عنه، وأنه قرأ عليه فصيح ثعلب وغيره من كتب اللغة3.
3- أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل النجيرمي4.
قال عنه الذهبي: "لغوي مصر ... من أهل بيت علم وعربية، وكان علامة متقنا، راوية لكتب الآداب، بصيرا بمعانيها"5. وقال القفطي: "وبنو خرازاذ النجيرميون ناقلة عن البصرة إلى مصر، وارتزاقهم بمصر من التجارة في الخشب، وما فيهم إلا لغوي فاضل كامل، ويوسف أمثلهم.... وللمصريين تنافس في خطه إذا وقع ... وأكثر ما تروى الكتب القديمة في اللغة والأشعار العربية المعروفة وأيام العرب في مصر عن
__________
1 ينظر: نفوذ السهم (32/أ) ، (53/أ) ، (58/ب) ، (88/أ) ، والمزهر 1/111، 2/392، والدر اللقيط (24/أ) ، واللسان 1/237، 393، والتاج 1/163، 256 (ذنب، ثعب) .
2 المزهر 1/111، وبغية الوعاة 1/488.
3 ينظر ص: 504، 550.
4 ينظر في ترجمته: معجم الأدباء 4/1645، ومعجم البلدان 5/274، وإنباه الرواة 4/72، ووفيات الأعيان 7/75، وإشارة التعيين 392، وسير أعلام النبلاء 17/441، وبغية الوعاة 2/364.
5 سير أعلام النبلاء 17/441.

(1/82)


طريقه"1.
أخذ عنه بمصر أبو سهل الهروي2، وطاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، وعبد العزيز بن أحمد بن مغلس3.
وتوفي – رحمه الله – سنة 423هـ.
4- أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي4.
أشهر تلاميذ أبي منصور الأزهري، وأكثرهم مصاحبة له، أخذ عنه علم اللغة، وأخذ عن أبي سليمان الخطابي، وأحمد بن محمد بن يونس البزاز الحافظ وغيرهما. اشتهر بكتابه "الغريبين"، وهو تفسير غريب القرآن الكريم والحديث الشريف، وله كتاب آخر في ولاة هراة.
وتوفي – رحمه الله – في رجب سنة 401هـ.
تتلمذ عليه أبو سهل الهروي، وروى عنه كتاب "الغريبين"5.
__________
1 إنباه الرواة 4/72-73.
2 معجم الأدباء 6/2579، والوافي 4/121، وبغية الوعاة 1/195.
3 بغية الوعاة 2/98، 364.
4 ترجمته في: معجم الأدباء 2/491ن وإنباه الرواة 4/150، ووفيات الأعيان 1/95، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح بتهذيب النووي 1/402، وطبقات الشافعية للسبكي 4/84، والبداية والنهاية 11/368، وسير أعلام النبلاء 17/146، وبغية الوعاة 1/371.
5 معجم الأدباء 6/2579، وتلخيص ابن مكتوم 226، والوافي 4/120، والمقفى 6/355، وبغية الوعاة 1/195.

(1/83)


وجاء في إحدى نسخ الكتاب الخطية المحفوظة في المكتبة الظاهرية1 قراءات عدة ينتهي علو الإسناد فيها إلى أبي سهل الهروي عن مصنفه، فمنها ما جاء على الورقة الأولى، وهذا نصها: "قرأ علي هذا الجزء وما قبله الشيخ الفقيه أبو علي حسن بن رملي، وهو روايتي عن الشيخ أبي القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي سماعا، وإجازة عن أبي البر2 عن أبي سهل محمد بن علي الهروي اللغوي عن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي مؤلفه".
وجاء على الورقة الأولى أيضا: أخبرنا بهذا الكتاب سيدنا ... أبو البركات عبد القوي ... قال: أخبرنا ... ناصر بن الحسين بن إسماعيل الحسني الزيدي، قال: أخبرنا الشيخان أبو عبد الله محمد بن معروف النحوي اللغوي، وأبو القاسم علي بن جعفر المعروف بابن القطاع اللغوي السعدي، فأما أبو عبد الله بن بركات فأخبر به عن أبي سهل محمد بن علي الهروي عن مصنفه أبي عبيد".
وقراءة أخرى هذا نصها: "قرأت هذا الجزء من الغريبين من أوله إلى آخره على الشيخ الفقيه أبي محمد بن عبد الله بن الحسن بن عطاف، وهو ينظر في أصله الذي كتبه بخطه. قال: أخبرنا به الشيخ أبو الحسن علي بن
__________
1 ينظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم اللغة) 116، 117.
2 كذا، ولعله تحريف، وفي مصادر ترجمته جميعا "ابن البر"ينظر: ص 92 من هذا الكتاب.

(1/84)


عبد الجبار بن سلامة الهذلي قراءة عليه، قال: وهو روايتي عن الشيخ أبي القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي سماعا منه وإجازة، قال: أخبرنا به ابن أبي البر عن أبي سهل محمد بن علي الهروي اللغوي عن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي مؤلفه".
5- أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عمير اليمني1.
رحل إلى الشام، ثم نزل مصر واستوطنها، ورتب له وظيفة في دار العلم بالقاهرة. أخذ عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن علي النحوي، وأحمد بن سلامة الطحاوي، وأبي جعفر النحاس وغيرهم، وتتلمذ عليه بمصر أبو سهل الهروي2، وأبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو عبد الله القضاعي.
من مصنفاته: كتاب مضاهاة أمثال كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب3، وأخبار النحاة وطبقاتهم، وكتاب في الأمثال على أفعل سماه "الغايات"، وله شعر. توفي – رحمه الله – في يوم الجمعة التاسع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 400هـ.
__________
1 ترجمته في: إنباه الرواة 2/39، 3/112، وطبقات ابن قاضي شهبة 104، والمقفى 5/594، وبغية الوعاة 1/93، والأعلام 6/98، وتاريخ الأدب العربي لعمر فروخ 3/46.
2 إنباه الرواة 2/39، 349، 3/113، والمقفى 5/594.
3 وهو مطبوع، حققه محمد يوسف نجم، وصدر عن دار الثقافة ببيروت سنة 1961م.

(1/85)


6-أبو محمد إسماعيل بن محمد بن عبدوس الدهان النيسابوري1.
قال عنه الثعالبي: "أنفق ماله على الأدب، فتقدم فيه، وبرع في علم اللغة والنحو والعروض، وأخذ عن الجوهري.... واستكثر منه، وحصل كتابه "كتاب الصحاح"في اللغة بخطه، واختص بالأمير أبي الفضل الميكالي، ومدحه وأباه بشعر كثير، ثم آثر الزهد والإعراض عن أعراض الدنيا"2.
تتلمذ عليه أبو سهل، وروى عنه كتاب الصحاح3، وذكر الحاج خليفة4 عن ابن الحنائي5 من خطه قال: "شاهدت نسخة من صحاح الجوهري بخط ياقوت الموصلي6 كاتب نسخ الصحاح ... وذكر في آخرها ما هذه صورته: يقول ياقوت: نقلت هذا الكتاب من خط الشيخ أبي سهل محمد بن علي الهروي النحوي رحمه الله تعالى، وذكر أنه نقله من خط المصنف، وشاهدت خط ابن عبدوس على النسخة التي نقلت منها
__________
1 ينظر في ترجمته: يتيمة الدهر 4/498، ومعجم الأدباء 2/734، والوافي بالوفيات 9/206، وبغية والوعاة 1/455.
2 يتيمة الدهر 4/498.
3 ينظر: معجم الأدباء 6/2437.
4 كشف الظنون 2/1074.
5 هو حسن جبلي بن علي بن أمر الله الحنفي، توفي سنة 1012هـ. هدية العارفين5/290.
6هو ياقوت بن عبد الله الموصلي، كان خطه في غاية الحسن، وكان مولعا بنسخ الصحاح، ونسخ الكثير من الكتب. توفي بالموصل سنة 618هـ.
وفيات الأعيان 6/119، والنجوم الزاهرة 5/283، والأعلام 8/130.

(1/86)


ما هذا حكايته:
قرأ علي الشيخ أبو سهل محمد بن علي بن محمد الهروي أكثر هذا الكتاب وسمع ما فيه من لفظي بقراءتي عليه، فصح له سماع جميعه مني، وروايته عني، وذلك في شهور سنة 421هـ إحدى وعشرين وأربعمائة.
وكتب إسماعيل بن محمد بن عبدوس الدهان النيسابوري".
وهذا النص بتمامه في البلغة في أصول اللغة1.
وفي المكتبة الظاهرية بدمشق نسخة من الصحاح بها حاشية في آخر الورقة الأخيرة، تفيد أن نسخة الأصل عرضها محمد بن علي الهروي من أولها إلى آخرها مع الشيخ أبي محمد إسماعيل بن محمد الدهان النيسابوري، وهو رواية عن مؤلفه أبي نصر الجوهري، وكان الفراغ من المعارضة في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة2.
7- أبو العباس أحمد بن خلف بن محمد السبحي3.
__________
1 البلغة 406-407.
2 ينظر: فهرس اللغة العربية بالظاهرية 11.
3 ترجمته في الإكمال 4/48، والأنساب للسمعاني 7/27، واللباب 2/99، وتوضيح المشتبه للقيسي 5/28، والمشتبه في الرجال للذهبي 348، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر 2/718، 719، والقاموس 285، والتاج 2/158 (سبح) . قال السمعاني: "هذه النسبة طني أنها إلى السبحة، وهي الخرز المنظومة التي يسبحون بها ويعدونها عند الذكر ".

(1/87)


من علماء الحديث في بيت المقدس، روى عن أبيه خلف بن محمد، وزكريا بن يحيى المقدسي، وأبي بكر محمد بن عقيل بن محمد المقدسي، وأبي سعد سعيد بن أحمد الأصبهاني، وأبي سعيد الفضل بن مهاجر المقدسي وغيرهم، وأخذ عنه عبد الغني الأزدي وغيره.
ولم تذكر المصادر التي ترجمت له تاريخا لوفاته.
حدث عنه أبو سهل الهروي، وسمع منه الحديث ببيت المقدس، ذكر ذلك أبو سهل نفسه، ونقله عنه أبو طاهر السلفي في معجم السفر فقال: "ناولني ياسين بن عبد العزيز بن ياسين النابلسي المقرئ كتاب أبي سهل محمد بن علي بن محمد الهروي النحوي فقرأت فيه: أنا أبو العباس أحمد بن خلف بن محمد بن معاذ بن إبراهيم السبحي ببيت المقدس، ثنا أبو عمرو أحمد بن علي بن الحسن البصري إملاء، ثنا أبو بكر القاسم بن زاهر بن حرب بن أخي ابن أبي أيوب، ثني هاني، ثني عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خففت عن خادمك من عملك كان لك أجرا في ميزانك"1.
__________
1 أخرجه ابن حبان في صحيحه (4314) ، وأبو يعلى في مسنده (1472) ، والبيهقي في شعب الإيمان (8589) ، وأورده المنذري في الترغيب الترهيب 3/214، والهيثمي في مجمع الزوائد 4/239، وقال: "رواه أبو يعلى، وعمرو هذا قال ابن معين: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان كذلك فالحديث مرسل، ورجاله رجال الصحيح".

(1/88)


8-أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري1.
أصله من فاراب من بلاد الترك شرقي نهر سيحون2، وهو من أئمة اللغة والأدب والنحو، وخطه يضرب به المثل في الجودة، رحل إلى جزيرة العرب وشافه الأعراب من ربيعة ومضر، وزار العراق فأخذ عن شيخي العربية أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي وغيرهما.
وصنف كتابا في القوافي، وآخر في العروض سماه عروض الورقة، والصحاح في اللغة، وهو أشهر مصنفاته، وقد تقدمت الإشارة إلى منهج الكتاب ومزاياه3.
توفي رحمه الله سنة 393هـ، وقيل سنة 396هـ، وقيل في حدود سنة 400هـ. وقالوا في سبب وفاته إنه اعتراه وسواس فصعد سطح الجامع القديم بنيسابور أو سطح منزله، وضم إلى جنبيه مصراعي باب وشدهما بحبل فاندفع في الهواء يزعم أنه يطير، فوقع فمات.
من تلاميذه إسماعيل بن محمد بن عبدوس المذكور آنفا، وأبو إسحاق إبراهيم بن صالح الوراق. وجاء في دائرة المعارف الإسلامية في مقال عن الجوهري أن أبا سهل تتلمذ أيضا عليه، وذيل
__________
1 ترجمته في: يتيمة الدهر 4/468، ونزهة الألباء 252، ومعجم الأدباء 2/656، وإنباه الرواة 1/229، إشارة التعيين 55، وبغية الوعاة 1/446، ودائرة المعارف الإسلامية 7/177.
2 معجم البلدان 4/225.

(1/89)


كاتب المقال مقاله بعدد من المصادر العربية واللاتينية، فرجعت إلى ما أمكنني الرجوع إليه من هذه المصادر، وبحثت فيها بحثا شافيا فلم أجد ما يشير إلى تتلمذ أبي سهل على الجوهري، ولعل ذلك مذكور في واحد من مصادره اللاتينية التي لم أستطع الوصول إليها.
والشيء الذي تأكد لنا هو تتلمذ الهروي على ابن عبدوس تلميذ الجوهري كما تقدم، ولكن لا نستبعد – في الواقع – أن يأخذ أبو سهل عن الجوهري، إذ أن عمره زمن وفاة الجوهري كان في حدود العشرين إلى الثلاثة والعشرين عاما، وهذا العمر – بلا شك – يسمح له بالأخذ عن العلماء والرواية عنهم.

(1/90)


المبحث الخامس: تلاميذه
كان جديرا بأبي سهل الهروي، وهو ممن توجه إلى تحصيل العلم، وانقطع على طلبه على مشاهير علماء عصر الازدهار الثقافي والعلمي للأمة، كان جديرا به أن يكون له تلاميذ إليه يرحلون، وعنه يتلقون، وعليه يتأدبون، وبه يتخرجون، وكل يأخذ حظه سماعا وتلقينا ومدارسة على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم.
وقد ذكر أبو سهل نفسه في مقدمة كتابه "التلويح "1 أنه ألف كتاب تهذيب الفصيح لبعض أولاد الكتاب في عصره، ثم ألف له أيضا "إسفار الفصيح "ثم اختصره وعلل سبب ذلك بقوله: "ثم إني رأيت جماعة من المبتدئين تضعف قواهم عن الإحاطة بما أودعته فيه من التفسير والشواهد من القرآن والشعر، ويستطيلون حفظه، فاختصرت لهم منه أشياء تكفيهم معرفتها، وتنشطهم في حفظها نزارتها، وأثبتها في هذا الكتاب، وسميته كتاب التلويح في شرح الفصيح ".
ومن هذا النص ندرك أن أبا سهل – رحمه الله – كان معنيا بخدمة طلاب العلم على اختلاف سني أعمارهم، فنراه يهذب لهم الكتب، ويؤلف المطولات، ويختصر المطول بأسلوب سهل، واضح العبارة، مشرق الدلالة، ليتسنى للمبتدئين إدراك فوائدها على غير مؤونة ولا كد ذهن.
__________
1 ص 1.

(1/91)


وبرغم هذه الجهود التي بدلها في التدريس والتأليف فإن كتب التراجم لم تذكر من تلامذته سوى تلميذين إثنين هما:
1- أبو بكر محمد بن علي بن حسن بن البر اللغوي الصقلي التميمي1.
ولد في صقلية، وارتحل إلى المشرق في طلب العلم، وأخذ عن أبي سهل الهروي2، وروى عنه كتاب الصحاح للجوهري، والغريبين لأبي العبيد3، وأخذ أيضا عن يوسف النجيرمي، وأبي القاسم بن يوسف وغيرهم.
كان التميمي هذا متبحرا في علوم اللغة والنحو والأدب، جيد الضبط، حسن الخط.
وكان ممن أخذ عنه وأكثر تلميذه علي بن جعفر بن علي السعدي، المعروف بابن القطاع الصقلي، وروى عنه كتاب الصحاح، والغريبين.
وتوفي – رحمه الله – سنة 459 هـ.
__________
1 ينظر في ترجمته: إنباه الرواة 3/190، وتكملة الإكمال 1/288، وتوضيح المشتبه 1/401، وإشارة التعيين 332، وطبقات ابن قاضي شهبة 196، والبلغة 208، وبغية الوعاة 1/178.
2 المقفى 6/355، وبغية الوعاة 1/178، 191، والتاج (برر) 3/38.
3 كما ورد في القراءة المدونة على إحدى نسخ الغريبين، وقد نقلتها في ص 84.

(1/92)


2-أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد بن عبد الله السعيدي1.
قال عنه الذهبي: "الشيخ العلامة، البارع المعمر، شيخ العربية واللغة"2.
وأجمعت مصادر ترجمته على أن مولده كان في سنة 420 هـ، فإن صح هذا التاريخ3، فهو يعني أنه تتلمذ مبكرا على أبي سهل المتوفي سنة 433 هـ، أي تتلمذ عليه، وهو صبي في الثالثة عشرة من عمره فما دون.
وعلى أي حال فقد ذكر المقريزي4 أنه أخذ عن أبي سهل الهروي، والقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وأبي الحسن طاهر بن بابشاذ النحوي، وسمع صحيح البخاري بمكة على كريمة بنت أحمد المروزية.
وأورد له القفطي في إنباه الرواة5 روايتين عن أبي سهل، وجاء على
__________
1 ينظر في ترجمته: معجم الأدباء 6/2440، وإنباه الرواة 3/78، والمحمدون من الشعراء 237، وإشارة التعيين 300، وسير أعلام النبلاء 19/455، والمقفى 5/426، وبغية الوعاة 5/426.
2 سير أعلام النبلاء 19/455.
3 قال ياقوت: "وقيل: إن مولده في سنة عشرين وأربعمائة "بصيغة التمريض.
4 المقفى 5/427.
5 إنباه الرواة 2/39, 349.

(1/93)


نسخة من كتاب "الغريبين "محفوظة في الخزانة الظاهرية قراءة ينتهي فيها علو السند إليه عن أبي سهل عن أبي عبيد مصنف الكتاب1.
وأخذ عنه عدد غفير من طلاب العلم كالحافظ أبي طاهر السلفي، وأبي القاسم البوصيري، والشريف الخطيب بن الحسن الرندي.
وله من المصنفات كتاب الناسخ والمنسوخ، وخطط مصر، وتصانيف أخرى في النحو.
توفي – رحمه الله – في شهر ربيع الآخر سنة 520 هـ، وله من العمر مائة سنة.
وأمكن معرفة ثلاثة من تلامذة أبي سهل من السماع المدون على الورقة الأولى من إسفار الفصيح بخط أبي سهل نفسه، وعلى الورقة الأخيرة بخط أحد تلامذته، وهؤلاء هم:
3- شهاب بن علي بن أبي الرجال الشيباني.
4- أبو القاسم مكي بن خلف البصري.
5- علي بن خلف اللواتي2.
ولم أعثر – مع طول بحث تنقيب – لهذين الأخيرين على ترجمة
__________
1 ينظر ص 84، 85 من هذا الكتاب.
2 نسبة إلى "لواته "اسم موضع بالأندلس، وقبيلة من البربر. معجم البلدان 5/24، والتاج (لوت) 1/583.

(1/94)


في المظان من كتب التاريخ والتراجم، أما شهاب فلم أعثر له أيضا على ترجمة مستقلة، ولكنه رجل نسيب، يؤول إلى بيت شرف وكرم، فأبوه علي – ويكنى أبا الحسن – من أعيان عصره وأعلامهم، تولى رياسة ديوان الإنشاء في الدولة الصنهاجية، ثم وزر لهم، فكان له تأثير على سير قضايا الأمور، واستطاع أن يقنع المعز بن باديس الصنهاجي بمقارعة المذهب الإسماعيلي الباطني في بلاد المغرب، وقطع الصلات بالدولة الفاطمية في مصر. وكان من ذوي الميل إلى العلوم الرياضية والفلكية، وله كتاب البارع في التنجيم، طبع وترجم إلى عدة لغات، وكان أيضا أديبا ناثرا وشاعرا مفلقا، مصيرا للآداب، يغمر الشعراء والكتاب بإحسانه وعطاياه، وكان من أسرة ذات ثراء وشرف، حتى قال ابن الأبار في ترجمة ابنه محمود بن أبي الرجال: "كان هو وأبوه وأهل بيته برامكة أفريقية "1.
وقد ألف باسمه ابن رشيق مؤلفات أدبية نفيسة، من أهمها كتاب العمدة، كما قدم له ابن شرف رسائل الانتقاد. وتوفي سنة 426 هـ2.
وورث عنه ابنه شهاب الوجاهة والسيادة والكرم، والرغبة في العلم والأدب. فقد ذكر أبو سهل في مقدمة التلويح3 وإسفار الفصيح4 أنه
__________
1 أعتاب الكتاب 214.
2 ترجمته في: البيان المغرب 1/273 وكشف الظنون 1/217، وعنوان الأريب 57، وتراجم المؤلفين التونسيين 2/343، ومعجم المؤلفين 7/92، وتاريخ الأدب العربي لعمر فروخ 4/462.
3 ص 1.
4 ص 309.

(1/95)


هذب فصيح ثعلب من أجله، ثم سأله تفسير ألفاظه فألف له إسفار الفصيح.
وفي السماع الذي دونه على الورقة الأولى من إسفار الفصيح خلع عليه من الألقاب ما يبين عن مكانته وشرفه، وأنه من ذوي الحسب والجاه والرياسة، فقال: "سمع مني هذا الكتاب من أوله إلى آخره بقراءتي عليه السيد الرئيس أبو الأزهر شهاب بن علي بن أبي الرجال الشيباني أيده الله، وهذا الأصل في يده يعارضني به وقت القراءة ... ".
وفي الورقة الأخيرة كتب السماع بخط مغاير لخط أبي السهل، ويظهر أنه خط شهاب هذا، لأنه نص أنه صاحب الكتاب ومالكه، فقال: "بلغ السماع لصاحبه شهاب بن علي ابن أبي الرجال بقراءة مؤلفه الشيخ أبي سهل محمد بن علي الهروي عليه كله في داره بمصر، لاثنتي عشرة خلون من ذي الحجة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع جميع ذلك أبو القاسم مكي بن خلف البصري، وعلي بن خلف اللواتي. وصلى الله على نبيه محمد وسلم".

(1/96)


المبحث السادس: منزلته العلمية.
سبق القول في حديثنا عن عصر أبي سهل إنه كان – من الناحية العلمية – من أزهى عصور الحضارة الإسلامية تقدما وازدهارا في العلوم كلها، ولا سيما علوم اللغة العربية.
ثم كان من توفيق الله لأبي سهل أنه ولد ونشأ في بيت علم، إذ كان أبوه أحد الراسخين في علوم اللغة العربية، وممن أوتي بسطة في تحصيلها، فحمل الإبن عنه علما كثيرا، ونهل من شرعته أدبا وفيرا.
ثم أخذ عن مشاهير علماء عصره وقرأ عليهم أصول كتب اللغة كالغريب المصنف، والجمهرة، والتهذيب، والصحاح، والغريبين وغيرها.
ثم تلى مرحلة التعلم مرحلة أخرى من حياته، وهي مرحلة العطاء بعد أن تم نضجه العلمي، وأصبح كثير الحفظ واسع الرواية، كثير الإطلاع، فالتف حوله طلاب العلم يقرأون عليه، ويروون عنه، ويلتمسون منه وضع المصنفات، وكان بعضهم ممن رحل إليه من أقاصي البلاد، وأصبحوا فيما بعد من العلماء المشاهير، كما سبق في ترجمة تلاميذه.
وقد هيأت له هذه المنزلة العلمية الرفيعة أن يرأس المؤذنين بجامع عمرو بن العاص الذي كان منارة علم وإشعاع، وإليه يفد الطلاب من

(1/97)


كل مكان، وفي رحابه تعقد حلقات العلم، وتجرى المناظرات والمحاورات بين جهابذة العلماء1.
وقد حظي من العلماء بالذكر العطر والثناء الحسن، فقال عنه القفطي: "له خط صحيح يتنافس فيه أهل العلم، كتب الكثير من كتب اللغة والنحو، وكان مفيدا وحدث "2. وقال أيضا: "وهو أحد الأدباء هو وأبوه "3. ووصفه المقريزي بالشيخ الجليل، وقرنه في ذلك الوصف بواحد من أكابر العلماء فقال في ترجمة ابن بركات السعيدي: ط ولقي المشايخ الأجلاء كالقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وأبي سهل الهروي"4. وقال في ترجمة أبي عبد الله اليمني: "روى عنه أبو سهل الهروي المؤذن، وهو أحد الأدباء "5.
ونعته ابن عبدوس وياقوت الموصلي بالشيخ6، وعده الصفدي والزبيدي من أئمة العلماء7، وأثنى التادلي على سماحة خلقه مع العلماء، وتورعة عن تغليطهم، ومحاولة إيجاد الأعذار لهم8.
__________
1 ينظر: الخطط المقريزية 1/246.
2 إنباه الرواة 3/195.
3 المصدر السابق 3/113.
4 المقفى 5/427.
5 المصدر السابق 5/594.
6 كشف الظنون 2/1073، والبلغة 406، 407.
7 نفوذ السهم (35/ أ) ، والتاج (بزم) 8/201.
8 الوشاح (40/ ب) .

(1/98)


وهو عند العلماء ثقة ثبت فيما يقوله أو يكتبه أو يرويه، لذلك كانت روايته للصحاح ونسخه التي كان يكتبها بنفسه من أصح وأوثق الطرق التي سلكها الصحاح إلى الناس1. قال ابن منظور: "ورأيت في حاشية نسخة من الصحاح موثوق بها ما صورته: قال أبو سهل: هكذا وجدته بخط الجوهري الثعبة بتسكين العين. قال: والذي قرأته على شخي في الجمهرة بفتح العين"2. وقال البغدادي في حاشيته على شرح بانت سعاد لابن هشام: قال الجوهري: قال الفراء: هو الصرى، والصرى للماء يطول استنقاعه.... وقد ضبط الأول بالكسر والثاني بالفتح في نسخة صحيحة مقابلة بنسخة أبي سهل الهروي المصححة بخط الجوهري"3.
واعتمد الصغاني في تأليف العباب على نسخة من الجمهرة لابن دريد بخط أبي سهل الهروي4. ونشر عبد الله يوسف الغنيم كتاب النبات للأصمعي معتمدا على ثلاث نسخ للكتاب أعلاها وأوثقها نسخة منقولة من نسخة بخط أبي سهل الهروي ومقابلة بها5.
وقد ترك أبو سهل آثارا لغوية تشهد بفضله، وغزارة علمه، وسعة حفظه، وتبحره في علوم اللغة، وعلو مقامه فيها، وقدرته الفائقة على
__________
1 مقدمة الصحاح 150.
2 اللسان (ثعب) 1/237.
3 الحاشية 1/555.
4 العباب (جلخط) ، وينظر: التاج 5/116.
5 النبات (مقدمة المحقق) 15.

(1/99)


الإحاطة والاستقصاء وجمع الأوابد والشوارد من محيط اللغة الواسع، وقد أقر له الصفدي بهذا الفضل، فقال في ترجمته: "وله شرح فصيح ثعلب سماه "الإسفار"استوفي فيه واستقصى، ثم اختصره وسماه "التلويح في شرح الفصيح"، وكتاب "الأسد"مجلد ضخم نحو ثلاثين كراسة، وذكر فيه ستمائة اسم، وكتاب "السيف"ذكر فيه نحو ثمانمائة اسم"1.
وكان لآثاره – رحمه الله – أثر جلي فيمن جاء بعده، فقد نقل العلماء أقواله، واعتمدوا على تحقيقاته، ونقلوا ردوده على كثير من العلماء، كالأصمعي والمهلبي وأبي سعيد السكري، وثعلب الفارابي (صاحب ديوان الأدب) والجوهري، وغيرهم2. وفي مبحث آثاره سنرى عددا من المصادر اللغوية التي استفادت منه ونقلت من كل مصنفاته تقريبا.
وشرح في إسفار الفصيح بعض الألفاظ الفارسية، وردها إلى أصولها3. وهذا يدل على اطلاعه ودرايته باللغة بالفارسية، ولا غرو في ذلك، فموطنه الأصلي ومسقط رأسه "هراة"، واللغة الفارسية منتشرة هناك.
__________
1 الوافي 4/120، 121.
2 ينظر مثلا: التنبيه والإيضاح (خنر) 1/195، ونفوذ السهم (35/أ) ، (98/أ) ، (85/ب) ، والمزهر 2/390-392، والدر اللقيط (195/م) ، وشرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 5/291، وحاشيته على شرح بانت سعاد 1/347، واللسان (ذنب) 1/393، والتاج (بزم) 8/201. وينظر ص 105-121 من هذا الكتاب.
3 ينظر ص 168.

(1/100)


ومما تقدم نعلم أن أبا سهل حاز درجة رفيعة من الثقافة، وارتقى منزلة علمية سامية في عصره، وفيما بعد عصره إلى يومنا هذا.

(1/101)


المبحث السابع: آثاره.
ترك أبو سهل عددا من المصنفات الجليلة، ذكر طائفة منها في كتابه "إسفار الفصيح"، وطائفة ذكرتها كتب التراجم، أو من نقل عنه من العلماء.
ولكن جلّ هذه المصنفات سقط- مع الأسف- من يد الزمن، وعفت عليه عواصف المحن والنكبات التي مر بها العالم الإسلامي، فأودت بكثير من تراثه الفكري.
ولا يبعد- وهذا ما نرجوه إن شاء الله – أن يكون هناك طائفة من مصنفاته مغيبة عنّا في خزائن المكتبات العالمية، لم يبلغنا علمها بعد، أو لم تفهرس محتوياتها وتنشر على الباحثين.
ولا شك أن عددا من مصنفاته بقي متداولا في أيدي الناس قرونا طويلة، يشهد بذلك النصوص المنقولة عنه في تصانيف الاحقين.
والملاحظ على مصنفاته التي نمى إلينا علمها أنها تدور جميعا في فلك اللغة مع أن القريزيّ1 والسيوطي2ذكر أن له تآليف في النحو،
__________
1 المقفى 6/355.
2بغية الوعاة 1/190.

(1/102)


لكنهما لم يذكرا اسم شيء منها. كما أن الحبال1 وياقوت2 والقفطي3 ذكروا في سلسلة نسبة أنه "النحوي ". ونص القفطي4 والمقريزي5 والسيوطي6 في أثناء ترجمته أنه "من الحياة ". ولا نذهب بعيدا فأبو سهل – قبل هؤلاء –لقب نفسه بالنحوي، وورد ذلك بخطه على الورقة الأولى من كتابه إسفار الفصيح، وفي مقدمة الكتاب أيضا.
فهل نستدل بذلك على أن أبا سهل كان قد حذق علم النحو واستوعب أصوله وأحاط بفروعه، فكان له مصنفات فيه، كما ذكر السيوطي والمقريزي، أو كما يدل عله انتسابه الصريح إلى علم النحو؟
لا أقطع بذلك، لأن أحدا ممن ترجم له لم يذكر أسماء هذه المصنفات، ولو أن له مصنفات في هذا الفن لأحال عليها كعادته في الإحالة على أكثر مصنفاته في كتابه إسفار الفصيح، كما أن المصادر التي جاءت بعده لم تنقل عنه شيئا من هذه المصنفات بخلاف مصنفاته اللغوية التي نقلت عنها كثيرا، كما سيتضح لنا عرضها. وهذا والده أبو الحسن الهروي كان من علماء النحو، وله مصنفات مذكورة معروفة،
__________
1 وفيات المصريين 75.
2 معجم الأدباء 6/2579.
3 إنباه الرواة 3/195.
4 السابق 3/195.
5 المقفى 6/355.
6 بغية الوعاة 1/190.

(1/103)


فلذلك كثرت عنه النقول في بطون الكتب النحوية1.
إذا فما تفسير تلقيبه بالنحوي؟
الإجابة على ذلك تحتمل واحدا من أربعة أمور:
1- أن يكون انتقل إليه اللقب عن طريق والده الذي كان يلقب بالنحوي أيضا2.
2- أو لعله شارك في تدريس النحو فلقب بذلك.
3- أو بسبب إشتغاله بنسخ الكثير من كتب النحو3.
أو لعل ذلك من باب التوسع في مدلول هذا اللقب، حيث لم تكن تعني كلمة نحوي قديما ما نعنيه اليوم من تخصيص وحصر لهذا المصطلح، ولم يكن أكثر القدماء يفرقون بين النحوي واللغوي والأديب، وكانت هذه المصطلحات تتداخل في وصف معظم علماء اللغة، لأن الواحد منهم كان – في الغالب – ملما بعلوم العربية كلها، فالقفطي – مثلا – قال عن أبي سهل إنه "كان نحويا "4، ثم ذكر في مكان آخر
__________
1 ينظر مثلا: مغني اللبيب 362، 363، 662، وارتشاف الضرب 2/467، 480، 654، والجنى الداني 224، ومصابيح المغاني 183، 314، 421، 456.
2 إنباه الرواة 2/311.
3 المصدر السابق 3/195.
4 إنباه الرواة 3/195.

(1/104)


من كتابه إنباه الرواة أنه "أحد الأدباء هو وأبوه "1. وكذلك فعل المقريزي في المقفى2، عندما قال في ترجمته أنه نحوي، ثم نعته في مكان آخر من الكتاب بالأديب، وهذا لا يعني بالضرورة أنه كان من الأدباء كما نفهمه نحن اليوم.
وقد سلك أبو سهل في تصانيفه طرقا مختلفة، فكان منها الكتب المختلفة، ومنها الشروح والمختصرات والتعليقات والحواشي.
وقد حاولت في هذا المبحث إحصاء آثاره، والتعريف بمحتويات بعضها، وتتبع ما نقل عنها في مصنفات اللاحقين، وهذا بيانها مرتبة وفق حروف الهجاء:
1- إسفار الفصيح:
أشهر مؤلفات أبي سهل، وهو موضوع هذه الدراسة، وسيأتي الحديث عنه مفصلا.
2- التلويح في شرح الفصيح:
اختصره من إسفار الفصيح، وذكر في مقدمته الباعث على ذلك الاختصار، والمنهج الذي سلكه فيه فقال: "ثم إني رأيت جماعة من
__________
1 المصدر السابق 3/113.
2 المقفى 5/594، 6/355.

(1/105)


المبتدئين تضعف قواهم عن الإحاطة بما أودعته فيه1 من التفسير والشواهد من القرآن والشعر، ويستطيلون حفظه، فاختصرت لهم منه أشياء تكفيهم معرفتها، وتنشطهم في حفظها نزارتها، وأثبتها في هذا الكتاب، ووسمته بكتاب "التلويح في شرح الفصيح"، لأنني لوحت بشرح فصوله كلها فقط، ولم أذكر شاهدا على شيء منها، ولا جمعا لاسم، ولا تصريفا لفعل، ولا مصدرا له، ولا اسم فاعل ولا مفعول، إلا ما أثبته أبو العباس رحمه الله تعالى في الأصل، ولم أذكر فيه أيضا شرح الرسالة، ولا الأبيات التي استشهد بها، ولم أنبه على شيء من الفصول التي أثبتها في غير أبوابها، وأحالها عن جهة صوابها، طلبا للتخفيف والإيجار، فإذا حفظوا هذا الكتاب وأتقنوه، وآثروا زيادة في التفسير والبيان على ما فيه، نظره في ذلك الكتاب2، إن شاء الله تعالى "3. وقد التزم بمنهجه هذا إلى حد كبير، فجاء الكتاب متسما بالإيجاز والاختصار، ليكون سهل المأخذ على الناشئة المتأدبين، لذلك نراه يكتفي في أكثر الكتاب بتفسير اللفظ بمرادفه، أو بجملة قصيرة غاية في الإيجاز، واكتفى بإيراد أشياء مختصرة تكفي معرفتها للناشئة المتأدبين، وتنشطهم في حفظها نزارتها كما قال.
ومع ذلك فقد وجدته يورد أشياء كثيرة زائدة عما في الأسفار أو
__________
1 أي في إسفار الفصيح.
2 يعني كتابه إسفار الفصيح.
3 التلويح 1-2.

(1/106)


مخالفة له، وقد نبهت عليها أو نقلتها في مواضعها من حواشي التحقيق.
وذكر هذا الكتاب عند أكثر مترجميه باسم "التلويح في شرح الفصيح "1 وذكره آخرون باسم "مختصر شرح الفصيح "2. ووهم عمر رضا كحالة فجعل التلويح هو الأصل المختصر منه، فقال: "من تصانيفه ... شرح الفصيح لثعلب، وسماه التلويح في شرح الفصيح ثم اختصره "3.
وممن تأثر بهذا الكتاب ونقل عنه البغدادي في الخزانة4، وفي حاشيته على بانت سعاد5، وسماه "شرح الفصيح "وفي شرح أبيات مغني اللبيب6، وسماه "التلويح في شرح الفصيح ".
ومنه نصوص مقارنة بنصوص مناظرة للغويين آخرين، في نصوص في فقه اللغة العربية7، ونصوص لتوضيح طريقته ومنهجه في لحن
__________
1 الوافي 4/121، وكشف الظنون 2/1273، وإيضاح المكنون 3/320، ولف القماط 255، ومعجم المطبوعات العربية 1/663، 2/1894، وبروكلمان 2/211، وتاريخ التراث العربي 8/478.
2 معجم الأدباء 6/2579، وبغية الوعاة 1/195، وهدية العارفين 6/69، والأعلام 6/275.
3 معجم المؤلفين 11/60.
4 7/530، وينظر: التلويح 34، 81.
51/544، 3/79، وينظر: التلويح 34، 81.
6 4/88، 5/281، وينظر: التلويح 51، 81.
7 1/323 – 361.

(1/107)


العامة والتطور اللغوي1، ومعجم المعاجم2، ومقدمة الفصيح3، وتصحيح الفصيح4.
وطرز كثير من محققي كتب التصحيح اللغوي وغيرها حواشي هذه الكتب بنقول كثيرة منه5.
وكما حظي التلويح قديما بشهرة كبيرة، فكان من أكثر الشروح تداولا في أيدي الناس بدليل انتشار نسخه الخطية في مكتبات شتى من أقطار العالم، حظي بهذه الشهرة أيضا حديثا، فكان من أوائل كتب التراث التي عرفت الطباعة الحديثة، وكان أول شرح للفصيح تنشره المطبعة العربية، بل نشر قبل الفصيح نفسه، وظهر في طبعات عديدة هي:
__________
1- طبعة القاهرة سنة 1285 هـ.
2- طبعة وادي النيل سنة1289 هـ.
3- طبعة ليبسيك سنة 1876 م.
طبعة مطبعة السعادة سنة 1325 هـ ضمن مجموعة (كتاب الطرف
1 173 - 174
2 ص 81، 82، 83.
3 ص 172، 173.
4 ص 181 – 184.
5 ينظر مثلا: ما تلحن فيه العامة 112، 134، 136، وفصيح ثعلب 290، 291، 315، والفرق لابن فارس 63، وشرح الفصيح لابن الجبان 207، 209، 226، 233، 244، 254، 263، 343، والاقتضاب 2/29، والتثقيف 271، وشرح الفصيح لابن ناقيا 2/269، وتصحيح التصحيف 295، 408، 496.

(1/108)


الأدبية لطلاب العلوم العربية) بإشراف محمد أمين الخانجي، ومحمد بدر الدين النعساني.
5- طبعة المطبعة النموذجية سنة 1368 هـ، ضمن مجموع يضم ذيل الفصيح لعبد اللطيف البغدادي، وقطعة من أول كتاب الاشتقاق لابن دريد، وكتاب "فعلت وأفعلت"للزجاج، بـ "تحقيق ودراسة"الدكتور: محمد عبد المنعم خفاجي1.
وهذه الطبعة هي الشائعة والمتداولة اليوم في أيدي الناس، ولي علبها بعض الملحوظات أذكر منها:
1-وضع المحقق مقدمة للكتاب في عشر صفحات تحدث فيها عن الفصيح، وأشار إلى بعض شروحه، وذكر منها التلويح، ولم يذكر شيئا غير هذا عن التلويح، كما لم يعرف بمصنفه أبي سهل الهروي، ولم يوضح منهجه في التحقيق، ولم يذكر النسخ التي اعتمد عليها في نشر الكتاب.
2- لم يخرج ما ورد في الكتاب من آيات وأحاديث وأشعار وأقوال وأمثال، ولم يعن بضبط النص.
3- تكاد حواشي الكتاب تخلو من الهوامش والتعليقات عدا بعض الشروح اللغوية اليسيرة، والتعريف بعدد قليل من الشعراء والبلدان.
__________
1 ينظر: بروكلمان 2/211، ومعجم المطبوعات العربية 1/663، وتاريخ التراث العربي 8/478، ومعجم المعاجم 28.

(1/109)


4-وقع بالمطبعة كثير من التصحيف والتحريف والخلط، فمن ذلك ما جاء في ص 31 من باب المصادر حين قال: "وغار الماء يغور غورا: إذا نضب، أي وذهب نزل في الأرض وذهب. وغارت عينه غؤرا إذا دخلت نضب، أي نزل في الأرض وذهب في رأسه"! والصواب كما في المخطوطة: "وغار الماء يغور غورا: إذا نضب، أي نزل في الأرض وذهب. وغارت عينه غؤرا: إذا دخلت في رأسه"1.
5- في صلب الشرح نصوص غريبة عن الكتاب، وهي حواشي مقحمة يبدأ بعضها بحرب (ط) ، وواحدة منها تبدأ بحرف (ٍس) ولم ينبه عليها المحقق، معتقدا أنها من صلب الكتاب، وقد علق عند أول الزيادة التي تبدأ بحرف (س) قائلا: إنها "إشارة إلى أبي سهل لقب الشارح"2!
وقد وجدت هذه الزيادات بنصها في النسخة الخطية التي بين يدي، وهي مصورة عن أصل محفوظ في المكتبة المركزية بجامعة الملك سعود بالرياض. ويظهر أنها والنسخة التي اعتمد عليها المحقق في إخراج الكتاب منقولتان عن أصل واحد أقحمت فيه تلك الزيادات.
وقد تبين لي بعد تفحص هذه الزيادات أنها منقولة بالنص أو بتصرف
__________
1 التلويح (17/ أ) .
2 التلويح 90.

(1/110)


يسير في اللفظ من كتاب الاقتضاب لابن السيد البطليوسي1، وكتاب تهذيب إصلاح المنطق، لأبي زكريا التبريزي2.
وأخبرني الدكتور رمضان عبد التواب أن باحثة تدعى أمل عبد الكريم تعمل على تحقيق كتاب التلويح ودراسته في جامعة عين شمس بالقاهرة تحت إشرافه3.
3- تهذيب كتاب الفصيح:
أول كتب أبي سهل التي ألفها على الفصيح، ذكره في مقدمة إسفار الفصيح4، وذكره أيضا في مقدمة التلويح فقال: "وكنت قد هذبته5 لبعض أولاد الكتاب، وميزت فصوله، ورتبت أوائلها في أكثر الأبواب على حروف المعجم، في كتاب مفرد معرى من التفسير أيضا، نحوما في الأصل، ووسمته بتهذيب كتاب الفصيح"6.
__________
1 التلويح 77، 81، 91، والاقتضاب 2/102، 185، 238.
2 التلويح 70، وتهذيب إصلاح المنطق 1/347.
3 في مكالمة هاتفية تمت يوم 25/8/1416 هـ.
4 ص 309.
5 يعني الفصيح.
6 التلويح1. وذكر بعض مفهرسي المخطوطات كتابا بعنوان "تهذيب الفصيح"لمجهول في جامعة استنبول تحت رقم: (1421) . فخطر لي أنه كتاب أبي سهل هذا، وبعد زيارة المكتبة في صيف عام 1415 هـ تبين أنه نسخة من كتاب درة الغواص للحريري.

(1/111)


4-حاشية على صحاح الجوهري:
ما إن ظهر معجم الصحاح إلى الوجود حتى طارت شهرته في الآفاق، ورزق من الحظوة والذيوع والقبول عند الناس بما لم يحظ به معجم غيره. ولم يكد يظهر على أقلام الرواة حتى شغل به العلماء قراءة ومدارسة وتحقيقا ونقدا واختصارا وزيادة وتذييلا.
وكان أبو سهل ممن اهتم بكتاب الصحاح، فنسخه من خط الجوهري، وقرأ هذه النسخة على تلميذه ابن عبدوس، وقيد في حواشيها كثيرا من النقد والشروح والاستدراكات، فكان بصنيعه هذا أول وأقدم من تصدى لنقد الصحاح والاستدراك عليه، بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين المعاصرين1 من أن ابن بري هو أول من فعل ذلك.
وانتهت نسخة أبي سهل هذه إلى ياقوت الموصلي، فاتخذها أصلا لنسخ كتاب الصحاح وروايته، وأشار إلى مآخذ أبي سهل واستدراكاته على الجوهري فقال: "نقلت هذا الكتاب من خط الشيخ أبي سهل محمد بن علي الهروي النحوي رحمه الله تعالى، وذكر أنه نقله من خط المصنف ... وقد استدرك أبو سهل وبين بعض ما صحفه المصنف ... وقد أثبت ذلك في موضعه، ولي أيضا مواضع قد نبهت عليها من سهو المصنف، ومن سهو وقع في خط أبي سهل، على أن الكتب الكبار لا تخلو من ذلك "2.
__________
1 مصطفى حجازي في المقدمة التي صدر بها تحقيقه لكتاب التنبيه والإيضاح لابن بري 1/48، 49.
2 كشف الظنون 2/1074. وينظر: 406، 407.

(1/112)


واشتهرت حواشي أبي سهل على الصحاح، فكانت استدراكاته وردوده وشروحه عليه زادا لكثير من العلماء الذين ألفوا حول الصحاح، أو نقلوا عنه.
فممن تأثر بها أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار (ت – 582 هـ) 1، ومحمود ابن أحمد بن محمود الزنجاني (ت – 656 هـ) 2، وابن منظور محمد بن مكرم بن علي الأنصاري (ت – 711 هـ) 3، وصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت –
764) 4، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت- 911 هـ) 5، ومحمد بن مصطفى الداودي المعروف بداود زاده (ت – 1017 هـ) 6، وعبد القادر بن عمر البغدادي (ت – 1093 هـ) 7، وأبو عبد الله محمد بن الطيب الفاسي (ت - 1170 هـ) 8، وأبو زيد عبد الرحمن بن عبد العزيز
__________
1 التنبيه والإيضاح 1/195، 253، 2/118 (جرج، صلح، خنر) .
2 تهذيب الصحاح 1/132 (عفت) .
3 اللسان 1/237، 393، 2/224، 3/30، 4/259، 7/35، 13/46 (ثعلب، ذنب، جرج، شردخ، درص، خنر، بحن) .
4 نفوذ السهم (3/أ) ، (14/أ) ، (31/ب) ، (32/أ) ، (35/أ) ، (37/أ) ، (40/ب) ، (47/أ) ، (50/ب) ، (53/أ) ، (58/ب) ، (62/ب2) ، (81/ب2) ، (83/ب) ، (88/أ) ، (95/أ) ، (98/أ) .
5 المزهر 1/111، 550، 2/390-391.
6 الدر اللقيط (24/أ) ، (85/ب) ، (112/ب) ، (195/أ) .
7 خزانة الأدب 9/197، 351، وشرح أبيات مغني اللبيب 5/291، وحاشيته على شرح بانت سعاد 1/555.
8 إضاءة الراموس (618، 619) ، (نقت) .

(1/113)


المغربي التادلي (ت – 1200 هـ) 1، والسيد المرتضى محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبيدي (ت – 1205 هـ) 2، وأحمد فارس بن يوسف الشدياق (ت -1304 هـ) 3.
5- شرح الفصيح:
ذكره أبو سهل في مقدمة إسفار الفصيح، وأشار إلى أنه يعمل في تأليفه فقال: "وقد كنت قبل ذلك ابتدأت بشرح الأصل، ثم لما سألتني تفسيره واستعجلتني فيه عملت لك هذا4، وقصدت الإيجاز والاقتصار في التفسير، ليقرب عليك حفظه. وإن امتدت بي الحياة تممت – إن شاء الله – شرحه لك. ولنظرائك المتأدبين"5.
وأحال عليه في مواضع كثيرة من إسفار الفصيح، لكن طريقته في الإحالة اختلفت في النصف الثاني من الكتاب – تقريبا – عن أوله، فعبارات الإحالة في النصف الأول توحي بأنه قد فرغ تماما من شرح المواضع التي أحال عليها، فمن ذلك قوله: " ... وقد بينت هذا في
__________
1 الوشاح (40/ ب) .
2 التاج 1/201، 256، 254، 593، 2/15، 105، 259، 264، 3/191، 5/6، 7/95، 9/135، (ذنب، كرب، نقت، جرج، نجج، شردخ، قترد، خنر، درص، أنض، هرق، بزم، بحن) .
3 الجاسوس 332.
4 يعني إسفار الفصيح.
5 ص 310.

(1/114)


شرح الكتاب بيانا شافيا، وأنت تراه فيه – إن شاء الله –"1. وقوله: " ... وقد استقصيت ذكر هذه الفصول وأبنت اشتقاقها وأصلها في شرح الكتاب، ولا يحسن ذكرها هاهنا لما شرطته من اقتصار التفسير في هذا الكتاب"2.
أما في النصف الثاني من شرحه للكتاب فكانت عباراته في الإحالة توحي بأنه لم يفرغ بعد من شرح ما أحال عليه، ومن ذلك قوله: " ... وفيه أربع لغات، أذكرها لك – إن شاء الله – في شرح الكتاب"3. وقوله: " ... وذكر أشياء أخر تركت ذكرها هاهنا خوف الإطالة، وأنا أذكرها – إن شاء الله – في شرح الكتاب، وبالله التوفيق"4.
فالظاهر من هذا أنه فرغ من شرح نصف الكتاب تقريبا قبل أن ينصرف عنه إلى تأليف إسفار الفصيح، وكان في نيته أن يتم شرح الباقي بعد الانتهاء من تأليف الإسفار.
ويلاحظ على أبي سهل أنه لم يشر إلى هذا الشرح في مقدمة التلويح عندما عدد أعماله على فصيح ثعلب5، وإذا كان التلويح هو آخر مصنفاته فيما نعلم6، فإن هذا قد يدل على أن أبا سهل عدل عن إتمام هذا الشرح نهائيا، أو لعله ظل يعمل في تأليفه حتى وافاه الأجل قبل أن
__________
1 إسفار الفصيح 424، 514. وينظر: ص 375، 446.
2 إسفار الفصيح 424، 514. وينظر: ص 375، 446.
3 المصدر السابق 265، 271، 272. وينظر: ص 251، 291، 296.
4 المصدر السابق 265، 271، 272. وينظر: ص 251، 291، 296.
5 ص 1.
6 ينظر: ص 131، 132 من هذا الكتاب.

(1/115)


يتمه، لأننا نعلم أن البعد الزمني بين تأليف الإسفار ووفاته ليس طويلا، ولعل الجزء الذي أنجزه بقي مسودة لم تصل إليه أيدي النساخ حتى أخذته يد الضياع، ولذلك لم نجد لهذا الشرح ذكرا أو أثرا فيمن جاء بعده من العلماء.
6 – الفرق بين الضاد والظاء:
هذا الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجم لأبي سهل قديما وحديثا، وقد ذكره ابن مالك في "وفاق المفهوم"ونقل عنه في مواضع متفرقة من الكتاب، منها قوله: "وظأب الرجل وظأنه: سلفه. ذكره أبو سهل محمد بن علي بن محمد الهروي في كتاب الفرق بين الضاد والظاء"1.
كما نقل عنه في كتاب (الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد) في خمسة مواضع2،
وكتاب (تحفة الإحظاء في الفرق بين الضاد والظاء) في خمسة عشر موضعا3.
كما نقل عنه أبو حيان بواسطة ابن مالك في كتابه (الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء) في خمسة مواضع أيضا4.
__________
1 وفاق المفهوم 54. وينظر نقوله عنه في الصفحات التالية:74، 150، 151، 152، 153، 158، 159، 160.
2 ص 59، 90، 93، 97، 89.
3 ذكره الدكتور غنيم الينبعاوي في كتابه: الدراسات اللغوية عند ابن مالك ص 339.
4 ص 108، 138، 139، 143، 148.

(1/116)


7 – كتاب الأسد:
ذكره أبو سهل في إسفار الفصيح، وأحال عليه بقوله: " ... وقد بينت هذا بيانا شافيا في كتاب الأسد"1.
وذكر في معجم الأدباء2، والوافي3، وبغية الوعاة4 وكشف الظنون5، والبلغة في أصول اللغة6.
وقال عنه الصفدي: "وكتاب الأسد مجلد ضخم نحو ثلاثين كراسة، وذكر فيه ستمائة اسم"7.
وهو من مصادر السيوطي في كتابه "نظام اللسد في أسماء الأسد"، وذكره في المقدمة8. وفي العباب للصغاني ثلاثة نصوص منقولة عن أبي سهل كلها في صفة الأسد، من هذه النصوص قوله: الجلنبط – مثال جحنفل -: الأسد، وقال أبو سهل الهروي: ذكره ابن خالويه وقطرب في ذكر أسماء الأسد وصفاته، ولم يذكرا تفسيره، قال: ولا أعلم أنا أيضا تفسيره"9 وقوله: "والخشاف – بالفتح، والتشديد – والخاشف والمخشف: من صفات الأسد. قال أبو سهل الهروي: أما الخشاف فهو
__________
1 ص 937.
2 6/2579.
3 4/121.
4 1/195.
5 1/86.
6 336.
7 الوافي 4/121.
8 نظام الأسد (1/أ) . وينظر: كشف الظنون 2/1960، والبلغة في أصول اللغة 52.
9 العباب (جلبط) 33.

(1/117)


الأسد الذي يقشر كل شيء يجده، وهو فعال من الخشف، وهو القشر ... "1وقوله: "قال أبو سهل الهروي: وأما الأغضف فهو الأسد المتثني الأذن، وهو أخبث له ... "2 والنص الأول والأخير عن أبي سهل أيضا في التاج3.
ولا يبعد أن تكون هذه النصوص منقولة عن أبي سهل من كتابه هذا.
1- كتاب السيف:
ذكره أبو سهل في إسفار الفصيح، وأحال عليه بقوله: " ... وقد استقصيت ذكر هذا في كتاب السيف، فتنظره هناك إن شاء الله"4.
وذكر في معجم الأدباء5، والوافي6، وبغية الوعاة7، وكشف الظنون8، والبلغة في أصول اللغة9.
__________
1 العباب (خشف) 141.
2 العباب (غضف) 473.
3 التاج 5/115، 6/311 (جلط، غضف) . وفسر الزبيدي "الجنلبط"بقوله:"قلت: ويجوز أن يكون مركبا منحوتا من جلط ولبط، وهو الذي يقشر صيده، ويضرب به الأرض فتأمل".
4 ص 839.
5 6/2579.
6 4/121.
7 1/195.
8 1/88.
9 336.

(1/118)


وقال عنه الصفدي: "وكتاب السيف، ذكر فيه نحو ثمانمائة اسم1.
9- كتاب في الحديث:
ذكره أبو طاهر في معجم السفر2، ونقل منه حديثا بسنده، ولم يذكر هذا الكتاب أحد ممن ترجم لأبي سهل، إلا أن الحبال والقفطي والبغدادي ذكروا جميعا في ترجمته أنه حدث3 لكنهم لم يذكروا له كتابا في الحديث.
10- الكتاب المثلث:
ذكره أبو سهل في إسفار الفصيح، بقوله: " ... وقد استقيصيت ذكر الحال في الكتاب المثلث"4.
وهو من مصادر الصغاني في التكملة5، والعباب6، وذكر أنه في أربعة مجلدات.
11- المكنى والمبنى:
ذكره أبو سهل في إسفار الفصيح، وأحال عليه في موضعين قال في أحدهما: ".... وقد استقيصيت هذا الفصل في كتاب المكنى والمبنى"7.
__________
1 الوافي 4/121.
2 ص 463.
3 ينظر: وفيات المصريين 75، وإنباه الرواة 3/195، وهدية العارفين 6/69.
4 ص 513.
5 1/8.
6 1/29.
7 ص 511، وينظر: ص 514.

(1/119)


ويظهر أنه كان أساس كتاب "المرصع"للمبارك بن الأثير الجزري (ت 606هـ) إذ ذكر في مقدمة الكتاب أنه سلك في تأليفه طريقا سهلا، فرتب الكلمات فيه على أوائل الحروف، فإذا ما أراد الإنسان كلمة ظفر بها سريعا من غير تعب، ثم عقب بقوله: "على أني لم أر في هذا الفن كتابا مؤلفا على الحروف، إلا ما جمعه أبو سهل محمد بن علي بن محمد الهوري، فإنه جمع كتابا كبيرا في هذا الفن، وقفاه عل أواخر الأسماء، ولم يلتزم فيه ترتيب الكلمات في مواضعها على التقديم والتأخير، ثم عاد ونقض هذا الالتزام فحصل في طلب الكلمة منه تعب ومشقة"1.
وصرح بالنقل عنه في خمسة مواضع، قال في أحدها: ".... وكل من كان من بني ذهل يقال له: أبو عمرو، ويقال للصقر أيضا: أبو عمرو، حكى ذلك أبو سهل"2.
وعده الصغاني من مصادره في التكملة3 والعباب4. ونقل عنه ياقوت في معجم البلدان5، والمحبي في ما يعول عليه6.
__________
1 المرصع 19-20.
2 المصدر السابق، وينظر: ص 111، 121، 138، 222.
3 1/8.
4 1/29.
5 رسم (أبو خالد) 1/80، ورسم (أم جحدب) 1/250.
(25/ب) ، (26/ب) ، (99/ب) .

(1/120)


12- المنمق:
ذكره أبو سهل في إسفار الفصيح، وأحال عليه في ثلاثة مواضع، قال في أحدها: "وعنب ملاحي بضم الميم وتخفيف اللام وتشديد الياء: وهو عنب أبيض في حبه طول، وهو مأخوذ من الملحة، هي البياض، وفيها اختلاف، وقد ذكرته في الكتاب المنمق"1.
وقال في موضع آخر في أثناء حديثه عن الألوان: "وقد عملت في هذا المعنى كتابا، وسميته المنمق، استقصيت فيه هذه الألوان الخمسة وتوابعها وما تفرع منها، وبالله التوفيق"2.
فالظاهر من هذين النصين أن الكتاب مؤلف في رصد الألوان الخمسة (الأسود، والأبيض، والأصفر، والأحمر، والأخضر) وما يتولد عنها من ألوان مختلفة بالمزج أو الاختلاط، أو ما أشبه ذلك.
وتأليف كتاب يختص بالألوان ويتحث فيها، يظهر لنا اهتمام أبي سهل وعنايته بالألوان في مرحلة زمنية مبكرة من تاريخنا، ولم يسبقه أحد – فيما أعلم – إلى وضع مصنف خاص بالألوان إلا أبا عبد الله الحسين بن علي النمري، المتوفى سنة 385هـ الذي ألف كتابا في ألفاظ الألوان، وسماه "الملمع"3.
__________
1 ص 761، 864.
2 ص 761، 864.
3 الكتاب مطبوع، وهو من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، بتحقيق وعناية وجيه أحمد السطل سنة 1976م.

(1/121)